الموفق من يشتغل بعد الهداية بالاستقامة


الفرقان



قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين َ}، لقد اشتملت هذه الآية على ثلاث جمل ووعيد:

التقرير والأمر والجبر


- أولا: تقرير التوحيد، ثم الأمر بالاستقامة عليه، ثم جبر النقص الحاصل في الاستقامة بالاستغفار؛ لهذا ينبغي التذكير بثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى
إذا وفق العبد إلى حقيقة التوحيد، فعليه أن يشتغل بالاستقامة على هذه الحقيقة وطلب المغفرة والعفو من التقصير الحاصل من عدم العلم بالتوحيد أو من عدم العمل به والدعوة إليه.
فعلامة الموفق بعد الهداية إلى التوحيد: الاشتغال بحفظ التوحيد بالاستقامة والاستغفار، وليس بالانتقال والاغترار؛ فيكون شعاره: (فاستقيموا إليه واستغفروه).
الحقيقة الثانية
أن ينظر العبد إلى قضية (الاستقامة على التوحيد) على أنها حقيقة كلية وقضية جامعة تتعلق بالنيات والأقوال والأعمال والأحوال؛ فيستقيم على كلمة التوحيد، ويستقيم على العمل بالتوحيد، ويستقيم على حال أهل التوحيد، ويستقيم على إخلاص التوحيد لله -تعالى.
الحقيقة الثالثة
أن الاستقامة التامة على التوحيد مشروطة بشروط ومقيدة بقيود، أي لا تتحقق إلا بشروط، وهذه الشروط والقيود ثلاثة:
- الإخلاص (فاستقيموا إليه).
- والمتابعة (فاستقم كما أمرت).
- والشرط الثالث: الاستعانة بالله على القيام بها (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) الآية.
أي: وقوع الاستقامة على التوحيد لله وبالله وعلى أمر الله، كما قال ابن القيم -رحمه الله في مدارج السالكين-: فالاستقامة كلمة جامعة آخذةٌ بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد.
قواعد مهمة ووقفات نافعة في الاستقامة
- الاستقامة على محض التوحيد غاية السالكين ومطلب الربانيين.
- الاستقامة على الدين أنواع: استقامة على التوحيد، واستقامة على الاتباع، والاستقامة على التقوى.
- الاستقامة إذا أطلقت تنصرف إلى الاستقامة في السر والعلن معاً.
- الاستقامة ملازمة؛ لذا فالانقطاع قادح ومؤثر فيها؛ لكن ممكن أن يتداركها العبد بالتوبة والاستغفار.
- ثواب الاستقامة ثواب تام عام: (لا خوف عليهم ولا يحزنون) في الدنيا والآخرة.
- أعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
- العبد بعد الهداية يشتغل بالرعاية، وأعظم الرعاية حفظ الاستقامة.
- السعادة الحقيقية في تحقيق الاستقامة: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُ م مَّاءً غَدَقًا}.
- الاستقامة سبب لحفظ الإيمان الموجود واسترجاع الإيمان المفقود.
أقرب باب في الدخول إلى الصديقية
- إن أقرب باب في الدخول إلى الصديقية وأيسر طريق في الوصول إلى الإحسان هو باب باب الاستقامة على الدين: بالسعي إلى الطاعات، والاجتهاد في توفير الحسنات، والظفر بالأوقات، والحرص على مجالس العلم لجني الثمرات، والنظر في الكتب واستغلال اللحظات، وتجريد القصد والنيات، واجتناب مواضع الفتن والشبهات، وحفظ الحقوق والأمانات، وعدم المساس بالثوابت والكليات.