سؤال : ما هى أقصى مدة للنفاس ..فقد علمت أن الراجح هو سبعة أيام مثل الحيض لأن كل منهما يطلق على الآخر لغة وشرعاً(كما فهمت من كتاب المحلى)
إلا أننى علمت أن هناك حديثاً عن جلوس النفساء أربعين يوماً على عهد رسول الله عليه السلام ..والحديث رواه ابن ماجة فهل الحديث صحيح كما قال لى البعض أنه صححه الألبانى .. واذا كان صحيحاً فهل يصير الامتناع عن الصوم والصلاة والنكاح مدة أربعين يوماً كما هى عادة النساء فى بلادنا.
وهناك سؤال آخر:
المرأة التى ولدت بعملية جراحية (أى من البطن وتسمى العملية القيصرية عندنا) لها حكم النفساء أى لها فترة نفاس أم لا ..أم أن الأمر يتوقف على نزول الدم .
أفيدونا وجزاكم الله خيرا.
الجواب : للشيخ الفاضل عبدالله بن يوسف الجديع ـ حفظه الله ـ رسالة بعنوان " كشفُ الالتباس عن أحكام النفَاس " جمع فيها أحاديث توقيت مدة النفاس ، جمع فيها جزاه الله خيراً طرق حديث ( الأربعين يوما ) وخلص بحثه بقوله (ص27) :

" يتبين من التحقيق السابق ضعف جميع الأحاديث الواردة في تحديد مدة النفاس ، مرفوعها وموقوفها ، غير حديث ابن عباس من الوجه الأول ، وفي طرق الأحاديث ماهو شديد الضعف ، لا يصلح شاهداً ولا متابعاً ، وفيها ما هو ضعيف يسير الضعف ، يصلح لأن يقوي بعضه بعضاً ، فحديث مُسَّه عندي حديث حسن لغيره ، والله أعلم .

وهذا أصح شيء ورد في الباب ، وليس هناك شيء يناهضه ، أو يقاربه " .

وخالفه في هذه النتيجه الشيخ مصطفى العدوي ـ حفظه الله ـ فقد قال في كتابه القيم " جامع أحكام النساء " (1 /245 ) بعدما اثنى على رسالة الشيخ الجديع :

" ... وإن كنا لا نوافقه على تحسين الحديث فحتى قول ابن عباس الذي استشهد به ـ مع أنه موقوف على ابن عباس ـ فإن فيه نحواً من أربعين وليس فيها الجزم بالأربعين ومع ذلك فلا نراه شاهداً لحديث مُسة ، وباقي ما في الرسالة أحاديث واهية لا تقر على قرار .

أما استشهاد الشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في الإرواء لحديث مُسة بحديث أنس فهو استدلال واهٍ لأنه يشترط في الشاهد أن لا يشتد ضعفه ـ كما نبه على ذلك الشيخ نفسه ـ رحمه الله ـ وحديث أنس المشار إليه في غاية الضعف "(1) أ.هـ .

وقوى حديث التوقيت الشيخ دبيان بن محمد الدبيان في كتابه النفيس " الحيض والنفاس ـ رواية ودراية ـ دراسة حديثية فقهية مقارنة " (3 / 1299) .

قال أبو عبدالرحمن : على فرض حسن حديث التوقيت فالجواب : أن أكثر ما تمكث النفساء أربعون يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، فإنها تغتسل وتصلي ، فإذا رأت الدم بعد الأربعين ، فليس الخارج بدم نفاس ، وإنما هو دم لا حكم له ، فلا يمنع من الصلاة والصيام والوطء وغير ذلك ، مما تمنع منه الحائض والنفساء ، إلا إن اتفقت أيام حيضتها المعتادة بعد الأربعين .

قال الإمام ابن عبدالبر في " الاستذكار " (3 / 250 ) :

" وليس في مسألة أكثر النفساء موضع للاتباع والتقليد إلا من قال : بالأربعين ، فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مخالف لهم منهم ، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم ، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم ؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم ، وتسكن إليهم . فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل ؟ وبالله التوفيق " أ.ه .

أما على القول بضعف حديث التوقيت ، فأجاب عن ذلك الشيخ مصطفى العدوي في " جامع أحكام النساء " (1 / 245 ) :

" فحاصل الأمر في توقيت النفاس : أن المرأة إذا رأت الطهر اغتسلت وصلت أما أقصى مدة تنتظرها المرآة إذا استمر نزول الدم عليها فلم يثبت فيها شيء لدينا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ولكن ذهب الجمهور أن أقصى مدة تنتظرها أربعين يوما ثم تغتسل وتصلي ، وهذا القول مبني على أحاديث ضعيفة كما تقدم فالصواب أن الدم إذا كان ينزل على المرأة وهو دم نفاس في طبيعته ولونه فتترك الصلاة مادام ينزل عليها دم النفاس فإذا انقطع أو تحول إلى دم استحاضه اغتسلت وصلت ، والعلم عند الله تبارك وتعالى " أ . هـ .

فائدة : لم نقف على دليل صحيح عن رسول الله صبى الله عليه وسلم يحدد أقل مدة للنفاس لكن إذا تاكدت المرأة من الطهر فلتغتسل ولتصل ويأتيها زوجها .

قال الإمام الكبير أبو محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ في سفره الجليل " المحلى " (2 / 203 ) :

" ولا حد لأقل النفاس ، وأما أكثره فسبعة أيام لا مزيد " .

ثم قال رحمه الله :

" ولم يختلف أحد في أن دم النفاس إن كان دفعة ثم انقطع الدم ولم يعاودها فإنها تصوم وتصلي ويأتيها زوجها " .

وبعد ذكره مذاهب العلماء ومناقشة أقوالهم وأدلتهم ختم بحثه بقوله (2 /207 ) :

" ثم رجعنا إلى ما ذكرنا قبل من أن دم النفاس هو حيض صحيح ، وأمده أمد الحيض وحكمه في كل شيء حكم الحيض ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " انفست " بمعنى حضت فهما شيء واحد ، ولقوله عليه السلام في الدم الأسود ما قال من اجتناب الصلاة إذا جاء ، وهم يقولون بالقياس ، وقد حكموا لهما بحكم واحد في تحريم الوطء والصلاة والصوم وغير ذلك ، فيلزمهم أن يجعلوا أمدهما واحداً وبالله التوفيق " .

وقال الإمام في مكان آخر (2 / 184 ) :

" ودم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض ، هذا لا خلاف فيه من أحد ، حاشا الطواف بالبيت ، فإن النفساء تطوف به ، لأن النهي ورد في الحائض ولم يرد في النفساء ( وماكان ربك نسياً ) ثم استدركنا فرأينا النفاس حيض صحيح ، وحكمه حكم الحيض في كل شيء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : " أنفست ؟ قالت : نعم " فسمى الحيض نفاساً ، وكذلك الغسل منه واجب بإجماع " .

قال عبدالعزيز : أظن قوله : " فسبعة أيام " غلط أو تصحيف من الناسخ وصوابها : " سبعة عشر يوماً " .

دليل ذلك قوله في كتاب الحيض (2/ 199) :

" قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دم الحيض أسود فإذا رأته المرأة لم تصل ، فوجب الإنقياد لذلك ، وصح أنها ما دامت تراه فهي حيض لها حكم الحيض مالم يأت نص أو إجماع في دم أسود أنه ليس حيضاً ، وقد صح النص بأنه قد يكون دم أسود وليس حيضاً ، ولم يوقت لنا في أكثر عدة الحيض من شيء ، فوجب أن نراعي أكثر ماقيل ، فلم نجد إلا سبعة عشر يوماً ، فقلنا بذلك ، وأوجبنا ترك الصلاة برؤية الدم الأسود هذه المدة ـ لا مزيد ـ فأقل ، وكان مازاد على ذلك إجماعاً متيقناً أنه ليس حيضاً " أ . ه .

قال الإمام ابن قدامة في " المغني " (1 / 432) :

" وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ، ويسقط عنها ، لا نعلم في هذا خلافاً ، وكذلك تحريم وطئها وحل مباشرتها ، والاستمتاع بما دون الفرج منها ، والخلاف في الكفارة بوطئها " .

وقال في " المهذب " (2 / 535 ـ المجموع ) :

" ودم النفاس يحرم ما يحرمه الحيض ، ويسقط ما يسقطه الحيض ، لأنه حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل ، فكان حكمه حكم الحيض " .

وقال ابن رجب في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " (2 / 187) :

" ودم النفاس حكمه حكم دم الحيض ، فيما يحرمه ويسقطه ، وقد حكى الإجماع غير واحد من العلماء ، منهم ابن جرير وغيره " .

قال أبو عبدالرحمن : قال بعضهم متعقباً الإمام الكبير ابن حزم ـ رحمه الله ـ في اختياره أن أكثر حد النفساء سبعة أيام لا مزيد ـ والصواب سبعة عشر يوما ـ :

" فوقع فيما يفر منه وينفًر منه غيره وهو القياس ، فقاس دم النفاس على دم الحيض ، وجعل حكمه حكمه ، وهو وإن لم يصرح بذلك ، فإنه كذلك " .

قال أبو عبدالرحمن : لا والله ليس هذا قياساً ، وإنما هو إتباع للنص ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ـ رضي الله عنها ـ : " أنفست " أي حضت فدل على أن حكمهما واحد مالم يأتي ما يفرق بينهما ؛ وكذا اتباع للإجماع الذي حكاه غير واحد من العلماء على أن دم النفاس حكمه حكم دم الحيض .

لا يهمني أن يكون الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ أصاب في هذه المسألة أم لم يصب ، إنما يهمني صحة استدلاله وهو اتباع النص والإجماع ، وأن ليس للقياس ها هنا مدخل ، مع وجود النص القاضي بالتسوية بينهما في الحكم .

قال أبو عبدالرحمن : الحكم مترتب على نزول الدم سواء كانت الولادة طبيعية أم قيصرية ، لو أنها ولدت بدون أن ترى دماً أليس يحكم لها بالطهارة ؟ ولو كانت أرحامها تشكو من آلام ونحوها ، فالأمر يتعلق بالدم .
وكتبه لكم :
أبوعبدالرحمن عبدالعزيز بن مبارك الحنوط
ـ عفا الله عنه ـ

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ

(1) قال الباحث النبيه الأستاذ الفاضل أبو عبدالله معلقاً على كلام الشيخ الفاضل مصطفى العدوي ما نصه :

قول الشيخ العدوي : " ...أما استشهاد الشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في الإرواء لحديث مُسة بحديث أنس فهو استدلال واهٍ لأنه يشترط في الشاهد أن لا يشتد ضعفه ـ كما نبه على ذلك الشيخ نفسه ـ رحمه الله ـ وحديث أنس المشار إليه في غاية الضعف " أ.هـ .

وفي كلام الشيخ إيهام شيئين اثنين:

أولاهما: أن الألباني صحح الحديث اعتمادا على شاهد حديث أنس.

ثانيهما: أنه صحح الحديث بالإعتماد على شاهد واه (أي ضعيف جدا)

وكلاهما في الحقيقة خلاف الواقع فالشيخ الالباني لم يستشهد بحديث أنس ولا قوى به حديث أم سلمة أصلا. إنما حسن حديث أم سلمة لذاته تبعا لغيره من الأئمة.

فقال في " الإرواء " (1/222) بعد أن خرج الحديث عند أبي داود والحاكم وحكى تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي والنووي في " المجموع " قال : " وهو عندي حسن الإسناد فان رجاله ثقات كلهم معروفون غير مسة هذه فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 63 )... " .

ثم قال : " حديث حسن " وهذا هو الراجح عندنا وقد أوضحت ذلك في " صحيح أبي داود " (329).

وقال في " صحيح أبي داود " (ج2/ص 117) (قلت: إسناد حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقواه البيهقي. وقال النووي( حديث حسن جيد) وأقره الحافظ.).

ثم قال بعد ذكر إسناده:

" وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى, رجاله كلهم ثقات, غير مُسة - بضم أوله والتشديد – قال ابن القيم في " التهذيب ": " وقد روى عنها أبو سهل كثير بن زياد والحكم بن عتيبة ومحمد بن عبد الله العزرمي وزيد بن علي بن الحسين " .

ثم قال: " وهو يشير بذلك إلى ارتفاع جهالة عينها برواية هؤلاء عنها, وكأنه يرد بذلك على ابن القطان, حيث قال كما في " نصب الراية " (1/205)..... " إلخ.

ثم حكى عن الخطابي في " المعالم " " وحديث مسة أثنى عليه محمد ابن إسماعيل( أي البخاري), وقال: مسة هذه أزدية واسم أبي سهل: كثير بن زياد, وهو ثقة, وعلي بن عبد الأعلى ثقة " .

ثم ذكر إسناد أبو داود الآخر وقال:

" قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات , غير مسة وقد تقدم الكلام عليها في الرواية الأولى " .

وهكذا يظهر أن الألباني رحمه الله لم يصحح الحديث اعتمادا على شاهد أنس إنما حسنه لذات الإسناد, وليس كما يمكن أن يفهم من كلام الشيخ العدوي الآنف الذكر وإذا ذكر حديث أنس الواهي فإنما يذكره لتعلقه بالباب وليس للتقوية فليس هو المعول عليه عنده. والله أعلم .

منقول