تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 30 من 30

الموضوع: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان

    إلى من علمه الله القرآن
    (21)



    قال الإمام الآجري:
    ينبغي لمن علمه الله القرآن وفضله على غيره، ممن لم يحمله، وأحب أن يكون من أهل القرآن وأهل الله وخاصته، وممن وعده الله من الفضل العظيم ما تقدم ذكرنا له، وممن قال الله : يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:121]، قيل في التفسير: يعملون به حق العمل، وممن قال النبي ﷺ: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع الكرام السفرة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران، وقال بشر بن الحارث:


    سمعت عيسى بن يونس يقول: إذا ختم العبد القرآن قبل الملك بين عينيه فينبغي له أن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه يعمر به ما خرب من قلبه، يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاق شريفة تبين به عن سائر الناس، ممن لا يقرأ القرآن: فأول ما ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه، بصيرا بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموما بإصلاح ما فسد من أمره، حافظا للسانه، مميزا لكلامه، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صوابا، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صوابا، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن شره وش
    ر عاقبته، قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سر بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفا من اللعب، فإن مزح قال حقا، باسط الوجه، طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه؟!

    يحذر نفسه أن تغلب على ما تهوى مما يسخط مولاه، لا يغتاب أحدا، ولا يحقر أحدا، ولا يسب أحدا، ولا يشمت بمصيبه، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق يحسد بعلم، ويظن بعلم، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم، ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلم، وقد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل، حافظا لجميع جوارحه عما نهي عنه، إن مشى بعلم، وإن قعد قعد بعلم، يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، لا يجهل؛ فإن جهل عليه حلم، لا يظلم، وإن ظلم عفا،
    لا يبغي، وإن بغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه، متواضع في نفسه، إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله، لا من المخلوقين، ماقتا للكبر، خائفا على نفسه منه، لا يتآكل بالقرآن ولا يحب أن يقضي به الحوائج ، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه، إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه ولا بصيرة، كسب هو القليل بفقه وعلم، إن لبس الناس اللين الفاخر، لبس هو من الحلال ما يستر به عورته، إن وسع عليه وسع، وإن أمسك عليه أمسك، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه يتبع واجبات القرآن والسنة، يأكل الطعام بعلم ، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، وينام بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويسلم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم.

    يلزم نفسه بر والديه: فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة، يدعو لهما بالبقاء، ويشكر لهما عند الكبر، لا يضجر بهما، ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعة أعانهما،
    وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها، ورفق بهما في معصيته إياهما بحسن الأدب؛ ليرجعا عن قبيح ما أرادا مما لا يحسن بهما فعله، يصل الرحم، ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، يصحب المؤمنين بعلم، ويجالسهم بعلم، من صحبه، نفعه حسن المجالسة لمن جالس، إن علم غيره رفق به، لا يعنف من أخطأ ولا يخجله، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيرا…
    إلى أن قال رحمه الله:

    فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة، يرى بها ما حسن من فعله، وما قبح منه، فما حذره مولاه حذره، وما خوفه به من عقابه خافه، وما رغبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الص
    فة، فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته ، وكان له القرآن شاهدا وشفيعا وأنيسا وحرزا، ومن كان هذا وصفه، نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه، وعلى ولده كل خير في الدنيا وفي الآخرة.
    المصدر: كتاب: أخلاق أهل القرآن، للإمام محمد بن الحسين الآجري.







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    من الأخطاء في رمضان
    قراءة القرآن بلا تدبر في رمضان

    الشيخ ندا أبو أحمد

    (22)


    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.....
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 102].
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عليكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء: 1].
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب: 70،71].
    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى- وخير الهدي هدي محمد - ص-لى الله عليه وسلم - وشر
    الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    من الأخطاء في رمضان؛ قراء
    ة القرآن بلا تدبُّر:
    فتجد أحدهم يقرأ القرآن في رمضان ويكثر من قراءته، والغرض من ذلك هو أن يختم القرآن أكثر من ختمة، وهذا خير كبير وأجره عظيم، ولكن تجد أن البعض يختم أكثر من ختمة ولا يتدبر في آية من آيات المصحف، وهذا خطأ كبير مخالف لقول رب العالمين:
    ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
    يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: قال العلماء:

    يجب على القارئ إحضار قلبه، والتفكر عند قراءته، لأنه يقرأ خطاب الله الذي خاطب به عباده، فمَن قرأ ولم يتفكر فيه - وهو من أهل أن يدركه بالتذكر والتفكر - كان كمن لم يقرأه، ولم يصل إلى غرض القراءة من قراءته، فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفة الحقوق، فإذا ترك التفكر والتدبر فيما يقرأه استوت الآيات كلها عنده،
    فلم يدع لواحدة منها حقها، فثبت أن التفكر شرط في القراءة، يتوصل به إلى إدراك أغراضه ومعانيه، وما يحتوى عليه من عجائبه. (التذكار في أفضل الأذكار ص-195).
    ويقول الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 106):
    وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب....وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظه به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصَّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوَّذ، أو تنزيه نزَّه وعظَّم، أو دعاء تضرَّع وطلب. أهـ.
    فعلى الإنسان أن يحدد له وقت زمني يقرأ فيه ورد من القرآن، بغض النظر عن الكم الذي قرأه، لكن عليه أن يتفكر فيما ي
    قرأ، ولو لم يخرج من هذه الجلسة إلا بجزء بسيط من القرآن لكن قراءة بتفكر وتدبر، فيكون هذا أفضل وأنفع له.

    ويقول الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - ف
    ي كتاب "إحياء علوم الدين" (3/516):
    فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة، فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط، يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله، واستشعارًا لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله - عز وجل - ، كذكرهم لله - عز وجل - ولدًا وصاحبة يغض صوته، وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها، وعند وصف
    النار ترتعد فرائصه خوفًا منها.
    ويقول محمد بن كعب القرظي - رحمه ا
    لله -:

    مَن بلغه القرآن فكأنما كلَّمه الله، وإذا قدَّر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله، ويعمل بمقتضاه. (إحياء علوم الدين -1/516).
    وذكر الغزالي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه قال:
    هذا القرآن رسائل أتتنا من قِبل ربنا - عز وجل - بعهوده، نتدبَّرها في الصلوات، ونقف عليها في الخلوات، وننفذها في الطاعات والسنن المتَّبَعات. (نفس المصدر).
    ويقول وهيب بن الورد - رحمه الله -:
    نظرنا في هذه الأحاديث فلم نجد شيئًا أرق للقلوب، ولا أشد استجلابًا للحزن، من قراء
    ة القرآن وتفهمه وتدبره.
    فكان السلف يؤكد على أن تدبر القرآن وتفهمه - إلى جانب كونه مطلبًا دينيًا - فهو وسيلة تربوية ناجحة لشفاء القلوب من قسوتها، والأعين من جمودها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    من الأخطاء في رمضان .. هجر القرآن خصوصا في رمضان
    الشيخ ندا أبو أحمد
    (23)


    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 102].

    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ علىكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء: 1].
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ
    مَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب: 70، 71].
    أما بعد...،

    فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى- وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    من الأخطاء في رمضان؛ هجر القرآن خصوصاً في رمضان:
    فمن فضائل هذا الشهر المبارك -شهر رمضان -أن الله تعالى أنزل فيه القرآن، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. . ﴾ [البقرة: 185].
    فرمضان هو شهر القرآن، ولذا كان جبريل - عليه السلام - يدارس النبي
    - صلى الله عليه وسلم - القرآن في رمضان.
    فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال:

    "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جب
    ريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة".
    قال ابن رجب - رحمه الله -:
    دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على مَن هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
    • وهكذا كان حال السلف مع القرآن في رمضان.
    فها هو الإمام مالك -رحم
    ه الله -:
    إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم، وأقبل على قراءة القرآن في المصحف.
    وكان الزهري - رحمه الله - إذا دخل رمضان يق
    ول: إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام.
    وكان سفيان الثوري - رحمه الله -:
    إذا دخل رمضان يترك جميع العبادات، ويقبل على قراءة القرآن.
    وكان قتادة - رحمه الله -:

    يختم القرآن في كل سبع ليال دائماً، وفى رمضان في كل ث
    لاث، وفى العشر الأخيرة منه في كل ليلة.
    وكان الشافعي - رحمه الله -:
    يختم القرآن في شهر ر
    مضان ستين ختمة.
    وهكذا كان حال السلف مع القرآن في رمضان وفي غيره، أما نحن فقد هجر البعض منا القرآن، فلا وقت لسماعه، ولا قراءته، ولا حفظه، وإذا قرأناه أو سمعناه لم نتدبره ونفهمه، وإذا فهمناه أو تدبرناه لم نعمل به ولم نتحاكم إليه، بل اكتفينا أن نقرأه على الأموات، ونزين به الجدران، وصدق فينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ [الفرقان:30].
    يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كما عند الدارمي:

    "سيبلى القرآن في صدور أقوام، كما يبلى الثوب فيتهافت
    ، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة".
    وصدق والله معاذ بن جبل، فنحن نقرأ أو نسمع القرآن فلا نجد شهوة ولا لذة، ويزداد الأمر خطورة وسوء عندما نجد هذا أيضاً في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فهناك مَن لا يفتح المصحف فيه، وإذا أطال الإمام في الصلاة يضيق صدره، ويصيبه الضجر والقلق، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، وهذا هو حالنا ولا يخفى على أحد.
    وصدق والله عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حيث قال: "لو طهُرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم".


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    العمل بالقرآن

    (24)


    أخي المسلم:
    لقد أنزل الله تعالى كتابه شرعًا للعباد، ومنهجًا يحتذون طريقه، ونورًا مبينًا..
    والعمل بكتاب الله تعالى هو أصل كلِّ سعادة؛ فلن يسعد الخلق إلاَّ إذا عملوا بكتاب ربهم تبارك وتعالى، كما أنَّ ترك العمل بكتاب الله تعالى أصل كلِّ شقاء.
    قال الله تعالى : قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه: 123- 126].

    ولقد كان العمل بالقرآن هو ديدن السلف الصالح وشعارهم في هذه الدنيا؛ فسعدوا بذلك وجعل الله لهم التمكين والثبات في الحياة الدنيا، وسيجزيهم يوم القيامة خير ما يجازي به أولياءه.
    قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان الفاضل من أصحاب رسول الله ﷺ في صدر هذه الأمَّة لا ي
    حفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورُزِقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمَّة يُقرِئون القرآن منهم الصبيَّ والأعمى، ولا يُرزقون العمل به!
    وقال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: كنا إذا تعلَّمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلَّم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها.

    بل إنَّ الكثيرين ليحفظون كتاب الله ليقال لهم إنهم حفَّاظ لكتاب الله تعالى، من غير ائتمار بأوامره أو انتهاء عن نواهيه!
    قال ابن مسعود : إنَّ أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يُسقِط منه حرفً
    ا وقد أسقط العمل به.
    وهؤلاء هم الذين لم ينتفِعوا بكتاب الله تعالى، ولم يجدوا بركاته و آثاره الجميلة التي يجدها أهل القرآن حقًّا، ممن علم وعمل.
    فيا لتعاسة هؤلاء، بأية حجَّة يحتجُّون غدًا إذا وقفوا بين يدي ربهم تعالى؟!
    أخي المسلم:

    إنَّ هذا القرآن إمَّا حُجَّة لك، وإما حجَّة عليك.
    فإذا كنت من أولئك الذين يحرصون على الوقوف عند حدوده وتحليل حلاله وتحريم حرامه؛ فستجد غدًا أمامك ما يسرُّك.
    وإن كنتَ من أولئك الذين يمرُّون على حروفه؛ غير متدبِّرين ولا عاملين؛ فأنت يومها من أخسر الخاسرين.. يوم أن يأتي القرآن خصيمًا لك!
    قال معاذ بن جبل : اعلموا ما شئتم أن تعلموا؛ فلن يأجركم الله بعلمه حتى تعملوا!

    أخي المسلم:
    قليلٌ أولئك الذين يعملون بكتاب الله تعالى، وقليلٌ أولئك الذين يتَّعظون بمواعظه، فلتحذر حال الغافلين، وإيَّاك أن تكون غدًا من الخاسرين، وتزوَّد اليوم من كتاب ربِّك ما ينفعك في دينك ودنياك.

    ولن يضلَّ قومٌ تمسَّكوا بكتاب الله تعالى واتَّخذوه شرعةً ومنهاجًا.

    والمسلم الصَّادق نموذج حيٌّ للقرآن، يُترجمه في حياته؛ فهو داعٍ إلى كتاب الله بعمله وإن لم يتكلَّم بلسانه.

    وإذا رأى الناس شخصًا ترجم القرآن بأفعاله كان تأثُّرهم به أ شدَّ ممَّن حفظه أو فهمه ولم يعمل به.

    وهذه الخصلة هي التي رفعت أولئك الطاهرين  من أصحاب النبي ﷺ، فكانوا ذلك النموذج الصادق للوحي الصادق..
    حتى كانت أخبارهم كضربٍ من الخيال؛ لأنَّ الناس لم يعهدوا مثل تلك الأخلاق.. ولكنه القرآن الذي يرفع الله به من يشاء من عبا
    ده، ومن رفعه الله تعالى بكتابه؛ فأكرم بذلك من شرف وسؤدد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
    المصدر: موقع الكلم الطيب.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    خطوات عملية في تدبر كتاب الله العزيز - تبيان
    عمر بن محمد
    (25)


    بداية الحديث عن تدبر كتاب الله حديث ذو شجون، لذا فإني سأحاول أن أكتب أهم ما استفدته ممن كتب في هذا الباب. القرآن الكريم -تدارسه وتلاوته- يعتبر حدثا كونيًا. الرحمات تتهلل في تلاوة المرء لكتاب الله تعالى، والقرآن مليء بذكر الرحمة الواسعة، وأسماء وصفات الله تعالى الرحمانية كالرحمن والرحيم.

    لن تصبح إنسانًا كاملًا إلا بالقرآن، وهذا مشاهد في المجتمعات التي انتكست فطرتها، وابتعدت عن أنوار الوحي، إذ الوح
    ي رحمة الله للبشرية، والله تعالى وصف كتابه الكريم بالنور والشفاء والرحمة، والقرآن حبل الله المتين لعباده.
    موسم رمضان

    هو فرصة التعرض لنفحات الله تعالى، فقد كان نزول القرآن في شهر رمضان المبارك ميزة باعتبار المُنزَلِ عليه وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتحنث الليالي ذوات العدد بعيدًا عن ضوضاء مكة وضجيج أهلها، مع ما صاحب ذلك من تقلّله من الطعام والشراب والشهوة المباحة، فأتى ونزل بالقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم في صفاء ذاتي وروحي.
    القرآن الكريم فرصة للتقويم السنوي للمؤمن:

    لذا لابد من مصالحة شاملة مع القرآن قبل رمضان على الأقل بنحو شهر، -شعبان مثلًا- حتى تدخل رمضان المبارك وقلبك منشرح له.
    كانت ضمة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم -في الغار- ضمّة إخراج كل أثر علِقَ به صلى الله عليه وسلم، حتى يكون صافيًا مطهرًا وهو يحمل القرآن الكريم ويتحمل كتابه العزيز. فقد كان وما زال كتاب الله تعالى فرصة لبناء قلب صافي، وعقل سليم، وتصحيح للمسار في ظل انتكاسة الفطر السليمة في هذا العصر! حالة الصيام المتكرر والاعتكاف، تشبه إلى حد ما حالة الصفاء الأولي الذي مرّ به عليه الصلاة والسلام في غار حراء.

    التحضير المعلوماتي مهم في فهم ما تقرأ، فتجعل للجزء الذي تقرأ فيه أو تصلي به معرفة عامة تزيد من خشوعك وتدبرك إذ المعاني الأساسية في كتاب الله لا تحتاج إلى عناء كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    مذهب التَّخلُّق هو الذي يجب أن يصاحب المؤمن -بتعبير فريد الأنصاري رحمه الله- فمصاحبة القرآن الكريم لفترة
    طويلة تتحلق بالمرء إلى درجة الأهلية، فيكون القرآن صاحبه ومستشاره.
    القرآن الكريم مع المؤمن يحب أن ينتقل لمرحلة المعيشة! وحبذا لو يخصص المسلم لنفسه شهرًا -في تدبّر سورة مريم على سبيل المثال- فيقسّم موضوعاتها ويقف على أهم مضامينها، فيعيش مع السورة بصورة واضحة، فلابد إذا من استصحاب القراءة في كتاب الله تعالى المعلومات الع
    امة للمبتدئ والجامعة لمن له إحاطة بعلوم القرآن وطرائق المفسرين.
    أدوات للتملّك

    معرفة مدارس المفسرين تساعد على فهم كلامهم وأصول مدرستهم المدني والمكي والعراقي وعند التفاسير الأثرية الطبري والبغوي وابن كثير، والرجوع إلى تفاسير السلف يعطي تصورًا مذهلًا عما كان عليه فقه الأوائل في الفهم عن الله وتدبر معاني كلامه، فكلام السلف ضبط لنا الأفق وأطلق لنا الطريق في الفهم والتدبر والمعايشة، فبالتالي أعطونا مساحة للتدبر في كتاب الله تعالى.
    معرفة أسباب النزول وفقه الأحداث المصاحبة للآيات الواردة في النازلة، تعين على فهم وتدبر ومعايشة كتاب الله
    تعالى، من أبرز ما أُلِّف في الباب، ففهم مفردات وتراكيب الجمل في الآيات يعطي تصورًا إجماليًا مميزًا، ومما يعين على فهم الصورة الشاملة تفسير السعدي وتفسير الجلالين من أفضل ما كتب في الموضوع.


    وقيمة تفاسير المعاصرين أنها تعالج ما نعانيه في زماننا، فتُثَوِّرَ معاني جديدة، وتفسير المنار وتفسير الألوسي نماذج فريدة في هذا الباب.

    ومما يساعد على التدبر والمعايشة لآي الكتاب العزيز قراءة كتب تسلط الضوء على مواضيع مخصوصة في القرآن الكريم كـ “ظاهرة النفاق في القرآن الكريم” لعبد الرحمن حبنكة -نموذجًا-.
    ومما يجعل المسلم يعايش كتاب الله تعالى، بتدبر -معرفة خواص السور القرآنية- فسورة الكهف على س
    بيل المثال لا الحصر: من خصائصها أن موسى عليه السلام بكثرة ما ذكر في القرآن الكريم إلا أن ذكر قِصص معينة له جاءت في سورة الكهف وحدها دون غيرها.
    مدارسة السيرة النبوية الشريفة – تزيد من تعميق الأثر المعايش لآي الكتاب العزيز، فمعايشة الواقع وحمل همومه في محاولة للإصلاح – من شيم المتدبر لكتاب الله تعالى، إذ الغوص في كتاب الله تعالى وجعله مركزا في السجال الفكري المعاصر، لمسلك قوي متين طالما كتب فيه شيخنا الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، وغيره كثير –

    وأخيرًا.. فهم النص القرآني يختلف باختلاف المشاعر من التلف -آدم عليه السلام نموذجًا في تلقيه لآيات ربه- فف
    همك للآية على قدر همومك! كما أن استفادتك منها لا يكون إلا بقدر حاجتك إليها.

    إن كان من وصية، فأوصي بالاطلاع على ما كتبه شيخنا الأنصاري عليه رحمة الله في كتاباته عن القرآن وهي متعددة،
    وما يحاضر ويُنُثَرُ من درر في محاضرات الدكاترة الكرام أحمد عبد المنعم الذي استقيت منه هذه المادة في مضمونها العام، وأخيرًا الدكتور الفاضل مساعد الطيار.

    المصادر


    القرآن الكريم أثره في التغيير، مفاهيم في تدبُّره، سبل معايشته في رمضان


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    في ظلال آية

    (26)


    ما أمتع العيش مع كلام الرحمن، ما أحلاها من حياة، ما أطيبها من ظِلال، ما أروعها من أفنان، وما ألذَّ ذلك كله حين يكون في شهر القرآن، شهر رمضان، نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء [النور:35].
    ولنعش في ظلال هذه الآية العظيمة التي ورد فيها تشريع ركن صيام رمضان حيث يقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا
    الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184].

    انظر أيها الأخ الحبيب كيف استفتح الله – تعالى – الجليل الكبير هذه الآية العظيمة، وهذا الحكم الكبير؛ بذلك النداء الحاني، النداء الذي يشعر المرء المسلم حين يقرأه بالدفء والحنان والرحمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ما ألطفه من نداء! وما ألينه من تمهيد
    !
    يناديهم -سبحانه- ويستثير فيهم هذا الوصف العظيم أي الإيمان به -سبحانه-؛ فهم أهل التصديق والإقرار، أهل السمع والطاعة، وهنا نتذكر ذلك الرجل الذي أتى عبدَ الله بنَ مسعود -رضي الله عنه- فقال: أوصني، فقال له: "إذا سمعت الله -عز وجل- يقول في كتابه: يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها
    سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه" [التفسير من سنن سعيد بن منصور:1/ 10، وانظر تفسير ابن كثير. دار الفكر:2/ 310].

    كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ: أي فرض عليكم الصيام وهو العمل الذي اختص الله نفسه بأن يجزي عليه إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به [رواه مسلم:2760] كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ فقد "كان العرب يعرفون الصوم، وقد جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يومُ عاشُوراءَ يومًا تصومه قريش في الجاهلية"، وفي بعض الروايات قولها: "وكان رسول الله يصومه" [رواه البخاري:2002، ومسلم:1125] ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لما هاجر رسول ال
    له إلى المدينة وَجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ فقالوا: "هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى، فنحن نصومه"، فقال رسول الله -ﷺ-: نحن أحق بموسى منكم فصام وأمر بصومه" [رواه ابن ماجه:1734، وغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه]، ومعنى سؤاله هو السؤال عن مقصد اليهود من صومه لا تعرُّف أصل صومه، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها-: "فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة، وقال رسول الله -ﷺ-: من شاء صام يوم عاشوراء، ومن شاء أفطر [رواه مسلم:2696]، فوجب صوم يوم عاشوراء بالسُنَّة، ثم نسخ ذلك بالقرآن، فالمأمور به صوم معروف زيدت في كيفيته المعتبرة شرعًا قيودُ تحديد أحواله وأوقات". [التحرير والتنوير:2/208-209].

    "فحصل في صيام الإسلام ما يخالف صيام اليهود والنصارى في قيود ماهية الصيام وكيفيتها، ولم يكن صيامنا مم
    اثلاً لصيامهم تمام المماثلة، فقوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ تشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات، والتشبيهُ يُكتفَى فيه ببعض وجوه المشابهة، وهو وجه الشبه المراد في القصد، وليس المقصود من هذا التشبيه الحوالةَ في صفة الصوم على ما كان عليه عند الأمم السابقة، ولكن فيهم أغراضًا ثلاثة تضمنها التشبيه: أحدها الاهتمام بهذه العبادة، والتنويه بها لأنها شرعَها الله قبلَ الإسلام لمن كانوا قبل المسلمين، وشرعها للمسلمين، وذلك يقتضي اطِّراد صلاحها، ووفرة ثوابها، وإنهاض همم المسلمين لتلقي هذه العبادة كي لا يتميز بها من كان قبلهم.

    والغرض الثاني أن في التشبيه بالسابقين تهوينًا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان، ولمن يستثقله من قريبي العهد
    بالإسلام، وقد أكَّد هذا المعنى الضّمني قوله بعده: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ.
    والغرض الثالث إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة حتى لا يكونوا مقصرين في قبول
    هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة.

    وقوله -تعالى-: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: يا معشر الشبابب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء [رواه البخاري:5065، ومسلم:3464]، فـ"الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لعارية بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين، وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعًا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونًا عليه أمر الرياسة في الدن
    يا، وذلك جامع لأسباب التقوى، فيكون معنى الآية: فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين، الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم" [تفسير الرازي مفاتيح الغيب:5/ 60].
    اللهم افتح لنا من معاني كتابك الكريم فتوحات العارفين، وانفعنا بما في
    ه من الآيات والذكر الحكيم.
    والحمد لله رب العالمين
    الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”

    المصدر: موقع رمضانيات



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    التنافس في شهر الصيام وفرص التلاوة والتدبر
    الدكتور: المهابة محمد مياره الشنقيطي

    (27)


    الصيام منهج قرآني وتربية إلهية ونظام معتمد في الإسلام لدى كافة الأنبياء والرسل وهم جميعا جاؤوا بالدعوة إلى الايمان والنبوة والمعاد، والقرآن الذي هو الخاتم والمهيمن هو المدرسة الربانية التي تعطي للآخرة مساحتها الحقيقية في التفكير والوعي والسلوك كما تصلح القلب، وتزكي النفس، وتطرد الغفلة والجاهلية من حياة الناس، وتزود الإنسان ببصائر الإيمان واليقين والعلم حتى تكون له دعوة مستجابة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لحامل القرآن دعوة مستجابة) رواه مسلم.
    والحامل هنا ليس بالضرورة هو الحافظ لنصه في الصدر فحسب بل قد يكون حاملا وليس حافظا له، وقد يكون حافظا للنص وليس حاملا له، وقد يكون حافظا وحاملا في آن معا، وفي "الحمل" معان عظيمة يتصف بها الحامل، فهو يحمل هداية القرآن ودعوته، وفكره وهمَّه، وحدوده ومقاصده، وأوامره وزواجره، ويتصف بالمهارة فيه، وفي تدبره وتعليمه: “قال صلى الله عليه وسلم (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)، رواه البخاري.

    وقال صلى الله عليه وسلم (يُقالُ لِصاحبِ القرآنِ: اقرَأْ، وارْقَ، ورتِّلْ، كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنزِلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرَؤها) أخرجه أبو داوود والترمذي والنسائي وأحمد واللفظ له.
    فكيف إذا اجتمعت معاني القرآن والتلاوة والتدبر مع القيم الرمضانية في موسم واحد وفي قلب واحد؟
    قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَ
    ىٰ وَالْفُرْقَانِ)
    وقال صلى الله عليه وسلم:( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري.
    إنه الشهر الذي تُقيَّد فيه الشياطين بالسلاسل والأغلال، وتُفتَّح أبواب الجنان، وتُغلَّق أبواب النيران، وتبسط البسط، وتعرض الموائد الربانية لعباد الله، وتُضاعف لهم الحسنات، وتُساق قلوبهم وجوارحهم إلى ميادين الأعمال الصالحة شوقا
    ورغبة وتفضلا من الله تعالى على خلقه.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ ، وللهِ عتقاءُ من النارِ ، وذلك كلَّ ليلةٍ). رواه أبو هريرة وأخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الالباني.
    إنه حقا شهر القرآن والتلاوة والعمل، وشهر الصيام والصبر والثبات، وليس الصيام مجرد صوم عن الأكل والشرب وسائر المفطرات فحسب بل هو صوم اللسان والجوارح والقلب عما سوى الله تعالى.
    قال صلى الله عليه وسلم: "مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ": صحيح البخاري
    ولا شك أن الصوم الحقيقي الذي تتكامل وتتداخل فيه الفضائل والأحكام والآداب في كيان واحد باعث على تحقيق قيم التقوى، وكسر الشهوات، وتطويع النفوس وتطهيرها من الخسائس والوساوس والرعونات. قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

    وهكذا فالصوم دورة تدريبية للبدن والروح والعقل والنفس على معاني التقوى بماهي خوف وحذر ووقاية واحتر
    از ويقظة قوية للضمير والقلب، هذا فضلا عن كونه شريعة مشتركة بين جميع الأنبياء والرسل، وتوبةً في الظاهر والباطن وإقلاعا عن الأعمال الفاسدة وتحقُّقاً بالأعمال الصالحة قولا وعملا وروحا حتى تتغير بذلك الوجهة والقصد والطريق؛ لذا تتفاوت مقامات الناس ومنازلهم في الصيام: قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله " وللصوم ثلاث مراتب: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص: فهو كف النظر واللسان واليد والرجل والسمع والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام.
    وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية"(الكلم الطيب).
    وهكذا فالقرآن مدرسة ربانية وجدانية وسطية تطبيقية متوازنة شاملة للتلاوة والتزكية والتعليم في ظلها يتحقق المعنى الجوهري للدين بما هو خضوع قلبي يجسد الاستجابة الوجدانية القائمة على الخوف والإنابة والاستسلام والإحسان في الفهم والتدين والقول والعمل والسمت.

    ولا جَرَم أن التلاوة في رمضان من أعظم الفرص النادرة، ومن أجل أبواب الرحمة والهداية والخير والمكاسب العظيمة لما يحصل في رمضان من التوبة والاستجابة والرغبة والتحفز لنيل الأجر والثواب، والبعد عن هوى النفس، وحبائل الشيطان، ومضلات الفتن. ومن هنا كانت التلاوة والتدبر والترتيل والتفكر في الآيات القرآنية والكونية من أعظم المنازل وأشرف المراتب التي تورث حقائق العلم والإيمان والرقي في مدارج المعارف الربانية سيرا إلى الله تعالى وطيا للمسافات وتحقيقا لمطالب القلب والروح التي هي من أفضل مواريث الأنبيا
    ء والرسل قال ابن القيم:" وأحسن ما أنفقتْ فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته". مفتاح دار السعادة ص608
    والقرآن والتلاوة وجهان لعملة واحدة، فالقرآن موضوع والتلاوة أداته التي تخرج كنوزه وفوائده، وتتجلى نورا في القلب، وحكمة في اللسان، ورحمة في السلوك والحياة.
    وليست مقاصد التلاوة إلا الأهداف والغايات التي نسعى إلى تحقيقها من خلال الق
    راءة والتلقي ومكابدة القرآن ومعاناة فهمه وتأمله وتعقله وأخذ العبرة اللازمة منه.
    وهنا يتعين علينا أن نقرأ القرآن ونتلوه حق تلاوته تجويدا وترتيلا؛ وذلك بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها من الصفات اللازمة والصفات العارضة مع الحرص على الامتثال بما يحقق مفهوم الترتيل قال تعالى: “ورتل القرآن ترتيلا".

    فترتيل القرآن تلاوته بالتمهل والترسل والتؤدة والانتفاع به تحقيقا للحروف بلا تعجل، ولا ترعيد ولا هذرمة ولا ترقيص ولا تطريب بل بالتجويد والسكينة والخشوع والهيبة والوقار.
    وهكذا فالترتيل منهج في التلقي والعمل، وأسلوب في التعلم والتطبيق، وهو فرض كفاية في حق الأمة، وفرض عين في حق كل مسلم عندما يباشر التلاوة والتدبر.
    وتلاوة القرآن حق تلاوته ما قال الإمام أبو حامد الغزالي:" هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعقل يترجم، والقلب يتعظ".
    وللتلاوة مقاصد عظيمة وآثار جسيمة في القلب والروح بل هي من أسباب الفوز والفلاح ومن جوالب السعادة واليقين في حياة المسلم. ولعل من أبرز النيات التي نقرأ القرآن بها ما يأتي:
    1. نية حصول الهداية والبصيرة والأمن وشفاء الصدو
    ر.
    2. نية التقرب والتعبد والتدبر.
    3-نية الانتفاع به وإعمال نصوصه في حياتنا.

    4-نية التحصن والتحرز والوقاية من همزات الشياطين.
    5-نية حفظ النفس من الأهواء والزلات
    والغوائل والغفلات.
    6- نية المحاسبة والمراجعة والتقويم
    7- نية إخراج الأمة من الظلمات إلى النور.
    8-نية الافتقار وكسب الأجر والثواب.
    9-نية حصول السكينة والسعادة في حياتنا.
    10-نية المحبة وجمع القلوب وتأليفها على سنن الهدى.
    11-نية الوقوف عند عجائبه وتحريك القلوب بها.
    12 نية الرحمة والمودة والتسامح ومكارم الأخلاق.
    والتلاوة بمعناها الرباني هي طريق مُحكَم في التعامل مع القرآن، وهي التي تثمر حقيقة الإخلاص والحب والعمل، وتعطي الإيمان بعده الوجداني والواقعي الذي لا ينفصل فيه القول عن العمل، ولا النية عن السلوك، قال تعالى:( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاو
    ته أولئك يؤمنون به".
    قل العلامة ابن القيم: "التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه، تصديقا بخبره، وائتمارا بأمره، وانتهاء بنهيه

    وائتماما به؛ حيث ما قادك انقدت معه. فتلاوة القرآن تتناول تلاوة لفظه ومعناه وتلاوة المعنى أشرف من مجرد
    تلاوة اللفظ، وأهلها هم أهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والآخرة؛ فإنهم أهل تلاوة ومتابعة حقا". مفتاح دار السعادة (1/203)
    ولا تقتصر التلاوة هنا على أداء حروف القرآن بل تتعدى ذلك إلى حدوده وزواجره، وأوامره ونواهيه، وحلاله وحرامه؛ وذلك من مشمولات حق تلاوته التي هي منهج عدلٌ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). وقال الحسن البصري:( ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي وإنما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل).
    وتكمن أهمية التدبر في كونه من أهم مقاصد الوحي والتنزيل التي هي من موجبات الهداية والترقي في مدارج العلم والإخلاص والحكمة ومعارف القلب والروح.
    ويحسن أن ترتبط التلاوة بالتدبر كما هو هدي القرآن وديدنه؛ لما في ذلك من المنافع والفوائد الجالبة لحقائق الإيمان والتقوى، والرقي في مدارج العلم والمعرفة الربانية.
    التدبر في اللغة مشتق من مادة "د ب ر" وهي" تدل على آخر الشي وخلفه، يقال دبَّر الشيء وتدبَّره: نظر في عاقبته واستدبره رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، والتدبر في الأمر التفكر فيه"[1].
    وقد ورد لفظ "التدبر" على صيغة التَّفعُّل للدلالة على التكلف والتعقب والنظر مرة بعد مرة وكرة بعد كرة لحصول الأثر الناجم عن المجاهدة التي يجعلها المتدبر عنوانا لجهده ونصبه واجتهاده في تحقيق المراد.

    والتدبر في الاصطلاح:

    1-"هو تحديق ناظر القلب إلى معاني القرآن، وجمع الفكر على تأمُّله وتعقُّله، وهو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر"[2]. وقال ابن القيم في موضع آخر في توضيح المراد من التدبر: "وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره ثم يعيد نظره مرة بعد مرة، ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين" كما قال أيضا: "إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه إليه؛ فإنه خطاب
    منه لك على لسان رسوله"[3].
    2-قال العلامة الألوسي: "وأصل التدبر: التأمل في أدبار الأمور وعواقبها، ثم استعمل في كل تأمل، سواء كان نظرا في حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه"[4].
    3- قال الخازن: "أصل التدبر: النظر في عواقب الأمور، والتفكر في أدبارها، ثم استعمل في كل تفكر وتأمل، ويقال "تدبرت الشيء" أي: نظرت في عاقبته، ومعنى تدبر القرآن تأمل معانيه، والتفكر في حكمه، وتبصر ما فيه من الآيات".[5]
    4-قال الإمام السيوطي: "وتسن القراءة بالتدبر والتفهم.. وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصَّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوذ أو تنزيه نزَّه وعظَّم، أو دعاءٍ تَضَّرع وطلب".[6]
    5-قال الإمام الشوكاني: "إن التدبر هو التأمل، لفهم المعنى، يقال: (تدبرت الشيء) تفكرت في عاقبته وتأملته، ثم استعمل في كل تأمل، والتدبر أن يدبر الإنسان أمره، كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته"[7].

    6-ولا تختلف عبارات المعاصرين كثيرا عن هذه المعاني يقول الشيخ عبد الرحمن حَبنَّكة الميداني معرفا التدبر: "التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة"[8].
    7-قال الشيخ سليمان السنيدي: "تدبر القرآن هو تفهم معاني ألفاظه والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة، وما دخل في ضمنها، وما
    لا تتم تلك المعاني إلا به، مما لم يعرج اللفظ على ذكره من الإشارات والتنبيهات وانتفاع القلب بذلك بخشوعه عند مواعظه، وخضوعه لأوامره، وأخذ العبرة منه"[9].
    8-يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: "هو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك"[10].
    9-يقول العلامة الشنقيطي في أضوائه: "تدبر آيات هذا القرآن العظيم أي تصفحها، وتفهمها، وإدراك معانيها والعمل بها"[11].
    10-قال الدكتور أحمد آل سبالك: "أما المعنى الاصطلاحي لتدبّر القرآن كما ورد في كتب التفسير فهو: التفكُّر في غاياتِ القرآنِ ومقاصدِه التي يرمي إليها، ويأتي ذلك بالتفهّمِ والتأمّلِ والتفكُّرِ في معاني الآيات ومبانيها"[12].
    ونستنتج من تعريفات العلماء والمفسرين مجموعة من الحقائق والقيم المتصلة بصلب التدبر:
    1- أن التدبر موجب للفهم والعلم والتدين.
    2 – أن التدبر منهج شامل وكامل في التلقي والتعامل مع حقائق الإيمان والنفس والواقع والقرآن.
    3- أن التدبر موجب لحصول التوبة والإنابة وكمال الهداية.
    4-أن التدبر موجب لأخذ ا
    لعبرة والانتفاع بعلوم القرآن وآدابه وتعاليمه.
    5- أن التدبر موجب للدعاء والافتقار والانكسار والتقرب
    6- أن التدبر موجب للتفكر في مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة وتحقق القلب بتلك المعارف والقيم.

    7- أن التدبر ليس مجرد معرفة فكرية أو عقلانية بل هو عمل وإنجاز، وهدي وسمت، وسيرة ومواقف.
    8-أن التدبر ليس قولا بلا عمل بل هو التأمل والتعقل والتفكر ومعارف القلب والقيام بمقاصد التنزيل على وفق هدي محمد عليه الصلاة والسلام.
    9- أن القلب عندما تخالطه بشاشة الإيمان، ويصفو من الشوائب والشهوات وتأخذ فيه الآخرة مساحتها الحقيقية ويتعلق صاحبه بالله تعالى خوفا ورجاء وتوكلا ويقينا لم يعد يُقدِّم على تلاوة القرآن وتدبره ودراسة معانيه ومقاصده والاشتغال به أي عمل من الأعمال التي ليست فروضا عينية وذلك على ملة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث قال: "لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن".

    وكان الصحابة يتعلمون الايمان قبل القرآن ويقفون مواقفه وما يتعرضون له من الفتنة والابتلاء والتمحيص والفعل والترك والصبر والثبات والشدة والقسوة والتكذيب والتثبيط والتجويع والحصار والأذية والتهديد ولا يزدادون بذلك إلا قوة وعزيمة ويقينا؛ لأن الآيات التي تتنزل على نبيهم -وهم في الميدان والمكابدة- إنما كانت للتثبيت والتنفيذ والنصرة والتأييد... ثم اختلف الحال وتغيرت أولويات التربية فصار الناس يحفظون القرآن ولا يهتمون بتحصيل الإيمان الحقيقي الميداني بل تحول الأمر في الغالب إلى ألفاظ ومصطلحات وما يسمى في العصور المتأخرة بعلم الكلام:" قال عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدر
    ي ما أمره ولا زجره وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدَّقَل !! ).


    وحاصل الأمر
    1-أن الجمع بين التلاوة والتدبر في شهر الصيام والتنافس في ذلك من أعظم القربات، وأجل الأعمال، وأربح المكاسب، وأوفر الحظوظ والفرص التي تزودنا بها المدرسة القرآنية الرمضانية.
    2- فكيف إذا اجتمعت معها قيم وصفات أخرى كالقيام والدعاء والتضرع والتبتل وإفشاء السلام وإطعام الطعام ولين الكلام والإحسان إلى المسلمين.
    3 -فكيف إذا اجتمع مع ذلك الكف عن أعراض الناس وستر عوراتهم وأداء حقوقهم وحفظ أموالهم ونفوسهم ودمائهم ومجاهدة النفس على ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ) أخرجه الترمذي مختصرا والإمام أحمد واللفظ له.


    4-وليس أنفع للقلوب من التلاوة والتدبر والتفهم وانشغال القلب بالقرآن في كل حين؛ فذلك من موجبات حلاوة الإيمان وإصلاح القلب وتحقيق السكينة والسعادة في الحياة:" يقول العلامة ابن القيم: "فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها؛ فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وتذوق حلاوة القرآن... فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل إصلاح القلب" مف
    تاح دار السعادة (1/535-536)
    الدكتور: المهابة محمد مياره الشنقيطي:
    أستاذ جامعي وباحث أكاديمي
    مدينة العين 28/4/2021
    الموافق 5/9/1442
    ---------------------------------------------
    [1] - مقاييس اللغة لابن فارس. ج2 / 324: ولسان العرب لابن منظور، ج4/ 237
    [2] - مدارج السالكين لابن القيم، ج1: ،475
    [3] - الفوائد لابن القيم، ص: 3
    [4] - روح المعاني، ج5/ 92
    [5]-لباب التأويل في معاني التنزيل، ص: 1،: ج1/ 402
    [6]-الإتقان في علوم القرآن،: ج1/127
    [7]- فتح القدير، ج1/ 491
    [8]-قواعد التدبر الأمثل للميداني، ص: 10
    [9]-تدبر القرآن، ص: 1
    1
    [10]-تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن: ج1/ 189
    [11] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: ج7/ 429
    [12]-فتح من الرحمن في بيان كيفية تدبر كلام المنان، ج1/72






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    أثر القرآن الكريم في تهذيب النفوس

    (28)


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فإن القرآن الكريم يهدي للتي أقوم في كل شيء، سواء كان في الأخلاق، أو الصفات أو السلوك، بل في الأمور كلها، والله تعالى يقول: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9] وقد وردت الآيات الكثيرة التي تدل المؤمنين على الاتصاف بأحسن الأخلاق وأعلاها، و
    تحثهم على التمسك بها، ولا شك أن تزكية النفوس، وتهذيب أخلاق الناس من مهام الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ [البقرة:151]، وسوف نستعرض فيما يأتي آيات وردت في كتاب الله تعالى، تدعو إلى تهذيب النفوس، والتخلق بالأخلاق الحسنة، ومن ذلك ما يلي:

    1- قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
    قال ابن كثير -رحمه الله-: "يُذكّر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم عليهم من بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتلو عليهم آيات الله المبينات، ويزكيهم، أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية" [تفسير القرآن العظيم (1-201)].
    وقال ابن سعدي -رحمه الله-: "ويزكيكم، أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذي
    لة؛ وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية" [تيسير الكريم الرحمن (1/115)].

    2- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنذِرْ ۝ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ۝ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ۝ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ۝ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر:1-6].
    وقد قيل في تفسير الآية: إن معناها الزم مكارم الأخلاق وأعلاها، وابتعد عن قبيح الأخلاق التي يتصف بها المشركون، ثم أمره رب العالمين بعدم المن حين العطاء؛ وذلك بأن يستكثر ما يدفعه في سبيل الله، حيث إن الكريم يستقل ما يعطي، ولو كان كثيراً، ولا ينتظر العوض إلا من الله تعالى.
    3- قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ [يونس:57].
    فالقرآن الكريم موعظة وتذكير، وبشارة للمؤمنين، ونذارة للكافرين، وهو شفاء للصدور من مرض الشك والغرور والرياء والنفاق والحسد والحقد والغل، وغيرها من رذائل الأخلاق، وسيد الثقلين -عليه الصلاة والسلام- كان خلقه القرآن الكريم، فعن سعد بن هشام -رحمه الله- قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: أخبريني ع
    ن خلق رسول الله -ﷺ- فقالت: "كان خلقه القرآن" [مسلم (746)].
    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: بعثت لأتمم صالح الأخلاق [أحمد (8952) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2833)].

    قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "يدخل في هذا المعنى الصلاح، والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإح
    سان والعدل، فبذلك بُعث ليتممه -ﷺ-، وقد قال العلماء: إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله -عز وجل-: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]" [التمهيد (24/334)].
    4- وفي سورة الإسراء جملة من الآيات الكريمة التي تحث على التخلق بالأخلاق الحسنة، التي لها علاقة مباشرة بتهذيب النفوس وطهارتها، ومنها بر الوالدين، والإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، والنهي عن التبذير، وعدم قتل الأولاد، والبعد عن قربان الفاحشة، وقتل النفس، وقربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وفيها المحافظة على العدل، وأن يراقب الإنسان ربه فيما يسمع ويبصر، وأن يوثق الإنسان علاقته بربه، وأن يحذر من الكبر والتعدي على عباد ا
    لله، وغير ذلك مما له أبلغ الأثر في تهذيب النفوس وإصلاحها.

    والمسلم إذا تدبر الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم، وعمل بمقتضاها، فإن نفسه تسمو، ويحظى بمحبة الله ت
    عالى، ومحبة عباد الله الصالحين، وتلك درجة طيبة ينال بها صاحبها خيرات كثيرة، ومناقب جمة.
    فندعو إخواننا وأبناءنا وبناتنا إلى بذل المزيد من العناية بالقرآن الكريم، والمحافظة على فرائض الله، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى الناس، والعفو عمن أساء، والبعد عن الأخلاق السيئة التي حذر القرآن الكريم منها، ومن أشدها التهاون بالصلاة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وارتكاب المظالم والحقد والحسد والسخرية، والبعد عن سفاسف الأمور، وغيرها.
    وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لكل خ
    ير.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    الناشر: عبد الله المطلق


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    هديه صلى الله عليه وسلم في تدبر القرآن

    (29)


    كان رسول الله -ﷺ- إذا شرع في قراءة القرآن شأنه التدبر والخشوع والتفكر.
    والدلائل على فعله ذلك وصحابته وسلف هذه الأمة أكثر من أن تحصر، والحث على ذلك من الله -سبحانه وتعالى
    - أجلى وأظهر، فبه تنفتح القلوب، فتدرك المقاصد الصحيحة، والآيات العقلية الصريحة، قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].
    وصفة ذلك أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يقرأ، ويتجاوب مع كل آية بمشاعره وعواطفه، ويتأمل الأوامروالنواهي ، ويعتقد قبول ذلك.

    فإن كان ممن قصّر فيه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإن كان ممن وُفق للعمل به شكر وكبر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوذ، إلى غير ذلك من معاني الآيات.
    ويُستعان على كشف هذه المعاني وإبانتها بأحد كتب التفسير، فإنّ تفاوت
    الإدراك بين الناس أمر لا مراء فيه.
    فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال:"صليتُ مع النبي -ﷺ- ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلتُ: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح س
    بح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ…" [مسلم (772)].

    قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لأن أقرأ البقرة وآل عمران، وأرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن أقرأ القرآن كله هذرمة" أي:بسرعة [مختصر منهاج القاصدين (ص: 52)].
    وذكر الإمام السيوطي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله: "قفوا على عجائبه، وحركوا به القل
    وب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة"[الإتقان في علوم القرآن (1/ 140)].
    وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: "والله ما تدبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحده
    م ليقول: قرأتُ القرآن كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل" [أخلاق أهل القرآن،الآجري(34)].
    وهكذا ينبغي لتالي القرآن أن ينظر كيف لطف الله بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، ويتدبر كلامه، ويتفهم معانيه، وما أراد الله منا بهذا القرآن، ويطبع نفسه على قبول ما جاء به قبولاً ينعكس أثره، ويظهر في العمل والتنفيذ، وأن يستوضح من كل آية ما يليق بها، ويتفهم ذلك.

    فإذا تلا قوله تعالى: خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة:164] فليعلم عظمته -سبحانه وتعالى-،يتلمّح قدرته في
    كل ما يراه، فهذه السماء من ذا رفعها بلا عمد؟! ونثر فيها النجوم بلا عدد؟! وهذه الأرض من ذا الذي سطحها ومهدها، وشق فيها البحار والأنهار، وأخرج من بطنها الثمار والأزهار، فأيّاً كان حظ الإنسان من العلم، فهذه المشاهد يمكن أن يدركها، فتحرك قلبه ووجدانه وجوارحه نحو الخالق المبدع -سبحانه وتعالى-.
    وإذا تلا: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ۝ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] فليفكر بنفسه، وكيف خلق الله هذه النطفة؟! وكيف خلق منها السمع والبصر والعظام واللحم؟! أم هل يدعي أحد أنه خلقها؟ وهذا أمر لا يدعيه أحد؛ ولذا فهو لا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل، فلا سبيل لرد هذا الاستفهام في هذه الآية من آيات ا
    لقرآن، وما يماثلها إلا بالإذعان الكامل لله رب العالمين، الواحد -سبحانه وتعالى- الذي لا يشاركه أحد في الخلق والإنشاء، فلا يجوز أن يشاركه أحد في الربوبية والعبادة.

    وهذا منطق واضح بسيط يدركه كل إنسان أياً كان حظه من العلم، فالنظرة الواعي
    ة، وتدبر الآية وحدها يكفي.
    وليتخل التالي لكتاب الله تعالى عن موانع الفهم، والتي من أعظمها الذنوب، والهوى، فالعلم نور في القلب، ونور الله لا يهدى لعاصٍ، و
    من موانع الفهمكذلك ما سبق وأن أشرتُ إليه حين حذرتُ من المبالغة في النطق بالحروف، مثل أن يخيل الشيطان للقارئ أنه ما حقق تلاوة الحرف، ولا أخرجه من مخرجه، فيكرره التالي، فيصرف همته عن فهم المعنى.
    ومن أهم موانع الفهم -أيضاً- ما سوف يأتي ذكره في الفصل التالي من سماع اللغو والغناء، فقبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه م
    ن ضده، وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء، ولا فهم لحديثه.
    ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة.
    الناشر: سعيد عبد الجليل المصري


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    هجر القرآن بعد رمضان
    محمود إسماعيل شل
    (30)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    فضل القرآن عظيم .. فهو كتاب حياة ومنهج وجود للإنسان، وهو يقدم للمسلم كل ما يحتاج في الدنيا والآ
    خرة، ويجيب عن كل ما يخطر بباله من تساؤلات.. إنه أب حنون، وأم رؤوم ينزل على القلوب المؤمنة بردًا وسلامًا، ويمسح بيده الحانية عليها، فيزيل كل ما يعلق بها من أمراض وآلام، فهل يُعقل أن يغفل المسلم عن هذا الخير ولا يجعل لنفسه وِردًا ولو صغيرًا - من القرآن، وقد صدق الحق - جل وعلا -º إذ يقول:
    "… فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلٌّ وَلا يَشقَى * وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَنِي أَعمَى وَقَد كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَومَ تُنسَى" - طـه.

    إن كثيرًا من المسلمين يضعون المصاحف في علب جميلة مزخرفة ومزركشة.. وكأن القرآن جزء من الديكور والزينة!! والقرآن لم يُجعل لهذا، بل أنزله الله - تعالى -للتدبر والتأمل والفهم والتطبيق.
    وقد روى البيهقي في شعبه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن القلوب تصدأ كما يصدأ الح
    ديد، قيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.
    ومما يؤكد أهمية القرآن في حياة كل مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن من الدعاء أن يقول العبد: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمي..

    وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمر في الحديث المتفق عليه أن يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، كما كان ابن مسعود، وعثمان، وزيد - رضي الله عنهم - يختمون في كل أسبوع مرة.
    والقرآن الكريم.. فيه نبأ من قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم. لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء ولا يملٌّه الأتقياء، ولا يبلى على كثرة الرد والتكرار، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، المتمسكون به ناجون فائزون، والمعرضون عنه هلكى خاسرون، ولم تملك الجن حين سمعته إلا أن قالت:

    "إِنَّا سَمِعنَا قُرآنًا عَجَبًا * يَهدِي إِلَى الرٌّشدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" سورة الجن. وقال الله - تعالى -: "وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعُونَ القُرآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومِهِم مُنذِرِين…"، الآيات من سورة الأحق
    اف.
    أنواع هجر القرآن
    وبعض الناس يظنون أن هجر القرآن محصور في هجر القراءة فحسب، ولكن الصواب أن أنواع الهجر كثيرة، فهناك هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، وهناك هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به، والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه، في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته
    اللفظية، أو أنه يحكي ماضيًا أو أشياء صعبة التحقق، والعدول عنه إلى غيره من شر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة عن الآخرين.
    وهناك هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد الله منه، وكل هذا داخل في قول الله - تعالى -: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورًا" الفرقان.
    ومن هجر القرآن كذلك وجود حرج في الصدر منه، وهجر القرآن داء وبيل ومرض خطيرº لأنه هجر لمصدر النور والهداية والسداد والرشاد، وإن في القرآن خيرًا لا يحصى ومن ذلك أنه:
    كتاب هدى: "الـم * ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِين" البقرة
    كتاب رحمة: "الـم * تِلكَ آياتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ * هُدًى وَرَحمَ
    ةً لِلمُحسِنِين" لقمان
    كتاب شفاء: "وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين" الإسراء

    كتاب طمأنينة: "أَلا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوب" الرعد.
    كتاب الحياة الحقيقة: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَ
    لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم" الأنفال.
    كتاب السرور والفرح: "قُل بِفضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون" يونس.
    كتاب خير عام: "وَقِيلَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مَاذَا أَنزَلَ رَبٌّكُم قَالُوا خَيرًا" النحل.
    كتاب حق: "يَا أَيٌّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَبِّكُم فَآمِنُوا خَيرًا لَكُم" النساء.
    ويقول الشاعر عمر عسل:
    عشـقتك يا كتـاب الله حـتى *** كأنـي لا أر
    ي حبًّـا سواكا
    إذا حـط الظلام على دروبي *** بلا خوف أسير على سناكا
    وإن ضلَّت خُطاي طريق حق *** أرى نور الحقيقة في هواكا
    نزلت على الأمين لنا سلامًـا ***
    فهل تبعث جماعتنا خطاكا؟!
    آداب قراءة القرآن

    1- التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه، سُئلت السيدة عائشة عن أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: (كان خلقه القرآن).
    2- أن يحل حلاله ويحرم حرامه.
    3- قراءته على أكمل الحالات من طهارة، واستقبال قبلة، والجلوس في أدب ووقار.
    4- ترتيله وعدم الإسراع في القراءةº لقول الله - تعالى -: (وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً) (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِه)
    5- التزام الخشوع والبكاء أو التباكي عند قراءته كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن ماج
    ه (ابكُوا فإن لم تبكوا فتباكوا)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (زَيِّنوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
    6- تحسين الصوت بالقرآن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم
    - (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
    7- الإسرار بالتلاوة إن خشي الرياء، أو كان يشوِّش على مُصَلٍّ,، والجهر بالقراءة إن كان في ذلك فائدة مقصودة تحمِل الناس على قراءته والتفكر في معانيه، وتعظيمه، واستحضار القلب عن تلاوته.
    إن تلاوة القرآن قيمة عظيمة فحافظ عليها، لكن القيمة الحقيقة أن تشهد وتتغير الجوارح بما قرأت.
    تذكر دائمًا أنك في مرحلة اختبار قاسٍ, تحتاج لجهد وإرادة، وهذا الاختبار يتكون من سؤال واحد: هل يصبح القرآن حجة ل
    ك أم عليك؟ فكِّر جيدًا في السؤال، ثم أجب عليه في حدود الواقع العملي وفي زمن مدته عمرك الذي قدَّره الله لك.
    اسأل الله الفائدة لي ولكم......




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •