تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    رمضان موسم تدبر القرآن الكريم
    د. عبدالله البوعلاوي

    (1)



    رمضان ليس كباقي الشهور، ففيه تتجدد العزائم، وتتعدد الطاعات، فيتجدد العهد بالقرآن الكريم، تلاوة وحفظاً وتدبراً، بعدما عَدَلوا إلى غيره وهجروه، يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْن ِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»[1].

    يعتبر رمضان فرصة للارتباط بالقرآن الكريم وفهمه، ولعل حبس النفس عن الشهوات في رمضان والتضييق على مجاري الشيطان يجعلان العقل صافياً لتدبر القرآن وفهم معانيه وإدراك أسراره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجوَدَ الناس بالخير، وكَانَ أجودَ مَا يَكُونُ فِي رمضَانَ حِينَ يلْقَاهُ جبرِيلُ، وكان جبريل عليه السلام يلقاهُ كلَّ ليلَةٍ في رمضانَ حتى ينسلخَ، يعرضُ عليهِ النبي
    صلى الله عليه وسلم القرآن[2]، وفي رواية مسلم فيدارسه القرآن»[3].
    يقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، هذه المغفرة تتحقق لمن اتقى، وإذا تأملنا قول الله تعالى: {سَارِعُوا} وجدنا أن الأمر يستدعى استباق الزمن وتجاوز الوقت، فالسرعة إلى نيل المغفرة من الله مطلوبة، مأمور بها الإنسان.

    قد يحتاج الإنسان في المسابقة إلى إعادة النظر في إمكانياته الروحية والمادية، فيستجمع ما لديه من قوة، فيجد في الطلب ويجتهد في المأمورات، ويصبر على شهوات النفس ومطامعها، ويقوي من عزيمته نحو فعل الخيرات. ورمضان فرصة التسابق إلى كل الخيرات وأنواع البر كلها، يقول الطاهر بن عاشور: «السرعة المشتق منها سارعوا مجاز في الحرص والمنافسة والفور إلى عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة والجنة، ويجوز أن تكون السرعة حقيقة، وهي سرعة الخروج إلى الج
    هاد عند التنفير كقوله في الحديث: (وإذا استُنْفِرْتُم فَانفِرُوا)، والمسارعة على التقادير كلها تتعلق بأسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة»[4].
    ولن يجد الإنسان أكثر من فرصة التعلق بالقرآن الكريم في رمضان، بأن يجعل له ورداً للتلاوة وورداً للمدارسة والتدبر، ليهذب نفسه بالقيم القرآنية ومحامد الأخلاق العالية ا
    لإنسانية.

    والإنسان الآمر بالعدل يستشرف المستقبل، ويأخذ الهدف من وجوده، فينظر إلى ما تقدم يداه، يقول الله تعالى ملفتاً نظر الإنسان إلى منتهى أجله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، فأمر الله تعالى العبد أن ينظر ما قدم لغد، وذلك يتضمن محاسبة نفسه على ذلك، والنظر هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أم لا؟ والمقصود من النظر: ما يوجبه ويقتضيه من كمال الاستعداد ليوم المعاد، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله، ويبيض وجهه عند الله، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر»[5]، وعلى هذا يجب أن يكون المؤمن مستعداً، فيزين نفسه من الأعمال ويدرأ عنها ما يفسدها لتكون خالصة لوجه ال
    له، وتكون له حجة عند الله تعالى.

    ولن نصل إلى طهارة النفس في رمضان حتى ندرأ عنها الشهوات ونحفظها من الوقوع في الزلات من المحرمات، ونُقبِلَ على ما يمحو الخطايا والذنوب والأوزار من شتى القربات، ولن نجد أفضل من الإقبال على القرآن الكريم، فنرقى به إلى مستوى الوعي بأحكامه وسبر أسراره، والتمسك بأنواره وهدايته على المستوى الروحي والمادي، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]، لا أن نكتفي بتلاوة حروفه دون تدبر معانيه، «ونستطيع أن نقول: وقد تحولت العناية بالقرآن إلى حفظه وحسن ترتيله وطباعته، والاقتصار على ترداد فهوم السابقين فقط:


    إننا نعيش المرحلة التي أخبر عنها وحذر منها الصادق المصدوق من ذهاب العلم وشيوع الأمية العقلية، وأن الكثير من علل الأمم السابقة قد تسربت إلى المسلمين مصداقاً لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة وترتيلاً، قال ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس وقتادة في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}، أي غير عارفين بمعاني الكتاب، يعلمونها حفظاً وقراءة بلا فهم، لا يعلمون فقه الكتاب»[6]، وقال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل. لهذا يركز القرآن على التدبر لتحصيل المراد من ق
    راءته، ولا يمكن أن نحيا بالقرآن حتى تلتقي أرواحنا بروح القرآن، فيبعث فيها الحياة، وإلا فإنها محجوبة عن حقيقته، يقول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وتفيد الآية التقريع، وطلب التدبر يفيد أيضاً النظر إلى مآلات الآيات، وهي مرحلة تستدعي التفكر وإعمال العقل، والتلاوة الخالية من التدبر لا تثمر خشية القلب، المفضي إلى العمل بكتاب الله.

    ففي رمضان نقبل على القرآن الكريم تلاوة، فينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا عظمة المتكلم، ونتأمل الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، والأخبار والقصص، والموت وما يتبعه من عالم البرزخ، وأحداث الساعة وأهوالها وما يتبعها من نفخ الصور والبعث والنشور، والشفاعة والحساب، والجزاء والميزان، ثم الحوض والصراط، ومصير الإنسان إلى الجنة أو النار، من أجل أن نعيش بالقرآن وأن نحيا بالقرآن، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّـمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ 57 قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58]. والإنسان يفرح إذا أتاه الله فهم القرآن الكريم وتدب
    ر آياته ليهتدي به في دينه ودنياه، فهو يدل على الخير وإلى فعل الخير، وكل هداية فيها سعادة الإنسان وطمأنينته، يقول الله تعالى: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].


    يقول ابن القيم رحمه الله: «إن القرآن الكريم هو الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشد، فالحقيقة والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تُقتبس إلا من مشكاته، ولا تُس
    تثمر إلا من شجراته»[7].
    إننا نحتاج إلى إعادة النظر في طريقة قراءتنا للقرآن الكريم لنرقى إلى مستوى القرآن الكريم، ونتخلق بأخلاق القرآن، وندرك الخطاب القرآني وهدايته لنتبصر به نوراً وصراطاً مستقيماً، يقول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
    وقد ذكر الله لهذا النور ثلاث فوائد:

    الفائدة الأولى: أنه يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام؛ أي إن من اتبع منهم ما يرضيه تعالى بالإيمان بهذا النور يهديه - هداية دلالة تصحبها العناية والإعانة - الطرق التي يسلم بها في الدنيا والآخرة من كل ما يرد
    يه ويشقيه، فيقوم في الدنيا بحقوق الله تعالى وحقوق نفسه الروحية والجسدية وحقوق الناس، فيكون متمتعاً بالطيبات مجتنباً للخبائث، تقياً مخلصاً، صالحاً مصلحاً، ويكون في الآخرة سعيداً منعماً، جامعاً بين النعيم الحسي الجسدي والنعيم الروحي العقلي. وخلاصة هذه الفائدة أنه يتبع ديناً يجد فيه جميع الطرق الموصلة إلى ما تسلم به النفس من شقاء الدنيا والآخرة، لأنه دين السلام والإخلاص لله ولعباده، دين المساواة والعدل والإحسان والفضل.
    الفائدة الثانية: الإخراج من ظلمات الوثنية والخرافات والأوهام التي أفسد بها الرؤساء جميع الأديان واستعبدوا أهلها، إلى نور التوحيد الخالص الذي يحرر صاحبه من رق رؤساء الدين والدنيا، فيكون بين الخلق حراً كريماً، وبين
    يدي الخالق وحده عبداً خاضعاً. وقوله: {بِإذْنِهِ} فسروه بمشيئته وبتوفيقه. والإذن العلم، يقال أذن بالشيء: إذا علم به، وآذنته به: أعلمته فأذن، ويقال أذن - بالتشديد - وتأذن بمعنى أعلم غيره، ويقال: أذن له بالشيء: إذا أباحه له، وأذن له أذناً: استمع، والظاهر أن الإذن هنا بمعنى العلم؛ أي يخرجهم من الظلمات إلى النور بعلمه الذي جعل به هذا القرآن سبباً لانقشاع ظلمات الشرك والضلال من نفس من يهتدي به، واستبدال نور الحق بها، بنسخه وإزالته لها؛ فهو إخراج يجري على سنن الله تعالى في تأثير العقائد الصحيحة والأخلاق والأعمال الصالحة في النفوس، وإصلاحها إياها، لا أنه يحصل بمحض الخلق واستئناف التكوين من غير أن يكون القرآن هو المؤثر فيه.

    الفائدة الثالثة: الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الموصل إلى المقصد والغاية من الدين في أقرب وقت؛ لأنه طريق لا عوج فيه ولا انحراف، فيبطئ سالكه أو يضل في سيره، وهو أن يكون الاعتصام بالقرآن على الوجه الصحيح الذي أنزله الله تعالى لأجله، كما كان عليه أهل الصدر الأول، قبل ظهور الخلاف والتأويل؛ بأن تكون عقائده وآدابه وأحكامه مؤثرة في
    تزكية الأنفس وإصلاح القلوب وإحسان الأعمال. وثمرة ذلك سعادة الدنيا والآخرة بحسب سنن الله في خلق الإنسان[8].
    إن الذي يساعد على تدبر القرآن الكريم وفهمه إطلاق العقل وسياحته مع معاني الآيات، وخصوصاً عند حِلَق القرآن الكريم حيث تكثر في رمضان ومجالسة العلماء، الذين ينظرون في خطابه، فتخشع القلوب والجوارح، و«يتوقف فهم القرآن الكريم على الجمع بين التلاوة والمدارسة للوقوف على المطلوب منه أمراً ونهياً، إذ لا بد من قراءة القرآن الكريم قراءة متدبرة واعية تفهم الجملة فهماً دقيقاً، ويبذل كل امرئ ما يستطيع لوعي معناها وإدراك مقاصدها... ومعنى المدارسة القراءة والفهم والتدبر والتبين لسنن الله في الأنفس والآفاق، ومقومات الشهود الحضاري، ومعرفة الوصايا والأحكام، وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وما إلى ذلك مما يحتاج المسلمون إليه لاستئناف دورهم المفقود[9].


    تتطلب مدارسة القرآن الكريم في رمضان إيقاظ الضمير وتحفيز الهمم وتقوي
    ة الإرادة لتدبر آياته وفهمها في بعدها الكوني والحضاري، ليكون الإنسان على استعداد لتنزيل كل ما يلزم تنزيله بما يناسب الواقع، يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم منادياً كلَّ من يبحث عن الهداية في حياته كلها، فيما ينقله أَبو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفَهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَداً[10]. وقال صلى الله عليه وسلم : «كتابُ الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض»[11].

    يأمر الله تعالى الإنسان بتدبر القرآن الكريم، وينهى عن الإعراض عنه، يقول الحق سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، والاستفهام تعجيب من سوء علمهم بالقرآن ومن إعراضهم عن سماعه. والمعنى: «بل بعض القلوب عليها أقفال، هذا من التعريض بأن قلوبهم من هذا النوع. لأن إثبات هذا النوع من القلوب في أثناء التعجيب من
    عدم تدبر هؤلاء القرآن، يدل بدلالة الالتزام لأن قلوب هؤلاء من هذا النوع من القلوب ذواتِ الأقفال. فكون قلوبهم من هذا النوع مستفاد من الإضراب الانتقالي في حكاية أحوالهم»[12]. تمنع هذه القلوب العقلَ عن التعامل مع القرآن الكريم فلا ينفذ إليها نور ولا تهتدي بهدى. وصيغة {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} للاستفهام الإنكاري الدالة على التحريض، بمعنى أن القرآن واجب تدبره لما يحمل من أسرار تنفع الإنسان في حياته الأولى والأخرى.

    يعتبر رمضان فرصة لتدبر الإنسان القرآن الكريم، لينتفع القلب نوراً وهداية، ويجب أن لا يقع همُّ الواحد منا في كثرة ختمات القرآن أكثر من وعيه بمعاني القرآن وفهمه لأحكامه. ولا يجوز أن يعطل الحواس إلى حال يهوي بها إلى درجة الكائنات غير العاقلة، وتزج به إلى درجة الدونية، وتجعله من أهل النار في الآخرة، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِـجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْـجِنِّ وَالإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]. وتأتي الدعوة الإلهية من جديد إلى الذين عطلوا أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم عن ذكر الله وما نزل من الحق: {أَلَمْ يَأْنِ لِ
    لَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْـحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يفتحوا مغاليق قلوبهم، ويزيلوا عنها ما ران عليها من الصدأ لطول الأمد، وأن يُعملوا عقولهم بعد أن يزيلوا عنها ما تراكم من غبار التقليد عبر السنين، وأن يعيدوا قراءة كتاب الله، ويتلوه حق تلاوته، بأعين مدركة للنصوص، مفتوحة على الواقع. فسوف يجدون أن الله تعالى قادر على أن يحيي الأرض بعد موتها، قادر على أن يعيدهم إلى الحياة والعزة بالقراءة من جديد»[13].

    رمضان فرصة لتحرر العقل من الأقفال، لينظر إلى نور الوحي بكل عزيمة وقوة، ويفجر كل قدراته ومهاراته ليأتمر بأمره وينتهي بنهيه. والقراءة المتدبرة للقرآن سبيل إلى الإبحار في معانيه والاستجوال في فضاءاته والتنقل في آفاقه. وإذا تجاوز الإنسان عتبة التلاوة السطحية إلى القراءة التدبرية حقق المراد من قوله تعالى: لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29].
    إن رمضان فرصتنا للنظر في القرآن الكريم على مستوى العمل، أكثر من ال
    حرص على كثرة ختمه دون وعي وتدبر، ليكون لنا منهجاً دالاً إلى الخيرات في ديننا ودنيانا.
    [1] صحيح مسلم، حديث رقم 1343.
    [2] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام أحمد بن حجر العسقلاني (773-852هـ)، 4/116، تصحيح وتحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة ، بيروت، لبنان.
    [3] صحيح مسلم حديث رقم 2308.
    [4] التحرير والتنوير، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ص89-90، الدار التونسية للنشر، 1984م.
    [5] بدائع التفسير، الجامع لما فسره الإمام ابن القيم رحمه الله، 3/146-147، جمعه وخرج أحاديثه السيد محمد، راجعه ونسّق مادته ورتبها صالح أحمد الشامي، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، رمضان 1428هـ.
    [6] كيف نتعامل مع القرآن الكريم،

    [7] مدارج السالكين، بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام لابن قيم الجوزية (691-751هـ) ص14، بتصرف يسير، تحقيق محمد حامد الفقي، ومحمد عبد الرحمن الطيب، المكتبة التوفيقية.
    [8] تفسير القرآن الحكيم، الشهير بتفسير المنار، تأليف السيد محمد رشيد رضا، 6/305-306، در المنار الطبعة الثانية، 1368هـ.
    [9] كيف نتعامل مع القرآن، للشيخ محمد الغزالي ، في مدرسة مع الشيخ عمر عبيد حسنه ص35.
    [10] رواه الطبراني في الكبير (معجم الطبراني الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية 2010م)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، مشهور بن حسن آل سلمان
    ، ص37، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 2009م.
    [11] صححه الألباني بمجموع طرقه في الصحيحة، الحديث (2024). وقال العلامة الألوسي في تفسيره: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه} [آل عمران: 103] أي القرآن، وروي ذلك بسند صحيح عن ابن مسعود .
    [12] التحرير والتنوير، للشيخ الطاهر بن عاشور 26/113.
    [13] القراءة أولاً، ص155.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    أختم أم أتدبر؟

    (2)

    يرد هذا السؤال كثيرًا على أهل العلم، وطلابه، وخاصةً في شهر رمضان المبارك، حيث
    الإقبال العام من المسلمين على قراءة كتاب الله تعالى.
    وقد بقيت عِقْدًا من الزمن أتأمل في هذا السؤال كثيرًا، وأتذاكر فيه مع بعض الفضلاء، فكتبت هذا الجواب المختصر، الذي أرجو أن يكون صوابًا، وألخصه في الآتي:
    1- بَحْثُ العلماء في هذه المسألة يدور على الأفضلِ، والأقربِ لمراد اللهِ الذي أنزل القرآن، ومرادِ مَنْ نزل عليه القرآن ï·؛ دون تأثيم لمن اختار كثرة الختمات دون تدبر، وذلك رغبةً في كثرة المقروء.

    2- نصوص القرآن، والسنة، وكلام أئمة الإسلام متظاهرة في أن الغاية من نزول هذا القرآ
    ن هو صلاح القلوب، فإن القرآن أول ما نزل على قلب محمد ï·؛: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين [البقرة: 97] فإذا ضم هذا إلى قوله ï·؛: ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[1] تبيّن هذا بوضوح.
    ولهذا لما قال رجلٌ لابن مسعود: إني لأقرأ المفصل في ركعة! فقال عبد الله: “هذًّا ك
    هذ الشعر؟! إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع”[2].

    3- جماهير العلماء من السلف، والخلف على أن القراءة بتدبر، وتعقّل أفضل؛ لما في ذلك من تحقيق مراد الله -وهو الفهم، والتدبر، والتفكر، والعقلُ عنه- الذي تكرر الحثّ عليه في مئات الآيات الكريمة.
    يقول الإمام الآجري: (360هـ): “والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه، وتدبره أحب إليّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر، ولا تفكر فيه، وظاهرُ القرآن يدل على ذلك، والسنة، وقول أئمة المسلمين.


    ثم ساق بسنده قو
    ل أبي جَمْرَةَ الضُبَعي، قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأتدبرها، وأرتلها أحب إلي أن أقرأ كما تقول.
    وأسند عن مجاهد أنه سئل عن رجل قرأ البقرة، وآل عمران، ورجل قرأ البقرة،
    قراءتهما واحدة، وركوعهما، وسجودهما، وجلوسهما، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106][3].
    فهل يتغير هذا الحكم في رمضان عن غيره؟
    قال بذلك بعض أهل العلم؛ اغتنامًا لشرف الزمان.
    وقال آخرون: بل رمضان في ذلك كغيره، لا يُنقصُ فيه عن ثلاث، إذْ الأصلُ هو تحقيق مراد الله بالتدبر -كما سبق- ويرجّح هذا عمومات الأدلّة التي لم تستثن زمانًا دون زمان، ومن ذلك وصيته ï·؛ لعبد الله بن عمرو: اقرأ الق
    رآن في كل شهر قال: إني أطيق أكثر، فما زال، حتى قال: في ثلاث[4] وفي لفظ: فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك[5].

    وهذا القول بالعموم اختيار جَمْعٍ من أهل العلم، منهم شيخنا العلامة عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- حيث قال: “ظاهر السُّنة أنه لا فرق بين رمضان، وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يعجل، وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبدالله بن عمرو، فقال: اقرأه في سبع هذا آخر ما أمره به، وقال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث ولم يقل إلا في ر
    مضان، فحمل بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب -والله أعلم- أن المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن، ويجتهد في إحسان قراءته، وتدبر القرآن، والعناية بالمعاني، ولا يعجل، والأفضل أن لا يختم في أقل من ثلاث، هذا هو الذي ينبغي حسب ما جاءت به السنة، ولو في رمضان”[6].

    ولا ينبغي الاعتراض هنا بفعل بعض السلف، فإن الأصل مراعاة الدليل، مع أنه قد يعتذر لأولئك العلماء بأن هذا قد اختاروه لكثرة تلاوتهم للقرآن في رمضان، وغيره، فصارت معاني القرآن متكررةً على قلوبهم،
    وأذهانهم، فيسهل عليهم تذكرها.
    وعليه: فلا ينبغي أن يقال لمن ليس له ورد من القرآن طول السنة إلا قليلًا: احرص على تكثير الختمات! بل يقال: اجتهد في فهم ما تقرأ، وحرّك قلبك بما اتضح لك من معانيه -وهي كثيرة بحمد الله- ولو لم تختم إلا ختمة واح
    دة تُداوي بها قلبَك، وتُصلح بها ما فسد منه، وتلين بها قسوته، فهي خير من ختمات لا أثر لها على القلب، والجوارح، وهل ذُمَّ الخوارج إلا بقراءة لا أثر لها؟ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم[7].

    أما العامي من أهل اللسان العربي، الذي يعجز عن التدبر، ولو قليلًا، فإن سلّمنا بوجود هذه الصورة، فلا مناص من حثّه على كثرة القراءة.
    وحين يُطالب بالقراءة المتدبرة فإن ذلك لا يعني أن يتجرأ الإنسان على بثّ ما يقع له من تدبرات قبل التثبت، والتحري، فهذا شيء، وقراءة القرآن بأناة شيء آخر[8].

    صحيح البخاري ح (52)، صحيح مسلم ح (1599).
    مسلم ح (822).
    أخلاق أهل القرآن (
    ص: 169).
    البخاري ح (1978).
    مسلم ح (1159).
    مجموع فتاوى ابن باز (11/351).
    البخاري ح (3344)، مسلم ح (1063).
    ينظر: مقال: التدبر بين تباشير العودة، وخطر الجرأة “



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    أسباب هجر تدبُّر القرآن

    د. محمود بن أحمد الدوسري
    (3)


    لا شك أنَّ هجر التَّدبُّر له أسباب كثيرة، ومتنوِّعة، تختلف من هاجِرٍ لآخر، ولربَّما اجتمع أكثر من سبب في شخصٍ واحد، وسيكون الحديث عن أهمِّ هذه الأسباب كما يلي:
    فمن أعظم أسباب هجر التدبر:

    أولًا: الإصرار على الذُّنوب


    إصرار العبد على الذَّنب، وارتكابه إيَّاه من أعظم الأسباب التي تحول دون تدبُّر القرآن، وفَهْمِ معانيه، فينبغي لمن أراد تدبُّرَ القرآن أن يبتعد عن الذُّنوب، والمعاصي، ولا سيَّما التي لها اتِّصال مباشر بأدوات، ووسائل التَّدبُّر، وهي: القلب، والسَّمع، واللِّسان، والبصر، فانهماك هذه الجوارح في الحرام يُعطِّلها عن تدبُّر القرآن، والانتفاع به، تأمَّل ماذا قال الكفار: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ [فصلت: 5].
    فالإصرار على الذُّنوب من أعظم ما يصدُّ عن اتِّعاظ القلب، وانشراح الصدر لمواعظ القرآن، وحِكَمه،
    وأحكامه، والله تعالى يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146].
    ثانيًا: انشغال القلب

    القلب المشغول عن القرآن بغيره لا يتأثَّر به؛ لتشعُّبه في أودية الدُّنيا، وغفلته عن تدبُّر كتاب الله، وكيف يحصل له ذلك، وهو قلب غائب ليس بحاضر.
    إذًا؛ فحضور القلب، وعدم انشغاله شرط في الانتفاع، والتَّذكُّر بالقرآن الكريم، وفي ذلك قال ابن القيِّم -رحمه الله- أيضًا: “فإذا حصل المؤثِّر: وهو القرآن. والمَحَلُّ القابل: وهو القلبُ الحي. وَوُجِدَ الشَّرط: وهو الإصغاء. وانتفى المانع: وهو اشتغالُ القلب، وذهولُه عن معنى الخطاب، وانصرافُه عنه إلى شيءٍ آخَرَ؛ حَصَلَ الأَثَرُ: وهو الانتفاعُ، والتَّذكُّر”[1].
    ثالثًا: الجهل باللُّغة العربيَّة


    أنزل الله -عز وجل- القرآن العظيم بلسان عربيٍّ مبين، كما قال -جلَّ جلالُه-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ غ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ غ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ غ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192-195] وسبب تنزُّله باللُّغة العربيَّة: هو أنَّها “أ
    فصح اللُّغات، وأبينُها، وأوسعُها، وأكثرُها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنُّفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللُّغات”[2].
    وإذا كان القارئ لا يعرف شيئًا عن لغة العرب، ولا يدرك أساليب كلامهم، فأنَّى له أن يتدبَّر القرآن، ويعقل عن الله تعالى الخطاب، وهو سبحانه يقول: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]. ويقول تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[فصلت: 3].
    والمقصود الأعظم من تعلُّم اللُّغة العربيَّة: هو معرفة كلامِ الله تعالى، وكلامِ رسوله ï·؛ ومَنْ
    فاته تحقيق هذا المقصد، فقد أمضى عمره في غير ما طائل، بل ربَّما كان تعلُّمه حجَّة عليه، كحال الذين يتعلَّمون العربيَّة للطَّعن في القرآن، وعلوم الشَّريعة من المستشرقين، وأذنابهم[3].
    رابعًا: تَرْك التَّدبُّر تورُّعًا


    من النَّاس مَنْ يترك تدبُّر القرآن؛ خوفًا من القول على الله تعالى بغير علم، ويعتقد أنَّ تدبُّر القرآن مهمَّة المفسِّرين، والعلماء، فيكتفي بالقراءة هاجرًا تدبُّر القرآن، ظانًّا أنَّ هذا هو الورع مع كتاب الله تعالى، ولا ريب أنَّ هذه مكيدةٌ من مكايد الشَّيطان حتَّى يصرفَ النَّاس عن الانتفاع بتدبُّر آيات القرآن، وفي ذلك يقول ابن هُبَيْرة -رحمه الله-: “ومن مكايد الشَّيطان: تنفيرُه عبادَ الله من تدبُّر القرآن؛ لعلمه أنَّ الهدى واقع عند التَّدبُّر، فيقول: هذه مُخاطرة، حتَّى يقولَ الإنسانُ: أنا لا أتكلَّم في القرآنِ
    تورُّعًا”[4].
    وأنكر ابن القيِّم -رحمه الله- على مَنْ هذا حاله بقوله: “ومَنْ قال: إنَّ له تأوُّلًا لا نفهمه، ولا نعلمه، وإنَّما نتلوه متعبِّدين بألفاظه؛ ففي قلبه منه حَرَج”[5].
    والله تعالى يقول: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف: 2] فهذ
    ا تهييج للمؤمنين على نفي الحرج من قلوبهم عند تلاوة القرآن، أو سماعه، أو تدبره، أو العمل به.
    خامسًا: هجر كتب التَّفسير


    مَنْ هَجَرَ كتب التَّفسير، ولم يطالعها، ولم يعرف أسباب النُّزول، أو النَّاسخ من المنسوخ، ونحو ذلك من علوم القرآن، كيف يحصل له تدبُّر القرآن؟ ومتى يوفَّق إلى المعنى المراد؟
    ولا غَرْوَ أنْ تعجَّب الطبريُّ -رحمه الله- مِمَّنْ أراد التَّلذُّذ بقراءة القرآن، وهو لا يعرف تفسير الآيات المتلوَّة، فقال: “إنِّي أعجبُ مِمَّنْ قرأ القرآن، ولم يعلم تأويله، كيف يَلْتَذُّ بقراءته”[6].

    سادسًا: التَّشاغل بكثرة التِّلاوة
    لا ريب أنَّ الآيات، والأحاديث، والآثار الواردة في فضائل التِّلاوة تُشجِّع على الإكثار منها، ويعضد ذلك اقتصار كثير من المذكِّرين والوعَّاظ على الرِّوايات المنقولة عن السَّلف في كثرة القراءة، وعدد الختمات في وقت وجيز، مع إ
    عراضهم عن نهي السَّلف عن سرعة القراءة، وإعراضهم كذلك عمَّا ورد عن السَّلف في تعظيم شأن التَّدبُّر، والحضِّ عليه، وما أُثِرَ عنهم من تفاعلهم، ووقوفهم عند معاني الآيات.


    ففي الحثِّ على التَّدبُّر آيات، وأحاديث، وأحوال للسَّلف، أكثر عددًا من مثيلاتها الدَّالة على فضل القراءة، بل أقوى حجَّةً، وأعمق أثرًا، لو تأمَّلها النَّاس لما اقتصروا على التِّلاوة، ولما هجروا تدبُّر القرآن، قال النَّووي -رحمه الله-: “ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتَّدبُّر، والخضوع؛ فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصُّدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أنْ تُحصر، وأشهر من أنْ تُذكر”[7].
    إذًا؛ فاستحباب كثرة التِّلاوة لا ينبغي أنْ يؤدِّيَ إلى ترك التَّدبُّر، ولذا جاء النَّهي عن قر
    اءة القرآن في أقلَّ من ثلاثٍ؛ من أجل التَّدبُّر، والتَّأثُّر، والانتفاع بالآيات.
    فكثرة التِّلاوة المؤدِّية إلى هجر التَّدبُّر حالة ليست بمحمودة، بل هي من تلبيس إبليس على القرَّاء، وفي ذلك يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: “وقد لَبَّسَ على قومٍ بكثرة التِّلاوة، فهم يَهُذُّون هَذًّا، من غير ترتيلٍ، ولا تث
    بُّت، وهذه حالةٌ ليست بمحمودة”[8].
    المصدر: موقع الألوكة. بتصرف
    الفوائد (ص: 6).

    انظر: تفسير ابن كثير (2/467).
    انظر: هجر القرآن العظيم: أنواعه، وأحكامه، د. محمود الدوسري (ص 535) وما بعدها.
    انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لاب
    ن رجب (3/273).
    انظر: التبيان في أقسام القرآن (ص 144).
    انظر: معجم الأدباء، ياقوت الحموي (5/256).
    انظر: الأذكار (1/87).
    انظر: تلبيس إبليس (ص 175).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    التدبر بين تباشير العودة وخطر الجرأة
    (4)



    من المبشرات التي تبعث على الفأل -وما أكثرها- في هذه الأمة: عودتها إلى التمسك بكتاب ربها عودةً تضيف إلى الاهتمام بالحفظ، والعنايةَ بمقصدٍ من أعظم مقاصد التنـزيل، ألا وهو تدبر القرآن، قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْ
    نَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29].


    وليس المقام مقام حديثٍ عن فضل التدبر؛ فنصوص من الوحيين في ذلك كثيرة، ومتنوعة في الحض على التدبر، والنعي على المعرضين عنه، بل لو قال قائل: إن كل آية ختمت بالأمر بالتفكر، والتذكر، والعقل، والاعتبار -وهي بالمئات- هي من هذا الباب؛ لكان مصيبًا.
    والمقصود أن هذه العودة المبشرة، ما لم تُضبط بضوابط تحوطها من الزلل؛ فإنه يخشى أن يقع بسببها خلل كبير، وجرأةٌ على كتاب الله تعالى، كما تُلحظ بوادره من كتابات بعض الصحفيين الذين تكلّموا فأغربوا، وأخطأوا، أو مِن بعض الناشئة الذين دفعهم حب التدبر للجرأة بطرح ما لديهم، خاصة مع تيسر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتما
    عي في “الفيسبوك” و”تويتر” وغيرها.

    ولستُ هنا بصدد ذكر ضوابط ذلك، فالمقالة لا تحتمل هذا، لكن لعلي أشير إلى بعض المسائل المهمة التي يقصد منها التنبيه على رؤوس أقلام في هذا الموضوع الذي يحتمل ورقة مطولة، فأقول ع
    لى وجه الاختصار:
    أولًا: إن التدبر الصحيح فرعٌ عن فهم المعنى، إذ لا يمكن تصور تدبرٍ صحيح، منطلقًا من فهم خاطئ.
    فلو أراد أن يستنبط معنى من قوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[الأعراف: 176] فلا بد أن يفهم معنى: تحمل عليه، فلو فَهم الحمل على أنه يَحمل على ظهره شيئًا؛ فهذا خطأٌ في فهم المعنى، فمن الضروري أن يخطئ في التدبر المبني على هذا الفهم، وإن فهم معنى الحمل أنه: طرد الكلب، أو الهجوم عليه، فهو فهم صحيح للمعنى، فيبقى النظر في تدبُّره، واستنباطه.
    ثانيًا: آيات القرآن -من جهة وضوح معناها، وخفائها- ليست على درج
    ة واحدة، فالقرآن من حيث وضوح معانيه، وخفائها قسمان:

    الأول: واضح المعاني؛ من حيث انتفاء الغرابة عن مفرداته، كالآيات التي تقرر معاني التوحيد، واليوم الآخر، أو التي تبين أصول الإيمان، وأركان الإسلام، أو التي ترغّب في الأخلاق الفاضلة، وترهِّب من الأخلاق السيئة، ونحو ذ
    لك، وقد يقع في أثناء ذلك مفردات غريبة تحتاج إلى بيان، والجُزْءَان الأخيران (عمّ، وتبارك) نموذج واضح لذلك.
    القسم الثاني: -وهو الأقل- الآيات التي كثر فيها الغريب، وهي التي لا يمكن -لمن عرف خطورة القول على الله بغير علم- أن يتكلم بشيء مِن تدبرها، دون فهم معناها؛ إذ التدبر فرع عن فهم المعنى.
    ثالثًا: أحظّ الناس نصيبًا من تدبر كلام الله تعالى هم أهل العلم[1] بالقرآن، فهمًا لدلالاته – بأنواعها الثلاث- وعلمًا بأحكام الشريعة، وعلمًا بالسيرة النبوية -التي هي الترجمة العملية للقرآن- وهكذا، من كان بالله، وأ
    سمائه، وصفاته، ومن كان بسنة رسول الله ﷺ وسيرته أعلم؛ كان أكثر نصيبًا للإصابة، والتوفيق للتدبر، وهم -على تفاوت مراتبهم- ينهلون من معاني هذا الكتاب، ويغترفون من علومه على قدر ما آتاهم الله تعالى من العلم، والفهم فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا.
    وأما العامة، فلا يُنْكَرُ أن لبعضهم وقفات قد لا يتفطن لها العلماء، لكن لا يعني هذا فتح الباب! بل يتوقف كلامهم عند الواضح البيّن المحكم.
    وهم -أعني غير أهل العلم- يشاركون أهل العلم بعلم ما في القلب، الذي عناه الحسن البصري: بقوله: العلم علمان: علمٌ في القلب؛ فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان؛ فتلك حجة الله على خلقه.
    ومراده بعلم ما في القلب: الفهم الإيماني القلبي الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آيات كريمة، يعرف معانيها، ويفهم دلالاتها، بحيث لا يحتاج معها أن يراجع التفاسير، فيتوقف عندها متأملًا؛ ليحرك بها
    قلبه، ويعرض نفسه، وعمله عليها، فإن كان من أهلها حمد الله، وإن لم يكن من أهلها حاسب نفسه، واستعتب.

    ولعلي أذكر قصةً واقعية توضح المقصود، وهي: أن رجلًا عاميًا -في منطقتنا- حين
    ما سمع الإمامَ يقرأ في سورة الأحزاب، قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ۝ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الأحزاب: 7، 8] قام فزعًا بعد الصلاة يقول لجماعة المسجد: يا جماعة! خافوا الله! هؤلاء خيرة الرسل سيُسألون عن صدقهم، فماذا نقول نحن؟! فبكى، وأبكى -رحمه الله تعالى-.
    رابعًا: من أحبّ أن يوفق للتدبر السليم؛ فعليه أن يُدمن النظر في كتاب الله، وأ
    ن يعتني بقراءة كلام أهل العلم المحققين في هذا الباب، وعلى رأسهم أصحاب محمد ﷺ وتلاميذهم؛ ففي تفاسيرهم إشارات بليغة، هي ثمرة تأمل، وصورة من صور التدبر.
    ولهذا فإن مما يفرح به طالب العلمِ: تنوعُ عبارات السلف في تفسير الآية؛ لأنه يفتح با
    بًا للتدبر، ويمنح الفكر مزيدًا من النظر في معاني الآيات، ومن أمثلة ذلك: قول الحسن البصري في تفسير: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ[آل عمران: 198] قال: “هم الذين لا يؤذون الذر” فإذا كانوا لا يؤذون الذر -على صغرها، وحقارتها- أتراهم يؤذون بني آدم؟! فضلًا عن إخوانهم المسلمين.

    ختامًا: ليست هذه دعوة لإغلاق باب التدبر، بل هي دعوة لما دعا الله إليه؛ من تدبر كتابه، والتفكر في معانيه، ولكن في ضوء القواعد المرعية، حتى لا يقع المحذور، وهو القول على الله بغير علم؛ لأن الأمر بالشيء أمرٌ بتحصيل الوسائل التي تعين على تحقيقه، وهي كثيرة، وقد كتب فيها بعضُ إخواننا من طلا
    ب العلم[2] والله الموفق.
    وهم العلماء، وطلبة العلم.
    ككتاب: (فن التدبر في القرآن الكريم) و(المراحل الثمان لطالب فهم القرآن).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    من مناطق التدبر

    (5)



    كثير من الناس يتساءل، ويقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟
    والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى ال
    تدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن..
    أعظم وجوه، ومفاتيح الانتفاع بالقرآن: تدبر ما عرضه القرآن من حقائق العلم بالله، فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيرًا من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجَلّ، والأعظم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية: “فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدرًا، وصفة”[1].

    وأنا شخصيًا إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر، أو القانون، أو غيرها م
    ن العلوم؛ أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه؛ لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله -سبحانه وتعالى- امتلأت نفسي إزراءً بهم، ما فائدة أن تعرف تفاصيل جزء معين من العلوم، وأنت جاهل بأعظم مطلوب للإنسان.. إنه لا يختلف عن سائق مركبة يتقن تفاصيل بعض الطرق الفرعية، ويجهل الطرق الرئيسية في المدينة.. فهل مثل هذا يصل؟! أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي..

    ويؤلمني القول بأن كثيرًا من المنتسبين للفكر العربي المعاصر يجهلون دقائق العلم بالله التي عرضها القرآن.. وأما أئمة السلف الذين ورثنا عنهم علوم الشريعة فقد كانوا في ذروة التبحُّر في دقائق القرآن، فمن تأمل -مثلًا- رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، أو رسالة الدارمي في النقض على المريسي، فستستحوذ عليه الدهشة من عمق علمهم بالقرآن، وما فيه من أسرار المعرفة الإلهية، وشدة استحضار الآيات، وربط ما بينها، ليست معرفة آحاد وأفراد الألفاظ فقط، بل معرفة السلف بالقرآن مركبة، فتجدهم يلاحظون منظومة لوازم معاني القرآن، ويستخلصون قي تقريراتهم حصيلة توا
    زنات هذه المعاني القرآنية..
    ومن وجوه الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: تدبر أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن، وكررها في مواضع متعددة، وبدهي أن هذه الأخبار عن الأنبياء ليست قصصًا للتسلية، بل هي نماذج يريد القرآن أن يوصل من خلالها رسائل تضمينية، فيتدبر قارئ القرآن ماذا أراد الله بهذه الأخبار؟ مثل التفطُّن لعبودية الأنبياء، وطريقتهم في التعامل مع الله، كما قال الإمام ابن تيمية: “وال
    قرآن قد أخبر بأدعية الأنبياء، وتوباتهم، واستغفارهم”[2].

    وتلاحظ أن الله يثنّي، ويعيد قصص القرآن في مواطن متفرقة، وليس هذا تكرارًا محضًا، بل في كل موضع يريد الله تعالى أن يوصل رسالةً ما، وأحيانًا أخرى يكون في كل موضع إشارة لجزء من الأحداث لا يذكره الموضع الآخر، كما قال الإمام ابن تيمية مثلًا: “وقد ذكر الله قصة قوم لوط في مواضع من القران في سورة هود، والحجر، والعنكبوت، وفي كل موضع يذكر نوعًا مما جرى”[3].

    *والمهم هاهنا أن تدبر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، في القرآن، ومحاولة تفهم، وتحليل الرسالة الضمنية فيها؛ من أعظم مفاتيح الانتفاع
    بالقرآن.
    ومن أعظم وجوه الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبر كل الخطابات الفكرية المعاصرة عن النهضة، والحضارة، والتقدم، والرقي، والإصلاح، والاستنارة… إلخ.. ويضع كل القضايا التي يرون أنها هي معيار التقدم، والرقي..
    ثم يتدبر قارئ القرآن أعمال الإيمان التي عرضها
    القرآن كمعيار للتقدم، والرقي..
    تأمل فقط بالله عليك كيف ذكر الله الانقياد، والتوكل، واليقين، والإخلاص، والاستغفار، والتسبيح، والصبر، والصدق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر… إلخ، في عشرات المواضع..
    بل بعض هذه الأعمال بعينها ذكرت في سبعين موضعًا..

    ثم قارن حضور هذه القضايا في الخطابات الفكرية لتجده حضورًا شاحبًا خجولًا..
    أي إفلاس فكري أن تكون الأعمال التي يحبها الله، ويثنيّ بها، ويجعلها مقيا
    س الرقي، والتقدم، والتنوير، هي في ذيل القائمة لدى الخطابات الفكرية المعاصرة المخالفة لأهل السنة..
    يا خيبة الأعمار.. حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى، وبينات، ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزًا.. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظِّم ويمنح الأولوية لتلك
    القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية، ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الإمام ابن تيمية يقول: “وما قُصِد به هُدىً عامًا كالقرآن، الذي أنزله الله بيانًا للناس، يذكر فيه من الأدلة ما ينتفع به الناس عامة”[4].

    وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات، وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، -نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه- وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله: “ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من
    العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلًا لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلًا عظيمًا، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات”[5].

    ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن -أيضًا-: أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات
    القرآن، وأحكامه على الأعيان، والأشياء إنما هي أمثال، ومعنى كونها أمثالًا أي يعتبر بها ما كان من جنسها، بمعنى: أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيرًا، كقوله تعالى في سورة الحشر: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21] وقوله في سورة الروم وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الروم: 58].
    فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر..
    لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية تدبر القرآن، في صحة المنهج، والطريق أنها
    دافع عظيم للتدبر.. لكن ثمة أمرًا آخر على الوجه المقابل لهذه القضية.. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعًا.. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلًا ذلك الانصراف؛ لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر، والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23].
    كلما رأى الإنسان نفسه معرضًا عن تدبر القرآن، أو معرضًا عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ يجف ريقه من الهلع لا محالة..

    على أية حال.. هذا القرآن ينبوع يتنافس الناس في الارتشاف منه بقدر منازلهم، كما قال الإمام ابن تيمية: “والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قس
    م الله له”[6].
    المصدر: كتاب الطريق إلى القرآن.
    درء التعارض (5/3
    58).
    تلخيص الاستغاثة (1/161).
    الرد على المنطقيين ص (494).
    الفتاوى (9
    /211).
    درء التعارض (7/427).
    درء التعارض (7/427).
    منقول




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    يا معشر القراء
    (6)



    يا معشر القراء[1]..
    يُقبل رمضان الذي ارتبط شرف زمانه بأشرف كتاب نزل من السماء، وتُقبل معه النفوس المؤمنة التي أحبت ربها، وأحبت كتابه العظيم.
    ومن صور هذا الإقبالِ: الرغبة في التأثر بالقرآن، وتحقيق أثره على النفس، والجوارح، والإقبالُ على الأئمة ذوي الأصوات الندية، الذين يعينون ـ بحسن تلاوتهم ـ على تحقيق ذلك.

    وإن الحفاوة بالقراء ذوي الأصوات الحسنة هدي نبوي مبارك، كما قال ﷺ لأبي موس
    ى: لو رأيتني، وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود[2].
    وبهذه المناسبة، فإنني أرقم هذه الأسطر لأخواني القُرّاء -الذين يجتمع الناس عندهم في صلاة التراويح، وغيرها- حمَلَ عليها المحبةُ، والتواصي بالخير، ألخصها فيما يلي:
    أولًا: الصوت الحسنُ نعمة من الله تستحق الشكر، ولا ريب أن مِن أعظم صور شكرها تسخيرها في أداء القرآن بالأداء الحسن، الذي يحبب للناس سماع كلام ربهم، ويقوي تأثيره فيهم، والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى،
    وزيادة في الخلق، ومِنّة، وأحق ما لبست هذه الحلة النفيسة، والموهبة الكريمة: كتاب الله؛ فنعم الله إذا صرفت في الطاعة؛ فقد قضي بها حق النعمة[3].
    ثانيًا: اجتماعُ الناس عند الإنسان، خاصة مع صغر السن؛ مظنة الفتنة، إلا لمن وفقّه
    الله، فجاهدَ نفسه بالإخلاص، والحرصِ على التزين لله قبل التزين للخلق.

    وقد كان السلف يخشون من قرع الأقدام خلفهم؛ خشية الافتتان، أو العُجب، والقارئ الموفق لا يرى أنه في معزل عن غبار هذه الأدواء، ولا تتوقف عنده عبادة المجاهدة، خاصة في مثل هذه الليالي التي يتتابع فيها قرع الأقدام مشيًا إلى مسجده.
    ثالثًا: إسماع القرآن وتلاوته ضربٌ من ضروب الدعوة إلى الله وإحدى مهام الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ وَأَنْ أَتْلُوَ
    الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ[النمل: 91، 92].

    وكم قرأ الناسُ وسمعوا أن سبب هداية فلان من الناس آيةٌ تلاها القارئ الفلاني! وأن فلانًا تاب من المعصية الفلانية حينما سمع القارئ الفلاني، فهنيئًا لمن تاب الناس بسببه، وهو لا يدري؛ فالله الله أخي القارئ بتحبير القرآن، وأنت تتعبد لله بذلك، قاصدًا الدعوة به، مجاهدًا لنفسك على حسن القصد.
    رابعًا: أداء القرآن بالتجويد سنةٌ مأثورة عن رسول الله ﷺ أخذها الناس بالأ
    سانيد المتصلة، فأداء القراءة به سنةٌ لا ينبغي التقصير فيها، مع الحذر من التقعّر والتعمق الذي يُذهِب بهاءَ القراءة، ويشغل القارئ به عن المقصد الأكبر، وهو تدبر المعاني، وفهمها، قال ابن تيمية -رحمه الله-: “ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن: إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك؛ فإن هذا حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه”[4].

    خامسًا: القارئ هو أولى الناس عنايةً بفهم ما يقرأ، خاصة مع تقادم سنوات إمامته، وقدرته على الرجوع لما خفي من المعاني.
    إنني أعلم أن الوقت يضيق على القارئ في الشهر الكريم، وقد يذهب وقتٌ غير قليل على بعض القراء في مراجعة محفوظه، وهذا كلّه لا يعفيه من الحرص على تلمس معاني الغريب، كأدنى مرحلة تليق بمق
    امه، وكتب الغريب متوفرة مبذولة، وإلا فالأولى والأكمل أن يقرأ تفسيرًا مختصرًا لما يريد قراءته في الصلاة، فإن في هذا فوائد كثيرة، أهمها:
    – تدبر ما يقرأه، مما يؤثر إيجابًا على
    حضور قلبه، وتأثره بما يتلو.
    – ثبات هذه المعاني -أو أكثرها- في نفسه؛ لأنه قرأ المعنى، ثم تلا الآيات مستحضرًا لما وعى من المعاني.
    – قوة تأثيرها على السامع الذي سيتأثر من القارئ الذي يُحسنُ الوقف، والابتداء، ونحو ذلك من علوم القرآن المرتبطة بفهم القارئ.

    سادسًا: إسماعُ الناس لكتاب الله كاملًا من السنن المأثورة عن السلف الصالح -رضي الله عنهم- ولكن دون هذرمة، أو عجلة، بل بأناة، ودون إملال، بحيث تكون القراءة واضحة، يتحقق معها وضوح المتلوّ من الآيات.
    ومن المحزن أنه في السنوات الأخيرة -وحرصًا على عدم تفلّت الناس عند ب
    عضهم- حصل إخلال شديد، وتقصير عظيم في صلاة التراويح، وكأن السباق انتقل بين بعض الأئمة: أيهم ينتهي أولًا؟! وأصبحت الختمات تقسّم على سنوات! وبركعات قصيرة! بل ثبت عندي أن بعض الأئمة لا يزيد على ثلاثة أسطر في الركعة الواحدة!
    ولا ريب أن هذا -إن كان الحامل عليه ما ذُكر- من قوادح الإخلاص!

    والموفقُ من الأئمة من لم يلتفت لعدد من صلّى معه، بل يراعي السنة في ذلك، ولو لم يصل خلفَه إلا القليل، دون إخلال، ولا إملال. والله الموفق.
    مصطلح “القراء” في كلام السلف المتقدمين يقصد به طلاب العلم، وغلب است
    عماله في العصور المتأخرة على من عرفوا بقراءة القرآن، وتجويده، وهم المعنيون بهذه المقالة.
    البخاري ح (5048)، ومسلم ح (793)، واللفظ له.
    أحكام القرآن لابن العربي (4/5).
    مجموع الفتاوى (16/50).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    كتاب ربنا مصدر عزنا
    (7)



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين، وبعد، إن كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار؛ قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله تعالى، هو حبل الله المتين،


    ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس
    به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنفد عبره، لهذا، وغيره كان لزامًا علينا أن نقف مع آياته متدبرين، متعقلين، متأملين، ولاسيما أن الدوافع المعاصرة كثيرة، أقف في هذه العجالة مع واحد من أهمها ألا وهو أهمية ربط واقع الناس به.

    فنحن نعيش اليوم واقعًا يملي على العقلاء من الدعاة، والمربين، والعلماء، والموجهين ضرورة ربط الناس بالقرآن، والسنة، لما لهما من أثر على حياة الفرد، والأمة، فالأمة تعيش وهنًا، وضعفًا لم تمر بمثله في تاريخها، وكلنا يبحث عن العلاج، والعلاج في القرآن إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] وكلنا يرجو السلامة، والنجاة من مضلات الفتن التي تتابع، وا
    لنجاة في القرآن، قال النبي ﷺ: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله، وسنتي.
    فرغد الحياة في كتاب الله -جل وعلا- – ومعالجة مشكلات الحياة الفردية، والجماعي
    ة، الأسرية، والاجتماعية في ضوء القرآن الكريم من أقوى وسائل الخروج منها، بل من أقوى أسباب رقي الأمة، والعود بها إلى سابق عهدها، الذي كان يعيشه السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم- وهذا لا يكون بغير تدبر كتاب ربنا، وكلامه الذي أنزله لإصلاح شأننا.

    إن أمتنا اليوم تعيش وقتًا حرجًا، ومرحلة حاسمة من تاريخها، خاصة بعد الغزو الغربي لأمة الإسلام، وعودة عصور الاستعمار، التي خلت، فبعد أن رزحت الأمة تحت وطأة الاستعمار عقودًا دُرست فيها معالم من علم الشريعة، كا
    نت لا تخفى بين الناس، ثم بدأت آثار الاستعمار تنحسر بقيام الصحوة الإسلامية المباركة في المشارق، والمغارب، فلم يجد الأعداء بدًا من إعادة الكرة للحيلولة بين الأمة، وبين نهضتها.
    ولما كان الارتباط بين الأمم السابقة، واللاحقة وثيقًا، لتشابه الأحوال، والظروف، وتوافق الطبع البشري، وإن اختلفت العصور، والآلات، كان من الطبيعي أن تكون في آيات الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه،
    بل هو تنزيل من حكيم حميد، كان لا بد أن تكون آياته دروسًا تناسب حال من نزل عليهم القرآن، وكذلك تناسب المسلمين في كل زمان، ومكان.
    وقد قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-:

    وبعد فإن حبل الله فينا كتابه فجاهد به حَبل العِدا مُتَحَبِّلا
    وأَخْلِق به إذ ليس يَخْلَقُ جِدةً جديدًا مواليهِ على الجِدِّ مُقبِلًا




    لقد أنزل القرآن على أمة متناحرة، متفرقة، متشرذمة، فألف الله به بين القلوب، وجمع به الشمل، واليوم تعيش الأمة تناحرًا، وتفرقًا، وتشرذمًا


    بسبب نعرات، وجنسيات، وحدود مصطنعة، كما
    كان الجيل الأول.
    لقد بزغ فجر القرآن، ولم تكن للعرب قوة، ودولة، وكلمة، بل همج رعاع، مجرد أتباع للفرس، أو للروم، فما أضحوا حتى ملكوا كنوز كسرى، وقيصر، واليوم يعيش المسلمون تبعية غربية من الطراز الأول!
    لقد نزل القرآن على أمة لم تكن لها معارف تذكر، أو حضارة تضاهي حضارات الأمم، فما هي إلاّ سنوات، وإذا بحضارة الإسلام تضيء أسبانيا، وبلاد أوروبا الغربية، ثم لما تنكب الناس الصراط أصبحت تلك الح
    ضارة خبرًا للحرف الناسخ كان!
    كنا أساتـذة الدنيا وقادتها
    والغرب يخضع إن قمنا نناديه
    كانت أوربا ظلامًا ضل سالكه وشمس أندلس بالعلم تهديه
    واليوم تُقنا لمجد فَرَّ من يدنا فهل يعود لنا ماض نناجيه؟





    حقًا! هل يعود لنا ماض نناجيه؟ الجواب: نعم إذا عدنا إلى مصدر عز الصدر الأول، إلى الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، إلى السنة التي عض عليها الرعيل الأكمل.
    وقد دل على هذا صريح القرآن، وأجمع عليه أهل العلم، والإيمان، إنسًا، وجنًّا، قال
    الله -تعالى- مخبرًا عنهم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن: 1]

    وقال الله سبحانه: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ۝ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 29، 30] إن كتاب ربنا فيه علم من سبق، من قال به؛ صدق، ومن خاصم به؛ فلج، ومن حكم به؛ عدل، ومن عمل به؛ أجر، ومن دعا إليه؛ هدى إلى صراط مس
    تقيم.
    فالخطوة الأولى في النهوض بالأمة، والتي ينبغي أن يعيها الدعاة، والمربون هي دعوة الناس إلى التمسك بكتاب ربهم، والرجوع إليه، والاهتداء بهديه، نسأل الله أن يجعلنا، وإياكم من أهل القرآن التالين له المتدبرين لآياته، العاملين بأحكامه، المطبقين لها، والحمد لله أولًا، وآخرًا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحابته، وسلم.
    منقول



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    رمضان، والقرآن الكريم
    (8)



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم ال
    دين، أما بعد:
    فإن القرآن الكريم أنزله الله -عز وجل- في هذا الشهر الكريم قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].
    يقول ابن كثير -رحمه الله-:


    يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة، يعني: ابن الأسقع: أن رسول الله ﷺ قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع، وعشرين خلت من رمضان[1].

    وقد روي من حديث جابر بن عبد الله، وفيه: “أن الزبور أنزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة” والباقي كما تقدم، رواه ابن مردويه.

    وأما الصحف، والتوراة، والزبور، والإنجيل فنزل كل منها على النبيِّ الذي أُنزل عليه جملة واحدة، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] ثم نزل بعده مفرقًا بحسب الوقائع على رسول الله ﷺ هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس، كما قال إسرائيل، عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس: أنه سأل ع
    طية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] وقد أُنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع، فقال ابن عباس::


    إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أُنزل على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور، والأيام” رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وهذا لفظه[2].
    فنزول القرآن الكريم كان في ليلة مباركة، هي خير من ألف شهر إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3].
    والقرآن الكريم له فضائل كثيرة منها: ما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال:
    مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن؛ كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن؛ كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن؛ مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن؛ كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مر[3].
    وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: الصيام، والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان[4].

    وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعه
    ا البطلة[5] والبطلة هم الشياطين، والسحرة.
    وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله ﷺ ونحن في الصفة، فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟ فقلنا يا رسول الله: نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث،
    وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل رواه مسلم.
    وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله ﷺ: من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[6].
    ومما ينبغي على المسلم في هذا الشهر الكريم أن يغتنم أوقاته، ويكثر فيه من قراءة القرآن؛ لأن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة، فقد كان جبريل -عليه السلام- يعارض النبي ﷺ القرآن في رمضان كل سنة مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين[7].

    وكان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة، وغيرها، فقد كان الزهري -رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: “إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطع
    ام”[8].
    وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث، ومجالس العلم، وأقبل على قراءة القرآن من المصحف.
    وكان قتادة -رحمه الله- يختم القرآن في كل سبع ليالٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة.
    وكان إبراهيم النخعي -رحمه الله- يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليالٍ، و
    في العشر الأواخر في كل ليلتين. وكان الأسود -رحمه الله- يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر[9].
    فهذا شهر القرآن، شهر فيه الأجور مضاعفة، فينبغي على المسلم أن يستغل أوقاته، ويعمرها بالطاعات، والقربات، ولا يترك وقته يضيع سدى، فما فات لن يعود.

    نسأل أن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يجعلنا ممن يصوم، ويقوم رمضان إيمانًا، واحتسابًا، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالم
    ين.
    المصدر: موقع إمام المسجد
    ورواه الطبري، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (1497).
    تفسير ابن كثير (1/292
    ).
    متفق عليه.
    رواه أحمد، والحاكم، وصححه، والطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3882).
    رواه مسلم.
    رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6469).
    متفق عليه.
    التمهيد (6/111)، ولطائف الم
    عارف (1/183).
    راجع لطائف المعارف (1/183).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان




    عبادة التدبر.. أحيوها
    نبيل عبد المجيد النشمي
    (9)



    كم من العبادات بحاجة إلى ثورة قلب، وانتفاضة روح، ومسيرة تذكير لإعادتها، وإحيائها في حياة المسلم؟ فقد دُرست، أو كادت كظاهرة مجتمعية، وشعيرة قائمة، وقيام بعض الأفراد بها لا يسقط المطالبة بها، والدعوة إلى إحيائها، خاصة عندما تكون هذه العبادة مطلوبة من جميع المكلفين، وليس من عمومهم – وكل بحسب وسعه لا شك – وتدبر القرآن الكريم مع أهميته،


    وحاجة الناس إليه يكاد ينحصر في طائفة من الناس، وفي فترة من الوقت، فقد أصبح التدبر غريبًا في وطنه، وأسيرًا في داره، مع أن الخطاب الإلهي الع
    ظيم من الله -تبارك وتعالى- بيّن أن تدبر كلامه من أهم أغراض إنزاله، كما قال -تبارك وتعالى-: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص: 29].
    قال ابن عطية -رحمه الله تعالى-: “وظاهر هذه الآية يعطي أن التدبر من أسباب إنزال القرآن”[1].
    وقال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: “وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر، والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر”[2].

    “وأما كون تدبر آياته من حكم إنزاله، فقد أشار إليه في بعض الآيات بالتحضيض على تدبره، وتوبيخ من لم يتدبره، كقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] وقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُ
    وا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: 82] وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون: 68]”[3].
    وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة عل
    ى التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود”[4].
    إن عبادة التدبر ينبغي أن تتحوّل إلى قضية شعبية، تمتلئ بها المساجد، ويمارسها المسلم، ويقوم بها بحسب ما يتيسر له من الفهم؛


    فحلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في الأرض شرقًا، وغربًا، عربًا، وعجمًا، دولًا، وأقليات؛ بدأت بفكرة رجل في يوم ما، ووصلت اليوم إلى ما وصلت إليه من الانتشار بفضل الله، ثم بفضل التوجه العام، والتوجيه نحو ذلك، ولذلك، والحمد لله تحوّل حفظ القرآن إلى ظاهرة عامة، وتواطأ عليه الناس حتى غدا جزءًا من حياتهم في تربيتهم
    أبناءهم.
    والتدبر لو تحوّل إلى قضية عامة، وليس خاصة بالمتخصصين أكاديميًا، أو هيئات، ومؤسسات، ومؤتمرات، وإصدارات، ولو أصبح يمارس في مساجد المسلمين، وتعقد مجالس مدارسة لآيات الكتاب الحكيم من الأئمة، والدعاة؛


    لكان من أعظم ما يربط المسلم بكتاب ربه -عز وجل- وما يجعله يعرف قيمة هذا الكتاب، ومنزلته، وهنا أضع مقترحات لتحويل التدبر إلى عمل
    جماهيري، ونشاط عام يستفيد منه المسلم:
    عقد مجالس مدارسة عامة في المساجد العامة الجامعة يتدارس فيها الداعية، والخطيب مع المصلين آيات من كتاب الله -تبارك وتعالى- مباشرة، مع ربط هدايات هذه الآيات بحياة الناس، ويحضرني هنا طيف الشيخ الشعراوي -رحمه الله-

    ودروسه القرآنية التي كانت تقرّب القرآن إلى أفهام الناس، وحياتهم بسهولة، ويسر، وهي دعوة أوجهها لكبار المشايخ، والعلماء؛ لأن يعقدوا مجالس مدارسة لكتاب الله- سبحانه وتعالى- في المساجد لعموم المسلمين.
    – اعتماد جلسات تدبرية في حلقات التحفيظ القائمة بأن تكون من ضمن
    المقرر المطلوب تنفيذه من المدرس.
    – القيام ببرنامج شخصي ذاتي يقوم به المسلم بحيث يعيد النظر في طريقة قراءته القرآن، والتي لا يوجد فيها تدبر، ويجاهد نفسه في أن يحقق صورة التدبر، ويقف عند الآيات، ويتأمل فيها، ويعيش معها جزءًا من وقته.


    – توجيه الناس، وتذكيرهم بموضوع تدبر القرآن، ونشر ثقافته، وتبيين منزلته، ومكانته،
    وأثره، وكيف كان السلف في هذا الباب.
    – إقامة الدورات، والمحاضرات، والندوات، بشكل مكثف حول موضوع التدبر، وما يتعلق به في المناشط العامة، والمراكز، والتجمعات، والمناسبات.
    لا شك في أن هناك جهودًا فردية ومؤسسية عظيمة بذلت في السنوات الأخيرة أقامت لقضية التدبر وزنًا، وأعادت لها ذكرًا، لكنها ما زالت أقل بكثير مما ينبغي أن تكون عليه، حتى في الوسط الدعوي، والعلمي، فضلًا عن المستوى الشعبي، والجماهيري.


    المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 503).
    فتح القدير (4/ 494).

    أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (6/ 345).
    تفسير السعدي – تيسير الكريم الرحمن (ص: 712).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    تدبر القرآن
    الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبد الله الدويش
    (10)


    لعله من الميسور أن ينضم المُقبل على القرآن لركب السَفَرَةِ الكِرام البَرَرَةِ، كما أنه ليس من الصعب أن يظل القرآن في صدر حامله كالمصباح الذي لا يخبو أبدًا مهما امتدت السنين، وتعاقب الدهر، لكن كيف ذا؟ هل يكون بشر
    اب يُحتسى، أو أقراص تبلع، فتُعصم من النسيان بقاء العمر، وتجعل القرآن كله عند الحفظ كسورة الكوثر؟ كلا، فالأمر يقوم على الإصرار، والتصميم، فحين تصحب القارئ النية الصادقة، والعزيمة التي لا تعرف الكلل، يجد العون من ربه، ومدخله في هذا التدبر.


    وقد جاء في أكثر من آية أن المقصد من إنزال القرآن هو التدبر، قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص: 29]، قال الحسن البصري (ت: 110هـ): “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا”[1].
    والتدبر ليس نشاطًا تقوم به الجوارح يذهب صاحبها، ثم يعود، أو يقفز، ثم يثبت، أو يخفض صوته، ثم يرفعه، فيحصل له التدبر، بل منهج الصحابة -وهم خير أسوة- أنهم جعلوا الحفظ مدخلًا، وعاملًا للتدبر، والعمل، ووسيل
    ة، ومفتاحًا للفهم، فلم يكن الحفظ عندهم غاية يتوقفون عندها، وإنما كان وسيلة لتحقيق غاية كبرى، وهي التدبر، والفهم، والعمل، أما تلقيهم لكتاب الله العزيز، فكانوا يتلقون عشر آيات، ولا يجاوزونها حتى يتعلموها، ويتقنوا فهمها، والعمل بها، وبهذه الطريقة تعلموا العلم، والعمل، والإتقان جميعًا، ولهذا كانوا يبقون مدة طويلة فِي حفظ سورة واحدة، فقد روى البيهقي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه: “قرأ البقرة في ثمان سنين”[2]، فالقراءة كانت تعني عندهم الاستظهار، والتعلم، والتطبيق.


    وكان العمل عندهم أسهل من الحفظ؛ خلافًا لما عليه سائر الناس، يقول ابن مسعود: “إنَّا صَعُبَ علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسَهُلَ علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به”[3].
    التدبر والتطبيق إذًا هما غاية للحفظ، والتدبر يقوم بالأصالة على فهم السورة فهمًا عامًّا، يلاحظ فيه ترابط أجزائها، وتشابكها في ذهن قارئها، بحيث إذا سقط شيء؛ اختل النظام، واحتاج إلى العود من جديد، وهو يحصل للقارئ حين يُحسن ال
    تعاطي مع عظمة القرآن، والوقوف على بعض أسراره؛ لأن من عظمة القرآن أنك قد تتدبر آية تعرف معناها، وأنها من الواضحات لديك، ولا تحتاج إلى مزيد تأمل، ولكن ربما تقف عندها مرة أخرى، إذا بك تقف على أسرار، وفتوحات، وفوائد، لم تَجُل فيما سبق بخاطرك، ومن عظمته أن فهمك عن الله تعالى، وأسرار آياته قد يجعلك تستدرك على من يخلط كلام الله بعضه ببعض، أو ينقله من موضعه الذي هو عليه.

    نقل ابن الجوزي في تفسيره عن الأصمعي أنه قال: “قرأت قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] وإلى جنبي أعرابي فقلت: والله غفور رحيم، سهوًا. فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. قال: أعد. فأعدت: والله غفور رحيم. فقال: ليس هذا كلام الله. فتنبهت؛ فقلت: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فقال: أصبت؛ هذا كلام الله. فقلت له: أتقرأ القرآن؟! قال: لا. قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا، عز، فحكم، فقطع، و
    لو غفر، ورحم لما قطع”[4].
    وهكذا…فعل المتدبر للقرآن غير الحافظ له.
    لكن كيف يتمكن القارئ من التدبر الذي قد يظن بعضهم أنه أمر عزيز الحصول؟ أقول: إن من أهم ما يُعني به القارئ لكتاب الله تعالى حتى يتمكن من التدبر هو: التعظيم للمتكلم -سبحانه وتعالى-.

    قال الغزالي -رحمه الله- في الإحياء: “القارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلام الله -عز وجل- غاية الخطر، وأن يكون حاضر القلب يترك حديث النفس، ويتجرد له عند قراءته، وتنصرف همته إليه عن غيره”[5].
    لا يحصل التدبر إذًا بمجرد الحفظ، والتكرار، والترداد، بل لا بد من عوامل أخرى تجعل قارئه يش
    عر أن القرآن يتحدث إليه مباشرة، فلو كان التدبر يحصل بمجرد الترداد؛ لكان المسلمون كلهم مطلعين على معاني كلمات قصار السور، التي يحفظونها عن ظهر قلب، ويقفون على شيء من مقاصدها، إلا أنه مما ينبغي التنبه له أن تدبّر القرآن ينتج المطلوب الأهم من تلاوة القرآن، وهو تطبيق حدوده، وأحكامه، على أن التدبر والفهم لكتاب الله تعالى يتطلب الأخذ بنصيب من علوم الآلة؛ كعلم اللغة، والنحو، والبلاغة، والبيان، وغير ذلك من العلوم المساعدة، دون الإيغال إلى حد الإغراق فيها.

    وعلى القارئ لكتاب الله الناشد للتدبر عند الشروع في القراءة أن تكون القراءة بالترتيل، والتأني؛ حتى يتمكن من فهم ما يقرأ، فيعرف مقصود كل آية على حسب طاقته، وعلمه، ويتأمل الأوامر، والنواهي، والتهديد، والوعيد، والمواثيق، والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، وعندما تعنُّ للقارئ آية يتعثر عليه حفظها أن يُيمم بصره نحو كتب التفسير، فإنها تعينه أشد العون في فهم الآية، وفهم معناها؛ مما يعينه على استظهارها، وينبغي عند قراءة القرآن ألا يكون همُّ القارئ متى أختم، فينث
    ر القرآن نثر الدقل.
    وأخيرًا، ينبغي للقارئ أن يكون له ورد يومي يحافظ عليه، ويلتزم به، وأن يقرأه بترسل، وتدبر، وتأمل، فقد كره العلماء أن يختم في أقل من ثلاث، ثم هذه وصيتي لهؤلاء: أخي حامل القرآن منذ نعومة الأظفار، قبل أن تبلغ مبلغ الرجال؛ أتدري أي نعمة أسداها إليك بفضل الله: أبوك، ومعلمك؟ أتدري أي شيء يملأ جوفك؟ أتدري مع مَن أنت إن استقمت، وتخلقت بالقرآن؟


    أخي، يا من تبيت والرغبة تملأ صدرك أن تكون واحدًا ممن يحمل القرآن بين جوانحه، أخي طالب العلم، أي علم تطلب، والقرآن ليس له من جدك وجهدك محل، وَلَدي الطفل، ولدي الشاب، والشابة، أخي، وأختي، في زمن الكهولة، أبي، وأمي؛ يجب أن يكون القرآن منطلق الجميع، تدبرًا، وحفظًا، ومن كان أكثر تدبرًا للقرآن؛ فهو أرسخ علمًا، وأعمق فقهًا، وكلما تدبرنا الآيات بعمق، ودقة؛ زاد فهمنا، وتوسع أفق المعارف لدينا، وكانت الحصيلة على قدر عمق التدبر.
    وبالله التوفيق، ومنه
    الهداية، والتدبير.
    مجموع الفتاوى، لابن تيمية (13/144).
    شعب الإيمان، رقم: (1803).
    تفسير القرطبي (1/ 40).
    زاد المسير في علم التفسير (1/ 546).
    إحياء علوم الدين (1/ 281).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    تساؤلات (حول التلاوة والتدبر)
    د. عادل باناعمة
    (11)

    إن قلت: أي أفضل أن يكثر الإنسان التلاوة، أم يقللها مع التدبر، والتفكر؟
    قلت لك: اسمع ما قاله
    النووي.
    قال النووي -رحمه الله-: “والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص؛ فمن كان من أهل الهم، وتدقيق الفكر؛ استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر، واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم، وغيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك، فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل، ولا يقرؤه هذرمة”[1].

    وأما حديث ابن عمرو قال: قال رسول الله ï·؛: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث[2].
    فقد أجاب عنه الأئمة –رضي الله عنهم- قال ابن رجب: “إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة، كشهر رمضان، خصوصًا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو الأماك
    ن المفضلة، كمكة لمن دخلها من غير أهلها؛ فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزمان، والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق، وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره”[3].
    وقال ابن حجر تعليقًا على هذا الحديث: وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك… وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق… وقال النووي: أكثر العلماء أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط، والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص -والله أعلم-[4].


    وإن قال قائل: بعض هذا الذي ذكر لا يقبله عقل، ولا يقره منطق، فإنني أقول له ما قاله الإمام اللكنوي -رحمه الله- قال: فإن قلت بعض المجاهدات مما لا يعقل وقوعها قلت: وقوع مثل هذا، وإن استبعد من العوام فلا يستبعد من أهل الله تعالى، فإنهم أعطوا من ربهم قوة، وصلوا بها إلى هذه الصفات، ولا ينكر هذا إلا من ينكر صدور الكرامات، وخوارق العادات.
    وإن الذاكرين لهذه المناقب ليسوا ممن لا يعتمد عليه، أو ممن لا يكون حجة في النقل، بل هم أئ
    مة الإسلام، وعمد الأنام … كأبي نعيم، وابن كثير، والسمعاني، وابن حجر المكي، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، والنووي، والذهبي، ومن يحذو حذوهم[5].
    وقد سبق أن ذكرت كلمة الإمام ابن رجب التي قرر فيها أن مثل هذا الاجتهاد سائغ في الأزمنة المفضلة، والأماكن المفضلة، وأما طوال العام، فالأولى للمؤمن ألا يختمه في أقل من ثلاث، وإن لم يكن ذلك ممنوعًا.

    قال الذهبي -رحمه الله-: ولو تلا، ورتل في أسبوع، ولا زم ذلك؛ لكان عملًا فاضلًا، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقو
    ل عند النوم، واليقظة، ودبر المكتوبة، والسحر، مع النظر في العلم النافع، والاشتغال به مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل، وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك …

    لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين، وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب، فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم؛ فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه[6].
    المصدر: موقع صيد الفوائد

    نقله عنه ابن حجر في الفتح (9/97).
    أبو داود (1394)، والترمذي (2949
    )، وقال حديث حسن صحيح.
    لطائف المعارف (360).
    الفتح (9/97).
    إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة (101).
    السير (3/84-86).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    لماذا نحفظ القرآن؟

    الاسلام سؤال وجواب
    (12)


    مجموعة من الأسباب التي تبين أهمية حفظ القرآن الكريم، ومنزلة من يحفظه.
    1) التأسي بالنبي ﷺ: فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يحفظه، ويراجعه مع جبريل -عليه السلام- ومع بعض أصحابه.
    2) التأسي بالسلف: قال ابن عبد البر: “طلب العلم درجات، ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة؛ فقد تعدى سبيل السلف -رحمهم الله- فأول العلم حفظ كتاب الله -عز وجل- وتفهمه”[1].

    3) حفظه ميسر للناس كلهم، ولا علاقة له بالذكاء، أو العمر، فقد حفظه الكثيرون على كبر سنهم. بل حفظه الأعاجم الذين لا يتكلمون العربية، فضلًا عن الأطفال.

    4) حفظ القرآن مشروع لا يعرف الفشل… كيف؟! حين يبدأ المسلم بحفظ القرآن الكريم بعزيمة قوية ثم يدب إليه الكسل، والخمول فينقطع عن مواصلة الحفظ، فإن القدر الذي حفظه منه لا يضيع سدى، بل إنه لو لم يحفظ شيئًا فإنه لن يحرم أجر التلاوة، فكل حرف بعشر حسنات.
    5) حملة القرآن هم أهل الله، وخاصته كما في الحديث، وكفى بهذا شرفًا.
    6) حامل القرآن يستحق التكريم، ففي الحديث: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه…[2] فأين المشمرون؟

    7) الغبطة الحقيقية تكون في القرآن، وحفظه، ففي الحديث: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب، وقام به آناء الليل… الحديث [3].
    8) حفظ القرآن وتعلمه خير من متاع الدنيا، ففي الحديث: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل[4]، ويذكر
    أن الإبل في ذلك الزمان أنفس المال، وأغلاه.
    9) حافظ القرآن هو أولى الناس بالإمامة، ففي الحديث: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله[5]، ويذ
    كر أن الصلاة عمود الدين، وثاني أركان الإسلام.
    10) حفظ القرآن الكريم رفعة في الدنيا، والآخرة، ففي الحديث: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين[6].
    11) حافظ القرآن يقدم في قبره، فبعد معركة أحد، وعند دفن الشهداء كان النبي ﷺ يجمع الرجلين في قبر واحد، ويقدم أكثرهم حفظًا.
    12) وفي يوم القيامة يشفع القرآن لأهله، وحملته، وشفاعته مقبولة عند الله تعالى، ففي الحديث: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه[7]، فهنيئًا لمن يشفع له هذا الكتاب العظيم في ذلك اليوم العصيب.

    13) حفظ القرآن سبب للنجاة من النار، ففي الحديث: لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق[8]. ويقول أبو أمامة: “إن الله لا يعذب بالنار قلبًا وعى القرآن”[9].

    14) أن حفظه رفعة في درجات الجنة، ففي الحديث: يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها[10] قال ابن حجر الهيتمي: الخبر خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب؛ لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها[11].

    15) حافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة، ففي الحديث -واللفظ للبخاري-: مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة[12].
    فيا له من شرف أن تكون مع من قال الله فيهم: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ۝ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس: 13- 16].
    16) حافظ القرآن أكثر الناس تلاوة له، فحفظه يستلزم القراءة المكررة، وتثبيته يحتاج إلى مراجعة
    دائمة، وفي الحديث: من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها[13].
    17) حافظ القرآن يقرأ في كل أحواله، فبإمكانه أن يقرأ وهو يعمل، أو يقود سيارته، أو في الظلام، ويقرأ ماشيًا، ومستلقيًا، فهل يستطيع غير الحافظ أن يفعل ذلك؟!

    18) حافظ القرآن لا يعوزه الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في حديثه، وخطبه، ومواعظه، وتدريسه، أما غير الحافظ فكم يعاني عند الحاجة إلى الاستشهاد بآية، أو معرفة موضعها. فهل بعد هذا نزهد في حفظ ما نستطيع من كتاب الله؟!
    المصدر: موقع طريق الإسلام.

    جامع بيان العلم وفضله (2/ 1129).
    أخرجه أبو داود (4843)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، (4972).
    أخرجه البخاري، رقم: (5026).
    أخرجه مسلم، رقم: (803).

    أخرجه مسلم (673).
    أخرجه مسلم، رقم: (817).
    أخرجه مسلم، رقم: (804).
    أخرجه أحمد، رقم: (17409)، والطبراني، رقم: (5901)، وحسنه الألباني في السلسلة (7/1521).
    أخرجه الدارمي في سننه، رقم: (3362)، وابن أبي شيبة، رقم: (30079).
    أخرجه أبو داود، رقم: (1464)، والترمذي، رقم: (2914)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم: (2134).
    الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 113).
    أخرجه البخاري، رقم: (4937).
    أخرجه الترمذي، رقم: (2910)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/970).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    التوسع في التدبر.. وقفة مراجعة

    (13)


    العودةُ المشاهدةُ لكتاب الله تعالى -تلاوةً، وحفظًا، ومدارسةً، وتدبرًا، وتصنيفًا في علومه- شيءٌ يبعث على البهجة، والفرح؛ إذْ لا عزّ للأمة إلا بالعودة إلى هذا الكتاب العظيم، وسنةِ نبيّه ﷺ.وفيما يخصّ موضوع “التدبر” فإن هذه الفرحة بدا ما ينغّصها، ويكدّرها؛ مِن جرأة بعضِ الناس على خوض غماره، دون اكتمال الآلة التي تخوّله للحديث فيه[1] لذا تنادى جمعٌ من أهل العلم، وطلبته
    ، وصرّحوا بضرورة التوعية بخطورة هذا التوسع الذي يزداد يومًا بعد يوم، وخطورة فتح الباب على مصراعيه، دون ضوابط، وأصول تعصِمه من الزلل، وتنفي الدخيل عنه.
    ويؤكد أهميةَ هذه الدعوة: أنه -وعبر حِقَب التاريخ- ما من مبتدعٍ، أو صاحبِ مذهب منحرف إلا وقد يستدل لباطله من القرآن! على طريقة (اتباع المتشابِه) أو النظر الأعور للأدلة، والانتقائية الجزئية، وسرى هذا الداءُ إلى مقالات بعض الصحفيين، وأطروحات بعض الإعلاميين في عصرنا الحاضر.

    إن المتابِع لهذا الموضوع، وخصوصًا في السنوات الأخيرة ـ، ومع انتشار مواقع التواصل، وبعض المقاطع المرئية التي بدأت تنتشر؛ يشهدُ أمورًا تبعث على الخوف، والقلق من جرأة بعض الناس على اقتحام هذا الميدان! والكلامِ في معاني كلام الله -جلّ وعلا- دون ضوابط، أو أصولٍ علمية؛ مما يستوجب من الجميع بذلَ النصح، قبل استفحال الأمرِ، وتف
    اقمه.
    إننا، وكما نتواصى بتدبر القرآن ـ كما أمر الله ـ فيجب أن نتواصى بأن يكون ذلك وفق الطرق العلمية الصحيحة، ونحن كما نجزم بأن من أراد أن يمتثل الأوامر المجملة في القرآن كقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ[البقرة: 43] لا يمكنه تحقيقُ ذلك إلا وفق الصلاة الشرعية التي بيّنتها السنة، فكذلك لا يمكن امتثال أمر الله بالتدبر إلا وفق هدي النبي ﷺ وصحابته، ومن سار على نهجهم في فهم القرآن.

    وإذا كنا نفرحُ بهيبةِ عموم المسلمين من تفسيرِ كلمةٍ غريبةٍ، دون الرجوع لكلام العلماء؛ فكذلك ينبغي أن يستقر في أذهانهم عدمُ التجرؤ على نشر التدبر إلا بعد التثبت، والتبين من المعنى، فكِلا الأمرين -التفسير، والتدبر- بابهما واحد؛ إذْ المراد منهما الفهم، ثم ما يتبعه مِن عملٍ قلبي، أو بدني.

    لقد مرّ بي ألوانٌ من تدبرات بعض الإخوة المنشورة على مواقع التواصل، أو وصلتني عبر رسائل نصية، وبعضُها عبر مكالماتٍ هاتفية، تؤكد وجوب المسارعة لضبط الأمر، والدعوة إلى التريث، وعدمِ العجلة في النشر، ومن ذلك:

    – تعليقُ بعضِهم على قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم [محمد: 22، 23] حيث قرر أن مِن الناس مَن يصوم، ويصلي، ويقرأ القرآن، وهو ملعون! وأن القاطع لا يستفيد مِن القرآن، ولا مِن المواعظ، ولا من أيّ عبادة، وإن ختم القرآن أكثر من مرة، وقام الليل! لماذا؟ لأنه قاطعٌ لرَحِمه!! وأضاف أن عمَله لا يرتفع إلى الله ما دام قاطعًا! بل يَبقى معلّقًا، مع أن الآية لا تدل على ذلك، ولا يدل عليه الحديثُ الذي استشهد به، وهو قوله ﷺ: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه، وبين أخيه شح
    ناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا الحديث[2].
    فالحديث يدل عدم نيل فضيلة المغفرة التي تتكرر كلَّ أسبوع مرتين، ولم يتحدث عن مسألة القبول! فانظر كيف تنقّل هذا الأخ من خطأ إلى خطأ!

    علّق أحد الإخوة على قوله تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: 12] فقال: “خلَعَ النعلينِ فأوتي العصا، اخلع الدنيا من رجلك، تمسك الهبات بيدك!” فأين هذا من الآية؟ والآية إنما فيها الأمرُ بخلع النعلين لسبب -ذَكَره بعضُ المفسرين- وهو أن موسى كان يلبس نعلين مِن جلد حمار، فلا ينبغي أن يدخل بهما في الواد المقدس الذي سيكلم ربَّه فيه.

    ومِن أعجب ما سمعت، ما قاله لي أحدُهم في مكالمة هاتفية، معللًا تسمية موسى بهذا الاسم، أخذًا من الموس؛ لأجل أن يزيل فرعون من جذوره!! وادّعى هذا الشخصُ أن التدبر يمكن لكل أحد، ولا يوجد حاجة للرجوع إلى كلام العلماء؛ لأن كلامهم غير معصوم، وأن تدبر القرآن مفتوحٌ للجميع؛ لأن الله أمرنا به جميعًا! ولك أن تتصور ما الذي سيصدر عن مثل هذا من تعليقات، بل طوام!

    إنّ الدعوة إلى تدبر القرآن حسنةٌ، لكن لا يصح أن تكون بهذا الإطلاق الذي يشيعه بعضُ الفضلاء، لما سبقت الإشارةُ إليه، فبابُ التفسير والتدبر واحد من حيث الأصل، وإن كان في باب التدبر سعةٌ من جهة أن استنباط المعاني والإشارات
    يقع، وإن كان معنى اللفظة ليس غريبًا، إلا أن ذلك -أيضًا- لا يعني أن يكون التدبر غير منوط بضوابط -كما سبق- خصوصًا مع فشوّ هذه التعليقات على الآيات في مواقع التواصل، التي صار غالبُ الناس يتلقى منها دون تمحيص.


    إنه ليحقُّ لكل غيورٍ على كتاب الله أن يتساءل: إذا كنا نستنكر على الصحفي الذي ليس مؤهلًّا للكلام في معاني الله، فلماذا يخفت هذا الصوت حينما يكون المتكلّم من المنتسبين للمحاضن القرآنية، وهو ليس مؤهلًا؟ مع أن الصورة واحدة!

    لقد بذل العلماء جهودًا في صيانة القرآن، ونفيِ الدخيلِ عنه من التفاسير البدعية، والشاذة؛ فعلينا كذلك أن نتعاون على صيانته من التدبرات الشاذة، والخاطئة، فهذا من جملة النصيحة لكتاب الله التي نص عليها النبي ﷺ في حديث تميم الداري المشهور، ولا يصح أن يفسَّر هذا


    بأنه تضييقٌ على الناس، بل هو صيانةٌ لكلام رب العباد من العبَث بمعانيه، وتصديرِها للناس عبر هذه الوسائل التي تنقل المعلومةَ لملايين خلال دقائق معدودة، وإذا كنا نستعظم أن يتصدّر لتفسير القرآن من لم تكتمل له أداتُه؛ فلماذا صار التدبر منبرًا سهلًا يصعده كلُّ أحد؟!

    سبق أن كتبتُ مقالةً في العام الماضي عنوانها: “التدبر بين تباشير العودة، وخطر الجرأة”، وهو منشور على الموقع الشخصي.
    مسلم ح (2565).
    منقول




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    سر القرآن هو العمل به

    (14)


    إن تأثير هذا القرآن في النفوس إنما يحصل بالمعاني التي تستقر في القلب، فتملأه نوراً، ثم ينتقل هذا النور إلى باقي الجوارح، ولما فتح الله تعالى بهذا القرآن قلوب وعقول الصحابة، فتحوا به الدنيا، فمن أراد أن يعرف سر القرآن، فليستعن بالله،
    وليجتهد في الفهم والعمل، وهذه بعض وصايا سلفنا الصالح في هذا الشأن:
    – هذا رجل جاء إلى أبي الدرداء  وقال له: “إن ابني قد جمع القرآن، فانزعج أبو الدرداء وقال له: اللهم اغفر، إنما جمع القرآن من سَمِعَ له وأطاع”.

    – وكان ابن مسعود  يقول: “أُنْزِل القرآن ليعملوا به، فاتخذوا تلاوته عملاً، فإنَّ أحدهم ليتلوا القرآن مِنْ فاتحتِه إلى خاتمتِه، ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به”.
    – وقال عمر بن الخطاب : “لا يغرَّنَّكُم مَنْ قرأ القرآن، إنما هو كلام يُتكلَّم بِه، ولكن انظروا لمن يعمل به”.

    – وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في العمل بالقرآن، والاستجابة لأوامره، والوقوف عند حدوده:
    1 – كان أبو بكر الصديق  ينفق على مِسْطح بن أَثَاثَة ؛ لقرابته منه، وبسبب فقره، فلما قال: مِسْطح عن السيدة عائشة رضي الله عنها ما قال في حادثة الإفك، قال أبو بكر: “والله لا أُنْفِق على مِسْطح شيئاً أبداً بعد الذي قال في عائشة، فأنزل الله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة النور:22]، فقال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر لي، فرجع إلى النفقة، وقال: والله لا أَنْزِعْها أبداً”.

    2 – يدخل الحُر بن قيس وعمُّه عُيَيْنَة بن حِصْن على عمر بن الخطاب  فيقول عُيَيْنة: هيَّ يا ابن الخطاب، فوالله ما تُعطينا الجَزْل، ولا تحكم فِينا بالعَدْل، فغَضب عُمَرُ حتى همَّ به، فقال له الحُر بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وإنَّ هذا مِن الجاهلين.

    قال ابن عباس : والله ما جاوزها عُمَرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله”.
    3 – قال أنس بن مالك : لما نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].

    قال ثابت بن قيس : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله ﷺ، وأنا مِنْ أهل النار، حَبَط عملي، وجلس في بيته حزيناً، ففقده رسول الله ﷺ، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تَفَقَّدك رسول الله ﷺ مَالَكْ؟ قال: أنا الذي أَرفعٌ صوتي فوق صوت النبي ﷺ، وأَجْهَرٌ له بالقول، حَبَط عملي، وأنا من أهل النار، فَأَتَوا النبي ﷺ فأخبروه بما قال، فقال النبي ﷺ: لا، بل هو مِن أهل الجنة.

    4 – عن مِعْقَل بن يَسار  قال: زَوَّجت أختاً لي من رَجُلٍ فطلَّقها، حتى إذا نقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زَوَّجتُك وأَفْرشْتُك وأَكْرمْتُك، فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبداً، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآي
    ة: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة البقرة:231] فسمع ذلك مِعْقَل فقال: “سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها فَزوَّجها إياه”.

    5 – عن زيد بن ثابت  أن رسول الله ﷺ أَمْلَى: لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّه، فجاء ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله، والله لو استطيع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، أي: أصبحت، لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَ
    ى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:95].
    المصدر: كتاب: أول مرة أتدبر القرآن، لعادل محمد خليل (ص: 349).
    منقول



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    رمضان وتدبر القرآن
    د. عويض بن حمود العطوي
    (15)


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    تلوح للإنسان في حياته لحظات مهمة، يستطيع أن ينجز فيها ما لا يُنجِز في غيرها، وقد تمتد الآمال بالإنسان وهو يسعى لتحقيق آماله فلا يظفر من ذلك بشيء رغم تطاول الزمن.

    ولعل مما يؤرق المسلم كيفية إفادته من كنوز هذا الكتاب العظيم (القرآن)، وبما أننا مقبلون على رمضان وهو شهر القرآن، فهذا من الفرص المتاحة لتحقيق شيء من هذا المطلب العظيم، والسبيل لتحقيق ذلك هو تدبر القرآن، وقد يقول قائل: وكيف ذلك؟
    بداية، أود أن أبين أنّ الكلام موجَّهٌ للجميع، لا يختص بمرتبة علمية، ولا بنوعية خاصة، فالمسلمون جميعًا مطالبون بفهم كتاب ربِّهِم، وسأذكر هنا بعضًا مِن الأفكار التي تفيد في إيجاد تدبر عملي في شهر القرآن (رمضان):

    1- تحديد سورة معينة، ولتكن سورة متوسطة الطول، ويمكن أن يتم ذلك كما يأتي:
    *أ) تعيين السورة قبل دخول الشهر.
    *ب) قراءة السورة يوميًا أو قدر خاص منها، المهم التواصل اليومي مع السورة المحددة.
    *ج) تجهيز دفتر خاص لكتابة الفوائد واللطائف والاستفهامات.

    *د) محاولة معرفة صُوَر التناسب بين بداية السورة ونهاية السورة التي قبلها.
    *ه) العناية ببداية السورة واستخراج الفوائد منها.

    *و) معرفة أسباب النزول إنْ وجدت.
    *ز) تحديد الكلمات أو الجمل التي تتكرر في السورة، ومحاولة تفسير ذلك.
    *ح) تسجيل الأفكار الرئيسة التي تدور حولها السورة، ووضع عنوان عام يجمعها جميعًا.

    *ط) استخراج الأحكام الواردة، أو الأخلاق، والنظر هل أنت مُطبِّقٌ لها، عامِلٌ بها؟
    هذه أفكار ومراحل عملية، تجعلك تعيش مع السورة فترة طويلة، قد تستغرق الشهر كله، ولا تستعجل الثمرة، وقيّد كل ما تراه يستحق التقييد، والله يرعاك ويوفقك.

    2- قراءة القرآن كاملاً.
    يحرص كثيرٌ من المسلمين على ختم القرآن في رمضان، وهذا أمر طيب، ولا يتنافى مع ما ذكرناه من تحديد سورة معينة، ومع هذا يمكننا أن نستثمر قراءتنا لجزء واحد يوميًّا في رمضان، بحيث نقرأ وفي الوقت ذاته نتدبر، وقد نقول وكيف ذلك؟
    الجواب في الخطوات الآتية:

    *أ) احرص على إتمام الجزء المخصص في يومه المخصص.
    *ب) استخرِجْ مِن الجزء الذي تقرأ ما يتعلق بالأخلاق، وإنما قلنا ذلك؛ لأن رمضان دورة عملية لتهذيب سلوكِنا وأخلاقنا، فلمَ لا نجعل الموَجِّه لنا هو القرآن؟

    *ج) سَجِّل الخُلُق على ورقة، سواء أكان مأمورًا به أم منهيًا عنه.
    *د) اسأل نفسك هل تطبق هذا الخُلُق المأمور به، أو تنتهي عن الخُلُق المنهي عنه.
    *ه) عَدِّل سلوكك على ضوء هذه الأخلاق القرآنية، ستجد أنك يوميًا تتحسن، وتطبق آيات القرآن، وهذه ثمرة التدبر الحقيقية.
    *و) إذا كثر عليك الأمر، فاستخرج من الجزء كله صفة واحدة محمودة، وأخرى مذمومة، وافعل المحمودة، واترك المذمومة.

    إذا انتهى رمضان وقد التزمت بهذا المنهج، تكون قد مارستَ ثلاثين خلقًا حسنًا، وأنتهَيْتَ عن ثلاثين خلقًا سيئًا، ولا تنزعج من تكرار الخلُق، فلا بأس بذلك؛ لأن تكراره في القرآن يعني أهميته.
    *ز) سجِّل الملحوظات اللطيفة التي تظهر لك في دفترك الذي
    خصصته لهذا الغرض.
    بإذن الله ستشعر أنك استثمرت القرآن في شهر القرآن، وأن القرآن قد أسهم في تغيير سلوكك.
    هاتان فكرتان سريعتان عمليتان، اختَرْهُما جميعًا أو إحداهما، وامضِ على بركة الله، وخطِّط للأمر مبكّرًا، وانقل الفكرة لغيرك، لعل الله أن ينفع بها.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    صوارف تحول دون التدبر

    (16)

    من الصوارف التي تحول دون تدبر كتاب الله تعالى:
    أمراض القلوب والإصرار على الذنوب:
    وهي من أعظم ما يصد القارئ عن اتعاظ قلبه وانشراح صدره لمواعظ القرآن وحِكَمه وأحكامه، وفي
    هذا يقول الله سبحانه وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146]، قال ابن قدامة رحمه الله: “وليتخلى التالي من موانع الفهم،…، ومن ذلك أن


    يكون التالي مصراً على ذنب، أو متصفاً بكبر، أو مبتلى بهوى مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصداه، فهو كالجرب على المرآة، يمنع من تجلى الحق، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل الجلاء للمرآة”[1].

    وقال الزركشي رحمه الله: “لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة ولا يظهر له أسراره، وفي قلبه بدعة، أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر، أو هوى، أو حب الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان” [2].
    انشغال القلب وشرود الذهن:

    فإنه يصرف عن تدبر القرآن والتأثر به لغفلة القلب، ولو كان قلبه حياً لكنه مشغول عنه بغيره، فهو غائب القلب ليس حاضراً، فهذا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه، ومن كثرة الشواغل التي تذكر حين التلاوة أن يكون هم القارئ إتمام السورة دون أن يكون همه الفهم والاتعاظ والعبرة التي تحويها الآيات، قال الحسن البصري رحم
    ه الله: “يا ابن آدم! كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة؟!” [3].
    قصر الخشوع على آيات الوعيد:

    فمن الناس من يقصر الخشوع في رمضان، أو في القنوت، أو عند خشوع الإمام، أو عند آيات العذاب وذكر النار وأهوال القيامة، ومعلوم أن أسباب الخشوع ودواعيه متعددة، ففعله ﷺ عند التلاوة فيه خشوع وتدبر، فهو ينزه ويسبح عند آيات الأ
    سماء والصفات، ويسأل الله من فضله عند ذكر جنته وإنعامه وفضله ورحمته، ويستعيذ عند ذكر النار والعذاب [4].
    قصر الهمة على كثرة القراءة ف
    قط:
    يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: “وبعض السلف قال: يستثنى من ذلك أوقات الفضائل، وأنه لا بأس أن يختم كل ليلة أو في كل يوم، كما ذكروا هذا عن الشافعي، وعن غيره، ولكن ظاهر السنة أنه لا فرق بين رمضان وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يعجل وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو فقال: “اقرأه في سبع”[5]، هذا آخر ما أمره به، وقال: “لا يفقه من قرأه


    في أقل من ثلاث”[6]، ولم يقل إلا في رمضان، فحمل بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب -والله أعلم- أن المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويجتهد في إحسان قراءته وتدبر القرآن والعناية بالمعاني ولا يعجل، والأفضل أن لا ي
    ختم في أقل من ثلاث، هذا هو الذي ينبغي حسب ما جاءت به السنة، ولو في رمضان”[7].
    الفهم القاصر لمعاني الآيات.
    ومن خلال تلك المفهومات القاصرة تفهم الآيات وتفسر المقاصد، ويخصص العام ويقيد المطلق، ومن خلال خلفيات سابقة يحكم على النصوص فلا ينتفع القارئ بقراءة القرآن، ولا يحصل له التدبر المقصود، فهو يردد الألفاظ وقد زاغ قلبه عن المعنى المراد، أو قصر نظره أو ضل فهمه.
    الانشغال بالمبهمات:
    وذلك كالبحث عن الأعداد والأسماء والأماكن ونحوها من الأمور المبهمة، وقد هوّن الله من عدد أهل الكهف فقال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [الكهف:22].


    المصدر: كتاب: “من أجل تدبر القرآن”، سلمان السنيدي (ص:12-14)، بتصرف يسير.
    مختصر منهاج القاصدين (ص: 53-54).
    البرهان في علوم القرآن (2/ 180).
    مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 150)
    انظر: تدبر القرآن، سلمان السنيدي (ص:51).
    أخرجه البخاري، برقم (5052)، ومسلم، برقم (1159).
    أخرجه أبو داود، برقم (1182)، واللفظ له، والترمذي، برقم (2873).
    مجموع فتاوى ابن باز (11/ 350)
    منقول





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان



    في رمضان… تدبُّر القرآن قبل عدد الختمات

    فاطمة زكي
    (17)

    د. ماهر الحولي: لتتحقق مهمّة القرآن لا بد من التدبر
    مصطفى أبو توهة: الفهم القاصر من أسباب صعوبة التدبر
    ختم قراءة القرآن يكاد يكون الشكل الأكثر انتشار للعبادة في رمضان، منّا من يكتفي بقراءته مرّة واحدة، ومنّا من ينكبّ على القراءة ليل نهار ليحصي عدداً أكبر من الختمات، ومع الاهتمام بالمقدار ما نقرأ، قد ننسى تدبّر الآيات.
    هكذا نتدبَّر

    أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية - الدكتور ماهر الحولي- يقول: "إن شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وذلك بنص القرآن، في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] وبالتالي علاقة المسلم به في هذا الشهر يجب أن تكون وطيدة، فيها مصاحبة حقيقية، والتزام دقيق، بحيث يرتقي بأخلاقه وآد
    ابه ويحسّن تعاملاته".
    ويضيف: "ويعزز ذلك أن الصيام يشترك في تطهير روح الإنسان وتزكية قلبه وتنقية جوارحه؛ فالمسلم يصاحب القرآن وهو صائم، فيجتمع له فضل القراءة في وقت النزول والبركة التي أعطاها الله للوقت".

    وعن سؤال "هل تكفي القراءة؟"، يجيب: "مهمّة القرآن في الأصل هداية الناس، كما في قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ولتتحقق الهداية لا بدّ من التدبر والفهم والتأثر لما جاء فيه؛ لأنه منهج حياة ودستور
    لكل التعاملات في الإنسانية جمعاء".
    د. ماهر الحولي: بإمكان المسلم أن يقيس تدبّره بأن يلاحظ ردّة فعله عند آيات العذاب والاستبشار ويوض
    ح أن القراءة وعدد الختمات مطلوب؛ فبها تطمئن القلوب، وهي فرصة لنيل الثواب، ففي الحديث الشريف: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"، ومن المعلوم أن الحسنة بعشرة أمثالها".

    ويبين: "مع ذلك، وبالرغم من أن القراءة مطلوبة، إلا أنها لا تكفي بحد ذاتها، فكلما تدبر المسلم ارتقى، فالغاية هي الفهم فالتدبر فالتأثر، لو وصل المسلم لهذه المرحلة يحقق الغاية والهدف، بأنه يتأثر بما في القرآن، فيقوّم سلوكه ويتقن العبادة ويتقرب لله أكثر".
    وعن أثر التدبر على المسلم، يقول الحولي: "من يتأثر بالقرآن يتغير سلوكه للأفضل، فيصبح أميناً، صادق
    اً، مخلصاً، كريماً، جواداً، مجاهداً، متقناً للصلاة، باراً بوالديه، محسناً لهما، واصلاً رحمه، حسن المعاملة مع الناس، عادلاً، يبتعد عن الآثام والموبقات من أمراض اللسان والكذب والغيبة والنميمة، عن أمراض القلب من كفر ورياء ونفاق"، مضيفاً: "التدبر يوصلنا إلى درجة الاستقامة".
    ولكي يتمكن المسلم من تدبر القرآن، ينصح الحولي بالأخذ بعدة أسباب، أولها الدعاء، ليدعو الشخص الله تعالى أن يعينه على فهم القرآن، وفي ذلك أدعية كثيرة معروفة، منها: "اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا"، وثانياً عليه يعقد نيّة الفهم والتدبر، فنيّات قراءة القرآن متعددة، هناك من يقرأ للرزق، أو للشفاء من مرض، أو لأي سبب آخر، ثم يستحضر الأجر العظيم الذي يناله من التدبر.

    ويوضح: "من أراد التدبر، عليه ألا ينتقل من آية إلى أخرى، إلا بعد أن يفهم معناها، وبإمكانه الرجوع للكتب، أو سؤال المختصين، وقد صار ذلك يسيراً في عصر الإنترنت ومع انتشار تطبيقات التفسير المخصصة للهواتف النقالة، ومن الجيد أن يصاحب شخصاً يمكن أن
    يتدارس معه القرآن، أو أن يشترك في مجموعات مهتمة بالتدبر والتفسير".
    ويبين: "من أهم الأمور، أن يلتزم المسلم بتطبيق ما فهمه من القرآن في حياته؛ كي لا ينطبق قول الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الممتحنة:3].
    ويشير إلى أنه بإمكان المسلم أن يقيس تدبّره بأن يلاحظ ردّة فعله عند آيات العذاب والاستبشار، فهل يتأثر خوفاً عند آيات العذاب؟ وهل يضحك عند آيات الثواب؟

    ويقول الحولي: "نحن بحاجة لأن نجعل رمضان نقطة انطلاق لقراءة من نوع جديد، تصل بنا من خلال الفهم والتفكر للتأثر، ويمكننا أن نجمع بين التدبر والكمّ، فنخصص ختمة للقراءة، وأخرى للتدبر".
    فلاح الإنسان مرهونٌ بالفهم


    من ناحيته، يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "من أكبر النعم التي أنعم الله بها على الإنسان أن أنزل كتاباً -والذي هو بمثابة منهج يضبط حياته؛ لتكون على الصراط المستقيم- وهي نعمة جعلها الله تعالى مقدمة على خلق الإنسان ذاته
    ، فقد قال جلّ وعلا في كتابه: {الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ} [الرحمن: 1-3].
    مصطفى أبو توهة: لتسهيل المهمة... تذكّر أن القرآن حجّة لك أو عليك ويضيف: "والغريب أن الشارع الحكيم قدّم هذا الكتاب العزيز على الصلاة نفسها، مع عظم شأنها، وذلك في أكثر من موضع، كما في قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت:45].
    ويتابع: "ولكي يكون القرآن هادياً للتي هي أقوم، فإنه ينبغي أن يُتلى على الوجه المطلوب، كما تلاه الرعيل الأول فأخرج منهم خير أمةٍ أٌخرجت للناس، فكان لها ذكرٌ في العالمين وشأن لا يُستهان به"، مذكراً بقول الله عزّ وجل: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10].
    ويوضح أبو توهة: "والقرآن لا يمكن أن يؤدي غايته ورسالته في تصويب وتصحيح مسير ومصير الإنسان إلا إذا فُهم على أنه آخر رسالة من الملأ الأعلى إلى هذا الإنسان الذي يطوي صفحات حياته ليلقى الله
    مهما امتدت به السنون".
    ويبين: "بالتالي، فإن حق الرسالة أن تُقرأ سطورها وما بين السطور وما يريد المرسل أن يقوله لكنه لم يقله، وهذا ما نسميه (التدبر)، والتدبر هو تتبع أعقاب ودبر الكلمات والآيات لفهم المقصود وهو ما يسمى في علوم القرآن (المنطوق والمفهوم).
    وبناء على ما سبق، يؤكد أبو توهة: "العبرة ليست بالهدر، ولا بكثرة القراءة، ولا بالتنافس في ختمات القرآن، مع أهمية ذلك لأنه ليس المقصود من تنزيله الآية الكريمة: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

    ويلفت إلى أن: "من مجالات أو أسباب التثريب والدمدمة على الغافلين عن غايات القرآن التي تغيّاها في كلماته وآياته ما أشار إليه الوحي الكريم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمّد:24].
    ويقول: "هذا يدل على أن فلاح الإنسان منوط ومرهون بالفهم عن الله تعالى أولاً، ثم الان
    فعال وجدانيا، ثم التطبيق والممارسة بعد مدارسة هذا الكتاب المجيد".
    ويشير إلى أن: "رمضان فرصة سانحة للعود والأوبة؛ لتصحيح العلاقة مع هذا الكتاب الذي نزل فيه، ذلك أن فراغ المعدة واليقظة والانتباه مدعاة لأن يستقبل الصائم هدايات القرآن بقلبٍ فارغ إلا من استحضار معية الله تبارك تعالى، وترطيب اللسان بذكر العلي الأعلى، والتفرغ لمائدة القرآن الكريم".
    ويرى أن الصائم القارئ بهذه الطريقة تنطبق عليه بشرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم
    - الذي قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان".
    وعن عدم قدرة المسلم على تدبر ما يقرأه من القر أحيانا، يذكر أبو توهة بعض الأسباب، فيقول:


    "الغفلة عن أهمية القرآن وإنزاله كأي كتاب أو صحيفة، مضموماً إلى ذلك الاكتفاء والزهد بفهمه القاصر دون العود إلى الكتب التفسير الميسرة لغوامض الكلمات، وربما يدخل عنصر المباهاة والمكاثرة ثم التهوين من سؤال الله تعالى عن موقف القارئ لكتابه يوم القيامة إزاء الأوامر والتوجيهات يوم القيامة والذي هو شكل من أشكال الهجران المعنوي، وذلك ما أشار إليه قوله تعالى: {وَقَ
    الَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] ثم الفهم السيء للعلاقة الواجبة والأمانة المنوطة بعنق المسلم أمام القرآن".
    ويضيف: "كل هذا يجعله بعيداً عن الفهم، فضلاً عن التدبر والعمل بكتابه، وعلاج ذلك أن يَقرّ في قلب المسلم أن هذا القرآن سيكون دليلاً له أو عليه يوم القيامة"، مذكراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    مجالس القرآن الأسرية

    الشيخ الدكتور فريد الأنصاري
    (18)


    أنتما أيها الزوجان، أو الأبوان، عندما تختل موازين الحياة بينكما داخل البيت، وتضطرب شؤونه، ولا يستقيم بناؤه، فلا تصفو المودة، ولا تخلص المحبة؛ فهذه وَصْفَةُ الإيمان جاهزة من صيدلية الرحمن: دواء كامل، وشفاء شامل، لا يغادر سقما، القرآن!
    نعم القرآن، فهل فكرتما في وَصْفَةِ القرآن؟ إن تِرْيَاقَ القرآن للجسم الأُسري خاصة لا يكون بمنهج التل
    اوة التبركية فقط، بل يكون أساسًا بمنهج التدارس، والتدبر الجماعي، كما سنبينه بعدُ بحول الله. عندما يجتمع الزوجان على آيات بينات من كتاب الله؛ تلاوةً، وتدارسًا، وتدبرًا؛ فمعنى ذلك أن القلوب قد انفتحت للتلقي عن الله، واستعدت أتمّ الاستعداد؛


    لإعادة ترتيب الوجدان على موازين القرآن، ومفاهيم القرآن؛ فإذا بالنور ينـزل ليطهر الخواطر من وساوس الشيطان، ويطرد الغشاوة التضليلية عن الأبصار، والبصائر، ويعيد بناء الثقة بين الزوجين، على أحسن مما كانت عليه في أي وقت مضى بإطلاق.
    وجرب تَرَ النتيجة بعينك -إن شاء الله- قبل هذا وذاك “مجالس القرآن الأسرية” هي لبناء الأسرة ع
    لى مفاهيم الإسلام، وتكوين الأبناء بمختلف أعمارهم على مواجيد الإيمان، وقيم الدين، والتخلق بجماله، وأنواره.
    إن التربية القائمة على منهج القرآن لهي أيسر الوسائل التربوية، وأضمنها للوصول بالأبوين أنفسهما، والأبناء معهما -داخل الأسرة الواحدة- إلى الاستفادة الفعلية من مقاصد القرآن العالية، والتخلق بأخلاقه الراقية؛ ذلك أن القرآن يربي النفس
    بصورة تلقائية، لا كلفة فيها، ولا تعقيد، بشرط أن يقود الأبوان أنفسُهُما إدارةَ “مجلس القرآن” داخل البيت؛ فإذًا يحصدان نتائج الخير، والبركة -بإذن الله- بما لا يخطر لهما على بال؛ لأن ذلك -ببساطة- هو منهج الفطرة حيث تنبت القيم،


    والحقائق الإيمانية في أعماق الأنفس؛ تمامًا كما ينبت الزرع في الحقل، وتدبَّرْ حديثَ رسول الله ﷺ عن أهمية حضور الأبوين في العملية التربوية، قال -عليه الصلاة والسلام-: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ين
    صرانه، أو يمجسانه[1] متفق عليه.
    ومعلوم أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن القرآن هو ديوان الفطرة، ومن هنا فليس أقدر من كتاب الله تعالى على بناء الأنفس، والمجتمعات على الفطرة، أو إعادة بنائها على موازينها، أو ترميمها؛ إذا كان قد حصل فيها انحراف، أو ضلال.
    وما كان أصحاب رسول الله ﷺ يجعلون أبناءهم، وأهليهم بمعزل عن القرآن، بل كانوا يحض
    رونهم مجالسَه، ويشركونهم موائدَه، ويعيشون معهم لحظات استدرار أنواره، وأوقات التعرض لأسراره، فهذا الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- كان إذا ختم القرآن؛ جمع أهله، وولده، فدعا لهم[2].

    أورده الهيثمي بمجمع الزوائد في باب الدعاء عند ختم القرآن، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات[3].
    وكم من أبٍ، أو أمِّ تعبت وراء السراب؛ بحثًا عن منهج قويم لتربية الأبناء، والبنات، فتستغرق ما شاء الله من الأيام
    ، في المطالعات للكتب التربوية، والمتابعات للبرامج التلفزيونية، والإعلامية، مسائلةً هذا العالم، أو ذاك، وقاصدةً الأخصائيين هنا، أو هناك؛ للحصول على وصفة تداوي بها انحراف أبنائها، وتمرد بناتها، أو تعنت زوجها، وقسوة حماتها… إلخ! حتى إذا قيل لها ما قيل، وكانت النظريات ذات اصطلاح أنيق، والكلمات ذات ألوان، وبريق؛ أخذتها فرحة مسرورة كأنما عثرت على كنز ثمين، لكنها عندما تشرع في التطبيق والتجريب لا تجد من مفهوم التربية فيها إلا السراب.

    وإنما هي كلمات جوفاء، ونظريات خرقاء، لا تسمن ولا تغني من جوع! وعجبًا لمن يطلب العلاج النفسي، والحل الاجتماعي في أقصى الدنيا، وأبعد الحدود، وهذا الشفاء الرباني أقرب إليه من حبل
    الوريد: القرآن!
    فهل عرفت حقيقة ما معنى القرآن؟! هل حاولت اكتشاف عالم القرآن؟! ذلك هو السؤال الْمُرُّ! ا
    لذي يظن أغلب الناس أنهم على قدرة للإجابة عنه بالإيجاب، ولكن أكثرهم -مع الأسف- أبعد ما يكونون عن الصواب! وليس كتدارس القرآن وتلاوته شيء أنفع وأجدى -في العالم كله- لتمتين العلاقات الزوجية، ورعاية الطفولة، وتربية الشباب. وإن بيتًا يُتَدارَسُ فيه القرآن، ويتلى لَهُوَ بيتٌ لا يسكنه الشيطان أبدًا.

    المصدر: موقع طريق الإسلام.
    أخرجه البخاري، رقم: (1385)، وم
    سلم، رقم: (2658).
    أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/242)، رقم: (674).
    مجمع الزوائد (11713).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان


    كيف يكون رمضان شهرا للقرآن؟

    أسامة شحادة
    (19)


    رمضان شهر القرآن، ففيه أنزل من عند الله عز وجل، قال تعالي: “شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185)، وقال تعالى: “إنا أنزلناه في ليلة القدر” (القدر: 1)، بل تشير ب
    عض الروايات إلى نزول كل الكتب السماوية في رمضان، منها ما أخرجه الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان” صححه الألباني.

    ولما كان رمضان شهر القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام في رمضان، وتدارسه مع جبريل مرتين في آخر رمضان من حياته صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ذلك في صحيحه.
    وقد فهم السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين والأئمة من ذلك أولوية الإقبال على الق
    رآن الكريم في رمضان فيزيّنون به ليلهم ونهارهم، ولمعرفة المزيد عن ذلك أنصح بقراءة كتاب (هكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقف) للدكتورة أسماء الرويشد.
    والمقصود مِن صلة المؤمنين بالقرآن الكريم، والذي هو كلام الله عز وجل التلقي عن الله عز وجل أوامره ونواهيه واعتقاد ما دلنا عليه من أخبار في الماضى والمستقبل والتزام صراطه المستقيم، ولذلك أمرنا الله عز وجل بتدبّر كلامه في القرآن الكريم “كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب” (ص: 29).

    وفي زماننا هذا الذي ضعفت فيه صلة الكثير من المسلمين والمسلمات بالقرآن الكريم واللغة العربية أصبح تدبر القرآن الكريم والفهم لأوامر الله غائبا رغم كثرة قراءة القرآن الكريم وسماعه، وهي حالة يجب علاجها وإصلاحها فورا، لأنها تحجب هداية الله عز وجل ونوره عن الناس، وتمنع كثيرا من الخير والفلاح أن يعمّ الب
    لاد والعباد.
    والمسلم الموفّق والمسلمة الموفقة مَن يبادر ليجعل من رمضان فرصة للعيش مع القرآن الكريم بالتلاوة والتدبر وتخصيص هذا الشهر للتزود من كنوزه والتعلم من مائدة القرآن المجيد التي أبدع علماؤنا في عرض كنوزها ونفائسها، لجعل رمضان شهر القرآن فعلا وواقعا حقيقياً، ويكون ذلك من خلال المقترحات التالية:

    1 – عقد العزم على مطالعة تفسير كامل للقرآن الكريم في شهر رمضان، والبدء بتفسير مختصر مثل زبدة التفسير للشيخ محمد الأشقر، وتفسير القرآن تدبر وعمل إصدار مركز المنهاج، أو تفسير السعدي، بحيث تطالع كل يوم تفسير جزء في حوالى 20 صفحة وهو أمر سهل أمام عظمة الأجر والعلم الذي ستناله بفهم كلام الرب سب
    حانه وتعالى.
    2 – مَن سبق له مطالعة تفسير كامل مختصر يمكنه البدء في مطالعة تفسير متوسط التوسع، بحيث يطالع تفسير نصف القرآن أو ثلثه في رمضان ثم يتمّه بعد ذلك، وهذا فيه فائدة ونفع كبير، ولعل تفسير الشيخ عمر الأشقر (المعاني الحسان) مناسب.
    3 – مطالعة تفسير آيات الأحكام لفهم مراد الرب من عباده، وهناك كتب عديدة في هذا الباب ومن أبرز ما صدر مؤخرا كتاب (الإلمام ببعض آيات الأحكام) للشيخ ابن عثيمين.
    4 – قراءة كتب متعددة عنيت بتوضيح مجمل هداية ومقاصد القرآن الكري
    م منها: الوحي المحمدي لرشيد رضا، تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن الكريم للشيخ عبد الرحمن السعدي، المدخل إلى مقاصد القرآن للدكتور عبد الكريم حامدي.
    5- ألّف بعض العلماء والمفكرين والدعاة كتبا حول تدبراتهم وتأملاتهم في القرآن الكريم ومنها: قواعد قرآنية (50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة) ، إشراقة آية للدكتور عبدالكريم بكار، ليدبروا آياته ، ثلاثون مجلسا في التدبر إعداد اللجنة العلمية في مركز تدبر، مجالس القرآن للدكتور فريد الأنصاري، المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ عبدالرحمن السعدي، ونفائس التدبر لجمال القرش.

    6 – أيضا هناك كتب عنيت بتعليم تدبر القرآن الكريم ككتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن، وتدبر القرآن لسلمان السنيدي، ومنهج تدبر القرآن الكريم للدكتور حكمت بشير، والخلاصة في تدبر القرآن الكري
    م للشيخ خالد السبت، وكتاب نمّ تفكيرك في تدبر القرآن لجمال القرش.
    7- وأيضا مما يفيد الراغب حقا في جعل رمضان شهر القرآن استغلال وقت قيادة السيارة للاستماع للدروس المحاضرات المتميزة في التفسير وعلوم القرآن والتدبر وكيفيته من خلال تنزيل هذه المحاضرات على الهاتف الجوال والاستماع لها بدون حاجة لشبكة الانترنت، واستغلال فترة الذهاب والعودة للعمل والازدحام في تعلم المزيد من هدايات القرآن الكريم، وبحمد الله هناك مئات المحاضرات والدروس والسلاسل متوفرة مجانا على مواقع مثل طريق الإسلام، وإسلام ويب، والشبكة الإسلامية.

    8 -هناك جهات متخصصة بتفسير القرآن وتدبره ولها مواقع نشيطة على شبكة الإنترنت ومنها الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، ومركز تفسير، وموقع القرآن الكريم التابع لوزارة الأوقاف السعودية، وفي هذه المو
    اقع الكثير من الإصدارات والبرامج المتميزة والتي تخدم القرآن الكريم والباحثين عن هدايته وأنواره، وتوجد أكاديمية التفسير الإلكترونية للدراسة عن بعد.
    9 – من التطبيقات الرائدة في خدمة القرآن الكريم تطبيق آية، وهو مما يساعد المسلم والمسلمة على الارتباط بالقرآن الكريم.
    10 – متابعة برنامج أو أكثر مما يتعلق بالتفسير وتدبر القرآن في الفضائيات أو الإذاعات المحافظة.

    هذه بعض المقترحات والأفكار لاستغلال شهر رمضان ليكون شهرا للقرآن الكريم، تلاوة وفهما ودراسة وتعلما وتدبرا وعملا بأحكامه والتزاما بأخلاقه ومفاهيمه وتصوراته.
    فكن جادا وإيجابيا، واعْمل على أن تختلي بنفسك اليوم ساعة من الزمن وتحدد لك هدفا قرآنيا في رمضان من هذه الأفكار أو غيرها، ثم اكتب هذا الهدف بشكل علمي بحيث يكون: واضحا ومحددا، وله وقت معلوم بداية ونهاية، وممكنا تحقيقه وقابلا للقياس والتقويم، ثم تحدد ما يلزمك لتحقيق الهدف من شراء أو استعارة بعض الكتب، أو تنزيل بعض المواد من شبكة ال
    انترنت، أو تنزيل تطبيق، أو عمل بحث بخصوص ذلك.
    ثم تبدأ تتمرن هذه الأيام على تنفيذ الهدف حتى يدخل عليك شهر رمضان وأنت مستعد ومهيأ لتحقيق هدف رمضان القرآني.
    ولو أنك بحثت في شبكة الإنترنت في هذه الأيام قبل رمضان عن مقالات أو مواد تتعل
    ق بتدبر القرآن الكريم وأهمية ذلك وعظيم الأجر والفائدة في ذلك مما يكون محفزا لك فهو خير على خير.

    وفي الختام؛ شهر رمضان غايته تقوى الله عز وجل، وخير ما يحقق التقوى ويرسّخها في القلب والبدن الإقبال على كلام الله وكتابه بالتلاوة والتدبر، فإياك إياك أن تغفل عن غاية رمضان الكبرى ويكون حالك في رمضان مع القرآن كحالك م
    عه في غيره من الشهور، وإياك أن يكون حالك مع القرآن في رمضان كرمضان الماضي، بل لا بد أن تتقدم في العلاقة مع القرآن في كل رمضان يتجدد، وبذلك ترتقي في عالم القرآن الكريم وتغوص في أعماق التدبر وتفكر الوحي الرباني المقدس، تقبل الله منا ومنكم وجعلنا من التالين لكتابه والمتدبرين لوحْيه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: عبادة التدبر..مع القرآن في رمضان





    رمضان وتدبر القرآن
    محمد فقهاء
    (20)


    الخطبة الأولى
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، وقال: { يَا أَيُّهَا
    النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71].
    ثم أما بعد:

    أيها الموحدون إنه قد أشرق علينا في هذا اليوم شهر من أعظم الشهور يمنا وبركة، وأعمها منفعة وفائدة، وأرفعها منزلة ومكانة، فهذا الشهر الذي أجله الله، وعظمه رسول الله، وقدسه المسلمون، إنه شهر رمضان، هذا الشهر الذي اختصه الله دون سائر الشهور، بخصال الخير والمعروف، فهو شهر التوبة والأوبة، وشهر التربية الروحية وتزكية النفس، شهر رمضان هو شهر التزود ليوم الميعاد. وكما هو معروف لدينا أنه في هذا الشهر الكريم الوعظ والإرشاد، وفيه يكثر التحدث عن فضل هذا الشهر وبركاته، وعن فضل صي
    امه وقيامه، وعن مضاعفة الأجور فيه للعاملين، ومن الأمور التي يكثر الحديث فيها والحث عليها هي تلاوة القرآن، ومدعمًا هذا بآيات الله وأحاديث رسول الله، ونقول من أقوال الصحابة والتابعين، وغيرهم من العلماء كثير، وكانت غفلة الناس هي الدافع الأساسي لهذا الحث، ويكرر كثيرًا ويعاد مزيدًا، ولا شك يا عباد الله ولا ريب، في فضل تلاوة القرآن وكثرة أجورها، فالقرآن بركة، كيف لا وهو الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو تنزيل الله ومعجزته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    وباختصار فإن كلام الله سبحانه وتعالى، لا يدانيه كلام وحديثه لا يشابهه حديث، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، وكما وضح لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن قراءة القرآن، يطيب بها المخبر والمظهر، فيكون المؤمن القارئ للقرآن، طيب الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا نقيًا، وإن شاهدت سلوكه، وجدته حسنًا طيبًا.
    وقد أخبر الرسول يا رحمكم الله بما أعده الله لقارئ القرآن، من أجر كبير وثواب عظيم، وذلك بما رواه عبد الله بن مسعود قال
    : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرم، وميم حرف».
    وهناك كثير من الأحاديث تدل على ذلك، وهناك أيضًا كثير من الآيات والأحاديث تبين أهمية تعلم القرآن وتعليمه، وأدب تلاوته واستماعه، وكيفية قراءته، إلا أن هناك يا عباد الله صنف من الناس وقعوا في إشكالية، جعلت الله سبحانه وتعالى، أن يعيب على هذا الصنف من الناس مع قراءتهم لكتابه، وما ذلك إلا لأنهم
    قرؤوا القرآن بدون تدبر، وهو موضوعنا لهذا اليوم، فحديثنا عن تدبر القرآن وخصوصًا في هذا الشهر، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] فعلى الرغم من أنهم يقرءون ويسمعون، إلا أن الله عاب عليهم بهذه القراءة، أتدرون لماذا؟ لأن الله أراد منهم أن يستشعروا هذه العظمة، وذلك الإجلال حين قراءته، لا حين التحدث عن فضائله.
    وهذا لا يكون إلا بالتدبر، لهذا عاب عليهم وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، لم يكن التدبر في القديم درسًا يسمع، ولا كتابًا يقرأ، بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلوبهم.
    لهذا يا عباد الله فإن المتدبر للقرآن، في قلبه حاجة ماسة لغاية، لا يجدها إلا في القرآن، إن أهل القرآن هم الذين وجدوا
    في القرآن، شفاء قلوبهم، ودواء نفوسهم، ومنهل عقولهم، وهذا التدبر يا رحمكم الله، لا يكون إلا بمعرفة ألفاظه وما يراد بها، وتأمل ما تدل عليه آياته، وبهذا يعتبر العقل بحججه، ويتحرك القلب ببشائرة، ويخاف العبد من زواجره، والتدبر لا يكون إلا بالخضوع لأوامره، واليقين بأخباره، وبمعرفة معاني الكلام ومرادها.
    ولهذا لا بد أن يكون هذا القرآن، باللسان ذكرًا، وبالقلب تدبرًا، وبالعقل تفكرًا، وبالجوارح عملًا، قال
    تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] إن الأمة بحاجة ماسة لفهم القرآن، لصلاح قلوب أفرادها، وبالقرآن على الحق والدين يكون ثباتها.

    أيها الأخوة الكرام، إن الله سبحانه عندما عاب على ذلك الصنف، وعاتبهم في عدم خشوع قلوبهم بالتأثر بكلامه، حذرهم من التمادي في هجر تدبر القرآن، لأن هذا التمادي يؤدي إلى قسوة القلوب، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].
    عباد الله قد أخبر ابن مسعود رضي الله عنه، كما ورد في صحيح مسلم عن الحالة التي ينتفع فيها القلب بالقرآن فيقول: "إن أقوامًا يقرؤون القرآن، لا يتجاوز حناجرهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع" ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124-125].
    فالتدبر حال سماع القرآن وتلاوته، يزيد القلب نورًا وإيمانًا، قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "كنا مع النبي
    صلى الله عليه وسلم ونحن قتيان فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا".
    فمن قرأ بخشوع وخضوع، فبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23]، تلين أي ترق قلوبهم وتسكن، فالقرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض.

    ولقد أثنى الله في كتابه على من تدبر القرآن، وهذه الآيات نفسها تحمل في طياتها صورًا وأحوالًا، لتدبر القرآن والتأثر به، ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]، قال القرطبي رحمه الله: "فكانت حالهم
    -يعني رسول الله وأصحابه- عند المواعظ: الفهم عن الله، والبكاء من الله، ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة، عند سماع ذكر الله، وتلاوة كتابه، فقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:83]، فهذا هو وصف حالهم، وحكاية مقالهم، وقال القرطبي في قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]" حث على تأمل مواعظ القرآن، وتبين أنه لا عذر في ترك تدبر القرآن، فإنه لو خوطب بهذا القرآن، الجبال مع تركيب العقل فيها، لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها، خاشعة متصدعة متشققة من خشية الله.
    وأنتم أيها المقهورون بإعجازه، لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده لقد ذم الله سبحانه وتعالى من هجر تدبر القرآن، ولم يتفقه الآيات، ولم يتدبر القول في صيغ مختلفة، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]. قال ابن كثير رحمه الله: "وترك تدبره من هجرانه"، لقد مثل الله حال اليهود مع التوراة أقبح تمثيا فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُ
    وهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5]. وقال الطرطوشي رحمه الله: "فدخل في عموم هذا من يحفظ القرآن من أهل ملتنا ولا يفهمه ولا يعمل به".

    عباد الله، إن الله أراد لهذه الأمة، أن تقرأ وتعمل، بل تكفل لمن قرأ وعمل بما قرأ، أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123-126].
    إن هناك كثير من الأمور تترتب على تدبر القرآن، فإذا وجدت فقد تم حصولها، وإذا فقدت امتنع حصولها أو قل وجودها، ومن هذه الأمور:
    1- عظم أجر التلاوة: قال ابن الجوزي رحمه الله: "والصحيح بل الصواب ما عليه معظم السلف، وهو الترتيل والتدبر مع قلة القراءة، أفضل من السرعة مع كثرتها".
    2- حصول بركة القرآن وانتفاع القلب به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصغى إلى كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقله، وتدبر بقلبه، وجد فيه الفهم والحلاوة والهدى، وشفاء القلوب، والبركة والمنفعة، ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومة ولا منثورة".
    لهذا أيها الأخوة من هجر التدبر فقد حرم نفسه خيرات كثيرة. أقو
    ل قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...

    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على الدرب المستقيم من بعدهم إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    إن أمر التدبر ليس صعبًا، ولكن هناك أمور تحول بين المرء وتدبر القرآن، بل
    تمنعه من تدبر القرآن، وتحرمه من كثير الخير، ومنها أمراض القلوب والإصرار على الذنوب.
    فهذا يا عباد الله من أعظم ما يصد عن اتعاظ القلب وانشراح الصدر لمواعظ القرآن وحكمه وأحكامه، وفي هذا يقول تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146].

    وإن من أعظم المعاصي التي تصد القلب عن التدبر، تعلقه بشهوات الدنيا، ومن صور ذلك، النظر إلى الحرام، وسماع الحرام، كالأغاني والتلذذ بكلماتها، ويقول لنا ابن القيم في نونيته عن أثر سماع الأغاني على القلب والإيمان: والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان فالقلب بيت الرب جل جلاله حبًا وإخلاصًا مع الإحسان فإذا تعلق بالسماع أماله عبدًا لكل فلانة وفلان حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان كما أن هناك أنواع لهجران القرآن، أعظمها هجران العمل بالقرآن، ومنها هجران تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.
    قال الحسن البصري رحمه الله: نزل القرآن ليتدبر ويعمل به، فاتخذوا تلاه عملًا، وتدبر آياته: اتباعه والعمل بعلم
    ه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى أن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، ومن أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن، وأن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار. فيا أبناء الإسلام عليكم بالقرآن، باللسان ذكرًا، وبالقلب تدبرًا، وبالعقل تفكرًا، وبالجوارح عملًا.
    وتل بفهم كتاب الله فيه أتت كل العلوم تدبر تر العجبا أكرر.

    وأختم بقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ* اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين.
    اللهم اجعلنا من القائمين بالقسط، واسلكنا في حزبك المعلمين، ومن جندك القائلين، فإياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اجعل
    نا من الذين يحفظون حروفه ويقيمون حدوده، أسأل الله القدير أن ينفعنا بالقرآن، وأن يجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، إنه هو السميع مجيب الدعوات.
    اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا، اللهم علمنا من القرآن ما يرفع به جهلنا، اللهم اجعلنا ممن يسمعون فيعملون، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •