تعريف بالمعلقات وأصحابها




(المعلقات) مجموعةٌ من أروع قصائد شعراء الجاهلية، قيل في تسميتها بالمعلقات عدة آراءٍ منها أنهم انتقوها من شعر فحولهم، وذهَّبوها على الحرير، وناطوها بالكعبة تشريفًا لها، وتعظيمًا لمقامها، قال (ابن عبد ربه): « وقد بلغ من كلف العرب به - أي بالشعر - وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بأستار الكعبة. فمنه ما يقال له: "مذهبة امرئ القيس" و"مذهبة زهير". والمذهبات السبع، ويقال لها: المعلقات». [العقد الفريد (6/ 118)].

وأيد هذا الرأي أيضًا بعض النقاد القدماء منهم (ابن رشيق) صاحب كتاب "العمدة في محاسن الشعر"، ومنهم (ابن خلدون) الأديب والمؤرخ المشهور.

وأنكر هذا الرأي كثير من المؤرخين؛ وأقدم من أنكره (أبو جعفر النحاس) النحوي.

وقال آخرون: إنها سميت بذلك لأنها من القصائد المستجادة التي كانت تُعلَّق في خزائن الملوك. وقيل: بل لكونها جديرة بأن تَعْلق في الأذهان لجمالها.

وقيل: لأنها كالأسماط التي تُعلَّق في الأعناق، والراجح اليوم أنها سميت بالمعلقات لتشبيهها بالسُّموط، أي العقود التي تُعلَّق بالأعناق، وقد سميت أيضًا بالمذهبات لأنها جديرة أن تكتب بماء الذهب لنفاستها.

وقد اتفق كثير من جامعيها على سبعِ قصائد مطوَّلةٍ تعد خير معبر عن روح العصر الجاهلي والبيئة البدوية التي صورها شعراء تلك المعلقات خير تصوير في قصائدهم وهي:
الأولى: لامْرِئ القَيْسِ، وأولها:

قِفا نَبْكِ مِن ذِكرَى حبيبٍ ومنْزلِ *** بسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ
الثانية: لطَرَفةَ بنِ العَبْدِ، وأولها:
لِخَوْلةَ أَطلالٌ بِبَرْقةَ ثَهْمَدِ *** ظَلِلْتُ بها أبْكِي وأبْكِي إلى الغَدِ
الثالثة: لزُهَيْرِ بن أبي سُلْمَى، وأولها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لمْ تَكَلَّمِ *** بِحَوْمانةِ الدُّرَّاجِ فالمتَثَلَّمِ
الرابعة: لِلَبيدِ بنِ رَبِيعَةَ، وأولها:
عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فمُقامُها *** بِمِنًى تأبَّدَ غَوْلُهَا فرِجامُها
الخامسة: لعَمْرو بن كُلثُومٍ، وأولها:
أَلَا هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصبَحِينا *** ولَا تُبْقي خُمورَ الأَنْدَرِينا
السادسة: لعنْتَرةَ بنِ شَدَّادٍ، وأولها:
هَلْ غادَرَ الشُّعَراءُ مِنْ مُترَدَّمِ *** أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ توَهُّمِ
السابعة: للحارَثِ بنِ حِلِّزة اليَشْكُري، وأولها:
آذَنَتْنا بِبيْنِهَا أسْماءُ *** رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثَّواءُ

وأَلحق بها البعض ثلاث معلَّقاتٍ أخرَى هي:
معلقة (النابغة الذُّبياني) وأولها:
يَا دَارَ ميَّةَ بالعلياءِ فالسَّنَدِ *** أَقْوَتْ وطال عليْها سَالِفُ الأَبَدِ
معلقة (الأعشى ميمون) وأولها:
وَدِّعْ هُريرةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ *** وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ
معلقة (عَبيدَ بنِ الأَبْرَصِ) وأولها:
أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ *** فَالقُطْبِيَّات ُ فالذَّنُبُ
وقد اتفق أغلب نقاد الشعر على ريادة هؤلاء الشعراء ووضعوهم في الطبقات الأولى من رواة الشعر، « فعقد ابن سلام الجمحي فصلًا تحدث فيه عن أوائل الشعراء الجاهليين، وتأثر به ابن قتيبة في مقدمة كتابه: "الشعر والشعراء"، فعرض هو الآخر لهؤلاء الأوائل، وهم عندهما جميعًا أوائل الحقبة الجاهلية المكتملة الخلق والبناء في صياغة القصيدة العربية، وكأن الأوائل الذين أنشئوا هذه القصيدة في الزمن الأقدم، ونهجوا لها سُننَها طواهم الزمان». [شرح المعلقات السبع للزوزني صـ 5].

والغالب على هذه القصائد بداوة التعبير، وطزاجة اللغة «فقد جاء الأدب الجاهلي ابن بيئة يمثلها في الفطرة والبداهة الشائعتين في أغراضه ومعانيه ولغته وتصاويره، وكان الشاعر في هذا العصر لا يحاول تأليف معانيه، وإنما يرسلها إرسالًا يخلو من الترتيب». [شرح المعلقات السبع للزوزني صـ 8].

ودواوين المعلقات صنعها الأصمعى، ورواها أبو حاتم السجستانى، وابن دريد، ونقلها أبو على القالى إلى الأندلس. [تاريخ التراث العربي لسزكين - الشعر (2/ 3)].

وبعضهم يرى أن "حماد الراوية" المتوفى 155 هـ أو 158 هـ هو أول من جمعها من مجموعات الشعر المتاحة لديه. والمرجح أن عادة اختيار بعض القصائد من الرصيد الشعرى الكبير المتاح، لتكون بمثابة النماذج الشعرية، ترجع إلى زمن أقدم من زمن حماد الراوية، ذكر عبد القادر البغدادى أن معاوية بن أبى سفيان قال: « قصيدة عمرو بن كلثوم، وقصيدة الحارث بن حلّزة، من مفاخر العرب، كانتا معلقتين بالكعبة دهرًا». [خزانة الأدب (3/ 181)].

وذكر البغدادي: وروي أن بعض أمراء بني أمية أمر من اختار له سبعة أشعار فسماها المعلقات، وفي رواية أخرى: فماسها المعلقات الثواني.

وقال البغدادي أيضًا بعد أن ذكر أصحاب المعلقات: « وقد طرح عبد الملك بن مروان شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة». [خزانة الأدب (1/ 16)]. وعبد الملك توفي سنة 86 هـ، فبين وفاته ووفاة حماد الراوية حوالي 69 سنة.

وقد تناوب الكثير من الشراح على شرح هذه القصائد وأفردوها بالتعليقات وبيان مفرداتها الغريبة وإعرابها، ومن أشهر هذه الشروح المعروفة لهذه المعلقات: شرح ابن الأنباري المسمى بـ "شرح القصائد السبع"، وقد شرحها أيضًا أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس النحوي شرحًا مختصرًا، وشرحها أيضًا أبو إسماعيل ابن قاسم القالي، وأيضًا نجد شرح الشنقيطي "شرح المعلقات العشر"، والخطيب التبريزي "شرح القصائد العشر"، وأبو بكر عاصم بن أيوب البطليموسي، والشيخ أبو زكريا يحيى بن علي المعروف بابن الخطيب التبريزي، ومحمد بن محمود بن محمد المسكان، والإمام الدميري الشافعي، والقاضي الإمام المتحقق أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين الزَّوزَني في "شرح المعلقات السبع"، أما أقدم الشروح لها فهو شرح الأعلم الشّنتمرى المتوفى 476 هـ.

وتتراءى لنا مطولات الشعر الجاهلي في نظام معين من المعاني والموضوعات، إذ نرى أصحابها يفتتحونها غالبًا بوصف الأطلال وبكاء آثار الديار، ثم يصفون رحلاتهم في الصحراء، وما يركبونه من إبل وخيل، وكثيرًا ما يشبهون الناقة في سرعتها ببعض الحيوانات الوحشية، ويمضون في تصويرها، ثم يخرجون إلى الغرض من قصيدتهم مديحًا أو هجاء أوفخرًا أو عتابًا أو رثاء. وللقصيدة مهما طالت تقليد ثابت في أوزانها وقوافيها، فهي تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات، وتتحد جميع الأبيات في وزنها وقافيتها، وما تنتهي به من رَوِي.

يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في "تاريخ آداب العرب":
« وقد رأينا من ينكر أن هذه القصائد صحيحة النسبة إلى قائليها، مرجحًا أنها منحولة وضعها مثل حماد الراوية، أو خلف الأحمر، وهو رأي فائل؛ لأن الروايات قد تواردت على نسبتها، وتجد أشياء منها في كلام الصدر الأول؛ وإنما تصحح الروايات بالمعارضة بينها؛ فإذا اتفقت فلا سبيل إلى ذلك، غير أنه مما لا شك فيه عندنا أن تلك القصائد لا تخلو من الزيادة وتعارض الألسنة، قل ذلك أو كثر؛ أما أن تكون بجملتها مولدة فدون هذا البناء نقض التاريخ». [3/ 125].
منقول