ما الأفضل ختمة بتدبر أم الإكثار من الختم في رمضان؟



قال الشيخ عبدالكريم الخضير وفقه الله تعالى في درس له بعنوان :" من مسائل القيام والتراويح والإعتكاف " :
( ذُكر عن ابن القيم رحمه الله تعالى أنه سُئل :
أيهما أفضل ختم القرآن تدبرا مرة واحدة أم قراءة القرآن مرات عديدة لكن دون تدبر ؟
فأجاب رحمه الله تعالى بمثال يغني عن الإجابة حيث قال :
أيهما أفضل : درة أو جوهرة ثمينة تساوي ألآف أو مئات الدنانير أم عشر درر أو عشر جواهر تقل عنها في القيمة ؟ ) أ.هـ.

يشير حفظه الله إلى ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد :

( وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة أو السرعة مع كثرة القراءة : أيهما أفضل ؟ على قولين :

فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها ، واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه ، وتدبره ، والفقه فيه ، والعمل به ، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه كما قال بعض السلف : نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملا .

ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به والعاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب ، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم .

قالوا : ولأن الإيمان أفضل الأعمال وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان ، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ] .

والناس في هذا أربع طبقات :
- أهل القرآن والإيمان وهم أفضل الناس .
- والثانية : من عدم القرآن والإيمان .
- الثالثة : من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا .
- الرابعة : من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا .

قالوا : فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر ، قالوا : وهذا هدي النبي صلى الله عليه و سلم فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطولَ منها وقام بآية حتى الصباح .

وقال أصحاب الشافعي رحمه الله : كثرة القراءة أفضل ، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من قرأ حرفا من كتاب الله ، فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول "الم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ] رواه الترمذي وصححه .

قالوا : ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة ، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة .

والصواب في المسألة أن يقال : إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلُّ وأرفع قدرا ، وثواب كثرة القراءة أكثرُ عددا :

فالأول : كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا .
والثاني : كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة .


وفي صحيح البخاري عن قتادة قال : سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه و سلم فقال : كان يمد مدا .

وقال شعبة : حدثنا أبو جمرة قال : قلت لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين ، فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلا ولا بد ، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ، ويعيها قلبك .

وقال إبراهيم : قرأ علقمة على ابن مسعود وكان حسن الصوت فقال : رتل فداك أبي وأمي فإنه زينُ القرآن .

وقال ابن مسعود : لا تهذّوا القرآن هذّ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

وقال عبد الله أيضا : إذا سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا } فأصغ لها سمعك ، فإنه خير تؤمر به ، أو شر تصرف عنه .

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : دخلت عليّ امرأة وأنا أقرأ ( سورة هود ) فقالت : يا عبد الرحمن : هكذا تقرأ سورة هود ؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر ، وما فرغت من قراءتها .


(زاد المعاد 1/ 327- 329 )
منقول