سجن الفضائل (شعر)
حافظ إبراهيم




نَعِمْنَ بنَفْسي وأَشْقَيْنَني
فيا لَيْتَهُنَّ ويا لَيْتَنِي[1]

خِلالٌ نَزَلْنَ بخِصْبِ النُّفُوسِ
فرَوَّيْنَهُنَّ وأَظْمَأْنَنِي

تَعَوَّدْنَ مِنِّي إباءَ الكَرِيم
وصَبْرَ الحَليِم وتِيهَ الغَنِي

وعَوَّدْتُهُنَّ نِزالَ الخُطوب
فما يَنْثَنِينَ وما أَنثَنِي

إذا ما لَهَوْتُ بلَيلِ الشّبابِ
أَهَبْنَ بعَزْمِي فَنَبَّهْنَنِي[2]

فما زِلْتُ أَمْرَحُ في قِدِّهِنّ
ويَمْرَحْنَ مِنِّي برَوْضٍ جَنِي[3]

إلى أنْ تَوَلَّى زَمانُ الشَّباب
وأَوْشَكَ عُودِيَ أنْ يَنْحَني

فيا نَفْسُ إنْ كنتِ لا تُوقِنِين
بمَعْقُودِ أمْرِكِ فاسْتَيْقِني[4]

فهذي الفَضيلةُ سِجْنُ النُّفوس
وأَنتِ الجَديَرةُ أَنْ تُسْجَنِي


فلا تَسْأليني متى تَنْقَضي
لَيالي الإسارِ؟ ولا تَحْزَني


المصدر: «ديوان حافظ إبراهيم» (ص 438 – 439 / ط3 الهيئة المصرية للكتاب)
---------------------------------------

[1] «نعمن»: أي الخلال المذكورة في البيت الآتي. «فيا ليتهنَّ ويا ليتني»: أي يا ليتهن ما نَعمْنَ ويا ليتني ما شَقيتُ.

[2] أهاب به: دعاه.

[3] «القدُّ» - بالكسر -: السير يُقدّ من جلدٍ يقيدُ به الأسيرُ؛ والضمير يعود على الخلال. و«روض جني» - بتشديد الياء وخففت للشعر -: أي أدرك ثمره وصلح للجني. يقول: إنني في ضيق من هذه الخلال الحميدة، وهن في سعة من نفسي.

[4] «بمعقود أمرك»: أي بما هو حتم عليك من مصيرك وما لا بدَّ لك منه، وهو الموت.