[SIZE="5"] "] (الـــرَّطانـة )[/COLOR]
لقد نبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة، هُجَّيْراها وديدنها: التشبه بالكفار في كثير من الأمور، مع الاستخذاء والاستعباد لهم.
وتصديق ذلك في الحديث: ( لتتبعن سَنَن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)
وتتمثل هذه التبعية الماسخة، في جوانب شتى، يطول تعدادها، وما يعنى هنا هو (الرطانة)(1) : الكلام بالأعجمية.
لقد كان حقاً على المسلمين – مهما كانت أصولهم وأجناسهم – أن يبوؤا لغةَ القرآن مبوأَ صدق؛ (لأن تفهمها من الديانة)( 2)، إذ هي أداة العلم ،ومفتاح التفقه في الدين، (وشعار الإسلام وأهله)( 3)، فهي خير اللغات والألسنة( 4)، ( و أوسعها مذهباً وأكثرها ألفاظاً)( 5).
إن المتحدث بلغة الأعاجم – من غير حاجة – يُظهر من نفسه الفخر والعجب، حتى إنه ليورد في ثنايا حديثه كلمات يتراطن بها ليُظهر معرفته وتميزه،
وقد شاع بين الناس كثير من كلمات الرطانة،وهي سلسلة طويل ذرعها
منها :/
أوكي= تأكيد
تليفون= هاتف
موبايل = محمول
برنت= قائمه
بوردنق باص= بطاقة صعود الطائرة
كمبيوتر( 6)= حاسوب
لابتوب = حاسوب محمول
سيدي = قرص للكتابه
باجورة= ظلة المصباح( 7)
برواز= إطار
حرف تي، دايركت، يوتيرن، ... إلخ( 8).
هذا، وقد عُدَّت الرطانة من نقصان المروءة( 9)؛ لما أخرج ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) 5/300 ط. دار الكتب العلمية، ومالك في المدونة 1/62، عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال:" ما تكلم الرجل بالفارسية إلا خَبّ (صار خداعاً)، ولا خَبّ إلا نقصت مروءته".
وقد أورد الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاقتضاء)) 1/465
وجاء في ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة 1/412 – 413، و((نثر الدر)) للآبي ص132: قول الأصمعي: ( ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يُعرفوا: رجل رأيته راكباً ،أو سمعته يُعرب، أو شممت منه رائحة طيبة؛ وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربي بالفارسية، أو رأيته على ظهر الطريق ينازع القدر).
وإليك شذارتٌ مُذْهِبة، وثمرات يانعة، من يراع الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني – رحمه الله – (728هـ) في عرض وتحرير بياني، عن الرطانة وحكمها، ساقه في كتابه الفريد – الذي لم يسبق إليه – وهو: ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم))، 1/461 – 470، ومما قال – رحمه الله – بعدما أورد كلام الإمام أحمد – رحمه الله – في أسماء الشهور بالفارسية:
(فما قاله الإمام أحمد من كراهية هذه الأسماء، له وجهان:
أحدهما: إذا لم يعرف معنى الاسم جاز أن يكون معنى محرم، فلا ينطق المسلم بما لا يعرف معناه...
الثاني: كراهيته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية؛ فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعار الأمم التي بها يتميزون...).
وقال – رحمه الله – 1/463: (وأما الخطاب بها من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب، وأما مع العلم به فكلام أحمد بَيِّن في كراهيته أيضاً؛ فإنه يكره: آذرماه( 10)، ونحوه، ومعناه ليس محرماً ...).
وقال: (فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمى بغيرها، وأن يتكلم بها، خالطاً لها بالأعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة، مأثور عن الصحابة والتابعين...).
وقال: (ونَقَل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية...
وفي الجملة، فالكلمة بعد الكلمة من العجمية، أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك، إما لكون المخاطب أعجمياً، أو قاد اعتاد العجمية؛ يريدون تقريب الأفهام عليه( 11)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص – وكانت صغيرة وقد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها – فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة، وقال: (يا أم خالد! هذا سنا) والسنا بلغة الحبشة: الحسن.(البخاري 5845وانظر الفتح 6/183ـ185)
وروي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال لمن أوجعه بطنه: (أشكم بدرد)، وبعضهم يرويه مرفوعاً، ولا يصح.
وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية، التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادةً للمصر وأهله، أو لأهل الدار للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه، كما تقدم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر – ولغة أهلها رومية، وأرض العراق – ولغة أهلها فارسية، وأهل المغرب – ولغة أهلها بربرية – عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديماً، ثم إنهم تساهموا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم؛ وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب، وفي الدور؛ فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام، في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب( 12).
واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثر في العقل والخلق والدين، تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة، من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.
ثم أورد – رحمه الله – قول عمر – رضي الله عنه – في كتابه إلى أبي موسى: تفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن، فإنه عربي.
وفي حديث آخر له: تعلموا العربية فإنها من دينكم.
وهذا الذي أمر به عمر – رضي الله عنه – من فقه العربية، وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله.
وقد ذكر – رحمه الله – من مفاسد التشبه 1/80:
(أن المشاركة في الهدي الظاهر؛ تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين؛ يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس.
ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر؛ حتى يرتفع التميز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
وقال – رحمه الله – 1/488:
(إن المشابهة في الظاهر، تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة) أ.هـ المراد نقله من كلام شيخ الإسلام .
ومع كل ما سبق، فليس هناك حرج في دراسة لغة الأعاجم، للحاجة إليها في الأمور الدنيوية، وفي الدعوة إلى الله عز وجل، بل إنها من فروض الكفايات، كما ذكر مثل ذلك الشيخ العلامة ابن سعدي – رحمه الله – في الفتاوى، وإنما الكلام على استعمال العرب المسلمين فيما بينهم كلمات أجنبية لاحاجة لها، ويمكن أن يستعاض عنها بكلمات عربية، كما سبق التمثيل لذلك.
هذا، وقد بحث الموضوع من المعاصرين:
عبد الرحمن آل عثمان، كما في مجلة البيان عدد (152) ربيع الآخر 1421هـ ص8– 15، وهو بحث محرر، وقد ذكر فائدة لطيفة: ( من عادة العرب إذا نطقوا بلفظة أعجمية؛ أنهم يُلْقونها على طريقتهم في النطق، من غير تكلف، ودون ترقيق في اللفظ، فضلاً عن نبرة الصوت، وقاعدتهم في ذلك (أعجمي فالعب به). كما قرر ذلك بعض المتقدمين من أئمة اللغة، وهذا خلاف ما شاع في أوساط المثقفين، من تمحُّل في إخراج اللفظة، مصحوبة بنبرتها الأعجمية.) أ.هـ
وبحثه أيضاً: جميل بن حبيب اللويحق، في رسالته الجامعية (التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي) ص525– 530،
وفي التشبه عموماً؛ يرجع إلى كتاب:
1. الإيضاح والتبيين، فيما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين للشيخ :
حمود بن عبدالله التويجري ت1413هـ – رحمه الله –.
2. السنن والآثار، في النهي عن التشبه بالكفار. لسهيل الغفار.
3. حكم الجاهلية. لأحمد شاكر ص238.
4. من تشبه بقوم فهو منهم. د. ناصر العقل.
5. وحي القلم. للرافعي. 2/296.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه :/ إبراهيم بن عبدالله المديهش
الرياض
13 /6/1421هـ
ثم طبع في عام 1427هـ كتابٌ فريدٌ في بابه ، للشيخ د. أحمد بن عبدالله الباتلي ـ وفقه الله ـ بعنوان (( الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية وذم اللحن ،رواية ودراية)) ط. كنوز أشبيليا ، مجلد (276) صفحة
فليُرجع إليه للأهمية
الهــــوامــــش
1. الرِّطانة، بكسر الراء المهملة، وفتحها، ومعناها: الكلام بالأعجمية، رطن له وراطنه: كلَّمه بها، وتراطنوا: تكلموا بها، تقول: رأيت أعجميين يتراطنان، وهو كلام لا يفهمه العرب. ينظر :/ اللسان 13/181،القاموس ص1549،النهاية لابن الأثير2/233 مختار الصحاح ص246
2. سيأتي كلام شيخ الإسلام: أن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب.
3. اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية 1/462.
4. فقه اللغة للثعالبي ص25.
5. الرسالة للشافعي ص42، وينظر أيضاً: المزهر في علوم اللغة للسيوطي 1/64، والصاحبي لابن فارس ص16، وأدب التخاطب للعدوي ص40.
6. ينظر: اللغة والناس، يوسف الصيداوي ص7 إلى ص11. مهم جداً.
7. ينظر: معجم الأغلاط اللغوية للعدناني.
8. هذه الكلمة اختصار لكلمة (إلى آخره)، وهذا الاختصار يسمى في اللغة (النحت)، ينظر: المزهر في علوم اللغة للسيوطي.
9. هذه الفائدة من كتاب (المروءة وخوارمها)، للشيخ : مشهور حسن سلمان ص105 – 106.
10. من الشهور بالفارسية.
11. لعلها (إليه).
12. كذا، ولعله سقطت كلمة: (عليه).[/size]