تأملات في منظومة القيم والأخلاق - الشحات: التوعية المبكرة أهم سبل تحصين الشباب وحمايتهم من الوقوع ف



أرسى ديننا الإسلامي الأخلاق الفاضلة، والقيم، والمبادئ، والمثل السامية التي تضمن تماسك المجتمع، ورقيه وتقدمه، والمتأمل لواقعنا اليوم يجد أن الشباب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يواجه تحولات عديدة على مستوى منظومة الأخلاق والقيم؛ إذ أصبح التأثر بكل وافد من القيم -ولو كانت متعارضة مع قيمنا وثوابتنا- ظاهرة تهدد مجتمعاتنا وشبابنا، ونظرًا لخطورة هذه القضية وأهميتها تلتقي الفرقان بالباحث والكاتب الإسلامي م. أحمد الشحات لتسليط الضوء على أبعادها وأسبابها وطرائق مواجهتها.
- كيف يمكن مواجهة الحملات المتعددة لهدم القيم؟، وكيف يمكن تحصين الشباب والفتيات من هذه الهجمات؟
- لا شك أن المواجهة الأساسية تكون من خلال التوعية المبكرة المباشرة؛ فسلاح الوعي هو السلاح الفَتَّاك الذي لا نُحسِن توظيفه؛ رغم أننا لا نمتلك غيره، في حين أن العدو والخصم معه أساليب تأثير، وطرائق دعاية متعددة، ومصادر تمويل، وخطط وأهداف مبرمجة، وجيوش من الموظفين والعاملين من أجل الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف وغيرها، وفي المقابل نحن حظنا وما نملكه من أدوات مواجهة، هي على الحقيقة أدوات محدودة في مقابل كل هذه الأدوات الفتاكة، والأساليب البراقة.
وهناك أمر آخر شديد الأهمية، وهو: أنهم يخاطبون الغرائز، والشهوات والفتن، والنفوس -غالبا- ضعيفة أمام الفتن والشهوات، إلا مَن رحم الله، ومن ثم فالدعوة إلى الشهوة تلقى قَبُولًا أكبر بكثيرٍ مِن الدعوة إلى الانضباط، والدعوة إلى التماسك، وحفظ العورات وتجنُّب الفتن، وغير ذلك.
التوعية المبكرة المباشرة
إذًا، الذي يجب أن ننتبه إليه، وأن نبذل قصارى جهدنا فيه هو التوعية المبكرة المباشرة، وهذه التوعية تقطع أسبابًا كثيرة مِن أسباب الوقوع في الفتنة، التي مِنها: «الانبهار بالفتنة»، فعندما نسبق نحن إلى الشباب والفتيات، ونحذِّرهم من هذا النموذج، ونبيِّن لهم حقيقته؛ بحيث لو عرض عليهم بعد ذلك يعلمون أنه مؤذٍ وضارٍّ، وفاسدٍ ومدمِّرٍ؛ لأنه يكون قد نزع منه خاصية الإبهار، وإن وَقَع فيه أحدٌ بسبب شهوة، أو بسبب ضعف إيمان، أو غير ذلك؛ فيكون وقوعه فيه ليس خطيرًا بالدرجة التي تكون ممَّن وقع فيه وقوع المنبهر بهذه الفتن، أو الذي غيَّرت هذه الفتن مِن تركيبته الداخلية والمنهجية المحرِّكة؛ فصار مقتنعًا بها، وهذه الثانية أخطر من الأولى، أن الفتنة تتحول إلى قناعة، وليس مجرد وسيلة لقضاء الشهوة؛ فمثلًا: الدفاع عن الشذوذ الجنسي ليس مجرد استجابة لشهوة جنسية منحرفة، ولكن تحوَّل الأمر عند المدافعين عن ذلك إلى قناعة بأن هذا حق واختيار لهؤلاء الشواذ، وأنهم لابد أن يفسح لهم المجال في ذلك! وغير ذلك من الأمور التي نواجهها، وتكون إما بتغيير في القناعات الداخلية، أو تغيير في المبادئ والسلوكيات العامة الظاهرة، وكلا الأمرين نستطيع مواجهتهما بسلاح الوعي المبكر، والجهود المتضافرة في ذلك، يكون لها -بفضل الله- أثر جيد -على الأقل- في دحر العجلة المتسارعة لنشر هذه الفواحش في بلادنا.
- كيف يمكن ضبط مفهوم قضية الحرية في الإسلام؟
- الإسلام ضبط مفهوم الحرية، بضوابط رائعة تخاطب النفس البشرية بنقائها وفطرتها السليمة، إلا أنه -مع الأسف نتيجة لخفوت صوت الحق، وعلو صوت الباطل- تنقلب الموازين.
الإسلام خاطب الإنسان، وقال له: أنت عبد لله -عز وجل- فقط؛ هو الذي خلقك، وهو الذي رزقك، وهو الذي أحياك، وهو الذي يميتك، وهو الذي له عليك حق الطاعة فقط، وكل ما صدر عن هذه المنظومة بعد ذلك، فهو تبع لطاعة الله -تبارك وتعالى-، وطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم غيرها من أوجه الطاعة في الشريعة، كلها منبثقة من الأصل الكبير؛ أن الإنسان عبد لله -تبارك وتعالى- الذي أرسل له الرُّسُلَ وأمره باتباعهم، فهو يتبع الرسل ويقتدي بهم طاعة لله -تبارك وتعالى.
والله -عزوجل- أنزل الكتب، وأمر الإنسان في هذه الكتب، أن يتبع التعليمات والأحكام والتشريعات الموجودة فيها؛ فهو يتبعها امتثالًا لأمر -تبارك وتعالى-؛ فالإنسان في الإسلام عبد لله -تبارك وتعالى-، ولا يجوز أن يكون عبدًا لأي شيء آخر، لا لمخلوق مثله، ولا لشهوة، ولا لأي شيء كائنًا ما كان، لكن ماذا بعد أن شوِّه هذا المفهوم، واغتر الناس بالشعارات البَرَّاقَة لكلِّ المذاهب الهَدَّامَة المخالفة لدين الإسلام، وكل الأديان الأخرى المخالفة لدين الإسلام؟
نتج عن ذلك: أن وقع فئام مِن الناس في عبادة البشر والمخلوقين، سواء بالعبادة الصريحة كما عُبِد المسيح، وعُبِد عزير، وكما عُبد الشيطان ذاته، بما يسمَّى: بعبدة الشيطان، وكما عُبِد الأحبار والرهبان، والملوك والرؤساء، وكل هذه الأنواع من عبودية البشر، نجدها موجودة فيما يقدِّمونه من حضارة مظلمة، وما يريدون أن ينشروه بين الناس، ثم وقع الإنسان بعد ذلك في عبادة الشهوات، فالحرية في الاسلام تعلي من قيمة الإنسان.
ضوابط الحرية في الإسلام
ولا شك أن هناك ضوابط للحرية في الإسلام؛ فلا يوجد شيء في الدنيا من دون ضوابط، وإلا انهارت المنظومة المجتمعية بالكلية، وحتى في المجتمعات التي تركوا فيها الحابل على النابل؛ فإنهم وَضَعوا سقفًا للحرية، فمهما كان لديهم من انحراف؛ إلا أنهم وضعوا حدًّا لهذه الحريات، لكن الفرق بين الإسلام وبين غيره من الأمم: أن الضوابط التي في الاسلام ليست من صُنِع البشر، أما في باقي الحضارات والمذاهب الأخرى، فإنها من صنع البشر.
الإسلام له سقف في الحرية
وكذلك الإسلام له سقف في الحرية بلا شك، وهذه الحرية لابد ألا تخالف شرعَ الله -تبارك وتعالى-، فأنت حر ما لم تخالف شرع الله -تبارك وتعالى-، وأنت حر فيما بينك وبين الناس في التعاملات التي أباحها الله -تبارك وتعالى-، لكن ليس معنى الحرية الانفتاح، أو الفوضى، أو التَّحَرُّك بلا قيودٍ وبلا ضوابط؛ سواء في حق نفسك، أم في حق أسرتك، أم في حق مجتمعك، أم في حق تعاملاتك مع غيرك من البشر، وقبل كل ذلك في حقِّ الله -تبارك وتعالى.
- كيف ترون الدعوات النسوية التي يزعم الدَّاعون والداعيات لها أنهم دَاعِمون للمرأة؟
- دعاة النسوية يدغدغون مشاعر النساء اللواتي يعانين -بطريقة أو بأخرى في بعض البيئات- بالعديد من الشعارات الزائفة، وهم في حقيقة الأمر لا يعطون المرأة حقوقًا، بل يزيدون من المعاناة التي تعاني منها بعض النساء في بعض البيئات التي يحدث فيها ذلك.
والدعوات النسوية الغرض منها: إبعاد المرأة عن أحكام ربها وشريعته، وتريد هذه الدعوات للمرأة أن تتصور أن هناك خصومة دائما بينها وبين الرجل.
وهذه المشكلة لم تمر بها أمتنا قط على مدار تاريخها؛ لأن هذه المشكلة وليدة البيئة الغربية، وتنتمي إلى البيئة الغربية التي أساءت إلى المرأة وما زالت.
- كيف يمكن وقاية الشباب والفتيات من التأثر والانبهار بالثقافات المتعددة الوافدة؟
- وقاية الشباب من الانبهار بالثقافات الأخرى تكون بتقديم البديل المناسب له، وأن نعرِّفه ملامح القوة في ثقافتنا، وأسرار حِكَم التشريع الإسلامي فيما فَرَضَه الله -تبارك وتعالى-؛ حتى لا تكون الفروض والواجبات الشرعية ثقيلة عليه، وتكون في نظره مجرد تقييد لحريته، وفي المقابل لابد أن نعرِّف الشباب حقيقة القيم الغربية التي يحاولون تقليدها والانجرار وراءها حتى يتبين لهم الحق والباطل، والهدى والضلال؛ فإذا اطلع الشباب والفتيات على هذا الجانب المشرق المضيء المبهر من حضارتنا وقيمنا؛ فإنهم -بلا شك- يندفعون إلى الرغبة في الانتماء إلى هذه الثقافة، ومن ثم فالمجهود في ذلك مجهود كبير، وهو مجهود معرفي توعوي ثقافي في المقام الأول، وهم يسمونه: (صراع حضارات)، وهو في الحقيقة كذلك «صراع حضارات».
إذًا لابد لنا أن نستحضر أدبيات الصراع، وأدوات الصراع، ودون ذلك سَيُسْرَق منا شبابنا، وستُسرَق منا فتياتنا -والعياذ بالله-، وسيرتمون في أحضان الغرب شئنا أم أبينا؛ لأننا تركناهم ولم نشرح لهم ونبيِّن لهم الفروق بين حضارتنا وحضارتهم.
- كيف يمكن إعادة تكوين وعي الشباب المسلم الذي انغمس الكثير منهم في وسائل الترفيه واللعب والعبث، والمهرجانات، والفِرَق الغنائية؟
- الشباب المسلم -إلا مَن رحم الله- يعاني مِن مشكلات خطيرة:
المشكلة الأولى: مشكلة ضعف الإيمان
المشكلة الأولى التي يعاني منها شبابنا هي ضعف الإيمان؛ ما يجعله يشعر بالغربة، ومِن ثَمَّ فهو يبحث عن أي وسيلة يملأ بها فراغه الديني؛ سواء كانت فرقة غنائية أم غيرها، وهذه -بلا شك- مشكلة ضخمة.
شكلة الثانية: مشكلة الفراغ

فالفراغ مضيعة ومقتلة، وأي إنسان لا يشغل برنامجه اليومي، وخططه الأسبوعية، وآماله الشهرية والسنوية، وأهدافه في الحياة بعددٍ من المشاريع والأهداف والأمنيات، وغيرها من الأمور الجادة والنافعة والمفيدة دينًا ودنيا، فإنه سيقع حتمًا في أسر دوامة الفراغ المدمِّر، الذي ينقله من عَبَث إلى عَبَث، ومن ضياع إلى ضياع، فلن يوصل الفراغ أحدًا إلى الطريق الجاد أبدًا، ولن يسلمه إلى النجاح والفوز أبدًا، بل لابد أن يقلبه بين ألوان من الفشل، وألوان من العبث، وإذا تمكَّن الدُّعاة والمصلحون مِن معالجة هاتين الآفتين: آفة ضعف الإيمان، وآفة الفراغ، أتصور أن هناك كثيرًا من المشكلات يمكن أن تحل بفضل الله -تبارك وتعالى.
- كيف يمكن مواجهة حملات تشكيك الشباب المسلم، التي تقدح في ثوابت العقيدة والعبادة تحت دعاوى العقلانية ونحوها؟
- مواجهة حملات التشكيك في ثوابت العقيدة يكون بطلب العلم الجاد، والمنظَّم والهادف، فيكون طلب له غاية وهدف، ورسالة وفلسفة معينة تحكمه؛ لأن العلم الشرعي لا ينبغي أن يكون قاصرًا فقط على طلبة الكليات الشرعية مثلًا، أو الدُّعَاة، أو العلماء، أو الشيوخ، أو غير ذلك ممَّن يشتغلون بهذا الأمر، فطلب العلم فرض لازم على كلِّ مسلم، وهذه الفريضة التي حَدُّها الأدنى: ما لا تستقيم عقيدة الإنسان وعبادته ومعاملته إلا به، اتسع الآن فصار يشمل أمورًا كثيرة جدًّا، من دونها يقع الشاب في براثن الحملات المُغْرِضَة، التي تشككه في دينه، مثل: الإلحاد، أو أي انتماء فيه مصادمة لشرع الله -تبارك وتعالى-، ولعقيدة المسلمين ولأحكام الشريعة، فالآن لم يعد كافيًا أن يتناول الإنسان ما لا يسع مسلم جهله في الماضي؛ فإن ما لا يسع مسلم جهله الآن قد اتسع، حتى يستطيع المسلم أن يكون -على الأقل- ثابتًا، عنده مِن اليقين ما يكفي لكي يعصمه الله -تبارك وتعالى- من عواصف الشهوات والشبهات، فلابد من حثِّ الشباب على العلم وتوفير المناشط والمنصات التي تبذل العلم للناس حتى يشيع العلم، فإذا شاع العلم، اندحر الجهل، وقَلَّ تأثير الشهوات والشبهات على الإنسان بفضل الله -عز وجل.


محمود عبد الحفيظ البرتاوي