( أدّوا مهور نسائكم )
خطبة ألقاها الشيخ:
باسل بن عبد الرحمن الجاسر رحمه الله
الحمد لله ثمً الحمد لله الحمد لله نحمده نستعين به نستهديه نسترشده نتوب إليه ونتوكّل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمّداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله خير نبي اجتباه ، وهدى ورحمة للعالمين أرسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلا يوم الدّين أمّا بعد أيها الأخوة المؤمنون: الحقوق الاجتماعيّة المضيّعة كثيرة وماضيّع المسلمون الحقوق فيما بينهم إلا لحدّة جهلهم بهذه الحقوق وتقصيرهم في التعرّف على شرع الله تعالى ولشدّة حبّهم للأنا واستئثارهم بكلّ ما يستطيعون فسيطر علينا الجهل والطّمع ولهذا ضاعت الحقوق فيما بيننا، ومن الحقوق الماديّة التي ضيّعناها وفرّطنا فيها بالغالب الحقّ الماديّ المترتّب للمرأة على زوجها ألا وهو المهر والذي هو أعظم الحقوق المادّية على الإطلاق والوفاء به متحتّم كأيّ دَيْنٍ بل أكثر من أيّ دَيْنٍ لأنّه دَيْنٌ ذو طبيعة خاصّة ترتّب على الرّجل للمرأة من خلال عقدٍ ذي قدسيّة وشرف فليس الدّين المترتّب للمرأة على زوجها ديناً عاديّا كأيّ دَين في تجارةٍ أو في بيع وشراء، ولكنّه دين ذو طبيعة مقدّسة لأنه كان مقترنا بعقد مقدس هوعقد النّكاح وفي قدسيّة هذا العقد وهذا الدَّين وفي بيان فضله وتميّزه على سائر أنواع الدّيون وعلى سائر أنواع العقود يقول النّبي المصطفى صلوات اللّه وسلامه عليه (( إنّ أحقّ الشروط أن توفوا به ما استحللتم به فروج النّساء )) إذا هو ألزم دَينٍ وأوجب حقٍ فيما بين البشر فلا ينبغي أن يفرّط فيه امرؤٌ لجهل أولطمع أمّا الجهل فها نحن نعالجه بنشر هذا العلم وأمّا الطمع فإنّ هذا الأمر موكول إليك أيّها العبد المؤمن يا من تخاف عقوبة الله في الآخرة. إياك أن يحملك الطمع على أن تستأثر بكل شيء وتحرم أصحاب الحقوق من حقوقهم وتضيّع حقّ زيد وعمرو وتضيّع حقّ شريك أو حقّ جار أو حقّ أب أوأمّ أوحقّ ابن أوابنة أو حقّ زوجة لأنّ الحقوق ستسأل عنها يوم تقف بين يدي الله تعالى.
المهر ـ أيّها الأحبّة ـ يمكن أن نعرّفه بأنّه هديّة إلزاميّة يطالب الرجل بها عندما يتزوّج امرأةً زواجاً شرعياً على كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم ًهي هدية وهي إلزامية أما أنها هدية فلأن الزواج ليس صفقة تجارية والمهر ليس ثمنا لسلعة تباع وتشترى فالمرأة لها مكانة وهي ليست كدابّة أو كسيّارة أو كبيت أوكسلعة تجاريّة لا قيمة لها إلا بالمال ، المرأة إنسان والإنسان لا يستعبد ما دام حراً ولذلك هذا المهر ليس إلا هديّة و ليس ثمنا وليس شيئا يشبه الثّمن ،هو هديّة ، وأما أنّه إلزامي أي أنّه لا عقد بدون مهر فلا بدّ من تسمية مهرٍ مهما قل
وقد اختلف العلماء في تحديد الحدّ الأدنى من المهرقال بعضهم: الحد الأدنى من المهر عشرة دراهم، وقال آخرون: بل يمكن أن يكون المهر أقلّ من ذلك حتّى يمكن أن يكون المهر أشياء معنويّة لا مادّية كما جاء بالحديث أنّ رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له يا رسول الله زوّجني قال: ما تملك قال: لا أملك شيئاً قال: النبي صلى الله عليه وسلّم التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب الرجل فالتمس خاتما من حديد فلم يجد فرجع فقال: يا رسول الله ما وجدت فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: ما تحفظ من القرآن ؟ قال: أحفظ سورة كذا وسورة كذا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: زوجتكها بما معك من القرآن .
قال العلماء: هذا يعني أن المهر أن يعلّمها ما يحفظ من القرآن الكريم فماالفائدة إن كان يحفظ أو لا يحفظ بالنسبة لها فليس المهر حفظه للقرآن إنّما المهر هنا أن يعلّمها ما يحفظ من القرآن فهذا الأمر قدّمه الرجل لزوجته فهو هديّة الزّواج ولكنّه أمر معنوي لا ماديٌّ ، إذا لا بأس بأن يكون المهرمعنوياً ولكنّ الأصل أن تكون ماديّة أن تكون مالا أن تكون ذهبا أن تكون فضة أن تكون شيئا آخرأيّ شيء وقد أصْدَق النبي صلى الله عليه وسلّم نساءه أنواعا مختلفة من المهر في الغالب كان مهر نسائه صلوات اله عليه أربعمائة درهم فضّي وفي بعض الحالات كان المهر يختلف كما في حال صفيّة بنت حييٍّ رضي الله عنها حيث استرقّها المؤمنون في غزوة بني قريظة وقتلوا أباها اليهوديّ الملعون حيَيَّ ابن أخطب فصارت بين السّبايا فاجتباها النبي صلى الله عليه وسلّم لنفسه أعتقها ثمّ تزوّجها فكان مهرها عتقها هنا أصدقا النّبي عليه الصّلاة والسلام بعتقها والعتق ثمنه المال فلو أن امرءاً أراد أن يشتريها ويحررّها لدفع ثمنا لذلك مالاً كثيراً ، رسول الله عليه الصلاة والسلام أعتقها ثمّ تزوجها فكان عتقها مهراً لها إذا المهر في الأصل أمر ماديّ ولا بدّ منه.
وينبغي الاعتدال والتوسط فيه فلا إفراط ولا تفريط وكلّما قلّ المهر عظمت بركة الزّواج وكلّما زاد المهر كان في هذا الزواج مشاركة مشاركة للشيطان يقول النّبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (( أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونة )) كلّما قلّت كلفة النّكاح زادت بركة الزّواج ... الكلفة ، يدخل بها هاهنا : المهر المطلوب من الرجل ، وتكاليف العرس ، وثمن بدلة العرس ، وتكاليف الاحتفال وما إلى ذلك ، فإن هذه الأشياء بقدر ما تعظم تمحق بركة الزواج ، (( أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونة )) وقد رأينا رجلاً زوّج ابنه منذ سنوات ، وكان عرسه حدثٌ تكلمت به حلب على مدى شهورٍ متوالية ، بل إنّ عرسه وصلت أخباره إلى جميع البلاد ،لا إلى حلب فقط ، عرس شارك فيه مطربون ومطربات من أرجاء الوطن العربي ، هذا يغني ساعة ،وهذه تغني ساعة ويأخذون آلاف الليرات على هذا ، وبعضهم ربما يأخذ من أجل ساعة مليون ليرةٍ سورية !... قالب الحلوى في ذلك العرس احتاج العروسان أن يصعدا إلى سلّمٍ حتى يقطعاه ، نزل العروسان في الفندق الذي أقيم العرس فيه بطائرةٍ مروحية ، التكاليف التي أنفقت في ذلك العرس قد تكون ربما بلغت عشرات الملايين ، ما النتيجة ؟... الزوجان ـ وأنا على اطلاعٍ بأخبارهما ـ لم يعيشا معاً أكثر من سنة واحدة ، وكانت سنةً من البؤس والشقاء ،والخصومة والشقاق ، لا يوجد فيها أثرٌ للسعادة والطمأنينة ، نعم لابدّ أن يحدث ذلك ،مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونة )) وانظروا في المقابل إلى عرس السيدة فاطمة وعلي كرم الله وجهه ، كم كان عرساً متواضعاً ،و كم كان قليل المؤونة ،وكم كان بسيط الهيئة ، وكيف كان عرساً مباركاً ، وكيف كانت الأسرة التي بنيت به أسرةً مباركةً ، كان من ضمن ثمرات هذا العرس سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، لقد كانت أسرةً مميّزة ، الأم فيها سيدة نساء المسلمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، والأب فيها رابع الصحابة ورابع المسلمين في القدر والمكانة ،ابن عمّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، علي بن أبي طالب ، والأولاد أسباط النبي صلى الله عليه وسلم ، منهما الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، نعم (( أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونة )) والمغالاة في المهور أوصلت شباب المسلمين إلى حالةٍ من اليأس من الزواج ، وبعضهم عف عن الزواج بسبب عظم كلفة هذا الزواج ، مثل هذا ذنبه في رقبة الآباء والأمهات الذين يغالون في كلفة تزويج بناتهم وبناتهن ،ويدخلون ضمن قول النبي صلوات الله وسلامه عليه : (( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ، إلا تفعلوا ـ إن لم تفعلوا لأسبابٍ مادّيةٍ أو معنويّة ـ تكن فتنةٌ في الأرض وفساد كبير)) ، يكون هذا الأب وهذه الأم سبباً في انتشار الفتنة في المجتمع ، ونخشى أن يدخلو ضمن قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، نعم لا يوجد للمهر سقف ، لا يوجد حد أقصى يمنع الناس من أن يزيدوا عليه ، وقد فكّر سيدنا عمر رضوان الله وسلامه عليه أن يحدد المهر بسقفٍ لا يزاد عليه فقا : إنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد أصدق نساءه أربعمائة درهم ،وإنّ مهر فاطمة رضي الله عنها ثمانمائة درهم، وهي سيدة نساء أهل الأرض ، ألا لا يزد أحدكم في مهر ابنته على أربعمائة درهم ، انقضت خطبته وانصرف ،فاعترضت طريقه امرأة قالت :يا أمير المؤمنين كيف تقول ذلك ، كيف تحدد المهور بأربعمائة درهم وقد قال تعالى : {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} فأباح الله تعالى أن يكون المهر قنطاراً ، مالاً كثيراً ، فقال سيدنا عمر : أصابت امرأةٌ وأخطأ عمر ... إذاً لا يجوز أن يصدر قرارٌ حكومي إلزامي يلزم الناس بمبلغٍ محدد في مهور بناتهم ،لا يزيدون عليه لأنّ الله تعالى ترك في الأمر فسحة ، لكن ينبغي أن يتقوا الله في هذه الحرية، وأن يحسنوا استخدام هذه الصلاحية ، فلا يبالغوا في مهور بناتهم حتى لا يؤدّوا إلى انتشار الفاحشة في هذا المجتمع ، إذاً : المهر هديّة إلزاميّة ، ليس ثمناً لسعة تباع وتشترى ، فالمرأة أسمى وأعظم من أن تكون سلعةً للبيع والشراء ، وبهذا وصف الله المهر فقال: {وَآتُوا النِّّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة} الصّدقات: جمع صَدُقة والصّدُقة أو الصَّداق هي المهر ، {وَآتُوا النِّّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ (نِحْلَة)} نِحْلَة: أي هديّة ،هبةً،منحةًَ وليست ثمناً في صفقةٍ تجاريّة لأنّ المرأة ليست سلعةً تباع وتشترى {وَآتُوا النِّّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة}
هل نحن نعامل اليوم المهر على أنّه هديّة ؟ في الغالب نخطأ في تشخيص حقيقة المهر ، أمّا أهل العروس أهل المرأة أهل الزوجة فإنّهم ينظرون إلى المهر على أنّه تفاخرٌ بين النّاس حيث يقال فلان زوّج بنته على مهرٍ قدْره مليون ليرة ليباهي به فيقال: إنّه إذاً من علية القوم ، إنّه إذاً من أفراد الطّبقة العالية في هذا المجتمع وأمّا الزوج فإنّه ينظر إلى المهر على أنّه دَيْنٌ ثقيلٌ قد يستطيع الوفاء به وقد لا يستطيع ، كلاهما لا ينظر إلى المهر على أنّه هديّة.
والأخطاء التي نرتكبها في التّعامل مع المهر كثيرة أحد هذه الأخطاء وهذا موجودُ في أحد المناطق الرّيفيّة وفي مناطق عديدة أنّ بعض الآباء ينظرون إلى المهور على أنّها حقوق لهم ، والد البنت يظنّ المهر حقّاً شخصيّا مكتسباً له لا علاقة للبنت به من قريب أو بعيد ،يأخذ مهر ابنته ربّما دابّة ، ربّما سيّارة يشتغل عليها وربّما قطيعاً من الأغنام، وربّما بيتاً يسكنه، وربّما مبلغاً من المال يستأثر به ،إذاً هو يأخذ ثمن ابنته لامهر ابنته لأنّه إن كان مهراً فليس له حقٌ فيه هو حقُّ البنت ، حقُّ الزوجة وليس حق والدها ولا حقّ أخيها ألا وهو يستأثر بهذا المال ويظنّ أنّه صاحب حقّ فيه فهو إذاً يبيع ابنته ولم يبق إلا أن يزنها فيظهر كم كيلو غراماً تزن على الميزان ويحسب ثمنها على هذا الأساس أو أن يحسب كم أنفق عليها طوال حياتها من طعام وشراب ولباس ثمّ يقول له: رأس مالي كذا وأريد أن أربح عليك عشرين بالمائة 20% فثمنها إذا يقف عليك ثلاثمئة ألف ليرة لم يبق إلا هذا ،الذي يعامل المهر على أنّه ثمن لهذه البنت يحتمل منه أن يحسب كم أنفق عليها طوال عمرها، ثمّ يأخذ شيئاً من الربح بسبب اختلاف قيمة العملة في هذا الزمان عن الزمان الماضي ويأخذ ثمنها ويفعل به ما يشاء ، نعم كثيرون ينظرون إلى المهر بهذه النظرة ، في هذه الحالة ما حكم المال الذي يأخذه والد البنت؟ هو مالٌ حرام ، يدخله إلى جوفه بالحرام وينفقه على نفسه بالحرام ويدخل ضمن قول النّبي صلوات الله وسلامه عليه: {كلّ جسم نبت من سُحْتٍ فالنّار أولى به} يأكل مالاً حراماً ليس من حقّه أن يأكله ،هو حقّ البنت وليس حقّ الوالد ، لا يجوز أن يستأثر بالمهر ولا بجزء منه بحال من الأحوال.
هذا خطأ، خطأ ثان وهو الأكثر شيوعاً في أفراد مجتمعنا في المدن والقرى أنّ المهر عندنا صار حبراً على ورق ، دَيْناً غير مطلوب الوفاء ، هكذا ينظر النّاس إلى المهر، وسبب هذه النّظرة: الجهل المُطْبق الذي يسيطر على فهمنا لهذه الأمور ، لم نصحب العلماء ولم نتعلّم منهم حقائق الشّرع والحياة لذلك صرنا نتخبّط ونتعلّم أحكام ديننا من جهلة النّاس في هذا المجتمع ، من العامّة ، اصطلح النّاس على تقسيم المهر إلى معجّل ومؤجّل ، مقدّم ومأخّر ، لا بأس الشّرع لا يمانع في ذلك فهذا عرف وما دام العرف لا يناقض الشّرع فالشّرع لا يناقضه واصطلح النّاس على أنّ المهر المعجّل إمّا أن يكون مقبوضاً ويدفع حال العقد وإمّا أن يكون غير مقبوض فإذا كان غير مقبوض فإنّه يجب دفعه للمرأة عندما تطلبه ، هذا هو الحكم القانوني والقضائيّ لهذه المسألة متى طلبت المرأة المعجّل وجب على الزّوج أن يدفعه حتّى ولو كانت الحياة الزّوجية مستقرّة ولا يوجد حديث عن الطلاق والفراق ، المعجّل يجب دفعه عند الطلب ، وأمّا المؤجّل ففي نظرة عامّة النّاس لا يجب دفعه إلا عند الطّلاق فإذا لم يحدث الطلاق فلا يجب عليه أن يدفعه وهنا خللٌ فاحش في هذه المسألة ، في المعجّل والمؤجّل هناك خلل حيث يظنّ الناس أنّه لايجب على الزّوج أن يدفع المعجّل إلا إذا طالبت المرأة به وأنّه لا يجب عليه أن يدفع المؤجّل إلا إذا حدث الطّلاق مع أنّ الحكم الشّرعيّ غير ذلك فالمعجّل والمؤجّل كلاهما مهر، والمهر كلّه يجب دفعه في كلّ حال سواء أحدث الطلاق أم لم يحدث ، هو دين ، عندما قلنا: هذا مهر معجّل وهذا مهر مؤجّل نحن نقصد هذا دينٌ مؤجّل ، في حال استمرار الحياة الزّوجيّة فالمرأة لا تفكّر بمطالبة زوجها بهذا الدّين، ولكن إذا حدث الطّلاق تأخذ هذا الدَّين فإذا استمرّت الحياة الزّوجيّة ولم يحدث الطّلاق هذا الدَّين لا يسقط بل يبقى معلّقاً في رقبة الزّوج حتّى يموت ، فإذا مات الزوج فإنّ أول شيء يُأخذ من تركته الدّيون المترتّبة عليه وبعد الدّيون تُأخذ الوصيّة وبعد الوصيّة تُوزع التّركة الباقية على الورثة على حسب الأنْصِبة الشّرعيّة المحدّدة. قال تعالى:{من بعد وصيّة يوصى بها أودَيْن} توزيع الإرْث يكون بعد توزيع الوصيّة والدَّين والدَّينُ أوّلاً ثمّ الوصيّة ،ومن ضمن الدّيون التي ينبغي أن تُوفّى قبل أن يُفعل بالتّركة أيّ شيئ مهر الزّوجة المعجّل والمؤجّل ، إذا كان المهر مُعجّلاً مقبوضاً أخذته الزّوجة عند العقد انتهى الأمر لقد وفّى دَيْنه، وإن كان معجّلا غير مقبوض فإنّها تأخذه من رأس ماله من رأس تركته وأمّا المؤجّل ففي الغالب هو لم يُدفع ولا يُكتب مقبوضاً أصلاً فيُأخذ المعجل والمؤجل ، يُأخذ المهر كلّه من تركة هذا الّرجل ثمّ تُأخذ الدّيون الأُخرى والقانون قد عامل مهر الزوجة معاملةً خاصّةً جداً ، هو دَيْنٌ كما قُلت ولكنّه يسمّى في قانون الأحوال الشّخصيّة دَيناً ممتازاَ، وهكذا يترتّب عليه وفاءٌ فوري فإن لم يُوفّ الرّجل المعجّل من المهر لزوجته لأنّ القانون كما قُلنا قد قسّم المعجل والمؤجل إلى أصول معيّنة ولكلٍّ منهما أحكام فإذا طالبته الزّوجة بالمعجل والحياة الزوجية مُسْتمرّة وجب عليه دفعه فإن لم يدفعه سُجن مقابل تقصيره في دفعه لهذا المال لأنّه دَينٌ ممتاز يُقدّم على كلّ الدّيون الأخرى ، إن كان لكثير من الناس عليه دَيْن ولزوجته عليه دَين المهر فإنّ دَين المرأة يُقدّم على سائر الدّيون لقول النّبي صلى الله عليه وسلّم :{إنّ أحقّ الشّروط أن توفوا به ما استحللتم به فُروجَ النّساء} إذا تأخذ مالها مهرها من تركته قبل توزيع التركة على الورثة وبعد أن تأخذ مهرها ثمّ تُوفّى ديونه ثم تُوزّع الوصيّة يكون لها نصيبٌ من هذه التّركة فتأخذ الرّبع إن لم يكن له أولاد وتأخذ الثّمن إن كان له أولاد ، هذا شيء والمهر شيء آخر ، هذا دَين لها في رقبته لاعلاقة له بنصيبها في الميراث، بل إنّ مهرها قد يستنفد التّركة كلّها، بل قد لا يكفي كلّ ما ورّث من مال لوفاء مهر زوجته وبالعكس إذا ماتت الزّوجة قبل الرجل فلا ينبغي أن ينسى الورثة مهر الزّوجة ينبغي أن يأخذ هذا المال مال المهر ويضعه في تركة الزّوجة لتوزّع التركة كلها على الورثة هو سيأخذ من التركة النّصف إن لم يكن لها أولاد وسيأخذ الرّبع إن كان لها أولاد وبالتالي سوف يرحع له ربع المهر الذي دفعه من خلال الميراث، ولكن لا بد أن يدفع لبقيّة الورثة حصصهم وحقوقهم من مهر زوجته التي ورثوها ، هو دَيْن لا مجال للتساهل فيه أيّها الأحبّة ، هذا إذا ماتت المرأة أو مات الرّجل أيّها الأحبة ولمّا يُدْفع المهر بعد فلماذا نؤجل دفع المهر حتّى يُفرق بين الزّوجَين الموت وعندما يموت الرّجل قد لا يملك مالاً يكفي لأداء حقِّ المرأة فيُعذّب في نار جهنّم لأنّ لها حقاً عليه ولم يُوفّها إيّاه في الدنيا ، ما الحل؟ الحلّ إذن أن يوفيَها حقّها في حال الحياة ، الحل بأن لايفرط بهذا الواجب المترتّب عليه تجاه زوجته .
كثيرُ من الناس يغالون في المهور بمبرر أنّ المهر حبرٌ على ورق ، قُل: يا بُني مهر ابنتي مليون ليرة معجّل ومليون ليرة مؤجّل يقول: يا عمّي هذا مبلغ كبير لا أستطيع أن أدفعه يقول: يا بُني أنت غشيم من قال لك: عليك أن تدفعه؟ هذا حبر على ورق فقط أمام الناس حتّى لا يقول الناس إنّ ابنتنا رخيصة وحتّى لا يقولوا أنّها أقلّ من بنت عمّها ومن بنت خالتها لأن بنات العائلة مهورهنّ بهذه الحدود ، هذه أسعار السوق في هذه الأيّام وبالتالي لا ينبغي أن نخفض الأسعار لكي لا يكون في ذلك إحراج لابنتنا لأنّها سوف تشعر بنقصها وقلّة قيمتها ، البورصة ارتفعت ، ارتفعت أسعار البنات في هذه الأيّام لذلك نحن مضطرون أن نكتب أمام النّاس مليون مقدّم ومليون مأخر، ولكن أنت لست مطالباً بشيء ، هذا المهر حبر على ورق ، هذا المهر ـ أيها الأحبة ـ لا تتصوروا مقدار ما فيه من خطورة ، بيّنت وجها من خطورتها يتمثل في أنها ستؤدي إلى أكل حق ، هذا دين في رقبة الرجل مع ذلك لا يوفّيه ، في الغالب المرأة لا تطالب الرجل في هذا الحق لأنّها لا تعلم أنه حق لها كما أن والدها قال: حبر على ورق وكما أن زوجها قال: حبر على ورق هي أيضا تظن أنه حبر على ورق ، جاءني رجل فقال: أصحيح أن الرجل عليه أن يوفي مهر زوجته؟ قلت: سبحان الله ألست مسلم ؟ كيف لا تعرف هذا الحكم ؟ قال: جاءني خاطب لابنتي فطلبت مهراً غاليا فقال لي: يا عم لا أستطيع أن أدفع هذا المهر فقلت له: يا بني هذا حبر على ورق فقال لي: لا يا عم هذا يجب وفاءه في الشرع حتى لو لم أملك الآن فسأوفّيها في المستقبل، لكن هذا المبلغ الذي تطلبه لن أملكه لا الآن ولا في المستقبل ، فجاء الرجل يسأل قال: أنا لا أعرف هذا فلم أدفع مهر زوجتي ،فلمّا فهم الحكم جيّدا أعجبه هذا الشاب الملتزم صاحب المسؤوليّة الذي يصر على أن يدفع شيئاً يُعْفيه الآخرون منه ،لأن الشرع لا يعفيه منه فأراد أن يزوجه ابنته بالمهر الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء لأنه رأى فيه مثالاً للإنسان صاحب الكلمة الذي سيفي بكلمته ولذلك هو يريد أن يكون الواجب محمولاً مقدوراً عليه حتى يستطيع أداءه ، هذا هو الوجه الأول من أوجه الفساد من كلمة حبرٌ على ورق ، سيؤدي هذا إلى ضياع الحقوق ، تعلمون أيها الأحبة أن من أخذ الدين وهو لا يريد وفاءه فإن عقوبته عظيمة في الآخرة ، وعاقبته وخيمة في الدنيا ، أما عقوبة الآخرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( "أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟" قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمّ طُرِحَ في النّارِ) أكل مال هذا ، عندما لا تدفع لزوجتك مهرها فإنك تأكل مالها ، فعقوبتك هذه العقوبة يوم القيامة ، تأخذ من حسناتك ، فإن لم يبق عندك حسنات أخذ من سيئاتها فطرحت عليك فطرحت في النار ، فهل تريد أن يكون هذا مآلك ؟...
أما في الدنيا ، فاسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله) الذي يقترض ولا يكون في نيته الوفاء فإن الله يتلفه في الدنيا قبل الآخرة ،يأخذ أموال الناس يقول : قرض حسن ... مدة قصيرة ، ثم لا يعود يراه مرةً أخرى ، لذا صارت العادة إنه إذا جاء أحدٌ ليقترض يقول له: قبّل يدي ، يقول هذا : أقترض منك مبلغاً من المال ، لمَ أقبل يدك ؟ يقول له :عندما أطالبك بهذا المال سأقبّل رجلك ! ... لن تعود تريني وجهك مرةً أخرى ، مثل هذا يقترض أموال الناس ولا يريد الوفاء ، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (ومَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يًرِيْدُ إِتْلاَفَهَا، أَتْلَفَهُ اللهُ) والمهر دين كسائر الديون ،فإن اقترضته ، إن استدنت وأنت لا تريد الوفاء دخلت ضمن هذا الحديث ... ، هذه العاقبة الوخيمة والعقوبة العظيمة للذي يستدين ولا ينوي وفاء الديون ، إنّه يأكل مالاً حراماً ، ويضيع الحقوق ، ويرى نتائج ذلك في دنياه قبل آخرته ،ولكن ، المصببة الأعظم والأخطر وأشنع أيها الأخبة ، تضمر في أمرٍ آخر ،ما هو هذا الأمر؟ عندما يجلس الشاب مع والد الزوجة ،مع والد الفتاة لإجراء عقد الزواج ، هذا عقد مقدّس ، هذا عقد يفترض منّا أن ننصت ونسكت عندما يعقد ، نحضر ونشهد بعض العقود ، فنجد الناس يتحادثون ,هذا يدخّن ، أثناء إجراء العقد ، في السابق كان الناس إذا بدأ الاستعداد لإجراء عقد الزواج كأنّهم في خطبة جمعة ،أو كأنهم في صلاة أو كأنهم يستمعون القرآن ... لأنّه عقد مقدّس ، كلّهم ينصتون ، يدعون الغفلة ويدعون اللهو وينتبهون ، نعم لأنّها كلمةٌ ستجعل الحرام حلالاً ، كلمةٌ واحدة ،كلمةٌ مقدّسة ، يجلس هذا الشاب أمام الرجل والد الفتاة ، ماذا يقول والد الفتاة ؟ يقول : زوجتك بنتي فلانة على مهرةٍ قدره مائة ألف ليرةٍ سورية ، فيقول الشاب : قبلت منك تزويج بنتك لنفسي على مهرٍ قدره مائة ألف ليرةٍ سورية ،هذا الكلام حبرٌ على ورق؟... كلامٌ فارغ ؟... كلامٌ ليس عليه شهود؟... هذا الكلام لقلقة لسانٍ لا وزن لها؟... إنه كلامٌ مقدّس وبه تصير هذه المرأة حلالاً له ،وبدونه لا يجوز له أن يمسّها ولا أن يرى شعرةً من شعراتها ،بهذا الكلام صارت كلها مباحةً له ، وبدون هذا الكلام لا يجوز له أن يراها فضلاً عن أن يمسّها ، ما رأيكم عندما نحول هذا الكلام المقدس الذي يستبيح به الرجل هذه المرأة ، إلى كلامٍ فارغٍ لا قيمة له ، هذا ما يحدث ، يقول :تزوجت منك على مليون وقبلت تزويجك بمليون ، وهما قد اتفقا مسبقاً قبل إجراء العقد أن هذا كلامٌ في كلام لا قيمة له ، الأمر خطير جداً ، إذاً هذه استهانة بما يقال أثناء العقد ،ليست العبرة بالحبر والورق ،العبرة بالكلام الشفهي ،بالإيجاب والقبول ركنا عقد الزواج ، الإيجاب والقبول بهما تصبح هذه المرأة حلالاً لهذا الرجل ، ويصير هذا الرجل حلالاً لهذه المرأة ،فإذا كان هذا الذي يستحل بها ماكان حراماً قبل ثوانٍ مقدودات ـ في نظرنا ـ كلاماً فارغاً لا وزن له ،إذاً هذه المرأة لم تصرحلالاً !... نعم أيها الأحبة ، النتيجة الخطيرة التي سأصل إليها : إذا كان أحد الطرفين أثناء عقد الزواج لا ينوي الالتزام بلفظ عقد الزواج فعقد الزواج باطل !... إذا كان الشاب يقول : قبلت منك تزويج بنتك من نفسي على ما ذكرت من المهر وهو لا ينوي أن يدفع هذا المهر ، ولا ينظر إلى هذا المهر على أنه دين واجب الأداء فالعقد باطل كأن العقد ما أجري بينهما ، وعندما يتزوج هذا الشاب تلك الفتاة فإنه يأخذ ما لا يحل له ويعيش معها بالحرام!... لأنه لا وزن لذاك العقد إلا بنية القلب ، وهو كان بقلبه ينوي ألا يتزوجها بهذا الشرط ،إنما يتزوجها بشرطه المتفق عليه قبل العقد ،الاتفاق الذي يعتمد هو اتفاق العقد لا غير ذلك ، الأمر خطير جدُّ إذاً أيها الأحبة ، الأمر جد خطير لا مجال للتهاون فيه ، هذا المال ليس حقاً للزوج ، كما أنه ليس حقاً للوالد أو للأخ: قال تعالى : { وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } بعد الزواج قالت الزوجة لك : أنا ماذا أصتع بالمهر والمال ؟ حفظك الله لي من كل مكروه وسلمك عمرك وحياتك ،وما أكثر ما سمعنا من النساء ذوات الأصل يقلن لأزواجهن :يومي قبل يومك ، تتمنى أن تموت قبل أن يموت زوجها ،تقول :أسأل الله أن أخرج في عزّك ، أن أخرج وأنت بصحتك وعافيتك وأن أموت قبلك ،تقول له : أنت لا تقصر عليّ بشيء ،ماذا أصنع بهذا المال ؟ هذا المال لا يفيدني ، إن كان ذهباً أو كان نقوداً ، خذ هذا المال هديةً منّي لك افعل بها ما تشاء ، هنا صار حلالاً أنها طابت بها نفسها ، ولم يأخذها منها غصباً بحكم العرف وبحكم الإجبار ... { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } وإلا فإنّه حقٌّ لهن لا يجوز أن تنازعوهن فيه ، ولا يجوز أن تأخذوه منهن بغير طيب نفوسهن ، المال مالها ، المهر مهرها، والحق حقها ، فبأيٍّ حقٍّ تتسلط عليه وتأخذه قسراً وإرغاماً ؟ . انظروا مكانة المرأة في ديننا أيها الأحبة ، آيةٌ تتكلّم خصيصاً عن مهر المرأة وتدافع عنها وتتصدى للآباء وللأزواج الظلمة الذين تسول لهم نفوسهم الطماعة أن يأكلوا حقوق النساء { وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } آيةٌ أخرى من سورة النساء أيضاً ، سورة كاملة سمّيت باسمهن ، سورة النساء ،طالبت بحقوقهن ، وأقرت هذه الحقوق كقانونٍ أدبي خالدٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينقضه أو ينقصه ،ولعل أعداء الإسلام الذين ينظرون يعينٍ واحدةٍ يحتاجون إلى أن يفتحوا العين الأخرى ، الغرب أعور ، لا يرى إلا بعين واحدة ، وهذه العين رؤيتها مختلة أيضاً ، لا يرى المرأة في الإسلام إلا من جانب أنها تأخذ نصف ما يأخذه الرجل في الميراث ، ينظر إلى المرأة على أنها مضطهدةٌ لأنها تحتاج إلى استئذان زوجها قبل أن تخرج من البيت ، ينظر إلى المرأة على أنها مهيضة الجناح لأنّ زوجها يستطيع أن يطلقها وهي لا تستطيع أن تطلقه ، ينظر إليها على أنّها مظلومة ، لأن زوجها يستطيع أن يتزوج نساءً أخرياتٍ غيرها وهي لا تستطيع أن تتزوج رجالًا آخرين غير زوجها ، مسكينة ، هذه العين الواحدة رأت هذه الأمور وفهمتها فهماً سقيماً ، إذاً ينظرون بعينٍ واحدةٍ ونظرهم إلى هذه الأمور نظرٌ مختلٌّ عقيم ، وأما العين الثانية فإنها لا ترى ، لا ترى أنّ المرأة تجلس في بيتها تأكل وتشرب وتطلب ما تشاء ولا تطالب بعمل وزوجها يسعى ويعمل ويكد ويشقى لينفق عليها ،ولا يطالبها بشيء ، عندما تتعرف النساء الغربيات على هذه الحقيقة يتمنين أن يعشن في مجتمعٍ مسلم وأن يتزوجن رجالاً مسلمين لهذا السبب فقط قبل أن يعرفن باقي تفاصيل الإسلام ، رجلٌ تزوج امرأةً اجنبية وجاء بها إلى هنا ليسكنا في هذا البلد ، سكنت يوماً ويومين وثلاثة ... ثالت : نعم ماذا تطلب مني الآن؟ ماذا أفعل ؟ قال :اطبخي لنا اليوم كذا وكذا ، تسأله : ماذا تريد مني أيضاً ، تسأله فتستغرب ، لم يطالبها بشيء ، تسأله : ألا تطالبني أن أشتغل لكي أنفق على البيت مثلك ؟ قال : لا هذا غير واردٍ عندنا ، أنت تعيشين في هذا البيت ملكةً لهذا البيت ، معزَّزةً مكرمة وتطلبين ما تشائين ، وأن أشتغل وأن أتعب وأن أكد وأكد وأشقى وأنفق عليك ، أنتِ معززةٌ مكرمة ، ديني يأمرني بأن أنفق علبكِ ، حتى ولو كانت المرأة ثريّةً ، وكان زوجها فقيراً بائساً فلا يجب عليها أن تنفق شيئاً من مالها ، بل يجب عليه أن ينفق عليها بقدر استطاعته ، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} إذا ساعدته وتفضلت عليه فهذا بطيب خاطرها ولها الفضل ، وأما إذا لم تفعل فلا يجوز له أن يأخذ من مالها أو يجبرها على العمل والإنفاق على البيت بحالٍ من الأحوال ، أما رأى أعداء الإسلام من الشرق والغرب هذه الفضية للمرأة في الإسلام ؟ ألم يروا فضيلة المهر ؟ من مدةٍ قصيرة أسلمت امرأةٌ ثم زوّجتها من رجلٍ مسلم ، وعندما عقدت النكاح بينها وبينه كنت وليها. قلت لها : في ديننا لابد من أن يدفع لكِ مهر ، قالت : لا أريد شيئاً ، قلت : لا لابد هذا حق لك ـ ونحن دائماً نطالب بالتساهل بالمهور، ولكن حال هذه الفتاة طلبت مهراً أكثر بقليلٍ من التساهل ، مهراً متوسطاً ـ فلما ذكرت لها الرقم استغربت وقالت : لا هذا كثير جداً ، هذا ليس مألوفاً وليس رائجاً عندهم في الغرب على الإطلاق ، عندما يتزوج الرجل امرأةً يدفع لها مهراً .. لماذا ؟! هناك منفعةٌ متبادلة ، هذا هو الزواج بالنسبة لهم ، منفعة متبادلة ، هو يستفيد منها وهي تستفيد منه وانتهى الأمر ،تشتغل ويشتغل ، تنفق في البيت مثلما ينفق ، استغربت كثيراً ، بعد أن دخلت في الإسلام، سمعت ذلك فازدادت إكباراً للإسلام ، تقول : لا لا أن لا أستحق هذا ... لماذا آخذ هذا المال ؟ قلت : لابد من أن يكون هناك مهر وأنت تستحقين هذا، لأنّ المرأة في ديننا مكرمة ،محترمة ، ذات مكانة .
هكذا نفهم المهر أيها الأحبة ، المهر طريقةٌ لإظهار مكانة المرأة في الإسلام ، وعندما يعرف غير المسلمين هذه الحقائق فلابد من أن يكبروا هذا الدين الذي أعطى المرأة حقوقاً لم يعطها إياها دينٌ آخر ، ولا قانون آخر سماوي أو وضعي ، انظروا إلى قوله تعالى وهو يتكلم عن حالةٍ حساسةٍ جداً ، هي حالة اتخاذ قرار الطلاق ، أراد الرجل أن يطلق لاستحالة الحياة بينهما ، أيجوز له في هذه الحالة أن يحرمها حقها ؟ وأن يظلمها ويمنعها مهرها ؟ اسمعوا ما يقول تعالى : {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} آتيتها قنطاراً وتريد أن تطلقها إياك أن تأخذ منه شيئاً ، قال : ألا يوجد هنالك في الإسلام مخالعةٌ رضائية؟ الخلع يسترد الرجل ماله ليطلق زوجته ، وهذا الحكم وارد في القرآن الكريم ، في قوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وهذا ماورد في الحديث ، أرادت امرأة أن تطلّق من رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها : «أَتَرُدّينَ عَلَيْه حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلّقْهَا تَطْلِيقَةً » هذا هو الخلع ، أخذ المال وطلقها ، نقول : هذه الحالة حالة الخلع ، وفي حالة الخلع المرأة تريد أن تطلق من الرجل لأنها لا تحبّه مع أنه لا يوجد فيه عيبٌ ولا يوجد فيه عذر ، في هذه الحالة فقط له أن يأخذ المهر ، أنما إذا كان الرجل هو الذي يريد الطلاق ، أو المرأة تريد الطلاق لعلة في الرجل ، لسوء خلق ، لأنه يظلمها أو يهينها أو بخيل يقصِّر عليها في النفقة ، فإنها تستحق المهر بالكامل ، فإياك أن تخدع نفسك فإنّ الله لا يُخدَع ، إذا حدث خلاف بينك وبين زوجتك ، ووصل أمر الخلاف إلى المحكمة ، كثير من الأزواج تأخذهم العزة بالإثم ههنا ، يقول الزوج: لن أطلق ،وتذهب إلى المحكمة ، وأنا أيضاً سوف أقيم دعوى تفريق لئلا تحلم بليرة واحدةٍ تأخذها منّي ، مع أن الرجل سيء الخلق ، والمرأة هنا يحق لها أن تطلب الطلاق لتتخلص منه ومن حياته الشنيعة ،ولكن هو يكذب ، يكذب على القاضي ، ويكذب على المُحكَمِّين ليجعل الحق من طرفه ويمنعها من مهرها ، هذه الحالة يدخل ضمن هذه الآية : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } والحديث : (إن أحق الشروط أن توفوا به: ما استحللتم به فروج النساء ) " وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ " في حال استمرار الحياة الزوجية كنت تعاشرها ، وكانت العلاقة بينك وبينها علاقة لا يوجد فيها أسرار ولا يوجد فيها محرمات إلا قليلاً ، الآن ، تتوقف عند حطام الدنيا ... أعطيها ولا أعطيها ... أي سفالةٍ وأي نذالة هذه التي يحملها هذا الرجل ؟ بعد أن استحل أغلى شيءٍ على هذه المرأة شرفها ، صار الآن يعترض من أجل المال ويرفع دعاوى قضائية من أجل المال ، هل المال أغلى أم الذي أخذه من هذه المرأة أغلى ؟ ... "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا " هذا الميثاق الغليظ هو العقد المقدس الذي جرى بين الرجل وولي المرأة ، عقد النكاح ،إنه ميثاق غليظ كما يسميه الله تعالى ، فينبغي أن تفي به ، ينبغي أن تلتزم بنصّه قلباً وقالباً، ينبغي أن تتلفظ وقلبك مقرّ تمام الإقرار بأنك سوف تكون أهلاً لهذه المسؤولية وسوف تقوم بحقها " وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا "
أيها الأحبة : عوداً إلى شرع الله لأنّه لما تركناه ضيعنا حقوقنا ، ضيعنا حقوق إخواننا وحقوق زوجاتنا وحقوق كل الناس من حولنا ، عوداً إلى شرع الله ، دعوا الجهل جانباً ودعوا الطمع جانباً ، ودعوا الأنانية جانباً وأعطوا كل ذي حقٍّ حقه، واعلموا أن حق المرأة على الرجل من أعظم الحقوق ، { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته } فاحفظ رعيتك { إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه } فإياك أن تضيّع الحقوق ، إياك أن تضيع حقوق زوجتك وبخاصة مهرها ، لأنها إن كانت ضعيفةً لا تقوى على أن تطالبك به في الدنيا ، فالله سيأخذه من أحسن عملك في الآخرة فاحذر ذلك حذراً شديداً .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيستمعون أحسنه
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم