أقل الاعتكاف وأكثره


الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي







أقل مدة الاعتكاف:
قيل: أقله يوم وليلة، وهو مذهب المالكية[1].
وقيل: لحظة، وهو قول أكثر العلماء.


قال الإمام النووي رحمه الله من الشافعية: "الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يشترط لبثٌ في المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل، حتى ساعة أو لحظة"[2].


وقال المرداوي رحمه الله من الحنابلة: "أقله إذا كان تطوعًا أو نذرًا مُطلقًا ما يُسمى به معتكفًا لابثًا، قال في "الفروع": فظاهره ولو لحظة، وفي كلام جماعة من الأصحاب: أقله ساعةٌ، لا لحظة"[3].


وفي "الدر المختار" للحنفيَّة: "وأقله نفلًا ساعة من ليل أو نهار"[4].


قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله من المالكية: "ولا حد عند أبي حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء في أقل مدته"[5].


قال الإمام النووي رحمه الله: "قال الشافعي والأصحاب: والأفضل أن لا ينقص اعتكافه عن يوم؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتكافٌ دون يوم وليخرج من خلاف أبي حنيفة وغيره ممن يشترط الاعتكاف يومًا فأكثر"[6].


وقال في "كشاف القناع": "ويُستحب ألا ينقص الاعتكاف عن يوم وليلة، خروجًا من خلاف من يقول: أقله ذلك"[7].


ويُستأنس لهذا بما ثبت عن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة... الحديث؛ رواه البخاري، وفي مسلم: "يومًا"، بدل "ليلة"، وقد جمع ابن حبان وغيره بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمَن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يومًا أراد بليلته[8].


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما المسنون فالعشر كلها، وأما غير المسنون فيجزئ اليوم أو الليلة"[9].


وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "يجوز الاعتكاف، ولو ساعة من الزمن"[10].


وفي اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولم يرَ أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينويَ الاعتكاف مدة لبثه"[11]؛ لأنه لم يُنقل عن الصحابة أنهم كانوا ينوون الاعتكاف أثناء لبثهم في المسجد، وكانوا يَجلسون فيه ينتظرون الصلاة، ولم يرد أن النبي كان يأمرهم بذلك.


قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "والصحيح أنه راجع إلى العرف، كيوم، أو نصف يوم، وأما الشيء القليل جدًّا فلا يسمى اعتكافًا، والله أعلم"[12].

أكثر مدة الاعتكاف:
لا حد لأكثر الاعتكاف في قول عامة أهل العلم؛ قال الإمام ابن الملقِّن رحمه الله: "وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره"[13].

النية شرطٌ لصحَّة الاعتكاف:
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ، قال صاحب "المهذَّب": "لأنها عبادة محضة، فلم يصحَّ من غير نية؛ كالصوم والصلاة"[14].


وقال الإمام ابن رشد رحمه الله: "أما النية فلا أعلم فيها اختلافًا"[15].

اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر لصحَّة الاعتكاف:
الأظهر - والله أعلم - أن الطهارة من الحدث الأكبر شرط لصحَّة الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف لبثٌ، وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ [النساء: 43]، وإذا ثبت هذا في الجُنب، فالحائض من باب أولى؛ لأن حدَثَها آكَد.



[1] "الاستذكار" (4 / 177).

[2] "المجموع" (6 / 332)، وينظر: "المحلى" (5 / 180).

[3] "الإنصاف" (7 / 566).

[4] "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (3 / 498 - 499).

[5] "الاستذكار" (4 / 177).

[6] "المجموع" (6 / 332).


[7] "كشاف القناع" (2 / 169).

[8] ينظر: "صحيح ابن حبان" (10 / 226 - 227).

[9] "فتح ذي الجلال" (7 / 534).

[10] "فتاوى اللجنة الدائمة"، المجموعة الثانية، (9 / 321).

[11] "الفتاوى الكبرى" (5 / 380).

[12] "التعليقات على عمدة الأحكام" (ص: 319).

[13] "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5 / 430).

[14] "المهذب" (2 / 642)، قال الإمام النووي رحمه الله: "وقوله عبادة محضة: احترازٌ من العدة ونحوها".
"المجموع" (6 / 338).

[15] "بداية المجتهد" (3 / 241).