رزق (قصة)
د. عبدالله ظهري



منذ سنوات طويلة كان هذا المشهد؛ يجلس أمام دكانه البسيط، يُفكِّر بعُمق، نفد المخزون في البيت، أهل البيت أكلوا وشربوا وغسلوا أيديَهم، وحمدوا الله على ما رزق، لكن دورة الشراء تبدأ من جديد في أقل من أسبوع.



هذا الأسبوع مختلف؛ نفقات البيت تعدَّت الطعام والشراب، وبالأمس أنفَقَ آخر ما تبقَّى، جيوبه الآن خاويةٌ على عروشها، هو المسؤول وعليه أن يتحمَّل مسؤوليته، الأمر يتعلَّق بالأكل والشرب، لو كان أمرًا آخر لصبروا عليه، المعدة لا تصبر، وإن صبَرَت فصبرُها له حدود، حدوده ساعات لا أكثر.



إيراد الدكان حتى عندما يضاف لإيراد الوظيفة، فبالكاد يفي بمصروفات بيت كبير، وفي الظروف الاستثنائية لن يشفع هذا ولا ذاك.



أمه تفتح باب البيت الذي يجاور الدكان، وتستعجله في شراء المطلوب، يخبرها بأنه سيُغادر بعد قليل، وبعد قليل لا يغادر، جيوبه الخاوية تشبه الآن أثقالًا مربوطةً في قدميه، قلَّة الحيلة سجنٌ كبير.




مرَّت دقائق ثقيلة، أتى رجل من بعيد يبدو أنه يتَّجه نحو الدكان، اقترب حتى وصل إلى الدكان، وصاحبه الجالس تحت احتلال همٍّ كبير، الزبون يعرف صاحب الدكان، وصاحب الدكان يعرفه، طلب الرجل شراء عدة أشياء، أشياء بسيطة في دكان بسيط، أحضرها صاحب الدكان في دقيقة واحدة، يُخرج الزبون محفظته، ويُقدِّم له عشرة جنيهات، ابتسم صاحب الدكان، وأخبره بأن درج النقود في دكانه يخلو من "الفكة"، بالفعل الدرج لا يحمل سالِمًا ولا مفكوكًا، فكَّر الزبون لحظات ثم ردَّ: "لا يهم، خذ العشرة الجنيهات الآن، ولاحقًا آتي لتعطيني المتبقِّي، أو أقول لك: اجعلها تحت الحساب!".