خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ..... ..... .....
ليعذرنا الشاعر الميت أو أنصاره من الأحياء إذا استعملنا مصراع بيته في ضد قصده , فهو يريد أن المشهود أكمل من المفقود , ونحن نريد العكس .
فإن أبوا أن يعذرونا احتججنا بأن الشاعر المرحوم هو الذي جنى على مصراعه , فقد أرسله مثلاً وهو يعلم أن الأمثال " كالكومينال " إرثٌ مشاع , وقِصاع بين جياع , تتناهب وتتواهب .
ولِمَ كل هذا الصراع على مصراع *** وأمثال قومي في البلاد كثير ؟
ومع ذلك فلم يحضرني منها الآن إلا كل قبيح اللفظ , فأنا متمسك بحجتي في المصراع برغم أنف الشاعر ورغم أنوف أنصاره :
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به .... .... ....
والمقصود واضح فإن قارئ هذا العنوان ربما تحلب ريقه طمعاً في أن ننقل له الغابر من الأخبار , والمدون في الأسفار من هذه الآثار , فتقاضانا الكسل من جهة , والحرص على تعجيل النفع له من أخرى , أن نحيله على ما يراه مع مطلع كل شمس من هذه الآثار السيئة التي شتت شمل المسلمين , وفرقت كلمتهم , وفككت روابطهم , وتركتهم أضحوكة الأمم , وسخرية الأجيال بعد أن أفسدت فِطرتهم , وأقفرت نفوسهم من معاني الخير والرجولة .
فإذا تأمل ملياً :
وجد في الشهود ما يغنيه عن التطلع للماضي المسموع , واستفاد في آن واحد عبرة الحاضر وعظة المستقبل , وكفانا مؤونة الإفاضة والاستقصاء , لأنه يعلم من الدراسة اليسيرة لهذا الحاضر المشهود أن كل ما يراه في المسلمين من جمود وغفلة وتناكر , وقعود عن الصالحات , ومسارعة في المهلكات , فمرده إلى الطرق ومأتاه مباشرة أو بواسطة منها فلا كانت هذه الطرق ولا كان من طرَّقها للناس .
ومن مكرها الكُبَّار أن تعمد إلى العلماء وهم ألسنة الإسلام المنافحة عنه فترميها بالشلل والخرس , وتصرفها في غير ما خُلقت له .
فقد ابتلت هذه الطرق علماء الأمة في القديم بوساوسها وأوهامها حتى سكتوا لها عن باطلها , ثم لم تكتف منهم بالسكوت بل تقاضتهم الإقرار لها والتنويه والتمجيد .
وابتلتهم في الحديث بدريهماتها ولقمها حتى زادوا على السكوت والإقرار , والاتّباع والانتساب , والوقوف بالاعتاب .
حتى أصبحنا نرى العالِمَ المؤلِّف يُعرِّف نفسه للناس في صدر تأليفه بمثل قوله :
فلان المالكي مذهباً , الأشعري عقيدة , التيجاني طريقة !
وفي وقتنا هذا بلغ الحال بالطرق أنها أذلّت العلماء إذلالا واستعبدتهم استعباداً , ولم ترض منهم بما رضيَه سلفها من سلفهم من حفظ الرسم واللقب وإبقاء السمة والمكانة بين العامة , بل أغرت العامة بتحقيرهم وإذلالهم .