دواوين الشعر في العصر الجاهلي


ما أن انتصف القرن الثاني الهجري حتى نشط الرواة والإخباريون في تدوين أشعار الجاهليين على نطاق واسع، وكان للتنافس بين كل من مدرستي الكوفة والبصرة اللغويتين أثره في إحياء الشعر الجاهلي لأغراض لغوية في المقام الأول، ولم يبدأ جمع الشعر العربي إلا في عصر الأمويين، ولم يبلغ هذا الجمع ذروته إلا في عصر العباسيين [بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" (1: 36)].

ونجد "المفضل بن محمد بن يعلى الضبي" المتوفى سنة 168هـ، الذي عمد إلى جمع مجموعة من قصائد وأشعار العصر الجاهلي سميت بالمفضليات هو من أوائل مصنفي ومهذبي تلك الدواوين، والشائع المعروف أن المفضل جمعها لتلميذه المهدي حينما جعله والده الخليفة العباسي المنصور مؤدبًا له.

وكان المفضل سماها في الأصل "كتاب الاختيارات"، ولكنها بعد ذلك سميت باسمه، وقيل إنها مائة وستًا وعشرين قصيدة، أضيفت إليها أربع قصائد وجدت في بعض النسخ، ويقول ابن النديم: «وهي مائة وثمانية وعشرون قصيدة، وقد تزيد وتنقص، وتتقدم القصائد وتتأخر، بحسب الرواية عن المفضل، والصحيحة التي رواها ابن الأعرابي تلميذ المفضل وربيبه» [الفهرست لابن النديم صـ108].

وهناك "أبو عمرو الشيباني" المتوفى سنة 206 هـ وقيل 213 هـ يروى عنه أنه جمع أشعار القبائل، وكانت نيفًا وثمانين قبيلة، وكان كلما عمل قبيلة كتب مصحفًا، ويرى المستشرق "جولدتسيهر" أن صنعة أبى عمرو الشيبانى لدواوين القبائل مجرد "تحرير لمجموع المتاح من الشعر لدى القبيلة"[1]، هذا بالإضافة إلى الدواوين التي عملها وجمعها مثل دواوين: امرئ القيس، والحطيئة، ولبيد، ودريد بن الصمة، والأعشى. [في تاريخ الأدب الجاهلي لعلي الجندي (صـ 145)].

ويقال: إن "الأصمعي" المتوفى سنة 215 هـ - وقيل 216هـ - جمع الشعر المبعثر في دواوين ومجموعات، ومنها "الأصمعيات" المشهورة، كما عمل دواوين امرئ القيس، والنابغة، والحطيئة، ولبيد، والأعشى، وبشر بن أبي خازم، والمهلهل، والمسيب بن علس، والمتلمس.

وهناك ابن الأعرابي المتوفى سنة 225 هـ، ذُكرَ عنه: أنه قد أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ثم ابن السكيت المتوفى سنة 245 هـ الذى يقال عنه إنه جمع دواوين امرئ القيس، والحطيئة، ولبيد، والأعشى، وبشر بن أبي خازم، والمهلهل، والخنساء.

وهناك "أبو سعيد السكَّري" المتوفى سنة 275 هـ، وقد قام بعمل دواوين امرئ القيس، وزهير، والنابغتين، والحطيئة، ولبيد، ودريد بن الصمة، والأعشى، وبشر بن أبي خازم، والمهلهل، والمتلمس، والمسيب وعدي بن زيد، والخنساء، وقيس بن الحطيم، وتميم بن مقبل، وأشعار اللصوص وأشعار هذيل، وهدية بن خشرم، ومزاحم العقيلي، والأخطل، وغيرهم.

ثم "أبو الفرج الأصبهاني"، المتوفى سنة 357 هـ قد كتب عشرات الكتب، منها كتاب "التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأنسابها"، وكتاب "الأخبار والنوادر"، وكتاب "مجموع الآثار والأخبار"، وكتاب "أيام العرب"، وكتاب "الأغاني" الذي طبقت شهرته الآفاق وهو كتاب يعتبر موسوعة عربية ضخمة، وحكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب ثلاثين جملًا، من الكتب، فلما وصل إليه كتاب الأغاني استغنى به عنها.

ونجد أنه برصد هذه المجموعات من الاختيارات والدوواين أنهم اتفقوا على تقسيم شعراء العصر الجاهلي إلى طبقات ومراتب كما فعل ابن سلام الجمحي في كتابه الرائد "طبقات فحول الشعراء" حيث جعلوا على رأسها بصفة عامة شعراء المعلقات، وأغلبهم اتفقوا على ريادة امرؤ القيس والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى ولبيد وحيازتهم قصب السبق في تلك الفترة من الجاهلية، يقول ابن سلام الجمحي "أخبرنى يُونُس بن حبيب أَن عُلَمَاء الْبَصْرَة كَانُوا يقدمُونَ امْرأ الْقَيْس بن حجر وَأهل الْكُوفَة كَانُوا يقدمُونَ الْأَعْشَى وَأَن أهل الْحجاز والبادية كَانُوا يقدمُونَ زهيرا والنابغة" [طبقات فحول الشعراء (1/ 52)].

ويمكن بإيجاز جمع وتصنيف دواوين الشعر الجاهلي في عدة مصادر إجمالية على النحو التالي:
• المعلقات: وهي اختيارات لعدد من قصائد الشعراء المخضرمين الجاهليين، واختلفوا في عددهم ومرتبتهم بين تقديم وتأخير، وأغلب النقاد يجعلونها سبع معلقات هي: لامرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد العبسي، والحارث بن حلزة، وأضاف آخرون الأعشى والنابغة الذبياني وعبيد بن الأبرص.

• المفضليات: اختيارات "المفضل بن محمد بن يعلى الضبي"، وهي مائة وثمانية وعشرون قصيدة من عيون الأدب الجاهلي، أملاها على كثير من أصحابه وتلامذته، واشتهرت وصح معظمها، والشعراء الذين ذكرهم الضبي سبعة وستون شاعرًا منهم ستة شعراء إسلاميون، وأربعة عشر مخضرمون، والباقون وهم سبعة وأربعون شاعرًا جاهليون لم يدركوا الإسلام.

• الأصمعيات: اختيارات الأصمعي وهو من أشهر رواة العرب ويأتي في المرتبة الثالثة بعد حمّاد الراوية والمفضل الضبى في جمع أخبار العرب وأشعارهم واستقصائها، واختياراته عبارة عن اثنتين وتسعون قصيدة ومقطعة، لواحد وسبعين شاعرًا؛ والشعراء منهم ستة شعراء إسلاميون، وأربعة عشر شاعرًا مخضرمون، وأربعة وأربعون جاهليون، وسبعة مجهولون ليست لهم في المظان تراجم تكشف عن عصرهم، والأصمعيات تلتقي مع المفضليات في تسع عشر قصيدة.

• جمهرة أشعار العرب: مجموعة تنسب إلى أبي زيد بن محمد بن أبي الخطاب القرشي، وجاء في نهاية اختياراته نسبتها إلى المفضل بن عبد الله بن محمد بن المجبر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب؛ حيث قال: "قال المفضل: فهذه التسع والأربعون قصيدة عيون أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، وأنفس شعر كل رجل منهم"، وهي تضم سبعة أقسام، وفي كل قسم سبع قصائد على النحو التالي: المعلقات، والمجمهرات، والمنتقيات، وعيون المراثي، والمذهبات، والمشوبات، والملحمات.

• مختارات ابن الشجري: لصاحبها هبة الله العلوي بن أحمد بن الشجري، المتوفى سنة 542 هـ، وقد جعلها ابن الشجري أقسامًا ثلاثة، وأهم ما في القسم الأول قصائد للشنفرى وطرفة ولقيط الإيادي والمتلمس، والقسم الثاني به مختارات من شعر زهير وبشر بن أبي خازم، وعبيد بن الأبرص، وفي القسم الثالث اختيارات من ديوان الحطيئة.

• دواوين الحماسة: وهي مختارات تنسب لأصحابها، واكتسبت تلك التسمية من أول ديوان جمعه الشاعر أبو تمام وأطلق عليه "ديوان الحماسة"، وهي من منتقيات عيون الشعر العربي، ومن أبرزها: ديوان الحماسة لأبي تمام المتوفى سنة 231هـ، حماسة البحتري المتوفى سنة 284هـ، حماسة الخالديين وهى مجموعة للأخوين: أبي عثمان سعيد المتوفى سنة 350هـ، وأبي بكر محمد المتوفي سنة 380 هـ، الحماسة المغربية لصاحبها يوسف بن محمد البياسي في تونس سنة 646هـ، الحماسة البصرية جمعها صدر الدين علي بن الفرج البصري، وقدمها سنة 467هـ إلى الملك الناصر أمير حلب.

• كتب مختارات الشعر الجاهلى والإسلامى المصنّفة وفق البيئات والموضوعات: ومنها "كتاب أشعار الأعاريب" لمحمد بن عبيد الله بن عمرو العتبى المتوفى 228 هـ، كتاب "أشعار الشراة"، لعمر بن شبّة المتوفى حوالى 264 هـ، "أشعار (أو: أخبار) اللصوص"، لأبى سعيد السّكّرى المتوفى 275 هـ، كتاب "أشعار الملوك" لعبد الله بن المعتزّ المتوفى 296 هـ، كتاب "أشعار (تنسب إلى) الجنّ" لمحمد بن عمران المرزبانى المتوفى 384 هـ، كتاب "سرقات الشعراء وما تواردوا (أو: اتفقوا) عليه" ليعقوب بن إسحاق بن السّكّيت المتوفى نحو 244 هـ، "أشعار النساء اللّائى أحببن ثم أبغضن"، لمحمد بن عبيد الله بن عمرو العتبى المتوفى 228 هـ، "كتاب أشعار المعاياة وطرائقها"، لعلى بن حمزة الكسائى المتوفى 180 هـ، "كتاب الأراجيز"، لعبد الملك بن قريب الأصمعى، "شرح أبيات المعاياة"، لسعيد بن مسعدة الأخفش المتوفى نحو 215 هـ، هذا إلى مجموعة من كتب الطبقات وهي تمثل نموذج "الكتب الجامعة" أو موسوعات الشعر وتمثل تطور التأليف في الأدب العربي، ومن هذا القبيل "كتاب الأغانى الكبير" لأبى الفرج الأصفهانى المتوفى 356 هـ.



[1] I. Goldziher, Some Notesonthe Diwansofthe Arabic Tribes.







منقول