لمحة عامة حول الشعر عند العرب


للشعر العربي دورٌ كبير في إعطاء صورة واضحة المعالم عن حياة العرب، وأنشطتهم، وتطورهم الحياتي، ومدى ما وصلوا إليه من مستوى فكري وثقافي واجتماعي. هذا إلى ما كان للشعر من أهمية في حفظ اللغة وإحيائها. ونجد أن الكلام عند العرب انقسم إلى منثور ومنظوم، وللعرب كلام كثير في تفضيل كليهما على الآخر وأسبقيَّة كل منهما، وإن كان الثابت أنَّه كان للشعر شأوٌ كبير عند العرب، «وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعرٌ أتت القبائل فهنَّأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبْنَ بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنَّه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم». ["العمدة في محاسن الشعر وآدابه"، لابن رشيق القيرواني (1/ 65)].

ونجد أنَّ العصر الجاهلي - في حساب الزمن - أول عصور التاريخ العربي، ويرى د. ناصر الدين الأسد أنَّ «الشعر الجاهلي هو الأصل الذي انبثق منه الشعر العربي في سائر عصوره، وهو الذي أرسى عمود الشعر، وثبَّت نظام القصيدة، وصاغ المعجم الشعري العربي عامة؛ ولست أفهم كيف نستطيع أن نحكم على ما في شعر العصور الإسلامية من تطور وتجديد إذا لم نصل من أمر الشعر الجاهلي إلى مفصل نطمئن عنده». ["مصادر الشعر الجاهلي" (صـ 1)].

وأقدمُ الأخبار في المصادر العربية تمضي في تأريخ الشعر العربي في العصر الجاهلي إلى القرن الخامس الميلادي على أبعد تقدير، وإن كان على الأرجح أن الشعر كان قد تطور قبله تطورًا بعيدًا، ونجد أن من تفرغوا لجمع الشعر في أقدم المصادر التاريخية كعُبيْد بن شَريّة وابن مُفرّغ أوردوا أشعارًا تنسب لحِمْير وتُبّع، ونرى أن سنتى ميلاد أقدم شاعرين جاهليين نعرفهما وهما مُهلْهِل بن ربيعة وعمرو بن قميئة، يبدو أنهما ليستا قبل 450 م. ["تاريخ التراث العربي"، لسزكين - الشعر (1/ 13)].

وأغلب الأمر أنَّ الشعر انتقل روايةً شفاهيًّا عن العرب، وبعضها تدوينات متأخرة، ونجد أن تدوين الأدب العربى لم يبدأ قبل نهاية القرن الأول الهجرى، وفي الحديث عن أصالة الشعر العربي ثَارِت العديدُ من القضايا؛ حيث إن المدى الزمنى بين عصر الشعراء وعصر جمع أشعارهم وتدوينها قد يصل إلى 150 عامًا أو أكثر. وإن كان كثير من المستشرقين وعلى رأسهم (و. آلورد) قد دللوا على دور الرواة في حفظ الشعر القديم خلال أربعة أو ستة أجيال، فالرواة هم «الحمَلَة الأساسيون لعيون الشعر، شأنهم شأن القصاص المحترفين فى روايتهم للأخبار التاريخية، وكان الرواة يروون الشعر وما ارتبط به من ظروف، وينقلون ذلك عن طريق تلاميذهم إلى الأجيال التالية، ولولا روايتهم الشفوية لضاع الشعر المبكر غير المدون، باستثناء البقايا القليلة التى تدور على الألسنة»[1].

ويدلل الأستاذ فؤاد سزكين على تواصل الاهتمام بالتدوين خلال العصر الإسلامي؛ «فالاهتمام بأخبار الجاهلية وشعرها ظلَّ مستمرًا دون انقطاع فى عصر النبوة والخلفاء الراشدين، ويتَّضحُ هذا من شكوَى عمر بن الخطاب من أنَّ العرب تشاغلوا بالجهاد فى هذه الفترة، ولهوا عن الشعر وروايته.

إنَّ المحاولات الأولى لحفظ شعر الجاهلية ترجع إلى هذه الفترة، وقد كلَّف عمر بن الخطاب سعدَ بن أبى وقاص - كما يقول الخبر - أن يتعرف على شعر من بقى على قيد الحياة من الجاهليين». [يوسف العش، "نشأة تدوين الأدب العربى" (ص 9) / "تاريخ التراث العربي"، لسزكين - الشعر (1/ 36)].

أمَّا بخصوص تأثر الشعر العربي بغيره من الآداب في الحضارات المختلفة فما زالت قضية شك، وإن كان التواصل بين الحضارات قد تم منذ العصور المبكرة في مجالات مختلفة، غير أن العروض الكمى عند العرب لا يقارن بأى نظام عروضى آخر.

قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: «مَا انْتهى إِلَيْكُم مِمَّا قَالَت الْعَرَب إِلَّا أَقَله، وَلَو جَاءَكُم وافرًا لجاءكم علم وَشعر كثير». ["طبقات فحول الشعراء" (1/ 25)].

ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في "تاريخ آداب العرب": «والشعر هو عمود الرواية: عليه مدارها وبه اعتبارها؛ وقد كانت منزلته من العرب ما هي، إذ كان يتعلق بأنسابهم وأحسابهم وتاريخهم وما يجري مع ذلك، حتى كأنَّه الحياة المعنوية لأولئك القوم المعنويين، فلم يكن عجبًا أن يدور فيهم مع الشمس والريح، وأن تسخر له ألسنتهم فينصرفوا إلى قوله وروايته، حتى بلغ منهم مبلغه.. ». [(1/ 228)].

[1] W. Ahlwardt, Bemerkungenuberd ie Aechtheitderalte narabischen Gedichtemitbeson derer Beziehung aufdie Dichter ...Greifswald 1872.



منقول