تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 32 من 32

الموضوع: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان

    سقوط بغداد (2)
    (656هـ 1258م)
    خطة هولاكو لهدم الخلافة العباسية

    (21)



    نموذج عن ملابس وعتاد الجُنود المُسلمين.
    منذ تولَّى «منكوخان» زعامة دولة التتار وهو يُفَكِّر في إسقاط الخلافة العباسية، واجتياح العراق، ثم بعد ذلك اجتياح الشام، ومصر، وكان منكوخان قائدًا قويًّا حازمًا، لكن ساعده بصورة أكبر إخوته الثلاثة الذين كانوا عونًا له في تحقيق أحلامه؛ فأحد إخوته وهو «أريق بوقا» ظلَّ معه في «قراقورم» العاصمة؛ ليُدير معه الإمبراطورية الواسعة، وأمَّا الأخ الثاني «قوبيلاي» فقد أوكل إليه إدارة الأقاليم الشرقية، والتي تضمُّ الصين وكوريا وما حولهما من أقاليم، وأمَّا الأخ الثالث «هولاكو[1]» فقد أصبح مسئولًا عن إدارة إقليم فارس وما حوله؛ مما يجعله في مواجهة الخلافة الإسلامية مباشرة، ولا شكَّ أن الجميع قد سمع عن اسم «هولاكو» قبل ذلك!

    هولاكو هو الزعيم التتري السفاح؛ الذي لا يمتلك أي نزعة إنسانية، الرجل الذي كان لا يرتوي إلا بدماء البشر، تمامًا كسلفه جنكيزخان، لعنهما الله.

    هولاكو.. شخصية من أبشع الشخصيات في تاريخ الأرض!

    مُنمنمة فارسيَّة تُصوِّرُ هولاكو خان، قائد الجُيوش المغوليَّة التي اجتاحت بغداد.


    ولأنه كان موكلاً بقيادة إقليم فارس، فإن مجال عمله الرئيسي كان البلاد الإسلامية، وكانت معظم الدماء التي أراقها دماءً إسلامية، ومعظم الآلام التي زرعها في قلوب البشر كانت في قلوب المسلمين، وسبحان الله! كأنَّ الحقد الذي كان في قلب هولاكو لم يكن كافيًا لتدمير الأرض، فقد تزوَّج امرأة لا تقل عنه حقدًا وبطشًا وظلمًا؛ لقد تزوَّج من الأميرة المغولية «طقزخاتون»، وكانت امرأة قوية ذات نفوذ في البلاط المغولي، وكانت فوق ذلك قد انتقلت إلى النصرانية، وكانت شديدة التعصُّب لديانتها، وشديدة الكراهية للإسلام.
    وهكذا اجتمع هولاكو مع زوجته «طقزخاتون» ليصبَّا جام غضبهما على الأُمَّة الإسلامية[2]، وكان الهدف واضحًا في ذهن هولاكو؛ إنه كان يُريد بوضوح أن يُسقط بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ثم يتجاوزها إلى ما بعدها.
    ومنذ تسلَّم هولاكو قيادة قطاع فارس وهو يُعِدُّ العدَّة لإسقاط الخلافة العباسية، والحقُّ أن إعداده كان إعدادًا باهرًا عظيمًا، بقدر ما كان ردُّ فعل المسلمين لهذا الإعداد تافهًا حقيرًا، وإذا كان الوضع كذلك فلا بُدَّ أن ينتصر هولاكو على مناوئيه وإن كانوا مسلمين؛ ذلك لأن لله عز وجل سننًا لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، والذي يأخذ بأسباب النصر من أهل الدنيا يُعطيه الله عز وجل، وإن كان كافرًا، والذي لا يُعِدُّ نفسه ليوم اللقاء لا بُدَّ أن ينهزم وإن كان مسلمًا.. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ}[هود: 15].
    وهكذا أراد هولاكو حياته الدنيا، وأعدَّ لها إعدادًا جيدًا، فأخذ نصيبه من الدنيا ولم يُبخس منه شيئًا.
    ماذا فعل هولاكو ليُسقط الخلافة العباسية؟
    لقد بدأ هولاكو عمله في سنة 649 هجرية بحمية شديدة وسرعة فائقة، ومع ذلك فإنه كان يتحلَّى بالصبر والأناة والإتقان في كل خطوة؛ فمع حقده الشديد ورغبته الملحَّة في تدمير الخلافة الإسلامية، واشتياقه الكامل لكنوز العباسيين، ومع كثرة جنوده وتفوُّقه العسكري الظاهر، فإنه -على الرغم من كل هذا- لم يتسرَّع في اتخاذ قرار الحرب ضدَّ الخلافة العباسية؛ بل ظلَّ يُعِدُّ العدَّة في صبر حتى مرَّت خمس سنوات كاملة من سنة 649 هجرية إلى سنة 654 هجرية، وهو يعمل في نشاط لكي يكون جاهزًا تمامًا.

    وتعالوا نُتابع -كما كان المسلمون آنذاك يُتابعون!- خطوات هولاكو في إعداده: لقد عمل هولاكو في أربعة محاور رئيسية، وبصورة متناسقة؛ هذه المحاور الأربعة تزيد من فرصة انتصاره على الخلافة العباسية، وكل هذا العمل يتمُّ قبل حركة الجيوش، وقبل النزول الفعلي إلى ساحة المعركة في بغداد، والجدير بالذكر أن هذا الإعداد -في معظمه- كان يتمُّ علنًا على مرأى ومسمع من المسلمين وغير المسلمين! والتاريخ يتكرر!

    المحور الأول:
    الاهتمام بالبنية التحتية، وتجهيز مسرح العمليات، وضمان استمرارية وسيولة الإمداد والتموين:
    1- بدأ هولاكو في إصلاح كافَّة الطرق المتجهة من الصين إلى العراق، وهي مسافات رهيبة؛ لكنه عمل على تهيئتها لاستيعاب الأعداد الهائلة من الجيوش التترية، مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة الجبلية لمنطقة طاجيكستان وأفغانستان وفارس، والموانع الطبيعية الصعبة.

    2- أقام هولاكو الجسور الكثيرة والكبيرة على الأنهار التي تعترض طريق الجيوش، وخاصة نهري سيحون وجيحون، ووضع قوَّات كافية تحمي هذه الجسور، وبذلك ضمن استمرار عمليات التموين، وفي الوقت ذاته تفتح هذه الجسور الطريق لخطِّ رجعة لجيوش التتار في حال الهزيمة.
    3- جهز هولاكو مجموعة ضخمة من الناقلات العملاقة؛ صُنِعَتْ خصوصًا لحمل أدوات الحصار الكبيرة من الصين إلى بغداد؛ وبذلك لا يأخذ وقتًا طويلاً في نقل المعدات الثقيلة عبر هذه المسافة الطويلة.
    4- بدأ هولاكو في السيطرة على كل المدن والمراكز التي تتحكَّم في محاور الطرق؛ وبذلك تجنَّب حدوث أي مباغتة أو قطع لطرق جيشه أثناء سيرها.
    5- قام هولاكو بشيء عجيب فيه ذكاء شديد، وهو إخلاء كل الطرق من الصين إلى بغداد من قطعان الماشية؛ سواء البرية أو المملوكة للسكان، وذلك لترك الحشائش والأعشاب لتكفي لطعام الأعداد الهائلة جدًّا من الخيول الخاصة بالفرسان، والدواب المكلَّفة بحمل العتاد الحربي والغذاء والخيام.. وغير ذلك؛ وبذلك لا يحتاج أن يحمل معه طعامًا للحيوانات، ولا يتعرَّض لمفاجأة غياب الطعام، وهو كفقد البنزين بالنسبة إلى السيارات، بل أشد؛ فالسيارة تظلُّ بحالتها إذا غاب البنزين حتى يؤتى به، أما الحيوانات فلا تصبر على غياب الطعام[3].

    المحور الثاني:
    الحرب النفسية على المسلمين:

    إضافة إلى إعداد الطرق، وتهيئة الوسائل اللازمة لضمان الإمداد والتموين للحملة التترية، فإن هولاكو لجأ -أيضًا- إلى سلاح رهيب، وهو الحرب النفسية على المسلمين.

    وقد كانت لهولاكو أكثر من وسيلة لشنِّ هذه الحرب المهولة على المسلمين.
    من هذه الوسائل مثلاً:

    رسم لِمُحاربين مغول من كتاب جامع التواريخ لِرشيد الدين الهمذاني.


    1- القيام ببعض الحملات الإرهابية في المناطق المحيطة بالعراق، التي لم يكن لها غرض إلا بثّ الرعب، وإحياء ذكرى الحملات التترية الرهيبة، التي تمَّت في السابق في عهود «جنكيزخان» و«أوكيتاي»؛ فالحملة التترية الأولى -التي كانت في عهد جنكيزخان- مرَّ عليها أكثر من ثلاثين سنة، وهناك أجيال من المسلمين لم تَرَ هذه الأحداث أصلاً، وإنما سمعت بها فقط من آبائهم وأجدادهم، وليس مَنْ سمع كمَنْ شاهد، والحملة التترية الثانية في عهد أوكيتاي لم يكن من همِّها التدمير والإبادة في بلاد المسلمين؛ وإنما كانت موجَّهة في الأساس لروسيا وشرق أوربا؛ ومن ثَمَّ لم يتأثَّر بها المسلمون بصورة كبيرة.
    ولذلك أراد هولاكو أن يقوم ببعض النشاط العسكري التدميري والإرهابي؛ وذلك بغرض إعلام المسلمين أن حروب التتار ما زالت لا تُقاوم، وأن جيوش التتار ما زالت قوية ومنتشرة.
    من ذلك -مثلاً- ما حدث في سنة 650 هجرية عندما قامت فرقة تترية بمهاجمة مناطق الجزيرة وسَرُوج وسِنْجَار، وهي مناطق في شمال العراق، فقتلوا ونهبوا وسبوا؛ ومما فعلوه في هذه الهجمة أنهم استولوا على أموال ضخمة كانت في قافلة تجارية، وقد بلغت هذه الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار[4]، (وما أشبه هذا بما يحدث اليوم تحت مسميات مثل: تجميد الأموال..).
    ولا شكَّ أنها كانت خسارة كبيرة للخلافة العباسية، وفي الوقت ذاته كانت نوعًا من تجهيز الجيش التتري بالمال والعتاد، وفوق ذلك كانت هذه الحملات تقوم بدور الاستطلاع والمراقبة والدراسة لطرق العراق وجغرافيتها، هذا كله إلى جانب بثِّ الرعب في قلوب المسلمين، فكانت هذه الحروب بمنزلة حروب الاستنزاف، فأضعفت من قوَّة الخلافة والمسلمين كثيرًا، وهيَّأت المناخ للحرب الكبيرة القادمة، وأمثال هذه الحروب تتكرَّر في التاريخ كثيرًا، وما مذبحة دير ياسين -وما أحدثته من آثار- منَّا ببعيد.

    2- ومن وسائل التتار الخطِرة في حربهم النفسية ضدَّ المسلمين الحرب الإعلامية القذرة؛ التي كان يقودها بعض من أتباع التتار في بلاد المسلمين؛ يتحدَّثُون فيها عن قدرات التتار الهائلة، واستعداداتهم الخرافية، ويُوَسِّعُون الفجوة جدًّا بين إمكانيات التتار وإمكانيات المسلمين، وتسربت هذه الأفكار إلى وسائل الإعلام في زمانهم؛ ووسائل الإعلام في ذلك الوقت هم الشعراء والأدباء والقصاصون والمؤرخون، وقد ظهر في كتاباتهم ما يجعل المسلمين يحبطون تمامًا من قتال التتار؛ وذلك مثل:

    مُنمنمة فارسيَّة من كتاب جامع التواريخ تُصوِّرُ فُرسانٌ مغول يرمون بِسهامهم من على ظُهُور خُيُولهم، وهو أُسلُوب المُحاربة الذي امتهنه هؤلاء مُنذُ زمن جنكيز خان.

    التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم؛ (كناية عن قوَّة وبأس المخابرات التترية، وحسن التمويه والتخفِّي عندهم، إضافة إلى ضعف المخابرات الإسلامية وهوانها).
    التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه.
    التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم؛ (فأصبح رجال المسلمين يخافون من نساء التتار)!
    التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تحتاج إلى الشعير!
    التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين والمؤن؛ فإنهم يتحرَّكون بالأغنام والبقر والخيول ولا يحتاجون مددًا.
    التتار يأكلون جميع اللحوم.. ويأكلون بني آدم[5]!
    ولا شكَّ أن مثل هذه الكتابات كانت ترعب العوامَّ، وأحيانًا تُؤَثِّر في نفوس الخواصِّ؛ وهذا من البلاء الذي جنته الأُمَّة على نفسها، وما جناه عليها أحد!
    3- وكان -أيضًا- من وسائل التتار المشهورة لشنِّ حرب نفسية على المسلمين كتابة الرسائل التهديدية الخطرة، وإرسالها إلى ملوك وأمراء المسلمين، وكان من حماقة هؤلاء الأمراء أنهم يكشفون مثل هذه الرسائل على الناس؛ فتحدث الرهبة من التتار، وكان التتار من الذكاء بحيث إنهم كانوا يستخدمون بعض الوصوليين والمنافقين من الأدباء المسلمين ليكتبوا لهم هذه الرسائل، وليصوغوها بالطريقة التي يفهمها المسلمون في ذلك الزمان، وبأسلوب السجع المشهور آنذاك، وهذا -ولا شكَّ- يصل إلى قلوب الناس أكثر من الكلام المترجم الذي قد يُفهم بأكثر من صورة، كما أن التتار حاولوا في رسائلهم أن يخدعوا الناس بأنهم من المسلمين، وليسوا من الكفار، وأنهم يُؤمنون بكتاب الله «القرآن»، وأن جذورهم إسلامية، وأنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلاَّ ليرفعوا ظلم ولاة المسلمين عن كاهل الشعوب البسيطة المسكينة؛ (ما جاءوا إلا لتحرير العراق!)، ومع أن بطش التتار وظلمهم قد انتشر واشتهر؛ فإن هذا الكلام كان يدخل إلى القلوب المريضة الخائفة المرتعبة، فيُعطي لها المسوغ لقبول اجتياح التتار، ويُعطي لها المبرِّر لإلقاء السيف، ولاستقبال التتار استقبال الفاتحين المحرِّرين؛ بدلاً من استقبالهم كغزاة محتلِّين.
    لقد كانت هذه الرسائل التترية تُخالف الواقع كثيرًا، ولكنها عندما تقع في يد مَنْ أُحبط نفسيًّا، وهُزم داخليًّا؛ فإنها يكون لها أثر ما بعده أثر.
    وكمثال على هذه الرسائل أذكر هنا الرسالة التي أرسلها هولاكو إلى أحد أمراء المسلمين؛ وقال فيها:
    «نحن جنود الله.
    بنا ينتقم ممَّن عتا وتجبَّر، وطغى وتكبَّر، وبأمر الله ما ائتمر.
    نحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النساء والأولاد.
    فيا أيها الباقون، أنتم بمَنْ مضى لاحقون.
    ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تُساقون.
    مقصدنا الانتقام، ومُلكنا لا يُرام، ونزيلنا لا يُضام.
    وعدلنا في مُلكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفرُّ؟
    دمَّرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب.
    وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا.
    تحسبون أنكم منَّا ناجون أو متخلِّصُون، وعن قليل تعلمون على ما تقدمون وقد أعذر من أنذر»[6].
    ولا شكَّ أن مثل هذه الرسالة إذا وقعت في يد خائف أو جبان، فإنه لن يقوى على الحراك أبدًا بعد قراءتها، وكان هذا هو عين المرجوِّ من وراء مثل هذه الرسائل!
    بهذه الوسائل وبغيرها استطاع التتار أن يبثُّوا الرعب والهلع في قلوب المسلمين؛ وبذلك أصبح المناخ مناسبًا جدًّا لدخول القوَّات التترية الغازية.

    [1] هولاكو خان (ت 663هـ): هو هولاكو بن تولي خان بن جنكيز خان، ملك التتار ابن ملك التتار، وهو والد ملوكهم، والعامة يقولون هو لاوون مثل قلاوون، وقد كان هولاكو ملكًا جبارًا فاجرًا كفارًا -لعنه الله- قتل من المسلمين شرقًا وغربًا ما لا يَعْلَمُ عددهم، إلا الذي خلقهم، وسيُجازيه على ذلك شرَّ الجزاء.
    [2] الدكتور الصياد: المغول في التاريخ ص182.
    [3] رشيد الدين فضل الله الهمداني: جامع التواريخ 1/235.
    [4] ابن كثير: البداية والنهاية 13/ 213.
    [5] السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 329، 330.
    [6] ابن العماد العَكري الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب 7/742.
    منقول بتصرف




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (3)
    (656هـ 1258م)
    تحزيب الأحزاب لحصار بغداد
    (22)




    قال الله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب: 20].
    وكأن الآية تتنزل من جديد، لتصف منافقين آخرين ينظرون إلى أحزابٍ تتحالف على الدولة الإسلامية مجددًا من دون أن يكون لهم رد فعل، وإن كان لهم كل الفعل في تقويتهم.
    عمل هولاكو في أربعة محاور رئيسة، وبصورة متناسقة؛ لتزيد فرصة انتصاره على الخلافة العباسية، وإسقاط عصمتها بغداد، وكل هذا قبل تحريك الجيوش والنزول الفعلي إلى ساحة المعركة، وقد تكلمنا – في مقال خطة هولاكو لهدم الخلافة - عن محورين من أربعة المحاور هما:
    - إعداد الطرق الموصلة إلى بغداد.
    - وإشعال الحرب النفسية في صدور المسلمين.
    وفي هذا المقال نضيف إليهم المحورين الآخرين وهما من الخطورة والغرابة بمكان.
    المحور الثالث: الاستعداد السياسي والدبلوماسي:
    بدأ التتار في محاولة عقد بعض الأحلاف السياسية مع بعض الأطراف وموازين القوى المختلفة؛ وذلك لضمان نجاح المهمَّة الكبيرة، وهذا تغيُّر كبير في السياسة التترية التي ما عرفت قبل ذلك تحالفًا ولا دبلوماسية.


    ولما كانت هذه نقطة تحوُّل في السياسة التترية، وفي الوقت ذاته كانت هذه الأحلاف في منتهى الخطورة؛ فقد تكفَّل بالقيام بهذه المعاهدات الخاقان الكبير «منكوخان» شخصيًّا، ولم يترك فيها حرية التصرُّف «لهولاكو»، وإن كان هولاكو من أكثر الناس الذين يعتبر برأيهم في هذا المجال.



    1- استقبل «منكوخان» زعيم التتار سفارة صليبية أُرسلت في سنة 651 هجرية من قِبَل «لويس التاسع» ملك فرنسا[1]، الذي ما يئس من إمكانية التعاون مع التتار، وكان بالطبع يُكِنُّ حقدًا كبيرًا على المسلمين لهزيمته في موقعة المنصورة سنة 648 هجرية، (منذ ثلاث سنوات فقط)، وكان يتزعَّم السفارة راهب دومينيكاني اسمه «وليم روبروك»، ومَثُل فعلاً بين يدي «منكوخان»، وبدأت المفاوضات للتعاون، ولكن سرعان ما فشلت هذه المفاوضات، والسبب أن «منكوخان» كان رجلاً صريحًا للغاية؛ فلم يكن دبلوماسيًّا بما يكفي لإبرام معاهدات أو عقد أحلاف، ولم يكن يعرف السياسة من وجهة نظر الغرب، ولم يكن يعرف الطرق الغربية الملتوية، وتنميق الألفاظ، واختيار العبارات، والحصول على ما تُريد دون أن يشعر الطرف الآخر أنه يُفَرِّط، ولم يكن يعرف شيئًا عن النفاق الأوربي، أو عن الابتسامة الأوربية التي تُخفي وراءها كل الحقد، لم يكن يعرف كل ذلك؛ إنما كان رجلاً سهلًا واضحًا، مباشرًا في كلامه، محددًا في رغباته[2].
    لقد قال «منكوخان» في بداية مفاوضاته: إنه لا يقبل أن يكون في العالم سيد سواه[3]! وإنه لا يعرف كلمة «صديق» إنما يعرف كلمة «تابع»! فأصدقاؤه هم مَنْ يتبعونه، ويُعلنون الولاء له والطاعة، وأعداؤه هم الذين يُحاربونه، أو الذين لا يقبلون طاعته، وهؤلاء ليست بينه وبينهم مفاوضات، إنما لهم السيف والإبادة.
    سياسة «القطب الواحد» في العالم!
    يُقَسِّم العالم إلى دولة «صديقة» أي: تابعة، ودولة «مارقة» أي: معادية!
    وبالطبع رفض ملك فرنسا أن يتحالف على أساس هذا الشرط؛ ومن ثَمَّ فشلت المفاوضات الأولى بين التتار وبين نصارى غرب أوربا[4].
    2- وإذا كان نصارى غرب أوربا وملوكها القدماء يرفضون التعاون مع «منكوخان» على أساس التبعية؛ فهناك من الملوك الآخرين مَنْ يقبل بذلك، ويعتبره نوعًا من الواقعية.

    هولاكو خان يسيرُ على رأس جيشه العرمرميّ.

    لقد فكر «هيثوم» ملك أرمينيا النصرانية في التحالف مع التتار على أساس التبعية كما يُريد «منكوخان»؛ فملك أرمينيا يعلم قوَّة التتار؛ فبلاده قد دُمِّرت من قَبْلُ على أيديهم في عهد جنكيزخان، ثم في عهد أوكيتاي، كما يعلم أن دولته ضعيفة هزيلة، لا تُقارن بأي حال من الأحوال مع دولة التتار؛ فمساحة أرمينيا أقل من 30 ألف كيلومتر مربع، ويعلم ملك أرمينيا -أخيرًا- أنه محصور بين قوَّات التتار من جهة، وقوَّات المسلمين من جهة أخرى، والعداء قديم جدًّا بينه وبين المسلمين، وهو يتحرَّق شوقًا لغزو بلاد المسلمين وإسقاط الخلافة العباسية، وإن لم يقبل الآن بالتبعية للتتار فسيُرغم عليها غدًا، وساعتها سيفقد ملكه بلا ثمن.
    كل هذا دفع «هيثوم» ملك أرمينيا أن يذهب بنفسه لمقابلة «منكوخان» في قراقورم عاصمة المغول، ويبدو أن منكوخان قد بدأ يتعلَّم طرق السياسة، وبدأ يتعلَّم الاعتماد على المظاهر والكلمات المنمَّقة المختارة؛ فقد أقام «منكوخان» احتفالاً كبيرًا، واستقبالاً رسميًّا مهيبًا «لهيثوم» ملك أرمينيا، وعامله كملك لا كتابع، وإن كانت كل بنود الاتفاق بينهما لا تصلح إلا بين سيد وتابع، لا ملك وملك.
    فبعد الاستقبال الحافل لملك أرمينيا (الذي قَدَّم نفسه على أنه من رعايا «منكوخان») بدأ منكوخان يُعطي وعودًا كبيرة وهدايا عظيمة إلى هذا الملك، وهو يشتري بذلك ولاءه وتبعيته؛ فماذا أعطاه «منكوخان»؟
    لقد أعطاه ما يلي:



    1- ضمان سلامة الممتلكات الشخصية للملك «هيثوم».
    2- إعفاء كل الكنائس المسيحية والأديرة من الضرائب.
    3- مساعدة الأرمن في استرداد المدن التي أخذها السلاجقة المسلمون منهم خلال الحروب التي دارت بينهم.
    4- اعتبار ملك أرمينيا كبير مستشاري الخاقان الكبير «منكوخان»؛ وذلك فيما يختصُّ بشئون غرب آسيا[5].
    وهكذا سعد ملك أرمينيا «هيثوم» بقربه من ملك التتار.
    ولكن يجب أن نتساءل:
    في مقابل ماذا كان هذا العطف التتري على ملك أرمينيا النصراني؟!
    إن الناظر للقوى العسكرية في ذلك الوقت يجد أن القوَّة العسكرية لأرمينيا لا تُقارن بالمرَّة بقوَّة التتار، وقد لا تُضيف إليها عددًا مؤثِّرًا؛ فلماذا يتواضع ملك التتار ويعقد معاهدة مع ملك أرمينيا؟
    الناظر والمحلِّل لهذا الحدث يجد ما يلي:
    أولاً:
    ملك التتار سيستفيد من خبرة ملك أرمينيا في حرب المسلمين؛ فالعلاقة بين الأرمن والمسلمين قديمة، وقد فهم الأرمن بلاد المسلمين وطبائعهم، ولا شكَّ أن المعلومات الصادقة التي سيحملها ملك أرمينيا إلى ملك التتار سيكون لها أبلغ الأثر في حرب المسلمين، (تمامًا كما تحالفت أميركا القوية مع إنجلترا الضعيفة فقط لأن عندها خِبرة بأرض المسلمين، بالتحديد أرض العراق).


    ثانيًا:
    سيحتاج ملك التتار إلى أعوان لإدارة هذه الأملاك الواسعة، فإذا كان المدير من أهل البلد، وله ولاء ووفاء له فهو أفضل من الإدارة الخارجية، وأقدر على التحكُّم في الموقف، وأقوى على تهدئة غضب الشعوب.


    ثالثًا:
    بهذه الخطوة يفتح ملك التتار «منكوخان» باب المعاملات مع النصارى من جديد؛ الذين قد يحتاجهم بعد ذلك عند استكمال فتوحاته في داخل الشام ومصر، وقد يحتاج إلى ملك أرمينيا في استئناف المفاوضات مع ملوك أوربا، هذا إضافة إلى أنه يعلم أن في قلوب النصارى كراهية شديدة للتتار؛ وذلك بسبب المذابح البشعة التي قام بها التتار في روسيا وشرق أوربا؛ وقد تكون فرصة المعاهدة مع ملك أرمينيا داعية إلى شيء من التعاون لرعاية المصالح المشتركة.

    رابعًا:
    الاتحاد مع مملكة أرمينيا سيكون له عامل نفسي عند المسلمين؛ فالحرب مع التتار شيء، والحرب مع قوَّات «التحالف» شيء آخر! نعم القوَّات المتحالفة مع التتار لا تمثِّل شيئًا يُذكر في الجيش التتري؛ ولكن كلمة «التحالف» لها وقع خاص في نفوس الناس.


    خامسًا:

    قد تُوكل إلى القوات الأرمينية المتحالفة مع التتار بعض المهامِّ الخطِرة، التي قد يرغب ملك التتار في تجنُّبها؛ وبذلك تكون الخسارة البشرية في جانب الأرمن بدلاً من التتار.

    وهكذا فالناظر إلى هذه المفاوضات بين التتار والأرمن يجد أن التتار لم يخسروا شيئًا مطلقًا، وأن المفاوضات بين سيد يملك كل شيء، وبين تابع لا يملك أي شيء، وهكذا يفعل الزعماء الكبار في العالم؛ فإنهم يعقدون معاهدات مع ملوك صغار لا يحملون من صفات الملك إلا الاسم فقط، ويوكلون إليهم القيام بمهامَّ كثيرة، ولا يكون المقابل أكثر من السماح لهم بمجرَّد العيش إلى جوارهم في الأرض، مع إمكانية منحهم بعض الألقاب الفخرية مثل: «كبير مستشاري ملك التتار لشئون غرب آسيا» أو لقب: «الملك الصديق»، أو «الدولة الصديقة»، أو «العلاقات الحميمة بين البلدين»، أو «فخامة الرئيس»، أو «جلالة الملك».
    مجرَّد ألقاب لا تسمن ولا تغني من جوع، والواقع الحقيقي أن القوَّة التي بيد التتار هي التي فرضت بنود المعاهدة، وهذا يحدث ويتكرَّر في كل الأزمان والأمكنة؛ فالحقوق لا تُحمى إلاَّ بالقوَّة.
    وهكذا عاد ملك أرمينيا «هيثوم» منتشيًا بمعاهدته، فخورًا بعلاقته مع ملك التتار، مُعَظَّمًا في شعبه؛ لأنه استطاع بسياسته التي يُسَمُّونها «حكيمة» أن يُجَنِّب مملكته ويلات الحروب!
    3- كان من رغبات «منكوخان» -أيضًا- أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية في الشام، وكان لهم أكثر من مملكة في أنطاكية وطَرَابُلُس وصيدا وحيفا وعكا؛ وذلك ليشغلوا المسلمين في منطقة الشام فلا يُدافعون عن الخلافة العباسية إذا هوجمت.
    ولتشجيع هؤلاء الأمراء الصليبيين؛ فقد أوصل لهم ملك التتار طلب التحالف مع «صديقه» الجديد ملك أرمينيا، الذي بدأ يقوم بدور السفير التتري في هذه المنطقة؛ ولزيادة التشجيع فإن ملك التتار وعد الأمراء الصليبيين في الشام بأن يُعطيهم بيت المقدس«هدية» لهم في حال اتفاقهم معه، (وكان بيت المقدس قد حُرِّر مرَّة ثانية على يد الملك الصالح أيوب سنة 643 هجرية بعد أن أهداه أمراء الشام الأيوبيون إلى الصليبيين سنة 626هـ)؛ وكأن منكوخان يملك بيت المقدس، وله الحقُّ في إهدائه! وهكذا وعد مَنْ لا يملك بإعطاء مَنْ لا يستحق.. والتاريخ يتكرَّر بحذافيره!
    ومع كل هذا التشجيع؛ فإن أمراء الممالك الصليبية بالشام تردَّدُوا كثيرًا في قبول هذه الاتفاقيات، باستثناء أمير أنطاكية «بوهيموند السادس» الذي استحسن هذا الأمر، وانضمَّ فعلاً إلى ملك التتار.
    أمَّا لماذا لم يستحسن بقية الأمراء الصليبيين في الشام هذه الفكرة؟ فذلك لأنهم:



    أولاً:
    يعلمون أن التتار لا عهد لهم، وقد يبيعونهم دون ثمن، أو يُضَحُّون بهم في مقابل أي شيء، أو ربما دون مقابل.


    وثانيًا:
    لأنهم في قلب العالم الإسلامي، وخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار، بل لعلَّها خطورة أقرب؛ ومن ثَمَّ لم يتحمَّس هؤلاء الأمراء للتحالف المعلن مع التتار، وإن كانوا لم يرفضوا الأمر صراحة، وتعاملوا مع الطلب بالطريقة السياسية النفاقية المعروفة، مع شيء من الابتسامة وبعض كلمات التبجيل، واختاروا أن يقفوا على الحياد بصورة مؤقَّتة إلى أن ترجح إحدى الكفتين: التتارية أو الإسلامية، وهنا سوف يُسارعون إلى الفئة المنتصرة: يُصافحون ويُباركون ويُهَنِّئون ويُؤَيِّدون.. ويعتذرون أنه لولا «الظروف القاسية» التي كانت تمرُّ بها بلادهم لهان عليهم كل شيء في سبيل راحة المنتصر.. وهذا ما يُسميه البعض «سياسة»!


    4- سعى «منكوخان» -أيضًا- إلى عقد بعض الاتفاقات مع نصارى الشام والعراق، وهؤلاء ليسوا من الأمراء أو الملوك، ولكنهم من النصارى الذين يعيشون في كنف الإمارات الإسلامية في الشام، أو في الخلافة العباسية في العراق؛ وهذه بالطبع لم تكن اتفاقات رسمية ولا معلنة، وإنما كانت اتفاقات سرية مع بعض رءوس النصارى، ومع بعض القساوسة؛ وذلك لتسهيل مهمَّة دخول التتار إلى هذه البلاد، ولنقل الأخبار من وإلى التتار، وقد نجح «منكوخان» فعلاً في الوصول إلى عدد كبير من هؤلاء النصارى، وعلى رأسهم بطريرك بغداد شخصيًّا، وكان اسمه «ماكيكا»، وكان عاملاً مساعدًا مهمًّا في دخول بغداد.
    5- عقد «منكوخان» -أيضًا- معاهدات مع مملكة الكُرْج النصرانية (في جورجيا الآن)، ومع أن تاريخ التتار مع مملكة الكُرْج كان تاريخًا أسود؛ فإن تاريخ الكُرْج مع المسلمين لم يكن أقلَّ سوادًا؛ ومن ثَمَّ فضَّل نصارى الكُرْج التعاون مع عدوِّهم الجديد التتار ضدَّ عدوِّهم القديم المسلمين؛ وذلك لأمرين؛ الأول: هو أن التتار لهم القوَّة الأعلى، ويغلب على الظنِّ جدًّا أن ينتصروا. وثانيًا: لأن الحرب بين النصارى والمسلمين حرب عقائديَّة أبديَّة -كما ذكرنا من قبلُ- والكراهية أصيلة بين الطرفين، ولا تغيُّر في العقيدة؛ ولذلك لا تغيُّر في الكراهية، وغياب الكراهية لن يكون إلا بغياب العقيدة؛ قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة: 217].
    أمَّا الحرب مع التتار فهي حرب مصالح؛ فإذا تعارضت المصالح حدثت الحرب، وإذا اتفقت المصالح حدث الوئام والألفة والصداقة، وإذا اتفقت مصالح مملكة الكُرْج النصرانية مع مصالح التتار الوثنية، فلا مانع من السير معًا في طريق واحد، وهذا -أيضًا- مما يسمونه: «سياسة»!
    6- وإذا كانت كل هذه المفاوضات والمعاهدات في كفة؛ فالمفاوضات التي سأذكرها الآن في كفة أخرى؛ ليس لأهميتها فقط ولكن لغرابتها، أو قل: لبشاعتها!
    فهذه المعاهدات عُقدت مع بعض «أمراء المسلمين» لتسهيل ضرب «بلاد المسلمين»!
    ولَمْ يعقد «منكوخان» هذه المعاهدات بنفسه؛ لأنه استهان جدًّا بهؤلاء الأمراء؛ فقد كان كل واحد منهم لا يملك سوى بضعة كيلومترات، ومع ذلك يُسَمِّي نفسه أميرًا، بل ويُلَقِّب نفسه بالألقاب الفاخرة؛ مثل: المعظم، والأشرف، والعزيز، والسعيد.. وغير ذلك.
    وكَّل «منكوخان» أخاه هولاكو في عقد هذه الاتفاقيات المخزية؛ فجاء أمراء المسلمين الضعفاء يُسارعون في موالاة ومعاونة التتار الأقوياء.. {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة: 52].
    فجاء إلى هولاكو «بدر الدين لؤلؤ[6]» أمير الموصل ليتحالف معه[7].
    وجاء سلطانَا السلاجقة؛ وهما «كيكاوس الثاني»، و«قلج أرسلان الرابع» ليتحالفا -أيضًا- مع هولاكو[8]، وكانا في مكان حساس جدًّا؛ فهما في شمال العراق (تركيا الآن)، وتحالفهما يُؤَدِّي إلى حصار العراق من الشمال، وقد كان أسلوب كيكاوس الثاني في التزلف إلى التتار مخزيًا جدًّا إلى الدرجة التي صدمت التتار أنفسهم!
    ورضخ -أيضًا- «الناصر يوسف» أمير حلب ودمشق[9]، ومع كونه حفيد «الناصر صلاح الدين الأيوبي» ، بل شبيهه في الاسم واللقب؛ فإنه لم يكن يُشبهه في شيء من الأخلاق أو الروح، بل كان مهينًا إلى الدرجة التي أرسل ابنه «العزيز» لا ليُقَدِّم إلى هولاكو فروض الطاعة فقط، بل ليبقى معه في جيشه كأحد أمرائه!



    وكذلك جاء «الأشرف الأيوبي» أمير حمص ليُقَدِّم ولاءه لزعيم التتار[10].
    لقد كانت هذه التحالفات في منتهى الخطورة؛ فهي -إضافة إلى مهانتها وحقارتها- قد زادت جدًّا من قوَّة التتار، الذين أصبحوا يُحاصرون العراق من كل مكان، ويعرفون أخبار البلاد من داخلها، وفوق ذلك فإن هذه التحالفات أدَّت إلى إحباط شديد عند الشعوب التي رأت حكامها على هذه الصورة المخزية؛ فضعفت الهمم، وفترت العزائم، وعُدِمَت الثقة في القادة؛ ومن ثَمَّ لم يَعُدْ لهم طاقة بالوقوف في وجه التتار.
    كانت هذه الاتفاقيات جريمة بكل المقاييس!
    7- ووصل هولاكو -أيضًا- في مجهوده السياسي والدبلوماسي إلى شخصية خطيرة في البلاط العباسي نفسه؛ فقد وصل إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية، وهو الشخصية الثانية في الدولة بعد الخليفة، وهو الوزير «مؤيد الدين العلقمي الشيعي[11]»[12]!
    كان مؤيد الدين رجلاً فاسدًا خبيثًا رافضيًّا؛ (شيعيًّا يرفض خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ويسبهما هما وأمهات المؤمنين وعامَّة الصحابة)، وكان شديد التشيع؛ كارهًا للسُّنَّة ولأهل السُّنَّة، ومن العجب أنه يصل إلى هذا المنصب المرموق وهو على هذه الصفة، وفي دولة سُنِّيَّة تحمل اسم الخلافة، ولا شكَّ أن هذا كان قلَّة رأي، وضحالة فكر، وسوء تخطيط من الخليفة المستعصم بالله الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الرفيع.
    روى البخاري عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلاَّ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ»[13].
    وهذا الوزير ممن ينطبق عليهم وصف «بطانة السوء»، ولا يخفى على عاقل كيف يكون دور بطانة السوء في فساد البلاد، وهلاك العباد.
    والأسوأ من ذلك أن هذا الوزير لم يبقَ في مكانه شهرًا أو شهرين أو عامًا أو عامين! وإنما بقي في مكانه أربع عشرة سنة كاملة، من سنة 642 هجرية إلى سنة 656 هجرية وقت سقوط بغداد، وإذا مرَّت كل هذه الفترة دون أن يُدرك الخليفة خطورته، فلا شكَّ أن هذا دليل واضح على خفَّة عقل الخليفة.
    لقد اتصل هولاكو بمؤيد الدين العلقمي الشيعي، مستغلاًّ فساده وتشيعه وكراهيته للسُّنَّة، واتَّفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد، والمساعدة بالآراء الفاسدة، والاقتراحات المضلِّلة التي يُقَدِّمها للخليفة العباسي المستعصم بالله؛ وذلك في مقابل أن يكون له شأن في «مجلس الحكم» الذي سيُدير بغداد بعد سقوط الخلافة والتخلُّص من الخليفة، وقد قام الوزير الفاسد بدوره على أكمل ما يكون؛ وكان له أثر بارز على قرارات الخليفة، وعلى الأحداث التي مرَّت بالمنطقة في تلك الأوقات.
    بالاطلاع على هذه الجهود الدبلوماسية، التي قام بها «منكوخان» و«هولاكو» يتبين أنهما بذلا جهدًا كبيرًا ضخمًا للإعداد لهذه الحملة الرهيبة، والتي تهدف إلى أمر خَطِر لم يحدث قبل ذلك في الدنيا.. ولو مرَّة واحدة، وهو إسقاط عاصمة الخلافة الإسلامية.
    وخلاصة الجهود الدبلوماسية التترية أنهم تعاونوا تعاونًا قويًّا مهمًّا مع ملوك أرمينيا والكُرْج وأنطاكية النصارى، وحيَّدُوا إلى حدٍّ كبير جانب حكام الإمارات الصليبية بالشام، وأقاموا تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق، وكذلك تحالفوا مع بعض أمراء المسلمين، ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين العلقمي الشيعي. ولا شكَّ أن هذه الجهود الدبلوماسية كان لها دور ملموس في إنجاح الخطة التترية لإسقاط الخلافة الإسلامية.

    ويجدر القول هنا: إن المسلمين بصفة عامَّة -إلاَّ مَنْ ندر- كانوا يُراقبون الموقف عن بعد وكأنه لا يعنيهم، أو وهم يشعرون بإحباط قاتل يمنع أي متحمِّس من القيام أو الحركة، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
    المحور الرابع: إضعاف جيوش الخلافة العباسية:

    وقد عمد هولاكو إلى أن يطلب من الوزير الفاسد «مؤيد الدين العلقمي» أن يُقنع الخليفة العباسي «المستعصم بالله» أن يُخَفِّض من ميزانية الجيش[14]، وأن يُقَلِّل من أعداد الجنود، وأن لا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح والحرب؛ بل يُحَوِّل الجيش إلى الأعمال المدنية من زراعة وصناعة.. وغيرها، والجميع يرى اليوم اشتغال الجند في بعض بلاد المسلمين بزراعة الخضراوات وبناء الجسور.. وأعمال المخابز والنوادي! دون كبير اهتمام بالتدريب والقتال والسلاح والجهاد!


    وقد قام بذلك فعلاً الوزير العميل مؤيد الدين العلقمي، وهذا لا يُستغرب من مثله، ولكن الذي يُستغرب فعلاً أن الخليفة قَبِلَ هذه الأفكار المخجلة، وذلك كما أشار عليه الوزير الفاسد؛ حتى لا يُثير حفيظة التتار، وليُثبت لهم أنه رجل سلام ولا يُريد الحروب! لقد قام الخليفة فعلاً بخفض ميزانية التسليح، وقام -أيضًا- بتقليل عدد الجنود؛ حتى أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله؛ وذلك في سنة 640 هجرية، أصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654 هجرية[15]! وهذا يعني هبوطًا مروعًا في الإمكانيات العسكرية للخلافة، ليس هذا فقط بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر والضياع؛ حتى إنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق! وأُهملت التدريبات العسكرية، وفَقَدَ قوَّاد الجيش أيَّ مكانة لهم، ولم يَعُدْ يُذكر من بينهم مَنْ له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة، ونسي المسلمون فنون القتال والنزال، وغابت عن أذهانهم معاني الجهاد!

    وهذه والله الخيانة الكبرى.. والجريمة العظمى!

    ويُلقي ابن كثير : باللوم الكامل على مؤيد الدين العلقمي في نصائحه للخليفة المستعصم بالله، ولكني أُلقي باللوم الأكبر على الخليفة ذاته، الذي قَبِلَ بهذا الهوان، ورضي بهذا الذلِّ، وغاب عن ذهنه أن من أهم واجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن والأمان، وأن يُدافع عن ترابه وأرضه ضدَّ أيِّ غزو أو احتلال، وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه، وتسليح جنده، وأن يُرَبِّيَ الشعب بكامله -لا الجيش فقط- على حبِّ الجهاد والموت في سبيل الله عز وجل.

    لم يفعل الخليفة المستعصم بالله كل ذلك، ولا عذر له عندي؛ فقد كان يملك من السلطان ما يجعله قادرًا على اتخاذ القرار؛ لكن النفوس الضعيفة لا تقوى على اتخاذ القرارات الحاسمة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


    [1] محمود سعيد عمران: المغول وأوربا ص232.
    [2] رنسيمان ص511 ، Rubruck: pp165- 186.
    [3] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص75.
    [4] المرجع السابق.
    [5] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص78.
    [6] بدر الدين لؤلؤ: صاحب الموصل، كان بدر الدين لؤلؤ هذا أرمنيًّا، اشتراه رجل خياط، ثم صار إلى الملك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي آقسنقر الأتابكي صاحب الموصل، وقد بلغ من العمر قريبًا من تسعين.
    [7] ابن كثير: البداية والنهاية 13/248.
    [8] ابن الوردي: تاريخ ابن الوردي 2/195.
    [9] ابن كثير: البداية والنهاية 13/249.
    [10] أبو الفداء الملك المؤيد: المختصر في أخبار البشر 3/202.
    [11] مؤيد الدين العلقمي [593 -656هـ]: هو محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن أبي طالب، الوزير مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي، كان رافضيًّا خبيثًا رديء الطوية على الإسلام وأهله، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصل لغيره من الوزراء، ثم مالأ على الإسلام وأهله الكفارَ، دفن في قبور الروافض، وقد سمع بأذنيه ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحدُّ ولا يوصف.
    [12] الذهبي: تاريخ الإسلام 48/38.
    [13] البخاري: كتاب القدر، باب المعصوم من عصم الله [6611].
    [14] كمال الدين أبو الفضل: الحوادث الجامعة ص154.
    [15] ابن كثير: البداية والنهاية 13/234.


    منقول بتصرف




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (4)
    (656هـ 1258م)
    تحزيب الأحزاب لحصار بغداد
    (23)
    أدرك هولاكو أن المناخ أصبح ملائمًا للهجوم المباشر على الخلافة العباسية وإسقاط بغداد؛ فبدأ عملية حشد هائلة للجنود نتعرف عليها في هذا المقال.





    مضى خمس سنوات كاملة من الإعداد والتجهيز المغولي للحرب الكبيرة على بغداد، وفي هذه السنوات:
    - أصبحت كل الطرق بين الصين والعراق قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الجيوش التترية، وصُنعت العربات اللازمة لنقل المعدَّات الثقيلة، وفُرِّغت السهول والطرق من المواشي لترك الأعشاب لخيول التتار.
    - سيطر التتار على كل المحاور المهمَّة في المساحات الشاسعة التي تقع بين الصين والعراق؛ وبذلك تحقَّقت مهمَّة تأمين الجيوش التترية أثناء سيرها واختراقها لهذه الأراضي.
    - توافرت لدى هولاكو المعلومات الكافية عن أرض العراق، وتحصينات بغداد، وأعداد الجنود العباسيين وحالتهم العسكرية، واطَّلع اطِّلاعًا كاملاً على خبايا الاقتصاد الإسلامي، وتوافرت له -أيضًا- معلومات عن عناصر القوَّة والضعف في الخلافة العباسية، وعن الأسماء التي لها دور في تغيير مسار الأحداث، وكذلك جمع المعلومات عن حالة الناس النفسية، وعن طموحاتهم ورغباتهم.
    كل هذه المعلومات توافرت له عن طريق عيونه الكثيرة، ومخابراته الماهرة، واتصالاته مع بعض الرموز المهمَّة في البلاد الإسلامية، والتي وصلت أحيانًا إلى الاتصالات مع الأمراء والوزراء كما وضحنا.
    - عقد التتار معاهدات وتحالفات مع نصارى الأرمن والكُرْج وأنطاكية، وأخذوا الوعود منهم بالمساعدة العسكرية والمخابراتية في المعركة القادمة.
    - تم تحييد ملوك أوربا الغربية، ولم يكن هذا التحييد سياسيًّا في المقام الأول؛ إنما كان عن طريق السلطان وفرض الكلمة بقوَّة الرأي والسلاح.
    - تمَّ الاتفاق مع معظم أمراء الممالك الإسلامية المحيطة بشمال وغرب العراق (تركيا وسوريا) على أن يُعطوا الولاء الكامل، والمساعدة غير المشروطة لهولاكو؛ وذلك في حال حربه مع الخلافة العباسية، وللأسف فمعظم هؤلاء الأمراء كانوا من الأكراد من حفدة صلاح الدين الأيوبي!



    - تأكَّد هولاكو من انهيار الروح المعنوية عند المسلمين في العراق وما حولها، واستوى في ذلك الحكَّام والمحكومون.
    - أقام هولاكو علاقات وثيقة مع وزير الدولة الأول مؤيد الدين العلقمي الشيعي، وضمن ولاءه التامَّ له.
    - تيقَّن هولاكو من ضعف جيش الخلافة العباسية وقلَّة حيلته، وأدرك أنه لا يستطيع بأي حال أن يُدافع عن نفسه فضلاً عن بغداد!
    - أدرك هولاكو كل شيء عن الخليفة «المستعصم بالله» خليفة المسلمين، وعرف إمكانياته، وقدَّر طاقته، وعلم نقاط ضعفه.
    تمَّت كل هذه الأمور واكتملت لهولاكو في سنة 654 هجرية.
    وبناءً عليه أدرك هولاكو أن المناخ العامَّ أصبح ملائمًا للهجوم المباشر على الخلافة العباسية، وإسقاط بغداد؛ فبدأ عملية حشد هائلة للجنود التتار؛ ليجمع بذلك أكبر جيوش للتتار على الإطلاق منذ قامت دولة جنكيزخان؛ بحيث كان الجنود المكلَّفُون بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي، هذا بخلاف الأعداد الهائلة من الجنود المنتشرة في شمال العراق وشرقه، والقوَّات المكلفة بحماية الطرق وتأمين الإمداد والتموين، هذا غير الفرق المساعدة للجيش سواء فرق الإمداد والتموين، أو فرق الاستطلاع والمراقبة.
    ونستطيع أن نتبيَّن تركيبة الجيش التتري كما يلي:
    أولاً:
    الجيش التتري الأصلي؛ الذي كان يتمركز منذ سنوات في منطقة فارس وأَذْرَبِيجَان شرق العراق.


    ثانيًا:
    استدعى هولاكو فرقة من جيش التتار المتمركزة في حوض نهر الفولجا الروسي، والتي كانت تحت زعامة القائد التتري الشهير «باتو» (فاتح أوربا)، ولكن باتو لم يأتِ بنفسه؛ وإنما أرسل ثلاثة من أبناء أخيه، وكان «باتو» وعائلته قد كوَّنُوا دولة مستقرَّة في منطقة حوض نهر الفولجا، وأطلقوا على أنفسهم اسم
    القبيلة الذهبية، ومع استقلالهم النسبي في إدارة أمورهم؛ فإنهم كانوا في النهاية يتبعون زعيم التتار «منكوخان».


    ثالثًا:
    أرسل هولاكو في طلب فرقة من جيش التتار المكلَّف بفتح أوربا؛ الذي كان يتمركز على أطراف الأناضول (شمال تركيا)، فجاءت الفرقة وعلى رأسها القائد المغولي الكبير «بيجو»، وقد جاءت هذه الفرقة مخترقة الأناضول وشمال العراق ومُتَّجِهة إلى بغداد، ولم تلقَ أي نوع من المقاومة أثناء هذا الطريق الطويل؛ لأن حُكَّام هذه المناطق المسلمة كانوا قد أفرغوا المجال الأرضي لقوَّات التتار، فسارت في أمان وسط إمارات الأناضول والموصل وحلب وحمص!


    رابعًا:
    أرسل هولاكو إلى «صديقه» ملك أرمينيا يطلب المساعدة؛ فجاءه «هيثوم» ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من جيشه.


    خامسًا:
    طلب هولاكو -أيضًا- من ملك الكُرْج أن يُرسل فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب فورًا[1].


    سادسًا:
    استدعى هولاكو ألفًا من الرماة الصينيين المهرة؛ الذين اشتهروا بتسديد السهام المحمَّلة بالنيران[2].


    سابعًا:
    وضع هولاكو على رأس جيوشه أفضل قوَّاده، وكان اسمه «كتبغا نوين[3]» [4]، وفوق إمكانياته القيادية والمهارية فإنه كان نصرانيًّا؛ وبذلك يستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الجيش، وبذلك ضمَّ الجيش التتري بين صفوفه ثلاثة من أمهر القادة العسكريين في تاريخ التتار، وهم هولاكو وكتبغا وبيجو.


    ثامنًا:

    بوابة عشتار التاريخية
    راسل هولاكو أمير أنطاكية «بوهيموند السادس»، ولكن تعذَّر عليه أن يخترق الشام كله للذهاب إلى العراق، ولكنه كان على استعداد تامٍّ للحرب، فإذا سقطت العراق شارك في إسقاط الشام.

    تاسعًا:
    أرسل الناصر يوسف أمير دمشق ابنه العزيز ليكون في جيش هولاكو.


    عاشرًا:
    أرسل أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ فرقة مساعدة لجيش التتار[5].


    وهاتان الفرقتان وإن كانتا هزيلتين؛ فإنهما كانتا تحملان معاني كثيرة، فهناك في جيش التتار مسلمون يشتركون مع التتار في حرب المسلمين! بل قد يُشارك في عملية «تحرير العراق» عراقيون متحالفون مع التتار! عراقيون باعوا كل شيء في مقابل كرسي صغير، أو إمارة تافهة، أو دارهم معدودات، أو مجرَّد حياة.. أي حياة!
    وبهذا الإعداد رفيع المستوى اكتمل الجيش التتري، وبدأ في الزحف من فارس في اتجاه الغرب إلى العراق، وبدأ هولاكو يضع خطَّة المعركة.
    وبدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غرب فارس وشرق العراق سوف تمثِّل خطورة على الجيش التتري؛ فطائفة الإسماعيلية مشهورة بقوَّة القتال، وبالحصون المنيعة، وهي طائفة لا عهد لها ولا أمان؛ ومع أن التتار يعلمون أن الإسماعيلية كانوا على خلاف شديد مع الخلافة العباسية، ومع أنهم راسلوا قبل ذلك التتار ليدلُّوهم على ضعف جلال الدين بن خُوارِزم قبل مقتله في سنة 629 هجرية، ومع أنهم من المنافقين الذين يتزلَّفون لأصحاب القوَّة، مع كل هذه الاعتبارات فإن التتار لم يكونوا يأمنون أن تتحرَّك الجيوش التترية إلى العراق، ويتركون في ظهرهم قوَّات عسكرية للإسماعيلية، هذا إضافة إلى ثأر قديم كان بين التتار والإسماعيلية؛ فقد قتلت الإسماعيلية ابنًا من أبناء جنكيزخان اسمه «جغتاي[6]»، وذلك أيام حملة جنكيزخان على فارس، منذ أكثر من ثلاثين سنة!



    لم ينسَ التتار هذا الثأر؛ لأنه يخصُّ ابن الزعيم الأكبر لهم، والذي جعل منهم مملكة لها شأن في الدنيا، كما أن حكام التتار من عائلة جنكيزخان نفسها، ويعتبرون الثأر من الإسماعيلية مسألة شخصية بحتة؛ حتى إن الجيوش التترية كانوا يصحبون معهم في حربهم ابنة «جغتاي» القتيل القديم؛ وذلك لزيادة حماستهم في القتال، ولكي تقوم بنفسها بالثأر لأبيها.

    نهر دجلة في وسط بغداد ، عاصمة العراق

    كل هذا دفع التتار إلى العزم على التخلُّص من الإسماعيلية نهائيًّا، وصدرت الأوامر من قراقورم بمنغوليا بإبادة هذه الطائفة من على الوجود.

    وتحرَّكت الجيوش الهائلة صوب معاقل الإسماعيلية، واقتربت من أقوى حصونهم على الإطلاق وهو حصن «آلموت» في غرب فارس، وما هي إلاَّ أيام حتى تمَّ تطويق الحصن المنيع، ولما شاهد زعيم الإسماعيلية «ركن الدين خورشاه» هذه الأعداد التي لا تُحصى طلب أن يُقابل هولاكو، وقبل هولاكو ليختصر الوقت؛ فالإسماعيلية ليست إلا محطة صغيرة قبل الوصول إلى بغداد، والتقى هولاكو بركن الدين خورشاه الذي أعلن خضوعه الكامل لهولاكو، وتسليمه للقلعة الحصينة[7]، ولكن قائد القلعة رفض التسليم، وصمَّم على القتال عاصيًا بذلك أمر قائده ركن الدين خورشاه، ففتح التتار القلعة عَنْوَة بعد ذلك بأيام، وذبحوا كل مَنْ فيها، وطلب ركن الدين خورشاه من هولاكو أن يرسله إلى «منكوخان» ليتفاوض معه شخصيًّا في تسليم كل قلاع الإسماعيلية في مقابل بعض الوعود، وقد أرسله فعلاً هولاكو إلى منكوخان محاطًا بفرقة تترية، ولكن منكوخان رفض أن يُقابله واستحقره جدًّا؛ وقال: «إن هولاكو قد أخطأ بإرهاق الخيول التترية الجيدة في هذه الرحلة الطويلة من أجل هذه السفارة التافهة». ثم أمر جنوده بإعادة ركن الدين خورشاه إلى فارس، وفي الطريق قُتل ركن الدين خورشاه كما يقولون «في ظروف غامضة». وإن كانت الظروف ليست بغامضة؛ فمن الواضح أن «منكوخان» قد أوصى بقتله، ولكن خارج البلاط المغولي؛ لئلاَّ يُتَّهم البلاط بالغدر[8]!
    وبعد قتل ركن الدين خورشاه قام «هولاكو» بخدعة خبيثة قذرة في مناطق الإسماعيلية، فقد أظهر لهم أنه على استعداد للاتفاق معهم، والتعاون معًا لدخول بغداد، وطلب من قواد الإسماعيلية أن يقوموا باستدعاء الإسماعيلية من كل مكان؛ حتى يقوم التتار بعملية إحصاء لأعداد الإسماعيلية، وعلى ضوء هذا الإحصاء سيكون الاتفاق، فإن هولاكو -كما يزعم- يخشى أن يضخم الإسماعيلية أنفسهم للحصول على مكاسب أكبر؛ وبهذه الحيلة بدأ الإسماعيلية في جمع كل أعوانهم، حتى جاء رجال من العراق ومن الشام، وعندما اجتمع هذا العدد الكبير قام هولاكو بمذبحة بشعة فيهم، وقتل كلَّ مَنْ أمسكه في يده[9]، ولم ينسَ أن يأخذ مجموعة من الرجال إلى «سالقان خاتون» ابنة «جغتاي» وحفيدة جنكيزخان لتقتلهم بيدها؛ لتأخذ بثأر أبيها «جغتاي» المقتول على يد الإسماعيلية قبل ذلك[10].
    وهكذا تمَّ في خلال سنة 655 هجرية استئصال شأفة الإسماعيلية في هذه المنطقة كلها تقريبًا، ولم ينجُ منهم إلا الشريد الذي كان يعيش في الشام أو العراق، ولم يأتِ في عملية الإحصاء المزعومة.
    وبذلك أصبح الطريق آمنًا مفتوحًا إلى بغداد؛ وبدأت الجيوش المغولية الرابضة في فارس تزحف ببطء -ولكن بنظام- في اتجاه عاصمة الخلافة، ووضح للجميع أن اللحظات المتبقية في عمر العاصمة الإسلامية أصبحت قليلة؛ بل قليلة جدًّا!
    وقبل التحدُّث عن حصار بغداد وسقوطها، فإنني أود أن أُشير إلى أن هذا الإسهاب النسبي في شرح إعداد هولاكو للحرب مع الخلافة لم يُقصد منه إبراز الانبهار «بهولاكو»، أو إبراز الاحتقار للمسلمين، إنما هو محاولة للبحث عن مسوِّغٍ واضح للنتائج الرهيبة التي حدثت عند سقوط بغداد؛ فالناظر إلى الأحداث دون تعمُّق، والدارس للأمر دراسة سطحية قد يتساءل: لماذا يسمح الله عز وجل للتتار -وهم من أخس أهل الأرض، ومن الوثنيين الظالمين السفاكين للدماء المستبيحين للحرمات- أن يفعلوا كل هذا الذي فعلوه بالمسلمين، والمسلمون مهما كانوا فهم من الموحدين لله؛ المقيمين للصلاة، والقارئين لكتاب الله؟!
    فأحببتُ أن أتجوَّل معكم في هذا الإعداد الطويل المرتَّب، الذي لم يُقابل بأقلِّ درجات الاهتمام من جانب المسلمين لتحدث المأساة الكبرى، والبلية العظمى!
    إن الذي يعتمد فقط على كونه من الموحِّدين المسلمين، ولا يعدُّ العدَّة ولا يأخذ بالأسباب واهمٌ في إمكانية تحقيق النصر؛ إن التتار لم ينتصروا على المسلمين لكرامة لهم عند الله عز وجل، فهم من أقبح شعوب الأرض فعلاً، ومن أسوئهم أخلاقًا، ولكنهم أعدُّوا العدَّة، وأخذوا بالأسباب؛ فتحقَّقت على أيديهم النتائج التي خطَّطُوا لها.



    وهذه سُنَّة مطَّردة؛ وكثيرًا ما رأينا اليهود أو النصارى أو البوذيين أو الهندوس ينتصرون على المسلمين، ويُكثرون من إهانتهم، إذا أخذ هؤلاء بالأسباب المادِّيَّة، وتركها المسلمون.
    وليس المقصود من وراء ذلك أن يعتمد المسلمون على الأسباب المادِّيَّة فقط ويتركوا مسبب الأسباب –سبحانه-؛ إنما المقصود هو العمل الجادُّ الدءوب المتواصل مع رفع الأيدي إلى الله عز وجل طلبًا للتوفيق والنصر، وإذا تمَّ النصر علمنا أنه من عند الله عز وجل، ولم نتكبَّر أو نتجبَّر أو نعتقد في خروجنا عن دائرة حكم الله عز وجل.
    والتاريخ -يا إخواني- يتكرَّر.
    وما فعله التتار من إعداد ضدَّ المسلمين فعله غيرهم بعد ذلك.
    وما فعله المسلمون من تهاون وإهمال فعله المسلمون بعد ذلك أيضًا.
    وإذا كانت النتائج التي حدثت في أيام التتار قد جاءت على تلك الصورة، فلا شكَّ أن النتائج في عصرنا ستأتي على الصورة نفسها إذا لم يفقه المسلمون الأمر ويعيدون ترتيب أوراقهم وفقًا للفهم الصحيح.
    ولذلك نقصُّ التاريخ.

    فهل من مُدَّكر!

    [1] أبو الفداء الملك المؤيد: المختصر في أخبار البشر 4/15.
    [2] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص101.
    [3] كتبغا نوين (ت658هـ): كتبغا نوين مقدِّم التتار يوم عين جالوت، ومعنى نوين يعني أمير عشرة آلاف.
    [4] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص100.
    [5] قطب الدين اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1/87.
    [6] جغتاى: كان لجغتاى خان زوجتان عظيمتان، ييسولون خاتون بنت قيانويان بن دارتياى ملك أقوام القنقرات، وتركان خاتون أخت ييسولون، وقد طلبها بعدها، وكان له ثمانية أبناءهم: موجي بيه، ومواتوكان، وبيسونة كان، وبلكسي، وبايجو، وبايدار، وقداقي، وساربان. تاريخ البناكتي = روضة أولي الألباب ص 432.
    [7] علاء الدين عطا الجويني: تاريخ جهانكشاي 3/ 106-113.
    [8] المرجع السابق 4/275-278.
    [9] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/107.
    [10] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص102.


    منقول بتصرف




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (5)
    (656هـ 1258م)
    أخر أيام بغداد

    (24)
    كانت بغداد من أشدِّ مدن الأرض حصانة؛ وأسوارها من أقوى الأسوار، لكن كانت الحصون تفتقد الرجال؛ وعن أوضاعها يكتب هذا المقال.



    اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يُعَدُّ من أهمِّ مجالس الحرب في تاريخ التتار، لقد أخذ القرار بغزو العاصمة بغداد ، وكان هولاكو قلقًا من أي مفاجآت؛ خاصَّة من الأمراء المسلمين الذين انضمُّوا إلى جيشه؛ ولذلك وضع على الفرق الإسلامية التي معه مراقبة شديدة، ولكن مخاوفه لم تمنعه من التقدُّم، كما أنها لم تكن حقيقية؛ لأن الأمراء المسلمين الذين انضمُّوا إليه لم يكن في نيتهم قطُّ الغدر «بهولاكو»، إنما كان العزم -كل العزم- أن يغدروا «ببغداد»!
    كان مجلس الحرب معقودًا في مدينة «هَمَذَان» الفارسية (في إيران حاليًّا) وهي تقع على مسافة حوالي450 كيلو مترًا من بغداد إلى الشمال الشرقي؛ وقرَّر هولاكو في هذا المجلس أن يُقَسِّم جيشه إلى ثلاثة أقسام:
    الجيش الأول:
    هو القلب، وهو القسم الرئيسي من الجيش، وسيقوده هولاكو بنفسه، وستلحق به الإمدادات التي سيُرسلها «باتو» زعيم القبيلة الذهبية التترية، وكذلك ستلحق به الفرق المساعدة من مملكتي أرمينيا والكُرْج، وهذا القسم من الجيش سيخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد مباشرة مرورًا بمدينة كَرْمَان شاه، وستكون مهمَّة هذا الجيش حصار بغداد من الجهة الشرقية.


    الجيش الثاني:
    هو الجناح الأيسر لجيش التتار، وهذا سيقوده «كتبغا» أفضل قوَّاد هولاكو، وسيتحرَّك هذا الجيش بمفرده في اتجاه بغداد أيضًا، ولكن إلى الجنوب من الجيش الأول، وقد تمَّ فصل الجيشين حتى لا تستطيع المخابرات الإسلامية -إن وُجدت- أن تُقَدِّر العدد الصحيح للجيش التتري، إضافة إلى أن الطرق لا تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الجنود، فضلاً عن أن هذا الجيش ستكون له مهمَّة اختراق سهول العراق، والتوجُّه إلى بغداد من جهة الجنوب، وحصارها من جهتها الجنوبية الشرقية.


    ومع أن المسافة تبلغ 450 كيلو مترًا؛ فإن هولاكو كان من الحذر الكافي بحيث استطاع أن يُخفي هذا الجيش عن عيون العباسيين -إن كانت هناك عيون- فلم يكتشف العباسيون الجيش إلاَّ وهو على بُعد كيلو مترات معدودة من بغداد!
    أما الجيش الثالث:

    فكان هو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول (في شمال تركيا الآن)؛ الذي كان مكلَّفًا بفتح أوربا قبل ذلك، وعلى رأس هذا الجيش الزعيم التتري الكبير «بيجو»، وكان على هذا الجيش أن يأتي من هذه المناطق الشمالية في اتجاه الجنوب حتى يصل بغداد من شمالها، ثم يلتف حولها ليُحاصرها من جهة الغرب، وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقًا وكتبغا من الجنوب الشرقي وبيجو من الغرب[1].


    لكنَّ هناك مشكلتين كبيرتين أمام هذا الجيش الثالث:
    أما المشكلة الأولى:
    فإن عليه أن يضبط توقيته؛ حتى يأتي بغداد في الوقت نفسه الذي يأتي فيه جيش هولاكو، وإلا وجد نفسه وحيدًا أمام العباسيين إن جاء مبكِّرًا، أو ترك هولاكو وحيدًا إن كان متأخِّرًا؛ فإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه التحرُّكات تدور في زمان ليست فيه وسائل انتقال معلومة سرعة التحرُّك بدقَّة.. وليست فيه وسائل الاتصال إلاَّ عن طريق الخيول، وليست هناك طرق ممهَّدة؛ لعلمنا صعوبة هذه النقطة، ومع ذلك فقد وصل بيجو في التوقيت المناسب إلى بغداد؛ دلالة على دقَّة حساباته، ومهارته في التحرُّك بهذا الجيش الكبير.


    المشكلة الثانية:

    من المفروض أنها أكبر بكثير من المشكلة الأولى؛ وهي أن هذا الجيش الثالث -لكي يصل إلى بغداد- عليه أن يخترق مسافة خمسمائة كيلو متر في الأراضي التركية، ثم خمسمائة كيلو متر أخرى في الأراضي العراقية، وهذه كلها أراضٍ إسلامية! أي أنه يجب أن يسير مسافة ألف كيلو متر في أعماق العالم الإسلامي حتى يصل إلى بغداد؛ وتَذَكَّر أننا نتحدَّث عن زمن ليس فيه طائرات؛ أي أنه ليس هناك غطاء جوي يكفل له الحركة في أمان، أو يضمن له تدمير ما يُقابله من معوقات، لقد كانت أقلّ المخاطر التي تواجه هذا الجيش أن يُكتشف أمره، فيفقد -على الأقل- عنصر المباغتة، ويستعدّ له الجيش العباسي قبل وصوله، أمَّا المخاطر الكبرى التي كانت في انتظاره فهي أن يجد مقاومة شرسة في طريقه؛ المليء بالتجمُّعات السكنية الهائلة.. وكلها تجمُّعات إسلامية، أو أن تُنصب له الكمائن، وتُوضع له الشراك.. وتَذَكَّر أنه يخوض في أرض يدخلها للمرَّة الأولى في حياته، لكن -سبحان الله!- كل هذا لم يحدث.. لقد قطع «بيجو» بجيشه 95٪ من الطريق (أي حوالي 950 كيلو مترًا) دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئًا! لقد باغت «بيجو» الخلافة العباسية على بُعد خمسين كيلو مترًا فقط شمال غرب بغداد! لقد اكتشف العباسيون جيش «بيجو» تمامًا كما اكتشفوا جيش هولاكو، عندما كان كلا الجيشين على مسيرة يوم واحد من بغداد!


    وإن كنا نقول: إن جيش هولاكو كان يتخفَّى بالجبال، ويسير في أراضٍ غالبها تحت سيطرة التتار، فكيف نُفَسِّر مباغتة بيجو لبغداد بهذه الصورة؟!
    إن تسويغ اختراق «بيجو» للأراضي الإسلامية يحمل معه مصيبتين عظيمتين:

    أمَّا المصيبة الأولى:

    فهي غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تمامًا، وواضح أن الجيش العباسي كان لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنونها.
    والمصيبة الثانية والأعظم:

    فهي أن هناك خيانة كبرى من أمراء الأناضول والموصل المسلمين؛ هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار، ولم يحدث أيُّ نوع من المقاومة، وسار الجيش التتري في هدوء وكأنه في نزهة، وبالطبع لم يرتكب في طريقه مذابح لكي لا يلفت أنظار الخلافة في بغداد، ورضي الناس منه بتجنُّب شرِّه، وخافوا أن يدلُّوا عليه لكي لا ينتقم منهم بعد ذلك.
    خيانة عظمى من كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع أمراء الأناضول.
    وخيانة أعظم من بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل.
    فبدر الدين لؤلؤ لم يكتفِ بتسهيل مهمَّة التتار، والسماح لهم باستخدام أراضيه للانتقال والعبور، بل أرسل مع التتار فرقة مساعدة تُعينهم على عملية «تحرير العراق» من حُكم الخلافة العباسية!
    ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ قام بهذه الخيانة وهو يبلغ من العمر ثمانين عامًا! وقيل: مائة! وجدير بالذكر -أيضًا- أنه مات بعد هذه الخيانة بشهور معدودات!
    ونسأل الله حسن الخاتمة.
    كانت هذه هي تحرُّكات الجيش التتري.
    كيف كان الوضع في بغداد؟
    كانت بغداد في ذلك الوقت من أشدِّ مدن الأرض حصانة؛ وكانت أسوارها من أقوى الأسوار؛ فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون، وأُنفق على تحصينها مبالغ طائلة وجهود هائلة؛ لكن وا أسفاه على المدينة الحصينة!



    لقد كانت الحصون تحتاج إلى رجال؛ ولكن ندر الرجال في ذلك الزمن!
    مَنْ على رأس الدولة في الخلافة العباسية؟
    إنه الخليفة السابع والثلاثون والأخير من خلفاء بني العباس في بغداد.
    إنه «المستعصم بالله».
    اسم كبير «المستعصم بالله»، ولقب كبير أيضًا: «خليفة المسلمين»!
    ولكن أين مقوِّمات الخلافة في «المستعصم بالله»؟!
    عندما تقرأ عن صفات هذا الخليفة الذاتية في كتب السير؛ مثل: تاريخ الخلفاء للسيوطي، أو البداية والنهاية لابن كثير.. أو غيرها من الكتب تجد أمرًا عجبًا.
    تجد أنهم يصفون رجلاً فاضلاً في حياته الشخصية وفي معاملاته مع الناس، (رجل يتميَّز بالطيبة.. مثلما يقولون).
    يقول ابن كثير مثلاً: «كان حسن الصورة، جيد السريرة، صحيح العقيدة، مقتديًا بأبيه «المستنصر» في المَعْدَلة[2]، وكثرة الصدقات، وإكرام العلماء والعباد... وكان سُنِّيًّا على طريقة السلف واعتقاد الجماعة»[3].
    ولا أدري في الحقيقة ماذا يقصد بأنه كان على طريقة السلف؟!
    ألم يكن في مذهب السلف جهاد؟!
    ألم يكن في مذهب السلف إعداد للقتال؟!
    ألم يكن في مذهب السلف دراسة لأحوال الأرض ولموازين القوى؟!
    ألم يكن في مذهب السلف حميَّة ونخوة لدماء المسلمين التي سالت على مقربة من العراق في فارس وأَذْرَبِيجَان وغيرها؟!
    ألم يكن في مذهب السلف وَحْدَة وألفة وترابط؟!
    لقد كان الخليفة المستعصم صالحًا في ذاته؛ كان رجلاً طيبًا؛ لكنه افتقر إلى أمور لا يصحُّ أن يفتقر إليها حاكم مسلم:
    افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات.
    افتقر إلى كفاءة القيادة.
    افتقر إلى علو الهمَّة، والأمل في سيادة الأرض، والنصر على الأعداء، ونشر دين الله.
    افتقر إلى الشجاعة؛ التي تُمَكِّنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب.



    افتقر إلى القدرة على تجميع الصفوف، وتوحيد القلوب، ونبذ الفُرقة، ورفع راية الوَحْدَة الإسلامية.
    افتقر إلى حُسن اختيار أعوانه، فتجمَّعَتْ من حوله بطانة السوء؛ الوزراء يسرقون، والشرطة يظلمون، وقوَّاد الجيش متخاذلون!
    افتقر إلى محاربة الفساد، فعمَّ الفساد وطغى؛ وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمَّت الرشاوى، وطغت الوساطة، وانتشرت أماكن اللهو والفساد والإباحية والمجون؛ بل وأُعلن عنها صراحة! ودُعِيَ إليها على رءوس الأشهاد! الراقصات الخليعات ما كُنَّ يختفين في هذا البلد الإسلامي بل يُعْلِنَّ عن أنفسهن صراحة!
    نعم كان الخليفة محسنًا في أداء شعائر الدين من صلاة وصيام وزكاة؛ نعم كان لسانه نظيفًا، وكان محبًّا للفقراء والعلماء، وكل ذلك جميل في مسئوليته أمام نفسه، لكن أين مسئوليته أمام مجتمعه وأُمَّته؟
    لقد ضعف الخليفة تمامًا عن حمل مسئولية الشعب.
    لقد كان باستطاعة الخليفة أن يُدَبِّر من داخل العراق مائة وعشرين ألف فارس فضلاً عن المشاة والمتطوعين، وكان الجيش التتري المحاصِر لبغداد مائتي ألف مقاتل، وكان هناك أمل كبير في ردِّ الغزاة، لكنَّ الخليفة كان مهزومًا من داخله! وكان فاقدًا للرُّوح التي تُمَكِّنه من المقاومة، كما أنه لم يُرَبِّ شعبه على الجهاد، ولم يُعَلِّمْهم فنون القتال.
    وإلاَّ.. فأين معسكرات التدريب التي تُعِدُّ شباب الأُمَّة ليوم كيوم التتار؟!
    أين الاهتمام بالسباحة والرماية وركوب الخيل؟!
    أين التجهيز المعنوي للأُمَّة لتعيش حياة الجدِّ والنضال؟!
    أنا لست متحاملاً على الخليفة!
    لقد حكم هذا الخليفة بلاده ما يقرب من ستة عشر عامًا.
    إنه لم يُفاجأ بالحكم.. ولم يأته الأمر على عجل..
    لقد رُبِّي ليكون خليفة، وتولَّى الحكم وهو في سنِّ الحادية والثلاثين، وكان شابًّا ناضجًا واعيًا، وأُعطي الفرصة كاملة لإدارة البلاد؛ وظلَّ في كرسي حكمه ستة عشر عامًا كاملة، فإن كان كَفِيًّا كان عليه أن يُعِدَّ العُدَّة، ويُقَوِّي من شأن البلاد، ويرفع من هيبتها، ويُعلي من شأنها، ويُجَهِّز جيشها، ويُعِزَّ رأيها، وإن كان غير ذلك فكان عليه -إن كان صادقا- أن يتنحَّى عن الحكم.. ويترك الأمر لمن يستطيع؛ فهذه ليست مسئولية أسرة أو قبيلة؛ إنما هي مسئولية أُمَّة.. وأمة عظيمة كبيرة جليلة، أمة هي خير أمة أخرجت للناس.
    لكن الخليفة لم يفعل أيًّا من الأمرين.. لا هو قام بالإعداد، ولا هو قام بالتنحي.. فكان لا بُدَّ أن يدفع الثمن، وكان لا بُدَّ لشعبه الذي رضي به أن يدفع الثمن معه.



    وعلى قدر عظم الأمانة التي ضاعت، سيكون الثمن الذي يدفعه الخليفة ومعه الشعب.. وسترون كيف كان ثمنًا باهظًا!
    والبلاد لم يكن ينقصها المال اللازم لشراء السلاح أو تصنيعه، بل كانت خزائن الدولة ملأى بالسلاح، لكنه إما سلاح قديم بالٍ أكل عليه الدهر وشرب، وإما سلاح جديد عظيم لم يُستخدم من قبل.. ولكن -للأسف الشديد- لم يتدرَّب عليه أحد.
    والنتيجة: جيش الخلافة العباسية جيش هزيل ضعيف، لا يصلح أن يكون جيشًا لإمارة صغيرة، فضلاً عن خلافة عظيمة.
    كان هذا شأن الخليفة في بغداد! فماذا عن حكومته؟ كيف كان حالها؟!
    حكومة بغداد:
    كانت البطانة كالحاكم، وكان الحاكم كالبطانة.. كانت الحكومة -كالجيش- هزيلة ضعيفة مريضة، مكونة من «أشباح» وزراء! ليس من همهم إلا جمع المال والثروات، وتوسيع نطاق السلطة، والتحكم في رقاب العباد، والتنافس الشريف وغير الشريف فيما بينهم، والتصارع المرير من أجل دار أو منصب أو حتى جارية.! وكان على رأس هذه الوزارة الساقطة رئيس وزراء خائن باع البلاد والعباد، ووالى أعداء الأمة، وعادى أبناءها! لقد كانت تلك الوزارة سيفًا مسلطًا على رقاب وأموال المسلمين.. ولم تكن علاقاتهم بالمسلمين الذين يحمونهم علاقة الإخوة بإخوانهم.. وإنما كانت علاقة السادة بعبيدهم.


    الشعب في بغداد:
    كيف كانت طبيعته؟ وكيف كانت طموحاته؟!

    لا تتوقَّعوا أنه شعب قد ظُلم بخليفة ضعيف أو هزيل.. فالحُكَّام إفراز طبيعي جدًّا جدًّا للشعوب.
    «كما تكونوا يُوَلَّ عليكم»[4].



    الشعب في بغداد آنذاك كان شعبًا كبيرًا ضخمًا.. كان يبلغ ثلاثة ملايين نسمة على الأقل، وبذلك تُعَدُّ بغداد أكثر مدن العالم ازدحامًا في ذلك الوقت، هذا إلى جانب السكان في المدن والقرى المحيطة.. فلم تكن تنقصهم الطاقة البشرية، ولكنهم كانوا شعبًا مترفًا.. ألِف حياة الدعة والهدوء والراحة.. الملتزم فيهم بدينه اكتفى بتحصيل العلم النظري، وحضور الصلوات في المساجد، وقراءة القرآن، ونسي الفريضة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام وهي فريضة الجهاد، وغير الملتزم منهم بدينه -وهم كثير- عاشوا لشهواتهم وملذَّاتهم، وتنافسوا في ألوان الطعام والثياب، وفي أعداد الجواري والغلمان، وفي أنواع الديار والحدائق والبساتين والدواب؛ ومنهم مَنِ التهى بسماع الأغاني والألحان عن سماع القرآن والحديث، ومنهم من شرب الخمر، ومنهم من سرق المال، ومنهم من ظلم العباد.. وفوق ذلك فإنهم ظلوا قرابة الأربعين سنة يسمعون عن المذابح البشعة التي تتمُّ في إخوانهم المسلمين في أفغانستان وأوزبكستان والتركمنستان وفارس وأَذْرَبِيجَان والشيشان..
    سمعوا عن كل هذه المذابح ولم يتحرَّكوا..
    وسمعوا عن سبي النساء المسلمات ولم يتحرَّكوا..
    وسمعوا عن خطف الأطفال المسلمين ولم يتحركوا..
    وسمعوا عن اغتصاب بنات المسلمين ولم يتحركوا..
    وسمعوا عن سرقة الأموال، وتدمير الديار، وحرق المساجد، ولم يتحركوا..
    بل سمعوا أن خليفتهم «الناصر لدين الله» جد «المستعصم بالله» كان يساعد التتار ضد المسلمين الخُوارِزمية ولم يتحرَّكوا!
    سمعوا بكل ذلك وأضعافه ولم يتحركوا.
    فلا بد أن يكون الجزاء من جنس العمل!
    «كَمَا تَدِينُ تُدَانُ»[5].



    سيأتي يوم يذوق فيه هذا الشعب كل ما كان يُفعل في الشعوب المسلمة الأخرى، ولن يتحرَّك له أحد من المسلمين، بل سيساعدون التتار عليهم كما ساعدوهم على إخوانهم من قبل.. وهكذا تدور الدوائر.
    ولا يقولن قائل: إن الشعب مغلوب على أمره. فالشعوب التي تقبل بكل هذا الانحراف عن نهج الشريعة شعوب لا تستحق الحياة، الشعوب التي لا تثور إلا من أجل لقمة عيشها شعوب ليس لها أن ترفع رأسها.
    ثم أين العلماء؟ وأين الرجال؟ وأين الشباب؟ وأين المجاهدون؟
    أين الآمرون بالمعروف؟ وأين الناهون عن المنكر؟
    أين الحركات الإصلاحية في هذا المجتمع الفاسد؟
    أين الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة، ولأصول الدين؟
    أليس في بغداد رجل رشيد؟!
    لقد كان هذا هو الوضع في بغداد.
    أمَّا خارج بغداد فالوضع كما تعلمون.. فهناك جيوش التتار تتحرَّق شوقًا لتعذيب المسلمين، والمسلمون في استكانة ينتظرون التعذيب!

    [1] ابن العبري: تاريخ الزمان ص307.
    [2] المعدلة؛ أي العَدْل: وهو الحُكْم بالحقِّ.
    [3] ابن كثير: البداية والنهاية 13/238.
    [4] الطرطوشي المالكي: سراج الملوك ص116.
    [5] سنن البيهقي 1/197.



    منقول بتصرف



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (6)
    (656هـ 1258م)
    بغداد تحت الحصار
    (25)

    وضعت بغداد بين فكي كماشة هولاكو من الشرق، وبيجو من الغرب، واستحكم الحصار حول عاصمة الخلافة، وعن تلك الأثناء يكتب هذا المقال


    بينما المسلمون على حالتهم من ضعفٍ وهوان إذ ظهر فجأة جيش هولاكو قبالة الأسوار الشرقية للمدينة العظيمة بغداد، وكان ذلك في يوم 12 من المحرم من سنة 656 هجرية.. وبدأ هولاكو في نصب معدات الحصار الثقيلة حول المدينة، وجاء كذلك «كتبغا» بالجناح الأيسر من الجيش ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية الشرقية[1].
    وارتاع خليفة المسلمين.. وعقد اجتماعًا عاجلاً طارئًا، جمع فيه كبار مستشاريه، وعلى رأسهم بالطبع الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي!
    ماذا نفعل في هذه المصيبة؟ كيف النجاة؟ أين المهرب؟
    {فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص: 3].
    وبطبيعة الحال فإن مؤيد الدين العلقمي وبطانته كانوا يُؤيدون مهادنة التتار وإقامة «مباحثات سلام» معهم، ولا مانع من بعض التنازلات، أو كثير من التنازلات، وكان مؤيد الدين يوسع الفجوة جدًّا بين إمكانيات التتار وإمكانيات المسلمين، كي لا يبقى هناك أمل في المقاومة.
    كان هذا هو الرأي السائد في الاجتماع.. السلام غير المشروط!
    لكن الخير لا ينعدم في هذه الأمة.
    لقد قام رجلان من الوزراء وأشارا على الخليفة بحتمية الجهاد؛ والجهاد كلمة جديدة على هذا الجيل من أجيال الدولة العباسية؛ لكن لا مانع من طرح كل الأفكار وإن كانت «غريبة»! قام «مجاهد الدين أيبك» و«سليمان شاه» يحضَّان على المقاومة، نعم جاءت الإشارة متأخِّرة، بل متأخرة جدًّا؛ لأن زمن الإعداد انتهى منذ فترة، وحان وقت الاختبار، ولكن لعلهما كانا يُشيران منذ زمن بأمر الجهاد ولا يسمع لهما أحد.. وذلك مع العلم أن العلاقات كانت متوترة جدًّا بين مؤيد الدين العلقمي ومجاهد الدين أيبك، وذلك منذ زمن طويل.. ولا بُدَّ للعلاقات بين رجل خائن ورجل أمين أن تتوتَّر.. لكن -للأسف- لطالما استمع الخليفة لكلام الخائنين!
    واحتار الخليفة!


    هواه مع كلام مؤيد الدين العلقمي.. فقلبه لا يقوى على الحروب.
    وعقله مع كلام مجاهد الدين أيبك؛ لأن تاريخ التتار لا يشير بأي فرصة للسلام، كما أنه كان يسمع أن الحقوق لا «توهب» وإنما «تؤخذ».
    احتار الخليفة، ثم استقرَّ أخيرًا.. لقد استمع -والحمد لله- إلى كلام العقل؛ لقد قرَّر أن يجاهد.. لكنه متردد.. ضعيف.. لين.. هين! والجهاد لا ينفع مع هذه الصفات.
    الجهاد ليس قرارًا عشوائيًّا.. لا يوجد مجاهد «مصَادفَة»!
    الجهاد إعداد.. وتربية.. وتضحية.. ومشوار طويل في طريق الإيمان.
    الجهاد ارتقاء إلى أعلى.. إلى أعلى.. إلى أعلى.. إلى أن تصل إلى ذروة سنام الإسلام؛ ولكن على كل حال «فلنجاهد» (على سبيل التجربة!) وسمح الخليفة -للمرة الأولى تقريبًا في حياته- باستخدام الجيش!
    وخرجت فرقة هزيلة من الجيش العباسي يقودها «مجاهد الدين أيبك» لتلاقي جيش هولاكو المهول، وبمجرد خروج الجيش العباسي واستعداده لملاقاة هولاكو جاءت الأخبار إلى «مجاهد الدين أيبك» أن هناك جيشًا تتريًّا آخر يأتي من جهة الشمال، وهو جيش «بيجو» القادم من أوربا عبر أراضي تركيا وشمال العراق، وكان ذلك الجيش قد عبر الأراضي العراقية شرق نهر دجلة، حتى إذا وصل إلى الموصل عبر نهر دجلة إلى الناحية الغربية منه، وسار في الأراضي المحصورة بين نهري دجلة والفرات حتى اقترب من بغداد، وأصبح على بعد خمسين كيلو مترًا فقط منها، وعند هذه المنطقة في شمال بغداد وصلت الأخبار إلى «مجاهد الدين أيبك».
    أدرك «مجاهد الدين أيبك» أن هذا الجيش لو وصل إلى بغداد فسوف يُطَوِّقها من الناحية الشمالية والغربية، وبذلك سيطبق الحصار تمامًا على العاصمة الإسلامية، ومن هنا فكر «مجاهد الدين أيبك» بسرعة أن يتجه بجيشه شمالاً بين نهري دجلة والفرات لمقابلة جيش «بيجو»، والتقى فعلاً بجيش التتار عند منطقة «الأنبار»، وهي المنطقة التي شهدت انتصارًا خالدًا قبل ذلك بأكثر من ستمائة سنة على يد البطل الخالد «خالد بن الوليد» رضي الله عنه، ولكن في هذه المرَّة -للأسف- لم يكن الانتصار حليف المسلمين؛ لقد بدا «بيجو» وكأنه أعرف بالمنطقة من أهلها، فبدأ يُظهر الانسحاب، ويستدرج خلفه جيش المسلمين، حتى أتى به إلى منطقة مستنقعات قريبة من نهر الفرات، ثم أرسل المهندسين التتر لقطع السدود المقامة على نهر الفرات في هذه المنطقة؛ وذلك ليقطع خط الهروب على الجيش العباسي، ثم حاصر «بيجو» الجيش العراقي، وبدأ في عملية إبادة واسعة النطاق، واستطاع «مجاهد الدين أيبك» بفرقة صغيرة جدًّا من الجيش العباسي أن ينسحب بحذاء النهر جنوبًا حتى عاد إلى بغداد، ولكن -للأسف- هلك معظم الجيش العباسي في منطقة الأنبار[2]!

    مُنمنمة تُصِّورُ حصار المغوللِبغداد قبل اقتحامها.
    تمت هذه الموقعة الأليمة غير المتكافئة في التاسع عشر من المحرم، أي بعد أسبوع من ظهور هولاكو أمام الأسوار الشرقية لبغداد، وتقدم «بيجو» مباشرة ولم يُضَيِّع وقتًا؛ حتى وصل إلى بغداد من ناحيتها الشمالية في اليوم التالي مباشرة، ثم التفَّ حول بغداد ليضرب عليها الحصار من جهتها الغربية، وبذلك وضعت بغداد بين فكي كماشة: «هولاكو» من الشرق، و«بيجو» من الغرب.. وازدادت حراجة الموقف جدًّا، واستحكم الحصار حول عاصمة الخلافة!
    والخليفة -ابن الخلفاء والسلاطين- ما تخيَّل أنه يُحصر هذا الحصار أبدًا.. وشُلَّ عقله تمامًا عن التفكير!
    وجاء مؤيد الدين العلقمي ليستغل الفرصة..
    أيها الخليفة.. لا بُدَّ أن نجلس مع التتار على «طاولة المفاوضات».
    ولكن الخليفة يُدرك أنه إذا جلس قويٌّ شديدُ القوَّة مع ضعيف شديد الضعف فإن هذا لا يعني «مفاوضات» أبدًا، وإنما يعني «استسلامًا».. وفي الاستسلام عادة يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو اعتراض.
    ومع ذلك وافق الخليفة المسكين -وهو مطأطئ الرأس- على الاستسلام.. أقصد على «المفاوضات!».
    وقرَّر أن يرسل رجلين ليقوما عنه بالمفاوضات.. فمن أرسل؟!
    لقد أرسل «مؤيد الدين العلقمي الشيعي»، الذي يكن في قلبه كل الحقد للخلافة العباسية[3]!
    وأرسل معه «ماكيكا..» البطريرك النصراني في بغداد[4]!
    وهكذا؛ فالوفد الرسمي الممثل للخلافة «الإسلامية» العباسية العريقة في المفاوضات مع التتار لا يضمُّ إلا رجلين فقط:
    أحدهما شيعي والآخر نصراني!
    ولا تعليق!
    ودارت المفاوضات السرية جدًّا بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية، وأُعطيت الوعود الفخمة من هولاكو لكليهما إن ساعداه على إسقاط بغداد، وأهم هذه الوعود أنهما سيكونان أعضاء في «مجلس الحكم» الجديد، والذي سيحكم العراق بعد احتلالها من التتار.. أقصد بعد «تحريرها» من الخليفة!

    وبالطبع كان ردُّ فعل ممثلي الخلافة العباسية معروفًا.

    مُنمنمة لِجيش المغول بِقيادة هولاكو خان وقد ضرب الحصار على بغداد
    إن كليهما يتحرَّق شوقًا لإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية ولو دون ثمن، فما بالك لو كانت هناك وعود فخمة بمناصب وسيطرة وأموال.. ومَنِ الذي يَعِدُ؟ إنه «هولاكو» سيد الموقف في كل المنطقة.
    وعاد المبعوثان الساميان من عند هولاكو إلى الخليفة يحملان له طلبًا عجيبًا من الزعيم التتري.. لقد سمع هولاكو بأمر المسلمين المتشددين «المتطرفين» في داخل بغداد، والذين ينادون بشيء خطير.. ينادون «بالجهاد».. هذه الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات «السلام».. فعلى خليفة المسلمين أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية في بغداد.. وعليه أن يسلم - على وجه التحديد - «مجاهد الدين أيبك» و«سليمان شاه» اللذين كانا يتزعمان فكرة الجهاد والمقاومة[5].
    وهنا تتضارب الروايات.. ولا ندري إن كان سلَّمهما فعلاً أم لم يسلمهما؛ لكن وضح للجميع الغرض التتري، ووضحت رغبة أعداء الإسلام دائمًا في قمع أي دعوة للمقاومة باسم الدين.
    الموقف يزداد صعوبة.. والأزمة تزداد شدَّة.
    والرسل لا تنقطع بين هولاكو والخليفة.
    والرسل طبعًا هم أهل الثقة عند الخليفة: «مؤيد الدين العلقمي الشيعي»، والبطريرك النصراني «ماكيكا»!
    وجاءت نتائج المفاوضات «مرضية جدًّا» كما صوَّر ابن العلقمي للخليفة؛ فلقد جاء ابن العلقمي ببعض الوعود من هولاكو، واعتبر هذه الوعود نصرًا سياسيًّا كبيرًا، وفي الوقت نفسه كانت هناك بعض الشروط «البسيطة» التي على الخليفة أن يُنَفِّذَها.
    أما الوعود فكانت:


    1- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة سلام دائم.
    2- يتم الزواج بين ابنة هولاكو الزعيم التتري الذي سفك دماء مئات الآلاف من المسلمين بابن الخليفة المسلم «المستعصم بالله».
    3- يبقى «المستعصم بالله» على كرسي الحكم.
    4- يعطي الأمان لأهل بغداد جميعًا.
    هذه هي الوعود، على أن تكون هذه الوعود في مقابل الشروط الآتية:
    1- تدمير الحصون العراقية.
    2- ردم الخنادق.
    3- تسليم الأسلحة.
    4- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية[6].
    وختم هولاكو مباحثاته مع المبعوثين الساميين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد إلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان.. وبمجرد أن تستقر هذه الأمور -وفق الرؤية التترية- فإنه سيعود إلى بلاده، ويترك العراقيين يضعون دستورهم، ويُديرون شئون بلادهم بأنفسهم!
    وتجدَّدت الآمال في نفس الخليفة!
    هل يصدق هولاكو في وعوده؟!
    إن هناك شكًّا كبيرًا في قلبه.
    ثم إن الشروط قاسية جدًّا، فهو سيتخلَّص تقريبًا من كل إمكانية للمقاومة؛ ولكنه -على الجانب الآخر- قد يظل حاكمًا للبلاد؛ نعم تحت رعاية تترية.. أو تحت قهر تتري.. لكنه -في النهاية- سيظل جالسًا على كرسي الحكم، هذا طبعًا إن صدق هولاكو السفاح!
    ولكن هذا احتلال! أيقبل به؟
    ولماذا لا يقبل به؟! إن مقربيه يقولون له: إن هذا في السياسة يسمونه: «واقعية»! وهو لو رفض التسليم، وفتحت أبواب بغداد بالقوَّة فإنه حتمًا سيموت؛ أما إذا سلم نفسه إلى هولاكو السفاح فهناك احتمال -ولو بسيط- للنجاة بالروح!
    نعم سيعيش ذليلاً.. ولكنه في النهاية قد يعيش.
    نعم سيعيش وضيعًا.. لكنه في النهاية قد يعيش.
    نعم سيبيع كل شيء بثمن بخس.. لكنه في النهاية قد يعيش.
    الخليفة ما زال متردِّدًا.


    والشعب الضخم من ورائه يعيش التردُّد نفسه.
    نداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة جدًّا؛ أما عامَّة الناس فقد انخلعت قلوبهم لحصار التتار.
    لقد عظمت الدنيا جدًّا في عيونهم فاستحال في تقديرهم أن يضحُّوا بها.
    لقد كثر الخبث -فعلاً- في بغداد.. وإذا كثر الخبث فالهلكة قريبة جدًّا!
    واحتاج الخليفة لبعض الوقت للتفكير.. فالقرار صعب جدًّا.. ويحتاج إلى الاستشارة وقد يستخير! لكن -على الناحية الأخرى- فإن هولاكو ليس عنده وقت يضيعه.. لأن الجيوش التترية الرابضة حول بغداد تتكلف كل يوم آلاف الدنانير، والحصار في شهر المحرم سنة 656 هجرية، وهذا يوافق شهر يناير من سنة 1258 ميلادية، والجو شديد البرودة، هذا فوق أنه يتشوق لرؤية بغداد الجميلة من الداخل!
    فهل سينتظر رد الخليفة، هذا ما سنتعرف عليه في المقالة القادمة.


    [1] قطب اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1/88.
    [2] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 7/49.
    [3] المرجع السابق.
    [4] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص105.
    [5] ابن كثير: البداية والنهاية 13/ 234..
    [6] قطب الونيني: ذيل مرآة الزمان 1/88.
    منقول بتصرف






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (7)
    (656هـ 1258م)

    سقوط بغداد
    (26)





    لم ينتظر هولاكو وقتًا طويلاً، ولم يُعْطِ «صديقه» الخليفة ما يُريده من الوقت للتفكير المتعمق، ولكنه قرَّر أن يجبره على سرعة التفكير؛ وذلك عن طريق بدأ إطلاق القذائف النارية والحجرية على بغداد، مستخدمًا في ذلك أحدث التقنيات العسكرية في ذلك الزمان؛ وبدأ القصف التتري المروع لأسوار وحصون وقصور وديار بغداد، وبدأت المدينة الآمنة تُروع للمرَّة الأولى تقريبًا في تاريخها.
    بدأ القصف التتري في الأول من صفر سنة 656 هجرية، واستمرَّ أربعة أيام متصلة، ولم تكن هناك مقاومة تذكر، ويذكر ابن كثير: في البداية والنهاية موقفًا «عابرًا» لا يُعَلِّق عليه، ولكنه حمل بالنسبة إليَّ معاني كثيرة..
    مصرع عرفة
    يقول ابن كثير:
    «وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت «تلعب» بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى «عرفة»، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي «ترقص» بين يدي الخليفة؛ فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعًا شديدًا، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم». فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!»[1].

    وعجيب أن يذكر ابن كثير هذا الخبر دون تعليق!
    والحدث وإن كان عابرًا فإنه يحمل معاني عظيمة.. لقد تمكَّنت الدنيا تمامًا من قلوب الناس في بغداد، وأولهم الخليفة؛ فها هو الخليفة الموكل إليه حماية هذه الأمة في هذا الموقف الخطير يسهر هذه السهرة اللاهية.. نعم قد تكون الجارية ملك يمينه، وقد تكون حلالًا له، وإذا لم يكن هناك مَنْ يُشاهدها غيره فلا حرج من أن يشاهدها الخليفة وهي ترقص؛ لكن أين العقل في رأس الخليفة؟! العاصمة الإسلامية للخلافة محاصرة، والموت على بُعد خطوات، والمدفعية المغولية تقصف، والسهام النارية تحرق، والناس في ضنك شديد، والخليفة يستمتع برقص الجواري!
    أين العقل؟ وأين الحكمة؟!
    وما أبلغ العبارة التي كتبها التتار على السهم الذي أُطلق على دار الخلافة وقتل الراقصة المسكينة! إذ قالوا: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم»[2]. فالله عز وجل قد قضى على بغداد بالهلكة في ذلك الوقت، وأذهب فعلاً عقول الخليفة وأعوانه وشعبه، ولا شكَّ أن هذه العبارات المنتقاة بدقَّة كانت نوعًا من الحرب النفسية المدروسة التي كان يُمارسها التتار بمهارة على أهل بغداد.

    ويكفي دليلًا على قلَّة عقل الخليفة أنه بعد هذه «الكارثة» (كارثة قتل الراقصة) لم يأمر الشعب بالتجهُّز للقتال، فقد وصل الخطر إلى داخل دار الخلافة، وإنما أمر فقط بزيادة الاحتراز، ولذلك كثرت الستائر حول دار الخلافة لحجب الرؤية ولزيادة الوقاية وستر الراقصات! ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
    مفاوضات النهاية:
    ظل التتار على قصفهم أربعة أيام، وفي اليوم الرابع بدأت الأسوار الشرقية تنهار، ومع انهيار الأسوار الشرقية انهار الخليفة تمامًا.

    لقد بقيت لحظات قليلة جدًّا في العمر!
    هنا لجأ الخليفة إلى صديقه الخائن مؤيد الدين العلقمي، وسأله ماذا يفعل؟ وأشار عليه الوزير أن يخرج لمقابلة هولاكو بنفسه؛ لكي يُجري معه المفاوضات.
    وذهبت الرسل إلى هولاكو تُخبره بقدوم الخليفة، فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة، ولكن ليس وحده، بل عليه أن يأتي معه بكبار رجال دولته، ووزرائه، وفقهاء المدينة، وعلماء الإسلام، وأمراء الناس والأعيان، حتى يحضروا جميعًا المفاوضات، وبذلك تُصبح المفاوضات -كما يزعم هولاكو- ملزمة للجميع.

    مؤيد الدين بن العلقمى

    ولم يكن أمام الخليفة الضعيف أي رأي آخر؛ وجمع الخليفة كبار قومه، وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو خارج الأسوار الشرقية لبغداد، خرج وقد تحجَّرت الدموع في عينيه، وتجمدت الدماء في عروقه، وتسارعت ضربات قلبه، وتلاحقت أنفاسه.
    خرج الخليفة ذليلاً مهينًا، وهو الذي كان يستقبل في قصره وفود الأمراء والملوك، وكان أجداده الأقدمون يقودون الدنيا من تلك الدار التي خرج منها الخليفة الآن.
    وكان الوفد كبيرًا يضمُّ سبعمائة من أكابر بغداد، وكان فيه بالطبع وزيره مؤيد الدين بن العلقمي، واقترب الوفد من خيمة هولاكو، ولكن قبل الدخول على زعيم التتار اعترض الوفدَ فرقةٌ من الحرس الملكي التتري، ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو، بل قالوا: إن الخليفة سيدخل ومعه سبعة عشر رجلاً فقط، أما الباقون فسيخضعون -كما يقول الحرس- للتفتيش الدقيق، ودخل الخليفة ومعه رجاله، وحُجب عنه بقية الوفد؛ ولكنهم لم يخضعوا لتفتيش أو غيره؛ بل أُخذوا جميعًا.. للقتل[3]!
    قُتل الوفد بكامله إلا الخليفة والذين كانوا معه؛ قُتل كبراء القوم، ووزراء الخلافة، وأعيان البلد، وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء الخلافة العباسية، ولم يُقتل الخليفة؛ لأن هولاكو كان يُريد استخدامه في أشياء أخرى.
    وبدأ هولاكو يُصدر الأوامر في عنف وتكبر، واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله، اكتشف الخليفة ما كان واضحًا لكل الخلق؛ ولكنه لم يره إلا الآن، لقد اكتشف أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}[التوبة: 10].
    واكتشف -أيضًا- أن الحق لا بُدَّ له من قوَّة تحميه، فإن تركت حقك دون حماية فلا تلومن إلا نفسك؛ لكن -وللأسف- جاء هذا الاكتشاف متأخرًا جدًّا.
    وبدأت الأوامر الصارمة تخرج من السفاح هولاكو:
    1- على الخليفة أن يصدر أوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح، والامتناع عن أي مقاومة؛ وقد كان ذلك أمرًا سهلًا؛ لأن معظم سكان المدينة لا يستطيعون حمل السلاح، ولا يرغبون في ذلك أصلًا.
    2- يُقَيَّد الخليفة المسلم، ويُساق إلى المدينة يرسُف في أغلاله؛ وذلك ليدلَّ التتار على كنوز العباسيين، وعلى أماكن الذهب والفضة والتحف الثمينة، وكل ما له قيمة نفيسة في قصور الخلافة وفي بيت المال[4].
    3- يتم قتل ولدي الخليفة أمام عينه! فقُتل الولد الأكبر «أحمد أبو العباس»، وكذلك قُتل الولد الأوسط «عبد الرحمن أبو الفضائل»، ويتم أسر الثالث مبارك أبو المناقب، كما يتم أسر أخوات الخليفة الثلاث: فاطمة وخديجة ومريم.
    4- أن يُستدعى من بغداد بعض الرجال بأعينهم؛ وهؤلاء هم الرجال الذين ذكر ابن العلقمي أسماءهم لهولاكو، وكانوا من علماء السُّنَّة، وكان ابن العلقمي يكنُّ لهم كراهية شديدة، وبالفعل تمَّ استدعاؤهم جميعًا، فكان الرجل منهم يخرج من بيته ومعه أولاده ونساؤه فيذهب إلى مكان خارج بغداد عَيَّنه التتار بجوار المقابر، فيُذبح العالم كما تُذبح الشياه، وتُؤخذ نساؤه وأولاده إمَّا للسبي أو للقتل! لقد كان الأمر مأساة بكل المقاييس!
    ذُبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي (العالم الإسلامي المعروف)، وذبح أولاده الثلاثة عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وذُبح المجاهد «مجاهد الدين أيبك» وزميله «سليمان شاه»، اللذان قادا الدعوة إلى الجهاد في بغداد، وذُبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه «صدر الدين علي بن النيار»، ثم ذُبح بعد هؤلاء خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن[5]!
    كل هذا والخليفة حي يشاهد، وأنا لا أتخيل كمّ الألم والندم والخزي والرعب الذي كان يشعر به الخليفة، ولا شك أن أداء الخليفة في إدارته للبلاد كان سيختلف جذريًا لو أنه تخيل - ولو للحظات - أن العاقبة ستكون بهذه الصورة، ولكن ليس من سنة الله عز وجل أن تعود الأيام، ثم إن الخليفة رأى أن هولاكو يتعامل تعاملًا وديًا مع ابن العلقمي الوزير الخائن، وأدرك بوضوح العلاقة بينهما، وانكشفت أمامه الحقائق بكاملها، وعلم النتائج المترتبة على توسيد الأمر لغير أهله، ولكن كل هذه الاكتشافات كانت متأخرة جدًّا.

    استباحة بغداد!

    مُخطط لِهُولاكو وهو يحبس الخليفة عند كُنوزه.
    وبعد أن ألقى أهل المدينة السلاح، وبعد أن قتلت هذه الصفوة، وبعد أن انساب جند هولاكو إلى شوارع بغداد ومحاورها المختلفة.. أصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع «باستباحة بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية».. والأمر بالاستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء.. يقتل.. يأسر.. يسبي.. يرتكب الفواحش.. يسرق.. يدمر.. يحرق.. كل ما بدا لهؤلاء الهمج أن يفعلوه فليفعلوه!
    وانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين.
    واستبيحت مدينة بغداد العظيمة.
    اللهم لا حول ولا قوَّة إلا بك.
    كم من الجيوش خرجت لتجاهد في سبيل الله من هذه المدينة!
    كم من العلماء جلسوا يفقهون الناس في دينهم في هذه المدينة!
    كم من طلاب العلم شدوا الرحال إلى هذه المدينة!
    أواه يا بغداد! لم يبق لك أحد!
    أين خالد بن الوليد؟
    أين المثنى بن حارثة؟
    أين القعقاع بن عمرو؟
    أين النعمان بن مقرن؟
    أين سعد بن أبي وقاص؟

    أين الحمية في صدور الرجال؟!
    أين النخوة في أبناء المسلمين؟!
    أين العزة والكرامة؟!
    أين الذين يطلبون الجنة؟
    أين الذين يقاتلون في سبيل الله؟
    بل أين الذين يدافعون عن أعراضهم ونسائهم وأولادهم وديارهم وأموالهم؟
    أين؟!!!
    لا أحد!!..
    فتحت بغداد أبوابها على مصاريعها.
    لا مقاومة.. لا حراك.
    لم يبق في بغداد رجال.. فقط أشباه رجال!
    استبيحت المدينة العظيمة بغداد.
    استبيحت مدينة الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل.
    استبيحت مدينة الرشيد.. الذي كان يحج عامًا ويجاهد عامًا.
    استبيحت مدينة المعتصم.. فاتح عمورية ببلاد الروم.
    استبيحت عاصمة الإسلام على مدار أكثر من خمسة قرون!


    وفعل التتار في المدينة ما لا يتخيله عقل!
    بدأ التتار يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان.. في كل بيت أو حديقة.. في كل مسجد أو مكتبة.. واستحر القتل في المسلمين.. والمسلمون لا حول لهم ولا قوَّة، فكان المسلمون يهربون ويغلقون على أنفسهم الأبواب، فيحرق التتار الأبوب أو يقتلعونها، ويدخلون عليهم، فيهرب المسلمون إلى أسطح الديار، فيصعد وراءهم التتار، ثم يقتلونهم على الأسطح، حتى سالت الدماء بكثرة من ميازيب[6] المدينة.
    ولم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط.. إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، وكانوا يقتلون النساء إلا من استحسنوه منهن؛ فإنهم كانوا يأخذونها سبيًا.. بل وكانوا يقتلون الأطفال.. بل كانوا يقتلون الرضع!
    وجد جندي من التتار أربعين طفلًا حديثي الولادة في شارع جانبي، وقد قُتلت أمهاتهم، فقتلهم جميعًا[7]!
    ومر اليوم الأول والثاني والثالث والعاشر.. والقتل لا يتوقف.. والإبادة لا تنتهي.
    ولا دفاع.. ولا مقاومة.. فقد دخل في روع الناس أن التتار لا يهزمون.. ولا يجرحون.. بل إنهم لا يموتون!
    كل هذا والخليفة حي يشاهد.. وهذا هو العذاب بعينه.
    هل تتخيلون الخليفة وهو يشاهد هذه الأحداث؟!
    هل تتخيلون الخليفة ابن الخلفاء.. العظيم ابن العظماء.. وهو يقف مقيدًا يشاهد كل هذه المآسي؟!
    - قتل ولدان من أولاده.
    - أسر ابنه الثالث.
    - أسرت أخواته الثلاث.
    - قُتل معظم وزرائه.
    - قتل كل علماء بلده وخطباء مساجده وحملة القرآن في مدينته.
    - اكتشف خيانة أقرب المقربين إليه «مؤيد الدين العلقمي الشيعي».
    - دُمر جيشه بكامله.
    - نهبت أمواله وثرواته وكنوزه ومدخراته.
    - استبيحت مدينته وقتل من شعبه مئات الآلاف أمام عينيه.
    - أحرقت العاصمة العظيمة لدولته، ودمرت مبانيها الجميلة.
    - انتشر التتار بوجوههم القبيحة الكافرة الكالحة في كل بقعة من بقاع بغداد.. فكانوا كالجراد الذي غطى الأرض الخضراء، فتركها قاعًا صفصفًا.
    - وضعت الأغلال في عنقه وفي يده وفي قدمه.. وسيق كما يساق البعير.
    لقد شاهد الخليفة كل ذلك بعينيه.
    وتخيل مدى الحسرة والألم في قلبه.


    لا شك أنه قال مرارًا: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}[مريم: 23].
    لا شك أنه نادم {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة: 28، 29].
    ومر على ذهنه شريط حياته في لحظات.
    ولا شك أنه أخذ يراجع نفسه ولسان حاله يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون: 99، 100].
    يا ليتني جهزت الجيوش وأعددتها وقويتها!
    يا ليتني حفزت الأمة على الجهاد في وقت أحيطت فيه بأعداء الدين من كل مكان.
    يا ليتني رفعت قيمة الإسلام في عيون الناس وفي قلوبهم، حتى يصبح الإسلام عندهم أغلى من أموالهم وحياتهم.
    ليتني تركت اللهو واللعب والحفلات والتفاهات.
    ليتني عظمت من العلماء وتركت الأدعياء.
    ليتني.. ليتني.. ليتني...
    لكن القيود الثقيلة المسلسلة في عنقه ويديه وساقيه ردته إلى أرض الواقع.. ليعلم أن الزمان لا يعود أبدًا إلى الوراء.
    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (نوع من الربا)، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ (العمل في رعي المواشي)، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، (أي رضيتم بالاشتغال بالزراعة، والمقصود عملتم في أعمال الدنيا أيًا كانت في وقت الجهاد المتعين)، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»[8].
    لقد عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة والكتابة والصناعة.. بل وفي العلم والتعلم.. وتركوا الجهاد في سبيل الله.. فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأيناه.
    وهذه دروس قيمة جدًّا إلى كل مسلم.. حاكم أو محكوم.. عالم أو متعلم.. كبير أو صغير.. رجل أو امرأة..
    - لا بُدَّ للحق من قوَّة تحميه.
    - الحقوق لا تُستجدى ولكن تؤخذ.. ويُبذل في سبيلها الغالي والثمين.
    - ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا.
    - أعداء الأمة لا عهد لهم.
    الموت رفسًا!
    وسيق الخليفة «المستعصم بالله» إلى خاتمته الشنيعة.. بعد أن رأى كل ذلك في عاصمته، وفي عقر دار خلافته، بل وفي عقر بيته.

    أصدر السفاح هولاكو الأمر بالإجهاز على الخليفة المسكين.. ولكن أشار على هولاكو بعض أعوانه بشيء عجيب! لقد قالوا: لو سالت دماء الخليفة المسلم على الأرض، فإن المسلمين سيطلبون ثأره بعد ذلك، ولو تقادم الزمان، ولذلك يجب قتل الخليفة بوسيلة لا تسيل فيها الدماء.. ولا داعي لاستعمال السيف.
    وهذا بالطبع نوع من الدجل.. لأنه من المفترض أن يطلب المسلمون دم خليفتهم، بل ودماء المسلمين جميعًا الذين قتلهم هولاكو وجنوده بصرف النظر عن طريقة قتلهم.


    لكن هولاكو استمع لهم.. وسبحان الله! كأن الله عز وجل قد أراد ذلك، حتى يموت الخليفة بصورة مخزية ما حدثت مع خليفة قبله، وما سمعنا بها مع أي من ملوك أو أمراء الأرض.. مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
    لقد أمر هولاكو أن يُقتل الخليفة «رفسًا بالأقدام»[9]!
    وبالفعل وضع الخليفة العباسي على الأرض، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم.
    وتخيل الرفس والركل بالأقدام إلى الموت!
    أي ألم.. وأي إهانة.. وأي ذل!
    لقد ظلوا يرفسونه إلى أن فارقت روحه الجسد.
    وإنا لله.. وإنا إليه راجعون.
    إن بغداد لم تسقط فقط!
    إنما سقط أخر خلفاء بني العباس في بغداد.
    وسقط معه شعبه بكامله!
    وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لأبوابها.. في يوم 14 من صفر سنة 656 هجرية[10].
    ولم تنتهِ المأساة بقتل الخليفة.. وإنما أمر هولاكو -لعنه الله- باستمرار عملية القتل في بغداد.. فهذه أضخم مدينة على وجه الأرض في ذلك الزمان.. ولا بُدَّ أن يجعلها التتار عبرة لمن بعدها.
    واستمر القتل في المدينة أربعين يومًا كاملة منذ سقوطها.
    وتخيلوا كم قتل في بغداد من المسلمين؟!
    لقد قتل هناك ألف ألف مسلم (مليون مسلم)[11]! ما بين رجال ونساء وأطفال!
    ألف ألف مسلم قتلوا في أربعين يومًا فقط!
    ولم ينج من القتل في بغداد إلا الجالية النصرانية فقط! !
    وتخيل أمة فقدت من أهلها مليونًا في غضون أربعين يومًا فقط.
    كارثة رهيبة!
    نذكر ذلك لنعلم أن المصائب التي يلقاها المسلمون الآن - مهما اشتدت - فهي أهون من مصائب رهيبة سابقة.. وسنرى -في المقالات القادمة- أن المسلمين سيقومون بفضل الله من هذه المصيبة.. لنعلم أننا - بإذن الله - على القيام من مصائبنا أقدر.

    [1] ابن كثير: البداية والنهابة 13/233.
    [2] المرجع السابق.
    [3] ابن كثير: البداية والنهاية 13/234.
    [4] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص106.
    [5] ابن كثير: البداية والنهاية 13/236.
    [6] الميازيب: هي قنوات تجعل في سقف المنازل لينزل منها ماء المطر، ولا يتجمع فوق الأسطح.
    [7] ابن كثير: البداية والنهاية 13/235.
    [8] أبو داود: كتاب البيوع، باب النهي عن العينة [3462]، والبزار في مسنده [5887].
    [9] السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 332.
    [10] ابن كثير: البداية والنهاية 13/336.
    [11] السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 332.
    منقول بتصرف






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (8)
    (656هـ 1258م)

    تدمير الحضارة سنة الغزاة


    (27)




    بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر.. عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين.. لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين؛ فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق.. عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم.. الديني منها والدنيوي.
    لقد أثرى هؤلاء العلماء الحضارة الإسلامية بملايين المصنفات.. بينما التتار لا حضارة لهم.. ولا أصل لهم.. إنهم أمة لقيطة.. نشأت في صحراء شمال الصين، واعتمدت على شريعة الغاب في نشأتها.. لقد قاتلت هذه الأمة كما تقاتل الحيوانات.. بل عاشت كما تعيش الحيوانات.. ولم ترغب مطلقًا في إعمار الأرض أو إصلاح الدنيا.. لقد عاشوا حياتهم فقط للتخريب والتدمير والإبادة.. شتان بين هذه الأمة وبين أمة الإسلام، بل شتان بين أي أمة من أمم الأرض وأمة الإسلام.. وهذا الانهيار الذي رأيناه في تاريخ بغداد من المستحيل أن يمحو التاريخ العظيم لهذه الأمة العظيمة.

    ماذا فعل مجرمو التتار؟!
    لقد اتجه فريق من أشقياء التتار لعمل إجرامي بشع، وهو تدمير
    مكتبة بغداد العظيمة[1].. وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن.. وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام.. جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون.. علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق.. علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض.. علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك.. هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر.. فإن أضفت إلى كل ما سبق الترجمات المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية أو غير ذلك علمت أنك تتحدث عن معجزة حقيقية من معجزات ذلك الزمان.


    لقد كانت مكتبة بغداد مكتبة عظيمة بكل المقاييس.. ولم يقترب منها في العظمة إلا مكتبة قرطبة الإسلامية في الأندلس.. وسبحان الله! لقد مرت مكتبة قرطبة بالتجربة نفسها التي مرت بها مكتبة بغداد!
    عندما سقطت قرطبة في يد نصارى الأندلس سنة 636 هجرية (قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط!) قاموا بحرق مكتبة قرطبة تمامًا.. وقام بذلك أحد قساوسة النصارى.. وكان اسمه «كمبيس»، وحرق بنفسه كل ما وقعت عليه يده من كتب بذلت فيها آلاف الأعمار وآلاف الأوقات، وأنفق في سبيل كتابتها الكثير من المال والعرق والجهد.
    لكن هذه سنتهم!
    حروبهم هي حروب على الحضارة.. وحروب على المدنية.. وحروب على الإسلام.. بل هي حروب على الإنسانية كلها.
    ولكن قبل أن نتحدث عن ماذا فعل التتار بمكتبة بغداد تعالوا نتحدث - ولو قليلًا - عن مكتبة بغداد.

    مكتبة بغداد:
    هي أعظم دور العلم في الأرض -بلا أدنى مبالغة- قرابة خمسة قرون متتالية.


    أسسها الخليفة العباسي المسلم هارون الرشيد، والذي حكم الدولة الإسلامية من سنة 170 هجرية إلى سنة 193 هجرية، ثم ازدهرت المكتبة جدًّا في عهد المأمون خليفة المسلمين من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 هجرية.. وما زال الخلفاء العباسيون بعدهم يضيفون إلى المكتبة الكتب والنفائس حتى صارت دارًا للعلم لا يُتخيل كمّ العلم بداخلها[2]!
    نحن نتحدث عن دار للعلم حوت ملايين المجلدات في هذا الزمن السحيق!
    ملايين الكتب في مكتبة واحدة في زمان ليس فيه طباعة!


    وكان هذا هو الأمر المتكرر والطبيعي في معظم حواضر الإسلام.. ولا ندري بالتحديد كم عدد الكتب في هذه المكتبة الهائلة.. وإن كانت تقدر حقًّا بالملايين.. ويكفي أن مكتبة طَرَابُلُس بلبنان -والتي لم تكن تقارن قط بمكتبة بغداد- قد أحرق الصليبيون الأوروبيون فيها «ثلاثة ملايين» مجلد عندما وقعت في أيديهم! فتخيل كم كان عدد المجلدات في مكتبة بغداد!
    كانت مكتبة بغداد تشتمل على عدد ضخم من الحجرات، وقد خصصت كل مجموعة من الحجرات لكل مادة من مواد العلم، فهناك حجرات معينة لكتب الفقه، وحجرات أخرى لكتب الطب، وهناك حجرات ثالثة لكتب الكيمياء ورابعة للبحوث السياسية وهكذا.
    وكان في المكتبة المئات من الموظفين الذين يقومون على رعايتها، ويواظبون على استمرار تجديدها.. وكان هناك «النساخون» الذين ينسخون من كل كتاب أكثر من نسخة، وكان هناك «المناولون» الذين يناولون الناس الكتب من أماكنها المرتفعة، وكان هناك «المترجمون» الذين يترجمون الكتب الأجنبية، وكان هناك «الباحثون» الذين يبحثون لك عن نقطة معينة من نقاط العلم في هذه المكتبة الهائلة!
    وكانت هناك غرف خاصة للمطالعة، وغرف خاصة للمدارسة وحلقات النقاش والندوات العلمية، وغرف خاصة للترفيه والأكل والشرب، بل وكانت هناك غرف لإقامة طلاب العلم الذين جاءوا من مسافات بعيدة!
    نحن إذن نتحدث عن جامعة هائلة.. وليست مجرد مكتبة من المكتبات.
    لقد حوت هذه المكتبة عصارة الفكر الإنساني في الدنيا بأسرها.


    لقد كان المأمون يشترط على ملك الروم في معاهداته معه بعد انتصارات المأمون المشهورة عليه أن يسمح للمترجمين المسلمين بترجمة الكتب التي في مكتبة القسطنطينية.. وكان لخلفاء بني العباس موظفون يجوبون الأرض بحثًا عن الكتب العلمية بأي لغة لتترجم وتوضع في مكتبة بغداد بعد أن يتولاها علماء المسلمين المتخصصون بالنقد والتحليل.
    لقد ترجمت في مكتبة بغداد الكتب المكتوبة باللغات اليونانية والسريانية والهندية والسنسكريتية والفارسية واللاتينية وغيرها.
    هذه هي مكتبة بغداد!
    المكتبة التي جمعت كل علوم الأرض في زمانها.
    ماذا فعل التتار مع مكتبة بغداد الهائلة؟
    لقد حمل التتار الكتب الثمينة.. ملايين الكتب الثمينة... وفي أَرْيَحيَّة شديدة -لا تخلو من حماقة وغباء- ألقوا بها جميعًا في نهر دجلة!
    لقد كان الظن أن يحمل التتار هذه الكتب القيمة إلى «قراقورم» عاصمة المغول ليستفيدوا- وهم لا يزالون في مرحلة الطفولة الحضارية- من هذا العلم النفيس.. لكن التتار أمة همجية.. لا تقرأ ولا تريد أن تتعلم.. يعيشون للشهوات والملذات فقط.
    لقد كان هدفهم في الدنيا هو تخريب الدنيا!
    ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة.. حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى!
    هذه جريمة ليست في حق المسلمين فقط.. بل في حق الإنسانية كلها!
    وهي جريمة متكررة في التاريخ.
    لقد فعلها الصليبيون النصارى في الأندلس -كما ذكرنا- في مكتبة قرطبة الهائلة.
    وفعلها الصليبيون النصارى في الأندلس مرة أخرى في مكتبة غرناطة عند سقوطها، فأحرقوا مليون كتاب في أحد الميادين العامة!
    وفعلها الصليبيون النصارى في الأندلس مرة ثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة في مكتبات طليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغيرها.
    وفعلها الصليبيون النصارى في الشام في مكتبة طَرَابُلُس اللبنانية فأحرقوا ثلاثة ملايين كتاب.
    وفعلها الصليبيون النصارى في فلسطين في مكتبات غزة والقدس وعسقلان.


    ثم فعلها بعد ذلك المحتلون الأوروبيون الجدد الذين نزلوا إلى بلاد العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، ولكن هؤلاء كانوا أكثر ذكاء؛ فإنهم سرقوا الكتب ولم يحرقوها، ولكن أخذوها إلى أوربا، وما زالت المكتبات الكبرى في أوربا تحوي مجموعة من أعظم كتب العلم في الأرض.. ألّفها المسلمون على مدار عدة قرون متتالية.. ولا يشك أحد في أن أعداد الكتب الأصلية الإسلامية في مكتبات أوربا تفوق كثيرًا أعداد هذه المراجع المهمَّة في بلاد المسلمين أنفسهم!
    لقد كان من هم الغزاة على طول العصور أن يحرموا هذه الأمة من اتصالها بأي نوع من أنواع العلوم.. إما بحرق الكتب أو بإغراقها في الأنهار أو بسرقتها.. أو بتغيير مناهج التعليم -حاليًّا- حتى تفرغ من كل ما هو قيّم وثمين.. كل ذلك لأن الغزاة يعرفون جيدًا قيمة العلم في دين الإسلام.. ويعرفون كذلك قوَّة المسلمين إذا ارتبطوا بالعلم.
    ونعود إلى التتار.. وإلى بغداد.
    فبعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد انتقلوا إلى الديار الجميلة، وإلى المباني الأنيقة فتناولوا جلها بالتدمير والحرق.. وسرقوا المحتويات الثمينة فيها، أما ما عجزوا عن حمله من المسروقات فقد أحرقوه! وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة النار والدخان.
    واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يومًا كاملة.. وامتلأت شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة، واكتست الشوارع باللون الأحمر، وعم السكون البلدة، فلا يسمع أحد إلا أصوات ضحكات التتار الماجنة.. أو أصوات بكاء النساء والأطفال بعد أن فقدوا كل شيء.
    وإلى الله المشتكى.

    [1] عبد الملك بن حسين المكي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/519.
    [2] مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا ص123 بتصرف.
    منقول بتصرف





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    سقوط بغداد (9)
    (656هـ 1258م)
    بغداد بعد السقوط

    (28)



    إذا كانت هناك خلافة ضعيفة فقد يأتي زمان تتقوى فيه، أو يجتمع المسلمون تحت رايتها.. أما إذا غابت الخلافة.. فالتجمع صعب.. بل صعب جدًّا.
    والآن سقطت بغداد وسقطت معها الخلافة والخليفة، مصيبة هائلة أن تختفي الخلافة.. مصيبة هائلة أن يختفي الخليفة.
    منذ سقوطها والتتار يسعون في أرض بغداد فسادًا، أكثروا من القتلى وخربوا الديار وهدموا الحضارة.
    واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يومًا كاملة.. وامتلأت شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة، واكتست الشوارع باللون الأحمر، وعم السكون البلدة، فلا يسمع أحد إلا أصوات ضحكات التتار الماجنة.. أو أصوات بكاء النساء والأطفال بعد أن فقدوا كل شيء.
    وبعد الأربعين يومًا خاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة نتيجة الجثث المتعفنة (مليون جثة لم تدفن بعد)، فأصدر هولاكو بعض الأوامر الجديدة:
    1- يخرج الجيش التتري بكامله من بغداد، وينتقل إلى بلد آخر في شمال العراق، لكي لا يصاب الجيش بالأمراض والأوبئة، وتترك حامية تترية صغيرة حول بغداد، فلم يعد هناك ما يخشى منه في هذه المنطقة.
    2- يعلن في بغداد أمان حقيقي، فلا يقتل مسلم بصورة عشوائية بعد هذه الأربعين يومًا.. وقد سمح التتار بهذا الأمان حتى يخرج المسلمون من مخابئهم ليقوموا بدفن موتاهم.. وهذا عمل شاق جدًّا يحتاج إلى فترات طويلة (مليون قتيل)، وإذا لم يتم هذا العمل فقد يتغير الجو- ليس في بغداد فقط - ولكن في كل بلاد العراق والشام، وستنتشر الأمراض القاتلة في كل مكان، ولن تفرق بين مسلم وتتري، ولذلك أراد هولاكو أن يتخلص من هذه الجثث بواسطة المسلمين.
    وفعلًا خرج المسلمون الذين كانوا يختفون في الخنادق أو في المقابر أو في الآبار المهجورة.. خرجوا وقد تغيرت هيئتهم، ونحلت أجسادهم، وتبدلت ألوانهم، حتى أنكر بعضهم بعضًا!
    لقد خرج كل واحد منهم ليفتش في الجثث، وليستخرج من بين التلال المتعفنة ابنًا له أو أخًا أو أبًا أو أمًا!
    مصيبة كبيرة فعلًا.
    وبدأ المسلمون في دفن موتاهم.. ولكن كما توقع هولاكو انتشرت الأوبئة في بغداد بشكل مريع، حتى مات من المسلمين عدد هائل من الأمراض القاتلة! وكما يقول ابن كثير: «ومن نجا من الطعن، لم ينج من الطاعون!»[1].
    فكانت كارثة جديدة في بغداد.. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
    3- كما أصدر هولاكو قرارًا بأن يعين مؤيد الدين العلقمي الشيعي رئيسًا على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على بغداد، على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية.


    ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط، وكانت القيادة الفعلية للتتار بكل تأكيد، بل إن الأمر تزايد بعد ذلك، ووصل إلى الإهانة المباشرة للرئيس الجديد مؤيد الدين العلقمي، ولم تكن الإهانة تأتي من قبل هولاكو، بل كانت تأتي من صغار الجند في جيش التتار، وذلك لتحطيم نفسيته، ولا يشعر بقوته، ويظل تابعًا للتتر!
    وقد رأته امرأة مسلمة وهو يركب على دابته، والجنود التتر ينتهرونه ليسرع بدابته، ويضربون دابته بالعصا.. وهذا بالطبع وضع مهين جدًّا لحاكم بغداد الجديد.. فقالت له المرأة المسلمة الذكية: «أهكذا كان بنو العباس يعاملونك[2]؟!
    لقد لفتت المرأة المسلمة نظر الوزير الخائن إلى ما فعله في نفسه، وفي شعبه.. لقد كان الوزير معظمًا في حكومة بني العباس.. وكان مقدمًا على غيره.. وكان مسموع الكلمة عند كل إنسان في بغداد، حتى عند الخليفة نفسه.
    أما الآن، فما أفدح المأساة! إنه يهان من جندي تتري حقير لا يعرف أحد اسمه.. بل لعل هولاكو نفسه لا يعرفه!
    وهكذا من باع دينه ووطنه ونفسه، فإنه يصبح بلا ثمن حتى عند الأعداء، فالعميل عند الأعداء لا يساوي عندهم أي قيمة إلا وقت الاحتياج، فإن تم لهم ما يريدون زالت قيمته بالكلية.
    وقد وقعت كلمات المرأة المسلمة الفطنة في نفس مؤيد الدين العلقمي، فانطلق إلى بيته مهمومًا مفضوحًا، واعتكف فيه، وركبه الهم والغم والضيق.. لقد كان هو من أوائل الذين خسروا بدخول التتار.. نعم هو الآن حاكم بغداد.. لكنه حاكم بلا سلطة.. إنه حاكم على مدينة مدمرة.. إنه حاكم على الأموات والمرضى!
    ولم يستطع الوزير الخائن أن يتحمل الوضع الجديد.. فبعد أيام من الضيق والكمد.. مات ابن العلقمي في بيته!
    مات بعد شهور قليلة جدًّا من السنة نفسها التي دخل فيها التتار بغداد.. سنة 656 هجرية.. ولم يستمتع بحكم ولا ملك ولا خيانة! وليكون عبرة بعد ذلك لكل خائن.{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود: 102].
    وولى التتار ابن مؤيد الدين العلقمي على بغداد، فالابن قد ورث الخيانة من أبيه.. لكن -سبحان الله!- وكأن هذا المنصب أصبح شؤمًا على من يتولاه.. فقد مات الابن الخائن هو الآخر بعد ذلك بقليل.. مات في السنة نفسها التي سقطت فيها بغداد سنة 656 هجرية[3]!
    ولا عجب!
    فإنه ما تمسك أحد بالدنيا إلا وأهلكته.
    تمسك بها الخليفة فهلك.
    وتمسك بها الوزير الخائن فهلك.
    وتمسك بها ابن الوزير فهلك.
    وتمسك بها شعب بغداد فهلك.

    خريطة باللُغة الفارسيَّة تُبيِّنُ المشرق الإسلامي بعد سُقوط بغداد ومُبايعة عدد من أُمراء وسلاطين المُسلمين هولاكو سيدًا عليهم.

    وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال فيما رواه الإمام الترمذي -وقال صحيح- عن عمرو بن عوف رضي الله عنه: «.. فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»[4].
    ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى العالم بأسره.
    أما العالم الإسلامي فكان سقوط بغداد بالنسبة إليه صدمة رهيبة لا يمكن استيعابها مطلقًا.. فبغداد لم تكن مدينة اعتيادية.. ففوق أنها أكبر مدينة على وجه الأرض في ذلك الحين، وفوق أن بها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، وفوق أنها من أعظم دور العلم والحضارة والمدنية في الأرض، وفوق أنها من ثغور الإسلام القديمة.. فوق كل ذلك فهي عاصمة الخلافة الإسلامية!
    ماذا يعني سقوط بغداد؟!
    تساءل الناس هذا السؤال الخطِر؟!


    وماذا يعني قتل الخليفة، وعدم تعيين خليفة آخر؟
    سؤال آخر خطِر.
    الدنيا لم تكن تعني للمسلمين شيئًا دون خلافة وخليفة.. حتى مع مظاهر الضعف الواضحة في سنوات الخلافة العباسية الأخيرة، وحتى مع كونها لم تكن تسيطر حقيقة إلا على بغداد وأجزاء بسيطة من العراق فإن الخلافة كانت تعتبر رمزًا مهمًّا للمسلمين.
    مصيبة هائلة أن تختفي الخلافة.. مصيبة هائلة أن يختفي الخليفة.
    وظهر عند المسلمين بعد سقوط بغداد اعتقاد غريب، سيطر على كثير منهم حتى ما عادوا يتكلمون إلا فيه، وانتشر بين الناس بسرعة عجيبة، والناس من عادتها أنها تحب دائمًا أن تستمع إلى الغريب.
    لقد ظهر اعتقاد أن خروج التتار وهزيمة المسلمين وسقوط بغداد ما هي إلا علامات للساعة، وأن «المهدي» سيخرج قريبًا جدًّا ليقود جيوش المسلمين للانتصار على التتار!
    نعم سيظهر المهدي في يوم ما، ونعم سينزل المسيح عليه السلام، ونعم ستكون الساعة.. نعم كل هذه أمور نعلم أنها ستحدث.. يقينًا ستحدث.. ولكن متى بالضبط؟ لا يدري أحد!
    {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}[الأحزاب: 63].
    فلماذا تظهر مثل هذه الدعوات في أوقات الهزائم والانتكاسات؟.
    إن هذا ليس له إلا مسوغ واحد، وهو أن الناس قد أُحبطوا تمامًا فأصبحوا يَشُكُّون في إمكانية النصر على أعداء الله عز وجل بمفردهم.. لقد أيقن الناس أنهم لا طاقة لهم بهولاكو وجنوده، ولذلك بحثوا عن حل آخر أسهل.. وليكن هذا الحل هو: «المهدي»، فلننتظر إلى أن يخرج المهدي، وعندها نقاتل معه.. أما قبل ذلك فلا نستطيع!
    دعنا نراقب الموقف عن بعد!
    دعنا ننتظر معجزة!
    إحباط.. ويأس.. وقنوط.
    وهذه كلها ليست من صفات المؤمنين.
    {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف: 87].
    ثم من أدراك أنك ستعيش إلى زمان خروج المهدي، بل عليك أن تعلم أنك لو مت قبل ظهوره فسوف يحاسبك الله عز وجل على عملك لا على حياتك في زمانه، ثم من أدراك أنه إذا خرج المهدي فإنك ستكون من جنوده.. إن جنوده سوف يختارهم الله عز وجل.. ولن يكون الاختيار عشوائيًا.. حاشا لله.. إنما سيكون بحسب الإيمان والعمل.
    ونسأل الله أن يستعملنا لدينه.
    كان هذا هو الوضع الإسلامي بعد سقوط بغداد.
    فكيف كان الوضع في العالم النصراني؟


    لقد عمت البهجة والفرحة أطراف العالم النصراني كله[5].. وهذا شيء متوقع جدًّا.. فكما ذكرت في المقالات الأولى أن قوى العالم الرئيسة في هذا القرن السابع الهجري كانت ثلاثة: العالم الإسلامي، والعالم النصراني، والتتار.. والحروب بين المسلمين والنصارى كانت على أشدها، وكانت هذه الضربة التترية ضربة موجعة جدًّا للعالم الإسلامي.. وتجددت -ولا شكَّ- الأطماع الصليبية في مصر والشام.
    وقد زاد من فرح النصارى أنهم كانوا يتعاونون مع التتار في هذه الحملة الأخيرة.. ودخل ملك أرمينيا وملك الكُرْج وأمير أنطاكية في حزب التتار.. وزاد من فرحتهم أن التتار - وللمرة الأولى في حياتهم - صدقوا في عهودهم.. فإنهم قد وعدوا النصارى أن لا يمسوهم بسوء في بغداد، وتم لهم ذلك، بل إن هولاكو أغدق بالهدايا الثمينة على «ماكيكا» البطريرك النصراني، وأعطاه قصرًا عظيمًا من قصور الخلافة العباسية على نهر دجلة، وجعله من مستشاريه، ومن أعضاء مجلس الحكم الجديد، ومن أصحاب الرأي المقربين في بغداد.
    كل هذا دعا النصارى إلى أن يقولوا: إن التتار هم أدوات الله للانتقام من أعداء المسيح عليه السلام، وهم بالطبع يقصدون المسلمين، مع أن التتار كانوا منذ سنوات قليلة يقتلون النصارى أنفسهم في أوربا.. ولكن يبدو أن ذاكرة النصارى لا تتسع للكثير.. لقد تناسى الصليبيون ما فعله التتار معهم ما دام التتار يقتلون المسلمين، تمامًا كما يتناسى النصارى اليوم ما فعله اليهود معهم ما دام اليهود يقتلون المسلمين.. والتاريخ يعيد نفسه دائمًا.
    هذه الكلمات التي قالها النصارى عن التتار، وهذه الشماتة الواضحة في المسلمين، كانت هي الكلمات نفسها والشماتة نفسها التي حدثت بعد سقوط غرناطة في الأندلس، وسبحان الله! فالذي يراجع سقوط غرناطة يجد تشابهًا عجيبًا بين سقوطها وسقوط بغداد.. مما يعطي أهمية قصوى لدراسة التاريخ؛ لأنه يتكرر بصورة قد لا يتخيلها البشر!


    [1] ابن كثير: البداية والنهاية 13/236.
    [2] ابن كثير: البداية والنهاية 13/246.
    [3] المرجع السابق.
    [4] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها [6425]، ومسلم [2961].[5] ابن العبري: تاريخ الزمان ص308، 309.
    منقول بتصرف






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان



    معركة وادي الخزندار(1)
    (699 هـ / 1299م)
    ويكيبيديا
    (29)


    انتصار المغول (يسار) على المماليك (يمين) عام 1299م في معركة وادي الخزندار
    معركة وادي الخزندار،
    [2][3][4][5][6] التي تُعرف أيضاً بجمع المروج،[2] ومعركة مرج المروج،[7] ومعركة سلمية،[8][9] ومعركة حمص الثالثة، معركة وقعت في سوريا شمال شرق حمص دارت رحاها في عام 699 هـ / 1299م بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون ومغول الإلخانات بقيادة محمود غازان. انتهت بانتصار المغول على المماليك بسبب صغر حجم جيش الأخير ونقص استعداداته.[10]


    ترجع أسباب هذه المعركة إلى بعد هزيمة المغول الفرس في معركة عين جالوت بفلسطين على أيدي المماليك ورغبتهم بالثأر لهذه الهزيمة، فجمعوا جيشا عظيما وزحفوا به على دمشق واحتلوها وانتهكوا حرمة الناس والمقدسات، وقتلوا العديد من المدنيين ونادوا بإلخان المغول حاكما على الشام، واستمروا بغزواتهم حتى طردوا جيش المماليك وأعادوه إلى مصر بعد أن عجز عن التغلب عليهم.
    وبعد هزيمة المماليك، حاول السلطان إعادة تنظيم الجيش المملوكي والعودة للثأر لهذه الهزيمة النكراء، ولكن إلخان المغول كان قد سبق وترك دمشق عائدا إلى فارس، فطلب السلطان من الذي خلفه الخضوع له، فقبل بهذا، ونودي بالسلطان مجددا حاكما على الشام. وبعد ذلك بفترة أرسل إلخان المغول وفدا يطلب الصلح من السلطان، فوافق الأخير عليه. رغم هزيمة المماليك الفادحة إلا أنهم أوقعوا خسائر جسيمة بالجيش المغولي، حيث أن المصادر المملوكية تفيد بأن جيش المغول كان يتألف من 60,000 جندي مغولي و40,000 جندي جورجي وأرمني، إلا أن المماليك قتلوا ما بين 5,000 و10,000 جندي، بينما قتل المغول 200 جندي مملوكي. تفيد مصادر أخرى أن المغول فقدوا 14,000 جندي بينما فقد المماليك 1,000 جندي فقط، إلا أن هذه المصادر لا تأخذ بعين الاعتبار خسائر المماليك بعد تراجعهم.[11]



    خلفية المعركة

    بعد موت جنكيز خان في عام 1227م قُسمت إمبراطورية المغول بين أبنائه الأربعة. وكانت الأجزاء التي تهم الدولة المملوكية جزأين هما: الجزء الغربي من دولة جنكيز خان وكان من نصيب حفيده "باتو بن جوجي"، وعرف هذا الفرع باسم "القبيلة الذهبية" أو خانات القفجاق وشملت حدودها أجزاء من ما يُعرف اليوم باسم روسيا، أوكرانيا، مولدوفيا، وكازاخستان. والجزء الآخر بلاد فارس وكان من نصيب "تولوي"، وعرف هذا الفرع باسم دولة "الإلخانات" أو مغول فارس.
    توسع الإلخانات في آسيا الصغرى، واقتحموا حدود العالم الإسلامي، وفي عام 1258 استولوا بقيادة "هولاكو" على بغداد ودمروها، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وقضوا على الخلافة العباسية، ثم استولوا على دمشق، وبذلك فقد المسلمون مركزين هامين من مراكز الثقافة في العالم الإسلامي.
    أما القبيلة الذهبية في الجزء الغربي، فقد اعتنقت الإسلام، وصارت عضداً وحليفاً للمسلمين في حربهم ضد مغول فارس.[12] بعد الاستيلاء على بغداد ودمشق أرسل هولاكو إلى سيف الدين قطز سلطان مصر المملوكي يهدده ويأمره بالخضوع له. فخرج قطز من القاهرة بجند مصر،[13] ومن انضم إليه من عسكر الشام [14] والعرب والتركمان،[15] واصطدم بجيش المغول في 3 سبتمبر من عام 1260م وهزمه هزيمة ساحقة في معركة كبرى عرفت باسم معركة عين جالوت.[16][17] بانتصار قطز على مغول فارس تم تحرير دمشق من المغول، وتلاشت الدولة الأيوبية نهائياً، وامتدت الدولة المملوكية الناشئة إلى الشام.

    صورة لتمثال سيف الدين قطز

    إلا أن معركة عين جالوت لم تنه مطامع مغول فارس في الشام، بل صار المغول يتربصون ويعدون العدة لأخذ ثأر هزيمتهم على أيدي المماليك. لم يكد يعلم المغول بموت السلطان قطز حتى أغاروا بقيادة "بيدرا" على مدينة البيرة وبعد ذلك هاجموا حلب واستولوا عليها.[18] أدرك السلطان بيبرس الذي خلف قطز خطورة مغول فارس على دولة المماليك والعالم الإسلامي، فهادن الصليبيين وعقد حلفاً مع "بركة خان بن جوجي" ملك مغول القبيلة الذهبية الذي أشهر إسلامه، حتى يتفرغ لمواجهة خطر مغول فارس. وتمكن بيبرس من استرداد البيرة ووقف للمغول والصليبيين بالمرصاد.[18]
    بعد وفاة الظاهر بيبرس جدد السلطان قلاوون، الذي خلف بيبرس وابنيه السعيد بركة قان وسُلامش، الهدنة مع الصليبيين ليتفرغ هو الآخر لمواجهة الخطر المغولي وتمكن من هزيمتهم قرب حلب في عام 1280م ثم هزمهم مرة أخرى هزيمة نكراء عند حمص في سنة 1281م عندما هاجموا الشام بقيادة "أباقا بن هولاكو". خلف أباقا بعد وفاته أخوه "تكودار" الذي أشهر إسلامه وسمى نفسه أحمد مما أدى إلى تحسن العلاقات بين مغول فارس والمماليك. إلا أن تحسن العلاقات لم يدم طويلاً، إذ قُتل تكودار على يد ابن أخيه "أرغون بن أباقا" الذي ولى عرش مغول فارس مكانه في عام 1284م وعرف بكراهيته وعدائه للمسلمين.[19]
    بعد صراعات داخلية بين مغول فارس أطاح "غازان بن أرغون" بابن عم أبيه "بايدو بن طرقاي" في عام 1295م ليصبح بذلك سابع إلخانات فارس،[20] وقام بتبديل لقبه من إلخان إلى سلطان.[21]
    ونشأ غازان مسيحياً وقامت بتربيته "ديسبينا خاتون" زوجة "أباقا"، التي كانت صديقة للصليبيين وعدوة لدودة للمسلمين. إلا أن غازان اعتنق الإسلام وسمى نفسه محمودا، وجعل الإسلام الديانة الرسمية لدولة مغول فارس، ولكن هذا لم يؤد إلى تلاشي أحقاده على المماليك وأطماعه في السيطرة على بلاد المسلمين. وبقي غازان صديقاً وحليفاً للصليبيين.[22][23]


    عندما استولى غازان على عرش الإلخانات كان السلطان العادل كتبغا، الذي حكم من سنة 1294م إلى سنة 1295م، يجلس على عرش المماليك بقلعة الجبل بالقاهرة.[24] وكان كتبغا ذاته من أصل مغولي، وفي عهده وفد إلى الشام ومصر عدد كبير من المغول الوافدية من طائفة الأويراتية.[25] وفيما بين عامي 1296م و1299م حكم البلاد السلطان حسام الدين لاجين، وبعد وفاته نصب الناصر محمد بن قلاوون للمرة الثانية سلطاناً على البلاد، وكان عمره حينذاك أربعة عشر عاماً.[26][27] في عهد السلطان لاجين فر الأميران قبجق المنصوري نائب دمشق وبكتمر السلاح دار إلى المغول وأقاما عند غازان،[28] فلما نصب الناصر سلطاناً أغرى قبجق غازان بسهولة الزحف على الشام نظراً لصغر سن السلطان الناصر وانشغال الأمراء في خلافاتهم.[8] فما كاد الناصر محمد يستقر على تخت السلطنة في عام 1299 حتى وردت الأنباء بزحف المغول بقيادة غازان على الشام.[29]

    زحف المغول على الشام


    محاربون مغول.
    في سنة 699هـ / 1299م وردت أنباء عن زحف مغولى من حلب على الشام يقوده محمود غازان سلطان مغول فارس، وأن طلائع المغول قد وصلت إلى البيرة.
    جمع الناصر محمد الأمراء للتشاور، واتفقوا على خروج بيبرس الجاشنكير استادار السلطان إلى حلب على رأس جيش صغير قوامه خمسمائة مملوك، على أن يلحق به الناصر ببقية الجيش.[8]
    في 15 صفر خرج الناصر من القاهرة على رأس جيشه متوجهاً إلى دمشق، وفي صحبته الخليفة العباسي الإمام أحمد الحاكم بأمر الله،[30][31] والقضاة الأربعة،[32] وسائر الأمراء.



    تآمر المغول الأويراتية
    عند وصول جيش الناصر محمد إلى تل العجول من غزة تآمر المغول الأويراتية الذين وفدوا إلى مصر وأقاموا فيها في عهد السلطان المخلوع كتبغا، مع بعض المماليك السلطانية على اغتيال الأميرين سلار نائب السلطنة [33] وبيبرس الجاشنكير استادار السلطان [34][35] بهدف الانتقام وإعادة كتبغا -وهو مغولي الأصل- إلى الحكم. وأفلت بيبرس من القتل بعد أن هاجمه أحد المماليك السلطانية ويدعى برنطاي ولكنه نجا وقُتل برنطاي بعد أن تبادرته السيوف. ظن سلار أن المؤامرة قد تمت بمعرفة الناصر فأرسل إلى أمير جاندار يقول:
    ما هذه الفتنة التي تريدون إثارتها في هذا الوقت ونحن على لقاء العدو؟ وقد بلغنا أن الأويراتية قد وافقت المماليك السلطانية على قتلنا، وكان هذا برأيك ورأي السلطان، وقد دفع الله عنا. إن كان الأمراء كذلك فنحن مماليك السلطان ومماليك أبيه الشهيد، ونحن نكون فداء للمسلمين وإن لم يكن الأمر كذلك فابعثوا إلينا غرماءنا.

    فلما سمع الناصر هذا الكلام بكى، وأقسم أنه لم يكن يعلم. وأقسم أمير جاندار أيضاً وذكر أنه ظن أن السلطان كان هو هدف المتآمرين. وتم الصلح بين أمير جاندار والأمراء البرجية. وقُبض على الأويراتية، فأقروا بما كانوا قد عزموا عليه من قتل بيبرس الجاشنكير وسلار وإعادة العادل كتبغا إلى الحكم. وشنق نحو الخمسين من الأويراتية، ونودي عليهم : "هذا جزاء من يقصد إقامة الفتن بين المسلمين ويتجاسر على الملوك". واتفق بيبرس وسلار على إبعاد بعض مماليك الناصر إلى الكرك فأبعدوا بموافقته.[36]
    عند بلدة قرتية،[37] تعرض الجيش لسيل عارم أتلف وأضاع الكثير من منقولات الجنود وهجنهم فتشائموا وتطيروا من ذلك. وبعد السيل خرج جراد سد الأفق فزاد تطيرهم وخوفهم.[38]
    المعركة


    خريطة موقع معركتي وادي الخزندار وشقحب بين المماليك والمغول في عهد الناصر محمد بن قلاوون ومحمود غازان.

    في 8 ربيع الأول وصل الناصر إلى دمشق على رأس جيشه، ووردت الأنباء بالبريد ومع القادمين من حلب وغيرها بعبور غازان نهر الفرات بجيش ضخم. في 17 ربيع الأول خرج عسكر دمشق وتبعه الناصر بجيشه ونزلوا بحمص، وأرسل الناصر العربان لمعاينة وضع المغول، فبلغه أنهم يحتشدون عند سلمية.[39]
    في سحر 18 ربيع الأول خرج الناصر من حمص لملاقاة المغول.[40][41] وقد أٌمر الجنود بالتخلي عن الرماح والاعتماد على السيوف والدبوس.[42] ووصل الناصر إلى مجمع المرج -الذي عرف فيما بعد باسم وادي الخزندار- وقام الأمراء بترتيب الجنود وتنظيم الصفوف. وراح الفقهاء يعظون المقاتلين ويقوون عزائمهم حتى بكوا من وقع الكلمات وشدة التأثر.[43]
    كانت عدة جيش المسلمين نحو 20 ألف فارس وكان جيش غازان في نحو 100 ألف،[44] وكان يضم قوات متحالفة من مملكة قليقية، المعروفة أيضاً بمملكة أرمينية الصغرى.[45][46]
    وقف الأمير عيسى بن مهنا في الميمنة على رأس العربان، يليه الأمير بلبان الطباخي نائب حلب على رأس عسكر حلب وحماة. ووقف على رأس الميسرة أقش قتال السبع والحاج كرت نائب طرابلس والأمير بدر الدين بكتاش في عدة من الأمراء. أما في القلب فقد وقف بيبرس الجاشنكير وسلار وأيبك الخازندار في عدة من الأمراء. ووقف الناصر محمد على بعد مع حسام الدين لاجين الاستادار.[47] وقد اضطر بيبرس الجاشنكير إلى الاعتزال بسبب إصابته بمغص شديد مفاجئ منعه من الثبات على فرسه.[40]
    أمر غازان مقاتليه بالثبات وعدم الحركة إلى أن يتحرك هو حتى يتمكنوا من مهاجمة جيش الناصر هجمة رجل واحد. فلما انطلقت طليعة جيش الناصر، المعروفون بالزراقون، بالنفط المشتعل تجاه جيش المغول، لم يتحرك غازان بعكس ما توقع المسلمون، وظل على ثباته حتى اقتربت طليعة المسلمين منه وقد خمدت نيران النفط، فهجم بجيشه حملة واحدة. انطلقت سهام عشرة آلاف مغولي من رماة النشاب نحوالعربان وضغطت ميمنة جيشهم عليهم فولى العربان مدبرين وخلفهم جيش حلب وحماة فهزمت ميمنة جيش المسلمين. أما ميسرة جيش الناصر فقد تمكنت من صدمة ميمنة غازان صدمة قوية فرقت جمعها ودحرتها عن أخرها، وفقد المغول في تلك الصدمة نحو الخمسة آلاف. وكُتب بذلك إلى الناصر محمد فابتهج.[48]

    كاد غازان أن يولي الأدبار فاستدعى قبجق نائب دمشق فشجعه وثبته حتى تماسك ونظم صفوفه وحمل حملة واحدة على قلب جيش المسلمين فلم يصمد سلار وسائر الأمراء البرجية وتولوا أمام جيش غازان الذي تبعهم وراح يرمي السهام على أقفيتهم. رأى الملك الناصر جيشه يولي الأدبار وخلفه جيش غازان يمطره بالسهام، فراح يبكي ويبتهل قائلاً: "يارب لا تجعلني كعباً نحساً على المسلمين".[48] لم يبق مع الناصر من المماليك غير اثني عشر مملوكاً.[49]
    عاد مقاتلو ميسرة جيش المسلمين التي هزمت ميمنة غازان إلى حمص بالغنائم بعد العصر، فإذا بهم يرون الأمراء البرجية يولون منهزمين وفي أعقابهم المغول يتبعونهم فبهتوا. إلا أن غازان أمر مقاتليه بالانسحاب خشية أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم كميناً فنجوا.
    وصل بقية المنهزمون إلى حمص وقت الغروب بلا عتاد ولا سلاح، بعد ما غنم المغول سائر ما كان معهم، فصرخ فيهم أهل حمص: "الله الله في المسلمين!"، ثم توجهوا إلى دمشق.[50]
    استناداً إلى المقريزي قتل في المعركة العديد من الأمراء، ونحو أربعة عشر ألفاً من المغول.[50] وتجدر الإشارة إلى أن المماليك كانوا عادة يحصون عدد الأمراء المقتولين مع عدم الإشارة إلى المقتولين من عوام الجنود والمتطوعين. ويذكر ابن إياس أن عدد القتلى من الجانبين كان ضخماً.[8]
    يتبع






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان



    معركة وادي الخزندار(2)
    (699 هـ / 1299م)

    ويكيبيديا
    (30)


    دخول المغول دمشق




    الجامع الأموي.



    ما كاد المنهزمون يصلون إلى دمشق حتى وصل خبر بقدوم غازان، فسارعوا بمغادرة المدينة.[51] وصل غازان إلى أطراف دمشق بعد أن نهب الخزائن السلطانية وعتاد جيش المسلمين في حمص، فقامت ضجة عظيمة وهرب الناس من المدينة في فزع، وهرب نحو مائتي سجين من السجون،[3] ومات من الزحام في الأبواب العديد من الناس، وفر إلى جهة مصر كثير منهم.[52][53] واجتمع من بقي في المدينة بالجامع الأموي واتفقوا على إرسال قاضى القضاة بدر الدين محمد والفقيه تقي الدين أحمد بن تيمية، في عدة من شيوخ وقضاة دمشق، إلى غازان لطلب الأمان، فذهبوا إليه عند النبك، ومنهم من قبل له الأرض، وطلبوا منه الأمان عن طريق مترجم، فقال لهم "قد بعثت إليكم الأمان" وصرفهم، فعادوا إلى دمشق،[54][55] وفي يوم الجمعة قرأ الأمير إسماعيل التتري، الذي حمل الأمان لأهل دمشق، الفرمان. ولم يخطب في مساجد دمشق لأحد من الملوك في ذاك اليوم. بعد يومين دخل غازان دمشق ومعه قبجق نائب دمشق.[56][57]
    رفض الأمير علم الدين سنجر المنصوري نائب قلعة دمشق [58] المعروف بأرجواش الخضوع لغازان وتحصن في قلعة دمشق، فلما طلب منه قبجق وبكتمر الاستسلام بحجة أن دم المسلمين في عنقه رفض وسبهما سباً قبيحاً وقال لهما: "إن دم المسلمين في أعناقكم أنتم لأنكم كنتم السبب في مجيء التتار".[59] فذهب الأمير إسماعيل التتري إلى قضاة وأعيان دمشق يحذرهم من مغبة عدم استسلام أرجواش وتسليمه القلعة للمغول وهددهم بنهب دمشق وقتل الجميع. فأرسلوا إليه الرسل يطلبون منه الاستسلام فرفض ورد عليهم بالشتائم.[60]

    مجموعة صور لمدينة دمشق


    في يوم الجمعة 14 ربيع الآخر من عام 696هـ خُطب لغازان على منبر دمشق بألقابه وهي: "السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان". وقُرئ على الناس تقليد قبجق دمشق وحلب وحماة وحمص وغيرها، وولايته للقضاة والخطباء وغيرهم، ونثرت الدنانير على الناس ففرحوا بها.[61][62] ونهب المغول وأرمن مملكة قليقية المدن وأحرقوا المساجد والمدارس وقتلوا الناس. قام الأرمن بتخريب الصالحية قرب دمشق، وقتلوا وأسروا نحو 10,000 من أهلها وفر من تمكن منهم إلى دمشق.[63] وانتهز الأرمن فرصة هزيمة المسلمين فاستولوا على تل حمدون وغيرها.[64] وخرج ابن تيمية إلى غازان بتل راهط للشكوى من النهب والتخريب وقتل الناس برغم منح الأمان فلم يتمكن من لقائه لانشغاله بشرب الخمر. فاجتمع بالوزيرين سعد الدين ورشيد الدين فنصحاه بدفع المال.[63]

    حماة

    نصب المغول المنجنيق على القلعة بالقرب من جامع دمشق الكبير فلما بلغ أرجواش ذلك بعث بعض رجاله فأفسدوا ما وضعه المغول، ولكن المغول أعادوا وضع المنجنيق وقاموا بحراسته، وحولوا الجامع إلى حانة، واستباحوا حرمته وشربوا فيه الخمور وفجروا بنساء المسلمين،[59] ولم تقم به صلاة العشاء في هذا الوقت. فأرسل أرجواش رجلا لقتل المنجنيقي فهجم عليه بسكين وقتله وهو في وسط المغول، وهرب إلى القلعة. ثم قام أرجواش بهدم وحرق ما حول القلعة لئلا يستتر به المغول.[65]

    معالم مدينة حلب

    حمص

    راح المغول يجبون الأموال من أهل الشام وينقلونها إلى خزانة غازان. فلما انتهت الجباية غادر غازان دمشق إلى فارس بعد أن أقام الأمير قبجق نائباً على دمشق، والأمير بكتمر نائباً على حلب وحمص وحماة، والأمير الألبكي نائباً على صفد وطرابلس والساحل تحت حماية نائبه قطلو شاه، [66][67] ووعد بالعودة لغزو مصر [21] كاتباٌ: "إنا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين ألف مقاتل، وفي عزمنا العودة إليها في زمن الخريف، والدخول إلى الديار المصرية وفتحها".[3] بعد رحيل غازان استمر نهب وتخريب دمشق وكسر المغول أبواب البيوت ونهبوا ما فيها وأحرقوا الكثير من الدور والمدارس واحترقت المدرسة العادلية.[68] ونهب المغول الأغوار حتى بلغوا القدس، ووصلوا إلى غزة حيث قتلوا بعض الرجال في جامعها.[69] ومما قاله الشعراء في فاجعة الهزيمة:
    غلاء وغازان وغزوة وغارة
    وغدر وإغبان وغم ملازم.[70]

    انسحاب جنود الناصر إلى مصر



    تل و قلعة صلخد
    أما في مصر فقد تواصل ورود شراذم الجنود ومعهم عوام من الشام في أسوأ حال،[71] بعد أن انهمرت عليهم أمطار غزيرة في رحلة فرارهم إلى مصر، واجتيازهم لطرقات موحلة وتعذرت عليهم الأقوات.[3] وكان من ضمن الفارين إلى مصر السلطان المخلوع العادل كتبغا الذي كان السلطان لاجين قد عينه في عهده نائبا على قلعة صرخد. وبعد فراره إلى مصر مع الفارين دخل في خدمة الأمير سلار. وعاد السلطان الناصر إلى مصر بعد أن تفرقت العسكر عنه ولم يبق معه إلا بعض خواصه، ودخل قلعة الجبل في 12 ربيع الآخر [72] وقد أصابه حزن بالغ وتألم ألماً شديداً لهذه الهزيمة الشنعاء التي مني بها.[73]
    إعادة تنظيم الجيش


    بدأ الناصر فور عودته إلى القاهرة بتنظيم الجيش وتجهيزه لأخذ الثأر من المغول.[73] واستدعى صناع السلاح وجُمعت الأموال والخيل والرماح والسيوف من كل أرجاء مصر. ورسم للجنود العائدين بالنفقة فمنحوا أموالاً كثيرة أصلحوا بها أحوالهم وجددوا عدتهم وخيولهم.[74] ونودي بحضور الأجناد البطالين ووزعوا على الأمراء.

    استدعي مجدي الدين عيسى نائب الحسبة ليأخذ فتوى الفقهاء بأخذ المال من الناس للنفقة على الحرب. فأحضر فتوى قديمة كان السلطان قطز قد استخدمها في أخذ دينار من كل شخص قبل معركة عين جالوت. ولكن الشيخ تقي الدين محمد بن دقيق العيد امتنع عن إصدار فتوى بهذا الخصوص قائلاً:
    «لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى أحضر سائر الأمراء ما في ملكهم من ذهب وفضة وحلي نسائهم وأولادهم ورآه. وحلف كل منهم أنه لا يملك سوى هذا. كان ذلك ليس بكاف، فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد. وأما الآن فيبلغني أن كلا من الأمراء له مال جزيل، وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلي، ويعمل الإناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضة. ويرصع مجاس زوجته بأصناف الجواهر.»
    عندئذ تقرر النظر في أموال التجار والأغنياء، وأخذ ما يمكن أخذه من كل منهم بحسب قدرة كل واحد. فُرض على كل فرد من التجار والأغنياء من عشرة دنانير إلى مائة دينار، وطلب من أعيان التجار مالاً على سبيل القرض، فتم جمع مبالغ كبيرة. على الرغم من التكاليف الباهظة والأعداد الكبيرة من نازحي الشام إلا أن ذلك لم يوثر كثيراً على اقتصاد مصر، ارتفع سعر السلاح ولكن هبطت أسعار الغذاء ولم يحدث نقص في الأسواق.[75]
    في غضون ذلك وردت إلى القاهرة أنباء رحيل غازان عن دمشق وإقامة قبجق نائباً عليها، فأرسل الناصر إلى قبجق وبكتمر يدعوهما للولاء له، فاستجابا له. وخرج قبجق من دمشق متوجهاً إلى مصر، فاستولى الأمير أرجواش على دمشق وأعاد الخطبة باسم الملك الناصر بعد انقطاعها مائة يوم.[76] وسار بيبرس الجاشنكير وسلار إلى دمشق وأرسلا العسكر إلى حلب فقتلوا من كان فيها من أتباع غازان، وفر بعضهم إلى غازان وعرفوه بغدر قبجق به. وأقيم العادل كتبغا نائباً على حماة، [77] وخلع على أرجواش وأنعم عليه، وأقيم قبجق على نيابة الشوبك. وزحفت جنود الناصر على جبل لبنان وألزموا الدروز، بعد أن طلبوا الأمان، بإعادة العتاد والأموال التي نهبوها من الجنود وقت انسحابهم إلى مصر.[78]
    وصل إلى القاهرة وفد من غازان بطلب الصلح ووافق الناصر على الصلح ورد على غازان برسالة تقول: "إذا جنح الملك للسلم جنحنا لها.. والمشاهد لتصافينا يتلوا قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾،[79] وينتظم إن شاء الله شمل الصلح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمصافاة بعروة لا انفصال ولا انفصام، وتستقر قواعد الصلح على ما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام".[73]
    إلا أن طلب غازان للصلح كان، كما يبدو، مجرد مناورة منه لكسب الوقت للتعرف على استعدادات وتحركات الملك الناصر.[73]
    في جمادى الآخرة عام 702هـ / 1303م وصلت أخبار من حلب بأن جيش المغول أوشك على الزحف على الشام مرة أخرى.[80] فخرج جيش الناصر بجيش مصر وانضم إليه عسكر الشام،[81][82][83] والتقى الجمعان في 2 رمضان سنة 702هـ، الموافق في 20 إبريل سنة 1303م قرب دمشق، [84] في معركة تعرف باسم معركة شقحب أو معركة مرج الصفر. وفيها أبلي جيش المسلمين بلاءً حسناً وانتصر على جيش المغول نصراً كبيراً غسل عار هزيمة وادي الخزندار.

    فهرس وملحوظات


    ^ (ابن كثير، 14/9)(العسلي، 137)
    تعدى إلى الأعلى ل: أب المقريزي، 1/319
    تعدى إلى الأعلى ل: أبتث ابن كثير، 14/9
    ^ بيبرس الدوادار، 330
    ^ ابن أيبك الدواداري، 9/15
    ^ وادي الخزندار هوالاسم كما ذكره المقريزي وابن كثير وبيبرس الدوادار وابن أيبك الدواداري. وقد شرح القلقشندي أن " الخزندار " هو الرسم الصحيح للكلمة. -(القلقشندي، صبح الأعشى، 5/435)
    ^ الهمذانى، 46
    تعدى إلى الأعلى ل: أبتث ابن إياس، 1/403
    ^ Runciman, p.439/3
    ^ يذكر ابن كثير أن سلار وبيبرس " لم يكملوا عدة جندهم فنقص العسكر كثيراً مع سؤ التدبير ونحو ذلك من الأمور". - (ابن كثير، 9/14)
    ^ معركة وادي الخزندار: خلفية المعركة والخسائر (بالإنجليزية)[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 26 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
    ^ Toynbee, p.473
    ^ المقريزي، السلوك 1/515
    ^ سمح السلطان قطز بدخول مصر لرفقاء وعسكر الملك الناصر يوسف حاكم دمشق بعد فرارهم من الشام، ولكنه لم يسمح بدخول الناصر يوسف بسبب محاولة تحالفه مع المغول، فظل هائماً في الصحراء عند غزة إلى أن قبض عليه المغول أو ذهب إليهم، وقتله هولاكو بعد هزيمة المغول متهماً إياه بعدم تقديم العون الكافي للمغول.-(المقريزي، 1/ 513و518-519)-(Amitai-preiss,P. 30)
    ^ كان التركمان من ضمن عسكر الناصر يوسف وسمح لهم بدخول مصر والانضمام إلى الجيش ،(Amatai-Preiss, p. 30)
    ^ Amitai-Preiss, p.36-45
    ^ المقريزي،1/ 515
    تعدى إلى الأعلى ل: أب الشيال، 2/137
    ^ الشيال، 2/ 165-166
    ^ بعد مقتل أرغون بن أباقا (حكم 1284-1291) والد غازان تولى الحكم أخوه " جايخاتو بن أباقا " (حكم 1291 - 1295)، ولكنه قتل وتم تنصيب ابن عمه بايدو بن طرقاي (حكم 1295م) إلخاناً على مغول فارس فقامت حرب بين غازان وبايدو انتهت بفرار بايدو وتنصيب غازان إلخاناً على مغول فارس (حكم 1295-1304).
    تعدى إلى الأعلى ل: أب Ruciman, p. 439/3
    ^ Ruciman, p.429/3
    ^ العسلي 136
    ^ قلعة الجبل : مقر سلاطين المماليك بالقاهرة وكانت فوق جبل المقطم حيث يوجد الآن مسجد محمد على وأطلال قلعة صلاح الدين.
    ^ المغول الأويراتية: طائفة مغولية وفدت إلى الشام ومصر في عام 1296 في عهد السلطان العادل كتبغا وأقامت في حي الحسينية بالقاهرة وسواحل الشام. كانت الطائفة هاربة من محمود غازان (انظر العادل كتبغا). لم تكن الأويراتية أول من وفد على السلطنة من المغول ولكنهم كانوا الأضخم عددا. في عام 1262، في عهد السلطان الظاهر بيبرس، أعداد كبيرة من أفراد القبيلة الذهبية الفارين من هولاكو وفدت على مصر وتبعهم غيرهم من المغول في السنوات اللاحقة. بيبرس رحب بهم وألحقهم بالجيش. كانت لهم فرقة عسكرية خاصة بهم عرفت باسم "الفرقة الوافدية". خلال العصر المملوكي تمتع الوافدية بالحرية ولم تطبق عليهم النظم المملوكية. بيبرس أسكن الوافدية في القاهرة وألحق أفرادها بوظائف الدولة المختلفة. (الشيال ،2/144)
    ^ شفيق مهدي، 103
    ^ الملك الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون، (ولد بـالقاهرة في 684هـ / 1285 - توفى بالقاهرة في 741هـ / 1341). تاسع سلاطين الدولة المملوكية البحرية. لقب بـأبو المعالي وأبو الفتح. جلس على تخت السلطنة ثلاث مرات، من 693هـ / 1293 إلى 694هـ / 1294، ومن 698هـ / 1299 إلى 708هـ / 1309 ومن 709هـ / 1309 وحتى وفاته في عام 741هـ / 1341 - راجع : الناصر محمد بن قلاوون
    ^ الأمير سيف الدين قبجق المنصوري، كان من مماليك المنصور قلاوون (1279-1290م). بعد وفاة قلاوون أقامه السلطان لاجين (1296-1299م) نائباً على دمشق، لكن نائب السطنة منكوتمر أراد التخلص منه ومن بعض الأمراء والنواب، فأرسل الأمير حمدان بن صلغاي إلى الشام ليستحث الأمراء والنواب للخروج للتصدي للمغول، ولما اتضح لقبجق أن الأمر مكيدة من منكوتمر لإخراجه من دمشق وتعيين نائباً أخر عليها، خاف على نفسه وبعث إلى بكتمر السلاح دار وغيره من أمراء الشام يحذرهم من مكيدة منكوتمر. ولما علم قبجق أن هناك خطة قد رسمت للقبض عليه وعلى بعض الأمراء فر مع بكتمر السلاح دار وبعض الأمراء إلى المغول. راجع حسام الدين لاجين -(المقريزي، السلوك، 2/297-299)-(ابن إياس، 1/406)
    ^ االشيال، 2/181
    ^ أبو العباس أحمد بن المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري، بويع بالخلافة بالدولة الظاهرية في أول 661هـ، فاستكمل أربعين سنة في الخلافة، وتوفي ليلة 18 جمادى الأولى 701هـ.- (ابن كثير، 14/23).
    ^ بعد سقوط بغداد في براثن المغول وقتل الخليفة العباسى في عام 1258، قام السلطان الظاهر بيبرس بإحياء خلافة عباسية اسمية في القاهرة.
    ^ القضاة الأربعة : قضاة من مذاهب الأئمة الأربعة: الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل وقد أقيم نظام "القضاة الأربعة" في مصر في عهد السلطان الظاهر بيبرس في سنة 663هـ. -(القلقشندي، 4/36).
    ^ الأمير سيف الدين سلار، كان من اصل مغولي أويراتي. اسره المسلمون في معركة أبلستين في عهد السلطان الظاهر بيبرس في عام 1277. -(Amitai-Preiss, p.174). دخل في خدمة الصالح علي والأشرف خليل ابنا السلطان قلاوون. في عهد السلطان لاجين أصبح نائباً للسلطنة. استمر في نيابة السلطنة في فترة حكم الناصر محمد الثانية ولكن الناصر محمد قبض عليه في فترة حكمه الثالثة وسجنه حتى الموت. بعد وفاته اكتشفت ثروته الطائلة.
    ^ ابن أيبك الدواداري، 15/9
    ^ سيف الدين سلار، وركن الدين بيبرس الجاشنكير كانا الحاكمان الفعليان في ذاك الوقت - طالع: الناصر محمد بن قلاوون.
    ^ المقريزي، 317 - 2/218
    ^ قرتية : بلدة قرب بيت جبرين من نواحي فلسطين من أعمال بيت المقدس. (المقريزي، السلوك، هامش، 2/318)
    ^ المقريزي، السلوك، 2/318
    ^ سلمية : بليدة في ناحية البرية من أعمال حماة. (المقريزي، السلوك، هامش، 2/319)
    تعدى إلى الأعلى ل: أب المقريزي السلوك 2/319
    ^ ذكر ابن تغري وأبو الفداء وابن كثير أن المعركة بدأت يوم الأربعاء 27 ربيع الأول 699هـ. أما المقريزي فقد أشار إلى ان الملك الناصر خرج من حمص في سحر يوم الأربعاء 18 ربيع الأول 699هـ.
    ^ الدبوس : ويسمى العامود، وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لابس البيضة (أي الخوذة المعدنية). -(االقلقشندي، 2/151
    ^ المقريزي السلوك 2/318-319
    ^ المقريزي، السلوك، 2/319
    ^ Kurkjian,p 253
    ^ على الرغم من أن غازان اعتنق الإسلام، فإن ذلك لم يمنعه من التحالف مع الصليبيين ضد المسلمين. أشرفت على تربية غازان "ديسبينا خاتون"، زوجة الإلخان "أباقا"، صديقة الصليبيين التي عملت دائماً على إثارة الحقد ضد المسلمين. وكان يحقد على المماليك. (العسلي، 136 - 137)
    ^ حسام الدين لاجين الأستادار: هو حسام الدين لاجين الرومي أستادار السلطان قلاوون، ويعرف أيضاً بلقب الحسام لاجين أستادار. (المقريزي، السلوك، 362/2) وهو ليس حسام الدين لاجين الذى تسلطن وتوفى في سنة 1299.
    تعدى إلى الأعلى ل: أب المقريزي السلوك 2/320
    ^ المقريزي، السلوك، 2/320
    تعدى إلى الأعلى ل: أب المقريزي، 321 - 2/320
    ^ المقريزي، السلوك، 2/321
    ^ المقريزي، 2/321
    ^ ابن أيبك الدواداري، 9/18
    ^ المقريزي،322 -2/321
    ^ ابن أيبك الدواداري، 9/20-19
    ^ المقريزي، 319 - 2/322
    ^ ابن إياس، 1/404
    ^ نائب قلعة دمشق ليس نائب دمشق. نيابة القلعة كانت نيابة منفردة ليس لنائب دمشق عليها حديث. وولاية القلعة كانت بأمر سلطاني بمرسوم يكتب من ديوان الإنشاء الشريف. وكانت مهمة نائب القلعة أن يحفظها ويصونها، ولا يسلم مفتاحها لأحد إلا لمن عينه السلطان مكانه أو بأمر من السلطان. وكان لنائب القلعة أجناد مقيمون بالقلعة لخدمته. -(القلقشندي، 4/191
    تعدى إلى الأعلى ل: أب ابن أيبك الدواداري، 9/24
    ^ المقريزي، السلوك، 2/322
    ^ المقريزي، السلوك، 2/322- 323
    ^ ابن أيبك الدواداري، 9/27
    تعدى إلى الأعلى ل: أب المقريزي، السلوك، 2/323
    ^ المقريزي، السلوك، 2/330
    ^ المقريزي، السلوك، 323-2/324
    ^ المقريزي، 322 - 2/325
    ^ ابن إياس، 1/405
    ^ المقريزي، 2/325
    ^ المقريزي، 2/326
    ^ من قصيدة لإبن قاضي صرخد (ابن ايبك الدواداري، 0/31)
    ^ يذكر المقريزي أن القاهرة غصت بالفارين من الشام حتى ضاقت بهم المساكن، فأقاموا في القرافة وحول جامع ابن طولون وطرف الحسينية.-(المقريزي، السلوك، 2/328)
    ^ المقريزي، السلوك، 2/326
    تعدى إلى الأعلى ل: أبتث الشيال، 2/181
    ^ أبو الفداء، 699هـ
    ^ المقريزي، السلوك، 2/327-328
    ^ المقريزي، السلوك، 2/328
    ^ القلقشندي، 4/179
    ^ المقريزي، السلوك، 2/331
    ^ سورة آل عمران الآية: 103 322
    ^ المقريزي، السلوك، 2/354
    ^ ابن إياس، 1/413
    ^ المقريزي، 2/357
    ^ ابن تغري، 701هـ
    ^ المقريزي، السلوك، 2/356

    المصادر والمراجع


    ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1982.
    ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، مدحت الجيار (دكتور)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2007.
    ابن تغرى: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الحياة المصرية، القاهرة 1968.
    ابن كثير: البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت 1966.
    أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، القاهرة 1325هـ.
    بسام العسلي: الظاهر بيبرس ونهاية الحروب الصليبية القديمة، دار النفائس، بيروت 1981.
    بيبرس الدوادار، زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، جمعية المستشرقين الألمانية، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت 1998.
    جمال الدين الشيال (أستاذ التاريخ الإسلامي): تاريخ مصر الإسلامية، دار المعارف، القاهرة 1966.
    حمدى السعداوى: صراع الحضارات - المماليك، المركز العربي للنشر، الإسكندرية.
    علاء طه رزق (دكتور): دراسات في تاريخ عصر سلاطين المماليك، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة 2008.
    رشيد الدين فضل الله الهمذاني : جامع التواريخ، تاريخ غازان خان، الدار الثقافية للنشر، القاهرة 2000.
    شفيق مهدي (دكتور): مماليك مصر والشام، الدار العربية للموسوعات، بيروت 2008.
    عبد الله بن أيبك الدواداري : كنز الدرر وجامع الغرر، المعهد الألماني للأثار الإسلامية، القاهرة 1971.
    قاسم عبده قاسم (دكتور): عصر سلاطين المماليك - التاريخ السياسي والاجتماعي، عين للدراسات الإنسانية والاجتماعية، القاهرة 2007.
    القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دار الفكر، بيروت.
    المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب، القاهرة 1996.
    المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار، مطبعة الأدب، القاهرة 1968.

    مصادر غير عربية[عدل المصدر]

    Amitai-Preiss, Reuven, Mongols and Mamluks: The Mamluk-Ilkhanid War, 1260-1281، Cambridge
    University Press 2004 ISBN 0-521-52290-0
    Kurkjian, Vahan M، A story of Armenia, Armenian General Benevolent Union of America 1958

    Runciman, Steven, A history of the Crusades 3. Penguin Books, 1990
    (أرنولد توينبي) Toynbee, Arnold J., Mankind and mother earth, Oxford university press 1976




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    معركة بلاط الشهداء(1)
    (114 هـ / 732م)
    ويكيبيديا
    (31)


    بلاط الشهداء على خريطة فرنسا

    معركة بلاط الشهداء أو معركة تور (بالإنجليزية: Battle of Tours)‏ أو معركة بواتييه (بالفرنسية: Bataille de Poitiers)‏ هي معركة دارت في رمضان 114 هـ/أكتوبر 732م[3][4] في مكان يقع بين مدينتي بواتييه و تور الفرنسيتين، وكانت بين قوات مسلمين تحت لواء الدولة الأموية،[5] بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي من جهة، وقوات الفرنجة و البورغنديين[6][7] بقيادة شارل مارتل(4) من جهة أخرى، وانتهت بانتصار قوات الفرنجة وانسحاب جيش المسلمين بعد مقتل قائده عبد الرحمن الغافقي.

    بواتييه

    تور

    اعتبر مؤرخو الفرنجة في القرن التاسع، نتيجة المعركة حكم إلهي لصالح الفرنجة، كما اكتسب شارل مارتل من حينها لقبه "Martellus" الذي يعني المطرقة.[8][9] تفاصيل المعركة من حيث الموقع وأعداد القوات المشاركة من الطرفين لا يمكن تحديدها على وجه الدقة. إلا أنه من المؤكد، أن قوات الفرنجة انتصرت في المعركة دون أن يكون لديهم سلاح فرسان.[10] أشاد المؤرخون المسيحيون المتأخرون في فترة ما قبل القرن العشرين بشارل مارتل وعدّوه بطل المسيحية، واصفين المعركة بنقطة التحول الحاسمة في الكفاح ضد الإسلام، مما حفظ المسيحية كديانة لأوروبا.[11] وفقًا للمؤرخ العسكري الحديث فيكتور ديفيس هانسون، فإن معظم مؤرخي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، رأوا أن المعركة أوقفت المد الإسلامي في أوروبا.[12] لذا عدّها رانكه علامة فارقة في واحدة من أهم الحقب في تاريخ العالم.[13]
    وعلى النقيض، انقسم المؤرخون الحديثون الآخرون حول أهمية المعركة، واختلفوا حول ما إذا كان الانتصار معقولاً ليكون سببًا لإنقاذ المسيحية وإيقاف الفتح الإسلامي لأوروبا. إلا أن المعركة أسهمت في تأسيس الإمبراطورية الكارولنجية وهيمنة الفرنجة على أوروبا في القرن التالي. ويتفق معظم المؤرخين على أن نشأة القوة الفرنجية في أوروبا الغربية حددت مصير القارة، وأن هذه المعركة أكدت سلطتها.[14]
    التسمية والموقع


    أطلقت المصادر العربية على المعركة اسم معركة بلاط الشهداء، تخليداً لذكرى قتلى المسلمين، ويُستَشَفُّ ذلك من رواية ابن حيان القرطبي.[15] ونقلوا عن ابن حيان أن الأذان لبث عصوراً طويلة يسمع في موقع المعركة.[16][17] بينما أطلق المؤرخون الغربيون عليها اسم معركة تور (بالإنجليزية: Battle of Tours)‏ نسبة إلى مدينة تور، كما أطلقوا عليها اسم "معركة بواتييه" (بالفرنسية: Poitiers)‏، وهي غير معركة بواتييه التي جرت بين بريطانيا و فرنسا خلال حرب المئة عام. أما موقع المعركة فيطلقون عليه اسم موساي لاباتيّ (بالفرنسية: Moussais-la-Bataille)‏.[18] فيما حدد باحثون كالحجي وعبد الفتاح مقلد الغنيمي موقعها في قرية تقع ضمن أرض المعركة تدعى "خندق الملك" (بالفرنسية: Fossi le Roi)‏، حيث اكتشفت هناك حديثاً سيوف عربية،[18][19] وموقع المعركة سهل ممتد بين مدينتي تور وبواتييه، محدد من الشرق بمجرى نهر فيين الذي يرفد نهر اللوار.[18]

    مجرى نهر لوار في فرنسا


    المجريات


    ما قبل المعركة



    إمبراطورية الفرنجة عام 481 م حتى عام 843 م.



    حشد الغافقي جيشاً يعد أكبر جيش أموي دخل الأندلس وغالية حتى ذلك الوقت.[3] انطلق في البداية من سرقسطة نحو قطلونية، وهو أقرب أقاليم الأندلس إلى بلاد الغال، فعمل على تقوية هذا الثغر والقضاء على الثوار فيه، ثم تحرك إلى سبتمانيا فعزز من وجود الحاميات فيه، وعاد بعدها إلى بنبلونة في شمالي أيبيريا، فانطلق منها وعبر ممر رونسفال في جبال المعابر،[20] وكان هدفه أقطانيا، ومنها سار شمالاً ثم في الاتجاه الجنوبي الشرقي نحو آرل، فأعاد فتحها وحصّن المسلمين فيها، ثم عاد إلى أقطانية. كان أودو دوق أقطانيا قد جمع جيشًا قاتل به جيش الغافقي في معركة نهر الجارون، والتي انتصر فيها المسلمون، وسط خسائر كبيرة في الجيش الأقطاني.(1)

    سرقسطة

    بعد هذه المعركة، افتتح الغافقي أقطانيا بالكامل،
    [21] بما في ذلك مدينة بوردو عاصمتها.[22] ثم واصل الغافقي إلى بواتييه فافتتحها، ثم تور الواقعة على نهر اللوار وافتتحها أيضاً.[23]

    الأندلس حوالي سنة 910م.


    رأى بعض المؤرخين أن الغافقي لم يكن ينوي التقدم أكثر من ذلك، بل كان ينوي تحصين المدن المفتوحة وتقويتها لتصبح ثغراً للمسلمين، كما هي الحال في سبتمانيا، ولم يكن معه من الجند ما يكفي لفتح مدن أكثر، بعد مسيرته طويلة في جنوب غالة وغربها، وقتاله في معركة نهر الجارون.[24] دفعت انتصارات المسلمين في غالة شارل مارتل للتحرك لمواجهة جيش المسلمين، خاصة بعد أن لجأ إليه منافسه أودو بمن بقي معه من رجاله، ليساعده على استعادة أقطانيا[25][26]، فقبل شارل مساعدته على أن يكون ولاء أودو لدولة الفرنجة، فوافق أودو على ذلك.[27]
    جمع شارل مارتل جيشًا من المرتزقة ومقاتلين من حدود الراين[28] ومن بورغانديا. كان عبد الرحمن قد وصل إلى تور بمن تبقّى من جيشه، بعد معاركه في أقطانيا وقطلونية وسبتمانيا أو الحاميات التي خلفها ورائه.[24][29]
    استدرج شارل مارتل جيش المسلمين المتحصن في تور إلى سهل يقع غرب رافد نهر اللوار، بأن أرسل شارل مجموعات صغيرة من طلائع جيشه إلى الضفة الشرقية للنهر، وعندما علم بأمرها عبد الرحمن، أرسل مجموعات للاستطلاع، عادت لتخبره بقلة عددهم وسهولة القضاء عليها، فخرج عبد الرحمن من المدينة لمواجهتها، وعبر بقواته إلى الضفة الشرقية، فتحرك شارل بقواته باتجاه جيش المسلمين.[5][30] وعندما فوجئ عبد الرحمن بأعداد أكثر مما قدرتها فرق استطلاعه ارتد بقواته إلى سهل بين تور وبواتييه.[30][31] تقدم شارل بقواته ونزل في مواجهة جيش الأمويين استعداداً للمعركة، وتحرك جيش الأمويين نحو الجنوب باتجاه بواتييه، بينما تجمع جيش شارل جهة الشمال باتجاه تور.[32]

    المعركة



    الموقع المحتمل لمعركة بلاط الشهداء



    لا تتفق المصادر على تاريخ بدء وانتهاء المعركة وكم كانت مدتها، استمرت المناوشات بين الفريقين لأيام، إلى أن لجأ المسلمون للهجوم في اليوم الأخير بفرسانهم على جيش شارل، الذي تحمله مشاة جيش الفرنجة،[33] وبدا كما لو أن المسلمون اقتربوا من النصر.[30][34] إلا أن شارل أرسل فرقًا يعتقد أنها كانت بقيادة أودو هاجمت معسكر المسلمين من الخلف[35] مما دفع المسلمين لمحاولة إنقاذ معسكرهم.(2) حاول الغافقي ومن بقي من جنوده معه الثبات في القتال والسيطرة على الموقف بعد أن اضطربت صفوف المسلمين، وظل يقاتل حتى قُتل.[36][37] ثم نجح بقية جيش المسلمين في الدفاع عن معسكرهم حتى نهاية اليوم،[38] وفي الليل، اجتمع قادة الجيش ورأوا أن ينسحبوا ليلاً بعد أن فقدوا قائدهم عبد الرحمن الغافقي. وفي اليوم التالي، عندما وجد الفرنجة أن القتال لم يتجدد تخوفوا من أن يكون ذلك كمينًا،[39] إلى أن استطلعت قواتهم مخيمات المسلمين التي تركوها وراءهم ووجدوها فارغة.[40]

    نتائج المعركة


    لم تتوقف غزوات المسلمين في بلاد الغال رغم الهزيمة في المعركة، بل استمرت بعدها مباشرة، فأرسل الوالي الجديد عبد الملك بن قطن الفهري حملة يقودها يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي تحالف مع مورونتوس كونت بروفنس،[41] غزت بلاد الغال واجتاحت آرل، ثم مدينة سانت ريمي وأفينيون[42][43][44]، ثم تابع الوالي عقبة بن الحجاج السلولي تلك الغزوات فسيطر على بورغونية، حتى بلغت حملته بيدمونت بشمال إيطاليا.[45][46] ثم انشغل ولاة الأندلس بمشاكلهم الداخلية وتكالبهم على السلطة،[44] ففقدوا المناطق التي سيطروا عليها في بلاد الغال، الواحدة تلو الأخرى حتى لم يبق بأيديهم في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري والي الأندلس الأخير سوى أربونة فقط،[47] والتي سقطت نهائيًا عام 759 م، عندما أمر عبد الرحمن الداخل بإجلاء المسلمين من المدينة.[48] ومن ناحية أخرى، أنشأ شارلمان حفيد شارل مارتل بعد ذلك الثغر الإسباني في البرانس لتكون بمثابة منطقة عازلة عن مناطق المسلمين خلف البرانس.

    المعركة في المصادر الإسلامية


    ذكرت المصادر الإسلامية الأولية المعركة باقتضاب. فقد أشار إليها ابن عذاري قائلاً: «ثم ولي الأندلس عبد الرحمن هذا (يعني الغافقي) ثانية، وكان جلوسه لها في صفر سنة 112 هـ، فأقام والياً سنتين وسبعة أشهر وقيل وثمانية أشهر، واستشهد في أرض العدو في رمضان سنة 114 هـ.[49]» وقد نقل عن ابن حيان القرطبي في موضع آخر قوله: «ثم ولي الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، فغزا الروم، واستشهد مع جماعة من عسكره سنة 115 هـ، بموضع يعرف ببلاط الشهداء.[50]» كما أشار إليها المقري في قوله: «ثم قدم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي من قبل عبيد الله بن الحبحاب صاحب إفريقيا، فدخلها سنة ثلاث عشرة، وغزا الإفرنجة، وكانت له فيهم وقائع، وأُصيب عسكره في رمضان سنة أربع عشرة في موضع يعرف ببلاط الشهداء، وبه عرفت الغزوة.[51]» كذا، قال عنها ابن عبد الحكم: «ولي عبد الرحمن بن عبد الله العكي على الأندلس، وكان رجلاً صالحًا، فغزا عبد الرحمن إفرنجة، وهم أقاصي عدو الأندلس، فغنم غنائم كثيرة، وظفر بهم، ... ثم خرج إليهم غازيًا، فاستشهد وعامة أصحابه، وكان قتله فيما حدثنا يحيى بن الليث في سنة خمس عشرة ومائة.[52]» ووافقه في ذلك ابن الأثير.[53] ولم يرد ذكرها في تواريخ الواقدي و البلاذري و الطبري وهم من أقدم رواة الفتوح، شيئاً عن الموقعة[15]



    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: معارك حربية مهمة فى التاريخ الاسلامى ...يوميا فى رمضان


    معركة بلاط الشهداء(2)
    (114 هـ / 732م)
    ويكيبيديا
    (32)

    اختلاف الآراء حول المعركة



    انقسمت الآراء التاريخية حول المعركة إلى ثلاث وجهات نظر. ففي الوقت الذي رأى فيه المؤرخون الغربيون كجيبون وجيله من المؤرخين الذين اعتمدوا على تأريخ عام 754 وتأريخ فريدغر، بأن شارل مارتل أنقذ المسيحية، وأن المعركة بلا شك كانت حاسمة في تاريخ العالم. إلا أن المؤرخين المعاصرين قد انقسموا حول ذلك، إلى معسكرين. الأول يتفق مع جيبون، والآخر يقول بأن المعركة بُولغ فيها بشدة وتم تصويرها وكأنها نهاية عصر الفتح الإسلامي. بل وحتى المعسكر الأول الذي رأى أهمية المعركة التاريخية الكبيرة، اتخذ عدد منهم نهجًا أكثر اعتدالاً ودقة في وصف أهمية المعركة، بدلاً من الوصف الدراماتيكي الذي اتخذه جيبون. أبرز هؤلاء هو ويليام واتسون، الذي آمن بأهمية المعركة تاريخيًا، لكنه حللها عسكريًا وثقافيًا وسياسيًا، بدلاً من أن ينظر إليها من منظور الصراع الكلاسيكي بين المسلمين والمسيحيين. أما الآن، فقد انقسم المؤرخون الغربيون المعاصرون بشكل واضح على أهمية المعركة، وأين ينبغي أن تُصنّف في التاريخ العسكري.
    آراء تضخم من أهمية المعركة

    يقول المؤرخ إدوارد جيبون في كتابه "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية": «خط انتصار [المسلمين] طوله ألف ميل من جبل طارق حتى نهر اللوار كان غير مستبعد أن يكرر في مناطق أخرى في قلب القارة الأوروبية حتى يصل بالساراسنز [يقصد المسلمين] إلى حدود بولندا ومرتفعات أسكتلندا، فالراين ليس بأصعب مرورا من النيل والفرات، وإن حصل ما قد ذكرت كنا اليوم سنرى الأساطيل الإسلامية تبحر في مصب التايمز بدون معارك بحرية ولكان القرآن يدرس اليوم في أوكسفورد ولكان علماء الجامعة اليوم يشرحون للطلاب باستفاضة عن الوحي النازل على محمد.[54]»

    مقاطعة فريزلند
    لم يكن جيبون وحده الذي أثنى على شارل مارتل كمنقذ للمسيحية والحضارة الغربية، فقد قال هربرت جورج ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم": «عندما عبر المسلمون البرانس عام 720، وجدوا مملكة الفرنجة تحت الحكم الفعلي لشارل مارتل رئيس بلاط قصر سلالة كلوفيس، الذي تحققت الهزيمة الساحقة في بواتييه عام 732 على يديه. كان شارل مارتل هذا عمليًا سيد أوروبا في شمال جبال الألب من البرانس إلى هنغاريا، مترأسًا عدد كبير من الحكام الناطقين بالفرنسية اللاتينية، واللغات الألمانية العليا والمنخفضة.» ومن أنصار هذا المعسكر أيضًا المؤرخ البلجيكي غودفروا كورث، الذي كتب عن المعركة قائلاً: «يجب أن تظل هذه المعركة واحدة من أهم الأحداث الكبرى في تاريخ العالم، لأنها حددت ما إذا كانت الحضارة المسيحية ستستمر أم سيسود الإسلام جميع أنحاء أوروبا.[55]» تحمس أيضًا على وجه الخصوص المؤرخون الألمان في مدح شارل مارتل؛ ومدح هذا النصر العظيم على حد وصف كارل فريدريش فيلهلم شليغل،[56] الذي قال: «لقد حفظت سواعد شارل مارتل الأمم المسيحية الغربية من قبضة الإسلام المدمرة.» وقد نقل إدوارد كريزي رأي رانكه عن تلك الفترة قائلاً: «كانت أحد أهم الحقب في تاريخ العالم، فمع بداية القرن الثامن، عندما هددت المحمدية إيطاليا وبلاد الغال، وعدد من المناطق الوثنية القديمة كساكسونيا وفرايزلاند مرة أخرى عبر نهر الراين. وفي ظل هذا الخطر الذي هدد المجتمعات المسيحية، ظهر الأمير الشاب من أصل جرماني شارل مارتل، كبطلهم الذي حافظ عليهم بكل الطاقة الضرورية اللازمة للدفاع عن النفس، وفي النهاية، استطاع نشرهم في مناطق جديدة.[56]»

    ساكسونيا
    كما قال المؤرخ العسكري الألماني هانس ديلبروك عن هذه المعركة: «لم يكن هناك معركة أكثر أهمية منها في تاريخ العالم.[57]» كما أكد المؤرخ هنري هالام أنه لو لم يحتوِ شارل مارتل هجوم المسلمين، لما كان هناك شارلمان ولا الإمبراطورية الرومانية المقدسة أو حتى الدولة البابوية. وقد صنّف المؤرخ توماس أرنولد انتصار شارل مارتل بأنه أهم من انتصار أرمينيوس في تأثيره على كل التاريخ الحديث: «كان انتصار شارل مارتل في تور كان من بين أطواق النجاة التي أثرت لقرون في سعادة البشرية.[58]» وقال لويس غوستاف وتشارلز شتراوس في كتابهما "المسلمون والفرنجة؛ أو شارل مارتل وإنقاذ أوروبا": «النصر الذي تم حاسم ونهائي، فتراجع سيل الغزو العربي إلى الوراء، وأنقذت أوروبا خطر نير المسلمون.[59]» كما قال تشارلز أومان، في كتابه "تاريخ فن الحرب في العصور الوسطى"، بأن: «في بواتييه، قاتل الفرنجة كما فعلوا قبل مئتي سنة في كاسيلينيوم، ككتلة واحدة صلبة، دون أن تنكسر صفوفهم أو يحاولوا المناورة. تحقق انتصارهم من خلال تكتيكات دفاعية بحتة باستخدام المشاة؛ محطمين العرب المتعصبين مرة بعد مرة إلى قطع، إلى أن هربوا في النهاية في ستار الليل. ولكن دون سعي من جهة كارل للسماح لرجاله بمطاردة العدو المكسور.[60]» وكتب جون باغنيل بيري في مطلع القرن العشرين: «معركة تور... كثيرًا ما تصور كحدث من الدرجة الأولى لتاريخ العالم، لأنه بعدها، وصل تغلغل الإسلام في أوروبا في النهاية إلى طريق مسدود.[61]»

    توماس أرنولد
    وقال المؤرخ الأمريكي ويليام واتسون عن أهمية المعركة أنها أوقفت جيوش المسلمين، وأبقت الحضارة الغربية بجذور المسيحية والتي ستكون سببًا في ازدهار الحضارة الغربية وتطورها.
    [62] كما وصف الكاتب جون هنري هارين في كتابه "مشاهير رجال العصور الوسطى" المعركة قائلاً: «تعد معركة تور أو بواتييه كما ينبغي أن يطلق عليها، أحد المعارك الحاسمة في العالم. فهي التي جعلت المسيحيين، لا المسلمين، السلطة الحاكمة في أوروبا".[63]»


    آراء تقلل من أهمية المعركة



    أستراسيا، موطن الفرنجة (الأخضر الداكن) والفتوحات التالية (ظلال اللون الأخضر الأخرى).

    وعلى الجانب الآخر، رأى عدد من المؤرخين الغربيين، برأي المؤرخين المسلمين في أن المعركة لم تكن بتلك الأهمية. فقد قال برنارد لويس: «إن المؤرخين العرب، إذا ما ذكروا هذا الاشتباك [يعني المعركة] بصفة عامة، يذكرون أنها كانت مناوشات طفيفة.[64]» وكتب غوستاف جرونبوم: «هذه الانتكاسة قد تكون مهمة من وجهة النظر الأوروبية، ولكن بالنسبة للمسلمين في ذلك الوقت، لم يروا فيها أي خطة كبير، وبالتالي لم تكن لها أهمية أكبر من ذلك.[65]» ذكر ابن عذاري المعركة في كتابه البيان المغرب، قائلاً: «ولي الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، فغزا الروم، واستشهد مع جماعة من عسكره سنة 115 هـ، بموضع يعرف ببلاط الشهداء.[50]» وقد أشار هنري كوبيه إلى أن نفس الاسم البلاط أطلق على معركة تولوز،(3) والعديد من المعارك الأخرى التي هُزم فيها المسلمين.[66] ويقول الإيطالي أليساندرو باربيرو: «يميل المؤرخون اليوم إلى التقليل من أهمية معركة بواتييه، حيث أن هدف القوات العربية التي هزمها شارل مارتل لم يكن فتح مملكة الفرنجة، ولكنه ببساطة لجمع الغنائم من دير سانت مارتن الغني في تور.[67]» كذلك كتب توماز ماستناك: «لقد نسج المؤرخون المعاصرون أسطورة حول هذا الانتصار، بأنه الذي أنقذ أوروبا المسيحية من المسلمين. فإدوارد جيبون، على سبيل المثال، دعا شارل مارتل بمنقذ المسيحية وأن المعركة التي دارت قرب بواتييه غيرت تاريخ العالم ... وقد ظلت تلك الأسطورة حية بشكل جيد في عصرنا ... رغم أن المعاصرين للمعركة، لم يبالغوا في أهميتها. فتأريخ فريدغر، الذي كتب على الأرجح في منتصف القرن الثامن، صوّر المعركة كواحدة من العديد من المعارك بين المسيحيين والعرب المسلمين - بل باعتبارها واحدة من سلسلة حروب التي خاضها أمراء الفرنجة من أجل الغنائم والأراضي ... وصف تاريخ فريدغر معركة بواتييه كما هي بالفعل: حلقة في الصراع بين الأمراء المسيحيين مثل الكارولينجيون الذين سعوا لضم أقطانيا تحت حكمهم.[68]» كذلك يرى المؤرخ الإيطالي فرانكو كارديني في كتابه "أوروبا والإسلام"، قائلاً: «إنه من الحصافة أن تقلل من أهمية أو نفي الصفة الأسطورية لهذا الحدث، الذي لا يعتقد أي شخص الآن أنه كان حاسمًا. إن أسطورة النصر العسكري المميز تدخل اليوم في نطاق الكليشيهات الإعلامية، التي لا يصعب القضاء عليها. فمن المعروف جيدًا كيف نسج الترويج للفرنجة وتمجيد البابوية للنصر الذي تم في الطريق بين تور وبواتييه...[69]»
    وفي مقدمة كتابهما "رفيق القارئ إلى التاريخ العسكري" لخّص روبرت كاولي وجيفري باركر وجهة النظر الحديثة هذه عن المعركة، قائلين: «إن دراسة التاريخ العسكري شهدت تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة. فلم يعد نهج الطبول والأبواق القديم فعّالا، حيث حظيت عوامل كالاقتصاد والخدمات اللوجستية والاستخبارات والتكنولوجيا بالاهتمام لتقييم المعارك والحملات والخسائر. واكتسبت كلمات مثل "استراتيجية" و"عمليات" معانٍ ربما لم تكن معروفة منذ جيل مضى. وقد غيرت الأبحاث الجديدة وجهات نظرنا ... على سبيل المثال، العديد من المعارك التي أدرجها إدوارد شيبرد كريزي عام 1851 في كتابه المشهور "أكثر خمسة عشر معركة حسمًا في العالم" نذكر منها هنا، المواجهة بين المسلمين والمسيحيين في بواتييه-تور عام 732، التي كان ينظر إليها أنها حدثًا فاصلاً، خُفّضت إلى مجرد غارة.[70]»

    الجدل حول أعداد الجيشين
    افترض معظم المؤرخين أن الجيشين التقيا عند ملتقى نهري كلين وفيين بين تور وبواتييه، ولا يعرف عدد الجنود في كلا الجيشين. وقد وصف تأريخ عام 754 وهي وثيقة لاتينية معاصرة للمعركة، المعركة بتفصيل أكبر من أي مصدر لاتيني أو عربي آخر، حيث نصت على أن "شعب أوستراسيا [قوات الفرنجة]، الأكثر جندًا وتسليحًا بشكل هائل، قتل الملك عبد الرحمن"،[71] وهو ما يتوافق مع ما ذكره العديد من المؤرخين العرب والمسلمين. ومع ذلك، تختلف كل المصادر الغربية تقريبًا مع ذلك، فتقدّر قوات الفرنجة بحوالي 30,000 مقاتل، أي أقل من نصف عدد قوات المسلمين.[72]


    منذ القرن التاسع الميلادي, يعتقد بأن جيروم هو مؤلف كتاب الباباوات.
    حاول المؤرخون المعاصرون تقدير أعداد الجيشين، اعتمادًا على تقدير ما العدد الذي تستوعبه أرض المعركة، وما العدد الذي يمكن لشارل مارتل أن يجمعه من مملكته ويضيف إليه خلال حملته، ومع تقدير أعداد قوات المسلمين، وما لحق بها من أعداد قبل تور، لتفوق بكثير أعداد الفرنجة، وبالاستناد إلى مصادر إسلامية غير معاصرة للمعركة. قدّر كريسي قوات المسلمين بحوالي 80,000 مقاتل أو أكثر. وفي عام 1999، قدّر المؤرخ بول ديفيس قوات المسلمين بحوالي 80,000 والفرنجة في حوالي 30,000،[72] وأشار بأن المؤرخين الحديثين قدروا قوات الجيش الأموي في تور ما بين 20,000-80,000 مقاتل.[73] وقد رفض المؤرخ إدوارد شونفيلد التقديرات القديمة بأن أعداد الأمويين بين 60,000-400,000 والفرنجة 75,000، قائلاً: «إن تقدير عدد الأمويين بأكثر من خمسين ألف جندي (وبأن الفرنجة كانوا أكثر) مستحيل لوجستيًا.[10]» وأيد ذلك، المؤرخ فيكتور ديفيس هانسون الذي اعتقد بأن الجيشين كانا تقريبًا بنفس الحجم حوالي 30,000 رجل.[74]
    قد يكون المؤرخون الحديثون أكثر دقة من مصادر القرون الوسطى، حيث استندوا على تقديرات القدرات اللوجستية في المناطق الريفية المجاورة التي تكفي هذه الأعداد من الرجال والحيوانات. واتفق ديفيس وهانسون على كون وجوب اعتماد الجيشين على الريف المجاور، حيث لم يكن لديهما أنظمة كافية لتوفير الإمدادات اللازمة للحملتين. وقد قدّرت مصادر أخرى كغور الذي قدّر الجيش الفرنجي بين 15,000-20,000، بينما قدّره آخرون ما بين 30,000-80,000. وعلى الرغم من اختلاف تقدير قوات المسلمين بتفاوت كبير، إلا أن غور قدره ما بين 20,000-25,000، فيما زادته تقديرات أخرى إلى نحو 80,000 رجل.[75]

    معركة تولوشة
    معركة تولوز

    خسائر المعركة غير معروفة، غير أن بعض المؤرخين بعد ذلك زعموا بأن قوات شارل مارتل خسرت حوالي 1,500، بينما منيت قوات المسلمين بخسائر ضخمة تصل إلى 375,000 رجل. وقد ذكرت تلك الأرقام في كتاب الباباوات الذي يروي انتصار أودو دوق أقطانيا في معركة تولوز. وقد صحّح بولس الشماس في كتابه تاريخ اللومبارد (الذي كتبه حوالي عام 785) أن هذا التأريخ دون تلك الأعداد كونها أعداد خسائر معركة تولوز (وزعم أيضًا أن شارل مارتل قاتل في تلك المعركة جنبًا إلى جنب مع أودو)، ولكن الكتاب اللاحقين، الذين ربما تأثروا بتأريخ فريدغر، نسبوا خسائر المسلمين فقط لشارل مارتل، وأصبحت المعركة التي وقعت فيها تلك الخسائر معركة بواتييه بلا شك.[76] كما ذكر تأريخ حياة باردولف المكتوب في منتصف القرن الثامن، أن قوات عبد الرحمن حرقت ونهبت ما في طريقها إلى ليموزين في طريق عودتهم إلى الأندلس، مما يعني أن الجيش لم يدمر إلى الحد الذي صوره تأريخ فريدغر.[77][78]
    الهوامش
    1 وصف الأسقف إيزيدور الباجي مدون تأريخ عام 754 خسائر المعركة بعبارة (باللاتينية: solus Deus numerum morientium vel pereuntium recognoscat) التي تعني "الله وحده يعلم عدد القتلى".[71][79][80]
    2 نقل عنان في كتابه "دولة الإسلام في الأندلس" رواية منسوبة إلى شخص يدعى القديس دينيس "Saint Denis" يقول فيها: "وعندئد خرج العرب وملكهم عبد الرحمن من إسبانيا، مع جميع نسائهم وأولادهم وعددهم وأقواتهم".[81] مما يبرر هرع المسلمين لإنقاذ معسكرهم دفاعًا عن ذراريهم.
    3 نقل المقري في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" عن ابن حيان القرطبي، أن السمح بن مالك الخولاني قُتل في الوقعة المشهورة عند أهل الأندلس بوقعة البلاط.[82] والمعروف أن السمح قتل في معركة تولوز.
    4 كانت قوات شارل مارتل خليطًا من قوات مسيحية ووثنية أشارت إليها وثيقة تأريخ المستعربين لعام 754، باسم "قوات الشمال"، كان أكثرها من أوستراسيا ونيوستريا،[83] وبورغنديا، وشوابيا،[84] بالإضافة إلى قوات من مرتزقة وثنيين لقبائل جرمانية عدة من حدود الراين[28][85] أشهرها السكسون[84]، إضافة إلى بقايا جيش أقطانيا بقيادة الدوق أودو.

    المراجع
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أب Tom oberhofer، "battle of poitiers 729 battle of Moussais, battle of Tours, Charles Martel Eudes of Aquitaine, Abd. er-Rahman, medieval warfare"، Home.eckerd.edu، مؤرشف من الأصل في 2 فبراير 2017، اطلع عليه بتاريخ 04 أكتوبر 2012.
    ^ Hanson, 2001, p. 141.
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبالحجي 1981، صفحة 193
    ^ Oman, 1960, p. 167, gives the traditional date of October 10, 732. Lynn White, Jr., Medieval Technology and Social Change, 1962, citing M. Baudot, 1955, goes with October 17, 733. Roger Collins, The Arab Conquest of Spain, 1989, concludes "late (October?) 733" based on the "likely" appointment date of the successor of Abdul Rahman, who was killed in the battle. See White, p. 3, note 3, and Collins, pp. 90-91.
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبأبو خليل 1998، صفحة 25
    ^ Bachrach, 2001, p. 276.
    ^ Fouracre, 2002, p. 87 citing the Vita Eucherii, ed. W. Levison, Monumenta Germaniæ Historica, Scriptores Rerum Merovingicarum VII, pp. 46–53, ch. 8, pp. 49–50; Gesta Episcoporum Autissiodorensium, extracts ed. G. Waitz, Monumenta Germaniae Historica, Scriptores XIII, pp. 394–400, ch. 27, p. 394.
    ^ Riche, 1993, p. 44.
    ^ Hanson, 2001, p. 143.
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أب Schoenfeld, 2001, p. 366.
    ^ "Battle of Tours (European history) - Britannica Online Encyclopedia"، .britannica.com، مؤرشف من الأصل في 27 أغسطس 2008، اطلع عليه بتاريخ 04 أكتوبر 2012.
    ^ Hanson, 2001, p. 166.
    ^ Ranke, Leopold von. "History of the Reformation", vol. 1, 5
    ^ Davis, 1999, p. 106.
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبعنان 1997، صفحة 106
    ^المقري 1968، صفحة 15
    ^عنان 1997، صفحة 106-108
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبتالحجي 1981، صفحة 194
    ^الغنيمي 1996، صفحة 76
    ^مؤنس 2002، صفحة 303
    ^الغنيمي 1996، صفحة 65
    ^الحجي 1981، صفحة 205
    ^الغنيمي 1996، صفحة 64
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبمؤنس 2002، صفحة 216
    ^الغنيمي 1996، صفحة 63
    ^أبو خليل 1998، صفحة 18
    ^أبو خليل 1998، صفحة 30
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبالحجي 1981، صفحة 202
    ^الغنيمي 1996، صفحة 67
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبتعنان 1997، صفحة 99-100
    ^الغنيمي 1996، صفحة 66
    ^الغنيمي 1996، صفحة 66-67
    ^ Davis, Paul K. (1999) page 105
    ^الغنيمي 1996، صفحة 74
    ^الغنيمي 1996، صفحة 72-74
    ^عنان 1997، صفحة 105
    ^أرسلان -، صفحة 91
    ^السامرائي وذنون ومطلوب 2000، صفحة 58
    ^الغنيمي 1996، صفحة 77
    ^ Wolf, p. 145 (trans) Chronicle of 754
    ^ Fouracre, 2000, p. 96.
    ^الحجي 1981، صفحة 202-204
    ^مؤنس 2002، صفحة 333
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبSantosuosso 2004، صفحة 126
    ^مؤنس 2002، صفحة 336
    ^أرسلان -، صفحة 105
    ^عنان 1997، صفحة 131-134
    ^مؤنس 2002، صفحة 343
    ^ابن عذاري 1980، صفحة 28
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبابن عذاري 1980، صفحة 51
    ^المقري 1968، صفحة 236
    ^ابن عبد الحكم 1999، صفحة 292
    ^ الكامل في التاريخ-ذكر قتل عبد الرحمن أمير الأندلس وولاية عبد الملك بن قطن نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
    ^ The Decline And Fall Of The Roman Empire by Edward Gibbon, Chapter LII. نسخة محفوظة 22 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
    ^ quoted in Frank D. Gilliard, The Senators of Sixth-Century Gaul, Speculum, Vol. 54, No. 4 (Oct., 1979), pp. 685-697
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أب quoted in Creasy, 1851/2001, p. 158.
    ^ The Barbarian Invasions, page 441., Hans Delbrück
    ^ History of the later Roman Commonwealth, vol ii. p. 317, quoted in Creasy, 1851/2001, p. 158.
    ^ Moslem and Frank; or, Charles Martel and the rescue of Europe, Louis Gustave and Charles Strauss, page 122
    ^ Charles Oman, History of the Art of War in the Middle Ages, Vol. I, 58
    ^ Cambridge Medieval History p.374.
    ^ Watson, William, E. (1993). The Battle of Tours-Poitiers Revisited. Providence: Studies in Western Civilization v.2 n.1.[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 4 فبراير 2012 على موقع واي باك مشين.
    ^ Famous Men of The Middle Ages by John H. Haaren, LL.D. and A. B. Poland, Ph.D. Project Gutenberg Etext. نسخة محفوظة 26 سبتمبر 2009 على موقع واي باك مشين.[وصلة مكسورة]
    ^ Lewis, 1994, p. 11.
    ^ von Grunebaum, 2005, p. 66.
    ^(Coppée 2002, p. 13)
    ^ Barbero, 2004, p. 10.
    ^ Mastnak, 2002, pp. 99-100.
    ^ Cardini, 2001, p. 9.
    ^ 'Editors' Note', Cowley and Parker, 2001, p. xiii.
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أب Wolf, 2000, p. 145
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أب Davis, Paul K. "100 Decisive Battles: From Ancient Times to the Present"
    ^ Davis, p. 105.
    ^ Hanson, Victor Davis. "Culture and Carnage: Landmark Battles in the Rise of Western Power"
    ^ tom oberhofer، "battle of poitiers 732 battle of Moussais, battle of Tours, Charles Martel Eudes of Aquitaine, Abd. er-Rahman, medieval warfare"، Home.eckerd.edu، مؤرشف من الأصل في 2 فبراير 2017، اطلع عليه بتاريخ 04 أكتوبر 2012.
    ^ Fouracre, 2000, p. 85 citing U. Nonn, 'Das Bild Karl Martells in Mittelalterliche Quellen', in Jarnut, Nonn and Richeter (eds), Karl Martel in Seiner Zeit, pp. 9–21, at pp. 11–12.
    ^ Fouracre, 2000, p. 88.
    ^مؤنس 2002، صفحة 331
    ^عنان 1997، صفحة 90
    ^ O'Callaghan, 1983, p. 189.
    ^عنان 1997، صفحة 102
    ^المقري 1968، صفحة 14
    ^عنان 1997، صفحة 96
    ↑ تعدى إلى الأعلى ل: أبأبو خليل 1998، صفحة 34
    ^عنان 1997، صفحة 99

    المصادر
    الحجي, عبد الرحمن علي (1981)، التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة 92-897 هـ (711-1492 م)، دار القلم، دمشق - بيروت.
    أبو خليل, شوقي (1998)، بلاط الشهداء بقيادة عبد الرحمن الغافقي، دار الفكر المعاصر، بيروت - دار الفكر، دمشق، ISBN 1-57547-503-0.
    عنان, محمد عبد الله (1997)، دولة الإسلام في الأندلس، الجزء الأول، مكتبة الخانجي، القاهرة، ISBN 977-505-082-4. ،
    المقري, أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد (1988)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - المجلد الثالث، دار صادر، بيروت.
    الغنيمي, عبد الفتاح مقلد (1996)، معركة بلاط الشهداء في التاريخ الإسلامي والأوروبي (رمضان 114 هـ - أكتوبر 732 م)، عالم الكتب، القاهرة، ISBN 977-232-081-9.
    ابن عبد الحكم, أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (1999)، فتوح مصر والمغرب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر.
    مؤنس, حسين (2002)، فجر الأندلس، العصر الحديث للنشر والتوزيع ودار المنهل للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
    ابن عذاري, أبو العباس أحمد بن محمد (1980)، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب - الجزء الأول والثاني، دار الثقافة، بيروت.
    السامرائي, خليل إبراهيم وآخرون (2000)، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، ISBN 9959-29-015-8.
    أرسلان, شكيب (-)، تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط، دار الكتاب العلمية، بيروت.
    Oman, Charles W. (1960). Art of War in the Middle Ages A. D. 378-1515. Cornell University Press. ISBN 0-8014-9062-6
    Bachrach, Bernard S. (2001). Early Carolingian Warfare: Prelude to Empire. University of Pennsylvania Press. ISBN 0-8122-3533-9
    Fouracre, Paul (2000). The Age of Charles Martel. Pearson Education. ISBN 0-582-06476-7
    Riche, Paul (1993). The Carolingians: A Family Who Forged Europe. University of Pennsylvania Press. ISBN 0-8122-1342-4
    Hanson, Victor Davis. Carnage and Culture: Landmark Battles in the Rise of Western Power. Anchor Books, 2001. Published in the UK as Why the West has Won. Faber and Faber, 2001. ISBN 0-571-21640-4
    Schoenfeld, Edward J. (2001). Battle of Poitiers. In Robert Cowley and Geoffrey Parker (Eds.). (2001). The Reader's Companion to Military History (p. 366). Houghton Mifflin Books. ISBN 0-618-12742-9
    Davis, Paul K. (1999) "100 Decisive Battles From Ancient Times to the Present" ISBN 0-19-514366-3
    Wolf, Kenneth Baxter (2000). Conquerors and Chroniclers of Early Medieval Spain. Liverpool University Press. ISBN 0-85323-554-6
    Santosuosso, Antonio (2004)، Barbarians, Marauders, and Infidels، Westview Press، ISBN 0-8133-9153-9.
    Creasy, Edward Shepherd (1851/2001). Decisive Battles of the World. Simon Publications. ISBN 1-931541-81-7
    Grunebaum, Gustave von (2005). Classical Islam: A History, 600 A.D. to 1258 A.D. Aldine Transaction. ISBN 0-202-30767-0
    Lewis, Bernard (1994). Islam and the West. Oxford University Press. ISBN 0-19-509061-6
    Barbero, Alessandro (2004). Charlemagne: Father of a Continent. University of California Press. ISBN 0-520-23943-1

    Mastnak, Tomaž (2002). Crusading Peace: Christendom, the Muslim World, and Western Political Order. University of California Press. ISBN 0-520-22635-6





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •