تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها

    قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها (1/4)

    (699- 805 هـ / 1299 - 1402م)

    د. عبدالرحمن بن علي العريني





    الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وبعدُ:
    فيتناول هذا البحث تجدُّد الفكرة الصليبية ضد المسلمين في العهْد العُثماني الأول؛ إذ إنَّ استيلاء العثمانيين على أملاك البيزنطيين في آسيا، وتوغُّلهم في أوروبا وغزوهم لبعض البلدان البلقانيَّة - كانت أسبابًا مهمَّة من أسباب تجدُّد هذه الفِكْرة التي أدت في عصر القوة الأول إلى قيام أربع حملات صليبية، فشِلت الأولى في الصدام مع العثمانيين، وانتهَت الجولات الأخِيرة للثلاث الباقية بهزيمة الصليبيين.
    وقدمْتُ لهذا البحث بمقدِّمة تاريخية تشْمل جذور الوجود التركي في الأناضول، وأساليب السلاجقة لزيادة هذا الوُجُود، وأصل العثمانيين وعوامل قيام دولتهم، ثم بدايات التفكير الأوربي في الحرب الصليبية ضد العثمانيين، ثم التفْصيل التاريخي لهذه الحملات الأربع؛ حيث بيَّنتُ مقدمات كل حملة، وأسبابها، وأحداثها، ونتائجها.
    إن من معاد القول التأكيد على أن الدولة العثمانية لها سلبياتها وإيجابياتها في حكم العالَم الإسلامي، وفي توسُّعها في أوربا، ونشرها الإسلام في منطقة ذات أهمية تفُوق فيها شبه جزيرة الأندلس؛ لكن من الأحداث البارزة في تاريخ هذه الدولة: تعرُّضها لتلك الحملات الصليبية التي تشْبه في الدعوة إليها والهدف منها، وفي طريقة تشكيلها - الحملاتِ الصليبيةَ التي شنت على المسلمين في العهدَيْن الأيوبي والمملوكي.
    ولعل ما دفعني إلى إطلاق اسم الحملات الصليبية على هذه الحروب الأوربية العثمانية، بروز الأسباب التالية:
    1- وجود اتجاه قوي بين قِسم مهم من المؤرِّخين المسلمين والمستشرقين، يُضفي على مثل هذه الحروب في فترات مختلفة الصبغة الدينية البحْتة، وقد تدْخل فيها بعض الأهداف السياسية والاقتصادية بدرجة ثانية، والتأكيد على الطابع الديني واضحٌ من أن أهداف بعض الحملات - كما سيأتي - استرداد بيت المقدس من المسلمين إضافة إلى وقف المدِّ العثماني في أوربا[1].
    2- أن هذه الحملات قد توافَرت فيها صفة الصليبيَّة؛ حيث كان الداعون إليها البابوات؛ سواء كان ذلك بمبادرة منهم، أم كان ذلك برغبة من بعض ملوك أوربا، كما أنها تكتُّلات تَحْوي عددًا منَ البلدان الأوربية؛ سواء كانت من شرق أوربا، أم من غربها، أم منهما معًا.
    3- لقد ذكر بعض المؤرخين المسلمين والمستشرقين هذه الحروب العثمانية الأوروبية باسم الحروب الصليبيَّة، فبعضهم أطلق عليها الصليبية الجديدة، وبعضهم أطلق عليها صراحة اسم "الحمَلات الصليبية"[2].
    جذور الوجود التركي في الأناضول:
    لقد كان الوُجُود التركي في الأناضول قديمًا، فقد كان الخلفاءُ العباسيون الأوائل يُوَطِّنون أقسامًا من جيشهم من أهل خراسان في الأناضول، وما زالت أعداد التُّرْك تتكثَّف في الأناضول في عهدَي المهدي والمأمون، حتى إذا جاء عصرُ سيادة الجيش الترْكي على الجيش الإسلامي في عهد المعتصم، اخْتِير قادة الحملات على الأناضول من التُّرْك[3].
    ولقد ساعدتْ دولة سلاجِقة الروم على تكثِيف الوجود الترْكي في آسيا الصغرى (الأناضولفي حقبة متقدِّمة من قيامها؛ بل إنَّه منذ تأسيسها قام سلاطينُها الأوائل بإسكان قبائل تركية في وسط الأناضول؛ بل تزامنَتْ مع ذلك أو أعقبَتْه بحقبة يسيرة تحرُّكات قبليَّة تركيَّة إلى المناطق الساحلية في الشمال الغربي للأناضول، الموقع الأول للدولة العثمانية في حقبة تكوينها.
    ومن هنا يُمكن القول بأن الوُجُود التركي في الأناضول ليس نتيجة غزوات خاطفة؛ لكنه نوع من الإسكان التخْطيطي للقبائل التركية في هجرة كثيفة من آسيا الوسطى إلى آسيا الصغرى في أزمنة مختلفة، حتى إذا كان أواخرُ القرْن السادِس الهِجْري، الثاني عشر الميلادي، ازدادت الهجرات التركية إلى الأناضول، لدرجة أن هذا الإقليم قد تَتَرَّكَ (أصبح تركيًّا) فعلاً على المستوى الحكومي والشعبي[4].
    وكان الاستقرار التركي في الأناضول على شكل جماعات وأُسَر مدة العهد السلجوقي، واستمر في عهد الإمارات التي قامت على أنقاض دولة سلاجقة الرُّوم، وزادَ نَشَاطُ هذه الإمارات السياسي والحربي، ضد الإِمارات البيزنطيَّة في تتريك هذه المنطقة[5].
    أساليب السلاَجقة لزيادة الوجود التركي في الأناضول:
    ولقد اتبعت الدولة السلجوقية عدَّة أساليب أدَّت إلى هذا الوجود التركي الكبير في الأناضول؛ منها:
    1- اتِّباع سياسة التفْتيت ثم التوطين، وتَمَثَّلَت هذه السياسة في أنَّ الدَّولة السلجوقيَّة كانت تعمد إلى أكبر العشائر التركية، فتُقسمها أقسامًا كثيرة، وتسكنها في أماكن متنائِية عن بعضها؛ حتى لا تكون هناك رابطة فيما بينها، أو تكتُّل عرقيٌّ ضد الدولة؛ وبذلك اتَّقَت الدولة السلجوقية خطر العصيان الذي يمكن أن يحدثَ لو أن هذه المجموعات التركية أسكنتْ في أماكن متقارِبة[6]، وإذا كانتْ هذه السياسة قد نفعت الدولة السلجوقية في هذه السبيل؛ فإنها بلا ريب قد زادتْ من الوجود التركي في الأناضول، بما تفرَّعت عنه هذه العشائر التركية إلى كيانات عديدة، انساحت في بلاد الأناضول، وجعلت منها منطقة تركية لا تقل كثافة في العنصر التركي عن منطقة آسيا الوسطى.
    2- اتِّباع سياسة إدارية تُغري زعماء القبائل التركية، بإيجاد مناطق نُفُوذ لهم، وتجعلهم تحت الهيمنة السلجوقية في الوقت ذاته، وتمَثَّلَت هذه السياسة في تعيين بعض زعماء القبائل على وظائف محافظي حدود أو محافظي مناطق (أوج بكي)، وتعيين قادة من كبار العسكريين السلاجقة في وظائف أمراء حدود، أو أمراء مناطق (أوج أميري)، ويَتْبع المحافظ لأمير الحدود أو أمير المنطقة، وبذلك تضمن الدولة إرضاء زعماء القبائل التركية، وإبعادهم عن قلب الدولة، وإشغالهم بالحروب في منطقة الحدود، وجعلهم تحت الهيمنة لكبار قادتها، ولا شك أن هذا كله قد زاد من توسيع سلطان هؤلاء الزعماء، باسم الدولة السلجوقية، وزاد بالتالي في وجود العناصر التركية، وبمرور الوقت تحولت هذه الهيمنة إلى خضوع شكلي نتيجة الضعف الذي منيت به الدولة السلجوقية، لكنه في الوقت ذاته كثَّفَ الوجود التركي، وخصوصًا من تلك العناصر ذات الصلة النسبية بالقبائل السابقة[7].
    3- إقامة حامِيات على الحدود البيزنطية والسواحل المحيطة بآسيا الصغرى، وخصوصًا من جِهتي الجنوب والغرب، وكانت هذه الحاميات تضمُّ تشْكيلات من العشائر التركية؛ بهدف التصدِّي للبيزنطيين، ومنَ الملاحَظ أن أقوى هذه الحاميات وأهمها تلك التي أُوكِل إليها الدفاع عن غرب الأناضول، ومحارَبة البيزنطيين في هذه المنطقة، وهذا بلا رَيْبٍ ساعَدَ على تكثِيف الوُجُود التركي في هذه المنطقة بالذات، وبروز الطابع العسْكري لهذه الحاميات الغربيَّة، وشَكَّل هذا أحد العوامل التي ساعدتْ على قيام الإمارات السلجوقية في هذه المنطقة، وأهمها الإمارة العثمانية[8].
    إن من أهم التغييرات العرقيَّة التي حدثتْ في الأناضول إبان حكم السلاجقة: تتريكَ هذه المنطقة، فقد نقل السلاجقة الثقافة التركيَّة إلى هذه المنطقة، وزاد الإقبال على التأليف باللغة التركية في دولة سلاجقة الروم، ثم ما لبثت هذه الثقافة واللغة أن أسهمتا في زيادة تتريك المنطقة، وعلى أهمية هذا العامل في العهد السلجوقي، فإن أهميته برزت بعد سقوط دولة سلاجقة الروم، فقد حمى خلفاء السلاجقة من الإمارات السلجوقية التي قامت على أنقاض دولة سلاجقة الروم، ومنها: الإمارات العثمانية - حمى هؤلاء الخلفاء الوجودَ الإسلامي في هذه المنطقة، وقبل هذا وذاك أبقوا على العنصر التركي الغزي - "نسبة إلى قبائل الغز التركية" - الذي كان يزداد تدريجيًّا في كل منطقة من مناطق الأناضول وخصوصًا غربها[9].
    أصل العثمانيين:
    ينتمي العثمانيون إلى الأتراك الغز، ويجمعهم هذا الانتماء بالسلاجقة، وعلى الرغم من أن الأصل التركي يجمع أقوامًا وشعوبًا عديدة؛ فإن عددًا من المؤرخين الروس والغربيين أطلق هذا الأصل على السلاجقة والعثمانيين، ولعل السبب في هذا يعود إلى بروز هذين الشعبين في زعامة مناطق مهمة وكبيرة من العالَم الإسلامي في فترات تاريخية متعاقِبة[10].
    على أنَّ العرب المسلمين قد أطلقوا لقب الترك على أقوام كثيرة، احتك بهم المسلمون سلمًا أو حربًا، وبعضهم لا ينتمي للأصل التركي - كالمغول مثلاً - فكان بعض من العرب المسلمين يعتقد أن كل شعب قدم من شرق آسيا أو وسطها فهو تركي، ويبدو أن لعامل التشابُه في اللغة والعادات أثرًا في هذا الاعتقاد، والواقع أن هذين الرأيين خاطئان، فالأصل التركي لا يقتصر على السلاجقة والعثمانيين، ولكنه لا يشمل كل أقوام شرق آسيا ووسطها[11].
    وتُجمع المصادر على أن العثمانيين ينتمون إلى قبيلة من قبائل الغز هي قبيلة "قايي التي كانت - هي وغيرها من القبائل التركية - تنزح على أزمنة متباعدة حينًا من مناطق شرق آسيا ووسطها؛ بحثًا عن المراعي الجيدة إلى غرب آسيا، نحو بلاد الأناضول، في هجرة جماعية على شكل أُسَر أو أفخاذ، وربما قبائل، فإذا أمحلت مناطق الترك الأصلية في شرق آسيا ووسطها، اندفع قسم منهم إلى المناطق الخصبة غربًا، تمامًا كما كانت هجرة القبائل العربية بحثًا عن المراعي الجيدة من جنوبي شبه الجزيرة العربية إلى وسطها، ثم إلى شمالها إلى بلاد الرافدين وغيرها من البلاد البارزة.
    ومن الملاحَظ في هجرة القبائل التركية: أن زيادة نسبة الترك في بعض الأقوام المجاورة للترك في شرق آسيا ووسطها تسير جنبًا إلى جنب مع تحضر التُّرك في اتجاه طبيعي من الشرق إلى الغرب[12].

    وإذا كان بعض المؤرخين يقول: إن قبيلة "قايي" تنتمي إلى المغول، فإن هذا الرأي - كما يقول بارتولد[13] - قد جرح بالدِّراسات التركية الحديثة، وبالمعلومات التي أوردها المؤرخ اللغوي محمود الكشغري، صاحب "ديوان لغات الترك"، الذي فرق بين قبيلة قايي التي ليست تركية خالصة، وبين قبيلة قايي أو قيخ الغزية، التي ينتمي إليها العثمانيون؛ بدليل أن الغز لم يحفظ في تاريخهم أنهم كوَّنوا حكومة في منغوليا الموطن الأصلي للمغول، ثم إن الملامح الجسمية المغولية تختلف اختلافًا بينًا عن الملامح الجسمية التركية[14].
    كانت قبيلة قايي من أهم القبائل الغزية التركية، وقد هاجرت من الشرق إلى الغرب، وأرطغرل وابنه عثمان ينتميان إلى عشيرة صغيرة من هذه القبيلة، التي توزعت بُطُونها وعشائرها في مناطق مهمة من وسط آسيا وغربها، وامتزجت بقبائل تركية أخرى؛ بل إن الأقسام التي وصلت إلى الأناضول توزعت في مناطق مختلفة منه، ومن هنا يمكن القول بأن قبيلة قايي وفدت إلى الأناضول في فترات مختلفة من العهد السلجوقي[15].
    ولقد أصبح أرطغرل ثم ابنه عثمان رئيسين لتلك العشيرة التي تنتمي إلى قبيلة قايي، وكان ذلك في أواخر القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، وكان موطن هذه العشيرة هو منطقة إسكي شهر، الواقعة شمال غرب الأناضول وكانت هذه العشيرة تخضع نظريًّا للسلاجقة الروم، وكان على الحدود السلجوقية البيزنطية على طول الساحل الغربي للأناضول إمارات سلجوقية أخرى كان مِن أبرز أعمالِها: الإغارة بين الحقبة والأخرى على حدود بيزنطة، ومن هنا يمكن القول بأن وجود هذه العشيرة في هذه المنطقة نتيجة إيجاد السلاجقة تشكيلات تركية على الحدود البيزنطية؛ تمامًا كما كان الأمويون والعباسيون يفعلون ذلك، ولقد أصبحت هذه التشكيلات الحدودية نواة للإمارات السلجوقية على الحدود البيزنطية، وأهمها الإمارة العثمانية التي كانت تغير على تلك الحدود باسم السلطان السلجوقي في فترة قوة الدولة السلجوقية، ولحسابها الخاص بعد ضعف تلك الدولة وسقوطها[16].
    إن نشوء تلك الإمارة السلجوقية كان نتيجة الوجود التركي المتزايد المندفع إلى غرب الأناضول؛ ونتيجة توسيع أراضيها بالتدرج نحو الساحل الغربي للأناضول على حساب الإمارات البيزنطية، وهذا مما ساعد على تكوين تشكيلات سياسية جديدة على الحدود البيزنطية السلجوقية زادت قوة مع ضعف السلاجقة، نتيجة الفتن الداخلية والغزو المغولي، وبرزت بوصفها إمارات تركية إسلامية على هذه الحدود، وكان أهمها الإمارة العثمانية، وهذا ما جعل مرحلة مهمة من التتريك لأطراف الأناضول الغربية والشمالية الغربية بدأت تظهر أقوى من ذي قبل[17].
    العوامل التي ساعدتْ على قيام الدولة العثمانية:
    يمكن إرجاعُ قيام الدولة العثمانية، وبروزها على أنها أقوى إمارة بين الإمارات السلجوقية، إلى عدد من العوامل التي تهيأت لهذه الإمارة، فسهلت للعثمانيين تشكيلَ دولتهم وتأسيسها والاستقلال بها.
    وقد بدأ العثمانيون الاستفادة من هذه الظروف المتاحة لهم في عهد أرطغرل وابنه عثمان، ومن أبرز هذه العوامل والظروف ما يلي:
    1- الوجود التركي القديم في الأناضول؛ هذا الوجود الذي مضى عليه إبان قيام الدولة العثمانية خمسةُ قرون، سواء كان هذا الوجود اجتماعيًّا فقط، أم مدعومًا بقوى سياسية؛ إذ البداية في الوجود التركي رحيلُ أسر تركية إلى الأناضول بفعل عوامل متعددة، من أبرزها: البحث عن المراعي الجيدة في غرب آسيا، ثم توج هذا الوجود الاجتماعي ببروز القوى السياسية في الأناضول، الذي أدى إلى قيام دولة سلاجقة الروم سنة 466هـ/1074م، وهذا الوجود التركي القديم المتزايد أوجد للعثمانيين تجانسًا معه، ثم تحققت فوائدُه للعثمانيين على حساب السلاجقة والبيزنطيين، ثم على حساب الإمارات التي خلفت الدولة السلجوقية[18].
    2- إن العناصر التركية المتزايدة في الأناضول، وبخاصة تلك التي تزامن إتيانُها مع قيام الدولة العثمانية، كانت عناصرَ شديدةَ البأسِ، عريقة في البداوة، والبدوُ بطبعهم قوم محاربون، والقبيلة منظمة كأنها جيش مستعد لأي أمر يطلبه منه شيخ القبيلة، وأسلوب الحياة البدوية يدفع إلى الروح القتالية، والطاعة المطلقة، والاستعداد للحرب، وهذا ما نلمسه بوضوح في قيام الدولة العثمانية؛ حيث نظر الأتراك إلى الدولة بوصفها قبيلةً كبيرة، وبخاصة في عهد أرطغرل وابنه عثمان، ودعم ذلك في عهود السلاطين الآخرين ما قام به هؤلاء السلاطين من توسيع في البلاد الأوربية باسم الإسلام، وصراع مع القوى النصرانية باسم الإسلام كذلك.
    3- بروز الطابع الديني المتَّقد حماسة لدى العثمانيين منذ عهد الأمير عثمان؛ إذ على الرغم من أن الأتراك قد بدؤوا الدخول في الإسلام في وقت مبكر، إلا أنه في عهد هذا الأمير زاد انتشار الإسلام فيهم، ويبدو أنهم قبل ذلك كانوا يعيشون حالة من الانتقال من الوثنية إلى الإسلام.
    ولقد ارتبط العثمانيون مثلهم في ذلك مثل الأتراك عمومًا، وسلاجقة الروم خاصة، ارتبطوا بمشايخ الطرق الصوفية، ولكن هذا الارتباط مع الطاعة المطلقة لأميرهم كان من أقوى عوامل قيام دولتهم؛ إذ من المعروف تاريخيًّا أن الدولة إذا التزمتْ مذهبًا دينيًّا واجتمعت مع ذلك عصبية قبلية، كان ذلك أدعى لاستمرارها وقوتها، فأصبح العثمانيون - والعسكريون منهم بخاصة - لا يعرفون إلا شيخ الطريقة موجِّهًا لهم، والأمير ثم السلطان قائدًا يدينون له بالطاعة والولاء.
    وكان لتمسك العثمانيين بالإسلام أثر كبير في مستقبلهم الديني والعسكري والسياسي، لا يقل أثرًا عما تركه هذا الدين في عرب شبه الجزيرة؛ فقد هيأ الإسلام للعثمانيين وحدة في العقيدة، وحماسًا ظاهرًا في الدفاع عنها، واجتمع هذا مع طبيعة عسكرية صارمة، مرتبطة بنزعة قبلية قوية، وبخاصة إبان قيامها، ثم عمل السلاطين العثمانيون على زيادتها واستمرارها حتى غدت سمةً بارزة في التاريخ العثماني، وبشكل خاص في علاقة العثمانيين بأوربا النصرانية[19].
    4- لقد سعى الأمير عثمان لوضع نظم إدارية لإمارته، تضمن لقبيلته الاستقرار والتوطن، والانتقال من نظام القبيلة المتجولة إلى نظام الإدارة المستقر؛ وبذلك انتقلتْ هذه القبيلة من البداوة إلى التحضر، مما ساعد على توطيد مركزها، وتطورها تطورًا سريعًا إلى دولة كبرى، هذا مع احتفاظ هذه القبيلة - حتى بعد أن أصبحت دولةً - بمظهر من مظاهر الطابع البدوي في الطاعة المطلقة لشيخ القبيلة الذي أصبح سلطانًا، مع الرغبة في الحرب والاستعداد للقتال كما مر في العامل الثاني[20].
    5- إن أهم دولتين في آسيا الصغرى هما الدولة البيزنطية، ممثلة في إماراتها في آسيا، ودولةُ سلاجقة الروم، وكانتا قد وصلتا إلى حالة شديدة من الضعف والانهيار؛ نتيجة الصراع الطويل بين هاتين الدولتين، ونتيجة تعرض البيزنطيين الأرثوذكس للغزو الكاثوليكي، وتعرُّض دولة السلاجقة لغزو المغول؛ مما جعل منطقة الأناضول تعيش فراغًا سياسيًّا، ساعد الدولةَ العثمانية في بداية تكوينها على ملئه على أنقاض هاتين الدولتين المتداعيتين[21].
    6- إن نشأة الإمارة العثمانية في الشمال الغربي للأناضول على حافة العالم النصراني، المتمثل في الإمارات البيزنطية في آسيا، وهو ما يعرف بدار الحرب، وعلى حافة دار الإسلام؛ أي: نهاية الإمارات السلجوقية، هذه النشأة فرضتْ على العثمانيين سياسةً حربية نشطة؛ لأنهم بمحاذاة عالم نصراني يمكنهم أن يتوسَّعوا في مناطقه باسم الجهاد، وقد يلقَون تعاطفًا من أتباعهم والمسلمين كافة، هذا زيادة على أن الحرب مع بيزنطة، والاستيلاء على عاصمتها العريقة "القسطنطينية"، كان أملَ المسلمين في مختلف حقب تاريخهم؛ ومن هنا فإن الثابت تاريخيًّا أن إمارات الحدود أوفر حظًّا في التوسع من إمارات الداخل؛ ذلك لأن الجهاد ونشر الإسلام والتوسع باسمه، يتوافر لإمارات الحدود، ولا يتوافر لإمارات الداخل؛ لأنها بمحاذاة إمارات أو بلدان إسلامية[22].
    بداية التوسع العثماني ضد البيزنطيين:
    لقد اتبع العثمانيون منذ عهد أرطغرل سياسةً حربية نشطة في أن يتم اتساع إمارتهم في الممتلكات البيزنطية في آسيا، بحيث تكون غزواتهم ضد النصارى في غرب الأناضول، وليس ضد المسلمين في الشرق والجنوب؛ كل ذلك تحقيقًا للعوامل التي ساعدتْ على قيام دولتهم، وكانت سياستهم الحربية هذه غاية في الذكاء؛ فقد كسبوا دعم السلاجقة وأمرائهم من بعدهم؛ لأنهم يحاربون البيزنطيين، زيادة على أن توسعهم الأول كان لحساب السلطان السلجوقي.
    ومن هنا فقد نجحوا في المراحل الأولى لقيام دولتهم نجاحًا منقطع النظير، وحقق أرطغرل توسعًا إقليميًّا جيدًا في منطقة الشمال الغربي للأناضول، حيث ضم منطقة إسكي شهر[23].
    وسلك عثمان مسلكَ أبيه في التوسع والفتوح، واستغل هذا الأمير ضعْفَ دولة السلاجقة، وإغارات المغول التي أجهزت على هذه الدولة سنة 707هـ/1307م، فأعلن استقلاله مقتديًا بغيره من أمراء المناطق السلجوقية، وبذلك عُدَّ المؤسِّسَ الأول للدولة العثمانية، ونسبت هذه الدولة إليه[24].
    وكما كان توسع والده في ممتلكات الدولة البيزنطية، فقد فعل عثمان الشيء نفسه، وساعده خلوُّ أطراف هذه الممتلكات من وسائل الدفاع، فأخذ يشن الغاراتِ المتكررةَ على هذه الأطراف البيزنطية، واستولى على عدد من القلاع القريبة من دولته، مثل قلعة "آق حصار"، التي جعلت العثمانيين يطلون على مضيق البسفور، وتمكن السلطان عثمان من الاستيلاء على الطريق المائي الموصل بين القسطنطينية وبروسة[25]، ثم على قلعة "هودج حصار"، وكان الاستيلاء على هذه المراكز الإستراتيجية مقدمةً للاستيلاء على مدينة بروسة سنة 727هـ/1326م الذي تم في آخر عهد هذا الأمير، حيث سمح في هذه السنة وهو على فراش الموت بالاستيلاء عليها من قبل ابنه أورخان[26].
    ----------------------------------

    [1] عن اتِّجاهات المؤرِّخين حول طابع الحروب الصليبية، انظر: د/حامد غنيم أبو سعيد، "الجبهة الإسلامية في عصر الحروب الصليبية"، القاهرة: نشر مكتبة الشباب 1971م (1/113 - 118).
    [2] ممن أشار إلى جهود البابوية في هذه الحروب، وأنها سبب من أسباب تسْميتها بالحملات الصليبية محمد فريد بك، في كتابه: "تاريخ الدولة العلية العثمانية" ص131، 140، وممن سَمَّاها الصليبية الجديدة كارل بروكلمان في كتابه: "تاريخ الشعوب الإسلامية" ص416، 419، ومِمَّن أَطْلَق عليها اسْمَ الحملات الصليبية، وليم لانجر في كتابه: "موسوعة تاريخ العالَم" (3/755، 852، 865، 869، 872).
    [3] محمد فؤاد كوبريلي، "قيام الدولة العثمانية"؛ ترجمة د/ أحمد السعيد سليمان، دار الكاتب العربي للطباعة والنشْر 1967م (ص: و، ز) من مقدِّمة الترجمة.
    [4] المرجع السابق (ص69، 72) د/ عثمان توران، "الأناضول في عهد السلاجقة والإمارات التركية"، ترجمة د/ علي محمد الغامدي (ط1) - مكة: مطابع الصفا 1418هـ (ص2، 3).
    [5] "دائرة المعارف الإسلامية"؛ ترجمة: محمد ثابت الفندي وزملائه (5/97) مادة: "ترك".
    [6] كوبريلي: (ص70).
    [7] المصدر نفسه (ص128، 219، 133).
    [8] المصدر نفسه (ص127، 128)، لا ريب أن مما ساعد على بروز الطابع الحربي عند الفئات التركية المحاذية للإمارات البيزنطية في غرب الأناضول؛ كونها تحارِب باسم الجهاد، ضد دولة نصرانية، كان أمل المسلمين في مختلف حقب تاريخهم الانتصار عليها، وفتح عاصمتها العريقة
    القسْطَنْطِينية مما أوجد حماسًا لدى هذه الفئات وتعاطُفًا من المسلمين نحوها.
    [9] د/عثمان توران: المرجع السابق (ص2)، "دائرة المعارف الإسلامية" (5/52، 68).
    [10] فاسيلي بارتولد: تاريخ الترك في آسيا الوسطى؛ ترجمة د/أحمد السعيد سليمان؛ مراجعة إبراهيم صبري مطبعة المعرفة نشر مكتبة الأنجلو المصرية (ص30).
    [11] المرجع السابق (ص30)، ومن الأمثلة على ذلك قول إسماعيل بن أبي اليسر في رثاء بغداد:


    وَكَمْ حَرِيمٍ سَبَتْهُ التُّرْكُ غَاصِبَةً وَكَانَ مِنْ دُونِ ذَاكَ السِّتْرِ أَسْتَارُ

    ويقصد بالترك هنا المغول، بعد استباحتهم بغداد أثر سقوطها على أيديهم، مأمون فريز جرار: "الغزو المغولي": أحداث وأشعار، ط1، دار البشير، عمان الأردن 1404هـ، (ص39).
    كما أن محمود الكشغري يطلق اسم الترك على شعوب غير تركية تسكن شرق آسيا، كما أسهم امتزاج الترك بالتتر في دولة الفقجاق في إطلاق بعض العلماء الروس والأوربيين اسم التتر على الترك غير العثمانيين، دائرة المعارف الإسلامية (5/46، 53).
    [12] المرجع السابق (ص36)، كوبريلي (ص118، 119).
    [13] هو فاسيلي فلاديمير بارتولد، ولد في بطرسبرج سنة (1286هـ/1869م) وهو من أبرز المستشرقين الروس المختصين بالتاريخ التركي والفارسي، وأكثر مؤلفاته في هذين التاريخين، وقد استقدمته حكومة أتاتورك فيما بعد لإلقاء محاضرات عن الأصول العراقية للأتراك في جامعة إستانبول؛ بهدف بحث أصول القومية التركية في تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية.
    له مؤلفات تزيد على الأربعمائة، مات سنة 1349هـ/1930م، بارتولد: "تاريخ الحاضرة الإسلامية"؛ ترجمة حمزة طاهر - ط2 - القاهرة، مطبعة دار المعارف، 1372هـ، (ص 9 - 13) "تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي"؛ ترجمة: صلاح الدين هاشم - ط1 - الكويت: نشر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1401هـ/1981م، (ص27، 34).
    نجيب العقيقي، "المستشرقين" - ط4 - القاهرة: دار المعارف (3/79 - 80).
    [14] بارتولد: ص106، كوبريلي (ص120، 122).
    [15] كوبريلي (ص120، 123).
    [16] كوبريلي (ص126، 127)، توران (ص30).
    [17] كوبريلي (ص132، 133)، توران، (ص30).
    [18] توران (6، 33).
    [19] المرجع السابق (37)، عبدالعزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، مطبعة جامعة القاهرة، نشر الأنجلو المصرية، 1980م (1/36 - 38)، إسماعيل ياغي، "الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث"، ط1 - مطبعة العبيكان، 1416هـ (12، 13).
    [20] الشناوي (1/38)، ياغي (13).
    [21] الشناوي (1/38، 39)، ياغي (13).
    [22] الشناوي (1/39)، ياغي (13، 14).
    [23] إسكي شهر: منطقة بغرب الأناضول، وعاصمتها باسمها، وتعد الآن من المراكز التجارية في تركيا؛ "الموسوعة العربية الميسرة" (153).
    [24] الشناوي: المرجع السابق (1/39، 40).
    [25] بروسة أو بورسة بالسين والصاد: مدينة تقع غرب الأناضول، قرب بحر مرمرة، على سفوح جبال أولمب، أصبحت عاصمة للعثمانيين بعد الاستيلاء عليها، وتشتهر بصناعة الحرير والسجاد الذي ينسب لها؛ "الموسوعة الميسرة" (430).
    [26] الشناوي (1/42، 43).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها

    قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها (2/4)



    د. عبدالرحمن بن علي العريني





    بداية التفكير في الحملات الصليبية على الدولة العثمانية



    لقد كان استيلاء العثمانيين على بعض القلاع والممتلكات البيزنطية في عهد أرطغرل وابنه عثمان، بدايةَ الاحتكاك بالعالم النصراني، وكان طبعيًّا أن يبدأ تفكير النصارى في محاربة العثمانيين منذ عهدي هذين الأميرين؛ إذ نظر الأوربيون على أن استيلاء العثمانيين على هذه القلاع والممتلكات البيزنطية بعد فتوحات إسلامية، يجب أن تقابل بحملات صليبية، وأنها مقدمة للتوغل في أوربا، وهو ما تم فعلاً بعد عهدي هذين الأميرين.
    وتأسيسًا على هذه النظرة الأوربية إلى الأتراك العثمانيين؛ فإن التحالفات الدولية التي تكونت ضد الدولة العثمانية عبر تاريخها، كانت في لحمتها وسداها تحالفاتٍ صليبيةً[1] ضد الإسلام، أملتْها روحٌ صليبية، ووجهتها روح صليبية، برزت أفكارها من البابوية، التي حرصت على تجميع بعض الدول الأوربية في حملات صليبية ضد العثمانيين.
    الحملات الصليبية الأولى (734هـ/1333م)
    مقدماتها:
    بعد أن تم الاستيلاء على بروسة في آخر عهد عثمان، وتولي ابنه أورخان بعده، تم نقل العاصمة إلى هذه المدينة، وقد بنى فيها عددًا من المساجد، وحوَّل كنيستها إلى مسجد، ثم واصل مهمة أبيه في التوسع، فاستولى على إزنيق[2] سنة 741/1330م، ثم على إزميد[3] سنة 738هـ/1337م، وبسيطرته على هاتين المدينتين بسط نفوذه على ساحل بحر مرمرة، ولم يعد يفصله عن أوربا إلا المضيق الصغير[4].
    على أن أورخان توسع في الجنوب الشرقي، فقد توفي أمير إمارة قراسي[5]، واختلف أبناؤه على الزعامة، فضمها أورخان إلى دولته سنة 737هـ، وتعد أولَ ولاية إسلامية من ولايات سلاجقة الروم يستولي عليها العثمانيون[6].
    ولا ريب أن فتوحات السلطان أورخان لبعض القلاع البيزنطية، مع ضمه لإمارة أبناء قراسي، قد زاد من مساحة الدولة العثمانية أضعافَ ما كانت عليه أيام أبيه عثمان، كما زادت من قوَّته وقدرته على التوسع في كل اتجاه، وبخاصة ضد البيزنطيين؛ فقد أصبحت قوة العثمانيين هي القوةَ الوحيدة القادرة على مجابهة هؤلاء، علاوة على كونها الملاذَ الآمن للفارين من بطش المغول، بوصفها أقوى الإمارات السلجوقية المستقلة.
    العوامل التي أدت للدعوة إلى الحملة الصليبية الأولى:
    لئن كان معارك الأمير عثمان هي بداية قيام الدولة العثمانية وتكوينها، فإن فتوحات السلطان أورخان هي التي أدت إلى قيام أوربا بالتفكير في شن حملات صليبية على الدولة العثمانية، ولقد توافر عددٌ من العوامل لدى الطرفين، أدت إلى استئناف أوربا الصليبية شنَّ حملاتها عن طريق البابوية، يمكن مما سبق وغيره عرض أبرزها فيما يلي:
    1- أن الروح الصليبية لا تزال قوية في أذهان الأوربيين، وهي المسيطرة على الرأي العام عندهم؛ بل إنها هي الميهمنة على العلاقات بين الشرق والغرب، ومن قوة تأثيرها كانت المتاجرة بها بين البابوات وملوك أوربا ظاهرةً بارزة في تلك الفترة، تمامًا كما كانت الحال كذلك في العهدين الأيوبي والمملوكي.
    2- أنه لم يمضِ على سقوط حصن عكا الصليبي - آخر الحصون الصليبية في فلسطين - غير بضع سنين (690هـ/1291م)، مما جعل أوربا الصليبيةَ تتحفز لأخذ الثأر المزعوم من المسلمين، وزاد هذا التحفز حينما رأى الأوربيون جدية العثمانيين في التوسع والفتوح[7].
    3- أن الاهتمام بالجهاد كان قويًّا لدى العثمانيين؛ بل يمكن القول بأنه من أهم إستراتيجياتهم الحربية؛ إذ قدموا التوسع على حساب الممالك النصرانية على التوسع في المناطق الإسلامية، سواء الدول التي خلفت سلاجقة الروم أو الدولة المملوكية، فلم يتمَّ إسقاطُ هذه الدولة على يد العثمانيين إلا في بداية القرن العاشر (923هـ/1517م)؛ أي: بعد قيام الدولة العثمانية بقرنين وربع تقريبًا، وخلال هذه الحقبة تم إخضاع معظم دول البلقان؛ مما جعل أوربا كذلك تسعى جاهدة لتشكيل الحملات الصليبية ضد العثمانيين.
    4- تشكيل السلطان أورخان للجيش الإنكشاري، أو الجيش الجديد، الذي كان مؤلفًا من أبناء النصارى الذين تربوا تربية إسلامية على يد مشايخ الطرق الصوفية، فلم يعرفوا إلا السلطان أبًا لهم، ولا عملاً إلا الجهاد في سبيل الله، ولا موجهًا إلا شيخ الطريقة، وقد حرص السلطان أورخان ومن بعده على إيجاد جبهات حربية ينطلق إليها هؤلاء المحاربون[8].
    5- سيطرة العثمانيين على قلعة بروسة، أعظم قلعة بيزنطية في آسيا الصغرى، زيادة على سيطرتهم على بعض المواقع الإستراتيجية على بحر مرمرة، كقلعتي إزميد وإزنيق - كما مَرَّ.
    الاستعداد للحملة وتعيين قائدها:
    إنَّ الفتوحاتِ العثمانيةَ للمواقع الإستراتيجية البيزنطية، وقربها من البر الأوربي، أثارتِ الفزعَ والقلق لدى أوربا والبابوية، التي خشيت عبور العثمانيين بحرَ مرمرة، وتهديد أوربا والبابوية، كما أن الجمهوريات التجارية - كجنوة والبندقية - قد ثارتْ مخاوفُها هي الأخرى من الخطر العثماني على أملاكها ومراكزها التجارية في سواحل مصر والشام، التي استمرت طيلة العهد المملوكي على الاحتفاظ بها، ومن هنا سعت البابوية وهاتان الجمهوريتان إلى تأليب الدول النصرانية على العثمانيين.
    قام البابا يوحنا الثاني والعشرون بالدعوة الفعلية لهذه الحملة، وطاف المدنَ المهمة في أوربا، وأرسل دعاته إلى المدن الأخرى، وتمخض عن هذا عقدُ حلف صليبي، ضم البابوية، وفرنسا، والقراصنة الإسبتاريين في رودس، والإمبراطور البيزنطي، وألبانيا[9].
    وفي سنة 734هـ/1333م قرَّر البابا يوحنا الثاني والعشرون شنَّ الحملةِ الصليبية الأولى على الدولة العثمانية، وأعلن في الوقت نفسه تسليمَ قيادة الحملة إلى الملك فيليب السادس ملك فرنسا؛ نظرًا لكونها الدولة التي قامت بالدور الأبرز في الحروب الصليبية في العهد الأيوبي[10].
    فشل الحملة وأسبابه:
    مات البابا يوحنا الثاني والعشرون في ربيع الآخر عام 734هـ/ ديسمبر 1333م، فأدَّى ذلك إلى تعطل تنفيذ الحملة بعض الوقت؛ نظرًا لكونه الداعيَ الفعلي لتشكيلها؛ لكن الملك الفرنسي أصرَّ على استمرار الاستعدادات في فرنسا لسرعة تنفيذ هذه الحملة، واحتشدتِ السفن الكبيرة في الموانئ الفرنسية، وتوافد الصليبيون من كل قطر أوربي للاشتراك في الحرب ضد العثمانيين.
    وبينما الاستعدادات تجري حثيثةً لانطلاق هذه الحملة، إذا بأمر قد جدَّ في أوربا الغربية حال بين الأوربيين وانطلاق حملتهم الصليبية الأولى على الدولة العثمانية، هذا الأمر هو حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا؛ فقد كانت حربًا مضنية امتصتْ طاقات هاتين الدولتين، وكانت أسباب هذه الحرب الصراعَ بينهما على احتلال بعض الجزر في بحر المانش، والنزاع الاقتصادي، والسيادة في القارة الأوربية؛ وبذلك فشلت هذه الحملة ولمَّا تنطلق، لكنها على أي حال أيقظتِ الشعور الأوربي بزعامة البابوية للقيام بحملات صليبية على الدولة العثمانية، على غرار تلك الحملات الصليبية في العهدين الأيوبي والمملوكي[11].
    الحملة الصليبية الثانية (765هـ/1363م)
    مقدمات الحملة:
    أ- دخول العثمانيين أوربا والعوامل المساعدة على ذلك:
    لقد قام العثمانيون بعمل حربيٍّ عظيم، يعد بداية لمرحلة جديدة من توسع الدولة العثمانية وتطورها، بعد أن سيطروا على معظم الأراضي الواقعة على بحر مرمرة والبسفور، وبعد أن كانوا قد قصروا فتوحاتهم على ممتلكات البيزنطيين في آسيا، وبعد أن فشلت الحملةُ الصليبية الأولى، وحرصًا من العثمانيين على استغلال هذه الأحداث، ولا ريب أن هذا التوسع كان له أثره الكبير، لا في تاريخ الدولة العثمانية فحسب، ولا في تاريخ أوربا فقط؛ بل في التاريخ العالمي وتاريخ الصراع بين المسلمين والصليبيين؛ هذا العمل هو دخول العثمانيين البر الأوربي، وهو ما فتح صفحة جديدة في تاريخ نشر الإسلام في جزء مهم من أوربا، وهو منطقة البلقان، التي لا تقل أهمية ومكانة في قارة أوربا عن الأندلس؛ بل ربما فاقتْها مساحة وخصبًا وثراء وأهمية إستراتيجية، وبما أن الاستيلاء على قسم كبير من البلقان بعد ذلك، قد تزامن مع سقوط الأندلس؛ فقد عوض العثمانيون المسلمين فقدهم للأندلس، باستيلائهم على أندلس أخرى، هي البلقان؛ لأنه كما كانت الأندلس مفتاحًا لأوربا من جهتها الجنوبية الغربية، فقد كانت البلقان مفتاحًا لأوربا كذلك من جهتها الشرقية[12].
    ولقد ساعدت العثمانيين عواملُ سياسية بيزنطية هيَّأت لهم فرصة الدخول التدريجي إلى البر الأوربي والاستيلاء على بعض القلاع والمدن في أوربا.
    ومن هذه العوامل:
    1- الخلاف بين البيزنطيين حول العرش، فقد كان على عرش بيزنطة صبي صغير هو "جان باليولوغ" ابن الإمبراطور أندرونكوش الثالث، والوصية عليه أمه "آن دوسافوا"، وكان لها شريك في الوصايا يدعى "كانتوكوزين"، فاختلف معها لأنه يريد الاستئثار بالعرش لنفسه[13].
    2- دعوة كانتوكوزين لأورخان وأمير دولة بني آيدين[14] "عمر بك" لمساعدته حدا بآن دوسافوا - لكي تفسد عليه خطته - أن تستعين بأمير دولة بني صاروخان[15] وأورخان نفسه، فاستعان كل منهما على حدة بأورخان، الذي يقال: إنه تزوج ابنة كانتوكوزين، وحاول أن يصلح بينهما فأشار عليهما بعقد معاهدة تقضِي بقِسْمة العرش بينهما على فترتَيْن رئاسيتين يتدَاولان العرْش خلالها[16].
    3- نشوب الخلاف بينهما مرة أخرى، واستعانة كل منهما بأورخان، ونتيجة لرغبة كانتوكوزين الاستئثار بالحكم فقد ثار عليه باليولوغ وأمه؛ مما جَرَّ حربًا أهلية بيزنطية، فاستعان كانتوكوزين مرة ثالثة بأورخان الذي اهتبل الفرصة هذه المرة، وعجَّل بغزو أوربا، فبعث ابنه سليمان[17] على رأس جيش كبير تَمَكَّن به من الاستيلاء على قلعة "تزيمب"[18]، ويُقال: إن أورخان قد اشترط على كانتوكوزين تسليم هذه القلعة مكافأة له على دعمه في نزاعه مع آن دوسافوا، فكانت أول أرض يدخلها العثمانيون في أوربا، كما أنها أول مركز عسكري لهم في أوربا حول هذه القلعة[19].
    4- مساعدة السلطان أورخان لكانتوكوزين لصد هجوم الصرب وحلفائهم على بيزنطة؛ حيث أرسل جيشًا كبيرًا لنجدته، ورغم أن ملك الصرب قد مات قبل وصوله بجيشه إلى القسطنطينية، وتخلص الروم من غزوه، وعاد العثمانيون إلى بلادهم، فقد كانت هذه النجدة فرصة سانحة لأورخان ليتعَرَّف على مواطن الضعف في الدولة البيزنطية، فأخذ في تجهيز الجيوش للاستيلاء على بعض المواقع الإستراتيجية على الساحل الأوربي لبحر مرمرة وبحر إيجه، وتم له ذلك بالاستيلاء على تزيمب - كما مَرَّ[20].
    ب- الاستيلاء على غاليبولي[21]:
    بعد أن أَتَمَّ العثمانيون استيلاءهم على قلعة تزيمب زحفوا إلى غاليبولي، فدخلوا بدون قتال، وذلك سنة 759هـ/1357م[22]، ولعل مما ساعد العثمانيين على الاستيلاء على غاليبولي بهذه السهولة العوامل الآتية:
    1- تدخُّل العثمانيين ومشاركتهم في حل الخلافات البيزنطية، بناء على طلب زعماء بيزنطة؛ مما جعلهم يتعرفون على مواطن الضعف والانحلال في جسم الدولة البيزنطية، وذلك أن استدعاء كانتوكوزين لأورخان كي يساعده هيَّأ الفرصة أمامه للتعرف على الطريق الإستراتيجي إلى أوربا، وبالتالي انتهاز فرصة الضعف المسيطر على بيزنطة، ومن ثم الاستيلاء على غاليبولي[23].
    2- الاستيلاء على قلعة تزيمب ساعد العثمانيين على تثبيت أقدامهم قرب غاليبيولي، وجعلهم يطلون عليها، ولما كانت هذه القلعة تشرف على غاليبولي فأصبح من السهل الاستيلاء على القلاع القريبة من المدن، حتى تصبح هذه في مرمى المدفعية العثمانية فيسهل بالتالي الاستيلاء عليها.
    3- حدوث زلزلة عنيفة دكَّت أسوار غاليبولي، جعلت البيزنطيين يعتقدون أنها غضبة إلهية حاقت بهم، فخرجوا من مدينتهم في الوقت الذي اعتَقد فيه العثمانيون أنها رحمة من الله لهم، وآية من آيات النصر لتيسير الفتح، فاغتنموها ودخلوا المدينة بلا قتال، ومصائب قوم عند قوم فوائد[24].
    وبعد أن استولى العثمانيون على غاليبولي، واصلوا زحفهم لفتح القلاع والمدن القريبة منها، ففتحوا عددًا كبيرًا منها بزعامة سليمان بن أورخان الذي كان حريصًا بتوجيه من أبيه على بناء عدد من المساجد في البلدان التي يستولي عليها[25].
    ج - نتائج هذه الانتصارات العثمانيَّة:
    لقد كانتْ هذه الانتصارات كبيرة، وضمت مناطق واسعة من أملاك الدولة البيزنطية في أوربا، ويمكن إجمال نتائجها على العثمانيين والأوربيين عمومًا فيما يلي:
    1- أنه بالاستيلاء على غاليبولي تَمَكَّن العثمانيون من الاستيلاء على مفتاح الدردنيل من جهة أوربا، وبالسيطرة السابقة على المواقع الآسيوية المقابلة لها، فقد أصبح العثمانيون متحكمين في المضايق التي تفصل آسيا عن أوربا؛ حيث أصبح في وسْعهم فصل القسطنطينية عن أوربا، وكان أهل القسطنطينية يحسون بحصار العثمانيين لهم، ويتوقَّعون سُقُوط مدينتهم بين فترة وأخرى، حتى لقد قال معاصر من أهلها: "إنهم كانوا يحسون أنهم واقعون في شبَكة"[26].
    2- كان الاستيلاء على غاليبولي بداية الحركة التوسعيَّة الكبرى في أوربا في عهد أورخان وابنه مراد الأول؛ بحيث تمكن العثمانيون من الاستيلاء على أجزاء مهمة في البلقان مثل تراقيا[27]، كما استطاع السلطان أورخان أن يمليَ إرادته على أباطِرة بيزنطة[28].
    3- أدرك كانوكوزين خطأه حينما استدعى العثمانيين إلى أوربا، وما ترتب عليه من استيلائهم على عدد من القلاع والمدن فيها، فبعث شكواه إلى أورخان، طالبًا منه تسليم غاليبولي مقابل عرض مادي، لكن أورخان - وقد تحقق لدولته هذا الاتِّساع في هذه المدة الوجيزة - رفض هذا الطلَب، فلجأ كانتوكوزين إلى الصِّرْب والبلغار؛ يحثهم على عقد حلف بين نصارى أوربا لإخراج العثمانيين من البلقان؛ فلم يلقَ منهم إلا الشماتة والسخْرية؛ لأنه سبب من أسباب دخول العثمانيين في أوربا، فغَضِب البيزنطيون عليه، وخلعوه وولوه ابنه مكانه، ثم ما لبثوا أن خلعوه، وولوا يوحنا باليولوغ إمبراطورًا على بيزنطة[29].
    4- أدخلت هذه الانتصارات الرعْب في نفس باليولوغ نفسه، فاعْتَرَضَ بقوة العثمانيين الذين استمروا في استيلائِهم على القِلاع والمدن البيزنطية الأخرى، وأصبح هذا الإمبراطور يدين بالولاء للسلطان أورخان في معاهَدة عقدتْ بينهما[30].
    5- مهدت هذه الانتصارات السبيل أمام العثمانيين؛ كي يستفيدوا منَ الخلافات التي كانت تعيشها أوربا، سواء كانت خلافات سياسية أو دينيَّة؛ ولذلك فقد استغل مراد الأول ابن أورخان وخليقته[31] الفرصة ليزيد مساحة الدولة العثمانية أضعاف ما كانت عليه إبان عهد والده؛ حيث أرْسَلَ جيْشًا بقيادة البكلربكي لاله شاهين تَمَكَّن من الاستيلاء على أدرنة[32] سنة 763هـ، وقيل: 764هـ/1361، 1362م، بعد أن هزم واليها الرومي، ولأهمية موقعها الجغرافي وكونها على ملتقى ثلاثة أنهر، نقل السلطان مراد العاصمة إليها، كما تَمَّ الاستيلاء على فليبوبولي[33]، وعدد من المدن والقلاع القريبة منها[34].
    6- أصبحت الدولة العثمانية أعظم دولة في الأناضول والبلقان، وبخاصة أنه قد تزامنت الانتصارات في البلقان بانتصارات في الأناضول توجت بالاستيلاء على أنقرة[35]، وضم دولة القرمان[36] إلى أملاك الدولة العثمانيَّة[37].
    7- أصبح العثمانيون يَتَوَسَّطُون ممالك الصرب والبلغار والبيزنطيين، وأحدقوا بالقسطنطينية من جميع الجهات الأوربية والآسيوية، وفصلت عن باقي الإمارات والممالك البلقانية، واقتصر الحكم البيزنطي على القسطنطينية وما حولها[38].
    8- عاد الإمبراطور البيزنطي للإذعان لقوة العثمانيين، فاعترف بها، وتعهد أن يقصر ولاءه على السلطان مراد بعد أن كان يساعِد أو يطلب مساعدة الصرب والبلغار وبقية ملوك البلقان[39].
    الدعوة للحملة الصليبية الثانية:
    لئن كانت هذه الانتصارات العثمانية قد أثارت الرُّعب في نفوس البيزنطيين، فقد تعدَّى الأمر كذلك إلى أهل البلقان؛ بل عموم سكان أوربا؛ لأن توغل العثمانيين في البلقان أبان أنهم لا يقصدون البيزنطيين، الذين يعدون في نظر البابوية هراطقة وأنجاسًا ملحدين، فكانوا يسمونه "هراطقة الشرق المسيحي"؛ لأن البيزنطيين أرثوذكس، وسكان أوربا الغربية كاثوليك وبروتستانت؛ بل اتَّضح أن هذه الفتوحات العثمانية تستهدف ممالك كاثوليكية؛ كالمجر، وإمارات البلقان الكاثوليكية، وربما دول أوربا الغربية كذلك.
    ومن هنا كان حماس البابا أوربان الخامس (أوربانوس) شديدًا في ندائه للأوربيين، ودعوته إلى حملةٍ صليبيةٍ ثانية ضد العثمانيين، وقد لقيتْ دعوتُه هذه الاستجابة المطلَقة من أمراء البلقان الذين كان الزحفُ العثماني يتهَدَّدهم بصفةٍ مباشرة؛ ولهذا فقد ضَمَّ الحلف الصليبي البابا وملك المجر وأمراء الصرب، وحاكم البوسنة وملك البلغار وحاكم والاشيا[40].
    وعلى الرغم من قوة هذه الدَّعوة من البابا لتشْكيل الحملة الصليبية الثانية ضد العثمانيين، فقد تخلفت عنها إنجلترا وفرنسا وجنوة والبندقية، حتى إن بيزنطة نفسها لم تنضم لها، بل وقفت موقفًا عدائيًّا من هذا الحلف؛ علْمًا أن أول أهدافه طرْد العثمانيين من أوربا.
    ويعود تخلف هذه الدول إلى الأسباب التالية:
    1- انشغال فرنسا وإنجلترا بحرب المائة عام، التي استمرت بين البلدين، وحالت بينهما وبين الاشتراك الفعلي في الحرب الدائرة بين الأوربيين والعثمانيين، وإن كان توقُّفها في بعض الفتَرات قد سمح لفرنسا الاشتراك في الحمْلة الصليبية الرابعة - كما سيأتي.
    2- انشغال جنوة والبندقية بالحرب بينهما على الاستئثار بالأسواق الأوربية، ونقل التجارة عبر البحر المتوسِّط، زيادة على وُجُود نزاعات بين الصليبيين من أصل جنوي وبندقي في بلاد الشام التي تنعكس آثاره على النزاع بين الجمهوريتين في أوربا[41].
    3- العداء التقليدي بين الكاثوليك والأرثوذكس، أو بين الكنيستين الغربية والشرقية، يؤكِّد ذلك أن البيزنطيين كانوا يعتقدون أن البابا أوربان الخامس يهدف من وراء دعوته للحملة الصليبية الثانية اتِّخاذها ذريعة لإخضاع الكنيسة الشرقية للبابوية في روما، وكان لهذا الاعتقاد من جانب البيزنطيين شيء من الحقيقة؛ إذ إن الرأي العام الإيطالي والأوربي كان مشاركًا للبابا في انتهاز هذه الفُرصة بعد حرب العثمانيين، والانتصار عليهم للقضاء على هراطِقة الشرْق المسيحي، كما تسميهم البابوية، وتقصد بهم البيزنطيين الأرثوذكس.
    4- اعتقاد البيزنطيين أن أعضاء الحلْف الصليبي - وبخاصة الصرْب والبلغار - كانوا يهدفون من الاشتراك في هذه الحملة إلى وراثة الدولة البيزنطية في أمْلاكها، وعاصمتها العريقة وزعامتها لشبه جزيرة البلقان[42].
    5- الخوف الشديد من قوة العثمانيين الذين أحدقوا بالقسطنطينية - كما مر - مما جعل الإمبراطور البيزنطي يقصر ولاءه على السلطان مراد؛ فيخشى إن اشترك في هذه الحملة أن يعاقبه السلطان عقوبة شديدة على نقضه العهد.
    معركة تشيرمن أومارتزا:
    حشد الحلف الصليبي جيشًا بلغ عدد جنده ستين ألف مقاتل، بقيادة ملك الصرب، وسار هذا الجيش لاستيلاء على أدرنة، وأمل الصليبيون تحقيق ذلك؛ لأنَّ السلطان مراد في آسيا الصغرى للاستيلاء على بعض مدنها، كما أن فرقة من الحلف الصليبي بقيادة أماديوس تَمَكَّنت من السيطرة على غاليبولي؛ لكن الجيش العثماني بقيادة البكلربكي لاله شاهين الْتَقَى بهم على مقربة من نهر تشيرمن أومارتزا، وقد أرسل فرقة في الوقت ذاته بقيادة حاج إيل بكي يبلغ عددها 4000، وقيل 10000 مقاتل؛ لاستطلاع قوة الصليبيين ومباغتتهم ومشاغلتهم في الوقت ذاته[43].
    ولما كان جيش الصليبيين كثيرًا بالقياس إلى هذه الفرقة العثمانية، فقد اعتقدوا عدم قدرة العثمانيين على هزيمتهم، ولم يحتاطوا لهم؛ بل ظلوا سادرين في غفلتهم مما جعل حاج إيل بكي يستغل الفرصة وينقضّ عليهم بفرقته، ويخترق الجيش الصليبي حتى وقعت فيه مقتلة عظيمة، وتبَدَّد شمله، ولاذ أمراء الصرب بالفرار، وغرق بعضهم في نهر مارتزا، أما ملك المجر فقد استطاع الهرب بكلِّ مشقة[44].
    وبهذا تحقق النصر الحاسم للعثمانيين في هذه المعركة الفاصلة التي تُعَد أهم معارك الحملة الصليبية الثانية، ويبدو أن وراء هذا الانتصار أسبابًا، منها:
    1- عدم أخْذ الصليبيين الحيطة والحذر، بينما كانت الفرقة العثمانية على قلتها غاية في الدقة والتنظيم، واستغلت الفرصة المناسبة المتمَثِّلة في غفلة الجيش الصليبي.
    2- اختلاف بعض الفئات الصليبية من البلقانيين، فقد أشارتْ بعض المصادر إلى شيءٍ من هذا الاختلاف، الذي أدَّى إلى تفرُّق كلمتهم، وتغلُّب العثمانيين عليهم[45].
    وقد حدثتْ هذه الوقعة سنة 765هـ/1363م، ولا رَيْب أن العثمانيين قد انتابهم فرحٌ وسرور لهزيمة الحلْف الصليبي في هذه الحملة، ولهذا فقد أطْلق السلطان مراد على مكان الموقعة "صرب صنديغي"؛ أي: هزيمة أو انكسار الصِّرْب، كما أطلق على قائد الفرقة العثمانية التي هَزَمَت الصليبيين وهو حاج إيل بكي: "أسد الحرب، وسند الإسلام"، كما قام ببناء عدد من المساجد، ونقل العاصمة من بروسية إلى أدرنة؛ لتكون محطَّة انطلاق للغزوات العثمانية في أوربا[46].
    وعلى الجانب الآخر فقد أصابت هذه الهزيمة الصليبيين بالأسى والحزن والإحباط، واليقين بالعجز عن هزيمة العثمانيين، ويتَّضح هذا الشعور لدى البابا أوربان الخامس الداعي إلى هذه الحملة، فقد انتابه غَمٌّ شديد وأصابه يأس قاتل، أيقن بعده أن العثمانيين ماضون في غزواتهم وفُتُوحاتهم في أوربا، ولن تقف في سبيل تقدُّمهم أيَّة حملة صليبية مهما بلغ عدد جيشها، وكان لهذا اليأس أثره الكبير في رفض هذا البابا لُجُوء الإمبراطور البيزنطي إليه؛ ليدعوَ لحملةٍ صليبية جديدة ضد العثمانيين - كما سيتَّضِح ذلك في نهاية أحداث هذه الحمْلة[47].
    نتائج موقعة تشيرمن أومارتزا:
    تُعَدُّ وقعة تشيرمن أومارتزا من المعارك الفاصلة في التاريخ العثماني، وهي أهم معركة في الحملة الصليبية الثانية، وتبرز أهميتها من خلال استعراض النتائج التالية:
    1- صمود العثمانيين أمام الزحْف الصليبي، الذي كان قد وضع في حسبانه إخراج العُثمانيين من أوربا، ولقد كان هذا الصُّمود مقدِّمة لصمودهم أمام الحملات الصليبيَّة التالية.
    2- مواصَلة العثمانيين فُتوحاتهم في شرق أوربا، فقد استولوا على إقليم تراقيا، ومقدونيا، وجنوب بلغاريا، وشرق صربيا، وشمال اليونان، وبعض بلاد البوسنة، ودخل قسم منهم في الإسلام، وأجبر العثمانيون البقية على دفع الجزية[48].
    3- أدركت الجمهوريات التجارية مكانة الدولة العثمانية في آسيا وأوربا، فسارع بعضها إلى عقد معاهدات تجارية، ومن أهم هذه الجمهوريات جمهورية راجوزة في دلماسيا على البحر الأدرياتيكي التي حرص دوقها على عقْد معاهدة مع السلطان مراد، منحه فيها حق الاتجار في أسواق الدولة العثمانية، مقابل دفع ضريبة سنوية قدرها 500 دوقة ذهبية[49].
    4- اعترف حكام بلغاريا ومقدونيا وشمال اليونان بسيادة السلطان العثماني مراد، كما أن ملك بلغاريا شيشمان قد صاهر مرادًا، أما الإمبراطور البيزنطي فقد خضع للسلطان مراد كذلك، وقبل في سبيل ذلك أن يدفع جزية سنوية، ويرى نفسه أميرًا إقليميًّا للدولة العثمانية، وأن يقدم جنودًا للدولة في حروبها المقبلة[50].
    5- تبدو أهمية هذا الحملة ومعركتها المهمة معركة تشرمن، لو جاءت بنتيجة عكسية، إذًا لتعقب الصليبيون العثمانيين، ولأخرجوهم من أوربا، ثم من الأناضول، ثم اتجهوا إلى بلاد الشام بغية الاستيلاء على بيت المقدس، ولعادت المآسي على يدي الصليبيين مرة أخرى، كما حدث في العهدين السلجوقي والمملوكي، يدل على ذلك أن فكرة تخليص بيت المقدس من المسلمين لا تزال حية يقظة في نفوس الصليبيين، وتؤكد عليها خطابات البابا، ودعواته للحملات الصليبية ضد العثمانيين[51].

    ـــــــــــــــ ــــ
    [1] المرجع نفسه (1/45).
    [2] إزنيق أو إزنيك أو نيقية: ثانية المدن البيزنطية بعد القسطنطينية، وتقع شمال شرق بروسة بحوالي 8 كم على بحر مرمرة.
    [3] كان يطلق عليها قديمًا نيقوميديا، وقيل: إن أصلها نيكوميدس، وتقع على بحر مرمرة.
    [4] محمد فريد بك، "تاريخ الدولة العلية العثمانية"؛ تحقيق د/إحسان حقي، ط/1، دار النفائس، 1401هـ، ص124.
    [5] هي إمارة صغيرة تقع غرب الأناضول، جنوب بحر مرمرة، وإلى الشرق من بحر إيجه؛ المصدر السابق (هامش ص124)، وللتفصيل فيها انظر: د/أحمد السعيد سليمان، "تاريخ الدول الإسلامية ومعجم الأسر الحاكمة"، نشر دار المعارف، القاهرة (2/391، 392).
    [6] محمد فريد: المصدر السابق (ص124)، وذكر أن ذلك سنة 736هـ/1336م، أحمد السعيد: المرجع السابق (2/391، 392).
    [7] الشناوي (1/46).
    [8] عن الجيش الإنكشاري، انظر: أحمد جودت باشا، "تاريخ جودت"؛ تعريب عبد القادر الدنا، تحقيق د/عبداللطيف الحميد - ط1، مؤسسة الرسالة، 1420هـ (ص171، 172)، محمد فريد: مصدر سابق (123، 124)، إدوارد جيبون: "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها"؛ ترجمة د/محمد سليم سالم، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب (3/277 - 279).
    [9] سالم الرشيدي، "محمد الفاتح"، ط2، جدة، مكتبة الإرشاد، 1969م (ص24).
    [10] المرجع السابق (ص24).
    [11] المرجع نفسه (ص25)، وعن حرب المائة عام انظر: د/سعيد عبدالفتاح عاشور، "أوربا العصور الوسطى"، ط3 - مكتبة الأنجلو المصرية، 1964م (1/505 - 520).
    [12] الشناوي (1/43)، أحمد السعيد سليمان، "مذكرة في تاريخ الدولة العثمانية" لم تنشر، ص 15، سالم الرشيدي (ص25).
    [13] الرشيدي (ص25).
    [14] هي إحدى الإمارات التي خلفت دولة سلاجقة الروم وتقع في الجنوب الغربي للأناضول في منطقة إزمير وأفسس وما حولهما، وقد تعرضت لحرب صليبية قاومها عمر بك حتى قتل، وقد استمر حكم هذه الإمارة من سنة 700هـ إلى 805هـ/1300 - 1403م، أحمد السعيد: "تاريخ الدول الإسلامية" (2/396 - 400).
    [15] هي إحدى الإمارات التي خلقت دولة سلاجقة الروم كذلك، وتقع شمال دولة بني آيدين، بينها وبين دولة قراسي حول بحر إيجه وقد استمر حكمها من 700 إلى 813هـ / 1300 - 1410م، أحمد السعيد: "المرجع السابق" (2/393 - 395).
    [16] أحمد السعيد: "تاريخ الدولة العثمانية" (ص8)، ويقال: إن جان باليولوغ تزوج الابنة الثانية لكانتوكوزين رغم الخلاف بينهما، ويبدو أن ذلك بعد عقد المعاهدة التي تقضي بقسمة العرش بينهما؛ الرشيدي (ص25، 26).
    [17] كان سليمان ولي عهد أبيه أورخان؛ لكنه مات سنة 761هـ / 1359م، بعد أن سقط من جواده، فأصبح ولي العهد مراد الأول... محمد فريد (ص127)، كارل بروكلمان، "تاريخ الشعوب الإسلامية"، ترجمة نبيه فارس، ومنير البعلبكي - ط7، ببيروت: دار العلم للملايين، 1977م (ص415).
    [18] تقع قلعة تزيمب (Tzympe) على بحر إيجه، في جزئه الشمالي الشرقي الأوربي، وتبعد عن القسطنطينية 86 ميلاً تقريبًا في جنوبها الغربي، وقد أطلق عليها وليم لانجر: تزومبا، وليم لانجر: "موسوعة تاريخ العالم"، أشرف على ترجمتها د/ محمد مصطفى زيادة، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة (3/869).
    [19] محمد فريد (ص126)، الرشيدي (ص26)، وليم لانجر: المرجع السابق (3/869).
    [20] محمد فريد (ص125، 126)، الرشيدي (ص26)، لانجر (3/864، 869)، وأشار إلى أن هزيمة الصرب كانت على يد العثمانيين.
    [21] غاليبولي - بالغين والجيم والكاف - تقع الآن في تركيا الأوربية، وهي ميناء مهم في الطرَف الشرقي لمضيق الدردنيل في شبه جزيرة يحمل اسمها، وقد شهدت حملة باسمها شنَّها الحلفاء في الحرب العالمية الأولى للاستيلاء على الدردنيل وإسطنبول، محمد فريد (هامش ص126، 127)، "الموسوعة الميسرة" (ص596).
    [22] محمد فريد (ص126)، الرشيدي (ص26، 27).
    [23] أحمد السعيد: "تاريخ الدولة العثمانية" (ص8).
    [24] محمد فريد (ص126)، الرشيدي (ص26، 27)، عبدالعزيز الشناوي: "أوربا في مطلع العصور الحديثة"، نشر دار المعارف، مصر 1389هـ (1/597، 598).
    [25] من أهم المدن التي استولى عليها سليمان بن أورخان بعد غاليبولي، أبسالا ورودستوا، محمد فريد (ص127).
    [26] أحمد السعيد: مرجع سابق (ص8).
    [27] إقليم من أهم أقاليم البلقان، تتوازعه عدة دول مثل: اليونان، وتركيا، وبلغاريا، وهو من أقاليم الخلافات الحدودية، "الموسوعة الميسرة" (ص501).
    [28] لانجر (3/864، 869).
    [29] الشناوي: مرجع سابق (ص 598 - 600)، الرشدي (ص27).
    [30] الشناوي (ص600)، الرشيدي (ص27).
    [31] مات أورخان في السنة التي مات فيها ابنه وولي عهده سليمان؛ أي: سنة 761هـ/1359 - 1360م، ويقال: إنه مات حزنًا على موت ابنه، أحمد جودت: مصدر سابق (ص103)، الرشيدي (ص27).
    [32] أدرنة أو أدريانوس: نسبة للإمبراطور البيزنطي أدريان، تبعد عن القسطنطينية 95 كيلو في شمالها الغربي، أصبحتْ عاصمة للدولة في عهد مراد الأول، وتُعَدُّ الآن مركزًا تجاريًا صناعيًّا استولت عليها اليونان، ثم أعيدت لتركيا، محمد فريد (ص129) من حاشية المحقق أحمد جودت (ص103) من حاشية المحقق، "الموسوعة الميسرة" (ص 98).
    [33] فليبوبولي أو فليبوبوليس: أي مدينة فيليب والد الإسكندر الأكبر الذي أسسها، تقع غرب أدرنة، محمد فريد (ص130) من حاشية المحقق.
    [34] محمد فريد (ص130)، بروكلمان (ص416)، الشناوي (ص601)، الرشيدي (ص28)، أحمد السعيد (ص9).
    [35] أنقرة أو أنكورية أو أنجورة: هي إحدى عواصم الرومان الإقليمية القديمة، ثم أصبحت عاصمة دولة القرمان، اشتهرتْ بمعركة أنقرة التي هُزم فيه السلطان بايزيد الأول أمام تيمورلنك سنة 804هـ/1402م، وكادت أن تسقط الدولة العثمانية بسببها، وأصبحتْ عاصمة تركيا الحديثة بدلاً من إسطنبول بقصْد قطع الصِّلة بالماضي ولتوسطها، "الموسوعة الميسَّرة" (ص248).
    [36] هي إحدى الإمارات التي خلفت دولة سلاجقة الروم، وكانت أكبر هذه الإمارات بعد الإمارة العثمانية وأكثرها رقيًّا وتحضُّرًا، وتنسب إلى كريم الدين قرامان، وقد عادت أسرة قرامان إلى حكمها بعد وقعة أنقرة، إلى أن تم استيلاء العثمانيين عليها نهائيًّا سنة 888هـ/ 1483م، أحمد السعيد: "تاريخ الدولة الإسلامية" (2/415 - 419).
    [37] محمد فريد (ص 129)، لانجر (3/869)، بروكلمان (ص416).
    [38] محمد فريد (ص130)، الرشيدي (ص28).
    [39] الرشيدي (ص28).
    [40] الشناوي (ص602)، الرشيدي (ص28)، أحمد السعيد (ص21)، بروكلمان (ص416).
    [41] الشناوي (ص602)، الرشيدي (ص28)، أحمد السعيد، "تاريخ الدولة العثمانية" (ص12).
    [42] الشناوي (ص603).
    [43] الشناوي (ص603، 604)، الرشيدي (ص28)، أحمد السعيد ص12، 13)، بروكلمان (ص416).
    [44] محمد فريد (ص131)، الشناوي (ص604)، الرشيدي (ص28)، أحمد السعيد (ص13)، بروكلمان (ص417)، لانجر (3/869).
    [45] بروكلمان (ص417).
    [46] أحمد السعيد (ص13)، الشناوي (ص604).
    [47] الرشيدي (ص38).
    [48] الشناوي (ص604)، الرشيدي (ص39)، أحمد السعيد (ص13)، عاشور (1/640).
    [49] محمد فريد (ص131، 132)، الرشيدي (ص29).
    [50] محمد فريد (ص132)، الرشيدي (ص29)، بروكلمان (ص417)، لانجر (3/869).
    [51] الرشيدي (ص29).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها

    قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها (3/4)
    د. عبدالرحمن بن علي العريني


    نقض الإمبراطور البيزنطي عهده مع السلطان، ومحاولته دعوة الباب لحمْلة صليبيَّة جديدة:ما لبث الإمبراطور البيزنطي جان باليولوغ أن ضاق ذرعًا بالحال التي وصل إليها من الضعف أمام البيزنطيين؛ نتيجة خضوعِه للعثمانيين؛ فقَرَّر نقض العهد مع السلطان مراد، وقرَّر التقرُّب من البابوية، فرحل إلى روما سنة 771هـ/1369م، وخضع للبابا؛ علّه ينجح في حملِهِ على دعوة الدول الأوربية إلى شنِّ حملة صليبية جديدة على العثمانيين، وقد بلغ حدًّا من الخضوع أن قام بطقوس المذهب الكاثوليكي الذي طالما حاربه، وركع أمام البابا، وقَبَّل يديه ورجليه، ووافق على اتِّحاد الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية؛ بل كتب له اعترافًا بقَبول وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية في جميع نواحي الخلاف بين الكنيستَين، ولكن دون جدوى، فقد عجز عن إقناع البابا ودول أوربا في مساعدته ضد العثمانيين؛ لعُمْق العداء الديني بين الكنيستَين؛ ولأن الإمبراطور كان مقتنِعًا بأنه لا يستطيع تغيير عقيدة رعيته؛ ولأن البابا ودول الحلف الصليبي ما زالوا يتجرعون مرارة اليأس والإحباط من جرَّاء انتصار العثمانيين عليهم في معركة تشيرمن[1].
    وعاد الإمبراطور إلى القُسطنطينية يجر أذيال الفشل لينال سخط البيزنطيين، وغضب السلطان مراد، لكن السلطان عفا عنه ليفرض عليه معاهَدة بنودها أقوى من المعاهدة السابقة، فأجابَه إلى عقد هذه المعاهدة التي يعترف فيها الإمبراطور بالتبَعية الصريحة للسلطان مراد، ويتعَهَّد في الوقت نفسه بالخدمة في الجيش العثماني، ولتأكيد الْتِزامه بهذه المُعاهَدة قدَّم ابنه مانويل ليكون رهينة في يد السلطان، كما سمح له باحتلال سالونيك، وبذلك تقلَّصَت الإمبراطورية البيزنطية أكثر من ذي قبل[2].
    الحملة الصليبية الثالثة (789هـ/1387م):ما أن انتهت الحملة الصليبية الثانية بذلك الانتصار العُثماني في وقعة تشيرمن، حتى واجَه العثمانيون خطر تحالُف صليبي آخر ضدهم، وتمخضت عنه معارك عدة شكَّلت ما يمكن تسميته بـ(الحملة الصليبية الثالثة).
    معركة نيكوبولي الأولى[3]:من المعروف أن نيكوبولي قد تَمَّ استيلاء العثمانيين عليها قبيل الحملة الصليبية الثانية كما مر، ولقد جد ملوك البلقان في استعادَة هذه المدينة؛ لأنها أول مدينة استولَى عليها العثمانيون في أوربا، فالاستيلاءُ عليها من قبَل الأوربيين سيجعل لهم عمقًا إستراتيجيًّا في أملاك العثمانيين في أوربا.
    ومن هنا فقد أصبحتْ منطقة تنازُع بين الأوربيين والعثمانيين، وتَمَّ للأوربيين الاستيلاءُ عليها سنة 768هـ/1366م، وقد مكثتْ تحت حكمهم إلى سنة 775هـ/1373م، حينما استعادها العثمانيون؛ بل تقدموا في بعض دول البلقان، فأثار ذلك ملوك هذه الدول، وبخاصة ملك بلغاريا شيشمان الثالث، الذي كان قد صاهَر السلطان مرادًا - كما مر - ولكن مخاوفه من استيلاء العثمانيين على بلده دفَعه للدعوة لحملة صليبية، ولو مِن دول البلقان فقط لإخراج العثمانيين من أوربا، وجاء تشْكيل هذه الحملة الصليبيَّة من ملوك البلقان الذين كان الخطر العثماني يتَهَدَّدهم بصفة مباشِرة؛ فقد تكون مِن ملك البلغار وملك الصرب، وأمراء البوسنة والهرسك وألبانيا، وبولندا والمجر والأفلاق، وكان البابا قد دعا لحملة صليبية ضد العثمانيين برغبة من ملوك البلقان، لكن هؤلاء الملوك لم ينتظروا تشكيل هذه الحملة عن طريق البابوية، فشكلوا حِلْفًا خاصًّا بهم؛ خشية تأخُّر المدَد من البابوية ودول أوربا الغربية[4].
    أ- المرحلة الأولى لهذه المعركة:بلغ عددُ الجيش الصَّليبي 200.000 مقاتل، ونظرًا لكون السلطان مراد في آسيا الصغرى مع بعض القواد والجند؛ فلم يكن العثمانيون مستعدِّين لهذا الحِلْف الذي فاجأهم على حين غفلة، ولذلك الْتَحَم هذا الجيش الكبير مع بعض الكتائب والفِرق العثمانية عند بلوشنيك[5]، وحقَّق الأوربيون انتصارًا ساحقًا في هذه الموقعة، وذلك سنة 789هـ/1387م، وكان الجيش العثماني بقيادة البكلربكي لاله شاهين.
    ولا ريب أن هذا الانتصار قد أثر على معنويات البلقانيين؛ حيث تجدَّد العزْم لديهم على إخْراج العثمانيين من أوربا، كما أَثَّر على الوُجُود العثماني في البلقان، فأخَّر فتح إقليم البوسنة، إلاَّ أن آثار هذا الانتصار كانتْ وقتية، فما لبث العثمانيون أن استعادوا قوتهم من جديد[6].
    ب - المرحلة الثانية:انْتَبَه العثمانيون إلى خُطُورة هذا الحلف، وخافوا من أن تستغل البابوية ودول أوربا الغربية هذا الانتصار، فترسل مَددًا لأهل البلقان؛ ولذلك كانتْ خطتهم تقضِي بمُحاربة الدول المشتركة في هذا الحلف على انفراد، فتنفتِح جبهات عدة ضد الجيش الصليبي، وقد أوْكل السلطان مراد ذلك الأمر إلى قائد مِن أمْهر قواده، وهو علي باشا بن قرة خليل جلندرلي، وسار هذا القائد على رأس جيش كبير إلى البلغار، وهاجَم شماليها، وسيْطَر على عدة مدن بلغارية، وفر شيشمان الثالث ملك بلغاريا إلى مدينة نيكوبولي، فتعقبه علي باشا، وحاصره فيها حتى وقع أسيرًا، وفي هذه الأثناء وصَل السلطان مراد منَ الأناضول، فطلب شيشمان مقابلته، وعرَض عليه الصلح فوافق السلطان عليه بشَرْطَيْن هما:1- إعادة ما كان يدفعه من جِزية تقرَّرت عليه بعد هزيمة الصليبيين في وقعة تشيرمن، وأن يستمر في أدائِها، وكان شيشمان قد قطع هذه الجِزْية بعد انتصار الجيْش الصليبي في وقعة بلوشنيك.2- أن تفتح مدينة سيلسترة[7] أبوابها أمام العثمانيين، ويتنازل لهم عنها[8].
    نقض شيشمان العهد وسقوط نيكوبولي:بعد أن ترك الجيش العثماني منطقة البلغار، مكتفيًا ببعض الحاميات، عاد شيشمان الثالث إلى نقْض عهده مع السلطان مراد، مؤَملاً أن يعود الحلف الصليبي إلى قوتِه؛ فاستؤنِفت الحرب من جديد بينه وبين العثمانيين، وتحصن شيشمان بنيكوبولي مرة أخرى؛ فتعقبه علي باشا وحاصره في تلك المدينة؛ وشدَّد الحصار والهجوم على حاميتها معقل شيشمان وأسرته، حتى أُكره على التسليم بلا قيد على شرط أن ينفذ الشرطَيْن السابقَيْن، وأن يتنازل عن نصف بلاده للعثمانيين، فضم العثمانيون هذا النصف، وأبقوا شيشمان حاكمًا على النصف الباقي، وكان ذلك سنة 792هـ/1389م[9].
    معركة قوص أوه[10] الأولى[11]:بعد أن خضع معظم بلغاريا للعثمانيين، وقضي بالتالي على الطرف البلغاري في الحِلْف الصليبي، أراد السلطان مراد أن يقضي على بقيَّة أعضاء الحلْف الذين كونوا بمجموعهم تكتُّلاً صليبيًّا ضخْمًا، على الرغم من أن البلغار ليسوا ضمنه، وكان جيشهم يفوق الجيش العثماني كثيرًا، وقد عقدوا العزْم على استِئْصال شأْفَة العثمانيين من أوربا، واتَّجهوا إلى ميدان قوص أوه، وإدراكًا من السلطان مراد لخطر هذا التحالُف، وتلافِيًا لِمِثْل ما حدث في بلوشنيك، فإن السلطان مراد لم يكل قيادة الجيش العثماني إلى أحد مِن قادته بل قادَهُ بنفسه، وزحف بجيشه لِمُواجَهة قائد التَّكَتُّل الصليبي ملك الصِّرْب لازار جريلينا نوفتش، وجدَّ السلطان في تعقب هذا الحلف فأدركهم في مكان تجمُّعهم قوص أوه سنة 792هـ/1389م، ونشب قتال مريرٌ بين الجانبين تبادلا فيها النصر أكثر من مرة، واستبسلا في المعركة اعتقادًا منهما أنها الحاسمة والمقررة للمصير، وقد أصيب العثمانيون بخسائر كبيرة لكن ذلك لم يفت في عضدهم، ومن هنا فلم يكسب أحدٌ منَ الفريقَيْن النصر الحاسم في المراحل الأولى للمعركة[12].
    مقتل السلطان مراد الأول:وفي مرحلة من مراحل القتال، وبينما كان السلطان مراد يتفَقَّد مواقع القتال إذا برجل صربي يُدعى ميلوك كوبلوفتش يتقدَّم من السلطان، وكأنه يريد تقديم شكوى له، فسمح له السلطان بالقرب منه لكنه كان يُخفي في برديه خنجرًا طعن به السلطان مرادًا طعنةً أردتْه قتيلاً، وتكالب على القاتل الإنكشارية فقتَلُوه، وكان ذلك في يوم 15 شعبان سنة 792هـ/30 يوليو 1390م[13].
    وتشير إحدى الرِّوايات أن ميلوك هذا كان أحد الجند الصرب ومن نبلائهم، وأنه أصيب بجراح في المعركة فاستشاط غضبًا، وأخذ عهدًا على نفسه ليقتلنَّ مرادًا، فانطرح في الميدان كأنه من القتْلى، وتحين فرصة مرور السلطان مراد في ميدان القتال لتفقُّد القتلى فقتَلَهُ.
    كما تشير إحدى الروايات الصربية التي يتداولها الصرب فيما بينهم: أن السلطان مرادًا قد قتل بخناجر اثني عشر مقاتلاً صربيًا، كانوا قد أخذوا على أنفسهم عهْدًا بقتلِه متى ما تحيَّنَت الفرصة لهم، وأنهم اتجهوا إليه في خيمته على حين غفلة من حرسه فيما يبدو، فأردوه صريعًا، ويحرص الصِّرب إلى الآن على تداوُل هذه الرِّوايات ضِمْن ملاحِم صربيَّة عن هذه المعركة، واصفة هؤلاء الجُنْد بالأبْطال[14].
    المرحَلة الحاسمة لهذه المعركة:لم تُؤَثِّر وفاة السلطان مراد في سَيْر المعركة لصالِح العثمانيين؛ لأنَّها حدثتْ بعد أن حقق العثمانيون انتِصارًا حاسِمًا في جَوْلة أخرى لهذه المعركة، وزاد في تلافِي أثر هذه الوفاة على الجيش العثماني تولِّي السلطان بايزيد الأول الحكم بعد مقْتل والده، كما توَلَّى قيادة الجيش العثماني في قوصوة، وبذلك جنى ثِمار النصر الذي دفع أبوه حياته ثَمَنًا له، وكان قائدًا للجناح الأَيْسر، فلَمَّ شعث القوات العثمانية التي شدَّدتْ حملتها على القوَّات الصليبيَّة، وكان مما ساعد العثمانيين على استعادَة قوَّتهم، وتنظيم جيْشهم انْحياز صِهر ملك الصرب المدعو "فوك برانكوفيتش"، ومعه عشرة آلاف فارس، والْتَحَق بالجيش العثماني، وهذا بِدَوْره أدَّى إلى ضعف الجيش الصليبي، وشل حركته، واختلال نظامه؛ فلما حدثت المرحلة الأخيرة الحاسِمة في هذه المعركة انْهَزَم الصليبيون هزيمة ساحقة، وأُسر ملك الصرب بعد أن جرح مع غيره من القادة والأمراء، وانفَضَّ عنهم أتباعهم، فأمر السلطان بايزيد بقتْلهم جميعًا، على أن هناك رواية تقول: إن جرح ملك الصِّرب وبعض القادة وأسرهم كان قبْل مقتل السلطان مراد، وأن الأمر بقتْلهم كان قد صدر منه، وهو في النزع الأخير، وإن لم يتم ذلك إلا على يد ابنه السلطان بايزيد[15].
    نتائج موقعة قوصوة:تُعَد موقعة قوصوة من المعارك الإسلامية الحاسمة، وهي أهم معركة في الحمْلة الصليبية الثالثة ضد العثمانيين، كما تُعَد من المعارك الكبيرة في تاريخ العلاقات بين المسلمين ونصارى أوربا، وتبرز أهميتها من خلال النتائج التالية:1- القَضاء على الحمْلة الصليبية الثالثة، والتي كان أعضاء التحالُف الصَّليبي فيها قد عقدوا العزم على استِئْصال شأفة العثمانيين من أوربا، وقد بدَتْ بوادِر القضاء على هذه الحملة حينما قضى العثمانيون على قوَّة البلغار بقيادة شيشمان الثالث، وانتهتْ بانضمام برانكوفيتش إلى قوة العثمانيين[16].
    2- فقدان الصرب استقلالهم فقد أجبرهم السلطان بايزيد على دفْع الجِزْية مع استيلائِه على قسْم كبير من بلادهم، كما فقَد البلغار استقلالهم من قبلُ، حتى تم إخضاعهم إخضاعًا تامًّا بعد ثلاث سنوات، ومِن هنا فإنَّ هذه المعركة هي المستحِقَّة للقَب "صرب صنديغي"، انكسار الصرب أو هزيمتهم أكثر من موقعة تشيرمن كما مرَّ.
    فلولا هذه الهزيمة للصرب لبقيت دولتهم قوية مرهوبة الجانب في شرق أوربا، ولأصبَحَ لها شأن كبير واشتراك فعلي في أية حملة تُشَنُّ ضد الدولة العثمانية، ومن هنا فإنَّ هذه المعركة كانت نهاية الإمبراطورية الصِّربية الكبرى[17].
    3- انتِشار الإسلام بَيْن الصِّرب والبشناق "البوسنة" والألبان، فقد تَحَوَّلَ قِسْم كبير من هؤلاء طوعًا إلى الإسلام، ومنَ الملاحَظ أن عددًا من الأمراء والنبلاء وكثيرًا من سُكَّان هذه المناطق قد دخلوا في الدين الإسلامي ابتداءً؛ لصعوبة الهجرة إلى الدول النَّصرانيَّة المجاورة من ناحية، وحرصهم على الاستفادة منَ الميزات التي يمنحها المسلمون لمن يدخل في دِينهم من ناحية أخرى، ثم ما لبثوا أنِ اقْتَنَعُوا بصحة هذا الدين، وأصبحوا نواة للمُسلمين في هذه المناطِق، وازْدَهَرَت الحياة العلْميَّة عندهم، وكثيرًا ما عانوا منَ الحكومات المتَعَاقِبة بعد سقوط الدولة العثمانية؛ سواء كان ذلك من الصرب أو الكروات، خلال عهد الاتحاد اليوغوسلافي، وبعد بروز دولتي صربيا وكرواتيا، وما عاناه المسلمون في حقَب مختلفة، وبخاصة في الحقبة الأخيرة له صلة تاريخية وطابع انتقامي من هزيمة الصرب وحلفائهم في موقعة قوصوة[18].
    4- استمرار الفتوحات العثمانية في أوربا، فقد أعطتْ معركة قوصوة الأولى العثمانيين دفعةً قوية لمُواصلة هذه الفتوحات؛ لأنها شملتْ مناطق مهمة من غرب البلقان وشماله فحاذت بذلك أوربا الغربية، ووصل نفوذها إلى شمال نهر الدانوب؛ بل أصبحتْ قريبة من المركز البابوي في إيطاليا، وكادت القسطنطينية أن تسقط أمام القوات العثمانية لولا انشغال السلطان بايزيد بالحملة الرابعة - كما سيأتي - والغزو المغولي بقيادة تيمورلنك كذلك، وقد صاحب ذلك توسُّع للدولة العثمانية في آسيا الصغرى، فقد استولى السلطان بايزيد على عدد من الإمارات السلجوقية في الأناضول.
    كان هذا الاتساع - وبخاصة في أوربا - وتهديد المركز البابوي مدعاة لأن يستجيب البابا للدعوات الموجَّهة إليه من ملوك أوربا لشنِّ الحملات الصليبية ضد العثمانيين؛ بل كان سببًا في أن يقوم البابا من تلقاء نفسه بالدعوة إلى هذه الحملات، والسعي لتمويلها من عموم النصارى[19].
    5- أوجدت هذه المعركة لدى الصرب - وبخاصة من لم يدخلوا في الإسلام - ذكرى أليمة يتوارثونها جيلاً بعد جيل؛ لأنها أدت إلى ضياع إمبراطورية صربيا الكبرى، وما زال الصرب يذكون روح الانتقام من المسلمين، وبخاصة في البوسنة والهرسك وكوسوفا؛ ففي كل عام يحتفل الصِّرب بذكرى هذه الوقعة الفاصلة، ويعتقد هؤلاء أنَّه وإن انتهت الجولة الأولى في المعركة لصالح العثمانيين، فإن لها جولات عديدة، وتعد المذابح المتكرِّرة ضد المسلمين في فترات مختلفة والتطهير العرقي أهم ملامحها.
    وهذا ما أكده الرئيس الصربي سلوبودان مليسوسيفتش بقوله: "لقد بدأنا الجولة الثانية من معركة كوسوفا ضد المسلمين"، مما يُؤَكَّد أنَّ الزعامة الصِّربية تؤجِّج الحرب الدينية والعرقية في هذه المناطق، وتسعى لتذكير أتباعها بماضٍ مغرقٍ في القدم لتحقيق النوايا العدوانية ضد المسلمين[20].ـــــــــــــــ ــت
    [1] عاشور (1/640)، الرشيدي (ص29)، لانجر (3/865).
    [2] مانويل هذا الذي أصبح إمبراطورًا بعد ذلك باسم مانويل الثاني، لانجر (3/865)، وانظر: الرشيدي (ص29).
    [3] تمييزًا لها عن معركة نيكوبولي الثانية في الحملة الصليبية الرابعة سنة 798هـ/1396م كما سيأتي.
    [4] محمد فريد (ص130، 131)، بروكلمان (ص417)، لانجر (3/869).
    [5] تقع بلوشني أو بلوشنيك على نهر متفرع من الدانوب شمال بلغاريا.
    [6] الشناوي (ص47)، بروكلمان (ص417، 418).
    [7] سيلستره تقع على الشاطئ الأيمن من نهر الدانوب أو الطونة في أقصى شمال بلغاريا.
    [8] الشناوي (ص705، 606)، بروكلمان (ص418).
    [9] محمد فريد (ص135)، الشناوي (ص605، 606)، أحمد السعيد (ص17)، بروكلمان (ص418).
    [10] قوص أوه أو قوصوة: تتكَوَّن من كلمتين: قوص معناه: كبير أو واسع، وأوه ومعناه: السهل، فيكون معناها السهل الواسع، كما تعني ميدان الطيور السود، وهي الإقليم المعروف الآن بكوسوفا، الذي يقع جنوب غرب صربيا بمحاذاته الحدود مع ألبانيا، وتقطنه أغلبية ألبانيا حوالي 93 % وعاصمتها برشتينا؛ محمد فردي هامش (ص135)، بروكلمان (ص418).
    [11] وصْف هذه المعركة هنا بالأُولَى تمييزًا لها عن معركة قوصوة الثانية، التي نشبتْ بين الصليبيين بقيادة هوتياد المجري، والعثمانيين بقيادة مراد الثاني سنة 852هـ/1448م، وانتصر فيها العثمانيون، محمد فريد (ص156، 157، 159)، الرشيدي (ص50، 51).
    [12] محمد فريد (ص135)، الشناوي (ص606)، الرشيدي (ص30)، بروكلمان (ص418).
    [13] محمد فريد (ص606)، الشناوي (ص30)، بروكلمان (ص418).
    [14] بروكلمان (ص418)، عاشور (ص641).
    [15] محمد فريد (ص135)، الشناوي (ص607)، أحمد السعيد (ص17، 18)، عاشور (1/641)، بروكلمان (ص418، 419)، لانجر (3/870).
    [16] الرشيدي (ص30).
    [17] محمد فريد (ص135)، الشناوي (ص606، 607)، عاشور (1/641)، بروكلمان (ص419)، لانجر (3/865).
    [18] الشناوي (ص607، 608).
    [19] محمد فريد (ص137 - 140)، الرشيدي (ص31، 32)، عاشور (1/641، 642)، لانجر (3/865، 870، 871).
    [20] صحيفة الشرق الأوسط العدد (4897) السبت 25/4/1992م، (ص22) من تقرير تاريخي عن الحرب في البوسنة وكوسوفا.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها

    قيام الدولة العثمانية وحملات التحالف الصليبي ضدها (4/4)



    د. عبدالرحمن بن علي العريني



    الحملة الصليبية الرابعة (798هـ/1396م)





    مقدمات الحملة:
    كان السلطان بايزيد الأول يلقب بـ"يلديرم"؛ أي: الصاعِقة؛ لكَثْرة تنقُّلاته الحربيَّة بين آسيا وأوربا، وهو لا يقل حماسًا عن أبيه في محبة الغزو والفتوح، فهو الذي تَمَّ النصرُ على يده في قوصوة، واستغل هذا النصر لإخضاع مُعظم بلاد الصِّرب، وعقد صلحًا وأقام علاقات ودية مع البقية منها، بقيادة "ستيفن بن لازار جربلينانوفتش"، وكان ستيفن هذا ميالاً إلى السلم، بخلاف والده إدراكًا منه للوضع الضعيف الذي آل إليه الصِّربُ؛ فقد اتَّفق مع السلطان بايزيد على عقد صلح تتلخَّص بنودُه، فيما يلي:
    1- أن يعترف ستيفن بسيادة العثمانيين على بقيَّة بلاده.
    2- أن يبقي السلطانُ بايزيد الحكم فيه وفي أسرته؛ تهدِئة للصرب؛ حتى لا يشغلوه عن الفتوحات في مناطق أخرى.
    3- أن يلتزم بدفع جزية سنوية.
    4- أن يلتزم بإشراك عدد من جنود الصرب العثمانيين وقت الحرب إذا ما احتاجوا إليهم.
    وقد وفَّى ستيفن بهذه الشروط، فكان يدفع الجِزْية، وقد اشترك عدد من الجنود الصرب في معركة نيكوبولي الثانية، وكذلك في معركة أنقرة، بقيادة ستيفن نفسه - كما سيأتي - وكانت علاقته ودية مع السلطان بايزيد؛ خاصة بعد زواج السلطان بايزيد من أخته أوليفيرا[1].
    الاستيلاء على بلغاريا، وأثره في تشْكيل الحملة الصليبيَّة الرابعة:
    تَمَكَّن الجيش العثماني بقيادة "عرنوس بك" من الاستيلاء على تساليا، (وهو أحد أقاليم اليونان حاليًّا)، وهزم آخر حكامه، ثم زحف إلى جزيرة الموره جنوب اليونان؛ فاستولى عليها، وسارع أمير الأفلاق ووالاشيا إلى إعلان ولائهما للسلطان، ودفعا الجزية.
    وفي سنة (796هـ/1393م)، وصل السلْطان بايزيد من الأناضول على رأس جيش كبير بعد أن تَمَّ الاستيلاء على كثير من المناطق هناك، وقد تَمَكَّن من إكمال الاستيلاء على بلغاريا؛ حيث سقطت في يده مدن عدَّة في شمال بلغاريا، واستطاع أسْر شيشمان الثالث، وكان قد نقض العهد مع السلطان بايزيد أكثر من مرَّة، وسيق إلى فليبوبولي حيث قتل هناك بأمر من السلطان، واعتنق أكبر أبنائه - واسمه شيشمان كذلك - الإسلام، فعيَّنه السلطان أميرًا على مدينة سامسون في شمال الأناضول إبعادًا له عن بلغاريا؛ حتى لا يتعلق به أهلها فيخرجوا عن طاعته، ولا ريب أن السلطان بايزيد كسب كثيرًا من مسالَمة ابني ملكي الصرب وبلغاريا في إخضاع هاتين المنطقتين لحُكمه، ولقد حاول أحد البطاركة البلغار أن يقود حركة مقاومة ضد العثمانيين بعد مقْتَل حاكمهم وإسلام ابنه وإبعاده، ولكن محاولته باءَتْ بالفشَل فيما يبدو، وأرغم أمير الأفلاق على دفْع الجِزْية ثانية والاعتراف بسيادة العُثمانيين عليه، ثُمَّ عَبَر السلطان بجَيْشِه نهر الدانوب، وأصبح بذلك قريبًا من حدود المجَر، وعقد العزم على فتْحها[2].
    وقد أدَّى سقوط بلغاريا والاستيلاء على نهر الدانوب إلى القرب من مملكة المجر، فأحس أهلُها بالخطر العثماني الذي بات يتَهَدَّدهم؛ ولهذا قد أصاب الذُّعر ملكهم سيجيز موند[3]، ولكنه حرص على إخافة العثمانيين بقوته وبالعالَم النصراني، فأرسل للسلطان بايزيد يعنِّفه على ضم بلغاريا، ويذكره بهزيمة مُني بها العثمانيون في حربٍ مع أهل والاشيا سنة (794 - 795هـ/ 1391- 1392م) قبل اكتِساح بلغاريا، إلاَّ أنَّ السلطان مرادًا رأى أنها هزيمةٌ محدودة الآثار، وأن تلك الحرب ما هي إلا مِن قبيل الاشتِباكات الاستطلاعية التي تتم بين الجيوش للوقوف على مدى تهيُّؤ كل منها للمعركة الفاصِلة، فعلى الرغْم من تلك الهزيمة التي حلَّتْ بالجيش العثماني، ومِن تحقيق سيجيز موند الانتصار على العثمانيين ثانية، فلم يستطِع الاحتفاظ بما استولَى عليه مِن مناطق، فانسحب إلى بلاده متحاشيًا الاصطدام مع العثمانيين بعد أن علم بقوة استعداداتهم[4].
    ولَم يقتصِر الذعر والخوف من العثمانيين على المجريين فحسب؛ بل شمل أوربا كلها، فاستغل السلطان بايزيد ذلك ليحاصِر القسطنطينية بغية الاستيلاء التام عليها؛ فحاصَر إمبراطورها مانويل باليولوغ[5]، وضيَّق عليه ثم ترك حول القُسطنطينية جيشًا كبيرًا ليعود إلى الأناضول بعد أنْ ألزم أمير الأفلاق بالجِزية - كما مرَّ - وتَمَكَّن من الاستيلاء التام على بعض الإمارات السلجوقية كإمارة القرمان، ومنتشا[6]، وصاروخان، وقسطموني[7]، وغيرها، حتى انقرضت تلك الإمارات السلجوقية، واستولَى السلطان بايزيد على كل منطقة الأناضول[8].
    ونتيجة لشمول الذعر والخوف من العثمانيين كل أوربا، فقد استغل سيجيز موند ذلك لإثارة أوربا كلها ضد العثمانيين، وكان حريصًا على التأكيد على أن سقوط بلغاريا جعل القوات العثمانية على حُدُود المجر، وأنها مُهَدَّدة بالغزو العثماني، والأوربيون لا شك ازداد خوفهم من قرب العثمانيين من المجر؛ لأنها تُعَدُّ مفتاح أوربا الغربية؛ فاستغاث سيجيز موند بالبابا "بونيفاس التاسع" لدعوة أوربا كلها لحملَة صليبية توقف العثمانيين عن الزحف على البقية الباقية من دول أوربا، فقام هذا البابا بالدعوة للحملة الصليبية الرابعة، ووعد بالغفران الشامل كل من اشترك في هذه الحملة ضد العثمانيين، قتل أم لَم يُقتَلْ[9].
    أعضاء الحملة الصليبيَّة الرابعة:
    وفي الوقت الذي دعا فيه سيجيز موند البابا بونيفاس التاسع لتشكيل حملة صليبية ضد العثمانيين أرسل بعثات دينية وسياسية لتحقيق ذلك الهدف إلى ملوك أوربا؛ فقد أرْسَلَ بَعْثة إلى شارل السادس[10] ملك فرنسا، ولقيت دعوة سيجيز موند منه كل ترحيب، وقرَّر الإسهام في هذه الحملة، وعلى أن تكون باريس محطة الانطلاق لها بعد أن عقد هُدنة مع إنجلترا في حرب المائة عام مدتها عشرون سنة، كما وافق فيليب السادس على أن تكون باريس محطة الانطلاق للحملة الأولى - كما مرَّ - وأسند قيادة الكتائب الفرنسية إلى أمْهَر قادته العسكريين، وعلى رأسهم كونستايل[11] فرنسا الكونت "إيي"، كما أن إمبراطور ألمانيا ونسلاس ابن شارل الرابع[12] وافق على الاشتراك في هذه الحملة بعددٍ كبيرٍ من الفرسان، على رأسهم أكبر القادة الألمان[13].
    كما استجابَتْ للنداء المجري إنجلترا، نظرًا للهُدنة مع فرنسا، وقرَّر ملكها ريتشارد الثاني[14] الاشتراك في هذه الحملة، وقررت الاشتراك فيها سويسرا ولكسمبرج، وهولندا وإيطاليا، والفلاندرز والأفلاق وجمهورية البندقية، التي قدمت أموالها وأساطيلها في سبيل تسهيل هذه الحملة، كما انضَمَّ إليها القراصنة الإسبتارية، واشتركت فيها كتائب من بولندا ووالاشيا والتشيك وترانسلفانيا، وانضمت هذه القوات إلى قوات المجر التي كان عددها 36.000، فارتفع العدد الإجمالي إلى 120.000مقاتل[15]، وكان أبرز مَن في هذه الحملة النبلاء والأمراء وكبار الأساقِفة، ويُعَدُّ هذا التكتُّل الصليبي أكبر التكتُّلات التي واجهت الدولة العثمانية لكثْرة الدول التي اشتركت فيه، والأموال التي بذلتْ لإنجاحه، والقوات البرية والبحرية التي شاركت فيه[16].
    خطة الحملة، واختلاف الأعضاء حولها:
    كانت الخطة العامة للحملة أن يقومَ فرسان القراصنة الإسبتارية في جزيرة رودس مع أساطيل جمهورية البندقية وبعض الجزر، بالهجوم على العثمانيين بَحْرًا، في الوقت الذي تقوم فيه بقية أعضاء الحملة بالهجوم برًّا، وبذلك يقع العثمانيون بين شقَّي الرحى، واحتَشَد هذا الجيش في مدينة (بودابشت)[17] عاصمة المَجَر، وكان سيجيز موند يؤثر الانتظار حتى يهاجمهم العثمانيون، لكن الفرنسيين اعترضوا على هذا الرأي ووصفوه بالانهزامية، وقد تغلب الرأي الأخير؛ لأنه مثل رأي أغلب المشتركين في هذه الحملة، وقد أتبع الفرسان الفرنسيون رأيهم هذا بأن أصروا على أن يكونوا في مقدمة الجيش[18].
    سير الحملة:
    بعد أن اجتمعت القوات عند بودابشت انحدرتْ شرقًا على طول نهر الدانوب باتجاه نيكوبولي، واستولت على المدن الواقعة على ضفافه، وأعملت النهب والقتْل فيها، ونتيجة لكَوْن الفرنسيين في مقدِّمة الحملة، ولتعجلهم وسبقهم بقية الجيش، فقد تكبَّدوا خسائر فادِحة في الأرواح والعتاد، بحيثُ أبيد أغلب الفُرسان الفرنسيين، وفي سنة 798هـ/1396م، عسكرتْ قوات الحمْلة الصليبية الرابعة أمام نيكوبولي، وحاصرتها من جميع الجهات[19].
    ولما كان الصليبيون يُمَثِّلون دولاً أوربية كثيرة، وذات أثر كبير في أوربا ولكثرة عدد جيشهم، وكونه يحوي أمهر القادَة والجنود، ولكونهم قد اجتاحوا بسرعة معظم بلغاريا، فقد انْتابتهم موجة من الحماس الديني غير المنضَبط، وتيقنوا من النصر الحاسم على العثمانيين، بل اعتبر معظمهم هذه الحملة هي القاضية على العثمانيين، لا في أوربا فحسب؛ بل في آسيا، وأنهم سيجتاحون الأناضول، فبلاد الشام إلى بيت المقدس؛ لاستخلاصه من المسلمين، ولا ريب أن هذه الحملة كانت أكبر محاوَلة أوربية شاملة لغربها مع شرقها، لوَقْف تقدُّم العثمانيين في تلك الفترة؛ بحيث إنها فاقت الحملات الثلاث السابقة.
    وقد شجَّع الصليبيين على هذا الشعور أن السلطان بايزيد كان محاصرًا القسطنطينية بغية فتحها؛ ولأنه كان محاصرًا بوحدات من الأسطول البندقي وسفن القراصنة الإسبتارية، فظنوا أنه لا يُمكن عبور البحر إلى أوربا[20].
    وتُشير بعضُ المصادِر إلى أن قادة الجيش الصَّليبي حتى لا تنخفض معنويات جندهم، فقد قطعوا آذان فرق الاستطلاع؛ حيث أشاعوا أن السلطان بايزيد قد ترك حصار القسطنطينية، وأنه متَّجِه إليهم بِجَيْش كبيرٍ، وأنه على مشارف نيكوبولي، لكن الحقيقة ما لبثت أن تأكدت لدى هؤلاء القادة، فأقدموا على قتْل 1000 أسير عثماني، كانوا قد وقعوا في أيديهم أثناء زحفهم من بودابشت إلى نيكوبولي[21].
    استفحال الخلاف بين الصليبيين:
    عقد الصليبيون مجْلسًا حربيًّا لِوَضْع الخطة للهُجُوم، ما لبثت الخلافات أن برزت بينهم بشَكْلٍ خطر ينذر بهزيمتهم، وفي هذا المجْلس اقْتَرَح مَلِك المجر أن يكون فرسان الأفلاق في الصَّفِّ الأول حتى يقطع خط الرَّجْعة عليهم - لعدم ثقتِه بثباتهم - فإمَّا أن يصمدوا أو يقتلوا وفي الصف الثاني فرسان المجر، أما الصف الثالث وهو قلْب الجيش فهم بقية الفرسان الفرنسيين، ثم يليهم سائر الفرق الصليبية من الدول الأخرى.
    وقد تجدَّدت الخلافات التي برزت بين المجريين والفرنسيين عند إعداد الخطة الأولى كما مر، فرفَض الفرنسيون هذا الرأي، وأصَرُّوا على أن يكون فرسان فرنسا على رأسِ القوَّات الصليبية؛ لأن لديهم من القدرة العسكرية، والخبرة بأسلوب الحرب مع المسلمين ما يفوقون بها سائر الفِرَق الصليبية، تلك الخبرة التي اكتسبوها من قيادتهم، واشتراكهم الأبرز في الحروب الصليبية في العهدَيْن الأيوبي والمملوكي، ولذلك فكانوا يعتَقِدون أنهم أحق بمُقدمة الجيش الذي أطلقوا عليه "مكان الشرف"، وفسروا رأي سيجيز موند بأنه أناني ويريد نيل شرف النصر على العثمانيين وحده، فضلاً عن أن هذا الرأي يُعد ازدراء بقدرة الفرنسيين العسكرية، ولذلك فقد أصروا على الانسحاب من المعركة أو التقدُّم على رأس الحملة، وعجز أعضاء الحملة عن إقناعهم بترك الخلاف[22].
    المرحلة الأولى للمعركة، وانتصار الصليبيين فيها:
    تَمَسَّك الفرنسيون برأيهم فتقدموا على رأس الحملة ليبدؤوا الهجوم على العثمانيين، وأسرع سيجيز موند مُحاولاً إقْناعهم؛ فتظاهَر الفرنسيون بالامتناع، لكن ما أن غادَر سيجيز موند المعسكر الفرنسي، حتى أصدر كونستابل فرنسا أوامره للفرسان بالهجوم فهاجموا، وهم يهتفون بأسماء مجموعة من القديسين.
    ولما رأى سيجيز موند عزمهم على الهجوم لم يجدْ بُدًّا منَ المسارَعة بقوته لشَدِّ أزْرهم، ولذلك حقَّقوا بعض المكاسِب في المرْحلة الأُولى لهذه المعركة، فتَمَكَّنوا من التوغُّل في قلب الجيش العثماني، وألحقوا به بعض الخسائر، حيث استطاعوا قتْل عدد من الجند العثمانيين[23].
    المرحلة الأخيرة للمعركة:
    أدَّى النصْر الأول الذي تحقَّق للصليبيين في المرحلة الأولى من المعركة إلى إدراك السلطان بايزيد خطورة الموقِف، فأسرع إلى تدارُكه، وأعاد ترتيب الجيش وتنظيمه من جديد، والْتَحَمَ مع القوات الصليبية، وأطبق جناحا الجيش العثماني على الفرنسيين الذين في المقدِّمة، فاختل مركزهم مما اضطرهم إلى التراجُع والاحتماء بقوة المجر.
    ولما بدأت الحرب دخلتْ بقيَّة الفرَق الصليبية مجتمِعة إلى ميدان المعركة، واشتبكت بالعثمانيين، وحدثت معركة ضارية بين الطرَفين، دار القتال فيها مريرًا؛ لأنَّ كلاًّ منهما كان حريصًا على انتزاع النصر، وقد اشترك ستيفن بن لازار على رأس جيش من الصرب مع الجيش العثماني؛ تنفيذًا لبنود الصلح الذي عقده مع السلطان بايزيد عقب موقعة قوصوة، ثم حمل العثمانيون على أعدائهم حملة قوية تَمَكَّنوا فيها من انتزاع عَلَم القيادة من ملك المجر، وكان ذلك علامة على إنزالهم بالصليبيين هزيمة ساحقة، وذلك في شهر ذي الحجة 798هـ/سبتمبر 1396م، وغنم العثمانيون غنائم وفيرة، لكنهم دفعوا ثَمَن هذا النصر غاليًا؛ فقد قُتل منهم حوالي 30.000 بعد أن قَتَلوا من الصليبيين ما يقرب من هذا العدد[24]، وقد تَمَكَّن العثمانيون في نهاية المعركة من أسر عدد من كبار القادة الصليبيين؛ مثل: كونستابل فرنسا الكونت "إيي"، والمارشال دي بوسيكو، وجان سان بيير، والأميرال جان الفيني حامل لواء العذراء، وعدد منَ القادة والأمراء والأساقفة، أما أغلبية الصليبيين فقد فرتْ متَّجهة إلى الدانوب لتستقل سفن البندقية التي حملتهم من ميدان المعركة؛ فقد فرَّ سيجيز موند بصحبة رئيس القراصنة الإسبتارية، ووصلا إلى البحر الأسود، حيث وجدا هناك بعض وحدات الأسطول الصليبي، فأقلَّتهما خوفًا من تعقُّب العثمانيين لهما؛ لأنهم كانوا حريصينَ على القبْض عليهما لأنها من أبرز قادة هذه الحملة[25].
    وبهذه النهاية لهذه المعركة تحقَّق للعثمانيين نصرٌ باهرٌ على الصليبيين، وتعرَّض هؤلاء لهزيمة شنعاء لم يتعرَّضوا لِمِثْلها في الحملات السابقة، ومن هنا فإنه بقدر كبر هذه الحملة، فقد كانت هزيمة الصليبيين فيها كبيرة كذلك.
    نتائج معركة نيكوبولي الثانية:
    تُعَدُّ الحملة الصليبية الرابعة أكبر الحملات التي وجهتْ للقضاء على العثمانيين، وإخراجهم من أوربا في تلك الحقبة، ومن هنا، فإن معركتها - معركة نيكوبولي الثانية - مِن أهمِّ المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي والحروب الصليبية، وتبرز أهميتها من خلال عرض النتائج التالية:
    1- تواصل الفتوحات العثمانية في أوربا، ورسوخ فكرة الغزو لبقية أوربا لدى السلطان بايزيد، وقد تبلورتْ هذه الفكرة لديه؛ رغبة في القضاء على المركز البابوي في روما، وهو المركز الداعي والداعم للحملات الصليبية على العثمانيين، ويؤكد ذلك قول السلطان بايزيد لوفد قدم من إيطاليا لعقد بعض الصفات التجارية: "إنه سيفتح إيطاليا، ويطعم حصانه الأبيض الشعير في مذبح القديس بطرس[26] في روما"، ولولا إغارة المغول على بلاد الأناضول لسَعَى السلطان بايزيد لتحقيق رغبته تلك[27].
    2- فقدان المجر مكانتها بين الدول الأوربية عامة، ودول البلقان خاصة، فقد كان الأوربيون يعتقدون أنها الدولة البلقانية الوحيدة القادرة على التصَدِّي للعثمانيين، وبخاصة بعد فشل البلغار وعجز الصِّرب؛ لكن وقعة نيكوبولي وما أعقبها من هزيمة الصليبيين أزال كل ما كان يحيط بالمجر من مكانة وهالة وهيبة، وبخاصة بعد أن فرَّ ملكُها سيجيز موند الذي كان قد بلغ من الإعجاب بقوة جيش هذه الحملة حدًّا أنه قال: "لو انقضت السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا[28]".
    3- عم الحزن والأسى كل أوربا الغربية وبخاصة فرنسا؛ لكونها من أبرز دول أوربا التي كانت تشجِّع الحملات الصليبية؛ بل تستمد مكانتها في أوربا والشرق من هذه الحملات، وفتحت جميع الكنائس في باريس لتخفف عن الناس مآسيهم وأحزانهم[29].
    4- سيْطَرَ الخوفُ والرعب من العثمانيين والاعتراف بقوَّتهم الكبرى في أوربا على كل الدول الأوربية الشرقيَّة والغربية، وقد تمثل ذلك في موقف ملك فرنسا الذي بعث وفدًا بالهدايا للسلطان بايزيد؛ لإقناعه بفداء الأسرى الفرنسيين؛ فقبل السلطان بايزيد ذلك بعد دفع مبالغ لذلك، وقد استقبلهم السلطان وقدَّم لهم هدايا للملك شارل السادس، وودعهم عند سفرهم؛ لكنه استعرض الأسرى بحضور الوفد وقائد القوات الفرنسية، وكان دي نيفر كبير الأسرى قد أقسم أمام السلطان ألا يعود لمحاربته؛ فقال له السلطان: "إني لا أنتزع منك يمينًا بألا تعود لمحاربتي، فإني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين؛ فإذا عدت لبلادك وشعرت مرة أخرى برغبة في محاربتي فأنت في حِلٍّ من ذلك؛ فستجدني دائمًا مستعدًّا لمُلاقاتك في ساحة القِتال؛ إذ لا شيء أحب إليَّ مِن محاربة جميع مسيحيي أوربا والانتصار عليهم؛ لأنِّي ولدت للحرب والغزو"[30].
    5- توطدتْ أقدامُ العثمانيين في البلقان أكثر من ذي قبل، ففي المناطق البلقانية التي سبق أن استولى عليها العثمانيون، انتشر الرعب والخوف بين أهلها، وأيقنوا خطورة الخروج على العثمانيين الذي كانوا يقومون به بين فترة وأخرى، فخضعتْ هذه المناطق خُضُوعًا تامًّا؛ وبخاصة أن العثمانيين قاموا بمعاقَبة أهلها الذين قدموا مساعدة للحملة الصليبية الرابعة، وقد تَمَثَّل هذا في تدْميرهم لمعظم أراضي شبه جزيزة المورة، التي قدمت بعضًا من تلك المساعدات[31].
    6- أدى فشَل هذه الحملة إلى وقوف البيزنطيين وجهًا لوجه أمام العثمانيين، وليس لهم حامٍ أو مدافعٌ من الأوربيين، فقد كانوا قبل هذه الحملة يركنون إلى دول البلقان وأوربا الغربيَّة، لكن تلك الهزيمة أتاحت للسلطان بايزيد محاصَرة القسطنطينية بغية الاستيلاء عليها، وكان قاب قوسَين أو أدنى مِن فتحها لولا مجيء الخطر المغولي الذي اجتاح مُعظم الأناضول؛ فأصْبَحَ لزامًا على السلطان بايزيد مواجَهته في معركة أنقرة سنة 805 هـ/1402 م، التي انتصَر فيها تيمورلنك والجيش المغولي على السلطان بايزيد والجيش العثماني، ومات السلطان في الأسْر سنة 806هـ/1403م، وكادت أن تسقط الدولة العثمانية إلا أنه على الرغم مِن تعاوُن الصليبيين مع تيمورلنك وتحقيقه لذلك الانتصار الكبير، فإن الدولة العثمانية ما لبثت أن نهضتْ من كبْوتِها، فقد تَمَكَّن السلطان محمد الأول بن بايزيد من إعادة بناء الدولة، وقمع الخارجين عليها ليبدأ عصر القوة الثاني، وينشط العثمانيون في الغزو والفتوح في أوربا بدرجة أقوى من ذي قبل[32].
    الخاتمة
    لقد تتبع هذا البحث جذور الوجود التركي في الأناضول منذ العصر العباسي الأول، مُرُورًا بجهود دولة سلاجقة الروم في تكثيف هذا الوجود.
    وتطَرَّق إلى أساليب السلاجقة التي عمَّقَتْ وزادت من هذا الوجود التُّركي، وأن هذه الجهود والأساليب لا تخرج عن كونِها سياسة من سياسات الاحتواء والتقرُّب والنفع للعناصر التركية قريبة الصلة من السلاجقة؛ كما أنها تنبع من الخوف من هذه العناصر أن يكون بينها رابطة ضد السلاجقة.
    إن انتماء السلاجقة والعثمانيين إلى الأتراك الغز، قد أسهم في بروز العثمانيين كقوة مهمة ضمن الإمارات السلجوقية؛ زيادة على أن توسيع السلاجقة ملكهم على حساب البيزنطيين في غرب الأناضول على يد العُثمانيين، قد زاد من قوة هؤلاء في توسُّعهم باسم السلاجقة أولاً، ثم لحسابهم الخاص ثانيًا.
    ومن هنا فقد ظهرتْ عوامل دينية وسياسية وجغرافية واجتماعية وغيرها، ساعدتْ على قيام دولة العثمانيين قوية بجانب الإمارات السلجوقية الأخرى الأضْعف منها.
    ومن الطبعي أن تتبلور النظرةُ الصليبية ضد العثمانيين في بداية قيام دولتِهم؛ نظرًا لأنَّ توسُّعهم كان على حساب الإمارات البيزنطية في الأناضول، وهذا ما أوجد هذه الحملات الصليبية التي توافقت زيادة في قوتها وكثرة في المتحالِفين معها، مع اتِّساع العثمانيين في أوربا التي شعرت بالخطر العثماني أكثر من ذي قبْل.
    ولقد كانت الحملة الصليبية الأولى ضعيفة في تشكِيلها تحمل عوامل الفشل منذ بدء الدعوة لها، وكان هذا طبعيًّا؛ لأنها أول تفكير صليبي للحرب ضد العثمانيين، وكأن وضع هذه الحملات قد أخذ طابع التدرج من الضعف إلى القوة، والقلة إلى الكثرة؛ بحيث إن الحملة الأولى كانت أضعف من الثانية التي هي أضعف من الثالثة وهكذا، وهذا ما أدى إلى فشل الحملة الصليبية الأولى قبل أن يحصل احتكاك مع العثمانيين.
    ولا ريب أن فشل هذه الحملة قد رفع من معنويات العثمانيين، وزاد من إصرارهم على الدخول إلى البر الأوربي، والاستيلاء على بعض القلاع والمدن المهمة؛ مثل: تزيمب، وغاليبولي، وغيرهما، مما أدى إلى قيام الحملة الصليبية الثانية، لكن الدعوة إلى هذه الحملة لم تلق الاستجابة الكاملة من ملوك أوربا؛ زيادة على وُجُود بعض الاختلافات عند بعض مَن اشترك فيها مما حقَّق للعثمانيين انتصارًا ساحقًا في وقعة تشيرمن أومارتزا، وبذلك انتهت هذه الحملة بالهزيمة لقوى التحالُف الصليبي.
    إن هزيمة الصليبيين في الحملة الثانية لم تصبهم بالإحباط كما كان متوقعًا؛ فقد واجه العثمانيون خطر تحالف آخر ضدهم، وحدثت معركة تيكوبولوي الأولى ضمن الحملة الصليبية الثالثة، وتبادل الصليبيون والعثمانيون النصر فيها في المرحلة الأولى، لكن المرحلة الأخيرة كانت نتيجتها للعثمانيين، فحَقَّقوا نصرًا مؤزرًا على القوى الصليبية، ثم لَمَّ الصليبيون شعثهم، والتقوا بالعثمانيين في قوصوه، وقبل نيكوبولي، ولم يكسب أحد الفريقين الجولة لصالِحه في المراحل الأولى، حتى إذا حدثت المرحلة الأخيرة تحقَّق للعثمانيين فيها نصر كبير على قوى التحالف الصليبي؛ لكنهم فقدوا السلطان مرادًا الأول الذي تولَّى قتله بعض جند الصرب، وأهمية وقعة قوصوه تكمُن في أن الصرب ما زالوا يتذكرون نتيجتها الأليمة عليهم، وهذا ما جعلهم يذكون نار الانتقام ضد المسلمين في أجيالهم المتعاقبة.
    ولقد تَمَكَّن العثمانيون من الاستيلاء على ممالك مهمة في أوربا بعد الحملة الصليبية الثالثة؛ مثل: بلغاريا وصربيا وغيرها، وانتشر الإسلام أكثر من ذي قبل في منطقة البلقان، لكن انتصار العثمانيين في وقعة قوصوه قد أثار الذين تولوا مع البابوية الدعوة للحملة الرابعة التي تُعَدُّ أكبر الحملات التي وجهت للقضاء على العثمانيين في عصر القوة الأول.
    ويبدو أن الطابع العام لمعارك هذه الحملات تحقيق الانتصار الجُزئي في المراحل الأولى للصليبيين، وحصول العثمانيين على النصر النهائي، وهذا ما حدث في هذه الحملة الرابعة، كما حدث في الثانية والثالثة، فقد انتصر الصليبيون في المرحلة الأولى لمعركة نيكوبولي الثانية، وانتصر العثمانيون في المراحل الأخيرة لها، وقد أدى انتصار العثمانيين في هذه المعركة إلى انتشار الإسلام في البلقان، وكاد العثمانيون أن يستولوا على كل أوربا الشرقية، بل وبعض أوروبا الغربية، وأوْشكوا على إسقاط البابوية لولا تعرضهم لهجوم مغولي كاسح من جهة الشرق أوقع بالعثمانيين هزيمةً شنعاء في وقعة أنقرة على يد تيمورلنك، ومات السلطان بايزيد في الأسر، وانتهى بذلك عصر القوة الأول.
    المصادر والمراجع
    1- أبو سعيد، د. حامد غنيم.
    الجبهة الإسلامية في عصر الحروب الصليبية - القاهرة: نشر مكتبة الشباب، 1971م.
    2- بارتولد، فاسيلي.
    تاريخ الترك في آسيا الصغرى؛ ترجمة د/ أحمد السعيد سليمان: مراجعة إبراهيم صبري مطبعة المعرفة، نشر مكتبة الأنجلو المصرية.

    3- ــــ.
    تاريخ الحضارة الإسلامية؛ ترجمة حمزة طاهر - ط2 - القاهرة: مطبعة دار المعارف، 1372هـ.
    4- ــــ.
    تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي؛ ترجمة صلاح الدين هاشم - ط1 - الكويت: نشر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1401هـ/1981م.
    5- بروكلمان، كارل.
    تاريخ الشعوب الإسلامية؛ ترجمة: نبيه فارس، ومنير البعلبكي - ط7- بيروت: دار العلم للملايين، 1977م.
    6- بك، محمد فريد.
    تاريخ الدولة العلية العثمانية؛ تحقيق د. إحسان حقي - ط1 - دار النفائس، 1401هـ.
    7- توران، د. عثمان.
    الأناضول في عهد السلاجقة والإمارات التركية؛ ترجمة د/ علي بن محمد الغامدي - ط1- مكة: مطابع الصفا، 1418هـ.
    8- جرار، مأمون فريز.
    الغزو المغولي: أحداث وأشعار - ط1 - عمان - الأردن: دار البشير، 1404هـ.
    9- جودت باشا، أحمد.
    تاريخ جودت، تعريب عبدالقادر الدنا؛ تحقيق د/ عبداللطيف الحميد - ط1 - مؤسسة الرسالة 1420هـ.
    10- جيبون، إدوار.
    اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسُقُوطها؛ ترجمة د/ محمد سليم سالِم، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
    11- الرشيد، سالِم.
    محمد الفاتح - ط2 - جدة: مكتبة الإرشاد، 1969م.
    12- سليمان، د/ أحمد السعيد.
    تاريخ الدولة الإسلامية ومعجم الأُسَر الحاكمة - القاهرة: نشر دار المعارف.
    13- ــــ.
    مذكرة في تاريخ الدولة العثمانية، لم تنشر.
    14- الشناوي، د/عبدالعزيز.
    أوربا في مطلع العصور الحديثة - مصر؛ نشر دار المعارف، 1389هـ.
    15- ــــ.
    الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مطبعة جامعة القاهرة، نشر الأنجلو المصرية، 1980م.
    16- عاشور، د/ سعيد عبدالفتاح.
    أوربا العصور الوسطى - ط3 - مكتبة الأنجلو المصرية 1964م.
    17- العقيقي، نجيب.
    المستشرقون - ط4 - القاهرة: دار المعارف.
    18- كوبريلي، محمد فؤاد.
    قيام الدولة العثمانية؛ ترجمة د/ أحمد السعيد سليمان، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر 1967م.
    19- لانجر، وليم.
    موسوعة تاريخ العالَم؛ أشرف على ترجمتها د/ محمد مصطفى زيادة - القاهرة: نشر مكتبة النهضة المصرية.
    20- مجموعة مستشرقين.
    دائرة المعارف الإسلامية: ترجمة: محمد ثابت الفندي وزملائه، نسخة مصورة عن طبعة عام 1352هـ/1933م، انتشارات جهان. طهران.
    21- ياغي، د/ إسماعيل.
    الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث - ط1 - مكتبة العبيكان 1416هـ.
    22- الموسوعة العربية الميسرة، طبعة دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر - القاهرة 1965م.
    23- جريدة لشرق الأوسط.


    ـــــــــــــــ ــــــــ
    [1] محمد فريد (ص137 - 140)، الرشيدي (ص31، 32)، بروكلمان (ص419)، الشناوي (ص610)، لانجر (3/856، 857).
    [2] محمد فريد (ص139، 140)، عاشور (ص641)، أحمد السعيد (ص18)، الشناوي (ص610، 611)، الرشيدي (ص32)، بروكلمان (ص491)، لانجر (3/870، 871).
    [3] هو سيجيز موند دي لوكسمبرج (الكسمورجي) ملك المجر، كما ضم إليه أحيانًا رومانيا وألمانيا بوهيميا، اتصف حكمه بالضعف أحيانًا والقوة والاتساع أحيانًا أخرى، مات سنة (840هـ/1437م)، محمد فريد (ص140، 141) من حاشية المحقق، لانجر (3/815، 818، 852).
    [4] الشناوي (ص210).
    [5] حكم مانويل الثاني بن يوحنا باليولوغ من سنة 793هـ/1301م إلى سنة 828هـ/1425م، تقلصتْ بيزنطة في عهدِه، فاقتصرت على القسطنطينية وتسالونيكا والمورة، لانجر (3/865، 866).
    [6] تقع دولة بني منتشا جنوب غرب الأناضول على البحر الأبيض المتوسط، وهي إحدى الإمارات السلجوقية التي استقلَّتْ سنة 700هـ، وأصل بني منتشا من الأكراد، أعاد تيمورلنك لهم إمارتهم بعد وقعة أنقرة سنة 805هـ إلى سنة 824هـ؛ حيث استولَى عليها العثمانيون نهائيًّا، أحمد السعيد: "تاريخ الدولة العثمانية" (2/401، 402).
    [7] تقع دولة قسطموني أقزل أحمدلي على البحر الأسود.
    [8] محمد فريد (ص138، 139، 140)، بروكلمان (ص419).
    [9] محمد فريد (ص140)، الرشيدي (ص32)، بروكلمان (ص419).
    [10] تولى شارل السادس حكم فرنسا من سنة 784هـ/1380م إلى سنة 825هـ/1422م، وكان قد تولَّى الحكم صغيرًا فشكل له مجلس وصاية إلى سنة 788هـ/1388م، برزت في عهده أزمة اقتصادية عامة، وكانت تنتابه نوبات عقلية وجنون متقطع يصيب أجهزة الدولة بشلل تام، لانجر (3/754 - 757).
    [11] كونستابل مصطلح عسكري فرنسي معناه القائد العام للقوات الفرنسية.
    [12] ونسلاس تولى الحكم من سنة 780هـ/1387م، إلى سنة 803هـ/1400م، حيث خلع لإدمانه الشراب وعجز عن الحكم، لانجر (3/815).
    [13] محمد فريد (ص141، 142)، الشناوي (ص612، 613).
    [14] تولَّى ريتشارد الثاني الحكم في إنجلترا سنة (779هـ/1377م)، وكان عُمره عشر سنوات، ولذلك شكل له مجلس وصاية إلى سنة 791هـ/1389م، استؤنفت في عهده الحرب مع فرنسا، وحدثت خلافات بين الملاك والمزارعين، تزوج من إيزابيلا ابنة شارل السادس ملك فرنسا سنة 798هـ/1396م، جنح ريتشارد نحو الاسْتِبْداد، قُبض عليه سنة 802هـ/1399م، وقتل سنة 803هـ/1400م، لانجر (3/329 - 332).
    [15] ذكر لانجر (3/872): أن قوات الصليبيين مائة وعشرون ألفًا مثلها جيش العثمانيين، بينما ذكر محمد فريد (ص144): أن عدد الجند العثمانيين مائتا ألف مقاتل.
    [16] محمد فريد (ص141، 144)، الرشيدي (ص32)، بروكلمان (ص419).
    [17] تقع بوادبشت - بالسين والشين - على نهر الدانوب وهي عاصمة المجر إلى الآن، وهي مدينة قديمة، وقد تكونت من بودا على الضفة اليُمنى للدانوب مع بست على الضفة اليُسرى، تعرَّضَتْ لغزوات المغول فالعثمانيين، وأصبحت من أهمِّ المراكز التجارية في أوربا، تعرَّضت للتخريب في الحرب العالمية الثانية، "الموسوعة الميسرة" (ص425).
    [18] الرشيدي (ص32)، الشناوي (ص615، 616)، أحمد السعيد: "تاريخ الدولة العثمانية" (ص18)، بروكلمان (ص419).
    [19] محمد فريد (ص144)، الشناوي (ص616)، الرشيدي (ص32)، لانجر (3/755، 872).
    [20] الشناوي (ص616 - 618)، أحمد السعيد (ص18)، بروكلمان (ص419).
    [21] الشناوي (ص616 - 618)، أحمد السعيد (ص18).
    [22] الشناوي (ص617).
    [23] الشناوي (ص618)، أحمد سعيد (ص18).
    [24] محمد فريد (ص144)، الشناوي (ص618، 619)، الرشيدي (ص33)، بروكلمان (ص419، 420).
    [25] محمد فريد (ص144)، الشناوي (ص619)، أحمد السعيد (ص18).
    [26] مذبح القديس بطرس هو المكان الذي قتل فيه بطرس في روما، وبنيت عليه كنيسة، وبطرس هذا تذكر الروايات أن عيسى - عليه السلام - جعله من أتباعه والداعين معه، وقد رأس كنيسة المهد، ثم رحل إلى أنطاكية فروما داعيًا حيث قُتل هناك، "الموسوعة الميسرة" (ص378).
    [27] الرشيدي (ص31، 33).
    [28] المرجع السابق (ص33).
    [29] الشناوي (ص620).
    [30] محمد فريد (ص144)، الشناوي (ص620).
    [31] الشناوي (ص620)، بروكلمان (ص420).
    [32] محمد فريد (ص144)، أحمد السعيد (ص18).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •