الإيمان باليوم الآخر (قصة)
أحمد الجوهري عبد الجواد




قصص أشبال الإيمان

(12) الإيمان باليوم الآخر


هذه أنا.
كما ترَونني في الصورة.
وكما تعرفونني جيدًا.
في كل طعام تجدونني أمامكم، قِدر، توضع فيها الطعام، في الإفطار، وفي الغداء، وأيضًا في العشاء تجدونني، ولي بذلك إلفٌ بكم، واجتماع معكم، يشرفني كثيرًا أنني معروفةٌ لكم.

وبهذه المناسبة سوف أُهديكم هديَّةً جميلةً؛ حكاية عجيبة حدثت معي، وكان لي فيها فوائدُ ودروسٌ عظيمة، أُحبُّ أن أتذكَّرها، وأن أعرفكم بها أيضًا.

ذات يوم من الأيام، وفي بلدٍ من بلاد الله الواسعة اسمُها الحبشة، وقَعَتْ هذه القصة، وكنت شاهدًا عليها، بل كنت أحدَ أبطالها.

أسمع بعضَكم الآن يُهمهِم قائلًا: الحبشة؟!
نعم، الحبشة، وهي البلاد التي هاجر إليها أصحابُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لمَّا اشتدَّ عليهم أذى المشركين في بداية الإسلام بمكة.

وكان الصحابة هناك أيضًا في هذا اليوم، وهم الذين نقلوا خبري وخبر القصة كلِّها للنبي صلى الله عليه وسلم، حكاها له جعفرُ بن أبي طالب.
وأنا أقصُّ عليكم ما كان في هذا اليوم العجيب.

كنت في البيت بين إخوتي وأحبابي، وككُل يوم جاءت سيِّدة الدار، وكانت عجوزًا مُسنَّة، فأخذتني، ووضعت الطعام بداخلي، وخرجتْ إلى الطريق، لعلَّها ستذهب إلى زوجها في الحقل، أو إلى السوق تبيع الطعام، أو تنوي أن تتصدق به، لم أدرِ شيئًا من ذلك، لكنها كانت تسعى سعيًا خفيفًا، تكاد لعجزها وكبرها تعدُّ خُطواتها، فقد كانت تمشي ببطءٍ شديد.

وفي أثناء الطريق وقعت أحداثُ القصة المثيرة، فقد كان هناك مجموعةٌ من الشباب يجلسون على أحد جانبي الطريق، يمزحون ويتضاحكون، وكانوا يؤذون المارَّة؛ ليتندَّروا عليهم، ويضحكوا منهم، وقد رأى شابٌّ منهم العجوزَ مقبلةً تحملني وتحمل قلة ماءٍ أيضًا، فهمس لأصحابه بشيءٍ، ثم قام ينتظرها في عرض الطريق؛ كأنَّه قال لهم: إنه سيُضحكهم على هذه المرأة، فانتظرها حتى مرَّت، ثم وضع إحدى يديه بين كتفيها، ودفعها فوقعت، ووقع الطعام الذي معها على الأرض، وقُلَّة الماء كذلك انكسرت وسال ماؤها، لقد ضاع الطعام والشراب الذي تعبت في إعداده وحمْلِه، من قِبَل شابٍّ مستهترٍ مستهزئٍ لا يلوي على ما فعل من جريمة، ولا يعدُّها شيئًا يُعتذَر منه.

وقعت المرأة العجوز على الأرض، ووقعت قِدرُها وقُلَّتها، فتفرَّق طعامُها، وسال ماؤها، وهي لا تملك القوة لدفع الأذى عن نفسها، فماذا عملت؟

لقد رفعت رأسَها تنظر إلى هذا الشابِّ الذي ظلَمَها، وقالت: يا غادر، ويل لك من يومٍ يضع الملِكُ سبحانه كرسيَّه، فيأخذ للمظلوم من الظالم!

لقد استعانت عليه بالقويِّ الذي لا يُهزَم، والغالب الذي لا يُغلَب، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، فهي على ثقةٍ بأن الله سيردُّ إليها حقَّها، إن لم يكن ذلك في الحياة الدنيا ففي يوم القيامة اليومِ الآخِر بعد فناء الدنيا وذَهابها، يُحْيي اللهُ جميعَ الخَلْق، ويحاسِب كلَّ إنسانٍ على ما فعله؛ فمَن أحسَنَ، أحسَن اللهُ إليه، وأدخله الجنةَ يتنعَّم فيها بكلِّ أنواع النعيم، ويفرح فيها ويمرح.

ومَن أساء، عاقَبَه اللهُ بعذاب أليمٍ، وأدخله النار، يشقى فيها ويتحسَّر.
يومها سيفرح المظلوم فرحًا شديدًا، وسيندم الظالمُ ويبكي بكاءً شديدًا.

ولهذا قالت العجوز لهذا الشابِّ الذي لا تستطيع له دفعًا، ولا لأذاه رفعًا: ويل لك من يوم يضع الملِكُ سبحانه كرسيَّه، فيأخذ للمظلوم من الظالم!

فهي تؤمن بأن هناك يومًا آخر، سيحاسب اللهُ فيه الناسَ على أعمالهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8].

وقد أيَّد النبي صلى الله عليه وسلم كلامَ العجوز حين حكى له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قصتَها، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كيف يقدِّس اللهُ أمَّةً لا يُؤخَذ لضعيفها من شديدها حقه؟)).

فلتحذروا الظلمَ يا أحبابي، وجميعَ أنواع المعاصي؛ فإن الله سيسألُكم عما فعلتم في الحياة الدنيا، وذلك في اليوم الآخر يومِ القيامة.

فوائد:
نستفيد من هذه القصة أن:
الإيمان باليوم الآخر ركنٌ من أركان الإيمان.
في هذا اليوم يحاسِب الله العباد على جميع ما فعلوه في الدنيا، فيثيب الطائعين، ويعاقِب العاصين.
عاقبة الطاعة؛ كالإيمان والصلاة، والصدق والعدل والإحسان: هي الجنة، وعاقبة المعصية؛ كالكفر وعقوق الوالدين، والظلم والكذب وشهادة الزور: هي النار.