من رحمات شهر رمضان


طارق العيسى

من البشائر المباركة لأمة الإسلام حلول شهر رمضان، وبلوغ أوقات الغفران، وإدراك شهر القرآن، فمن أدركه فقد أدرك الخيرات والفضائل والحسنات والمنح والرحمات من الله -تبارك وتعالى.


ففي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رغم أنفُ ثم رغم أنفُ ثم رغم أنف مَن دخل عليه رمضان فلم يُغفر له»، وقد جاءت المغفرة في شهر المغفرة في ثلاثة مواطن مُدخرة، فمَن صامه وقام ليله، ولاسيما ليلة القدر، غُفر له ما تقدم من ذنبه كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فإذا المرء لم يتعرض للمغفرة والاستغفار والتوبة والأوبة في شهر الغفران، فمتى تكون له عودة وتوبةٌ صادقةٌ؟!

وروى الشيخان: «إذا دخل رمضان فُتِحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين»، وهذه من أعظم البشائر وهي فتح أبواب الجنان لمُبتغي المنازل، ومن أعظم البشائر فتح أبواب الرحمات والنفحات والبركات، {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف:56)، رمضان يُخاطبنا: أنا شهر المغفرة، وأنا شهر الرحمة، وأنا شهر لين القلوب وسلامة الصدور ونقاء العيوب.

ومن رحمات شهر رمضان توحيد التلاحم والاجتماعات وتقوية الصلات، وشد عُرى التماسك والعلاقات بين أطياف المجتمعات، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10)، وضمائر الجمع {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21)، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:185)، ويُذكَّر المسلم بإخوانه المسلمين الذين حلت بهم الفتن والمِحن، ونزلت بهم النكبات والتشريد والضياع، ليتذكر ما هم فيه من بؤسٍ وشقاء وضعفٍ.


ومن الرحمات في شهر رمضان أن جزاء الصائمين لا عد له ولا حد، بل يُكال له بلا وزن وقيد، فهو شهر الصبر وربنا يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10)، والله يقول: «الصوم لي وأنا أجزي به» أي فضلٍ بعد هذا! وأي كرمٍ بعد هذا! وأي جودٍ بعد هذا!

ومن الرحمات أن شهر رمضان زمن الراحة النفسية، والحياة الطيبة والسعادة المستقرة، والنفوس المطمئنة، والأجواء الإيمانية والنسمات الربانية، والهبات الإلهية والواحات الروحانية؛ فالصائم عليه السمت، ويلزم السكوت والصمت، إن سبه أحد أو خاصمه فشعاره: إني صائم، فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل ولا يغتر ولا يغضب، بل يعيش حياة طالما فقدها أو بحث عنها فلم يجدها:

ومن رحماته وبركاته ما فيه من فرحاته وذلك أن: «للصائم فرحتين: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه».

ومن النفحات في شهر الخيرات: أنه شهرٌ تكف النفوس عن المعاصي، وتظمأ فيه الأكبادُ عن الكؤوس، وتطلق من الخشية الرؤوس، شهرٌ طوبى ثم طوبى ثم طوبى لأقوامٍ كانت هممهم عالية وعيونهم من خشية الله باكية؛ فزهدوا في الدار الفانية، وشمروا إلى جناتٍ عالية، قطوفها دانية، ويُقال لهم في الآخرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (الحاقة:24)، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (الذاريات: 17-18)، وبالنهار لربهم صائمون، وبالبكاء من خشيته يضجون وللحلال من خشية الحرام يتركون.

فيا ذوي الهمم العالية، أدركوا هذه الرحمات قبل الفوات، فرمضان مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، ومُنية المنافسين، وغنيمة المقصرين بالتوبة والإقبال على رب العالمين.