خطبة المسجد النبوي - الإسلام خاتمة الأديان ورمضان خير شهور العام


الفرقان

جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 25 شعبان 1444هـ، الموافق 17 مارس 2023 بعنوان: (الإسلام خاتمة الأديان ورمضان خير شهور العام)، ألقاها الشيخ: د. عبدالله بن عواد الجهني، واشتملت الخطبة على عدد من العناصر كان أهمها: من فضل الله على المسلمين اختيار دين الإسلام خاتمة الدين، وكمال وشمولية رسالة الإسلام، وضلال من يبتغي غير الإسلام دينا، والفرحة بقدوم شهر رمضان ومكانته العظيمة، والوصية بالتمسك بآداب شهر رمضان وفضائله.
في بداية الخطبة بين الشيخ الجهني أنَّ في اختيار الخالق -تبارك وتعالى- دينَ الإسلام شرعةً ومنهجًا للمؤمنين لَهُوَ دليلٌ على عنايته -تعالى- بهم، ومحبته لهم، ورضائه عنهم، قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ}(ال ْمَائِدَةِ: 3)، وهذه الآيةُ الكريمةُ مِنْ آخِر ما نَزَلَ من القرآن الكريم، تكلَّم الربُّ -سبحانه وتعالى- عن نفسه، وأَخبَر أنَّه أكملُ لأُمَّة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- دينَهم، وأنَّه أتمَّ عليهم نعمتَه، وأنَّه رَضِيَ لهم الإسلامَ دينًا، فأكمل اللهُ بها الدينَ، وأتمَّ بها النعمةَ، وأَيِسَ الذين كفروا مِنْ أن ينالوا من دين الإسلام، أو أن يُنقِصُوه أو أن يُحرِّفوه؛ فقد كتَب اللهُ له الكمالَ، وسجَّل له البقاءَ، وتكفَّل اللهُ بحفظه وحمايته؛ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(ال ْحِجْرِ: 9).
رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - كاملةٌ شاملةٌ
وقد بيَّن اللهُ -تعالى- في محكم التنزيل أن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - كاملةٌ شاملةٌ، هي خاتمةُ الرسالاتِ السماويةِ، أرسَل بها رسولًا طهَّرَه واصطفاه وقرَّبَه وأَدنَاه، فأرسَلَه إلى جميع الثقلينِ الجنِّ والإنسِ، بشيرًا ونذيرًا، ورحمةً للعالمينَ وسراجًا منيرًا، وأنزَل عليه كتابًا مصدِّقًا لِمَا بينَ يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، أنزَل عليه وَحيًا يُخاطب العقولَ والفطرةَ، ويتناول جميعَ نواحي الحياة، حياة الفرد والأسرة، وحياة المجتمع والدولة، فقد نظَّم صلةَ الإنسان بخالقه، وصلةَ المسلم بأخيه المسلم، وصلةَ المسلم بغيره، حتى صِلتَه بالحيوان، وجميع أفراد العالَم الصامت والناطق، وعالَج جميعَ المشكلات، ورسَم جميعَ النُّظُم في كل الأمور صغيرِها وكبيرِها، حتى حاجة الإنسان كيف يَقضِيها، فالذي أنزَل آخِرَ النُّظُم السماويَّة، وجعلَها ناسخةً لِمَا قَبلَها من النُّظُم، هو الذي خلَق الكون ويعلم ما كان فيه وما سيكون مِنْ تطوُّرات وتغيُّرات، وما يَستجِدّ من متطلَّبات، فجعَلَه نظامًا يتسع لجميع الاحتمالات في إطار العدل، وفي ظل التقوى وخشية الله -عز وجل-؛ فلا يجوز لمسلم أن يتصوَّر أن هذا الدينَ غيرُ شاملٍ، أو أنَّه يحتاج إلى تكملة أو زيادة أو نقصان أو تنسيق أو تطوير، فإن هذا تصوُّر خاطئ يُخالِف حقيقةَ الإسلام؛ فواجبُ الأمةِ المسلمةِ أن تَبذُلَ جهدَها لشُكر المنعِم عليها، وأَنْ تقومَ بكل قدراتها بحقوق ربِّها، وأن تُدرِكَ مدى هذا الاختيار وهذا الرضا، فتتمسَّكَ بدينها الذي رَضِيَهُ لها ربُّها بكل عزائمها، وأن تَعَضَّ عليه بنواجذها.
الإسلام دينُ اللهِ الذي
لا يَقبَل دينًا سواه
إن الإسلام هو دينُ اللهِ الذي لا يَقبَل دينًا سواه، فقد أودَع اللهُ -عز وجل- فيه كمالَ وسعادةَ كلِّ عبد يَدِين به لله رب العالمين، فيعبُدُ اللهَ وحدَه بما حواه من عقيدة التوحيد الراسخة، ومن عباداتٍ وأحكامٍ وآدابٍ وأخلاقٍ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آ لِ عِمْرَانَ: 85)، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واهدنا الصراط المستقيم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولجميع المسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم.
موسم من مواسم الخير
ثم تحدث الشيخ الجهني عن فضل شهر رمضان وبين أنه موسم من مواسم الخير، ومَيدان يتسابق فيه المتسابقون؛ إنَّه ضيفٌ عزيزٌ، ووافدٌ كريمٌ، تتشوَّف القلوبُ إلى مجيئه، وتتطلَّع النفوسُ إلى قُدُومِه، هو شهرُ رمضانَ، شهرُ الصيامِ والقيام والقرآن، والعتق من النيران، شهر البِرّ والجود والإحسان، وكلّ أنواع الطاعات والقُرُبات، يتباشر المؤمنون بقدومه، ويُهنِّئ بعضُهم بعضًا ببلوغه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان أوَّلُ لَيلةٍ من رَمَضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ، ومَرَدةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النَّارِ، فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِحَتْ أبوابُ الجِنانِ، فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ونادى مُنادٍ: يا باغِيَ الخَيرِ أَقْبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ منَ النَّارِ»(رواه الترمذي).
حال السلف -رحمهم الله
وقد كان السلف الصالح -رحمهم الله- يسألون الله ستةَ أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلَّغَهم إيَّاه سألوه ستةَ أشهرٍ أخرى أن يتقبَّل منهم، وسئل عبداللهِ بنُ مسعود الصحابي الجليل - رضي الله عنه -، كيف كنتُم تستقبلون رمضانَ؟ فأجاب: «ما كان أحدُنا يَجرُؤ على استقبال الهلال وبقلبه مثقالُ ذرةِ حقدٍ على أخيه المسلم».
نعمة الصحة والقدرة على العمل
ثم أكد الشيخ الجهني اغتنام نعمة الصحة والقدرة على العمل، فكم مِنْ مسلمٍ طموح إلى الخير تمنَّى أن يصوم شهر رمضان ليجتهد فيه بأنواع العبادات، فأدركه الأجل قبل ذلك! وكم من مسلم يتمنى أن يصوم رمضان ويقوم ليله فلا يستطيع لمرض يمنعه! وكم من إنسان استحوذ عليه الشيطان، فهو في الأرض حيران! وكم من مسلم تفيض عينه من الدمع حزنًا ألَّا يستطيع الوصول إلى بيت الله! وكم من امرئ استحوذت عليه شهواتُه، وجعلَتْه في غفلة ونسيان، يقول: إنَّه مسلمٌ ولا يؤدِّي شعائرَ الإسلام! فاشكروا نعمةَ اللهِ -تبارك وتعالى- عليكم، واجتهِدوا في طاعته وطاعة رسوله، واشكروا الله على نعمة الأمن والاستقرار، تؤدُّون شعائرَ دِينِكم في بيوت الله بعزٍّ وافتخارٍ، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن غناكم لفقركم، ومن شبابِكم لهَرَمِكم، ومن حياتكم لموتكم، ومن فراغكم لشغلكم، وأوصيكم بالتمسُّك بآداب هذا الشهر واحترامه، وأداءِ حقِّه والتعرضِ لرحمةِ اللهِ -عز وجل- وإحسانه؛ فإن هذا الشهرَ فرصةٌ لا تُعوَّض، فقد لا يُدرِك المرءُ شهرًا مثلَه.