من أسماء الله الحسنى (1) (الوارث)


الفرقان

إن أجلّ المقاصد وأنفع العلوم هو العلم بمعاني أسماء الله -عز وجلّ- الحسنى وصفاته العلا؛ فإن التعرّف على الله -تعالى- من خلال أسمائه وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم عبادة الله -تعالى- ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله.

ذِكْرُ اسم الله الوارث في القرآن الكريم
ورد ذكر (الوارث) في القرآن ثلاث مرات، كلها بصيغة الجمع وهي: في قوله -تعالى-: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} (الحجر: 23). وقوله -تعالى-: {لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (الأنبياء: 89). وقوله -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 58). وورد مرة واحدة بصيغة الفعل في قوله -سبحانه-: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (مريم: 40)، وهو الذي يدل عليه قوله -تعالى-: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (الرحمن: 26- 27).
معنى (الوارث) من الناحية اللغوية
قال الزجاج: «الوارث: كل باق بعد ذاهب فهو وارث». وقال الزجاجي: «الوارث: اسم الفاعل من ورث يرث فهو وارث».
معنى (الوارث) في حـق الله -عز وجل
فيقول الطبري - رحمه الله تعالى- عند قوله -تعالى-: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} يقول: «ونحن نرث الأرض ومن عليها، بأن نميت جميعهم فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الأجل». وقال الزجاجي: «الله - عز وجل - وارث الخلق أجمعين؛ لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون، كما قال - عز وجل -: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (مريم: 40)». ويقول الخطابي: «الوارث هو: الباقي بعد فناء الخلق والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب».
من آثار الإيمان باسمه -سبحانه- (الوارث)
1- السعي في هذه الدنيا للتقرب إلى الله -عز وجل- وجنته بالعلم النافع والعمل الصالح؛ وذلك للفوز بالجنة التي لا يورثها الله -عز وجل- إلا للمتقين: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (مريم:63)، واللهج بالدعاء الذي دعا به إبراهيم -عليه السلام-: {وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (الشعراء:85). 2- عدم الاغترار بقوة الباطل وانتفاشه؛ فإن الله -عز وجل- له بالمرصاد، وسيأتي الوقت الذي يزهقه الله فيه، ويورث عباده المؤمنين ديار الكافرين ويمكنهم فيها. قال الله -عز وجل-: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف: 137). وقال -تبارك وتعالى-: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128). وقوله -سبحانه-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105). 3- عدم الاغترار بالدنيا والحذر من الركون إليها؛ لأن مآلها إلى الفناء، ولا يبقى إلا ما قدمه العبد لنفسه يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «يقول ابن آدم: مالي مالي، قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت؟». 4- التعلق بالله وحده، والتوكل عليه في حفظ ما يبقى للعبد بعد موته من مال، وولد وهو خير الوارثين. 5- التبرؤ من الحول والقوة في كسب المال، والنظر إلى أن المالك الحقيقي هو الله - عز وجل -، وإنما وضعه الله في أيدي الناس للاختبار، وهذا يحفز العبد إلى الإنفاق في سبيل الله - عز وجل - والجود به. قال -تعالى-: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِين َ فِيهِ} (الحديد: 7). وقال -سبحانه-: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الحديد: 10). وقال - عز وجل -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (آل عمران: 180).