فضل الصيام

للشيخ : مجد مكي


فالصوم من أفضل العبادات، وأجلِّ الطاعات: جاءت بفضله الأخبار،ونقلت فيه الآثار.
1 ـ فمن فضائل الصوم: أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم، ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عنها، وما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ] {البقرة:183}.
2 ـ ومن فضائل الصوم في رمضان أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:« من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه» يعني: إيماناً بالله ورضاً بفريضة الصوم، واحتساباً لثوابه وأجره، ولم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخَمْسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات ما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر».
3 ـ ومن فضائل الصوم: أن ثوابه لا يتقيد بعدد معيَّن، بل يعطى الصائم أجره بغير حساب. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنَّة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه».
وفي رواية لمسلم: «كلُّ عمل ابن آدم له يُضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يَدَعُ شهوتَهُ وطعامه من أجلي ».
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوهٍ عديدة.
أ ـ إن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده ومحبته له، وظهور الإخلاص فيه؛ لأنه سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله، فإن الصائم يكون في الموقع الخالي من الناس متمكناً من تناول ما حرم الله عليه فلا يتناوله لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه، وقد حرَّم عليه ذلك، فيتركه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه ولهذا قال:« يدع شهوته وطعامه من أجلي » من أجل ذلك اختص الله الصيام لنفسه من بين سائر الأعمال.
ب ـ أن الله قال في الصوم: «وأنا أجزي به»، فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، أما الصوم فإنَّ الله أضاف الجزاء إلى نفسه سبحانه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين والعطية بقدر معطيها، فيكون أجر الصائم كثيراً بلا حساب.
والصيام صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس. فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين، وقد قال الله تعالى:[ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10}.
جـ ـ أن الصوم جُنّة، أي: وقاية وستر،يقي الصائم من اللغو والرفث ويقيه أيضاً من النار. روى أحمد عن جابر رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « الصيام جنَّة يستجنُّ بها العبدُ من النار».
د ـ أنَّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنها من آثار الصيام فكانت طيبةً عند الله سبحانه ومحبوبةً له، لأنها ناشئة عن عبادة الله وطاعته،وكل ما نشأ عن عبادته وطاعته فهو محبوب عنده سبحانه... ألا ترون إلى الشهيد الذي قتل في سبيل الله يأتي يوم القيامة وجرحه يثغب دماً لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، وفي الحج يباهي الله بأهل الموقف ملائكته فيقول سبحانه: «انظروا عبادي هؤلاء جاؤوني شُعْثاً غُبْراً...» وإنما كان الشعث محبوباً إلى الله سبحانه في هذه المواطن لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام وترك الترف...
هـ ـ أن للصائم فرحتين: فرحةً عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه، أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من أداء عبادة الصيام، وكم أناس حرموه ولم يصوموا، ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه.وأما فرحه عند لقاء ربِّه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله مضاعفاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه، وحين يقال: أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحدٌ غيرهم.
4 ـ ومن فضائل الصوم: أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشهوة فشفِّعني فيه، ويقول القرآن:منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» [مجالس رمضان ص8ـ11].
فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه، وحفظ حدوده.
في آداب الصيام الواجبة
1 ـ أن يقوم الصائم بما أوجب الله عليه من العبادات القولية والفعلية، ومن أهمها الصلاة المفروضة فتجب المحافظة عليها، والقيام بأركانها وواجباتها، فيؤديها في وقتها مع الجماعة في المساجد. ومن الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه. ومنهم من ينام عن الصلاة في وقتها، وهذا من أعظم المنكرات...
2 ـومن الآداب الواجبة: أن يجتنب الصائم جميع ما حرَّم الله ورسوله من الأقوال والأعمال، فيجتنب الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع، ويجتنب الغيبة وهي ذكرك أخاك فيما يكره في غيبته، ويجتنب النميمة، وهي نقل كلام شخص في شخص ليفسد بينهما، وهي من كبائر الذنوب.. ويجتنب الغش في جميع المعاملات وجميع المناصحات والمشورات
قال جابر رضي الله عنه: « إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا يكن يومُ صومك ويومُ فطرك سواء».[مجالس رمضان ص44ـ48 بتصرف شديد]
في آداب الصيام المستحبة:
1ـ السحور: وهو الأكل في آخر الليل سُمي بذلك لأنه يقع في السَّحر.
وينبغي للمتسحِّر أن ينويَ بسحوره امتثال أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم والاقتداء بفعله، ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوِّي على طاعة الله عزَّ وجل .
والسُّنَّة تأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر.
2 ـ تعجيل الفطور إذا تحقق غروب الشمس، والسنة أن يفطر على رطب فإن عُدِم فتمر، فإن عُدِم فماء. فإن لم يجد أفطر على ما تيسَّر من طعام أو شراب حلال...
وينبغي أن يدعو عند فطره:اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت. ذهب الظمأ وابتلّت العروق.
3 ـ ومن آداب الصيام المستحبة: كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة.
في صحيح ابن حبان وابن خزيمة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم».
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فَلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة».
وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم، والنفس والمال لله عزَّ وجل، وان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في رمضان لشرف وقته ومضاعفة أجره.
والجمع بين الصيام وإطعام الطعام من أسباب دخول الجنة.
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائماً»؟ فقال أبو بكر: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟.. فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ فمن عاد منكم مريضاً »؟.. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة».
4 ـ العمرة في رمضان: روى البخاري: « عمرة في رمضان تعدل حَجَّة».
5 ـ إفطار الصائمين: روى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني مرفوعاً: « من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء».
وروى ابن خُزيمة من حديث سلمان رضي الله عنه ... « قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء، أو مذقة لبن..».
هذه اختبارات اخترتها مهن كتاب « مدارك المرام في مسالك الصيام» للقطب القسطلاني ودونتها في بعض أوراقي في يوم الإثنين 4/رمضان /1404، فأحببت نشرها والتذكير بها ،سائلاً المولى عزَّ وجل أن ينتفع بها ، وأن يجعلها من العلم النافع والعمل الصالح المدَّخر عنده سبحانه.
آداب الصيام ومستحباته:
قال العلامة قطب الدين القسطلاني المتوفى سنة 686 في كتابه « مدارك المرام في مسالك الصيام» ص79ـ91.
اعلم أنَّ الصوم يقع على ثلاث مراتب: صوم العوام، والخواص، وخواص الخواص.
المرتبة الأولى: يحصل بالكفِّ عن المفطرات دون الاعتبار لما يوجد فيه من ارتفاع المحرمات القولية والفعلية فقد ورد:« رب صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش».
المرتبة الثانية: يحصل بكفِّ الجوارح السبع وهي: العين، والأذن، واللسان، والبطن، والفرج، والعينان، والرجلان ـ عن استعمالهما في شيء من الأسباب المقربة إلى الآثام المُبْعدة عن درا السلام.
المرتبة الثالثة: تحصل بقصر النفس عن إرسال سهام الفكر إلى أعراض الحظر، وذلك هو صوم القلب عن الاهتمام بشيء من الإرادات، وصيانته عن الالتفات إلى مقصود له من أنواع المرادات. وإهمال الفكر في الدنيا وأسبابها، وزينتها وشهواتها. وإعمال الذكر لله تعالى من نفسه في جميع حالاتها.
لقد صمت عن لذَّات دهري كلِّها ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي
ويتعين على الصائم من الآداب والسنن أمور سبعة:
الأمر الأول: تعجيل الفطر:
روى الترمذي وقال: حسن صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال الناس بخير ماعجَّلوا الفطر».
وروى أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزَّ وجل: « أحبُّ عبادي إليَّ: أعجلهم فطراً».
ويستحبُّ أن يكون قبل الصلاة ليتوفَّر خاطره في الصلاة عن التطلُّع للفطر، وأن يكون على تمر.
روى الترمذي وقال: حسن صحيح عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماءٍ فإنه طهور».
الأمر الثاني: الدعاء عند الإفطار:
روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنِّ للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردّ. قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إذا افطر: « اللهم إني أسألك برحمتك التي وَسعَتْ كلَّ شيء أن تغفر لي ».
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: « الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت».
الأمر الثالث: تأخير السحور:
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تَسَحَّروا فإنَّ في السُّحور بركة».
والحكمة من تأخيره: أن النهار يُقْبل وفي المعدة من الغذاء ما يتقوَّى به على طاعة الله بحيث لا يجهده الصوم فيقعد عن فعلها.
ولأجل ذلك ورد في الحديث: « هلمُّوا إلى الغذاء المبارك» فسماه غذاء لمعنيين: أحدهما: لكونه يعمل ما يعمل الغذاء من التقوية للبدن، وثانيهما: لقربه من محل الغذاء الذي هو النهار.وما قارب الشيء أو صاحب أوله، أو لابس جزءاً منه أو سدَّ مسدَّه جاز أن يجري عليه حكمه.
وأخرج البخاري من حديث أنس عن زيد بن ثابت تسحَّرنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور: قال: « قدر خمسين آية ».
الأمر الرابع: كف الجوارح عن استرسالها في القبائح:
هذا الأمر مطلوب في الصوم وغيره إلا أنه في حالة الصوم الاعتناء به أشد، والمحافظة عليه أوْلى.
روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ لم يَدَع ْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه».
وقال صلى الله عليه وسلم:« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن جهل عليه أحدٌ فليقل: إني امرؤ صائم».
اختلف في مقالته هذه: فقيل: يجهر بها لخصمه ليوقفه عن شتمه، ويردعه عن ظلمه، وقيل: يَزْجر نفسه بقوله ذلك سراً بحيث يمتنع عن محاربة مُخَاصِمِه. ورجَّح بعضهم الثاني لما في الأول من إظهار عمله تذكرة للناس.
فالجوارح المأمور بصيانتها سبعة أطراف:
الأول: غضُّ البصر عن النظر فليكف عن مده، إلى ما يشغله عن ذكر ربه. قال تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ] {النور:30}.وقال تعالى:[ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36}.
وقد ورد في بعض الخبر المروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: « النظرة سهم مسموم من سهام إبليس...».
الثاني: صون السمع عن الإصغاء لكلِّ ما يحرم قوله أو ذكره.
الثالث: حبس اللسان عن النطق بالفحش والبهتان. قال تعالى:[مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}.فليجتنب الكذب،والغيبة، والنميمة، والمراء والفحش والخصومة، والجفاء. ويلزم الصمت والاشتغال بما هو قربة من صلاة أو ذكر أو تلاوة.
وفي الحديث:«الصوم جُنَّة» أي: سترة من النار، وقالت حفصة بنت سيرين: « الصوم جُنَّة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها: الغيبة».
الرابع: البطن، وهو ما يرد عليه من الغذاء، فليكن ذلك من الحلال فإنه مقلل للحساب، ومن أعظم الأسباب الداعية للاقتراب من جناب ربِّ الأرباب.
روى الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « استحيوا من الله حقَّ الحياء، قال: قلنا: إنا لنستحيي والحمد لله،قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ ا لبطن وما حوى، وتذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حقَّ الحياء».
وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث إبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد. قال الحافظ المنذري: أبان بن إسحاق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتُكِّلم فيه لرفعه هذا الحديث،وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف. ورواه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة، والله أعلم.
فليجتنب أن يتناول عند فطره الحرام والشبهة فلا يثمر الصوم الذي قد كفَّ طول النهار عن أكل الحرام ثم يودع عند الإفطار الحرام بطنه.
الخامس: الفرج: قال تعالى: [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ] {المعارج:29}.
وفي الحديث: « العين تزني، والرِّجل تزني، والقلب يتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذِّبه ».فمن لم يصن جوارحه في صومه فقد تعرِّض عند الله للومه.
السادس والسابع: اليد والرجل: فلا يمدهما في صومه لمنهي عنه. فبذلك يكمل له الصوم.
الأمر الخامس: الاحتراز من الشبع وقت فطره من الغذاء الحلال. وفي الحديث: « ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه»، وهو إذا شبع عند فطره، فقد قصر فيما يقتضي المزيد من أجره، لأن الشبع يورث القسوة، ويثير النوم، ويجلب الكسل عن الطاعة.
الأمر السادس: أن يتردَّد فكره بين الخوف الرجاء في قبول صومه، وماذا أثمر له عند الله من الرضا، وهل قُبل عمله فأثبت اسمه في ديوان السعداء الأبرار، أو رُدَّ فعُدَّ في جملة الأشقياء الفجَّار؟ فإنَّ القبول عن العباد أمر مغيب، وهو المقصود من الأعمال كلها فليكن على وجل وإشفاق.