تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ)
    كتبه/ سعيد محمود
    (1)
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فهذه ثلاثون موعظة يستعين بها الدعاة إلى الله في ليالي رمضان، موزعة ومرتبة بما يتناسب مع أيام وليالي الشهر الفضيل.
    الموعظة الأولى: (أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ)
    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
    أخي الحبيب:
    هناك وفي مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي كل عام، كانت تُزف البشرى لأولئك الأطهار مِن أصحابه، فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يزفها إليهم -وهي إليك أنتَ كذلك في كل عام-: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
    - قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغل فيه الشيطان؟!".

    أخي... تلك هي البشرى التي عمل لها العاملون، وشمر لها المشمرون، وفرِح بقدومها المؤمنون.
    أخي... يا لبشرى مَن أدرك شهر رمضان!
    يا لبشرى المدركين لشهر الغفران!
    يا لبشرى المدركين لشهر الرحمات!
    يا لبشرى المدركين لشهر القرآن!
    يا لبشرى المدركين لموسم الطاعات!
    يا لبشرى المدركين لأيام كساها رب العباد مهابة وبهاءً وجمالاً!
    أخي... هل علمتَ أن السلف كانوا يدعون الله -تعالى- زمانًا طويلاً ليبلغهم أيام "شهر رمضان"؟!
    قال معلَّى بن الفضل -رحمه الله-: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم!".

    وقال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "كان مِن دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".
    أخي... وها أنت قد بلغتَ رمضان، وها أنت سلمك ربك إلى رمضان؛ فماذا أنت فيه فاعل؟!
    أخي... ينقسم الناس في رمضان إلى فريقين في استقباله والعمل فيه:
    فالفريق الأول: هم الذين اقتدوا بالسلف الصالح، فاتخذوا رمضان موسمًا لطاعة الله ومضاعفة الخيرات؛ صاموا نهاره فأحسنوا الصيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، أولئك الذين انتفعوا برمضان حق الانتفاع.
    والفريق الآخر: لم ينتفعوا برمضان ولم يستفيدوا مما فيه مِن صيام وقيام! لماذا؟!
    لأن الله جعل الصيام للقلب والروح؛ فجعلوه للبطن والمعدة!
    ولأن الصيام جعله الله للحلم والصبر؛ فجعلوه للغضب والبطش!
    ولأن الصيام جعله الله للسكينة والوقار؛ فجعلوه شهر السِباب والشِجار!
    ولأن الصيام جعله الله ليغيروا مِن صفات أنفسهم؛ فما غيروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم وشهواتهم!
    ولأن الصيام جعله الله تهذيبًا للغني الطاعم، ومواساة للبائس المحروم الجائع؛ فجعلوه مَعْرَضًا لفنون الأطعمة والأشربة؛ يزداد الغني فيه تخمة والفقير حسرة!
    فقل لي يا أخي بالله عليك...

    أي الفريقين أحق بأن تفتح له أبواب الجنان، وتسد عنه أبواب النيران؟!
    أي الفريقين قد صفدت شياطينه؟! ومَن منهم أحق بنفحات الرحمن؟!
    أي الفريقين يرجى له العتق مِن النار، ويدرك رحمة العزيز الغفار؟!
    أخي الحبيب...
    في ختام الحديث أهدى إليك بعض الوسائل لاستغلال شهر الخيرات مجملة، وسنفصلها معك في المواعظ القادمة -إن شاء الله-.
    1ـ تأكيد التوبة وتعاهدها طوال شهر رمضان.
    2ـ الحرص على ختم القرآن في رمضان مرة على الأقل.
    3ـ المحافظة على صلاة الجماعة في أول الوقت في الصلوات الخمس.
    4ـ المحافظة على جميع سنن الصلوات "الراتبة وغير الراتبة".
    5ـ صيانة الجوارح؛ لا سيما اللسان عن الوقوع فيما يتعارض مع الصيام.
    6ـ الاشتغال بذكر الله طوال اليوم لتكون مِن الذاكرين الله كثيرًا.
    7ـ المكث في المسجد والسعي إليه كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً؛ لتضمن منزلاً في الجنة.
    8ـ الحرص على التصدق كل يوم وأنت صائم، ولا تحقرن مِن المعروف شيئًا.
    9ـ اجتهد في أن تصوم رمضان مرتين بتفطير الصائمين.
    10- اعتكف العشر الأواخر لتحري ليلة القدر "سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".
    11ـ اجتهد في تحصيل أسباب رزقك وأولادك مِن أول الشهر؛ لتتفرغ للعبادة في العشر الأواخر.
    12ـ انتهِ مِن الأمور الدنيوية المتعلقة بالعيد ونحو ذلك هذه الأيام إن لم تكن قد انتهيت منها.
    13ـ مسابقة لأهل بيتك متنوعة، لها جوائز يوم العيد.
    14ـ اعتمر في رمضان إن استطعت؛ فإنها تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    وهناك وسائل غيرها يأتي الحديث عنها في المواعظ القادمة -إن شاء الله-.
    فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك في هذا الشهر الفضيل.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان

    مواعظ رمضان... (شهر التوبة والغفران)
    كتبه/ سعيد محمود
    (2)

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    أخي الحبيب:
    هذا شهر الغفران؛ فاحذر مِن أن تجعله شهر الخسران!
    هذا شهر محو الذنوب؛ فاستغث بمولاك مِن العيوب.
    هذه أيام الإنابة فيها تفتح أبواب الإجابة.

    هذه أيام قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
    - هذه أيام خاب وخسر مَن أدركها، ولم يخرج منها مغفور الذنب!
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكبر أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلاهُ الْجنَّة) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    - هذه أيام نزل مِن أجلها سيد الملائكة جبريل -عليه السلام- إلى سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليشاركه الدعاء على مَن عاش هذه الأيام وخرج منها غير مغفور الذنب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغفر لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ) (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني).
    - أخي... إذا جعلنا الكلام السابق نصب أعيننا وملء قلوبنا؛ استشعرنا الحاجة الشديدة للفوز برمضان، وأن أول ما يجب أن نقدمه لذلك هو "التوبة" نعم... فالتوبة هي بداية الطريق الصحيح للفوز برمضان.
    - أخي... يحدِّثنا القرآن الكريم عن التوبة، فيقول ربنا -تبارك وتعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).
    وكم أسرفنا... وكم فرطنا... !

    - ويحدِّثنا النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم- عن التوبة فيقول: (إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم).
    - ويقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يوشك أن يسقط عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابة يهشها بيده هكذا!".
    - وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "جلستُ يومًا أحصى ذنوبي؛ فإذا هي آلاف"، فجعل يقول: "يا سفيان، تقف بيْن يدي الله فيسألك عن آلاف الذنوب؟! ماذا ستقول؟! والله ليسقطن لحم وجهك خجلاً وأنت تعرض قبائحك على الله! يا سفيان، هذا ما تذكرته؛ فكيف بما أحصاه الله ونسيته أنتَ؟!".
    - فيا أخي... هل حاولت أن تجلس إلى نفسك وتتذكر ذنوبك التي فعلتها؟!
    هل حاولت أن تحدِث توبة مِن قبْل أن يأتي يوم قال ربك عنه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) (آل عمران:30).
    - أخي... فلنسارع بالتوبة، وقد تأكدت في شهر التوبة.
    - أخي.. هيا قُم إلى التوبة النصوح التي أمر الله بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) (التحريم:8).
    - ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أن للتوبة شروطـًا ثلاثة لا بد منها:
    - أولها: الندم.
    - ثانيها: الإقلاع على الذنب.
    - ثالثها: العزم على عدم العودة.
    أخي... أذكر لك شيئًا مِن قصص التائبين إلى الله، وكيف صدقوا في توبتهم، فيسَّر الله لهم أسباب الفلاح والنجاة.
    - توبة عابد بني إسرائيل:
    جاء في الأثر: "أن رجلاً مِن بني إسرائيل عبد الله عشرين سنة، ثم عصى الله عشرين سنة، فنظر يومًا إلى وجهه في المرآة، وقد رأى الشيب في رأسه، فقال: يا رب أطعتك عشرين سنة، ثم عصيتك عشرين سنة... أتراك تقبلني إذا عدت؟ فوجد أن جرمه شديد، فنام على تلك الحال، فرأى في المنام مَن يناديه: "عبدي أطعتنا فقربناك، ثم عصيتنا فأمهلناك، وإن عدت إلينا قبلناك".
    - توبة في "مرقص!":

    قصة ذكرها الشيخ "علي الطنطاوي" في بعض كتبه، فقال: "دخلتُ أحد مساجد مدينة (حلب) فوجدتُ شابًا يصلي، فقلتُ: سبحان الله! إن هذا الشاب مِن أكثر الناس فسادًا؛ يشرب الخمر، ويفعل الزنا، ويأكل الربا، وهو عاقٌّ لوالديه وقد طرداه مِن البيت؛ فما الذي جاء به إلى المسجد؟! فاقتربتُ منه وسألته: أنت فلان؟! قال: نعم. قلتُ: الحمد لله على هدايتك. أخبرني كيف هداك الله؟! قال: هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص! قلتُ -مستغربًا!: في مرقص؟! قال: نعم. في مَرقص! قلت: كيف ذلك؟!
    قال: هذه هي القصة… فأخذ يرويها فقال: كان في حارتنا مسجد صغير، يؤم الناس فيه شيخ كبير السن، وذات يوم التَفَتَ الشيخ إلى المصلين وقال لهم: أين الناس؟! ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه؟! فأجابه المصلون: إنهم في المراقص والملاهي. قال الشيخ: وما هي المراقص والملاهي؟! ردَّ عليه أحد المصلين: المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصنَ والناس حولهن ينظرون إليهن! فقال الشيخ: والذين ينظرون إليهن مِن المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: لا حول وقوة إلا بالله! هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس. قالوا له: يا شيخ! أين أنت… تعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! قال: نعم!
    حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سَيُواجَهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى فقال: وهل نحن خير من محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!
    وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص. وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص: ماذا تريدون؟! قال الشيخ: نريد أن ننصح مَن في المرقص. تعجب صاحب المرقص وأخذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهم، فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغًا مِن المال يعادل دخله اليومي.

    وافق صاحب المرقص، وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي، قال الشاب: فلما كان الغد كنت موجودًا بالمرقص، بدأ الرقص مِن إحدى الفتيات، ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح؛ فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية، فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء وهو لا يبالي بهم، واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا ما يقوله الشيخ. قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت الشيخ، فقال كلامًا ما سمعناه مِن قبْل، تلا علينا آيات مِن القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصًا لتوبة بعض الصالحين.
    وكان مما قاله: أيها الناس، إنكم عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيرًا، فأين ذهبت لذة المعصية؟! لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنها يوم القيامة، وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله -سبحانه وتعالى-.
    أيها الناس، هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم، إنكم لا تتحملون نار الدنيا وهي جزء مِن سبعين جزءًا مِن نار جهنم؛ فكيف بنار جهنم؟! بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان.
    قال: فبكى الناس جميعًا، وخرج الشيخ مِن المرقص، وخرج الجميع وراءه، وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه".
    فاللهم اجعلنا من التوابين، والحمد لله رب العالمين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان

    مواعظ رمضان...
    (فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ)
    كتبه/ سعيد محمود
    (3)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (متفق عليه).
    فاعلم -يا أخي- أن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل، وهذه نعمة عظيمة ومنـَّ
    ة كريمة مِن الله يتفضَّل بها على عباده في هذا الشهر، فأبواب الجنة مغلقة لا تفتح إلا في تمام النعمة.

    قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر:73): "أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته، ومحل خواصه وأوليائه، فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم مِن رسله، وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم -صلى الله عليه وسلم- فيقول: أنا لها فيأتي إلى تحت العرش، ويخر ساجدًا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته، فيشفع إليه -سبحانه- في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها؛ تعظيمًا لخطرها، وإظهارًا لمنزلة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكرامته عليه.
    وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأه
    وال العظيمة التي أولها مِن حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقاً بعد طبق، وقاساه مِن الشدائد شدة بعد شدة حتى أذِن الله -تعالى- لخاتم أنبيائه ورسله، وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة، وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك؛ لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله مَن شاء، فجنة الله عالية غالية بيْن الناس، وبينها مِن العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تُنال إلا به" اهـ.
    وهنا يدرك الإنسان قيمة فتح أبواب الجنة في رمضان.

    فيا عجبًا لمن يعلم أن الجنة فوقه موجودة تُزخرف، وتفتح أبوابها في رمضان ثم لا يشتاق إليها ويسعى لها على الأجفان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    قال ابن القيم -رحمه الله-: "قدر السلعة يُعرف بقدر مشتريها، والثمن المبذول فيها، والمنادي عليها، فإذا كان المشتري عظيمًا، والثمن خطيرًا، والمنادي جليلاً؛ كانت السلعة نفيسة" اهـ.
    فيا أخي... ها هي السلعة النفيسة، قد نادى عليها خير منادي، فإذا أر
    دتَ أن تكون عظيمًا فابذل الثمن، واقتد بمن سبق.
    - ها هو عمار بن ياسر -رضي الله عنه- يوم اليمامة، وهو واقف على صخرة يصيح: "يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟! أنا عمار بن ياسر، هلم إليَّ... ".
    - وها هو أنس بن النضر -رضي الله عنه- بلغ مَن يقينه بالجنة، واقترابه منها بروحه أن شم رائحتها يوم أُحد؛ فلم يصبر عنها، فقاتل حتى قُتل؛ فقد لقيه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وهو ينطلق كالريح نحو صفوف المشركين، والساعة حرجة فقال: "إلى أين يا أنس؟" قال: "إلى الجنة، إني أجد ريح الجنة مِن وراء أُحد!".

    - وها هو سعد بن خثيمة -رضي الله عنه- البار بأبيه يتوقف بره بأبيه عندما يتعلق الأمر بالجنة، وعندما يَطلب منه أبوه أن يقعد عن القتال يقول: "لو كانت غير الجنة لآثرتك بها، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا!".
    - وها هو حرام بن ملحان -رضي الله عنه- يصيح فور أن يقتل: "فزت ورب الكعبة!"، وكأنه رأى الجنة على طرف السيف الذي قُتل به!
    - وها هو عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- يصر على القتال حتى بعد أن عذره الله بعرجته؛ طلبًا للتنزه في أرجاء الجنة قائلاً: "أحب أن أطأ بعرجتي الجنة!".
    - وها هو أبو الدرداء -رضي الله عنه- يشتكي، وحين يعوده أصحابه في مرضه ويسألونه:
    "ما تشتهي؟"، يقول: "أشتهي الجنة!".
    أخي...
    إنها الجنة... التي اشتاق إليها الصالحون مِن هذه الأمة.
    إنها الجنة... دار كرامة الرحمن، فهل مِن مشمر إليها.
    إنها الجنة... فاعمل لها بقدر شوقك إليها.


    فوا عجبًا لها... كيف نام
    طالبها؟!
    وكيف لم يسمع بمهرها في رمضان خاطبها؟!
    كيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟!
    إنها الجنة... دار الموقنين بوعد الله، المجتهدين في ليل رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين عباد الله، وهذا مِن موجبات الجنة.
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلانَ الْكَلامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه
    أحمد، وصححه الألباني).
    فـحـيَّ عـلـى جـنـات عــدن فـإنهـا مـنـازلـُك الأُولـى وفـيـهـا المخـيـم
    ولكـنـنـا سـبـي العـدو فـهـل تـرى نـعــود إلــى أوطــانــنـا ونـســـلـم
    فـلـلـه أبـصـار تـرى الـلـه جـهـرة فلا الـحـزن يغشاها ولا هـي تسأم
    فيا نظرة أهدت إلى الوجه نـضرة أمِن بعدها يسلوا المحـب المـتـيــم
    أحبـتـنـا عـطـفــًا عـليـنـا فـإنــنـا بـنـا ظـمـأ والـمـورد العـذب أنـتـم
    فاللهم إنا نسألك الجنة، وما يقرِّب منها مِن قول وعمل.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ)
    كتبه/ سعيد محمود
    (4)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (متفق عليه).
    اعلم -يا أخي- أن غلق أبواب النار في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل، وهذه نعمة عظيمة ومنـَّة كريمة مِن الله، يتفضَّل بها على عباده في هذا الشهر؛ فأبواب النار مفتـَّحة طوال العام، لا تُغلق إلا في رمضان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (... فَصَلِّ مَا
    شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ، ثُمَّ أَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا، فَإِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ... ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر:71).

    - إنها النار... التي رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحطم بعضها بعضًا، والتي قال عنها لما رآها: (أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ) (متفق عليه)، وقال عنها -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) (رواه مسلم).
    - إنها النار... التي لما خلقت؛ فزعت الملائكة حتى طارت أفئدتها!
    قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "لما خلق الله جهنم أمرها فزفرت زفرة فلم يبقَ في السماوات الس
    بع مَلَك إلا خر على وجهه، فقال لهم الجبار: ارفعوا رؤوسكم، أما علمت أني خلقتكم لطاعتي وعبادتي، وخلقت جهنم لأهل معصيتي مِن خلقي".
    - إنها النار... التي ينغمس فيها أنعم أهل الدنيا لحظة، فتنسيه كل نعيم رآه!

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النارِ صَبْغَةً ثمَّ يُقَال: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ) (رواه مسلم).

    - إنها النار... التي أعد الله فيها مِن العذاب الشديد لأهلها ما أعد!
    قال الله -تعالى-: (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) (غافر:71)، وقال الله -تعالى-: (وَلَهُم
    مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (الحج:21)، وقال الله -تعالى-: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) (الحاقة:30-32)، وقال -تعالى-: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا . وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) (المزمل:12-13)، وقال -تعالى-: (كَلا إِنَّهَا لَظَى . نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) (المعارج:15-16)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ . لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ . لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (المدثر:27-29)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة:10-11).
    - أخي... هل سمعت عن حسرة أهل النار وندمهم، ودعائهم على أنفسهم بالويل والث
    بور وهم يعذبون في النار؟!

    فعندما يرى أهل النار النار يندمون اشد الندم، ولات ساعة مندم: (وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (يونس:54).
    - وعندما يَصلى أهل النار النار يدعون على أنفسهم بالويل والهلاك: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا . لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) (الفرقان:13-14).
    - وهناك يعلو صراخهم ويشتد عويلهم، ويدعون ربهم آملين أن يخرجهم من النار: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ
    فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:37).
    - وهم يعترفون في ذلك الوقت بضلالهم وكفرهم وقلة عقولهم: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ . فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10-11).

    - ولكن طلبهم يُرفض بشدة، ويجابون بما تستحق أن تجاب به الأنعام: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (المؤمنون:106-108).
    - لقد حق عليهم القول وساروا إلى المصير الذي لا ينفع معه دعاء ولا يُقبل فيه رجاء: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ . وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (السجدة:12-14).
    - ويتوجَّه أهل النار بعد ذلك بالنداء إلى خزنة النار، يطلبون منهم أن يشفعوا لهم كي يخفف الله عنهم شيئً
    ا مما يعانونه: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) (غافر:50-51).
    - وعند ذلك يسألون الشفاعة كي يهلكهم ربهم: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (الزخرف:77).

    - إنه الرفض لكل ما يطلبون... لا خروج مِن النار، ولا تخفيف مِن عذابها، ولا إهلاك، بل هو العذاب الأبدي! ويقال لهم آنذاك: (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور:16).
    - هناك يشتد نحيبهم، وتفيض دموعهم، ويطول بكاؤهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ!) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).
    - لقد خسِر هؤلاء الظالمون أنفسهم وأهليهم عندما استحبوا الكفر على الإيمان، واستمع إلى عويلهم وهم ير
    ددون حال العذاب: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا . وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب:66-68).

    - فيا أيها الغافل عن نفسه... دع التفكـُّر فيما أنتَ مرتحل عنه، واصرف الفكر إلى موردك؛ فإنك أُخبرتَ بأن النار مورد الجميع إذ قال الله -تعالى-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) (مريم:71)، فأنتَ على الورود على يقين، ومِن النجاة في شك؛ فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد، فعساك تستعد للنجاة منه.
    فـيـا عـجـبـًا نـدري بـنـارٍ وجـنة وليس لذي نشتاق أو تـلك نحـذر
    إذا لـم يـــكــن خـــوف وشـــوق فماذا بقي فينا مِن الخـيـر يـذكر؟!
    فاللهم اكتبنا مِن عتقائك مِن النار في رمضان.







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ)
    كتبه/ سعيد محمود
    (5)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (متفق عليه).
    وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُ
    بَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

    أخي... اعلم أن تصفيد مردة الشياطين حقيقة لا تحتاج إلى تأويل، وهذه نعمة عظيمة، ومنـَّة كريمة مِن الله -عز وجل-، يتفضَّل بها على عباده في هذا الشهر المبارك.
    قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صفدت ا
    لشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تغل عن الصائمين بالصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه.
    ـ أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، كما تقدم في
    بعض الروايات.
    ـ أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل مِن غيره؛ إذ يلزم مِن تصفيد جميعهم أن لا يقع فيه شر ولا معصية، لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة" اهـ.

    فيا أخي... هذه شياطين الجن قد كُفت عنك، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة، ولا فعل المعصية، ولكي تعلم فضل هذه النعمة في رمضان، تعالَ معي ننظر إلى بعض الوسائل التي يستخدمها الشيطان في إضلال الإنسان في سائر الأزمان.
    1- تزيين الباطل: كما قال اللعين لرب العزة: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّه ُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (الحجر:39-40).
    ومن ذلك: "تسمية الأمور المحرمة بأسماء محببة": كما سمَّى الشجرة المحرمة بشجرة الخلد
    كي يزين لآدم -عليه السلام- الأكل منها، وكما يسمون الرقص والتمثيل والغناء الماجن"فنًّا!".
    2- أخذ العباد إلى الإفراط والتفريط: فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو.

    3- تثبيط العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل: قال بعض الصالحين: "أن
    ذرتكم سوف، فإنها أكبر جنود إبليس!".
    4- التدرج في الإضلال: فيأخذ العبد إلى الهاوية، درجة درجة، ولعل في قصة "برصيصا" عابد بني إسرائيل العبرة في ذلك.
    5- تخويف المؤمنين أولياءه: قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران:175).
    6- دخوله إلى النفس مِن الباب الذي تهواه: ومِن هنا دخل إلى آدم وحواء -عليهما السلام- لما وجد
    منهما إيناسًا وركونًا إلى الخلد.

    7- إلقاء الشبهات: كأن يشكك المسلم في مسَلـَّمات دينه وأصول اعتقاده، ونحو ذلك.
    8- الخمر والميسر والأنصاب والأزلام: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) (المائدة:90).
    9- السحر.

    10- النساء.

    11- حب الدنيا.
    12- الغناء والمو
    سيقى.
    أخي... هل استشعرت هذه النعمة: (وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ)؟!
    فإذا استشعرت ذلك؛ فقم إذن واعمل في هذا الشهر الكريم
    ، فإنها فرصتك التي ربما لا تدركها مرة أخرى.
    فاللهم إنا نعوذ بك مِن شياطين الإنس والجن.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (رمضان شهر القرآن)
    كتبه/ سعيد محمود
    (6)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).
    وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أنزل القرآن جملة مِن الذكر، في ليلة أربع وعشرين من رمضان، فجُعل في بيت العزة"، وعنه -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

    قال ابن رجب -رحمه الله-: "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على مَن هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهر رمضان".
    "والقرآن كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها مِن الظلمات إلى النور فأنشأها هذه النشأة، وبدلها مِن خوفها أمنًا، ومكَّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي بها صارت أمة، ولم تكن مِن قبْل شيئًا، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة، وليس لها مكان في الأرض، ولا ذكر في السماء؛ فلا أقل مِن شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن".
    يا أخي... كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء رمضان؛ أشعر أمته بأنه شهر القرآن، فكان يحتفي بالقرآن احتفاءً خاصًّا يتميز عن سائر السنة، حيث يدرس القرآن مع مَن نزل عليه به؛ جبريل -عليه السلام-.
    وفي حديث ابن عباس -المتقدَّم- أن الدراسة بينه -صلى الله عليه وسلم- وبيْن جبريل -عليه السلام- كانت ليلاً؛ فيدل على استحباب الإكثار مِن التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً) (المزمل:6).

    فيا أخي.. اعلم -رحمني الله وإياك- أن: تلاوة القرآن مِن أعظم أنواع التجارة مع الله.
    ألم تسمع إلى قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:29-30).
    واعلم... أن تلاوة القرآن هي وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلو شأنك في الأرض وفي السماء: استمع إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي الأَرْضِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    أخي... كان السلف -رحمهم الله- إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن، وتركوا سائر العلوم.
    ـ كان الزهري إذا أقبل رمضان يتوقف عن التحديث، ويقول: "إنما هو لتلاوة القرآن، وإطعام الطعام".
    ـ وروي عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في رمضان ثلاثين ختمة!
    ـ وأن بعضهم كان له ستون ختمة؛ وذلك لبركة الزمان، وإن كان الأولى موافقة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاث) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فهيا نقبل في رمضان على كتاب الله قراءة وتدبرًا وعملاً.
    وإليك بعض آداب قراءة القرآن ليكتمل الفضل ويعظم الأجر:
    - يستحب للقارئ أن ينظف فمه، ويستقبل القبلة ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار.

    - إذا أراد القراءة، تعوذ وجهر بها: قال الله -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98).
    - إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهو المقصود، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب: قال الله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (ص:29)، وقد كان جماعة مِن السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها!
    ـ ويسن تحسين الصوت بالقراءة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ) (متفق عليه).
    ـ ويستحب البكاء عند القراءة مِن غير أن يتكلفه: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء:107-109).
    - ويستحب ترتيل القرآن: قال الله -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4).
    ـ ويستحب إذا مرَّ بأيه رحمة أن يسأل الله -تعالى- مِن فضله، وإذا مر بأية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر ونحو ذلك؛ لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    ـ ويستحب طلب القراءة مِن حَسَن الصوت والإصغاء إليها؛ لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    - استحب بعض العلماء افتتاح مجلس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر مِن القرآن.
    - ينبغي للقارئ أن يبتدئ مِن أول السورة، أو مِن أول الكلام المرتبط، ويقف على آخرها، أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض.
    - إذا ختم القرآن فيستحب له أن يكون في يومه صائمًا؛ فقد استحب جماعة من السلف أن يختم القراءة بالدعاء صائمًا، فقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه-: "أنه كان إذا أراد الختم جمع أهله ودعا".
    - فيا أخي... هيا بنا في شهر القرآن نغتنم الحسنات الكثيرة، ونُقبِل على القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    - هيا بنا في شهر القرآن، ننال عز الدنيا والآخرة بقراءة القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) (رواه مسلم).
    - هيا بنا في شهر القرآن ننال حصانة القرآن يوم القيامة بتلاوة القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ) (رواه مسلم).
    - هيا بنا في شهر القرآن نأخذ بأسباب الرقي في الجنة يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
    فاللهم اجعلنا مِن أهل القرآن وخاصته، واجعله ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا. اللهم آمين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (شهر القيام والتراويح)
    كتبه/ سعيد محمود
    (7)

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).
    فيا أخي... هذا رمضان موسم مِن أعظم مواسم الطاعات، بل هو أعظم مواسم الطاعات في أيام الدهر، وإن الناصح لا يجعل هذه المواسم تخرج عنه عطلاً، بل يتعرض لإحسان مولاه، ويعمل في رضاه؛ عله تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا.

    فيا مَن طالت غيبته عن مولاه؛ قد أقبلتْ أيامُ المصالحة!
    يا مَن دامت خسارته؛ قد أقبلت أيام التجارة الرابحة!
    فهيا إلى القيام في رمضان... فها هي الفرصة سانحة!
    - روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ فِرَاشَهُ حَتَّى يَنْسَلِخَ" (رواه ابن خزيمة، وقال الألباني: "إسناده صحيح؛ لولا عنعنة المطلب بن عبد الله").
    - ويا أخي إن آيات القرآن وكلمات الرسول العدنان لتخبرنا عن فضل قيام الليل، وتشوقنا إليه: قال الله -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:16-17).

    - وبيَّن الله -سبحانه وتعالى- صفات المتقين وأن مِن أعظمها: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) (الذاريات:17).
    - وذكر -سبحانه- صفات "عباد الرحمن" العظيمة وأن منها: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) (الفرقان:64).
    ـ وبيَّن -سبحانه وتعالى- أن مِن أول ما فُرض على نبيه -صلى الله عليه وسلم- مِن العبادات، كان قيام الليل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً) (المزمل:1-2).
    ـ وأخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن قيام الليل سبب لمحبة العلي الجليل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللهُ، وَيَضْحَكُ إِلَيهِمْ، وَيَسْتَبشِرُ بِهمُ: الَّذِي إذا انكَشَفَتْ فِئةٌ قاتَلَ وَراءَها بِنَفْسِهِ للهِ -عزَّ وَجَلَّ- فإمَّا أَنْ يُقتَلَ، وإِمَّا أَن يَنْصُرَهُ اللهُ -عزَّ وجَلَّ- ويَكفِيهِ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلْى عَبْدي هذا كَيفَ صَبَرَ لِي بِنَفسِه؟ والَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حسنةٌ، وَفِراشٌ ليِّنٌ حَسنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللّيْلِ فَيقُولُ: يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَيَذْكُرُني، وَلَوْ شاءَ رَقَدَ، والَّذِي إِذَا كانَ في سَفَرٍ، وَكانَ مَعَهُ رَكْبٌ فَسَهِرُوا ثمَّ هَجَعُوا، فَقامَ مِن السَّحَرِ في ضَرّاءَ وَسَرّاءَ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).

    ـ وأخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قيام الليل سبب لحصول أربع جوائز عظيمة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    - وأخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قيام الليل، سبب في نيل الغرف العالية في الجنة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلانَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نيام) (رواه أحمد والبيهقي، وحسنه الألباني).
    ـ أخي... اعلم أن القيام في رمضان يتميز على غيره، فهو شهر التراويح وهي التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحياها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. قَالَ فَقَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى ينْصَرف حسب لَهُ قيام اللَّيْلَة). قَالَ: فَلَمَّا كَانَت الرَّابِعَة لم يقم فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاحُ. قَالَ قُلْتُ: وَمَا الْفَلاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ. (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

    - وعن عبد الرحمن بن عبد القاري -رحمه الله- أنه قال: "خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ" (رواه البخاري تعليقًا، ووصله الإمام مالك وغيره بسندٍ صحيح).
    وعن أبي إسحاق الهمداني قال: "خرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في أول ليلة مِن رمضان، والقناديل تزهر في المساجد، وكتاب الله يُتلى، فجعل ينادي: "نوَّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن".
    فيا إخوان... هيا نحيي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أحياها عمر -رضي الله عنه-، فننورُ المساجد بالصلاة والقيام، وننور البيوت بالتهجد والناس نيام.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (شهر الذكر الكثير)
    كتبه/ سعيد محمود
    (8)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب:41-42).
    قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله"، فقال: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء:103)،بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال" (تفسير الطبري).
    وقال الله -تعالى-: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا) (الأحزاب:42-43).
    ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (رواه مسلم).

    فيا أخي... هل علمتَ أجر مَن كان مكثرًا مِن ذكر الله -عز وجل-؟
    فإليك بعض ما جاء في أجره وفضله:
    1- للذاكرين عند الله المغفرة والأجر العظيم: قال الله -تعالى-: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35).
    2- للذاكرين علو فضلهم وذكرهم عند ربهم: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ) (متفق عليه).
    3- للذاكرين القرب مِن الله -عز وجل-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ ) (رواه مسلم).
    4- للذاكرين مِن العمل خيره وأزكاه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (ذِكْرُ اللَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ اللَّيْلِ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَبَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَجَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ اللهِ) (رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره).
    5- للذاكرين أجر صدقة بغير مال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) (رواه مسلم). (سُلامَى): قال النووي -رحمه الله-: "أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم اُستعمل في جميع عظام البدن ومفاصله".
    يا أخي... إن فضائل الذكر لا نستطيع أن نحصيها في مجلسنا هذا، وإن شئت فارجع إلى كتب أهل العلم في هذا الباب فستجد ما ذكروه في ذلك قد بلغ ما يقرب المائة في عدِّ فضائل الذكر.
    ـ يا أخي... اعلم أن الذكر لم يقتصر على كونه عبادة الإنسان والملائكة والجان فقط، بل هو وحده عبادة جميع الكائنات مِن أرض وسماء، وشجر ومدر، وجماد ونبات، قال الله -تعالى-: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء:44).
    فالسموات تسبِّح، والأرض تسبح، والجبال تسبح، والطعام، والنمل، والحيتان في البحر، والخيل والطير... الكل يسبِّح ويذكر الله -تعالى-.
    - فأما "السموات والأرض" فقد قال الله فيهما: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الجمعة:1)، وقال: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

    - وأما "الجبال" فقد قال الله -تعالى- في حقها: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:79)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِن حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
    - وأما "الرعد" فقد قال الله -تعالى-: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَة ُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) (الرعد:13).
    - وأما "الطعام" فقد قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ" (رواه البخاري).
    - وأما "الحيتان" فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
    - وأما "النمل" فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    - وأما "الخيل" فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلا يُؤْذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْرٍ يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ، أَوْ أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

    - وأما "الطير" فقد قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41).
    - وها هو "الهدهد" يغضب لله ويدعو لتوحيده: قال: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) (النمل:25).
    - أخي... هيا إلى أحب الأعمال وأحسن الخاتمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الأعْمالِ إِلَى الله أَن تَمُوتَ ولِسانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).
    - أخي... هيا إلى أحب ما يأخذه الإنسان مِن الدنيا للآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَا وَالاهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).
    - أخي... هيا إلى إنقاذ قلوبنا مِن الموت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ) (متفق عليه).
    - أخي... هذا موسم شريف، يحتاج منك إلى عمل شريف، وإن الذكر لأشرف الأعمال.
    فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (رمضان شهر الدعاء المستجاب)
    كتبه/ سعيد محمود
    (9)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ واْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).
    أخي... إن مِن أعظم ما يدل على أن أعظم ما يكون مِن الدعاء ما كان في حال الصيام هو أن الله -تعالى- ذكر آية الدعاء العظيمة هذه بيْن آيات الصيام وأحكامه.
    قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "هذا التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام، إلى خطاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يذكِّرهم ويعلمهم ما يراعونه في هذه العبادة وغيرها مِن الطاعة والإخلاص، والتوجه إليه وحده بالدعاء الذي يُعِدُّهُمْ للهدى والرشاد".

    - فيا أخي... هذا شهر الدعاء المستجاب؛ فاجتهد فيه بالزيادة عن غيره: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُسْتَجاباتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المُظْلُومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
    - ويا أخي... انظر إلى عجيب كرم الله -تعالى-؛ إنه يغضب إذا لم تطلب منه وتسأله! قال الله -تعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَ-كِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنعام:43)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يغضبْ عَلَيْهِ)(رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
    - وقال الشاعر:

    الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب
    - فيا أخي... هذا زمن شريف، وأنت على حال شريف؛ فأكثر فيه السؤال والدعاء، فإن ذلك مِن دواعي الإجابة.
    - ولقد عيَّن لنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- الأوقات والأحوال التي يستجاب فيها الدعاء، ومنها:
    1- وقت النزول الإلهي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) (رواه مسلم).
    2- في السجود: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) (رواه مسلم).
    3- عند الأذان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذا نادَى المُنادِي فُتِحَتْ أبْوابُ السَّماءِ، واسْتُجِيبَ الدُّعاءُ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
    4- بين الأذان والإقامة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ بَيْنَ الأَذانِ والإِقامَةِ مُسْتَجابٌ فادْعُوا) (رواه أبو يعلى في مسنده، وصححه الألباني).
    5- عند نزول المطر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عندَ الْتقاءِ الجُيُوشِ، وإِقامَةِ الصّلاةِ، ونُزُولِ الغَيْثِ) (أخرجه الشافعي في الأم والبيهقي في المعرفة، وصححه الألباني).
    6- آخر ساعة مِن يوم الجمعة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

    7- دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دُعَاءُ الأَخِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لا يُرَدُّ) (رواه البزار، وصححه الألباني).
    8 - دعوة المظلوم.
    9- دعوة المسافر.
    10- دعوة الوالد على ولده.
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
    - أخي... قد علـَّمنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- آدابًا للدعاء هي مِن دواعي الإجابة أيضًا، منها:
    1- أن يغتنم الأوقات والأحوال الشريفة.
    2- أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه.
    3- أن يجعل صوته بيْن المخافتة والجهر: قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (الإسراء:110).
    4- أن لا يتكلف السجع في الدعاء.

    5- التضرع والخشوع والرغبة والرهبة: قال الله -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء:90).
    6- أن يجزم بالدعاء ويوقن بالإجابة، ويصدق رجاؤه فيه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    7- أن يلح في الدعاء ويكرره: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذا سَأَلَ أحدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ فإِنَّما يَسْألُ رَبَّهُ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).
    8- أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه، ويختمه بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال عليٌ -رضي الله عنه-: "كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه البيهقي والطبراني، وحسنه الألباني وقال: وهو في حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يُقال مِن قِبَل الرأي).
    9- الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة، ورد المظالم، والإقبال على الله -تعالى-.
    اللهم تقبَّل منا الصيام، والقيام، وصالح الأعمال.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان



    مواعظ رمضان...
    (وقفة محاسبة)
    كتبه/ سعيد محمود
    (10)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18).
    - فيا أخي... اعلم أن قوله -تعالى-: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ) هو أمر بالمحاسبة للنفس على ما قدمت لغدها المنتظر.
    فها هي أيام العمر قد انقضى منها ما انقضى، وها هي أيام رمضان قد انقضى منها ثلثها.
    فماذا قدَّمت فيها ليوم الحساب؟!

    وهل حاسبت نفسك على ما قدَّمت؟!
    - أخي... اعلم أن المحاسبة هي:
    - أن ينظر المسلم في فرائضه الواجبة عليه، كنظر التاجر إلى رأس ماله.
    - وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال.
    - وينظر إلى المعاصي والذنوب، كالخسارة في التجارة.
    - ثم يخلو بنفسه ساعة مِن آخر كل يوم، يحاسِب فيها نفسه على عمل يومه.
    - فإذا رأى نقصًا في الفرائض والواجبات؛ لامها ووبخها، وقام إلى جبره في الحال؛ فإن كان مما يُقضَى قضاه، وإن كان مما لا يُقضى؛ جبره بالإكثار مِن النوافل.
    - وإن رأى نقصًا في النوافل؛ عوض الناقص وجبره.
    - وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي؛ استغفر وندم وأناب، وعمل مِن الخير ما يراه مصلحًا لما أفسد؛ هذا هو المراد مِن المحاسبة للنفس، وهي إحدى طرق إصلاحها، وتأديبها وتزكيتها وتطهيرها.

    أخي... كان سيد الخلق يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) (رواه مسلم), وقال: (إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
    وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم قبْل أن تحاسبوا".
    أخي الحبيب... اعلم أن النجاة يوم الحساب متوقفة على المحاسبة للنفس في الدنيا، قال الله -تعالى-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30)، وقال الله -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47).

    وقال الله -تعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف:49)، وقال الله -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (الزلزلة:6).
    فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة، وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم مِن هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم، وصدق المراقبة؛ فمَن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبه، ومَن أهمل المحاسبة دامت حسرته.
    فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان

    مواعظ رمضان...
    (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)
    كتبه/ سعيد محمود
    (11)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (فاطر:5)، وقال الله -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14).
    وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا) (متفق عليه)، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهُمَّ، لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ) (متفق عليه).

    أخي... إن مِن نظر إلى الدنيا بعين البصيرة، أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل؛ إما بسبب نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية!
    مسكين مَن اطمأن ورضي بدار حلالها حساب، وحرامها عقاب؛ إن أخذه مِن حلال حوسب عليه، وإن أخذه مِن حرام عُذب به!
    مَن استغنى في الدنيا فُتن، ومَن افتقر فيها حزن، ومَن أحبها أذلته، ومَن التفت إليها ونظرها أعمته!
    أخي... لقد كشف العليم الرحيم لعباده عن حقيقة الدنيا، وبيَّن لهم قصر مدتها، وانقضاء لذتها، بما يضرب مِن الأمثال الحسية، قال الله -تعالى-: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20).

    واعلم أخي... رحمني الله وإياك، أن الناس فيها قسمان:
    - القسم الأول: فطناء قد وفقهم الله فعلموا أنها ظل زائل، ونعيم حائل وأضغاث أحلام، عرفوا أنها فانية، وأنها مَعُبَر إلى الباقية؛ فرضوا منها بالقليل، فاستراحت قلوبهم مِن همها وأحزانها، واستراحت أبدانهم مِن نصبها وعنائها، فلم تشغلهم عن دينهم، جعلوا الآخرة نصب أعينهم، ففكروا كيف يخرجون مِن الدنيا وإيمانهم سالم، وما يصحبونه معهم إلى قبورهم: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88-89)، وقال: -تعالى-: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس:34-36).
    أدركوا كل هذا؛ فتأهبوا للسفر الطويل، وأعدوا للحساب جوابًا، وقدَّموا الزاد للمعاد، وخير الزاد التقوى؛ فطوبى لهم، خافوا فآمنوا، وأحسنوا ففازوا وأفلحوا.

    - والقسم الثاني من الناس: جهال عمى البصائر، لم ينظروا أمرها، ولم يكشفوا سوء حالها ومآلها، برزت لهم بزينتها ففتنتهم، فإليها أخلدوا، وبها رضوا، ولها اطمأنوا حتى ألهتهم عن الله -تعالى- وطاعته (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:19).
    قال الله -تعالى- عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يونس:7-8).
    أقاموا الدنيا فهدمتهم، واعتزوا بها مِن دون الله فأذلتهم!
    أكثروا فيها مِن الآمال، وأحبوا طول الآجال، ونسوا الموت وما بعده مِن الشدائد والأهوال!
    قال الله -تعالى- فيهم: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزمر:15).
    أخي... لقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن خسارة أهل الدنيا؛ لانشغالهم بجمعها، وأخبر عن فلاح أهل الآخرة؛ لانشغالهم بالعمل لأجلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    ولذا أمر المسلم أن يكون فيها كالغريب، أو عابر السبيل، وأن يعد نفسه مِن أهل القبور، وإذا أصبح فلا ينتظر المساء، وإذا أمسى فلا ينتظر الصباح.
    قال المسيح -عليه السلام-: "يا بني إسرائيل، اجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف، فما لكم في العالم مِن منزل، إن أنتم إلا عابري سبيل".
    وقال: "يا معشر الحواريين: أيكم يستطيع أن يبني فوق موج البحر دارًا؟ قالوا: يا روح الله... مَن يقدر على ذلك؟! قال: إياكم والدنيا، فلا تتخذوها قرارًا".
    واعلم أخي -رحمني الله وإياك-: أن رأس كل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا؛ فبسبب حب الخلود في الدنيا، كانت خطيئة الأبوين قديمًا.
    - وبسبب حب الرياسة التي محبتها شر مِن محبة الدنيا، كان ذنب إبليس.
    - وبسبب حب الدنيا وجاهها، كان كفر فرعون وهامان وجنودهما.
    فاللهم اجعلنا ممن جعلوا الآخرة هي همهم، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (رمضان شهر الصدقة)
    كتبه/ سعيد محمود
    (12)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).
    وقد ذكر العلماء في حكمة زيادة جوده -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فوائد وأسبابًا كثيرة، منها:
    1- شرف الزمان ومضاعفة الأجر فيه.

    2- إعانة الصائمين والقائمين على طاعتهم، فينال مِن أعانهم مثل أجرهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    3- أن الجزاء مِن جنس العمل؛ فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه، وإنما يرحم الله مِن عباده الرحماء.
    4- أن الصائم لا بد أن يقع منه خلل ونقص، والصدقة تجبر ما فيه مِن الخلل والنقص؛ ولذا شرعت صدقة الفطر.
    5- أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا بذله لغيره عند الإفطار كان ممن أطعم الطعام على حبه، لينال بذلك ثواب الإيثار.
    فيا أخي... هذا شهر الجود والكرم والمواساة، والجود مِن معالي الأخلاق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله -تَعالى- كريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ويُحِبُّ معَالِي الأَخْلاقَ ويَكْرَهُ سَفْسافَها) (رواه ابن عساكر، وصححه الألباني).
    وكان السلف -رضي الله عنه- يواسون مِن إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون:
    - كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، وكان يتصدق بالسكر ويقول: "سم

    عتُ الله يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران:92)، والله يعلم أني أحب السكر!"
    لقد تعلموا ذلك مِن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس، وأكثر الناس حضًّا لأتباعه على الجود والنفقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفْضَلُ الأَعْمالِ أنْ تُدْخِلَ على أخِيكَ المُؤمِنِ سُرُورًا أوْ تَقْضِيَ عنهُ دَيْنًا أوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني).
    وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أنْفَعُهُمْ وأحَبُّ الأعْمَالِ إِلَى الله -عَزَّ وجَلَّ- سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ أوْ تَكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً أوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ولأَنْ أمْشِيَ مَعَ أخِي المُسْلِمِ فِي حاجَةٍ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ شَهْرًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تطفئ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ) (متفق عليه).
    فيا أخي... انظر إلى عظيم كرم الله؛ إن هذه البغي سقت كلبًا مِن العطش فغفر لها! فما ظنك بكرمه إذا أطعمتَ وسقيتَ مسلمًا صائمًا؟!
    أخي... للصدقة وجوه كثيرة تُغتنم منها الحسنات، وتُرفع بها الدرجات، منها:

    - منها إطعام الطعام: قال الله -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان:8).
    إن عبادة إطعام الطعام عبادة ولادة، ينشأ عنها فضائل كثيرة، منها: "الحب في الله ومجالسة الصالحين - وتوثيق التعارف - وإعانتهم بهذا الطعام على طاعة الله"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).
    - ومنها بذل المال: وهو الصورة المباشرة الواضحة التي تدفع فيها المال إلى يد الفقير، كانت عائشة -رضي الله عنها- تعطر الصدقة قبل إخراجها، فقيل لها في ذلك، فقالت: "إنها تقع في يد الله قبْل أن تقع في يد الفقير!".

    - ومنها بذل المال في الدعوة إلى الله: وذلك بإقامة المساجد، وإقامة الجُمَع والأعياد، وشراء المراجع لطلبة العلم، والإنفاق على الفقراء منهم، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    - ومنها الصدقة الجارية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم).
    فاجتهد في شهر الجود أن تكون مِن أجود الناس، كما كان سيد الناس -صلى الله عليه وسلم-.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...

    (رمضان شهر تنوير المساجد بالطاعات)
    كتبه/ سعيد محمود
    (13)


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    كما أن رمضان موسم لكَ -أخي المسلم- للطاعات، فكذلك المساجد، فإن رمضان موسم لها تنتظره مِن العام إلى العام، كما تنتظر أنتَ رمضان.
    ألا ترى كيف تعمَّر المساجد في رمضان بالقائمين، والساجدين، والمعتكفين، والمتهجدين؟!
    نعم... إنه شهر تنوير المساجد بالطاعات؛ فحق لها أن تزهر وتفرح.
    - فهذا وقت التراويح، قد اجتمع المصلون فيها لتلاوة كتاب ربهم في صلاتهم.

    - وهذا وقت التهجد، قد فزع إليها المجتهدون ليعمروها بالصلاة والناس نيام.
    - وهذا وقت السحر، قد بكَّر فيه أهل الفجر بالحضور؛ ليعمروها بالدعاء والصلاة، والتضرع في وقت النزول الإلهي.
    - وهذا وقت انتظار شروق الشمس، قد عمَّره الحُجاج والمعتمرون كل يوم، بالانتظار فيها والدعاء والذكر حتى طلوع الشمس، ثم ختموا ذلك بالصلاة.
    - وهذا وقت النهار، يرتادها المصلون، والتالون لكتاب الله في كل ساعة، معمرين نهار رمضان.
    - وهذه أيام العشر ولياليها، قد عكف فيها المنقطعون لعبادة ربهم ما بيْن صلاة وتلاوة، وذكر ودعاء: قال الله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ

    وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:36-38).
    أخي... تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع هي المساجد.
    المساجد التي هي هذه البقاع الأرضية الطاهرة التي تتنزل فيها السكنية.
    هذه الأماكن المقدسة التي تشهد تربتها كل يوم خمس مرات هذه الجباه الساجدة الضارعة لبارئها.
    هذه الأماكن التي هي مهابط رحمة الله ورضوانه على ظهر هذه الأرض التي امتلأت بالقسوة والظلم والخطايا.

    هذه الأماكن التي يهرع ويفزع إليها المؤمنون مِن مادية الزمان الطاغية ليجدوا السكينة والطمأنينة بين رحابها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ مُؤْمِنٍ) (رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).
    - ولذا رغـَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين في بناء المساجد، فقال: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ) (متفق عليه).
    - وكان -صلى الله عليه وسلم- يرغـِّب أصحابه في كثرة الارتياد على المسجد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).
    - وانظر إلى تعلقه -صلى الله عليه وسلم- بالمسجد: فعن جابر بن سَمُرَة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ

    -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا" (رواه مسلم).
    - ولقد بشَّر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أمته ببشارة عظيمة يوم القيامة لمن ارتبط بالمسجد وتعلق به، فقال: (سَبْعَة يظلهم الله -تَعَالَى- فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرجل قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا؛ حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) (متفق عليه). فذكر منهم: (وَرجل قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ).
    أخي... لقد ظهر ذلك في أحوال أصحابه وسلف الأمة -رضي الله عنهم- فتعلقت قلوبهم بالمساجد؛ لما علموه مِن شرفها وفضلها.

    - ها هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما حدث بينه وبين فاطمة -رضي الله عنها- خلاف في شأن الزوجية خرج مِن بيته، وأوى إلى المسجد فمكث فيه.
    - وها هو أبو أمامة -رضي الله عنه- لما أصابته الهموم والغموم لجأ إلى المسجد فمكث فيه حتى علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءً نافعًا يقوله إذا أصابه الهم.
    - وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا سألوا عنه، وجدوه في المسجد، وغيرهم الكثير والكثير... تعلقت قلوبهم بالمساجد التي هي أفضل بقاع الأرض وأطهرها.
    نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد؛ فعمِّروها بالعبادة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (مجالس الذكر)

    كتبه/ سعيد محمود
    (14)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا), قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (حِلَقُ الذِّكْرِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
    أخي... اعلم -رحمني الله وإياك-: أن في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، هي جنة الإيمان التي كان الواحد مِن السلف يقول لأخيه في شأنها: "اجلس بنا نؤمن ساعة!".
    إنها مجالس الذكر...
    - إنها المجالس التي يباهي الله بها الملائكة...

    فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُم ْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟) قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: (آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟) قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُم ْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ) (رواه مسلم).
    إنها المجالس التي يخرج أهلها بأعظم شهادة:
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَلائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلاً يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِم ْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ،

    يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَك َ وَيُهَلِّلُونَك َ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لا،
    أَيْ رَبِّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُون َكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَن ِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُو نَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُم ْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا، قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) (متفق عليه).
    أخي... إنها المجالس التي تزداد بها فضلاً وأجرًا وشرفـًا.

    قال لقمان الحكيم -عليه السلام- لابنه وهو يعظه: "يا بني، لا تجالس إلا الأخيار؛ فإنك إن كنتَ عالمًا زادوك علمًا، وإن كنت جاهلاً علَّموك، وإن نزلتْ عليهم مِن الله رحمة نزلت عليكَ معهم، ولا تجالس الأشرار؛ فإنك إن كنتَ عالمًا لم ينفعك العلم، وإن كنتَ جاهلاً زادوك جهلاً، وإن نزلت عليهم مِن الله لعنة نزلت عليكَ معهم".
    قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
    أحب الصالحين ولستُ منهم لـعـلـي أن أنال بهـم شفاعـة
    وأكره مَن تجارته المعـاصي ولو كنا سواء في البضاعـة
    أخي... احرص على حضور مجالس العلم أينما وُجدتْ؛ ففيها الرحمة والسكينة.

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (رواه مسلم).
    يا أخي... إن حلق الذكر والعلم هي تركة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أراد أن يرثه.
    مرَّ أبو هريرة -رضي الله عنه- بالسوق، فوجد الناس وقد كثر لغطهم وانشغالهم بالبيع والشراء، فقال: أنتم هنا وميراث النبي -صلى الله عليه وسلم- يوزع في المسجد؟! فأسرع الناس إلى المسجد، ورجعوا: فقالوا: ما وجدنا في المسجد إلا حلق العلم ومجالس الذكر! فقال: "هذا هو ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-".
    فاللهم نسألك علمًا نافعًا، وأن تكتبنا عندك مِن الذاكرين الله كثيرًا.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (وقفة مراقبة)
    كتبه/ سعيد محمود
    (15)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) (المجادلة:7).
    وقال الله -تعالى-: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (يونس:61).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (رواه مسلم).

    أخي... إن النصوص المتقدمة تنطق بأن الله يعلم أعمالنا صغيرها وكبيرها، وهو مطلع علينا في كل أحوالنا؛ فهو علينا رقيب، وشهيد، وحسيب؛ ولذلك أمرنا -سبحانه وتعالى- بمراقبته وتقواه فقال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) (النساء:131).
    والمراقبة: هي أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله -تبارك وتعالى-، ويلزمها إياها في كل لحظة مِن لحظات الحياة، حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها، عالم بأسرارها، رقيب على أعمالها، قائم عليها وعلى كل نفس بما كسبت.
    ولله در مَن قال!

    إذا ما خـلـوتَ الـدهـر يـومًا فـلا تقل خلوتُ، ولكن قل عليَّ رقيب
    ولا تحـسـبن الله يغـفـل ســاعـة ولا أن مــــا تخفيــه عنه يغيـب
    وهذا هو الطريق الذي درج عليه السابقون الأولون مِن سلف هذه الأمة الصالح؛ إذ أخذوا أنفسهم بمراقبة الله -تعالى- حتى تمَّ لهم اليقين، وبلغوا درجة المقربين!
    وها هي ذي آثارهم تشهد لهم:
    - فها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في بستان مِن بساتين الأنصار، وأنس بن مالك -رضي الله عنه- يراقبه ويرقبه وهو لا يراه، وإذا بعمر -رضي الله عنه- يقف وقفة محاسبة ووقفة مراقبة مع نفسه، ويقول: "عمر أمير المؤمنين! بخ بخ، والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله!".
    - عمر -رضي الله عنه- الذي يأتيه أعرابي وقد قرض الجوع بطنه وبه مِن الفقر ما به، ويقف على رأسه ويقول:
    يا عمرَ الخيرِ جَزيتَ الجنة اكـُسـُـوا بـُـنــَيـاتي وأُمَهُـن
    وكُن لنا في ذا الزمانِ جُنة أُقــســمُ بـالـلـه لـتـَـفـعــلـن
    فقال عمر -رضي الله عنه-: وإن لم أفعل يكون ماذا؟
    قال إذن أبا حفص لأمضين.

    قال عمر -رضي الله عنه-: وإن مضيتَ يكون ماذا؟
    قال: والله عنهن لتسألن، يوم تكون الأعطيات منة، وموقفُ المسئولِ بينهن، إما إلى نارٍ وإما جنةٍ؛ فلم يملك عمر -رضي الله عنه- إلا أن ذرفت دموعه على لحيته، ودخل ولم يجد شيئًا في بيته، فما كان إلا أن خلع رداءه، وقال: خذ هذا ليوم تكون الأعطيات منة، وموقف المسئول بينهن، إما إلى نار وإما جنة!
    هكذا تكون مراقبة الله -تعالى-، وهكذا تكون تقوى الله -تعالى-...
    - وها هو عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: وهو يلي أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في يوم مِن الأيام يكسب أو يفيء الله على المسلمين فيئًا، وهذا الفيء تفاح فأراد أن يقسمه على الرعية، وبينما هو يقسم التفاح إذ امتدت يد صبي مِن صبيانه -طفل صغير أخذ تفاحة ووضعها في فمه- فما كان مِن عمر إلا أن أمسك بفيه وأوجع فكيه واستخرج التفاحة مِن فمه وردها بيْن التفاح والطفل يبكي ويخرج ويذهب إلى أمه ويحكي لها الحادثة فترسل غلامًا مِن البيت ليشتري لهم التفاح، ويقسِّم الفيء على المسلمين وينسى نفسه فلم يأخذ تفاحة واحدة،

    ويذهب إلى البيت فيشم رائحة التفاح في بيته فيقول: مِن أين لكم هذا؟! ووالله ما جئتكم بتفاحة واحدة، فأخبرته الخبر، فقالت: جاء ابنك يبكي فأرسلت الغلام وجاء بهذا التفاح، قال يا فاطمة والله لقد انتزعتُ التفاحة مِن فمه وكأنما انتزعتها مِن قلبي، لكني والله كرهتُ أن أضيع نفسي بتفاحة من فيء المسلمين يأكلها!
    ـ وقيل للجنيد -رحمه الله-: "بمَ يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق مِن نظرك إلى المنظور له".
    ـ وقال ابن المبارك -رحمه الله- لرجل: "راقِب الله يا فلان، فسأله الرجل عن المراقبة. فقال له: كن أبدًا كأنك ترى الله -تعالى-".
    فاللهم املأ قلوبنا منك خشية تردنا بها عن معاصيك، وتأخذنا بها إلى طاعتك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (الدعوة إلى الله)

    كتبه/ سعيد محمود
    (16)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)، وقال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران:110)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).

    أخي... إن النصوص المتقدمة كلها تدل على وجوب الدعوة إلى الله في مجتمعات المسلمين، والتي بسببها يكون لهم الخيرية والفلاح والنجاح والرفعة، وأن في غيابها غياب لهذه الفضائل والتعرض للهلكة والضياع.
    أخي... -اعلم رحمني الله وإياك- أن الله قد أوجب الدعوة إليه لثلاثة مقاصد عظيمة:
    المقصد الأول: عذر الداعي، يعني: أن تعذر أمام الله يوم القيامة.
    المقصد الثاني: عودة الناس إلى ربهم.
    المقصد الثالث: النجاة مِن عذاب الله الواقع للعصاة في الدنيا.

    ولعل مِن أعظم ما يبين هذه المقاصد العظيمة قصة أصحاب السبت التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه، فقال -عز وجل-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ . وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف:163ـ 167).
    واعلم -أخي رحمني الله وإياك-: أن الدعوة إلى الله هي أشرف وظيفة يعملها الإنسان، فهي وظيفة أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل:36).
    واعلم... أن الأمة شريكة لرسولها -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة والإرشاد: قال الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ليبلغ أمته: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).

    ولا عليك -أخي- مما يقوله المبطلون ويلقونه مِن شبهات على طريق دعوتك... فإن قالوا لكَ: إنها وظيفة رجال الدين المعينين!
    فقل لهم: إن كلامكم مردود مِن وجهين:
    الأول: أن ذلك دين النصارى المحرَّف، فإن أحبارهم ورهبانهم قد جعلوا أنفسهم وسائط بيْن الناس وبين ربهم؛ أحالهم بينهم وبين الله، يبتغون عرض الحياة الدنيا.
    الثاني: أن ذلك ينافي الاتباع الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
    وقل لهم ناصحًا: لماذا لا تكونون أنتم رجال هذا الدين فتحملونه للخلق؟!
    وإن قالوا لكَ: أليس الله يقول: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة:105)، يريدون مِن ذلك تأويلها على الامتناع عن الدعوة إلى الله؛ بحجة ضلال الناس؟!
    فقل لهم: هذا فهم خاطئ، ردَّه صديق الأمة يوم قاله أناس مثلكم، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنكم تقرؤونَ هذهِ الآيَة وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
    وإن قالوا لكَ: لا فائدة، الباطل كثير وينتشر!
    فقل لهم: أنتم مأمورون بالدعوة إلى الله، سواء آمن الناس أم لم يؤمنوا؛ قال الله -تعالى-: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، وقالت الرسل لأقوامهم: (وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يس:17).

    وإن قالوا لك: الدعوة إلى الله مشقة، والله يقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة:286).
    فقل لهم: الجواب على ذلك مِن وجوه:
    الأول: هذا هو طريق الجنة، قال الله -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).
    الثاني: ألا تعلمون أن دعاة التنصير يطوفون العالم بالشهور، ومعلوم الفرق في الأجر، قال الله -تعالى-: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) (النساء:104).
    الثالث: أين أنتَ مِن أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم- ودعوتهم إلى الله، والأمثلة كثيرة، ومِن أشهرهم: مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، أول داعي مِن قِبَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خارج مكة.
    وقل لهم ناصحًا: إن أكثر مَن يقولون ذلك، يبذلون المشاق والصعاب لتحصيل ملذات دنيوية؛ فأي الأمرين أشرف؟ وأي الأمرين أحق بالاهتمام والتحمُّل؟!
    ويا أخي -الداعي إلى الله-.. أسوق إليك في ختام حديثي بشرى عظيمة مِن كلام سيد الدعاة وأشرفهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى معلم النَّاس الْخَيْر) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    فاللهم اجعلنا هداة مهتدين، ودعاة عاملين، وردَّ الناس إلى دينك مردًّا جميلاً.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)
    كتبه/ سعيد محمود
    (17)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-11).
    أخي... رمضان شهر الجهاد، ذروة سنام الإسلام، شهر التجارة الرابحة، ولقد امتن الله -تعالى- على الأمة في هذا الشهر بأحلى انتصاراتها وعظيم فتوحاتها، وعلى مدار التاريخ الإسلامي كان هذا الشهر رمزًا للعطاء والبذل والجهاد في سبيل الله، تلبية لأمر الله -تعالى- عباده المؤمنين بالقيام بنصرة دينه لما قال لهم: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41).

    وها هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يجيبون نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لما استنفرهم لنصرة دين الله -تعالى- في أول معارك الإسلام الكبرى، وأم الانتصارات: "معركة بدر الكبرى".
    فلما كان رمضان مِن السنة الثانية مِن الهجرة، بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر العير المقبلة مِن الشام لقريش، صحبة أبي سفيان، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة، وفيها أموال عظيمة لقريش، فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس للخروج إليها، وأمر مَن كان ظهره حاضرًا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالاً بليغًا؛ لأنه خرج مسرعًا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.
    فبلغ أبا سفيان مخرجُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقصده إياه؛ ففر بالقافلة جهة البحر، وأرسل لقريش بالنفير إلى عيرهم، ليمنعوه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فخرجت قريش بحدها وحديدها فلم يتخلف مِن أشرافهم سوى أبي لهب؛ فجاءت قريش في جيش يفوق قوة المسلمين في العدة والعتاد والعدد والمؤنة أضعافًا مضاعفة؛ فتحرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وعلى الأنصار خاصة لشدة الموقف، فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وأخبرهم عن مسير قريش وحراجة الموقف.

    فقام أبو بكر -رضي الله عنه- فقال وأحسن، ثم قام عمر -رضي الله عنه- فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله امضِ لما أمرك الله به، فنحن معك، والله لا نقول لكَ كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:24)، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك مِن دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا ودعا له به، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشيروا عليَّ أيها الناس. فوقف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وقال: والله لكأنك تعنينا يا رسول الله! قال -صلى الله عليه وسلم-: أجل.
    فقال سعد: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ ونحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا أحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبرٌ في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.

    فسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لقول سعد، ونشَّطه، فقال: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
    فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بدر، وجمع الله الفريقين على غير ميعاد، كما قال -تعالى-: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً) (الأنفال:42).
    وقد وصف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، كيف بات المسلمون ليلة السابع عشر مِن رمضان ببدر، وأمامهم مسعكر المشركين، فقال -رضي الله عنه-: لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح!
    وأنزل الله في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وبالاً شديدًا منعهم مِن التقدم، وكان على المسلمين طلاً طهَّرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت به الأقدام.
    واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) (الأنفال:9)، فأوحى الله إلى ملائكته: (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12).
    ثم حمى الوطيس، واستدارت رحى المعركة واشتد القتال، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء والابتهال ومناشدة ربه -تعالى-، حتى جاء النصر وأنزل الله جنده، وأيد رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين -على قلتهم وشدة حاجتهم-، قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26).

    أخي... لقد مضت غزوة "بدر" تحمل قصة نصر حاسم وفرقان بيْن الحق والباطل؛ قصة انتصار الحق على أعدائه المدججين بالسلاح، المزودين بكل زادٍ مادي، لقد كانت غزوة بدر قصة انتصار القلوب حين تتصل بربها، فينصرها الله مع قلتها وحاجتها.
    أخي... لقد مضت غزوة "بدر" مثلاً في التاريخ تقرر دستور النصر والهزيمة؛ إلا أنها كتاب مفتوح تقرأه الأجيال في كل زمان وفي كل مكان؛ فهي آية مِن آيات الله ما دامت السموات والأرض تنطق بنصر الله للقلة المؤمنة على الكثرة الكافرة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123).
    فاللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...
    (الاعتكاف)

    كتبه/ سعيد محمود
    (18)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ " (رواه مسلم).
    وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك تحريًا لليلة القدر، حيث رغـَّب أصحابه في قيامها والاعتكاف لها، فقال: (وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
    والاعتكاف هو: حبس النفس في بيت الله تفرغًا للعبادة؛ فالاعتكاف هو زيارة الله في بيته، والانقطاع إليه فيه، وحق على المزور أن يكرم زائره؛ لذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف كلَّ رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يومًا، وأكد الاعتكاف في العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر.


    فالمعتكف حَبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه؛ قد عكف قلبه وقالبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله وما يرضيه؛ ولذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- لا يستحب للمعتكف مخالطة الناس حتى ولو لتعليم علم وقراءة قرآن.
    أخي... إذا كنتَ تشتكي قسوة في قلبك، أو ضعفًا في إيمانك، فهيا إلى كهف الاعتكاف ينشر لك ربك مِن رحمته، ويهيئ لكَ مِن أمرك رشدًا، فمنه تخرج خلقًا آخر.
    مقاصد الاعتكاف
    للاعتكاف مقاصد، مِن أعظمها:
    1ـ تحري ليلة القدر: وهو المقصد الرئيس، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما علِم أنها في العشر الأواخر، ترك اعتكاف العشرين الأخرى.
    2ـ إصلاح القلب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه)، وأكثر ما يفسد القلب كثرة الشواغل؛ لذا فإن المعتكف ينقطع لشغل واحد وهو التعبد لله.

    3- حفظ الصيام مما يفسده: فلا مجال في الاعتكاف لإطلاق بصر، أو مشاحنة خصم، أو شجار زوج، أو جرح لسان، أو صاحب سوء، أو سماع منكر.
    4- تعلم الزهد: فالمعتكف ينام على الأرض ويأكل على الأرض، ويأكل ما قُدِّم له.
    5- اختيار الإخلاص في العبادة: قال ذو النون المصري: "لم أرَ شيئًا أبعث لطلاب الإخلاص مثل الوَحدة، ومَن أحب الخلوة؛ فقد تعلق بعمود الإخلاص".
    6- حب المكث في المسجد: إن الذي يتعود المكث في المسجد إنما يبذر في قلبه بذرة: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ) (متفق عليه).
    7- مدرسة الصبر: فالاعتكاف ترويض للنفس لتعلم الصبر... الصبر عما ألفه مِن أنواع الطعام والشراب، والصبر عما تعود مِن فراش لين، والصبر على مزاحمة الآخرين، والصبر عن شهوة الزوجة، وأكثر ملذات الدنيا.
    أخي... هذه فرصتك؛ فأنت في خلوة مع ربك عشرة أيام كاملة.

    أخي... إنك تستطيع أن تغتنم هذه الأيام في حفظ ما تيسر مِن كتاب الله -تعالى-، أو في الإكثار مِن الذكر الذي لم تكن تستطيعه في غيره.
    أخي... هل تعلم أن هناك مَن حفظ القرآن كله في ستين يومًا فقط؟!
    نعم... قال الشيخ عبد الرحمن الدوسري: "حفظتُ القرآن العظيم في ستين يومًا، انقطعتُ عن الناس، وأغلقت عليَّ مكتبي، ولم أخرج منه إلا للصلاة فقط!".
    أخي... ونحن نرغـِّبك في الاعتكاف، نؤكد على ما ينبغي أن يكون عليه الاعتكاف، فالاعتكاف المنشود اليوم ليس الاعتكاف الذي يجعل في المساجد مهاجع للنائمين، ومجالس للمتزاورين، وموائد للأكل، وحلقات للضحك، ومرتعًا لفضول الكلام؛ فهذا اعتكاف لا يزيد صاحبه إلا قسوة في القلب وبعدًا عن الله.
    أما الاعتكاف المنشود: فهو الذي تسيل به دموع الخاشعين، وترق به قلوب المشفقين، وترفع فيه أكف المتضرعين، إنه الاعتكاف الذي لا يُصرف منه لحظة في غير طاعة، ليكون بذلك علاجًا فعالاً لثلاثة أمراض تعتبر مِن أهم علامات موت القلب، وهي التي أشار إليها ذو النون المصري في قوله:

    "ثلاث مِن علامات موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر".
    أخي... الاعتكاف فرصتك في التغير والتغيير، وليس ذلك مستحيلاً، قال المنذر بن عبيد: "تولى عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الجمعة؛ فأنكرتُ حاله في العصر!".
    فكيف بك -أخي- وأنتَ ستكون عشرة أيام في كهف الإيمان، تتدبر القرآن، وتكثر مِن الاستغفار، وتقوم بالليل والناس نيام.
    فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان
    (العشر الأواخر... تاج الليالي)

    كتبه/ سعيد محمود
    (19)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فإن ربنا -سبحانه وتعالى- يتفضَّل على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطاعات، فيغتنم الصالحون نفائسها، ويتدارك الأوابون أواخرها؛ ليالٍ مباركة أوشكتْ على الرحيل، ليالي شهر كريم، أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النار فيه مغلقة، والشياطين فيه مصفدة، العشر الأواخر منها تاج الليالي، فإنها أفضل الليالي وأعلاها قدرًا.
    عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" (متفق عليه).

    أخي... إن في العشر ليلة هي أم الليالي الأخيرة، تتغير فيها نواميس الكون في أحوال كثيرة، خَلق عظيم ينزل مِن السماء لشهود تلك الليلة العظيمة؛ ليلة سلام وبركات على هذه الأمة، فهي ليلة البركات والخيرات، وهي عزيزة الساعات، القليل مِن العمل فيها كثير، والكثير منه مضاعف، قال الله -تعالى-: (ليْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:3-5).
    أخي... في هذه الليلة نزل كتاب ربنا العظيم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1)؛ مما يدل على علاقة وثيقة بينها وبيْن القرآن العظيم، الذي مَن قرأ حرفًا منه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف كثيرة، وهو شافع لصاحبه يوم القيامة، وسبب رفعته في الدنيا والآخرة؛ فاجعل لتلاوة القرآن على لسانك في العشر الباقية طراوة، ولصوتك منه نداوة، لتظفر بشفيعين في الآخرة: "القرآن، والصيام".

    والصلاة قرة عيون الصالحين، وراحة أفئدة الخاشعين، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل مِن خير أصحابه وهو عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) (متفق عليه).
    فكيف وأنتَ في أعظم ليالي خلقها الله -تعالى-؟!
    وقد بشَّرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمغفرة إذا قمتها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه). (إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أي: "تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، وطلبًا للأجر لا لقصد آخر مِن رياء أو نحوه" (فتح الباري).

    أخي... اعلم -رحمني الله وإياك-: أن في كل ليلة مِن العام ساعة إجابة تفتح فيها الأبواب، والكريم فيها يمنح، تسأل فيها ما شئتَ؛ فكيف إذا انضاف إليها كونها في الليالي العشر بيْن هذا الحفل العظيم في السموات والأرض؟!
    أخي... العبد مفتقر إلى محو أدران خطاياه، والانكسار بين يدي الله في هذه العشر المباركات؛ فارغب إلى ربك فيها، وداوم على ذكره وسؤاله، فما أكثر أوقات الإجابة في هذه العشر المباركة.
    قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "فضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل".
    أخي... هذه أيام وليالي الفضائل والبركات؛ فأكثِر فيها مِن الطاعات.
    أخي... إن مِن عظيم فضل الله علينا، أنه لم يحدد لنا ليلة القدر بليلة معينة، بل قال فيها نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا-؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ) (متفق عليه).

    أخي... هذه الليالي أكثِر فيها مِن طلب العفو عساك أن تفوز به، قالتْ عائشة -رضي الله عنها-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
    وهنا لطيفة في سؤال يجيب عليه الإمام ابن رجب -رحمه الله-: لماذا سؤال العفو حتى بعد اجتهاد أيام العشر؟!
    قال: "إنما أمره بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحًا، ولا حالاً ولا مقالاً؛ فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصِّر!".
    فيا مَن ضاع عمره في لا شيء... استدرِك ما فاتك في الأيام الباقية.
    فاللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان


    مواعظ رمضان...

    (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)

    كتبه/ سعيد محمود
    (20)



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى-: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148)، وقال الله -تعالى-: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133).
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَادرُوا بِالأَعْمَالِ فِتنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعرْض من الدُّنْيَا) (رواه مسلم).
    أخي... ها هي أيام وليالي الخير العظمى قد أقبلت؛ فاستبقوا الخيرات، قال الله -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ) (الحديد:21).

    قال العلامة ابن رجب -رحمه الله-: "لما سمع القوم ذلك، فهموا أن المراد مِن ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى مَن يعمل عملاً يعجز عنه؛ خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه، فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، ثم جاء مِن بعدهم قوم فعكسوا الأمر؛ فصار تنافسهم في الدنيا الدنيئة، وحظوظها الفانية" اهـ.
    فإياك أخي أن تنافس مِن أجل دنيا، فإنها منافسة على لا شيء، وستكون النتيجة لا شيء، بل الخسارة! قال الحسن -رحمه الله-: "إذا رأيتَ الرجل ينافسك في الدنيا؛ فنافسه في الآخرة"، وقال: "مَن نافسك في دينك فنافسه، ومَن نافسك في دنياك فألقها في نحره".

    - وقال رجل لمالك بن دينار -رحمه الله-: رأيتُ فيما يرى النائم مناديًا ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت أحدًا يرتحل إلا محمد بن واسع؛ فصاح مالك: وَالسَّابِقُون السَّابِقُونَ . أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (الواقعة:10-11)، وغشي عليه!
    - وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "إن لي نفسًا تواقة، ما نالت شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، وإنها لما نالت هذه المنزلة -يعني الخلافة- وليس في الدنيا منزلة أعلى منها، تاقت إلى ما هو أعلى منها -يعني الآخرة-".
    - وقال يوسف -عليه السلام-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (يوسف:101).

    أخي... كن بقلبك، بل بكلك مع القوم الذين قال عنهم الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "رُفع لهم عَلَم الجنة فشمروا إليه، ووضح لهم صراطها المستقيم فاستقاموا عليه، ورأوا مِن أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يزول ولا ينفد".
    أخي... هذه أيام العشر ولياليها، فيها الخيرات والبركات، والأجور الكثيرة، والفضائل الجزيلة، فيها تزكوا الأعمال وتنال الآمال؛ كيف لا؟! والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسهر ليله، ويوقظ أهله.
    هذه العشر تُملأ فيها المساجد، ويخشع فيها الراكع والساجد، وينهض إلى الخيرات كل قاعد، ويصير الراغب كالزاهد.
    فاللهم أعنا على طاعتك، والمنافسة على جنتك، وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •