قصة السلطان المملوكى العظيم خليل بن قلاوون
موسوعة لنكولن التربوية

لوحة رسمت عام 1840 تصور فتح عكا 1291
السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي، ثامن سلاطين المماليك الأتراك البحرية في الشام ومصر. ولد في مصر وبها نشأ.
عينه والده السلطان قلاوون ولياً لعهده، بعد وفاة أخيه الأكبر علاء الدين علي سنة 687هـ/ 1288م ونودي به سلطاناً بعد وفاة أبيه قلاوون، سنة 689هـ/ 1290م، فجدد له الأمراء والجند البيعة، وأخذ في ترتيب أمور مصر، فأبقى الأمير بدر الدين بيدرا المنصوري نائباً للسلطنة في مصر واختار لوزارته شمس الدين محمد بن السلعوس الدمشقي، وكان نائبه في دمشق الأمير حسام الدين لاجين ومن بعده علم الدين سنجر الشجاعي ثم عز الدين أيبك الحموي.
لم يكن الأشرف خليل مُقرّباً من أبيه قلاوون في أيام سلطنته، حتى إنه تردد في منحه ولاية العهد، ومع ذلك فقد ناب عنه أكثر من مرة في غيابه، وخاصة عندما حاصر قلاوون مدينة طرابلس عام 688هـ. وقد سعى الأشرف خليل منذ توليه السلطة إلى فرض هيمنته الكاملة على شؤون الحكم والحد من تسلط أمراء المماليك، وتركت مساعيه هذه بصمات قوية على عهده القصير، فلم تكد قدم الأشرف خليل ترسخ في الملك حتى راح كبار الأمراء، الذين كان لهم باع طويل في عهد أبيه، يتآمرون عليه، فصادر أكثرهم وأقصاهم عن أعمالهم، وقتل بعضهم مثل حسام الدين طرنطاي، وسجن عدداً آخر منهم مثل شمس الدين سنقر الأشقر، وسيف الدين بن جرمك الناصري، وحسام الدين لاجين، وبدر الدين بَيْسَرى، وجمال الدين أقوش الأفرم المنصوري وغيرهم، وأطلق جماعة منهم بعد أن سجنهم.
سار الأشرف على نهج أبيه في سياسته الخارجية، فعزم منذ توليه السلطنة على حرب الصليبيين والعمل على طرد بقاياهم من بلاد الشام، وتحرير المناطق التي مابرحت في حوزتهم، وأعد للأمر عدته، فجمع العساكر من الشام ومصر، وانضم إليه المطوعة، وتوجه قاصداً عكا وحاصرها في 3 ربيع الأول سنة 690هـ/ 5 نيسان 1291م ونصب عليها المجانيق، وعمل مهندسوه على نقب أسوارها، فلم تصمد أمامه طويلاً على مناعتها والمعونات التي وصلتها بحراً من جزيرة قبرص، وسقطت أسوار المدينة في يده في 17 جمادى الأولى سنة 690هـ/ 18 أيار 1291م، وولى الفرنجة الأدبار هاربين في المراكب وتساقطت الأبراج المحصنة التي كانت للأخويات الفرسانية برجاً برجاً، وكانت ضرباً من الحصون داخل المدينة، إلى أن سقط آخرها وهو برج الداوية في 28 جمادى الأولى/ 29 أيار، فانتقم الأشرف منهم لغدرهم برجاله وسمح لمن بقي بالانتقال إلى قبرص وخشية أن يفعل الصليبيون ما فعلوه بصلاح الدين الأيوبي أرسل أحد قادته إلى صور ليمنع الخارجين من عكا من الالتجاء إليها. وبعد سقوط عكا تساقطت المدن المحتلة الأخرى واحدة واحدة من دون مقاومة تذكر، فاستسلمت صيدا وصور وعتليت وجبيل وحيفا وطرطوس وبيروت، وانتقل من فيها من الصليبيين إلى قبرص، وألزم الملك الأشرف من بقي منهم في تلك المدن دفع الجزية، وأمر بهدم الحصون التي تحميها خشية معاودتهم. ولم يبق في يد الفرنجة في الشام إلا جزيرة أرواد قبالة ساحل طرطوس وعمت مظاهر الابتهاج بالنصر مدة شهر في دمشق، وخُلِّد اسم السلطان الملك الأشرف خليل الذي تم تحرير بلاد الشام من الصليبيين على يديه.
تحول الأشرف بعد تحرير الشام من الفرنجة لقتال المغول في الجزيرة الفراتية والعراق، فقصد قلعة الروم على الفرات في رجب سنة 691هـ/ تموز 1292م فاحتلها بعد حصار دام ثلاثين يوماً، وأسر أميرها ورؤوس أصحابه، وغنم المسلمون منها شيئاً كثيراً، وزينت دمشق سبعة أيام احتفالاً بالنصر.
ولما شعر ملك أرمينية هيثوم الثاني بقوة موقف الملك الأشرف خليل، تخلى له بعد عام من ذلك التاريخ عن قلاع بَهَسْنا ومرعش وتل حمدون التي تتحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، وبعد أن رتب الأمور في الشام عاد الملك الأشرف خليل إلى مصر.
أدت سياسة الأشرف خليل الداخلية وتقليصه نفوذ كبار رجال دولته، وتقريبه خاصته وتوزيره ابن السلعوس إلى إثارة نقمة عدد كبير من الأمراء المماليك، فتآمروا عليه وانتهزوا فرصة قيام الملك الأشرف برحلة صيد إلى الحمامات بمديرية البحيرة، فانفردوا به وبادره الأمير بيدرا مع جماعة من أصحابه المماليك فضربوه بسيوفهم وقتلوه في الثاني من شهر المحرم سنة 693هـ/ كانون أول 1293م بعد حكم دام ثلاث سنوات. ودفن في مقبرته في المدرسة الأشرفية في القاهرة، وكان الملك الأشرف قد أنشأها سنة 687هـ/ 1288م عندما كان ولياً للعهد ثم أتم عمارتها وزخرفتها بعد أن تسلطن فنسبت إليه، وانتقلت السلطنة بعد وفاته إلى أخيه الأصغر الناصر محمد لأنه لم يعقب سوى ابنتين.
كان الأشرف خليل ضخم الجثة حسن الهيئة، جليل المهابة، عالي الهمة، اشتهر بالشجاعة والإقدام حتى التهور، قليل التحرز والاحتياط، مولعاً بالحروب، مقبلاً على الملذات كريماً حتى التبذير، أنفق في دعوة واحدة ثلاثمئة ألف دينار، واهتم بالعمران وبتحصين مدن بلاد الشام بعد خروج الصليبيين منها، وهدم الحصون التي كان الفرنج يلوذون بها، كما جدد قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو، ورمم قلعتي دمشق وبعلبك وزاد فيهما، وبنى المسجد الجامع في طرابلس، وعدداً من المدارس والدور في دمشق والقاهرة.