خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - اسْتِقْبَالُ شَهرِ رَمَضَانَ

الفرقان




جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 25 من شعبان 1444هـ - الموافق 17/3/2023م بعنوان: اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ، حيث أكدت الخطبة على أنَّ شهر رمضان شَهْرٌ عَظِيمٌ، وشَهْرٌ مُبَارَكٌ؛ قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة:185).


إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أُنْسٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَحَيَاةٌ لِلصَّالِحِينَ، وَمَيْدَانٌ لِلْعَابِدِينَ، تَتَنَزَّلُ فِيهِ الرَّحَمَاتُ، وَتُفْتَحُ فِيهِ الْجَنَّاتُ، وَيَرْتَقِي فِيهِ الْمُؤْمِنُ الدَّرَجَاتِ، نَهَارُهُ صِيَامٌ، وَلَيْلُهُ قِيَامٌ، وَشِعَارُهُ الْقُرْآنُ، كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْرَحُ بِقُدُومِهِ، وَيَسْتَبْشِرُ بِهِلَالِهِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
فَضَائِلُ الصِّيَام
لِلصِّيَامِ فَضَائِلُ كَبِيرَةٌ، وَأُجُورٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَفِيرَةٌ؛ فَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَوِقَايَةٌ لَكَ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى؛ عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
أَجْرُهُ مُضَاعَفٌ بِلَا حَدٍّ
وَالصِّيَامُ أَجْرُهُ مُضَاعَفٌ بِلَا حَدٍّ، وَثَوَابُهُ مَمْدُودٌ بِلَا حَصْرٍ أَوْ عَدٍّ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «فَتَـكُونُ الْأَعْمَالُ كُلُّهَا تُضَاعَفُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ تَضْعِيفُهُ فِي هَذَا الْعَدَدِ، بَلْ يُضَاعِفُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَضْعَافًا كَثِيرَةً بِغَيْرِ حَصْرٍ».
سَبِيلٌ إِلَى الْجِنَانِ
وَالصِّيَامُ سَبِيلٌ إِلَى الْجِنَانِ، وَمُوجِبٌ لِرِضَا الرَّحْمَنِ، وَعَدَ اللهُ تَعَالَى الصَّائِمِينَ بَابًا عَظِيمًا، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ حُبًّا وَكَرَامَةً، وَهُوَ بَابُ الرَّيَّانِ؛ عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
شَفِيعُكَ يَوْمَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ
وَالصِّيَامُ شَفِيعُكَ يَوْمَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، عَنْكَ يُنَافِحُ، وَلِأَجْلِكَ يَسْأَلُ وَيُطَالِبُ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ
وَالصِّيَامُ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الحكمة من الصيام
إِنَّ مِنْ أَجَلِّ الْحِكَمِ الَّتِي شُرِعَ لِأَجْلِهَا الصِّيَامُ: تَحْقِيقَ التَّقْوَى، وَخَشْيَةَ اللهِ تَعَالَى وَمُرَاقَبَتَهُ ، وَاسْتِحْضَارَ اطِّلَاعِ الرَّبِّ وَقُرْبِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183)، وَلَا تُنَالُ التَّقْوَى، وَلَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِالْيَقِينِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلِهَذَا فَقَدْ تَنَوَّعَتْ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا الْعِبَادَاتُ، وَازْدَادَتْ فِيهِ الْقُرُبَاتُ؛ فَرَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ؛ قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ السَّلَفُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَقْبَلُوا عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَتَفَرَّغُوا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ كَانَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ- يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ، وَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ خَتَمَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، فَإِذَا جَاءَ الْعَشْرُ خَتَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَكَانَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَجْلِسُ بَعْدَ صَلَاةِ الْقِيَامِ لِيَخْتِمَ الْقُرْآنَ كُلَّ ثَلَاثِ لَيَالٍ.
يَجْتَمِعُ لِلْمُسْلِمِ جِهَادَانِ
وَفِي رَمَضَانَ يَجْتَمِعُ لِلْمُسْلِمِ جِهَادَانِ: جِهَادٌ بِالنَّهَارِ عَلَى الصِّيَامِ، وَجِهَادٌ بِاللَّيْلِ عَلَى الْقِيَامِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، (أَيْ: إِيمَانًا بِاللهِ وَبِمَا أَعَدَّ اللهُ مِنَ الثَّوَابِ لِلْقَائِمِينَ، وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ وَالثَّوَابِ).
الصَّدَقَةُ فِي رَمَضَانَ
وَالصَّدَقَةُ فِي رَمَضَانَ لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أُحِبُّ لِلرَّجُلِ الزِّيَادَةَ بِالْجُودِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ فِيهِ إِلَى مَصَالِحِهِمْ، وَلِتَشَاغُلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْ مَكَاسِبِهِمْ»، فَالصَّدَقَةُ تُخَلِّصُ الْعَبْدَ مِنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ، وَتُطَهِّرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَتَقِيهِ مَصَارِعَ السُّوءِ، وَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
ضَيْفٌ يَأْتِي عَلَى عَجَلٍ
إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ ضَيْفٌ يَأْتِي عَلَى عَجَلٍ، وَحَبِيبٌ سُرْعَانَ مَا يُفَارِقُ، سَرِيعَةٌ أَيَّامُهُ، قَرِيبٌ انْقِضَاؤُهُ؛ فَبَادِرُوا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَذَهَابِ الْبَرَكَاتِ؛ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ ). فَهَا هِيَ نَسَمَاتُ الْإِيمَانِ تُوشِكُ أَنْ تَهُبَّ، وَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَهَا؛ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ -تَعَالَى- وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا».
لا تُدَنِّسُوا صِيَامَكُمْ بِالْمَعَاصِي
فَاتَّقُوا اللهَ -مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- وَلَا تُدَنِّسُوا صِيَامَكُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، رَاعُوا أَمْرَ صَلَاتِكُمْ، وَاحْفَظُوا جَوَارِحَكُمْ، وَصُونُوا أَلْسِنَتَكُمْ؛ فَرُبَّ صَائِمٍ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا التَّعَبُ وَالنَّصَبُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).