الحروب الصليبية من فرسان الإسبتارية إلى دولة فرسان مالطا وبلاك ووتر



بليل عبدالكريم




مذ طلع فجرُ الإسلام والكفرة يكيدون له، إمَّا بالسنان إن كانت لهم الدُّولة، وإما باللسان إنْ خَبَت نارهم، وفلّ حديدهم، ومن نسلهم الفُرسان الرهبان الذين كانوا قساوسةً أيامَ هيبةِ الخلافة الإسلامية، ولما اشتدَّ عود دُوَلِهم النصرانية، تَحولوا إلى عملاء للغزاة القادمين من بني جِلْدتهم، ثم إلى مقاتلين في صفوفهم؛ ليُنشِئوا تشكيلاتِهم الخاصة فيما بعد، وما أشبه الليلة بالبارحة!

فرق الرهبان الفرسان: يُمكن تَمييزهم في ثلاث تشكيلات عسكرية رهبانية رئيسة:
1- فرسان المعبد، والهيكل، وسليمان، والرب، والمسيح، والداوية، ثم الماسونية فيما بعد، كُلُّها أسماء لمنظمةٍ واحدة، نشأت في عام 1119م؛ حيثُ نذر هيدوه بايان Hugh de Payans وثمانيةٌ آخرون من فرسان الصليبيين أنفسَهم للرهبنة، وخدمة المسيحيين العسكرية، وحصلوا من بلدوين الثاني على مسكنٍ لهم بالقُرب من الموضع الذي كان فيه هيكلُ سليمان - المعبد - على زعمهم، وسُرعان ما أطلق عليهم اسم "فرسان المعبد"، وفرسان المعبد فرنسيون من جمعية "الأُخُوة الرهبانية للقديس تامبلر"، وهؤلاء ارتدُّوا سرًّا عن النصرانية إلى عقيدة القابالاة اليهودية الوثنية لعَبَدة الشيطان، ورايتُهم بيضاء عليها صليب أحمر، أمَّا الواحد من فرسان المعبد، فكان يلبس مِئزرًا أبيض على "حرملته" صليب أحمر.

2 - فرسان المستشفى، والإسبتارية، والهوسبيتال، والقلعة، والقديس يوحنا، ورودوس ومالطا، والصليب الأبيض - تنظيمٌ واحد، وهم تحت رعاية الكنيسة الكاثوليكيَّة منذ ميلادهم كهيئةٍ خيريَّة من تُجار إيطاليِّين، وغالبيتُهم إيطاليون، شكلوا الهيئة الداعمة "رهبان مستشفى القديس يوحنا"، ثم التشكيل العسكري "فرسان مستشفى القديس يوحنا" - الإسبتارية - في عام 1130م، رايتهم حمراء عليها صليبٌ أبيض، وكان الواحدُ من فرسان المستشفى يلبِس مئزرًا أسودَ اللون، على كمِّه الأيسر صليب.

3 - فرسان التيوتون: في عام 1190م أنشأ ألمانُ فلسطين طائفةَ الفرسان التيوتون، بمعونة عددٍ قليل من الألمان في بلادهم الأصلية، وشَيَّدوا لهم مستشفى قرب عَكَّا، كانوا مُتعاونين مع فرسان المعبد، واختفى ذكرُهم بعد ترحيلهم وتوجههم نحو شمال أوروبا.

وحال البحث في كثير من المراجع يُخيل إلى القارئ كأنها منظمات مختلفة، لكن بالتدقيق وتتبُّع تواريخ النشأة والظهور العلني بعد السرية، سيكتشف أنَّ المنظمة واحدة هي "الرهبان الحربيون"، أتباعُها يتعمدون تغيير اسمها؛ لتحاشي التُّهم التي كانت تَعْلَق بالاسم الذي قبلهم؛ كيلا يُلاحَقون وهم في طَور النَّشأة، كما أنَّهم يبرعون بدهاء في تنويع جمعياتِهم ومنظماته؛ حتى يظن أنَّها مُختلفة، لكن التحقيقات حول الأعضاء تُثبت التعاون الدائم، لكن من أين جاؤوا؟ وما خلفياتهم الدينية؟

دير "كلوني" والحروب الصليبية[1]:- انتشرت المفاسد في الكنيسة الكاثوليكيَّة في عصورها الوُسطى خلال القَرنيين التاسع والعاشر؛ مما أدَّى إلى ظهور الدَّعوة إلى الإصلاح في النصف الأول من القرن العاشر في منطقة اللورين بالغال (فرنسا حاليًّا)؛ حيث كانت الحياةُ الدِّيريَّة قوية، وهناك بدأ جيرارد هذه الحركةَ الإصلاحية، فأسَّس كنيسة قُرب نامور في عام 914م، ثم ألحق بها بعد فترة ديرًا، وسُرعان ما انتشرت هذه الحركة الإصلاحية في اللورين، في وقت كانت أحوالُ الكنيسة سيئة للغاية، حتى نخر السوس في الأديرة ذاتها، وتفشت الأمراضُ الاجتماعية والنفسية والرُّوحية بين رهبانِها أيضًا، فلم يبقَ صوتٌ للإصلاح إلاَّ في هذا الدير، الذي نادى رُهبانُه بالعودة إلى تعاليم سلفهم الصالح، وذلك بتطبيق نظم القديس "بندكت" على الحياة الديرية، والبندكت إنَّما أسس نظمه على ما وصله بين نظم الأديرة الباخومية المصرية، والذي أوصلها إياه جون كاسيانوس، إلاَّ أن حركة الإصلاح الكلونيَّة ظلت محلية الطابع، وعاصرتها أخرى للإصلاح انبعثت داخلَ فرنسا أسسها "وليم التقي" دوق أكوتين؛ حيث أسس ديرًا هو الآخر في كلوني Cluny Abbey عام 910م.

نظام دير كلوني: رُوعي في هذا الدير الجديد تجنُّب الأخطاء والمفاسد، التي تردَّدت فيها بقية الأديرة المعاصرة له؛ ليصبح رأسًا لحركة إصلاحية ديرية شاملة، ومن ذلك لم يقبل أرضًا من أميرٍ إقطاعي أو حاكم مُقابل خدمات أو ارتباطات إقطاعية مع ذلك الأمير أو الحاكم، وهكذا جاءت جميعُ المنح التي تلقَّاها دير كلوني من أرضٍ أو غيرها حرة غير مشروطة، وإذا كان نظام البندكتيِّين الذي أخذ من الشراكة الباخومية يطلُب من الرهبان القيام بقسط كبير من العمل اليدوي في الحقول، وسرعان ما اشتهر دير كلوني، وانتشرت هذه الأديرة في غرب أوروبا انتشارًا واسعًا، واتَّخذ رهبان دير كلوني "القديس يعقوب" أخي المسيح - كما ذكر العهد الجديد - حاميًا للنصراية في إسبانيا، وكل أوروبا فيما بعد، وكان هذا الدير مركزًا لنشر الثقافة العربية الأندلسية.

"وقصد رئيس الدير بُطرس المحترم الأندلس مُستزيدًا من علومها، ولما رجع لديره طَفِق يكتب في الرد على المسلمين وشجب اليهود"[2]، ومن الدير انطلقت عمليات الترجمة للقرآن الكريم، ثم كُتُب المسلمين؛ بغية الرد عليهم، فكان من أوائل مراكز الاستشراق وقواعد الحرب الفكرية الصليبية التي ستَلي الحروب الصليبية العسكرية بعد فشلها؛ يقول كارل ستيفنسون: "والمعروف عن رهبان دير الكلوني أنَّهم لم يكونوا يهتمون بالعلم قدرَ اهتمامهم بالإثارة الدينية والسياسية"[3].

ثم ورد فارس ليترهب في دير كلوني؛ ليُختار فيما بعد لمنصب "البابا" سنة 1088 - 1099م، وهو أوروبان الثاني، وهو المسؤول عن الحروب الصليبية بإجماع المؤرخين من كل الأديان، فقد كان المحرضَ الأول على الحملة الأولى 1095م، التي احتلت فيها القدسُ، وذُبِح أكثر من 70 ألف من المسلمين وغير المسلمين، كأنَّما أمروا بإفناء أهل القدس بكل أديانهم؛ لأنهم جنس ملعون كما خطب البابا.

والكلونيُّون هم دعامة الفرسان الرهبان فيما بعد؛ حيث سيتبنى فرسان المعبد مذهبهم البندكتي، بل كل نظرتهم للمسلمين؛ إذ رأسُ الكنيسة كلوني، وهو المحرض على قتال المسلمين والتوجه "لأرض الغفران".

نشأة منظمة فرسان الإسبتارية: انتشرت حركةُ الإصلاح الكلونية في أوروبا، وعَمَّت روحُ طلب المغفرة والتوبة على قلوب النصارى؛ لذا كان عليهم الحجُّ إلى أرض الغفران "القدس" مهد المسيح[4]، فتقاطر النَّصارى من كل فج أوروبي؛ ليشهدوا مغفرة لهم.

وَلِتَزايُد أعداد الوافدين إلى مدينة القدس في بداية القرن الحادي عشر اتَّجه بعضُ الإيطاليِّين للحصول على حَقِّ إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، فتحصلوا على رخصة بناء مستشفى عام 1048م في فلسطين، فتأسَّست هيئةٌ خيرية من قبل بعض التجار الإيطاليين عام 1050م لرعاية الحجاج والمرضى في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قُرْبَ كنيسة القيامة ببيت المقدس، وظل هؤلاء يُمارسون عملَهم في ظل حكم الدولة الإسلامية.

كذلك استطاع تجار مدينة "أمالفي" 1070م تأسيس جمعية داعمة في بيمارستان قُرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بالأجانب، وأبرز التجار عائلتي Pantaleoni وMauri.

وعندما قامت الحروبُ الصليبية الأولى 1097م، وتم الاستيلاء على القدس، أنشأ رئيسُ المستشفى جيرارد دي مارتيز تنظيمًا مُنفصلاً أسماه "رهبان مستشفى قديس القدس يوحنا"، يَجمع ثمانيةً من أقاربه الفرسان، من ضمنهم جيودوفري دي سانت أومير، التزموا في هذا الوقت بحماية رحلات الحجاج إلى الأماكن المقدسة، وهؤلاء بحُكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعداتٍ قيمة للصليبيِّين، وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي خليفة مارتينز، بعد أن كانوا هيئةً خيرية، ثم منظمة داعمة طبية بمستشفى القديس يوحنا[5]، وريموند هو الذي أعاد تشكيلَ التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (نوست الثاني) 1130م، أمَّا "... قبل ذلك، فكان محظورًا على رجال الدين الكاثوليك حملُ السلاح، لكن وجدوا حلاًّ بإنشاء تنظيمات عسكرية رهبانية، فيها عددٌ كبير من العَلمانيين، وقساوسة لأداء العبادة، ذلك ليسمح للرهبان بالحرب..."[6]، وتَحوُّل هيئة الرهبان الهوسبيتال من هيئة طبية - بعد أن كانت منظمة خيرية دعوية - إلى منظمة عسكرية كان لسببين[7]:
1- أنَّ الرهبان الفرسان لما قدموا إلى القُدس؛ ليعملوا بالمستشفى كهيئةٍ طبية، بعد فترة رأَوْا ما للفرسان العسكريِّين في التشكيلات الأخرى من أموال وإقطاعات وامتيازات، فحاولوا استغلال شعار الحرب المقدسة بإعلان التشكيل العسكري للمستشفى كفَرع لهم؛ كيما يحصلوا على الامتيازات نفسها، فتحولوا من رهبان فرسان إلى فرسان رهبان، وجمعوا بين الرهبنة والعسكر.

2- وجود نموذج شبيه، وهم فرسان الداوية - فرسان المعبد - كتشكيل عسكري باركه البابا، وتَحصَّلوا على امتيازات كثيرة، رغم أنهم نشؤوا بعد عشرين عامًا من نشأة الإسبتارية كهيئة طبية إغاثية خيرية[8]، فطمع رهبان مستشفى القديس يوحنا في الأمر نفسه.

وقيل: "إنَّ الفضلَ في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيِّين، واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساسِ إلى فرسان الإسبتارية بجانب فرسان المعبد"، فقد كان في المملكة النصرانية الصليبية الناشئة الكثيرُ من أسباب الضَّعف، ولكنها كانت تتلقى معونة فذة من نظام من الرهبان الحربيِّين[9]، ووضع لهم القديس برنار نظامًا صارمًا، لم يُطيعوه زمنًا طويلاً، وكان مما أثنى عليهم به أنهم "أكثر الناس علمًا بفن الحرب"، وأمرهم "ألا يغتسلوا إلا نادرًا"، وأن يقصّوا شعر رؤوسهم.

وكتب برنار إلى فرسان المعبد يقول: "إنَّ على المسيحي الذي يقتل غير المؤمن في الحرب المقدسة أنْ يثقَ بما سينال من ثواب، وعليه أن يكونَ أشدَّ وثوقًا من هذا الثواب إذا قتل هو نفسه، وإن المسيحي ليبتهج بموت الكافر؛ لأن المسيح يبتهج بهذا الموت"، ومن الواجب على الناس أنْ يقتلوا وهم مرتاحو الضمير، إذا كانوا يُريدون النَّصر في الحروب، ومع أنَّ فرسان المستشفى كانوا حوالي 1180، فقد كان لهم جميعًا شأنٌ ظاهر في معارك الحروب الصليبية، وذاعت شهرتهم الحربية، وقاموا بحملة واسعة لجمعِ المال، فتوالت عليهم الإعانات من الكنيسة والدولة، ومن الأغنياء والفقراء على السواء، فلم يحل القرن الثالث عشر حتى تَملكوا في أوروبا ضياعًا واسعة تشمل أديرة، وقرى، وبلدانًا أدهشت النصارى والمسلمين بما أنشأت من الحصون الواسعة في بلاد الشام؛ حيثُ كانوا يستمتعون بالترف مجتمعين وسطَ متاعب الحروب وكدحها، مع أنَّهم قد نذروا أنفسهم فرادى للفقر[10].

وكان تشكيل تنظيم الإسبتاريين - فرسان المستشفى – ينقسم إلى فئات:
فرسان العدل: الذين هم من أصل نبيل (نبلاء)، وأصبحوا فرسانًا.
القساوسة: الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الرُّوحية للتنظيم.
إخوان الخدمة: وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.
الجوادين: الذين يُسْهِمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم.

وبفضل عوائد هذه الأملاك، والهبات والإعانات كذلك - عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فُرسان القديس يوحنا - أخذ نفوذُ الفرسان ينمو ويَتطور، حتَّى أصبحوا أشبهَ بكنيسةِ داخلٍ، ثم دولة داخل دولة، فقد كانوا يعقدون الصلحَ والهدنة مع الأمراء المسلمين دون الرُّجوع للملك الصليبي، بل يُعلنون الحرب دون استشارته، وأحيانًا يتحالفون مع بعض المسلمين ضِدَّ أعدائهم من الصليبيِّين في التشكيلات الأخرى.

مصيرهم بعد الإجلاء من الأراضي المقدَّسة: بعد هزيمة الصليبيِّين في موقعة حطين عام 1187م على يد صلاح الدين الأيوبي؛ ثم فتح القدس، عفا السلطان عن أهل القدس كلهم، إلاَّ أنه استثنى الرهبان الصليبيين الحربيِّين، خاصة فرسان المعبد، وفرسان المستشفى، فقد أمر بذبحهم كالخرافِ؛ لما فعلوا في ضعفاء المسلمين، لكن هرب البعضُ إلى البلاد الأوروبية شمال القدس، وبسقوط عكا 1291م وطرد الصليبيِّين نهائيًّا من الشام، اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى:
اتَّجه الفرسان التيوتون نحو شمال أوروبا؛ حيثُ ركَّزوا نشاطهم الديني والسياسي قُرب شواطئ البحر البلطيكي، ونقلوا مقرهم الرئيس بعد سقوط عكا إلى مارينبوج Marienburg في بروسيا؛ التي انتزعوها من الصقالبة وضموها إلى ألمانيا.

(الداوية) فرسان المعبد: لجأ الفرسانُ إلى قلعة منيعة بَنَوها بالقُرب من عكا، ثم طردوا منها، فبادروا إلى تنظيم صُفوفهم في فرنسا بعد أن أخرجوا من أسيا؛ إذ كانت لهم أملاكٌ واسعة غنية في جميع أنحاءِ أوروبا[11]، وفي سنة 1218م اشتركوا مع الحملةِ الصليبية الخامسة في حصار دمياط، ثم اشتركوا بعد ذلك في مَوقعة المنصورة إلى جانب لويس التاسع، وقتلوا جميعًا ما عدا ثلاثة منهم، وهم الذين دفعوا الجزية لتحرير لويس التاسع من الأسر.

ولما افتضحت أسرارُ فرسان المعبد، سخطت عليهم كلُّ الهيئات الدينية في جميع الدول، واتَّخذ البابا الخطوةَ الحاسمة، فأصدر "مجلس فينا المقدس" في سنة 1312م قرارًا بحل الجمعية، فشرد الفرسان أينما وجدوا، ولاقوا في فرنسا أشنع ضروبِ الاضطهاد والإيذاء.

فرسان الإسبتارية المستشفى: اتَّجهوا في البداية إلى مدينة صور، ثم إلى المرج (في ليبيا حاليًّا)، ومنها إلى عكا، ثم ليماسول في قبرص 1291م، ومن قبرص استمر فرسانُ الإسبتارية في مناوشة المسلمين عن طريقِ الرحلات البحرية والقرصنة، إلاَّ أن المقام لم يطب لهم هناك، فعمد رئيسُهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال رودوس، وأخْذِها من المسلمين، وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في (1310 -1308)؛ ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد (النظام السيادي لرودوس)، أو (النظام السامي لفرسان رودوس)، وفي رودوس أنشأ تنظيمُ الإسبتاريين مراكزَه الرئيسة، وازدادت قوته ونفوذه، خاصَّة بعد أن تَم حل تنظيم فرسان المعبد، وآلت بعض ثرواته للإسبتاريِّين، ولأن أرض رودوس كانت بمثابة نقطة إستراتيجية هامة، فقد عَمَدَ العثمانيون بدَوْرِهم لفتحها، خصوصًا مع تزايد قرصنة الصليبيِّين لسفنهم، لدرجة تقنين القرصنة وتقديم تصاريح بها.

وبعد حصار وضغط متواصلين (1310، 1480م)، في السنة الأولى من حكم السلطان سليمان 1521م فتحت جزيرة رودوس، التي كانت شجًّا في حلوق المسلمين، وكان بها أشد الصليبيين حنقًا على الإسلام، وإيذاءً لأهله في البر والبحر.

وكان الهجوم العثماني كالعادة قويًّا وخاطفًا، حتى إنَّ الغرب لم يشعر إلا وقد فتح المسلمون رودوس[12].

وبعد الفتح أجبر رئيسهم (فيليب ري ليل آدام) على الاستسلام في 1522م، والهجرة عن الجزيرة في أول يناير 1523م، بين مدن منها: (سيفليل إسبانيا) و(كاندي سيلان) و(روما إيطاليا)، إلى أنْ منح الملك (شارك كنت) للإسبتاريين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530 م، وبجانب سيادتهم على مالطا و(وثيقة شارك كنت) كانت لهم السيادة كذلك على عدة جزر صغيرة تابعة لمالطا، مثل: (دي جوزوا وكومين)[13].

وبتدخُّل من الكنيسة تم استبدال الجيوش الإسبانية في طرابلس بمحاربين من فرسان القديس يوحنا، وتم وضع طرابلس تحت عرش صقلية، وصادق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25إبريل 1530م، ومن ثم أصبح النظام يَمتلك مقرًّا وأقاليم جديدة أدَّت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر1530م، إلى "النظام السيادي لفرسان مالطا"، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمثابة وطنِهم الثالث، ومنها استمدوا اسمهم "دولة فرسان مالطا"، واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أنْ يقوي دفاعاتِهم ضد العثمانيين مصدر خوفهم، وأنْ يبني مدينة فاليتا -[14]عاصمة مالطا حاليًّا - التي أطلق عليها اسمه، ومما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة ليبانتوا البحرية 1571م بين الروم والعثمانيين؛ مما أبعد خطر العثمانيين، ووفَّر لنظام الفرسان جوًّا من الهدوء.

تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين، وقرصنته على سفنهم، حتى كوَّن منها ثروة، لا سيما في الحصار التاريخي 1565م، الذي انتهى بمذبحة كبيرة للعُثمانيِّين، كما توسَّع النظام كثيرًا، حتى إنَّ الملك لويس الرابع عشر تنازل له في 1652م عن مجموعة من الجزر في الأنتيل، منها: سان كيرستوف، سان بارتليلي، سان كوزوا، وصادق على ذلك في 1653م، إلاَّ أن صعوبة المواصلات بهذه الجزر اضطر النظام للتنازُل عنها لشركة فرنسية 1655م، وظلَّ النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا، وانتشر سفراؤه في بعض الدول، وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصيَّة للسيد الكبير "للنظام أو رئيس الفرسان".

وفي سنة 936هـ - 1535م قرَّر شارلكان ملك إسبانيا التنازلَ عن طرابلس لفرسان مالطا مقابل مساعدتهم للإسبان في حربهم البحرية ضدَّ الخلافة العثمانية، ومِنْ ثَمَّ كسب فرسانُ مالطا موطِئَ قدم لهم بالسواحل الإسلامية، قطعوا به الطريق على الإمدادات العثمانية القادمة من شرق البحر المتوسط.

حين غادر فرسان القديس جزيرة رودس إلى إيطاليا في 18 صفر سنة 929هـ/يناير سنة 1523م، بدعوة من البابا كليمنت السابع، رأى رئيس المنظمة الأب فيليب أنْ يطلب إلى شارل الخامس إمبراطور المملكة الرومانية منحه جزيرتي مالطا وقوزو؛ لأنَّهم رأوا أنَّهما أليق مكان لغزوِ البلاد الإسلامية، ورأى شارلكان في ذلك فرصة للتخلص من طرابلس - ليبيا - التي طالما تحين لها الفرص، فقَبِلَ طلب الفرسان على شرط أنْ يقوموا بالدِّفاع عن مدينة طرابلس.

ووافق مجلس منظمة الفرسان على الوثيقة القيصرية في 25يوليو 1535م، وجاء وفد منهم إلى طرابلس؛ ليستلم المدينة من واليها "فرديناند ألركون"، وإلى هنا انتهى حكم الإسبان في طرابلس، بعد أنْ دام عشرين سنة لم يتجاوزوا فيها أسوارَ المدينة، قاسى فيها الطرابلسيون الأَمَرَّين.

تسلم فرسانُ القديس يوحنا - فرسان مالطا - طرابلس في محرم سنة 942هـ/يوليو سنة 1535م، وعينوا عليها واليًا هو القسيس "جسباري دي سنقوسا"، وهو أول والٍ من هذه المنظمة على طرابلس، واستولى الفرسانُ على جنزور، والمنصورية، والماية، والحشان، والزاوية، وصبراتة، وكانوا يجبون أموالها، ويفرضون عليها المغارم، ويأخذون رهائنها خوف الانتفاض عليهم[15].

وبقيام الثورة الفرنسية عام 1789م، وغزوها إيطاليا، فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا، وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها، وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798م[16]، ودخلوا في مرحلة من الشتات والتفرق، وبحلول 1805م أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم، ومنذ 1834م ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفةٍ رسميةٍ باسم العمل الخيري، وفى نطاقِ المستشفيات عملهم الأول، حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة خيرية تسيطر عليها الروح الصليبيَّة، وأخذت في التوسُّع حتى فتحت جمعية لها في الولايات المتحدة الأمريكية 1926م، وإن كان إنشاء التنظيم لم يكن له اتِّصال عضوي بالتنظيم القديم، الذي استقر نهائيًّا في الفاتيكان، ثم انتقل بعضُ أفراد هذا النظام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعاشوا فتراتِ الحروب الأهلية، وأصبح رمز نظام القديس يوحنا هو صليبًا أبيض معلقًا بحبل أسود، ولذلك أصبح فرسانُ الهوسبتالية يُعْرَفون بفرسان الصليب الأبيض.

وشهدت هذه الفترةُ ظهورَ منظمة الكوكلوكس كلان الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب في ذلك الحين بالدِّفاع عن المذهب الكاثوليكي، وسيادة الرجل الأبيض، ومنع مُساواة المواطنين السود بالبيض في الحقوق، وتوثَّقت العلاقات بين فرسان مالطا الفارِّين إلى أمريكا، وبين الكوكلوكس كلان، خصوصًا أن الطرفين يتَّفقان في المذهب الكاثوليكي، وقد جسد هذه العلاقات وعبر عنها تنظيمُ فرسان الكاميليا، وهو تنظيمٌ سري نشأ داخل الكوكلوكس كلان، تبنى مبادئها نفسها، وكان تنظيمه الهيراركي يشبه تنظيمَ فرسان مالطا، فهناك "المارد الأعظم" على غرار "السيد الأعظم" لدى الفرسان، ويُعاونه أربعة من فرسان الصقر.

كما أن طقوس احتفالات فرسان الكاميليا والكوكلوكس كلان تشبه تمامًا احتفالات فرسان مالطا؛ إذ يلبسون ملابسَ بيضاءَ، عليها صليب أحمر، ويَضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين، والأنف، والفم، ويشعلون المشاعل النارية، ويزيد أعضاء الكوكلوكس أنَّهم يحملون الجماجم التي تنبعث منها نيران حمراء بشكل مُرعب.

ومن المهم أنْ نشير إلى أنَّ كلتا الحركتين الفرسان وكوكلوكس كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي، حتَّى إنَّه ليبدو أنَّ مُطاردتهم للسود، وكذلك الأسيويين من غير البيض كان اضطهادًا دينيًّا قبل أن يكون عنصريًّا، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم، وتفريغ شحنات الغضب فيهم.

دولة فرسان مالطا المعاصرة: تَختلف دولة فرسان مالطا من حيث هيكلها وتنظيمها عن جمهورية مالطا، وكلتاهما تحظى بالتمثيل الدبلوماسي والاعتراف الرسمي في العديد من دول العالم، والمثير في سفارة هذه الدويلة أنَّها لا تحمل رايات كسائر السفارات، وتقتصر أنشطتها على الأعمال الخيرية والتبرعات والهبات، إلاَّ أن مقرها الرئيس في روما يتمتَّع بامتيازات خاصَّة، فمواطنوها لهم محاكم خاصَّة، وجوازات سفر، ويقدر عددُهم بنحو 10 آلاف فارس، في حين يصل عدد المتطوعين منهم إلى نصف مليون.

وهم يستغلون علاقاتِهم مع دول العالم المختلفة في الحصول على الدَّعم تحت ذريعة إنشاء المستشفيات، وتوزيع المساعدات الإنسانية على المناطق المنكوبة، وتوجه لهم اتِّهامات شديدة بالتآمر، وخطر الفرسان الحالي ليس أقل مما كان في الماضي.

أشارت تقاريرُ إلى أنَّ منظَّمات الإغاثة الصليبية التبشيريَّة في مناطق ملتهبة، كجنوب السودان - لا تزال تُشكِّل عنصرَ الدعم للمُتمردين على الحكومات العربية، وأنَّهم هم الذين فصلوا تيمور عن إندونيسيا، فدَورهم التبشيري لا ينفصلُ عن الدور الخيري، انطلاقًا من دول عظمى مثل أمريكا التي تسهل لهم المرور لدول أخرى تحت غطاء نشاط لا يتعدَّى كونهم هيئة خيرية.

وعقدت منظَّمة الفرسان الصليبيَّة - فرسان مالطا - اجتِماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990م، هو الأوَّل من نوعه منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، وكان الاجتماعُ مثيرًا للغاية، كما قال روجر جيورجو أحد أولئك الفُرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة، وبلغ عددُ الحاضرين حوالي خمسمائة "500" معظمهم من القساوسة، ينتمون إلى اثنين وعشرين دولةً.

ولوحظ أنَّ الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاءَ خُطوة باتِّجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، وقد رَوت صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية تفاصيلَ هذا الاجتماع في حينه قائلة: "إنَّ الفرسان توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كلُّ واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يُزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقودُ المنظمة، وهو إسكتلندي سبق أنْ عمل في حقل التدريس، اسمه أندرو بيرتي، 60 سنة، وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277م، كما أنَّه الرئيس الثامن والسبعون "78" للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة كاردينال، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين فارسًا، يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوَّة".

ولا ينفي تاريخهم الصليبي؛ إذ يقول: "نحن لا نخفي شيئًا، فنحن منظمة دينيَّة قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا؛ لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمِّية بالنسبة لنا، ونحن نبذل جهدَنا لتقديم العون للمحتاجين، والقسم الأكبر منَّا رجال دين وقساوسة".

استغلَّ فرسانُ مالطا نشاطَهم الخيري ومُزاولة عملهم من دول عظمى، مثل: أمريكا، كجواز مرور للدُّول الأخرى، ويرجع الفضلُ في استمرار هذا الوضع إلى بعض الدُّول الأوروبية، بالإضافة إلى الفاتيكان؛ حيثُ مقر الفرسان الآن، فقد أحاطوا الفُرسانَ بالحماية بعد طردهم من مالطا، ومنحوهم بعضَ الامتيازات، ومنها حقُّ التَّمثيل الدبلوماسي، وذلك حفاظًا على الرمز التاريخي الذي يُمثلونه، ودورهم البارز في العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الماضية[17].

نشرت وكالةُ الأخبار "Innovative Media Inc" في 11 يناير 2007 على لسان أندرو بريتي المسؤول الأعلى في فرسان مالطا في معرض حديثه إلى ممثلي 96 دولة معتمدة لدى هيئة فرسان مالطا، بمناسبة اللقاء السنوي المعتاد، الذي انعقد هذه السنة في روما في "تلة الأفنتينو"، فقال: يَجب أن يتمتع جميعُ حجاج العالم بحقِّ الدخول إلى أورشليم معلنًا أنه يَود أنْ يقوم هو شخصيًّا بزيارة إلى الأراضي المقدسة في أكتوبر المقبل.

وبحسب الموقع الرسمي لدولة "فرسان مالطا" فإن المقر الرئيس للمنظمة حاليًّا يقع في العاصمة الإيطالية روما، تحت مسمى "مقر مالطا"، ويلقب رئيس المنظمة بـ"السيد الأكبر"، وهو حاليًّا الأمير البريطاني فرا أندرو بيريتي، الذي تقلد رئاسة المنظمة عام 1988، ويعاونه أربعة من كبار المسؤولين وقرابة عشرين من المسؤولين الآخرين، ويُقيم السيد الأكبر في روما، ويُعامل كرئيس دولة بكل الصلاحيَّات والحصانات الدبلوماسية، وينص القانون الدَّولي على سيادة دولة فرسان مالطا، التي لها حكومتها الخاصة، ولها صفة مراقب دائم في المنظمات الدولية، مثل: الأمم المتحدة، كما أنَّ لها ثلاثة أعلام رسمية لكل علم استخداماته ودلالاته.

وتدار الأنشطة المختلفة للمنظمة عن طريق ستة أديرة رئيسة، متفرعٌ منها خمسة فرعية، و47 جمعية وطنية للفرسان في خمس قارات، بينما ليس لها تمثيل دبلوماسي في الأراضي المحتلة الفلسطينية (إسرائيل).

أهم أعضاء المنظمة في عصرنا: يكشف الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز، والأمريكيَّة ماريسا سانتييرا، اللذان تخصَّصَا في بحث السياق الدِّيني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانية عن أنَّ أبرز أعضاء الجماعة، ومنهم جورج بوش الأب والابن رَئيسَا الولايات المتحدة السابقان، وهما من الحزب الجمهوري، وجد الرئيس الأمريكي بوش "بريسكوت بوش"، الذي ثَبت أنَّه بدأ حياته وهو طفل سارقًا للآثار الهندية المقدَّسة، ثم كتب لاحقًا كتابًا عن النبي - عليه الصلاة والسَّلام - ضمنه الكثير من الاتِّهامات للإسلام باعتباره دينًا دمويًّا، ورونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق، والأخوان: كندي، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ومبعوث الرباعية للسلام الجنرال المتقاعد جوزيف شميتز الذي عمل مفتِّشًا عامًّا في وزارة الدِّفاع الأمريكية، ثم انتقلَ للعمل كمستشار في مَجموعة شركات برينس المالكة لـ"بلاك ووتر"، كتب في سيرته الذاتية أنَّه عضو في جماعة فرسان مالطا، وكاردينال نيويورك فرانسيس سبيرمان مؤسس فرسان مالطا في أمريكا، وله دَور في بعض الانقلابات في أمريكا اللاتينية، والميلياردير روكفيلر أكبر رأسمالي أمريكي، وجيسكار ديستان الرئيس الأسبق لفرنسا، ورئيس الأرجنتين الدكتاتور خوان بيرون.

علاقة المنظمة بمجرمي الحرب: يشير كل من الدكتور سيمون بيَّال والدكتورة ماريسا سنتيريا في موقعهما الإلكتروني "النظام العالمي الجديد" إلى ثبوت علاقة المنظمة بعملية RAT RUN؛ أي: "هروب الجرذان"، بعد الحرب العالمية الثانية، والتي جرى فيها تَهريب علماء النازية وقيادات معسكرات التعذيب وضباط بالجيش النازي من ألمانيا إلى الأمريكتين؛ حيث تم إصدار جوازات سفر مُزوَّرة تحمل هوية فرسان مالطا؛ مما أتاح لهم الهروب من ملاحقات تهمة جرائم الحرب، ثم التخلص من أيِّ دلائل تشير إلى تاريخهم الإجرامي، وذلك كله تحت اسم مشروع بيبر كلايب، والبطل الرئيس في العملية الجنرال النازي REINHARD GEHLEN رئيس الجبهة الشرقية، المتورطة في فظائع النازية في روسيا وشرق أوروبا، وذاك بمساعدة أخيه سكرتير أحد كبار فرسان مالطا في روما، عن طريق توفير الأديرة الكاثوليكية كأماكن حماية وأمان أثناء رحلة التَّهريب، وبعد انتهاء الحرب منح الجنرال النازي "صليب الجدارة"، وهو أرفع وسام لفرسان مالطا، لم يمنح إلا لعدد قليل، منهم: الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، وجورج بوش الابن.

وفي أوكرانيا تم تهريب 30 ألف كرواتي، عليةُ رأسهم الجنرال الفاشي أنتيه بافليش، وهو من أبشع مُجرمي الحرب؛ إذ قام بإبادة جماعية لـ750 ألف صربي، و60 ألف يهودي، و26 ألف غجري.

فقد تم إخفاؤه من طرف الفرسان في الفاتيكان، متنكرًا بزي راهب، حتى تم تهريبه إلى الأرجنتين التي يَحكمها الدكتاتور خوان بيرون%u