قصة البداية
داليا رفيق بركات



هي أول القصص القرآني وليس بعجيب؛ ففيها المعاني الجميلة والمفاهيم المهمة الأساسية التي يجب أن تُغرَز في نفس الطفل.

فمن بداية خلق آدم عليه السلام كرَّمَه الله، وأسجد له ملائكته، وفضَّله بالعلم، فعلَّمه الأسماء، وأسكنه الجنة، وخلق له حواء؛ ليسكن إليها، وستر عورتيهما، وأنعم عليهما بثمار الجنة؛ ليأكل كل منهما ما يشاء، حتى عندما عصى آدمُ ربَّه أنزله إلى الأرض التي هيَّأها الله له؛ لتُصبح صالحةً للعيش، وسخَّر له كل ما فيها من مخلوقات لمنفعته، ثم تأتي رحمة الله بهما بعد المعصية، فلقَّن آدم كلمات ليتوب بعد أن خالف أمر الله، وتكون التوبة هي سبيل العودة إلى الله.

وتتوالى نعم الله من إرسال الرُّسُل ليعود مَنْ ضَلَّ إلى طريق الحق، ويفرح الله عز وجل به، وجعل من ذريته الرُّسُل والأنبياء والصالحين والشهداء الذين أعدَّ الله لهم أجرًا عظيمًا؛ جزاءً لهم ورحمةً منه،

فعند توضيح تلك المعاني للطفل من خلال القصة يتولَّد لديه حُبُّ الله، وإنه المتفضِّل عليه بكرمه ونعمه، وأنه يحبُّه ولا يريد تعذيبه إذا أخطأ؛ بل يمهله وينذره ويتقبَّله بفرحة إذا رجع وأناب،
وهنا يأتي الوجه الآخر من القصة وهو:
1- سِرُّ عداوة الشيطان لنا.
2- وعاقبة التكبُّر على الخلق وعصيان أوامر الله جل وعلا.

والذي يجب أن يعرفه الطفل من خلال القصة، حتى إذا سردنا له قصص الأنبياء، ورأى عقاب الله للكافرين شعر باستحقاقهم هذا العقاب، فبعد أن تفضَّل الله عليهم بالنِّعَم وبيان الحق لهم، وإنذارهم، وإمهالهم للتوبة، فإذا بالكافرين يتَّبِعون مَنْ أعلن لهم العداوة، وأقسم على إضلالهم، ويتكبَّرون مثله عن أوامر الله، واتِّباعها رغم ما فيها من الخير والفلاح، ورغم ترغيب الله لهم وبيان الثواب، وترهيبهم ببيان العقاب، وعاقبة مَنْ فعلوا مثلهم.

فبعد كل هذا يُصِرُّون على كفرهم، ويتكبَّرون؛ بل وأحيانًا يُحاربون المؤمنين ويسخرون منهم، وقد يقتلون أيضًا، فكيف لا يستحقُّون العقاب بعد ذلك؟!

ثم تأتي النهاية لتكتمل الصورة، عندما سردْتُ القصة للأولاد سألني ابني:
إذا كانت تلك البداية، فما هي النهاية؟
فصادف ذلك حفظي لسورة إبراهيم بفضل الله، ووقفتُ عند الآية التي ذكر الله فيها: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].

رغم إنها آية واحدة إلا أنها بليغة في تصوير النهاية، وكفيل جدًّا قراءة تفسيرها ليتصوَّر الطفل المشهد.

فمن أضلَّك تبرَّأ منك، وتحمَّلت عذابك بمفردك، فلله الفضل والمنة أنْ حذَّرنا من اتِّباع خطواته، وجعل لنا من الأذكار ما يحمينا منه.

لأن الله يحبُّنا فقد حذَّرنا ممَّا يضُرُّنا في الدنيا والآخرة، ولأنه سبحانه يعلم مكر الشيطان، ويعلم ما ستؤول إليه الأمور في النهاية، فقد ذكر لنا قصة البداية والنهاية، فالحمد لله رب العالمين، ودمتم طيبين.


__________________