مَكَانَةُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَوُجُوبُ الْأَخْذِ بِهَا


الفرقان



لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِبِعْثَةِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَسَيِّدِ الْخَلْقِ وَالْبَشَرِيَّة ِ، فَبَشَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ، وَهَدَاهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ، إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (آل عمران:164)، فَأَعْلَى اللهُ مَكَانَتَهُ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَقَرَنَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء:59)، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80).
فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ نَالَ رَحْمَةَ اللهِ -تَعَالَى- كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران:132)، وَمَنْ أَرَادَ الْفَلَاحَ فَعَلَيْهِ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ؛ {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157)، وَمَنِ اتَّبَعَهُ اهْتَدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ ضَلَّ وَغَوَى؛ {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (النور:54)، وَطَاعَتُهُ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَرِضَاهُ؛ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران:31-32)، وَمُخَالَفَةُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَبٌ لِلْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
وُجُوب الْأَخْذِ بِسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم
جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَكَاثِرَة ُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وُجُوبِ الْأَخْذِ بِسُنَّتِهِ، وَالْعَمَلِ بِهَا، وَالتَّسْلِيمِ لِأَوَامِرِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِأَخْبَارِهِ؛ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، وَسُنَّـتُهُ - صلى الله عليه وسلم -: كُلُّ مَا صَحَّ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَبَيَّنَ أَنَّ الِاتِّبَاعَ لَهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ النَّارِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
أَقْوَام يُعَارِضُونَ سُنَّتَهُ - صلى الله عليه وسلم
أَخْبَرَ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَقْوَامٍ يُعَارِضُونَ سُنَّتَهُ، وَلَا يَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِفِعْلِهِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُعَارِضُ الْقُرْآنَ؛ فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لَهُ وَمُوَضِّحَةٌ؛ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44)، وَالسُّنَّةُ وَحْيٌ كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ وَحْيٌ؛ فَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ )، فَلَا تَجُوزُ مُعَارَضَةُ سُنَّتِهِ بِالْعُقُولِ وَالْأَهْوَاءِ، وَلَا رَدُّهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ عبدالْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: «لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »، وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللهُ-: «مَنْ رَدَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ»، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: «إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ: دَعْ ذَا وَهَاتِ كِتَابَ اللهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ».
الحذر من الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم
من هنا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ نِسْبَةِ حَدِيثٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، خُصُوصًا مَعَ سُهُولَةِ نَقْلِ الْمَعْلُومَاتِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، فَيَجِبُ التَّأَكُّدُ وَالسُّؤَالُ وَالْبَحْثُ وَالتَّحَرِّي قَبْلَ نَشْرِ الْمَعْلُومَةِ حَتَّى لَا تَكُونَ مُشَارِكًا فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَدْخُلَ فِي الْوَعِيدِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمَنْ تَسَاهَلَ فِي ذَلِكَ خُشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه ).
حِفْظ اللهِ -تَعَالَى- لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم
إِنَّ مِنْ حِفْظِ اللهِ -تَعَالَى- لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ هَيَّأَ لَهَا رِجَالًا وَنِسَاءً يَحْمِلُونَهَا إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيَنْقُلُونَهَ ا كَمَا جَاءَتْ، وَعَلَى رَأْسِ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَهُمْ مَنْ حَمَلَ لَنَا هَذِهِ السُّنَّةَ، فَالْوَاجِبُ مَعْرِفَةُ فَضْلِهِمْ وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ؛ فَالطَّعْنُ فِيهِمْ طَعْنٌ فِي شُهُودِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ طَعْنٌ فِيمَا يَرْوُونَهُ وَيَنْقُلُونَهُ إِلَيْنَا مِنَ الدِّينِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ بَذَلُوا الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ، وَقَطَعُوا الْفَيَافِيَ وَالْبُلْدَانَ، وَأَفْنَوُا الْأَعْمَارَ وَالْأَبْدَانَ، فِي حِفْظِهَا وَنَقْلِهَا، وَشَرْحِهَا وَتَرْتِيبِهَا وَتَقْرِيبِهَا، فَمَيَّزُوا لَنَا الصَّحِيحَ مِنَ الضَّعِيفِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ، حَتَّى جَاءَتْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالرِّوَايَاتُ سَهْلَةً بَيْنَ أَيْدِينَا، مُسَطَّرَةً مُدَوَّنَةً؛ فَجَزَاهُمُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُ ّ وَحَسَّنَهُ).
اصْطَفَاء اللهُ لنَبِيَّه مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم
لَقَدِ اصْطَفَى اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِرِسَالَتِهِ، وَأَرْسَلَهُ لِلْعَالَمِينَ إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ بِرَحْمَتِهِ، وَأَوْجَبَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى الخَلْقِ طَاعَتَهُ، وَقَدَّمَ عَلَى مَحَبَّةِ جَمِيعِ الخَلْقِ مَحَبَّتَهُ، وَجَعَلَهَا عَلَامَةً عَلَى صِدْقِ الإِيمَانِ، وَقَائِدًا إِلَى دُخُولِ الْجِنَانِ وَبُلُوغِ الرِّضْوَانِ، وَبِالْمَحَبَّة ِ يَتَمَيَّزُ الْوَلِيُّ الصَّادِقُ مِنَ الدَّعِيِّ الْكَاذِبِ، فَمَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صِدْقًا؛ تَجَلَّتْ فِيهِ طَاعَتُهُ وَاتِّبَاعُ سُنَّتِهِ حَقًّا، وَبِدُونِ ذَلِكَ تَكُونُ مَحَبَّتُهُ دَعْوَى كَاذِبَةً، وَلَمَّا كَانَتِ الدَّعَاوَى لَا تُغْنِي شَيْئًا مَا لَمْ يُقِمْ أَصْحَابُهَا أَدِلَّةً سَاطِعَةً وَبَرَاهِينَ قَاطِعَةً؛ كَانَ لِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنَ الآثَارِ وَالْمَظَاهِرِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، الَّتِي هِيَ بُرْهَانُ مَحَبَّتِهِ، وَعُنْوَانُ صِدْقِهِ وَمُتَابَعَتِهِ ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَجْلَى مَظَاهِرِ مَحَبَّتِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: حُسْنَ اتِّبَاعِهِ، وَتَقْدِيمَ طَاعَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنَامِ.
مِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
وَمِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَعْظِيمُهُ وَتَوْقِيرُهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَبِحُسْنِ مُتَابَعَتِهِ، وَالسَّعْيِ لِإِظْهَارِ مِلَّتِهِ، وَنُصْرَةِ شَرِيعَتِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، وَاجْتِنَابِ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَعِبَادَةِ اللهِ بِمَا شَرَعَ، بَعِيدًا عَنْ إِفْرَاطِ الْغَالِينَ، وَتَفْرِيطِ الْجَافِينَ، وَعَنِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
وجوب العمل بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: أجمع العلماء قديما وحديثا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة، فالأصل الثاني من لأصول الثلاثة المجمع عليها هو ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقواله وأفعاله وتقريره، ولم يزل أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألَّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة؛ فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم؛ لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة؛ ولأنه -عليه الصلاة والسلام- هو المفسر لكتاب الله والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره، ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات.