■ حُكم قضاء الصلاة إذا فات وقتها بدون عُذر شرعي :
للشيخ / عبد رب الصالحين العتموني السوهاجي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد :
لا خلاف بين العلماء في وجوب قضاء الصلاة الفائتة بعُذر شرعي من نسيان أو نوم ونحو ذلك
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نسي صلاة فَلْيُصَلِّ إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي " ) رواه البخاري .
ورواه مسلم بلفظ : ( من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) .
● واختلفوا في حُكم القضاء إذا تركت حتى خرج وقتها بدون عُذر شرعي علي قولين :
● القول الأول :
وجوب القضاء وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وجميع هؤلاء متفقون على أنه يجب عليه قضاء ما فاته بعد بلوغه .
● واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) .
وجه الدلالة : أنه لم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها وهو أمر يقتضي الوجوب .
2- أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نسي صلاة فَلْيُصَلِّ إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي " ) رواه البخاري .
ورواه مسلم بلفظ : ( من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) .
وجه الدلالة : أنه إذا وجب القضاء على التارك ناسياً فالعامد أولى .
3- أن فطر يوم في رمضان يوجب القضاء فكذلك الصلاة إذا لم تؤد في وقتها يجب قضاؤها وإن كان كلاهما آثما بالتأخير .
4- أن الديون التي للآدميين إذا كانت متعلقة بوقت ثم جاء الوقت لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها - وهي مما يسقطها الإبراء - فكان في ديون الله تعالى التي يصح فيها الإبراء أولى ألا يسقط قضاؤها إلا بإذن منه وفي الحديث ( فدين الله أحق أن يقضى ) .
● القول الثاني :
عدم وجوب القضاء على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ولكن يجب عليه أن يُحقق التوبة واللجوء إلى الله ويُكثر من الاستغفار والنوافل والتوبة تجب ما قبلها وتهدمه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وقال به داود الظاهري وابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ورجحه الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .
● واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قول الله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) .
وقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) .
2- عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله ) رواه مسلم .
فصح أن ما فات فلا سبيل إلى إدراكه ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات كما لا تفوت المنسية أبداً .
3- لأن العبادة المُؤقتة بوقت لا بد أن تكون في نفس الوقت المُؤقت فكما لا تصح قبله لا تصح كذلك بعده .
4- أن تعمد ترك الصلاة إلى بعد الوقت معصية والمعصية لا تنوب عن الطاعة .
● قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( تارك الصلاة عمدًا لا يُشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يكثر من التطوع وكذا الصوم وهو قول طائفة من السلف كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وداود وأتباعه وليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه ( أهـ .
● وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ بن باز رحمه الله : ( من ترك الصلاة عمداً وهو مُكلف فلا يقضي ما فاته ولكن عليه التوبة والرجوع إلى الله جل وعلا والإكثار من التقرب إليه بالأعمال الصالحة والدعاء والصدقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " التوبة تَجُب ما كان قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله " ) أهـ .
● وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( لو أن الإنسان ترك الصلاة حتى خرج وقتها عمدًا بلا عذر فهنا لا يقضي الصلاة لأنه لو قضاها لم تُقبل منه قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي : مردود عليه أما لو أخرها لعذر كنوم ونسيان فيقضيها ولا حرج( أهـ .
● وقال الشيخ الألباني رحمه الله : ( هذه الصلاة لا مجال لتداركها وقضائها لأنها إذا صليت في غير وقتها فهو كمن صلاها قبل وقتها ولا فَرْقَ وجملة القول : إن القول بوجوب قضاء الصلاة على من فوَّتَها عن وقتها عمداً مما لا ينهض عليه دليل ولذلك لم يقل به جماعة من المُحققين مثل أبي محمد بن حزم والعز بن عبد السلام الشافعي وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم ) أهـ .

أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المُراد وأسأله سُبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من بريئان والله المُوفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .
أخوكم
عبد رب الصالحين العتموني
مصر / محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة
01002889832 / 01144316595