الصلاة ومذهب الإرجاء

. عبدالله السالم










من العقبات التي يواجهها مذهب الإرجاء: مسألة حُكم تارك الصلاة؛ وذلك لما تُمثّله الصلاة من أهمية كبيرة في الدين؛ فهي عمود الدين وأهم أحكامه العملية؛ إذ إن مَن ضيَّع الصلاة فهو لما سواها أضيع. ومن هنا فإن مَن تأثَّر بالإرجاء شعر أو لم يشعر سيُلِحّ على القول بأنَّ تَرْك الصلاة ليس كُفرًا؛ ليُعزِّز بذلك ويقوِّي مذهبه.

وفي الواقع، فإن مسألة الصلاة من أظهر المسائل التي أجمع الصحابة على كُفر تاركها، وقد حكى هذا الإجماع عددٌ من الصحابة والأئمة، ومنهم:

جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عندما سأله مجاهد -رحمه الله-: «ما كان يُفرّق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟». قال: «الصلاة»[1].


وعن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تَرْكه كُفْر غير الصلاة»[2].

وممَّن حكاه أيوب السختياني[3]، ومحمد بن نصر المروزي[4]، وشيخ الإسلام ابن تيمية[5]، وابن القيم[6] -رحمهم الله جميعًا-.


والمتأمّل في النصوص التي وردت في شأن الصلاة خصوصًا، وأنها الحدّ الفاصل بين الكفر والإيمان؛ سيُدرك أنّه لا يُصرّ على ترك الصلاة إصرارًا مستمرًّا مَن يُصدّق بأن الله أمر بها، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مُصدِّقًا تصديقًا جازمًا أنّ الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مُصِرّ على تَرْكها، هذا من المستحيل قطعًا. وإن الإيمان يأمر صاحبه بها ولا بد؛ فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها؛ فليس في قلبه شيء من الإيمان[7].

وفي تحليلٍ دقيقٍ بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المدخل الذي تسرَّبت منه شُبهة الإرجاء إلى بعض مَن قال بعدم كفر تارك الصلاة؛ حيث أرجع ذلك إلى مسألة ترك جنس العمل، وارتباطها بالتلازم بين الظاهر والباطن، وفي ذلك يقول: «فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشُّبهة في هذا الباب، وعلم أن مَن قال مِن الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يُقتل أو يُقتل مع إسلامه؛ فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل؛ ولهذا كان الممتنعون مِن قتل هذا مِن الفقهاء بنوه على قولهم في «مسألة الإيمان»، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد تقدّم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع؛ سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءًا من الإيمان»[8].

وما أصدق العبارات التي نُقلت عن الإمام أحمد -رحمه الله- في هذه المسألة وعظيم خطرها! ومنها قوله: «فكلّ مُستَخِفٍّ بالصلاة مُستهين بها؛ فهو مستخِفٌّ بالإسلام مُستهين به، وإنما حظّهم في الإسلام على قَدْر حظهم من الصلاة، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة، فاعرف نفسك يا عبد الله، واحذر أن تلقى الله ولا قَدْر للإسلام عندك؛ فإن قَدْر الإسلام في قلبك كقَدْر الصلاة في قلبك، .. ألست تعلمُ أن الفُسطاطَ إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم يُنتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود الفسطاط انتُفِعَ بالطنب والأوتاد! وكذلك الصلاة من الإسلام، ... فصلاتنا آخر ديننا وهي أوّل ما نُسأل عنه غدًا من أعمالنا يوم القيامة، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين؛ إذ صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام»[9].

وعليه فالتّصوّر الصحيح والموضوعي لمسألة حُكم تارك الصلاة ممَّا يُبطل ويهدم مذهب الإرجاء.










[1] رواه ابن بطة في الإبانة: 2/672، واللالكائي: 4/910.

[2] رواه في الحاكم في المستدرك:1/48، وروى الترمذي هذا القول عن عبدالله بن شقيق في سننه، كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (2622).

[3] انظر: تعظيم قدر الصلاة: 2/925.

[4] انظر: المصدر السابق: 2/925.

[5] انظر: شرح العمدة: 2/75.

[6] انظر: الصلاة وحكم تاركها: ص42.

[7] انظر: الصلاة وحكم تاركها: ص35.

[8] مجموع الفتاوى:7/617.

[9] المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة، جمع عبد الإله بن سلمان بن سالم الأحمدي: 2/41.