تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الجواب الواضح المفيد فى حكم الجهل بالتوحيد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الجواب الواضح المفيد فى حكم الجهل بالتوحيد

    أصل الإسلام لا يتحقق إلا بمعرفة التوحيد والعمل به ومعرفة الشرك والبراءة منه وممن فعله
    قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
    " لا خلاف بين الأمة أن التوحيد : لابد أن يكون بالقلب ، الذي هو العلم ؛
    واللسان الذي هو القول ،
    والعمل بالتوحيد- والعمل تنفيذ الأوامر والنواهي ،
    فإن أخل بشيء من هذا ، لم يكن الرجل مسلما.
    فإن أقر بالتوحيد ، ولم يعمل به ، فهو كافر معاند ، كفرعون وإبليس.
    وإن عمل بالتوحيد ظاهراً ، وهو لا يعتقده باطناً ، فهو منافق خالصاً ، أشر من الكافر والله أعلم "
    انتهى من "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (2/124).
    وقال أيضا : " اعلم رحمك الله أن دين الله
    يكون على القلب بالاعتقاد وبالحب وبالبغض ،
    ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر ،
    ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام ، وترك الأفعال التي تكفّر ،
    فإذا اختل و احدة من هذه الثلاث كفر وارتد
    " انتهى من "الدرر السنية" (10/87).
    و المراد من كلمة التوحيد قولها والعمل بها ظاهرا وباطنا وليس مجرد التلفظ بحروفها، وعرفنا أنه لا إسلام لمن لم يخلص جميع أنواع العبادة لله ولم يشرك به شيئا وكفر بما يعبد من دونه.
    وهنا مسألة مهمة وهي:
    حكم الذين يتلفظون بالشهادتين وهم يجهلون حقيقة ما نطقت به ألسنتهم ولا يلتزمون به،
    وهذا كثير فى المنتسبين للإسلام في الازمنة المتأخرة.
    ومن المعلوم أن الجهل هو نقيض العلم،
    فالجهل بالتوحيد هو عدم العلم به.
    فالجاهل الذي نتكلم عنه هنا
    هو الذي لايعرف ما هو التوحيد وما هي لوازمه التي لا تنفك عنه ولا يصح إلا بها،
    وبالتالي فهو لا يعرف ما يميز الإسلام عن الكفر، ولا يفرق بين التوحيد ونقيضه، -
    وما يعتقد أنه توحيد ليس هو التوحيد الذي تدل عليه كلمة الإخلاص
    والذي لا يتحقق الإسلام بدونه بل يعتقد الكثير ان التوحيد هو مجرد الاقرار بأن الله هو الخالق الرازق وغيره من أفعال الربوبية-
    ولا يدرى ان ذلك اقر به جميع المشركين فى زمن النبى صلى الله وكذلك فى ازماننا -
    وانما كان النزاع فى توحيد العبادة والبراءة من الشرك وأهله.
    ولو تأملنا حال من يجهل التوحيد لوجدناه
    لا يخلو عن هذه الأمور أو إحداها على الأقل:
    لا يمكنه ان يميز بين توحيد الربوبية الذى اقر به المشركون - وتوحيد الالوهية الذى دعت اليه الانبياء وحصل بسببه النزاع بين الرسل واقوامهم
    . لايمكنه أن يميز بين التوحيد الذى هو عبادة الله وحده وبين الشرك الذى هو عبادة غير الله، وبالتالي لايمكن أن يميز بين دين المرسلين ودين المشركين.
    . لا يعتقد صحة التوحيد وأن العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا يشاركه فيها أحد من خلقه،
    وأن عبادة غير الله باطلة وشرك وكفر بالله.
    . مادام لا يفرق بين التوحيد وضده فهو ليس ممن يحب التوحيد، ويقبله وينقاد له، ولا يبغض الشرك ولا ينكره ويرفضه لأنه لا يعرفه.
    ومادام اعتقاد صحة التوحيد ومحبته وقبوله، واعتقاد بطلان الشرك وبغضه وإنكاره ورفضه
    متوقف على معرفة التوحيد وضده؛
    فجاهل التوحيد انتفى عنه اعتقاد القلب وعمله فليس بمسلم؛
    لأن التوحيد يكون بالقلب واللسان والجوارح فإن انتفى شيء من ذلك انتفى الإسلام.
    . لا يمكن لجاهل التوحيد أن يكون محققاً لأي شرطٍ من شروط كلمة الإخلاص،
    ومجرد التلفظ بحروفها من غير معرفة ويقين ومحبة وإخلاص وصدق وقبول وانقياد وكفر بما يعبد من دون الله لا يفيد شيئا،
    فلا يكون قوله بلسانه توحيداً،
    ولا يُعَدُّ تعبيراً منه عن إيمانه وإقراره بالتوحيد فهو لا يعرفه ولا يعتقده.
    . لا يخلص العبادة لله ولا يتبرأ من الشرك،
    فهو لايعرف أن عبادته لغير الله شرك من دعاء أو ذبح أو استغاثة أو اتباع لتشريع غير الله،
    ويظن أنه إذا قال لا إله إلا الله فقد وحَّد الله وكفى.
    . لم يكفر بالطاغوت وما يُعبد من دون الله، فلم يعتقد بطلان عبادته ولم يجتنبها ولم يكفِّر من عبد غير الله ويتبرأ منهم
    فهو لا يعرف الفارق الصحيح بين الموحدين وغيرهم.
    . فلا يمكن - وهذه حاله - أن يكون ممن أتى بالتوحيد
    لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله،
    بل هو ممن دان بالشرك بقلبه ولسانه وجوارحه، ولم يتبع ملة إبراهيم
    فنقول: أين هذا الجاهل من دين الله ؟
    هل أتى بالأصل الذي لا يكون مسلماً إلا به؟ وإن لم يأتِ به فما حكمه في دين الله؟
    ما حكم من لم يوحد الله، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله؟
    إجابة هذا السؤال
    يعرفها كل من عرف الإسلام،
    فمن خلال معرفة الإسلام الذي يريده الله يمكن معرفة حكم هذا الجاهل بكل يسر وسهولة.
    فإذا عرفنا أنه لا إسلام لمن لم يأت بأصل التوحيد- يعنى بفعل الشرك
    وأن الإيمان بها يكون بتحقيق ثلاثة أمور:
    ألا نعبد إلا الله
    ولا نشرك به شيئا
    ونكفر ونخلع ما يعبد من دونه من وثن أو شجر أو حجر أو إنس أو جن.
    فهل جاهل التوحيد حقق شيئا من هذا؟
    هل عبد الله وحده ولم يعبد غيره؟
    هل تبرأ من الشرك فلم يشرك بالله شيئا؟
    هل اعتقد بطلان كل ما يعبد من دون الله؟
    هل رفض وأنكر واجتنب الأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دون الله؟
    هل تبرأ من الكفار والمشركين وكفَّرهم وأبغضهم؟
    فإذا لم يحقق جاهل التوحيد شيئا من هذا،
    فهل يصح أن نقول أنه موحد مؤمن بلا إله إلا الله مادام يقولها بلسانه ولا ينكرها؟!
    هل يصح أن نسميه مسلما ونحن نعلم أنه لايؤمن بلا إله إلا الله وإنما يردد كلمة لا يفقه معناها؟!
    هل يصح أن نسميه موحدا وهو يعبد غير الله؟!
    هل يصح أن نسميه مؤمنا وهو لم يكفر بالطاغوت؟!
    هذه أسئلة لن تصعب إجابتها على من عرف الإسلام الذي يريده الله وعرف الفرق بينه وبين ما سواه من الأديان الباطلة.
    ويقول عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف : 103 -
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
    وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
    وقال صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (صحيح مسلم)
    يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن:
    أجمع العلماء سلفاً وخلفاً من الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم حسب الطاقة والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله. انتهى
    ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
    لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شىء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند
    فإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يفهمه أو لا يعتقده بقلبه فهو منافق. انتهى
    ويقول ابن القيم رحمه الله:
    والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. انتهى
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    وأيضاً فإن التوحيد أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصح إسلام أحدٍ إلا به.
    ويقول:
    وإنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد أن لا إله إلا الله، فعبد الله وحده، بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه ومحبته له، وعبوديته وإنابته إليه، وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه، وموالاته فيه ومعادته فيه، ومحبته ما يحب، وبغضه ما يبغض، ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك.
    ويقول:
    ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو:
    الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهاً آخر لم يكن مسلماً. انتهى
    وقال الشيخان حسين وعبد الله أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
    إن الرجل لا يكون مسلماً إلا إذا عرف التوحيد، ودان به، وعمل بموجبه
    وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به،
    وآمن به وبما جاء به.انتهى
    فلا يوجد مسلم لايعرف التوحيد
    ، ولا يوجد مسلم يعبد غير الله،
    ومن جهل التوحيد ولم يكفر بما يعبد من دون الله فليس بمسلم وإن كان جاهلا يظن أنه أتى بالإسلام الواجب عليه.
    ولفظ المسلم والموحد والحنيف تشترك في معنى واحد هو:
    عبادة الله وحده، وترك الشرك به، والكفر بما يُعبد من دونه. وجاهل التوحيد لم يأتِ بالوصف الذي يستحق أن يسمى به مسلماً ولا موحدا ولا حنيفا ولا مؤمنا....................

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الجواب الواضح المفيد فى حكم الجهل بالتوحيد

    سئل الشيخ صالح الفوزان -
    السائل: يقول فضيلة الشيخ وفقكم الله: أنا من غير هذه البلاد وعندي جدة قد توفيت وهي عجوز كبيرة جاهلة كانت تذبح للأولياء وتحلف بهم، هل يجوز لي أن أحج عنها؟
    الشيخ صالح الفوزان:
    لا، هذه تعامل معاملة المشركين لأنها ماتت على الشرك فتعامل معاملة المشركين ولا يحج عنها ولا يُستغفر لها، نعم.
    [الدرس الأخير من تطهير الاعتقاد بتاريخ: 22/05/1432هـ
    ويقول الشيخ الفوزان -

    رجل مسلم يقول: (لا إله إلا الله) ولكنه وقع في الشرك، فهل يقال إنه يوازن بين توحيده وشركه؟
    الشيخ صالح الفوزان: إذا وقع في الشرك فقد أبطل كلمة (لا إله إلا الله) فلا يقال إنه موحد، يقال: مشرك؛ لكن قد يكون جاهلا فيبين له هذا، يوضح له.
    [فتح المجيدـ]
    سئل الشيخ الفوزان
    السؤال:
    فضيلة الشيخ وفقكم الله، كنا في فترة من الزمن في جهل و تخبط، و كان بعض آبائنا و أمهاتنا يعتقدون بالقبور و يتوسلون بها و يذبحون لها و غير ذلك من الأمور الشركية و قد مات هؤلاء الآباء، فهل يجوز الاستغفار لهم و الترحم عليهم؟
    الجواب:
    لا، إذا كانوا ماتوا على هذه العقيدة و هذا العمل، يذبحون لغير الله و ينذرون لغير الله و ماتوا على ذلك فهم مشركون، لا يجوز لكم الاستغفار لهم و لا الترحم عليهم «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى» هؤلاء ماتوا على الشرك، يذبحون لغير الله و ينذرون لغير الله.
    وسئل -
    السؤال:
    ما الحكم في من مات و كان يعمل بعض الشركيات كالذبح للجن و لكن عن طريق الجهل و هل يعذر أحد بالجهل و إذا حصل منه ذلك هل يصلى عليه أم لا؟
    الجواب:
    الذي يرتكب نوعا من أنواع الشرك الأكبر كالذبح لغير الله و النذر لغير الله و دعاء غير الله هذا يحكم عليه بأنه مشرك و إذا مات يعامل معاملة المشركين فلا يغسل و لا يكفن و لا يصلى عليه و لا يدفن في مقابر المسلمين يعامل معاملة المشركين إن كان جاهلا فأمره إلى الله هو الذي يتولاه لكن نحن نعامله بما ظهر منه و بما حصل منه و هو الشرك نحن لا نعلم ما في القلوب و لا ندري عن خفايا الأمور و إنما نحكم بالظواهر فمن تعاطى الشرك و فعل الشرك الأكبر حكمنا عليه بالشرك و عاملناه معاملة المشركين أما اذا كان له عذر بينه و بين الله فالله هو الذي يتولاه و أمره إلى الله.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الجواب الواضح المفيد فى حكم الجهل بالتوحيد

    سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن قول الفقهاء، إن المرتد لا يرث ولا يورث، فكفار أهل زماننا هل هم مرتدون؟ أم حكمهم حكم عبدة الأوثان، وأنهم مشركون؟
    فأجاب: أما من دخل في دين الإسلام ثم ارتد، فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح; وأما من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته الدعوة الإسلامية، وهو على كفره، كعبدة الأوثان، فحكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول الأصل إسلامهم، والكفر طارئ عليهم.
    بل نقول: الذين نشؤوا بين الكفار، وأدركوا آباءهم على الشرك بالله، هم كآبائهم، كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله:" فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه " . فإن كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء واستمروا عليه، فلا نقول الأصل الإسلام والكفر طارئ، بل نقول: هم الكفار الأصليون، ولا يلزمنا على هذا تكفير من مات في الجاهلية قبل ظهور الدين، فإنا لا نكفر الناس بالعموم، كما أنا لا نكفر اليوم بالعموم بل نقول: من كان من أهل الجاهلية، عاملا بالإسلام، تاركا للشرك، فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان، ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية، لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله، والله تعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}
    وأما من مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرض له، ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .فمن كان منهم مسلما أدخله الله الجنة، ومن كان كافرا أدخله الله النار، ومن كان منهم لم تبلغه الدعوة، فأمره إلى الله؛ وقد علمت الخلاف في أهل الفترات، ومن لم تبلغهم الحجة الرسالية.
    وأيضا: فإنه لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا، بما حكم به الفقهاء في المرتد: أنه لا يرث ولا يورث، لأن من قال لا يرث ولا يورث، يجعل ماله فيئا لبيت مال المسلمين؛ وطرد هذا القول، أن يقال: جميع أملاك الكفار اليوم بيت مال، لأنهم ورثوها عن أهليهم، وأهلوهم مرتدون لا يورثون، وكذلك الورثة مرتدون لا يرثون، لأن المرتد لا يرث ولا يورث.
    وأما إذا حكمنا فيهم بحكم الكفار الأصليين، لم يلزم شيء من ذلك، بل يتوارثون؛ فإذا أسلموا فمن أسلم على شيء فهو له، ولا نتعرض لما مضى منهم في جاهليتهم، لا المواريث ولا غيرها، وقد روى أبو داود، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام "، وروى سعيد في سننه من طريقين، عن عروة بن أبي مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من أسلم على شيء فهو له ونص أحمد على مثل ذلك، كما تقدم عنه في رواية مهنا.
    واعلم: أن القول بأن المرتد لا يرث ولا يورث، أحد الأقوال في المسألة، وهو المشهور في المذهب، وهو مذهب مالك والشافعي. والقول الثاني: أنه لورثته المسلمين، وهو رواية عن أحمد، وهو مروي عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وهو قول جماعة من التابعين، وهو قول الأوزاعي، وأهل العراق، والقول الثالث: أن ماله لأهل دينه الذي اختاره، إن كان منهم من يرثه، وإلا فهو فيء، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب داود بن علي، وصلى الله على محمد.[ الدرر السنية فى الاجوبة النجدية]
    وسئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر -
    وأما السؤال الثالث، وهو قولكم ورد: " الإسلام يهدم ما قبله " ،وفي رواية " يجُبُّ ما قبله وفي حديث حجة الوداع: " ألا إن دم الجاهلية كله موضوع " إلخ، وظهر لنا من جوابكم: أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا، جهلا منه بذلك، فلا تكفرونه، حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله، قبل ظهور هذه الدعوة، موضوع أم لا؟
    فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة؛ ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر، يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة عليه؛ لا يقال: إن لم يكن كافرا، فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية. وقد ذكر أهل العلم: أن أصحاب الفترات، يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار، ولا حكم الأبرار.
    وأما حكم هذا الشخص إذا قتل، ثم أسلم قاتله،
    فإنا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم
    ،
    بل نقول: الإسلام يجُبّ ما قبله، لأن القاتل قتله في حال كفره؛
    والله سبحانه وتعالى أعلم.
    وأما كلام أسعد، على قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 1، أنه الإيمان اللغوي الشرعي، فهو مصيب في ذلك؛ وقد ذكر المفسرون: أن معنى قوله {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 2 أن إيمانهم: إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، ثم هم مع هذا الإيمان بتوحيد الربوبية، مشركون بالله في العبادة.
    ومعلوم:
    أن مشركي العرب وغيرهم، يؤمنون بأن الله رب كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، ولم تنفعهم هذه الاعتقادات،
    حيث عبدوا مع الله غيره، وأشركوا معه؛ بل تجد الرجل يؤمن بالله ورسوله، وملائكته وكتبه ورسله، وبالبعث بعد الموت، فإذا فعل نوعا من المكفرات، حكم أهل العلم بكفره وقتله، ولم ينفعه ما معه من الإيمان.وقد ذكر الفقهاء من أهل كل مذهب باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعا كثيرة، من فعل واحدا منها كفر؛ وإذا تأملت ما ذكرناه، تبين لك أن الإيمان الشرعي، لا يجامع الكفر، بخلاف الإيمان اللغوي، والله أعلم.
    وأما قولكم: وهل ينفع هذا المؤمن المذكور، ما معه من أعمال البر، وأفعال الخير، قبل تحقيق التوحيد؟
    فيقال:
    لا يطلق على الرجل المذكور اسم الإسلام
    ، فضلا عن الإيمان;
    بل يقال:

    الرجل الذي يفعل الكفر، أو يعتقده في حال جهله، وعدم من ينبهه، إذا فعل شيئا من أفعال البر، وأفعال الخير، أثابه الله على ذلك، إذا صحح إسلامه وحقق توحيده، كما يدل عليه حديث حكيم بن حزام: "أسلمت على ما أسلفت من خير".
    وأما الحج الذي فعله في تلك الحالة، فلا نحكم ببراءة ذمته، بل نأمره بإعادة الحج،
    لأنا لا نحكم بإسلامه في تلك الحالة،
    والحج من شرط صحته الإسلام؛
    فكيف نحكم بصحة حجه وهو يفعل الكفر، أو يعتقده؟
    ولكنا لا نكفره إلا بعد قيام الحجة عليه،
    فإذا قامت عليه الحجة وسلك سبيل المحجة، أمرناه بإعادة الحج، ليسقط الفرض عنه بيقين.
    وأما ما ذكرته عن السيوطي:
    أن الردة لا تتبعض إذا لم تتصل بالموت، فهي مسألة اختلف العلماء فيها،
    وليست من هذا الباب، لأن كلام السيوطي فيمن فعل شيئا من الأعمال في حال إسلامه، ثم ارتد، ثم أسلم، هل يعيد ما فعله قبل ردته، لأنه قد حبط بالردة أم لا؟ لأن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها.
    [الدرر السنية فى الاجوبة النجدية - المجلد العاشر - كتاب حكم المرتد - ص 139]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •