وداعا رمضان

الشيخ فايز النوبي
أوشك الضيف الكريم والشهر الفضيل أن يودعنا ويرحل عنا فها هو يستعد ليجمع أوراقه ويحزم أمتعته ويطوي سجلاته ويتركنا ويذهب إلى ربه عزوجل شاهداً بالإحسان لمن أحسن الصيام والقيام وصالح الأعمال، وشاهداً بالإساءة على من أساء وأعرض وقصر في طاعة ربه تبارك وتعالى.

في ختام الشهر الفضيل تطوى صحائف الأعمال وبذلك تنتهي سوق كانت عامرة بالخير والبر والإحسان، ربح فيها من ربح وخسر فيها من خسر، يمضي رمضان فتحزن القلوب وتتألم لفراقه وتذرف العيون الدمع لوداعه، وكيف لا نحزن ونحن لا ندري أيأتي علينا غيره أم لا؟ كيف لا نحزن وشهر الرحمات والخيرات وغفران الذنوب وتكفير والسيئات وإقالة العثرات يمضي ويفارقنا، وكأنه ساعة من نهار، وهكذا الأوقات الطيبة والأزمنة السعيدة، تمر مرور الكرام وتمضي سريعا كما أتت سريعا.

إن رحيل رمضان يذكرنا بأن كل شئ له بداية ونهاية، ويذكرنا برحيل وفناء كل شئ في هذه الحياة، ويذكرنا بمصيرنا المحتوم وبرحيلنا نحن0 عن هذه الدنيا، وينبهنا أيضا لاغتنام الفرصة قبل فوات الأوان ما دمنا في زمن الإمكان، 0يقول خامس الراشدين وإمام الزاهد ين في عصره عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :(الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما).

ويقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه من أجلي ولم يزد فيه عملي).

ويقول بعض أهل العلم: (ينقضي رمضان ككل شيء في هذه الدنيا ينقضي ويزول فكل جمع إلى شتات وكل حي إلى ممات وكل شيء في هذه الدنيا إلى زوال و(كل شيء هالك إلا وجهه) فنحن زائلون والحياة بكل ما فيها زائلة وكل ما في هذا الكون متغير وفان (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).

الزمان يمضي والحياة تمضي ،ونحن سنذهب ونمضي، الحي اليوم سيموت غدا ،من هو على ظهر الأرض اليوم سيصبح في بطنها غدا، هذه سنة الله في الحياة، وفي خلقه والباقي هي الباقيات الصالحات أي الإيمان والعمل الصالح فكل شيء ذاهب إلا ما قدمت من خير لوجه الله تعالى، ومن هنا كان على المسلم بعد رمضان أن يقف وقفات يحاسب فيها نفسه ويراجع فيها سجله وينظر فيما قدم وفيما أخر هل أدى ما عليه أم قصر فمن أدى الواجب فمن حقه أن يفرح وهذا ما يفيده حديث النبي صلى الله عليه وسلم :(للصائم فرحتان يفرحهما فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ) ولا يفوتنا أن نذكر ورمضان على وشك الانقضاء بأن العبرة بالخواتيم والنهايات فلنجعل ختام الشهر استغفارا وتوبة فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة فقد قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره بعد كمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين ومجيء النصر والفتح المبين :(إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) وأمر سبحانه وتعالى الحجيج بالاستغفار بعد انقضاء مناسكهم :(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) وكان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده كما وصف الله المؤمنين :(والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) ولذا ينبغي أن يشغلنا هذا الهاجس عند وداعنا للشهر الكريم.


يقول الإمام علي رضي الله عنه :(كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا لقول الحق سبحانه:( إنما يتقبل الله من المتقين)

وكان رضي الله عنه ينادي في آخر ليلة من رمضان فيقول: (يا ليت شعري! من المقبول منا فنهنيه ومن المحروم فنعزيه؟ أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك).

وفي الختام ينبغي أن نرفع أكف الضراعة لربنا عز وجل وندعوه سبحانه: اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان اللهم تقبل منا الصيام والقيام وأحسن لنا الختام واجبر كسرنا على فراق الشهر الكريم وأعده علينا أعواما عديدة وازمنة مديدة واجعله شاهدا لنا بالخير لا علينا بالشر واجعلنا من عتقائك من النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار يا رب العالمين.