الشيخ عبدالرزاق البدر:الأَمْر بِالْمَعْرُوف والنهي عن المنكر من الواجبات العظيمة


الفرقان

الشيخ عبدالرزاق البدر: الأَمْر بِالْمَعْرُوف والنهي عن المنكر من الواجبات العظيمة التي بها قوام الدين والدنيا

في محاضرة له بعنوان: (قواعد وضوابط فِي فِقْه الأَمْر بِالْمَعْرُوف والنهي عن المنكر)، بيَّن الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى قواعد وضوابط، ومراعاة آداب وأخلاق في شريعة الإسلام، واهتداء بهدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم -، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين وقربةُ جليلة يُتقرب بها إلى رب العالمين -جل شأنه-، وهي وظيفة الأنبياء، وعمل أتباع الأنبياء، وبها صيانة الدين وحفظ العقيدة، ورعاية الفضيلة وحماية الأخلاق، والقضاء على أنواع الشرور والفساد، وهذه الشعيرة المباركة هي صِمام أمانٍ للمجتمعات وباب نجاة من أنواع الهلكات.
ثم أكد الشيخ البدر أنه إذا قام المسلمون بهذه الشعيرة العظيمة، وأدُّوا هذا المطلب الجليل، سعد المجتمع بأسره، بينما إذا فُرِّط في هذا الواجب تكاثرت الشرور، وتنوعت المفاسد، وتعددت البلايا في المجتمعات، قد قال الله -سبحانه وتعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران:110)، فرُبطت خيرية هذه الأمة بهذه الشعيرة العظيمة، وكلما كان أهل الإسلام معتنين بهذه الشعيرة كان ذلك أعظم في نصيبهم وحظهم من هذه الخيرية، وقال -جل شأنه- {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).
مكانة هذه الشعيرة وعظم شأنها
ولقد تكاثرت الدلائل في كتاب الله -جل شأنه- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في بيان مكانة هذه الشعيرة وعظم شأنها وعظم أثرها وكبر فائدتها وجلالة نفعها وما يترتب على العناية بها من أنواع الخيرات والفضائل وما يترتب على هجرانها من أنواع المضرات؛ مما يدل على أن هذه الشعيرة واجب من الواجبات الدينية ومطلب من المطالب العظيمة التي بها قوام هذا الدين، وقيام شعائر الإسلام وسلامة المجتمعات من الشر والفساد؛ لأن الناس لا يزال يتسلط عليهم الشيطان إغواءً وصدًّا، ومن جهةٍ تتسلط النفس الأمارة بالسوء، ومن جهة أخرى أيضا دعاة الشر ودعاة الفساد، ومن جهات أيضا أخرى أنواع الفتن التي تصرف الإنسان عن دينه وتُبعده عن إيمانه، وتقوده إلى الشهوات المضرة أو الشبهات المهلكة، وإذا كان الوضع بهذه الصفة فالحاجة ماسَّة والضرورة ملحَّة إلى وجود هداةٍ مصلحين ودعاةٍ ناصحين وأناسٍ محتسبين، يقاومون الشرور، ويعالجون الفساد، وينشرون الخيرات، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
القاعدة الأولى: الإخلاص لله -عزوجل
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قربة عظيمة يُتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-، تعلو بها درجة المتقرب عند الله -سبحانه وتعالى-، وتتحقق بها الخيرية ويُنال بها الفلاح، ويُنجى بها من سخط الله -سبحانه وتعالى-، إذا كانت صادرةً من العبد عن قصد التقرب إلى الله -عزوجل- وإلا لم تكن في صالح عمله، لأن العمل الصالح هو الخالص لله -جل شأنه- الذي قُصد به التقرب إلى الله -عزوجل-، فمن أمَر أو نهى للمراءاة أو للسمعة أو لغير ذلك من الأغراض، لم يدخل أمره ونهيه في صالح عمله، ولم يكن من القرب التي تقرب العامل إلى الله -سبحانه وتعالى-، ففي الحديث القدسي أن الله -تبارك وتعالى- قال: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
من جملة أعمال الإسلام
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة أعمال الإسلام والعبادات الدينية التي لا تكون مقبولةً إلا بهذا الشرط ولا تكون مشكورة عند الله -سبحانه وتعالى- إلا بهذا الضابط، والنية تحتاج إلى معالجة مستمرة ومداواةٍ دائمة وإلا قد يبتلى الإنسان بما يخرم النية من أمور وأمور تخدش في إخلاص العبد وتخرم نيته، ومن قواعد الدين العظام وأسسه الجسام ما جاء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
من أهم القواعد
ولهذا من أهمِّ قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإخلاص لله -عزوجل-، والإخلاص من الآمر والناهي سببٌ لبركة العمل ولو كان قليلاً، بخلاف الرياء والسمعة ونحو ذلكم من الأمور المنافية للإخلاص؛ فإنها تُذهب البركة وتمحق الخير، قد قال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة:5)، وقال -جل شأنه-: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر:3)، والخالص هو الصافي النقي، فهذه قربة عظيمة وطاعة جليلة من أكرمه الله -سبحانه وتعالى- بالقيام بها فليجاهد نفسه على تحقيق الإخلاص فيها كشأن باقي الطاعات وسائر العبادات.
القاعدة الثانية: المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم
ثم يعتني بمسألة المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهي كذلكم من أهم المسائل التي ينبغي العناية بها ورعايتها في هذا الباب العظيم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو إمام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهو - صلى الله عليه وسلم - قدوة الموحدين وإمام المتقين كما قال رب العالمين -جل شأنه- {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21) يؤتسى به - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وفي الصيام وفي الحج وفي الصدقات وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو أسوة - صلى الله عليه وسلم - في جميع أبواب الدين وإمامٌ - صلى الله عليه وسلم - في جميع الطاعات والقربات، وإذا كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على جهلٍ بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - سواءً كان هذا الجهل جهلاً بما يأمر به وجهلاً بما ينهى عنه أو كان هذا الجهل جهلاً بالطريقة التي تُسلك في الأمر والنهي؛ فإن ما كان كذلك يؤدي إلى أضرار وأضرار أكثر من المصالح التي ترتجى في مثل هذا العمل، كما قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: «من عبَد الله بغير علمٍ كان ما يفسد أكثر مما يصلح»، وقُل مثله في الدعوة وقُل مثله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثالثة: التفقه في الدين
من دعا إلى الله -عزوجل- بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وهل كان انتشار البدع وأنواع الضلالات إلا من جراء دعوةٍ وبيانٍ قائمين على غير هدى وعلى غير علمٍ وبصيرة بهدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا يحتاج المسلم -أولاً في نفسه- أن يتفقه في الدين، أن يتفقه في باب الأوامر وأن يتفقه أيضًا في باب النواهي؛ ليكون على علمٍ بما يؤمر به وعلى علم بما يُنهى عنه، ثم يخطو خطوة النصح والبيان عن علمٍ وبصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:108) بينما إذا كان المرء خاليًا من العلم والبصيرة فربما أمر بمنكرٍ على أنه معروف، وربما دعا إلى بدعة على أنها سنة، وربما حذَّر من عمل صالح على أنه منكر وهكذا، وهذا يقع بسبب عدم البصيرة بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان المرء على بصيرة نفَع نفسه ونفَع غيره.
القاعدة الرابعة: مراعاة قواعد الشريعة وآداب الإسلام
عندما يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عليه أن يراعي قواعد الشريعة وآداب الإسلام وهدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في معالجة المنكرات، ولنعتبر في هذا الباب العظيم الخطير بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الدعوة التي نشأت في وسط جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، في وقت نظر فيه الرب -جل شأنه- إلى أهل الأرض فمقتهم أجمعين عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - نشأت في هذا الوسط في مجتمعات أطبقت عليها الجاهلية، وخيَّم عليها الضلال، وانتشر فيها أنواع الشرور بدءًا من أعظمها وهو الشرك بالله -سبحانه وتعالى- ثم بقية المنكرات وأنواع الانحرافات، فنشأ في وسط ذلك المجتمع، وبدأ دعوته وبدأ نصحه وبدأ إنكاره وبدأ أمره بالمعروف - صلى الله عليه وسلم - فحياته المجيدة وسيرته الكريمة وطريقته المباركة التي سلكها - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن تغفل وأن تهمل، بل الواجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون على معرفة ودراية بهدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وكذلكم أن يكون على معرفة بهدي الأنبياء قبله في دعوتهم في حلمهم وفي رفقهم وفي صبرهم وفي حكمتهم وفي لين جانبهم، إلى غير ذلكم من الأوصاف العظيمة التي تُعرف بمطالعة سير الأنبياء وسيرة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم .
أمان المجتمعات
الفلاح والسعادة والصلاح وأمان المجتمعات وسلامة الناس مرتبطة بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا فُرِّط فيها ترحَّل عن الناس الفلاح وحلَّت محله اللعنة {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78-79)، ومعنى ذلكم: أن هذه الشعيرة إن تُركت وهُجرت وفُرِّط فيها حلَّ بالمجتمع أنواع الشرور وصنوف الآفات وأصبح المجتمع موضع سخطٍ وغضب ومحلَّ لعنة ومقتٍ وبُعدٍ عن الفضيلة ونيل الفلاح.