بسم الله الرحمن الرحيم

وقفة مع حديث (من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر..):


من الآثار التي ذكرها الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة الكوثر أثرين عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما:
الأول: الكوثر: نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.
الثاني: من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل أصبعيه في أُذنيه.

وقد بحثت عن صحة هذين الأثرين فوجدت أنهما لا يثبتان، وممن حكم بهذا الحكم الإمام السخاوي رحمه الله تعالى، فقد قال بعد أن نسب الأثر الأخير إلى ابن جرير رحمه الله تعالى:"وهذا مع وقفه منقطع وقد رواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن رجل عنها ولا يثبت"-المقاصد الحسنة-.

لكن على فرض صحة الحديث، قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن الحديث على ظاهره وأن كل من أدخل أصبعيه في أذنيه تمكن من سماع خرير نهر الكوثر.
وهذا لا يعقل، فكثير من الناس برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم إذا أحس بصداع لكثرة الأصوات وارتفاعها واللغط في مكان من الأمكنة سد أذنيه بأصبعيه.
فهل كل من فعل ذلك سمع صوت الكوثر؟
لاريب أن سماع صوت نهر الكوثر نعمة ولذة وكيف لا وهو النهر العظيم الذي اختص بعه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
إذا كيف سيمكن الله تعالى أعداءه والصادين عن سبيله من هذه النعمة بمجرد أن يضعوا أصابيعهم في آذانهم؟
لذا فالحق أن الحديث ليس على ظاهره، وأن المقصود مجرد تشبيه الخرير بالخرير والصوت بالصوت.

وهذا ما تأول به بعض العلماء الحديث-على نكارته-.

يقوول شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى:(( وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي سمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه))-حادي الأرواح:124-.
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:"ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك، لا أنه يسمعه نفسه."-8/501-.
ونقل عنه الإمام السخاوي عبارة أوسع-لم أجدها في تفسيره-:" ومعناه من أحب أن يسمع خرير الكوثر أي نظيره وما يشبهه لا أنه يسمعه بعينه بل شبهت دويه بدوي ما تسمع إذا وضع الإنسان أصبعيه في أذنيه والله أعلم."-المقاصد الحسنة-.
هذا والله أعلم وأحكم.