من الحقوق الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان الجازم بنبوته صلى الله عليه وسلم


الفرقان

مختارات من كتاب: (الآن ياعمر)
إعداد: نادي النخبة لحفظ وفقه القرآن والسنة
هذه سلسلة مقالات منتقاة من بحث مبارك، خرج بتعاون مثمر بين مجموعة من الأخوات أعضاء حملة: (الآن يا عمر)، التي انطلقت بهدف التعاون على نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيفية الرد على المسيئين له، وقد أتت فكرة هذا البحث بأن يجمع طريقة النصرة النبوية بطريقة مكتوبة مختصرة شاملة، وبعبارة ميسرة وبأنشطة محفزة، حتى أضحى دليلًا لكل مسلم فيما لا يسعه جهله من السيرة النبوية، ومما يجب عليه عقيدة تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالكتاب يحمل دعوة لتقديم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل محبة والسعي في التعرف على سيرته ونصرته وتعظيمه.
من الحقوق الواجبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان الجازم بنبوته إيمانًا جازمًا لا يقبل الشك، وأنه عبد الله ورسوله المجتبى، وأنه أُرسل للناس كافة، وأنه خاتم النبيين.
«عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ
الله -سبحانه- وصف نبيه بالعبودية بقوله -تعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (سورة الفرقان:1)، وهو مقام شرف وتكريم له -صلوات ربي وسلامه عليه-، فلا أشرف من مقام العبودية لله -عز وجل-، فقد اصطفاه الله -عز وجل- واختاره لتبليغ هذا الدين العظيم، ولأداء هذه الرسالة وهو خليل الله وصفيُّه من خلقه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصرف له شيء من العبادة؛ فهو عبد لله لا يُعبد، ويعظم ويطاع؛ لأنه رسول من عند الله، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، وهذه قاعدة نبوية في محبته - صلى الله عليه وسلم -، فلا إفراط ولا تفريط في بيان فضله - صلى الله عليه وسلم -.
من الأدلة على نبوته - صلى الله عليه وسلم -
- ذكر الله -عز وجل- اسمه - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه خاتم النبيين: قال -تعالى-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة الأحزاب:40).
- بشارة عيسى -عليه السلام- بنبوته - صلى الله عليه وسلم -: قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} (سورة الصف:6) قال ابن كثير-رحمه الله-: أي أن التوراة بشَّرت بي، وأنا مبشِّر بمن بعدي، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
- خطاب الله -تعالى- له بأنه أرسله لجميع الناس: قال -تعالى-: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (سورة النساء:79)، وفي قوله -تعالى-: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (سورة الرعد:30)، يقول الطبري مفسرًا الآية: «هكذا يا محمد أرسلناك في جماعات، لتبلغهم ما أرسلتك بهم من وحيي الذي أوحيته إليك».
- اقتران الإيمان به بالإيمان بالله -عز وجل-، والأمر باتباعه: قال -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (سورة الأعراف:158)، وفي ذلك يقول القاضي عياض: «فالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واجب متعين لا يتم إيمانٌ إلا به، ولا يصح إسلامٌ إلا به.
- تقرير نبوته من خلال معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وأكبر معجزاته القرآن الكريم: قال -تعالى-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (سورة الإسراء:88).
- ومنها تكثير الطعام، وتسليم الحجر، وكلام الشجر، ونبع الماء من بين أصابعه.
- وقد أجرى الله -عز وجل- على يديه هذه الآيات والمعجزات دليلًا على صدق نبوته، وأنه مرسل من رب العالمين، وتثبيتًا لقلوب المؤمنين على الحق المبين، فلا يتم إيمان العبد دون الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -، ولا تحصل نجاة ولا سعادة دون الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -، فهو الطريق والدليل إلى الله -تعالى.
ثانيًا: الإيمان بأنه قد بلغ الرسالة
وأدى الأمانة واكتمل الدين ببعثته - صلى الله عليه وسلم -
قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3)، هذه أكبر نعم الله -تعالى- على هذه الأمة حيث أكمل -تعالى- لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، -[-؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، وفي هذه الآية دليل على كمال الدين وحيًا من الله، وتبليغًا من رسوله الأمين، وهي شهادة من الله -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على تبليغه أتم البلاغ وأكمله.

ومن الأدلة على ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»، أي أنه - صلى الله عليه وسلم - قد وضَّح كل أمور الدين، وشرح جميع تفصيلاته حتى أصبح واضحا بيّنًا كوضوح النهار.
ومنها: حديث سلمان - رضي الله عنه -، قال: قيل له: قد علمكم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتى الخَراءة؟ قال: فقال: «أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم».
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «وفي هذا: دليل على أن الشريعة الإسلامية كاملة من جميع الوجوه، كل شيء قد علمنا إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال أبو ذر: لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا، حتى الطيور في السماء لنا منها علم بتعليم الله ورسوله إيانا».
ومنها: حديث جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
والمسلم الحق يؤمن بأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لم يدخر وسعًا في سبيل تبليغ الرسالة وهداية الأمة، بل إنه كان يحزن ويتألم من عدم إيمان من تبلغهم الرسالة ويتحسر عليهم، كما بيَّن الله -تعالى- ذلك في قوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (سورة الكهف:6).
لقد أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته حبًا شديدًا وحرص على هدايتهم كل الحرص، فمن حقه - صلى الله عليه وسلم - على أمته أن يقروا له بفضله وصدقه وأمانته في تبليغ رسالة ربه التي ائتمنه عليها، ولا يكون إيمان للعبد إلا بالتصديق والإقرار أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ الرسالة وأدى الأمانة، واكتمل الدين ببعثته.