القرآن والدعاء ونية الصيام


د. محمود فتوح محمد سعدات








قراءة القرآن الكريم وتدبره:

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (الأعراف: 204). وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرا القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها).



وتؤكد النصوص الدينية استحباب قراءة القرآن الكريم وتدبره في شهر الصوم لما له من تأثير كبير على الإنسان، فيمكنه أن يستفيد من هذا الجوّ الروحي المتحرك مع الجو القرآني، وأن يحرّك في داخله الحيوية والانفتاح والامتداد، لأن قراءة القرآن الكريم قد تختلف في تأثيرها على النفس، تبعاً لاختلاف الجوّ الذي تعيش فيه القراءة. وإنّ جوّ قراءة القرآن الكريم في شهر الصوم، يرتفع بالإنسان إلى روحية عالية بأجوائها.. فإذا أضفنا إلى ذلك الثقافة الإسلامية التي تتمثّل في القرآن الكريم في ما تحمله آياته من مفاهيم الإسلام وأفكاره وشريعته، عرفنا كيف يساعد ذلك على نموّ الشخصية الإسلامية التي ينبغي لها أن تعيش فكرها في أجواء روحيّة هادئة، لتتمكّن من خلال ذلك من الانطلاق من قاعدة فكريّة روحيّة عميقة في داخل النّفس والفكر والوجدان.



ختم القرآن:

إن ختم القرآن من الأعمال الجليلة التي يثاب عليها العبد وينال بها الدرجات العلى فيستحب للمسلم أن يختم القرآن مرة بعد مرة ويواظب على ذلك قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾ (سورة فاطر: 29). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "ألم" حرف، ولكن "ألف" حرف، و"لام" حرف، و"ميم" حرف) (رواه الترمذي).



ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به وهو من فعل السلف الصالح، فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبراً وتعقلاً ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم.



وتلاوة القرآن فيها فضائل حسنة ومزايا عظيمة كما ورد في النصوص من شفاعة في الآخرة وكثرة الحسنات ورفعة الدرجات وزيادة اليقين وانشراح الصدر وشفاء من الأسقام واطمئنان الروح وجلاء الهموم والأحزان في الدنيا وبصيرة في الدين وفرقان في المشتبهات ورفعة في الدنيا وغير ذلك من الشمائل التي لا يحصيها القلم ولا يحدها الوصف والتي ينعكس أثرها الايجابي على الشخصية المسلمة.



الدعاء:

قد يكون الدعاء من أبرز الأعمال العبادية الظاهرة الصائم، حيث يشعر بأنّ هناك شمولاً في ما ينبغي للمرء أن يدعو به. وقد تنوّعت أساليب الدعاء ومضامينه في ما حفلت به الأحاديث المأثورة من نوعيات الأدعية، التي يجد الإنسان نفسه من خلالها في جولة واسعة في رحاب الله وفي آفاق النفس وفي أوضاع الحياة المحيطة به، في أسلوب روحي لذيذ يرتفع بالنّفس إلى سماوات الروح والإيمان والإبداع ليصنع الإنسان المسلم الجديد، والتي ينعكس أثرها الايجابي على الشخصية المسلمة.



وهناك الأدعية الاجتماعية الإنسانية التي تثير في داخل الإنسان الشعور بمشاكل الناس من حوله، إضافة إلى مشاكله الخاصّة، في عمليّة إيحاء روحية بأنّ عليه أن لا يبتعد عن الحياة في نطاق مسؤوليته عندما يلتقي بالله ويجلس بين يديه بل يحاول الاقتراب من ذلك كله، ليعرف أن الحياة كلها، في مشاكلها وحلولها، مشدودة إلى الله في عملية البقاء والامتداد، كما هي مشدودة إليه في عملية الخلق، وتحرّك في داخله الشعور بأن العبادة لا تعزل الإنسان عن الحياة، بل تربطه بها بطريقة واسعة مثيرة، وهناك الأدعية التي تخلق في وعيه الوعي فيما يلتقي به من المشاكل الإسلامية العامة في الحكم والحاكمين وقضايا العدل والظلم والحق والباطل، لتتحوّل إلى دعوات ورغبات وأمنيات يطرحها بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليكون ذلك سبيلاً من سُبُل الوعي الذي يختزنه الإنسان في أجواء العبادة.



يعد الصائم مُستجاب الدعاء، وذلك لأمور:

الأول: أن الصائم فريضة: ويعد الْمُتقَرِّب بالفريضة أحبّ إلى الله وأقرب. وكان السلف يستحبّون أن يكون الدعاء في الفريضة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: احملوا حوائجكم على المكتوبة. رواه عبد الرزاق.

وعند ابن أبي شيبة: اُدْعُوا فِي صَلاَتِكُمْ بِأَهَمِّ حَوَائِجِكُمْ إلَيْكُمْ.

الثاني: أن العامل يُعْطَى أجْره عند نهاية عَمَلِه: فالصائم يَنتهي يَومه بإفطاره عند الغروب، فَنَاسَب أن تكون له دعوة مُستجابة عند فِطْرِه.


الثالث: أن الصيام يُضيِّق مجاري الشيطان: أن الصيام يُضيِّق مجاري الشيطان، فتسمو النفس وتَخْلص ف تُخْلِص، فيكون أقرب إلى الإجابة.



الرابع: شِدّة الافتقار مع الجوع والعطش: إذ أن الشِّبَع يَبْعَث عادَة على الغَفْلَة والأشَر والعكس مع شِدّة الافتقار مع الجوع والعطش.




نيّة الصوم:

يجب أن تكون نيّة الصوم نيّة خالصة لله سبحانه وتعالى، أن نصوم قربة إلى الله وتصلي قربة إلى الله وتحج قربة إلى الله. والله يريد منا أن تتعلم من خلال ذلك، أن نعيش حياتنا، لتحصل من خلال ذلك على درجة التقرب من الله سبحانه وتعالى، فإنها الدرجة التي لا درجة فوقها في الدنيا والآخرة، وكل ذلك ناتج عن نيّة الصوم والتقرّب إلى الله سبحانه القائل:﴿ إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ﴾ (الرعد: 11)، ﴿ ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ﴾ (الأنفال: 53).



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنما الأعمال بالنيات ولكل مرئ ما نوى)، (وإن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة)، من هنا لا بدّ أن نصوم صوماً جسدياً، وإن نصوم صوماً أخلاقياً وصوماً فكرياً روحياً شعورياً فإن الله يريدنا أن نصوم عن محبّة أعداء الله، وأن نصوم عن بغض أولياء الله، أن لا نحبّ إلا الطيبين المؤمنين الذين ينفتحون على الله في حياتهم، وأن لا نبغض إلا أعداء الله في كل ما يخططون له ويعملون له، أن لا نوالي إلا المؤمنين، ولا نعادي إلا الكافرين المستكبرين، ذلك هو صوم المشاعر كما هو صوم العقل والجسد وما يتعلق بذلك. هذا هو الصوم الذي يريده الله تعالى تصويباً لقضايانا في معركة الحياة التي يجب أن تتحرك في طاعة الله نيلاً لرضوانه وتحقيقاً لغاية الوجود الإنساني.



وتوجد العديد من النيات المطلوبة من المسلم الصائم والتي تقوى سلوكه أثناء الصوم، والتي ينعكس أثرها الايجابي على الشخصية المسلمة، وتتمثل هذه النيات في الآتي:

نية قراءة القرآن الكريم وختمه مع التدبر.

نية التوبة الصادقة من جميع الذنوب السالفة


نية أن يكون هذا الصوم بداية انطلاقة للخير والعمل الصالح المستمر.

نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات إثناء الصوم وخاصة شهر رمضان الذي فيه تضاعف الأجور والثواب.

نية تصحيح السلوك والخلق والمعاملة الحسنة لجميع الناس.

نية وضع برنامج مليء بالعبادة والطاعة والجدية بالالتزام به.

نية الذهاب إلى بيت الله الحرام لتأدية العمرة لمن استطاع وقدره الله على ذلك

نية العمل لهذا الدين ونشره بين الناس مستغلاً روحانية الصوم وأثاره.