استغلال حوائج الناس والتلذذ بظلمهم


منال محمد أبو العزائم


إن استغلال حوائج الناس من الأمراض التي لُوحِظت في مجتمعاتنا الشرقية، لابتزازهم أو استجلاب مصالح مادية أو معنوية، وقد رأينا هذا في التعامل بين الناس، لا سيما في مكاتب العمل؛ حيث تجد من أعطاه الله سلطة في شركة أو مكتب لا يتوانى عن تصعيب الأمور على من هم أدنى منه رتبة، ومن المدهش أن في بعض الأحيان لا نجد لذلك مبررًا غير تحقير الناس، والتلذذ بضررهم، وإذلالهم بتعسير أمورهم؛ حيث لا نفع دنيويَّ يعود على الفاعل، أو حتى يكلفه شيء مادي؛ ليسهل أمور الموظفين، ولا شك أن هذا يخالف تعاليم ديننا الحنيف الذي أمرنا بالتيسير على المسلمين ومساعدتهم، وفك كربهم؛ فقد قال الله تعالى في التيسير على المديون: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]، ووجَّهنا صلى الله عليه وسلم إلى تنفيس الكربات عن المسلمين، وتيسير أمورهم ومعونتهم؛ وذلك في قوله: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [1]، وغيرها من التوجيهات المتناثرة في أرجاء السنة النبوية، التي تحثنا على مساعدة الناس والتخفيف عنهم، والوعد بالثواب الجزيل لمن يقوم بذلك، ولكن بالرغم من ذلك نجد أن كثيرًا من الناس يعانون من مضايقات من الآخرين، سواء في أماكن العمل، أو الدواوين الحكومية والجامعات والدور العامة، وغيرها، بل نجد بعضهم يلجأ لرفع المقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن النصرة على من ظلمهم، أو عسَّر أمورهم، أو عاملهم بسوء، ونحوه، ومن المؤسف أنْ نجِدَ معظم الظالمين يكونون من المسلمين، ولا نشك في عِظَمِ ظلم أهل الكتاب والملاحدة للمسلمين، كظلم اليهود للفلسطينيين، وظلم الهندوس لمسلمي الهند، ونحوه، فهذا ظلم كبير، ومصير فاعليه النار، ولكن ما نبحث عنه هنا هو موضوع يقل طرقه من أصحاب الأقلام؛ ألَا وهو ظلم المسلمين بعضهم لبعض، ونرى هذا في صور ومواضعَ عدة؛ مثل: أماكن العمل، وبين طبقات المجتمع.

استغلال حوائج الناس في أماكن العمل:
أكثر صور استغلال حوائج الناس يحدث في أماكن العمل، وكثيرًا ما يصدر هذا ممن خوَّلهم الله أمور الناس، ورَزَقَهم المناصب التي يستطيعون بها التحكم في الغير؛ وذلك بابتزازهم بالمال وغيره لأجل قضاء مصالحهم، ولا أقصد هنا من يقوم بالمهام بمقابل مادي، ولكن من بيده سلطة لقضاء مصلحة مأجورٌ مسبقًا للقيام بها من قِبل الدولة أو صاحب العمل ونحوه؛ ومن أمثلة ذلك:
• ظلم المدير للموظفين الذين تحت رتبته.

• ظلم موظفين الحكومة للعملاء الذين بيدهم تخليص الأوراق الرسمية لهم، وذلك بتأخير مصالحهم لأجل التسلِّي، أو الكسل، أو الابتزاز، أو غيرها من الأغراض.

• ظلم الأستاذ للتلاميذ، والمشرف للباحث، ونحوه.

• ظلم الكفيل للمكفول، فنجد الكفيل الذي خوَّله الله السلطة ليكون في يده مصيرُ إنسان لا يتوانى عن أن يخون هذه الأمانة، ويظلم مكفوله بشتى الطرق، دون أن يراقب الله، أو يتذكر أن الظلم ظلمات يوم القيامة.

الظلم بين طبقات المجتمع:
ونجد هذا في المجتمعات التي لا تزال تَتْبَع الطبقية؛ ومن أمثلتها:
• ظلم الأغنياء للفقراء.
• ظلم الشريف للوضيع.
• ظلم أصحاب العمل للعمالة، لا سيما من فئات الخدم والسائقين، وعمال النظافة والبناء، والمصانع والورش، ونحوها.

استغلال حاجة الناس وظلمهم داخل البيوت:
ومن المؤسف أن نجد هذه الظاهرة حتى في داخل البيوت بين أفراد الأسرة، وفي هذا النوع أذًى أكبرُ؛ لأنه يجر للخلاف وقطع الأرحام التي يجب وصلها، وكثيرًا ما يكون المظلوم عاجزًا عن التكلم وشكوى مَن ظلمه؛ لأجل الستر على الأسرة، أو الخوف من الضرب أو الطرد أو الأذى الجسدي، وأحيانًا لتحكم الظالم بالمظلوم ماديًّا، أو معنويًّا، ويكون هذا في صور مختلفة؛ منها:
• ظلم الآباء أو الأمهات لأبنائهم.
• ظلم الكبار للصغار.
• ظلم الرجال للنساء.

• كما نجده بين الأقارب؛ كظلم الأعمام والعمات، والجد والخال، وزوج الأم والحماة، ونحوها.

• ظلم الأصحاء للمرضى؛ كظلم المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وأصحاب الأمراض المزمنة، كمرضى القلب والكلى والسرطان وغيره، وكذا ربما يكون المظلوم مقعدًا لا يستطيع الاعتماد على نفسه، فيكون تحت رحمة راعيه الذي يسيء معاملته، وهو لا حول ولا قوة له للدفاع عن نفسه، وقد رأينا هذا من بعض ممرضِي رعاية كبار السن في المنازل، الذين كشفت كاميرات المراقبة سوء معاملتهم التي قد تصل لحد الضرب والأذى الجسدي والمعنوي.

ظلم الأقران بعضهم لبعض:
وقد يصدر الظلم بين الأقران ومن يتقاربون في المراتب أو العمر أو المنزلة؛ ومن أمثلته:
• ظلم زملاء وزميلات العمل بعضهم لبعض.
• ظلم الأصدقاء بعضهم لبعض.
• ظلم الإخوة والأخوات بعضهم لبعض.

استغلال حاجة الناس والتلذذ بظلمهم من منظور مقاصد القرآن الكريم والشريعة الإسلامية:
• استغلال حوائج الناس فيه ظلم لهم، وقد نهانا ديننا الحنيف عن ظلم الناس أو التعسير عليهم؛ فقد روى عبدالله بن عمر في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الظلم ظلمات يوم القيامة» [2]، وهو يتناقض مع مقصد التشريع.

• وهو أمر ينافي الأخلاق والمبادئ الإسلامية، ويتنافى مع مقصد تهذيب الأخلاق، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق؛ فقال: «إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق» [3].

• استغلال حوائج الناس فيه تعسير عليهم، وينافي مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
• استغلال حوائج الناس قد يؤدي إلى الغضب والتعارك، وارتكاب الجرائم، وينافى بذلك مقصد التشريع، والمقصد العام للشريعة من حفظ النفس والمال والدين.

التوصيات المقترحة:
• يجب التيسير على الناس وتسهيل أمورهم؛ لأنه من هديِ النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه سبب في تفريج كربات يوم القيامة والنجاة من النار.
• على الدولة مراقبة موظفيها ممن تولَّوا مناصبَ عالية؛ للتأكد من عدم استغلالهم لهذه المناصب بسوء للتعسير على الناس وإذلالهم.
• على الإنسان مخافة الله من ظلم الناس، وتذكُّر أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن أصحاب المظالم سيقتصون منه يوم القيامة؛ ليرتدع عن ظلم الناس واستغلالهم.
• على الإنسان أن يُيَسِّرَ على الناس أمورهم؛ حتى ييسر الله عليه أموره.
• على من ظلم غيره التوبة إلى الله، وطلب العفو ممن ظلمهم، ورد حقوقهم كاملة، ويستحسن بزيادة إن استطاع؛ لكسب عفوهم ورضاهم.
• على الآباء والأمهات مراقبة أبنائهم، ونهيهم عن ظلم بعضهم لبعض.
• على الإمام تيسير أمور رعيته، وتسهيلها بوضع القوانين التي تحمي الأفراد، كما على الدولة الاستماع لشكاوى الناس، وإنصاف المظلومين منهم إن ثبت ذلك.
• على المديرين العدلُ مع الموظفين، وعلى الكفلاء التيسير على المكفولين، وعلى أرباب العمل التلطف بالعمال، وعلى ربات البيوت الترفق بالخادمات، وهكذا؛ فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، وليتيقن الإنسان أن لا معروفَ يضيع عند الله، فهو الشكور الحليم، وما من عمل صالح يُنسى أو يضيع، بل يُكتب في صحيفته، ليكون نجاة وذخرًا ليوم تشخص فيه الأبصار، نسأل الله النجاة والهداية، والعمل الصالح والقبول، وحسن الخاتمة.


[1] أخرجه مسلم عن أبي هريرة، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، جزء ٤، صفحة ٢٠٧٤، حديث رقم ٢٦٩٩.
[2]أخرجه البخاري (٢٤٤٧)، ومسلم (٢٥٧٩).
[3] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٤٥، مجموع فتاوى ابن باز، جزء ٢، صفحة ٢١٥، مختصر المقاصد ١٨٤، ومجمع الزوائد، جزء ١٨، صفحة ٩، لطائف المعارف ٣٠٥.