تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 76

الموضوع: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل
    تمهيد:
    الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، وأقامهم على معالم دينه أدلاء، فبين بهم السبيل، وهدى بهم السائرين، وأقام بهم الحجة، وجعلهم أئمة يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون، فقضوا حياتهم في صبر ويقين ، وتعلم وتعليم ، وجهاد لإعلاء الدين، بذلوا لله حياتهم ؛ فهاجرت إليه قلوبهم، وساروا في الطريق مشمرين، عاقدين العزم على بلوغ الغاية، وإن بعدت الشقة، وعظمت المشقة، وجرت عليهم محن وابتلاءات فيها للسائلين عبر وآيات، أبانت عن ثبات ويقين، وإيمان وتسليم، واتباع للهدى المستقيم، فشكر الله سعيهم، ورفع ذكرهم، وأودع محبتهم في قلوب أوليائه، يحبونهم ويدعون لهم بخير، ما تطاول بهم الزمان، وتناءى عنهم المكان، فآثارهم مذكورة ، وآلاؤهم مشكورة، وسيرهم نبراس للمؤتسين، ولا تزال سنة الله ماضية، والأحداث متشابهة ، ولهم علينا فضل السبق والفوز، ونحن -طلاب العلم- لا نزال في دار الابتلاء ولا ندري ما يختم لنا به، وما سبق علينا به الكتاب، نسأل الله تعالى أن نكون ممن سبقت لهم منه الحسنى ، وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، فلا يكاد يبتلى أحدنا بأمر إلا وقد ابتلي بأعظم منه بعض الصالحين قبلنا، فكيف صنعوا حتى نجوا ؟! ، وكيف أبقى الله لنا أخبارهم عبرة وذكرى، وتثبيتاً وسلوى ؟!
    حتى إن أحدنا ليشتد به الأمر حتى تضيق نفسه وتضيق به أرضه، فما هو إلا أن يقرأ سيرة علم من الأعلام فإذا به قد تعرض لبلاء أشد من بلائه، فصبر فيه صبراً أعظم من صبره، وظفر من خير الدنيا والآخرة بثواب لا يحد، وفضل لا يستقصى {إن هذا لهو الفضل المبين}
    فتصحو نفسه من سكرتها، وتثوب من غفلتها، وتعلم أن السنة ماضية، والأمر جد، وسوق الوعد والوعيد قائم، ورياح التوفيق والخذلان تتناوشه من حيث يدري ولا يدري، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}.
    قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: (سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المبتدئ ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم)
    وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت من علي بن المديني كلمة أعجبتني، قرأ علينا حديث الغار ثم قال: (إنما نقلت إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجب منها).
    وروى البيهقي أيضاً في شعب الإيمان عن عبد الله بن محمد بن منازل قال: سئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟!
    قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق.
    وقال حمدون القصار أيضاً فيما نقله الشاطبي في الاعتصام: (من نظر في سير السلف عرف تقصيره ، وتخلفه عن درجات الرجال).
    فقراءة سير السلف الصالح من العلماء وأئمة الدين تثبت السائرين، وتشحذ عزائم المتهاونين، وتبصر الإنسان بمعرفة قدر نفسه، فتعينه على مداواة ما في نفسه من آفات لو استمرت به لأضرته وربما أردته من العجب والغرور والوهن والفتور، واستصعاب معالي الأمور، وكم من سيرة استنزلت عَبرة، وأورثت عِبرة، وتسلى بها محزون، وتبصر بها غافل فتذكّر وانتفع.
    وإن من مهمّ ما يحتاجه طالب كلّ علم أن يتعرّف سير أعلامه من العلماء الأجلاء الذين قام بهم عموده، واستنار بهم سبيله، تعلّموه فأحسنوا تعلّمه، ورعوه حقّ رعايته، وأدّوا أمانة تبليغه؛ فرفع الله درجتهم، وشرّف منزلتهم، فمن رام أن يُعدّ منهم وأن يُحشر في زمرتهم؛ فليسلك سبيلهم، وليتدرّج مدارجهم، وليتعرّف سيرهم وأخبارهم، فإذا عرفهم حقّ المعرفة، وتبصّر بهديهم وآثارهم أحبّهم حبّ الغريب المشتاق لأهله، وارتبط بهم ارتباط الفرع بأصله، ومتى صحّت المحبّة قويت العزيمة، وهانت الصعاب، وشمّر المحبّ عن ساعد الجدّ، فسار على دربهم، واهتدى بهديهم، والتحق بزمرتهم.

    وقد عقدت لطلاب برنامج إعداد المفسّر دورة مطوّلة في تدارس سير أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين؛ كان غرضها الأكبر تعرّف طرائقهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وأسباب رفعتهم وبركة علمهم، وأن نعرف من أخبارهم وآثارهم ما يبصّرنا في أمور ديننا، ويعرّفنا بسبيل النجاة فيما يعترضنا من الفتن، ويثبّت محبّتهم في قلوبنا رجاء أن يشملنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحبّ).
    ثمّ رأيت مراجعتها وتهذيبها وتتميمها لتخرج في كتاب كبير يكون مرجعاً شاملاً لسير هؤلاء الأعلام، والعزيمة معقودة بإذن الله تعالى على عمل مختصر له يتمكن الطالب من دراسته في مدّة وجيزة.

    والله المستعان وبه التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به.



    مقاصد دراسة سير أعلام المفسرين :


    من مقاصد دراسة سير أعلام المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أن يتبصّر طالب علم التفسير بأحوال الطبقة العليا من أئمة المفسرين، وأن يعرف قدراً صالحاً من سيرهم وأخبارهم وآثارهم وطرقهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وحرصهم على الاهتداء بهدى القرآن، وأخذه بقوّة، وحسن التذكير بالقرآن، وإفادة طلاب العلم والعامّة بما فقهوه من معاني كلام الله تعالى.
    وأن يتبيّن الآثار السلوكية لما تعلّمه الصحابة رضي الله عنهم من معاني القرآن، وكيف كان هذا العلم حياة لقلوبهم ونوراً لدروبهم، وعُدّة لهم في الفتن والمحن، وميراثاً نافعاً خلّفوه لمن بعدهم.
    وقد حمل علمَ التفسير بعد الصحابة رضي الله عنهم أئمة من التابعين؛ فكانوا خير قرن حمل هذا العلم بعد الصحابة؛ وأقربهم منهم فقهاً وعلماً وهدياً وسمتاً، وتجلّى للمتوسّمين في سيرهم وأخبارهم ما ينبغي أن يكون عليه حامل القرآن والعالم بمعانيه؛ وما يجب أن تثمر فيه تلك المعارف من السّمت والثبات والسلوك بتوفيق الله تعالى.
    وانظر كيف أعلى الله درجاتهم، ورفع ذكرهم، فمضت مئات السنين، والناس ينتفعون بعلمهم، ويذكرون فضلهم، ويثنون عليهم، ويدعون لهم بخير، وما نالوا ذلك إلا بإحسانهم اتّباع الصحابة رضي الله عنهم؛ واجتنابهم ما يخالف هديهم، وهكذا ينبغي أن نكون في هذا القرن؛ فالسعيد الموفّق من أحسن اتّباعهم، والشقي المفتون من اتّبع غير سبيلهم.

    وانظر بعد ذلك إلى أحوال قومٍ يدّعون أنّهم يأتون في تفسير القرآن بما لم يعرفه الصحابة رضي الله عنهم ولا من بعدهم من التابعين، وليس هو من طريقتهم، ولا يرجع إلى شيء من أصولهم، كالذين يتكلفون تفسير القرآن بمناهج خاطئة، وطرق واهية، يكون في بعض ما يذكرون ما يفتن الناس من حق قليل مغمور في باطل كثير، لا يفيد يقينا ولا يهدي سبيلاً، وغاية ما يريدون أن يصلوا إليه الإبهارُ والإدهاش بما عرفوه من دقائق المسائل التي تدلّ بزعمهم على إعجاز القرآن، ويغفلون عن مقاصده العظمى، وإذا فُتّش كثير مما ذكروه وُجد فيه خطأ كثير؛ فأشغلوا الناس بطرقهم ومناهجهم وأوجه عنايتهم عن ورود المنهل الصافي العذب الذي يفيد اليقين، ويهدي إلى الحق، ويجد المؤمن فيه من دلائل الإصابة والتوفيق، وحسن الأثر على قلبه ونفسه ما يتبيّن به أنه هو المنهج الحقّ في تعلّم تفسير كتاب الله تعالى.

    وكلّ علم يُؤخذ عن أئمّته، ولا ينبغي أن يكون لدى طالب علم التفسير أدنى تردد في اعتقاد أن هؤلاء الأعلام من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم هم الطبقة العليا من أئمة المفسّرين، وأنّ من اتّبع سبيلهم، وسار على منهاجهم، واهتدى بهديهم أصاب الطريق الصحيح الموصل إلى العاقبة الحسنة والفوز العظيم.
    وأن من اتّبع غير سبيلهم واهتدى بغير هديهم ضلّ وفُتن، ولو وجد مما يغرّه ويظنّه صواباً أموراً مبهرة ومدهشة؛ فليس العبرة في العلم بالإبهار والإدهاش، فإن المسيح الدجال يأتي بأشدّ ما يبهر الناس ويدهشهم، وإنما العبرة بإصابة الحق الذي أراده الله، واتّباع الهدى الذي أمر الله به.
    فمن عرف المقصد الأعظم من إنزال القرآن الكريم تبيّن له أنّ الصحابة رضي الله عنهم خير من أدرك هذا المقصد، وخير من اعتنى به وسعى لتحقيقه.

    فوائد دراسة سير أعلام المفسّرين:
    لدراسة سير أعلام المفسرين في القرون الفاضلة فوائد جليلة سبقت الإشارة إلى بعضها وهذا تلخيصها:
    1: أنها تعرّف بفضل أولئك الأعلام الأجلاء؛ فيعرف الطالب قدرهم، ومنزلتهم، وسابقتهم في الدين، وإمامتهم في التفسير؛ فإذا بلغه بعد ذلك تفسيرهم من طريق صحيح عرف قدره وأحسن تلقّيه.
    2: أنها تبصّره بما لاقوه في سبيل تحصيل ما حصّلوه من العلم، وما امتازوا به من خصال كانت سبباً في رفعتهم وحسن تحصيلهم.
    3: أنها تُبيّن لطالب العلم أن الصحابة قد تبوؤوا المنزلة العليا في فهم القرآن وتفسيره ؛ فلا يُدرك شأوهم، ولا سبيل لفهم القرآن غير سبيلهم، لما خصّهم الله به من صحبة نبيّه وشرف التلقّي منه وإدراك عصر لغة القرآن، ومعرفة وقائع التنزيل، وأحوال المخاطبين ودلائل الخطاب.
    4: أنّها تبيّن للطالب شيئاً من مناهج الصحابة والتابعين وهديهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وشيئا من معالم أصول التفسير.
    5: أنها تجلّي له عنايتهم بالتفسير رواية ودراية ورعاية.







    6: يدرك الطالب بها خطر الدعاوي التي يراد منها الإعراض عن تفسير الصحابة والتابعين، وما يعبّر عنه بعض المحْدَثين بالمطالبة بإعادة قراءة التفسير، ويريدون بذلك إعادة النظر في تفسير القرآن لينطلق في تفسيره من منطلقات منطقية أو فلسفية مقطوعة الصلة عن الصحابة الذين نزل الوحي بلسانهم وبما يعهدون من فنون الخطاب، وعاصروا التنزيل، وتلقّوا معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كما تلقّوا ألفاظه مع زكاة نفوسهم، وجودة قرائحهم، ورضى الله تعالى عنهم؛ فمن له بفهمٍ أحسن من فهمهم؟! وتوفيق أقرب من توفيقهم؟!


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين





    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.


    العناصر:
    كنيته
    اسمه ولقبه
    - سبب تلقيبه بعتيق

    نسبه
    مولده ونشأته
    بعض أخباره في الجاهلية
    سبقه إلى الإسلام
    - الخلاصة في مسألة أول من أسلم
    - مسارعته إلى الإسلام

    أعماله الجليلة في أوّل الإسلام
    هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم
    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    مناقبه وفضائله
    - التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع
    - تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه على سائر أصحابه
    - شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالصديقية
    - سبقه بالأعمال الصالحة
    - إنفاقه في سبيل الله
    - زهده وورعه
    - أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
    - حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما
    - طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
    - الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
    - ثناء علماء الصحابة عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين
    - ثناء الأمة المستفيض عليه

    علمه وفقهه
    - علمه بالكتاب والسنة
    - علمه بالأنساب
    - علمه بعبارة الرؤيا

    - فراسته
    خلافته للنبي صلى الله عليه وسلم
    - خطبته حين تولَّى الخلافة
    بعض أخباره في خلافته
    أعماله الجليلة في خلافته
    - تسيير جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما
    - قتال المرتدين حتى دانت قبائل جزيرة العرب بالإسلام
    - تجييش الجيوش لفتح العراق والشام.
    - جمع القرآن بين اللوحين

    صفاته وشمائله
    وفاته
    سنّه عند وفاته
    وصيته
    رواة التفسير عنه
    مما روي عنه في التفسير

    المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل



    كنيته
    أما كنيته فهي أشهر الكنى في الأمّة: أبو بكر.
    ولم يكن من أولاده من اسمه بكر، وإنما كان أبناؤه: عبد الرحمن، وعبد الله، ومحمد.
    وكان سبب تكنيته بأبي بكر أنه تزوّج في الجاهلية امرأةً من كلبٍ يقال لها أمّ بكر، فكُنِي بأبي بكر.
    - قال ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة (أن أبا بكر رضي الله عنه تزوّج امرأة من كلب يقال لها أم بكر، فلما هاجر أبو بكر طلقها، فتزوجها ابن عمها). رواه البخاري في صحيحه.
    ولذلك فإنّ قول الحطيئة في زمن الردّة:

    أطعنا رسولَ الله إذ كان بيننا ... فيا لَعباد الله ما لأبي بكـــــــــــــ ــــــرِ
    أيورثها بكراً إذا مــــــــات بعده ... فتلك لعمرو الله قاصمة الظهـــر


    إنما هو وهمٌ منه، توهّم من الكنية أنّ لأبي بكرٍ ابناً يقال له بكر.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل




    اسمه ولقبه
    أما اسمه ففيه قولان مشهوران وقول خطأ:
    القول الأول: اسمه عتيق، وهو قول ابن سيرين، والزهري، وابن إسحاق، والبخاري، ويعقوب بن سفيان.
    - قال بكر بن الهيثم الأهوازي: حدثنا عبد الرزاق بن همام، عن معمر، عن ابن سيرين قال: (اسم أبي بكر عتيق بن عثمان). رواه البلاذري في أنساب الأشراف، ورواية معمر عن ابن سيرين فيها نظر.
    - وقال حجاج بن يوسف ابن أبي منيع: حدثني جدي عبيد الله بن أبي زياد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: «اسم أبي بكر الصديق عتيق بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
    - وقال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: «اسم أبي بكر الصديق عتيق». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
    - وقال البخاري في تاريخه: (اسم أبي بكر الصديق عتيق).
    - وقال يعقوب بن سفيان: (واسم أبي بكر عتيق بن أبي قحافة).

    القول الثاني: اسمه عبد الله، وعتيق لقبه، وهو قول ابن أبي مليكة وهو من قرابته، فأبو مليكة هو زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي ابن عمّ أبي بكر الصديق.
    وقال به: يحيى بن معين، والبلاذري، وابن حبان.
    - قال سعيد بن منصور: حدثنا طلحة بن موسى قال: حدثنا معاوية [بن إسحاق]، عن عائشة ابنة طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: «اسم أبي بكر الذي سماه أهله عبد الله بن عثمان، ولكن غلب عليه عتيق». رواه أبو بشر الدولابي.
    - قال أبو موسى إسحاق الفروي: حدثنا المعافَى بن عمران، عن المغيرة بن زياد، عن ابن أبي مليكة قال: (اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق). رواه البلاذري في أنساب الأشراف.
    - وقال بقية بن الوليد: حدثتني ابنة الحارث بن كعب عن عبد الله بن أبي أوفى أن أبا بكر الصديق كتب: «من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من يقرأ عليه كتابي هذا». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا محمد بن شريك المكي، قال: حدثني ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: (سمّيتُ باسم جدي أبي بكر، وكُنيت بكنيته). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: «أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن عثمان، وعثمان هو أبو قحافة، ولقبه عتيق؛ لأنَّ وجهه كان جميلاً فسمي عتيقاً». رواه الدولابي.
    - وقال البلاذري، وابن حبان: اسمه عبد الله، وعتيق لقبه.

    وأما القول الخطأ فهو ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، قال: (كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، هذا قول أهل النسب الزبيري وغيره).
    والعجيب أنه ذكر ذلك عن ابنه عبد الرحمن أيضاً ونسبه القول به إلى أهل السيرة.
    ولا أعلم لذلك أصلاً إلا أبياتاً يظهر لي أنها مصنوعة نُسبت إلى أمّه، ذكرها ابن ظفر في سيرته.
    والذين رُوي أنّهم سُمّوا عبد الكعبة ثم غيّر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم إلى عبد الرحمن جماعة منهم:
    1. عبد الرحمن بن عوف،
    روى البغوي في معجم الصحابة والطبراني في الكبير من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين (أن عبد الرحمن [ يريد ابن عوف ] كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة).
    وإسناده إلى ابن سيرين صحيح إلا أنه مرسل.
    2. وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب العبشمي(ت:50هـ)،
    ذكر ذلك عنه ابن سعد في الطبقات.
    3. وعبد الرحمن بن العوام بن خويلد الأسدي أخو الزبير،
    ذكر ذلك الزبير بن بكار عن عمّه مصعب كما في الإصابة لابن حجر.
    4. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة.

    سبب تلقيبه بعتيق

    في سبب تلقيبه بعتيق أقوال:
    القول الأول: لقّب بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم له: أنت عتيق الله من النار.
    - قال زياد بن سعد الخراساني، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: (كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت عتيق الله من النار)) فسمي عتيقاً). رواه ابن حبان، والبزار، والدولابي في الكنى، وابن الأعرابي في معجمه، كلهم من طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة عن زياد به، ورجاله ثقات، لكن قال ابن أبي حاتم في العلل: قال أبي: هذا حديث باطل.
    - وقال معن بن عيسى القزاز: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه إسحاق بن طلحة، عن عائشة (أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت عتيق الله من النار»؛ فيومئذ سمّي عتيقاً). رواه الترمذي، لكن إسحاق بن يحيى متروك الحديث.
    وللحديث طرق أخرى واهية.

    القول الثاني:
    - قال أبو أيوب سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله: حدثني أبي عن جدي موسى بن طلحة قال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله قلت له: يا أبت لأي شيء سمي أبو بكر عتيقا؟
    قال: (كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي). رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.

    القول الثالث:
    - قال مصعب الزبيري: (سمّي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به). ذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.

    القول الرابع:
    - قال البلاذري: (وقال بعض الرواة: اسم أبي بكر عبد الله، وإنما لقب عتيقا لكرم أمهاته، وكرمه).

    القول الخامس:
    - قال أبو المنذر بن هشام ابن الكلبي: (سمي عتيقاً لرقة حسنه وجماله). ذكره البلاذري في أنساب الأشراف.
    - وقال البلاذري أيضاً: (لقب بذلك لرقّة حسنه).
    - وقال يحيى بن معين: (لقبه عتيق؛ لأنَّ وجهه كان جميلاً فسمي عتيقاً».
    - وقال أبو حفص عمرو بن علي الفلاس: (أبو بكر الصديق هو عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق، وإنما لقب عتيقاً لعتاقة وجهه). رواه أبو علي الغساني في "ألقاب الصحابة والتابعين".

    القول السادس:
    - قال حمدويه محمد بن أحمد بن عبد الله الخوارزمي: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: (اسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق، وإنما سمى عتيقا لأنه عتيق قدم في الخير). رواه أبو علي الغساني في ألقاب الصحابة والتابعين.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.


    نسبه
    وأما نسبه فهو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي.
    - قال يعقوب بن سفيان: (وأبو قحافة اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، حدثنا بذلك الحجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري بذلك). وهذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك أيضاً.
    - وقال عمرو بن خالد: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: (اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة). رواه يعقوب بن سفيان، والطبراني في الكبير.
    قلت: سقط اسم "سعد" وقد اتفقوا على ذكره.
    يلتقي نسب أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وله صلة قرابة بعمر بن الخطاب من جهة أمّ أبيه أبي قحافة وهي قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي.
    وأذاة عمّ نُفيل جدّ عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.



    مولده ونشأته
    ولد أبو بكر الصديق بعد عام الفيل بعامين أو ثلاثة أعوام، وذلك لاجتماع الروايات على أنه مات وهو ابن ثلاث وستين، وقد مكث في خلافة النبي صلى الله عليه وسلم سنتين ونيف.
    - قال أبو صالح الحراني: أنبأنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بسنتين وشيء). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - قال ابن حجر في الإصابة: (ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر).



    بعض أخباره في الجاهلية
    نشأ أبو بكر على خصال حميدة؛ فكان صادقاً أميناً، يصل الرحم، ويقري الضيف، ويعين على النوائب، ولم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، ولا يقول الشعر.
    - قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد القارة - فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
    فقال أبو بكر: (أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض؛ فأعبد ربي).
    قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك.
    فارتحل ابن الدغنة؛ فرجع مع أبي بكر؛ فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر...). ثم ذكرت الحديث بطوله في شأن هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح البخاري.
    - وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: (والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية). رواه أبو داوود السجستاني في بعض كتبه كما في تاريخ دمشق لابن عساكر، وأبو الحسن ابن حيّويه النيسابوري في كتاب "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة"، والفاكهي كما في فتح الباري لابن حجر.
    والأبيات المشار إليها هي لأبي بكر بن الأسود الكلبي يقول فيها:

    وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزَى تزيَّن بالسَّنــــــــ ــامِ
    وماذا بالقليب قليب بدر
    ... من القينات والشَّرْب الكرامِ
    تحيينا السلامـــــــــ ــة أم بكر
    ... وهل لي بعد قومي من سلامِ
    يحدثنا الرسول بأن سنحيا
    ... وكيف حيــــــــــــا ة أصداء وهامِ

    وقد أوردها البخاري في صحيحه.











    سبقه إلى الإسلام
    لا ريب أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، بل هو أوّل من أسلم من رجال هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم، وقد حُكي أنه أوّل من أسلم من هذه الأمة مطلقاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال:
    القول الأول: أول من أسلم خديجة بنت خويلد، وهي التي قصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم خبر بدء الوحي، وهذا القول رواية عن ابن عباس.
    - قال أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمر بن ميمون، عن ابن عباس قال: (وكان أول من أسلم - يعني علي بن أبي طالب - بعد خديجة ابنة خويلد).رواه ابن أبي خيثمة.
    القول الثاني: أوّل من أسلم زيد بن حارثة، وهو قول رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، ولا يصح.
    القول الثالث: أوّل من أسلم عليّ بن أبي طالب، وهو قول زيد بن أرقم، وعبد الله بن بريدة، ورواية عن ابن عباس، وقال به: الحسن البصري، ومحمد بن كعب القرظي، وابن إسحاق.
    وهو قول له علّة؛ فقد روي عن عليّ أنه أوّل من صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان غلاماً صغيراً، ونقل عنه هذا الخبر بالمعنى على أنه أوّل من أسلم، وقد أسلم أبو بكر قبله.
    - قال شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حبة العرني قال: سمعت علياً يقول: (أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة ولفظه (أول رجل صلى).
    - وقال شعبة أيضاً، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة الأنصاري، عن زيد بن أرقم، قال: (أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ).
    فذكرته لإبراهيم؛ فأنكر ذلك وقال: (أبو بكر). رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي.
    وفي رواية عند النسائي: (أوّل من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    وإنما فرضت الصلاة بعد المبعث بمدة؛ فكونه أوّل من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أنه أوّل من أسلم.
    - وقال معمر، عن قتادة، عن الحسن وغيره أن علياً أول من أسلم بعد خديجة، وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة، أو ست عشرة سنة). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثني عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب عن أول من أسلم علي بن أبي طالب أو أبو بكر؟
    قال: (سبحان الله! عليّ أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأنَّ علياً أول ما أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أوّل من أظهر إسلاماً. وكان عليّ أولهم إسلاماً، فاشتبه على الناس). رواه ابن أبي خيثمة.

    قلت: هذا القول يُشكل عليه أنّ الدعوة كانت سريّة في أوّل الأمر.

    - وقال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: (كان أول من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به علي بن أبي طالب، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق قال: (ثم أسلم بعد عليّ زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب، ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة الصديق؛ فلما أسلم أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً مألفاً لقومه سهلا؛ فأسلم على يديه فيما بلغني: عثمان بن عفان والزبير بن العوام). رواه ابن أبي خيثمة.
    القول الرابع: أوّل من أسلم أبو بكر الصديق، وهو قول أبي بكر نفسه، وقول إبراهيم النخعي، ومحمد بن المنكدر، وربيعة الرأي، والشعبي، وصالح بن كيسان، وغيرهم.
    وروي عن ابن عمر، وحسان بن ثابت، وأبي أروى الدوسي، وغيرهم ولا يصحّ عنهم.
    - قال عقبة بن خالد السكوني: حدثنا شعبة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بكر: «ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا؟». رواه الترمذي وابن حبان.
    - وقال جرير بن حازم، عن مجالد، عن عامر الشعبي، قال: قال أبو بكر لعلي: « أكرهت إمارتي؟»
    قال: لا، قال أبو بكر: «إني كنتُ في هذا الأمر قبلك». رواه ابن أبي شيبة، لكنه منقطع، ومجالد فيه ضعف.
    - وقال علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما: «قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك».
    قال: (صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    قال: (فمدَّ يده فبايعه). رواه الآجري في الشريعة، وابن بطة في الإبانة، وله علّة.
    - وقال الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: حدثني بسر بن عبيد الله، قال: حدثني أبو إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضباً، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم هذا فقد غامر».
    قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر.
    قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم).
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! إني قلت: يا أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت)). رواه البخاري.
    - وقال شداد بن عبد الله القرشي ويحيى بن كثير اليمامي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن أنَّ الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟
    قال: «أنا نبي».
    فقلت: وما نبي؟
    قال: «أرسلني الله».
    فقلت: وبأي شيء أرسلك؟
    قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء».
    قلت له: فمن معك على هذا؟
    قال: «حرّ، وعبد».
    قال: (ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال ممن آمن به...).رواه مسلم في صحيحه.
    - وقال بيان بن بشر، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن همام، قال: سمعت عماراً، يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه، إلا خمسة أعبد، وامرأتان، وأبو بكر». رواه البخاري.
    - وقال عاصم عن زرّ بن حبيش عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: (أوّل من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأمّا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعه اللَّه بعمّه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه اللَّه بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس؛ فما منهم أحدٌ إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في اللَّه، وهان على قومه، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحد). رواه أحمد وابن أبي شيبة.
    - وقال جرير بن حازم، عن منصور، عن مجاهد قال: (أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار وسمية أم عمار). رواه أحمد في فضائل الصحابة.

    الخلاصة في مسألة أول من أسلم

    استقرّ قول أهل العلم على أنّ أوّل من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأوّل من أسلم من النساء خديجة، وأوّل من أسلم من الصبيان عليّ بن أبي طالب، وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وهذا قول يدفع النزاع.
    - قال أبو عيسى الترمذي: (وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: أول من أسلم أبو بكر الصديق وقال بعضهم: أول من أسلم علي، وقال بعض أهل العلم: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأسلم عليّ وهو غلام ابن ثمان سنين، وأول من أسلم من النساء خديجة)ا.هـ.
    - قال أبو سعيد الأشج: حدثني إسماعيل بن الوليد أبو يونس الراسبي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: (أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
    - وقال أبو سلمة يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت مشيختنا ومن نأخذ عنه، منهم ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، وعثمان بن محمد الأخنسي، يقولون: (أبو بكر أول الرجال أسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
    ورواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة بنحوه من طريق سريج بن يونس عن يوسف ابن الماجشون، وزاد من مشايخه: صالح بن كيسان، وعمار بن محمد.
    - وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن محمد بن كعب القرظي قال: (إنَّ أول من أسلم من هذه الأمة برسول الله خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر الصديق وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر إسلامه). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وابن بطة العكبري في الإبانة.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: كان أبو حنيفة يقول: (أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي). رواه الحاكم في تاريخ نيسابور كما في فتح المغيث للسخاوي.
    - وقال شمس الدين السخاوي: (ذكر ابن قتيبة أنَّ إسحاق ابن راهويه ذكر الاختلاف في أول من أسلم، فقال: (الخبر في كل ذلك صحيح، أما أول من أسلم من النساء فخديجة، وأما أول من أسلم من الرجال فأبو بكر، وأما أول من أسلم من الموالي فزيد، وأما أول من أسلم من الصبيان فعلي).
    - وقال ابن الصلاح في مقدمته: (والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم).

    مسارعته إلى الإسلام
    - قال الحسين بن علي بن الأسود العجلي: حدثني يحيى بن آدم، ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد الأيلي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له عنده كبوة أو تردد، غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم». رواه البلاذري في أنساب الأشراف، وهذا مرسل، والحسين بن الأسود متكلَّم فيه، لكن له شاهد.
    - قال قبيصة بن عقبة السوائي، عن سفيان الثوري، عن الحكم بن عتبة، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كان له فيه مرجوع وتردد إلا أبا بكر فإنه حين كلمته بالإسلام ما عَتَّم أن أسلم). رواه ابن بطة العكبري.
    قال أبو بكر ابن الأنباري: ( قوله: "ما عَتَّم" أي ما أطرق وفكّر، ولا قال: لمَ؟ وكيف؟).






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.


    أعماله الجليلة في أوّل الإسلام
    كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أعمال جليلة في أوّل الإسلام:
    منها: مسارعته إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كلّ ما يخبر به.
    ومنها: أنه كان يؤازر النبي صلى الله عليه وسلم وينصره، ويجابه المشركين دونه.
    ومنها: أنه كان ينفق من ماله في سبيل الله في وقت لم يكن للمسلمين مالٌ يكفي لنفقات الدعوة.
    ومنها: أنه أعتق أنفساً ممن كان المشركون يعذّبونهم ليردوهم عن الإسلام.
    ومنها: اجتهاده في الدعوة إلى الإسلام حتى أسلم عليه يديه جماعة من كبار المهاجرين.

    - قال بسر بن عبيد الله: حدثني أبو إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم هذا فقد غامر».
    قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر.
    قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم).
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! إني قلت: يا أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت)). رواه البخاري.
    قال أبو عبد الله البخاري: " غامر: سبق بالخير "
    - وقال الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (رأيت عقبةَ بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؛ فوضع رداءه في عنقه؛ فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم}). رواه البخاري.
    - وقال هناد بن السري، عن عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عمرو بن العاصي، أنه سئل: ما أشد شيء رأيت قريشا بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: مرّ بهم ذات يوم؛ فقالوا له: أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟
    قال: «أنا».
    فقاموا إليه فأخذوه بمجامع ثيابه، قال: فرأيت أبا بكر محتضنه من ورائه يصرخ، وإن عينيه تنضحان، وهو يقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله} الآية). رواه النسائي.
    - وقال محبوب بن محرز القواريري، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله». رواه الترمذي.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر»، قال: «فبكى أبو بكر» فقال: (هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!). رواه ابن أبي شيبة، وابن ماجة.
    ورواه أحمد من طريق أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش به، إلا أنه قال في آخره: (فبكى أبو بكر، وقال: (وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟).
    - قال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: (أسلم أبو بكر بن أبي قحافة؛ فأظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً؛ فأسلم على يديه فيما بلغني عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم؛ فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا فأسلموا وصلوا). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن بطة في الإبانة.
    - وقال ابن عبد البر: (وأسلم على يد أبي بكر: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف).
    - وقال أبو أسامة الكوفي عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، قال: «أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم». رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن بطة العكبري في الإبانة وزاد: (فأنفقها كلها في ذات الله تعالى).
    - وقال الحميدي: حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه: (أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً، فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلّهم يعذب في الله، أعتق بلالاً، وعامر بن فهيرة، ونذيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عبيس). رواه يعقوب بن سفيان كما في الإصابة لابن حجر.
    - وقال أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: (أعتق أبو بكر مما كان يعذب في الله سبعة: عامر بن فهيرة، وبلالاً، ونذيرة، وأم عبيس، والنهدية، وأختها، وحارثة بن عمرو بن مؤمل). رواه ابن أبي شيبة.


    هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم
    تقدّمت الإشارة إلى حديث ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة في خبر هجرة أبي بكر الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خبر طويل رواه البخاري في صحيحه بطوله.
    - وقال زهير بن معاوية: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: جاء أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي في منزله؛ فاشترى منه رحلاً، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي.
    قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر! حدثني كيف صنعتما حين سريتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: (نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد، حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمرّ فيه أحد...). ثم ذكر الحديث بطوله وهو في الصحيحين.
    - قال همام، عن ثابت، عن أنس، عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما». رواه البخاري ومسلم.

    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    شهد أبو بكر المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث والآثار في ذكر أخباره في تلك المشاهد كثيرة يتعسّر حصرها.
    ففي بدر كان أقرب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أحد كان في أوّل أمن فاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أصعد في الجبل ودعا المؤمنين إليه.
    وكان ممن استجاب لله وللرسول في غزوة حمراء الأسد
    - قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} قالت لعروة: يا ابن أختي! كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: «من يذهب في إثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر، والزبير). رواه البخاري ومسلم.
    وله في عامّة المشاهد التي شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم مواقف صدق مذكورة.







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.


    مناقبه وفضائله
    أبو بكر هو الصديق الأكبر، والخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمة بعد نبيّها، وأطول الصحابة صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأقربهم منه منزلة، وأسبقهم إلى الأعمال الصالحة، وقد اجتمع له من المناقب والفضائل ما لم يجتمع لأحد من هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم، ومناقبه رضي الله عنه على أنواع:
    النوع الأول: التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع.
    النوع الثاني: ورود أحاديث كثيرة في فضله، تدلّ على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إياه على سائر الصحابة، بل تفضيله على الأمة كلها، وشهادته له بالصديقية، وسبقه بالأعمال الصالحة، وتبشيره بالجنة، وأنه يُدعى من أبواب الجنة كلها، وأنه هو وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وحثه الناس على الاقتداء بهما، وكثرة التنويه بهما.
    النوع الثالث: أعماله الجليلة التي سبق إليها الأمة كلها؛ فمن ذلك سبقه إلى الإسلام، ومؤازرته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة إنفاقه في سبيل الله، وإعتاقه جماعة ممن كان يُعذّب على الإسلام، ومواقفه الجليلة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الله، ومجاهدة المشركين، وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهوده المشاهد كلّها معه صلى الله عليه وسلم، وكان من أقرب الصحابة إليه فيها، وكثرة ما يخصّه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر في مجالسه الخاصة للنظر في شؤون المسلمين والدعوة إلى الله، والتصرّف في مصالح المسلمين، ورعاية شؤونهم.
    ثمّ خلافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحربه المرتدين، وجمع القرآن في مصحف واحد، وبعث المعلمين إلى الأمصار لتفقيه الناس في الدين وتعليمهم القرآن، وغير ذلك من الأعمال الجليلة.
    النوع الرابع: الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.
    النوع الخامس: ثناء علماء الصحابة وفقهائهم عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين.
    النوع السادس: ثناء الأمة المستفيض عليه.
    النوع السابع: مشاركته لما ورد في الخلفاء الراشدين، وفي الصحابة عموماً من الفضل.
    فالنصوص العامة في فضل الخلفاء الراشدين، وأهل بدر، والشجرة، وعموم الصحابة فله منها أفضل النصيب وأطيبه.

    التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع
    نزل في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه آيات من القرآن منها:
    1.
    قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}
    وهذه الآية فيها تنويه بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وبمعيّة الله له معيّة خاصة.
    - قال ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
    قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: (أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

    2.
    قول الله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى . وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى}
    - قال مصعب بن ثابت الزبيري، عن عمّه عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه في قول الله عز وجل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} قال: «نزلت في أبي بكر رضي الله عنه». رواه ابن جرير في تفسيره، وأبو بكر الآجري في الشريعة، والطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني! أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلُداً يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت! إنما أريد - أظنه قال: - ما عند الله.
    قال: (فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}). رواه ابن جرير.

    3.
    قول الله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}
    - قال هشام بن عروة: أخبرني أبي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: - فذكر حديث الإفك بطوله إلى أن قالت: فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبدا، فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} - يعني أبا بكر - {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين}: يعني مسطحاً إلى قوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: (بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع). رواه البخاري
    وفي رواية في صحيح البخاري أيضاً من طريق ابن شهاب الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: قال أبو بكر: (بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً).

    فهذه من الآيات التي نصّ عليه فيها، وأما التي تؤوّلت عليه فكثيرة يتعسّر حصرها، والنصوص التي فيها الثناء على المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والمهاجرين فله منها النصيب الوافر؛ فهو أفضل الأمة في هذه الأعمال، وأسبقهم إليها، وأجمعهم لها.
    - قالل عمار بن رزيق، عن هاشم بن البريد، عن زيد بن علي، قال: (أبو بكر الصديق إمام الشاكرين)., ثم قرأ: ({وسيجزي الله الشاكرين}). رواه أبو القاسم اللالكائي.

    تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه على سائر أصحابه
    - قال وهيب بن خالد: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو كنتُ متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي». رواه البخاري.
    - وقال زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث النجراني، قال: حدثني جندب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك». رواه مسلم.
    - قال الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أبرأ إلى كل خليل من خلة، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، وإن صاحبكم لخليل الله». رواه أحمد والحميدي، وابن أبي شيبة، والنسائي في الكبرى.
    ورواه الترمذي من طريق أبي سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص به وقال: (هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن الزبير، وابن عباس).
    - وقال خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي، قال: حدثني عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
    قال: «عائشة».
    فقلت: من الرجال؟
    فقال: «أبوها».
    قلت: ثم من؟
    قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعدّ رجالاً). رواه أحمد والبخاري ومسلم.
    وروى نحوَه ابنُ أبي شيبة والنسائي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص.
    - وقال المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس، قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟
    قال: «عائشة»
    قيل: من الرجال؟
    قال: «أبوها». رواه ابن ماجه.
    - وقال جعفر بن عون: أخبرنا أبو عميس، عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسُئلتْ: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟
    قالت: أبو بكر.
    فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟
    قالت: عمر.
    ثم قيل لها: من بعد عمر؟
    قالت: "أبو عبيدة بن الجراح " ثم انتهت إلى هذا). رواه مسلم.
    - وقال سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبَّ إلى رسول الله؟
    قالت: أبو بكر.
    قلت: ثم من؟
    قالت: عمر.
    قلت: ثم من؟
    قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح.
    قلت: ثم من؟
    قال: (فسكتت). رواه الترمذي والنسائي في الكبرى.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أم المؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «مروا أبا بكر يصلي بالناس»، قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل للناس»، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا). رواه مالك والبخاري والترمذي، وله طرق أخر، وروي من حديث ابن مسعود، وأبي موسى، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك.
    - وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحبّ الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً، وإلا أني كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به؛ فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر». رواه مسلم.
    - وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة الجرمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدّها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وغيرهم.
    - وقال القاسم بن أحمد الخطابي: حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي أمام أبي بكر الصديق، فقال: ((يا أبا الدرداء تمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة؟! ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر)). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن بشران في أماليه، والخطيب البغدادي في تاريخه.
    ورواه أبو بكر القطيعي في فضائل الصحابة للإمام أحمد، وأبو بكر الآجري في الشريعة، وابن بطة العكبري في الإبانة، وقوام السنة الأصبهاني في الحجة، وأبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة من طريق وهب بن بقية الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن سفيان الواسطي، عن ابن جريج به، لكن عبد الله بن سفيان قال فيه العقيلي: لا يتابع على حديثه.

    شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالصديقية
    - قال يحيى بن سعيد القطان: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه حدَّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبو بكر وعمر وعثمان؛ فرجف بهم؛ فقال: «اثبت أحد فإنما عليك نبيّ، وصدّيق، وشهيدان» رواه أحمد، والبخاري، وأبو داوود، والترمذي، والنسائي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين

    سبقه بالأعمال الصالحة
    - قال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)).
    فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
    قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم». رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد».
    قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «سل تعطه، سل تعطه».
    قال عمر قلت: (والله لأغدون إليه فلأبشرنَّه).
    قال: (فغدوت إليه لأبشره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه). رواه أحمد، وابن خزيمة.
    وقد رواه أحمد وغيره من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، ومن طريق عاصم عن زرّ عن ابن مسعود.

    إنفاقه في سبيل الله
    - قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق؛ فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.
    قال: فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»
    قلت: مثله.
    قال: فأتى أبو بكر بكلّ ما عنده.
    فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟»
    فقال: (أبقيت لهم الله ورسوله).
    فقلت:(لا أسابقك إلى شيء أبداً). رواه الدارمي، وأبو داوود، والترمذي.

    زهده وورعه
    - قال الأعمش، عن سليمان بن ميسرة، عن طارق بن شهاب، عن رافع بن أبي رافع الطائي قال: «رافقت أبا بكر في غزوة ذات السلاسل، وعليه كساء له فدكي يخله عليه إذا ركب ونلبسه أنا وهو إذا نزلنا». رواه أحمد في الزهد.

    - وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟
    فقال أبو بكر: وما هو؟
    قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكهانة إلا أني خدعته؛ فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه؛ فأدخل أبو بكر يده فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنه). رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال محمد بن فضيل، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: (كان لأبي بكر غلام، فكان إذا جاء بغلته، لم يأكل من غلته حتى يسأله ، فإن كان شيئا مما يحب أكل، وإن كان شيئا يكره لم يأكل قال: فنسي ليلة، فأكل ولم يسأله ثم سأله فأخبره أنه من شيء كرهه، فأدخل يده فتقيأ حتى لم يترك شيئاً). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بلسانه يقول: «هذا أوردني الموارد». رواه أحمد في الزهد.
    - وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر رأى أبا بكر وهو مدل لسانه آخذه بيده، فقال: «ما تصنع يا خليفة رسول الله؟»
    فقال: «وهل أوردني الموارد إلا هذا». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «والله، ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب لله سكته». رواه أحمد.
    - وقال عبد الله بن عمر العمري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبا بكر رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال لعائشة: " إني لا أعلم في آل أبي بكر من هذا المال شيئا إلا هذه اللقحة وهذا الغلام الصقيل كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر رضي الله عنه، فلما بعثت به إلى عمر قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده ". رواه أحمد في الزهد.
    - وقال عبد الله بن داود الخريبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «مات أبو بكر فما ترك دينارا ولا درهما، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
    - وقال وكيع: حدثنا مسعر، عن أبي عون الثقفي، عن عرفجة السلمي رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: «ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا». رواه أحمد في الزهد.

    أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
    - قال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين». رواه الترمذي، والطحاوي في شرح مشكل الآثار.
    - وقال عمر بن يونس اليمامي، عن عبد الله بن عمر اليمامي، عن الحسن بن زيد بن حسن، حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر، وعمر، فقال: ((يا علي! هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين)). رواه أحمد.
    وروي من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي جحيفة السوائي رضي الله عنهم.

    حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأبي بكر وعمر
    رضي الله عنهما
    - قال سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غداً»
    فذكر الحديث بطوله، وفيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أصبح الناس فقدوا نبيهم»، فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم، لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر، وعمر يرشدوا ». رواه مسلم في صحيحه، ورواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به، ولفظه: « وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا ». قالها ثلاثاً.
    - وقال عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر، وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه» رواه أحمد، وروى ابن أبي شيبة والترمذي بعضه.
    - وقال وكيع، عن سالم أبي العلاء المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي» وأشار إلى أبي بكر وعمر). رواه الترمذي.
    - وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب؛ فأخذ منها شاةً فطلبه الراعي؛ فالتفت إليه الذئبُ؛ فقال: "من لها يوم السَّبُع، يوم ليس لها راع غيري؟!!
    وبينما رجل يسوق بقرةً قد حملَ عليها، فالتفتت إليه فكلّمته، فقالت: إني لم أُخلق لهذا!! ولكني خُلقت للحرث».

    قال الناس: سبحان الله!
    قال النبي صلى الله عليه وسلم:« فإني أومن بذلك أنا، وأبو بكر، وعمر».رواه البخاري ومسلم.
    وفي رواية في صحيح البخاري من طريق سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة به، وقال أبو سلمة: (وما هما يومئذ في القوم).
    وذكر أبي بكر وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لمجرد التعريف بسرعة تصديقهما لخبره صلى الله عليه وسلم، وإنما لتحقق فقههما في الدين، وصدق إيمانهما قولاً وعملاً، وعملهما لما خُلقا له، والتنويه بهما في ذلك ليتخذا أسوة صالحة بعده صلى الله عليه وسلم.
    - قال سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد المكي قال: (سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إذا سئل عن شيءٍ هو في كتاب الله قال به، وإذا لم يكن في كتاب الله وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال به، وإن لم يكن في كتاب الله ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال به، وإلا اجتهد رأيه). رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، من طرق عن سفيان.
    - وقال عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {الصراط المستقيم} قال: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه»
    قال عاصم: فذكرنا ذلك للحسن - أي البصري - فقال: «صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه الحاكم موقوفاً على ابن عباس وصححه، ورواه محمد بن نصر المروزي في السنة مقطوعاً على أبي العالية.

    طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
    - قال عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إني لواقف في قوم، فدعوا الله لعمر بن الخطاب، وقد وضع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي، يقول: رحمك الله! إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيراً ما كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر» فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب). رواه البخاري ومسلم.

    الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم

    - قال عبد الله بن نمير، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال: قال رجل، لعمر بن الخطاب: ما رأيت مثلك، قال: «رأيت أبا بكر؟».
    قال: لا.
    قال: (لو قلت: نعم إني رأيته لأوجعتك ضرباً). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى قال: تداروا في أمر أبي بكر وعمر، فقال رجل من عطارد: عمر أفضل من أبي بكر.
    فقال الجارود: بل أبو بكر، أبو بكر أفضل منه.
    قال: فبلغ ذلك عمر، قال: فجعل ضرباً بالدِّرَّة حتى شغر برجليه، ثم أقبل إلى الجارود فقال: إليك عني.
    ثم قال عمر: (أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا).
    قال: ثم قال عمر: (من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال هشيم بن بشير: حدثنا حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ألا إنَّ خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، فمن قال سوى ذلك بعد مقامي هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
    قلت: عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد لستّ سنين بقيت من خلافة عمر، واختلف في سماعه منه، والجارود ذكر ابن كثير أنه الجارود بن المعلّى العَبْدي، وهو صحابيّ استشهد في أواخر خلافة عمر.
    - وقال جامع بن أبي راشد، حدثنا أبو يعلى، عن محمد ابن الحنفية، قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر».
    قلت: ثم من؟
    قال: «ثم عمر».
    وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟
    قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين» رواه البخاري وأبو داوود.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عامر الشعبي، عن أبي جحيفة السَّوائي رضي الله عنه قال: سمعت علياً يقول: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لحدثتكم بالثالث). رواه أحمد في مسنده وفي فضائل الصحابة.
    وهذا الأثر متواتر عن عليّ رضي الله عنه؛ فقد روي عنه من طرق كثيرة منها:
    - طرق عدة عن عبد خير الهمداني، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
    - وطريق وقاء بن إياس الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي.
    - وطريق أبي موسى الفراء عن عمرو بن حريث عن عليّ.
    - وطريق عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي.
    - قال أبو عبد الله الذهبي: (هذا والله العظيم قاله علي، وهو متواتر عنه، لأنّه قاله على منبر الكوفة؛ فلعن الله الرافضة ما أجهلهم).
    - وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم». رواه البخاري.
    - وقال وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر، قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أبو بكر ثم عمر). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو بكر الخلال في السنة.
    - وقال يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: (كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنقول: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس؛ فيسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره علينا). رواه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث.
    - وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: (كنا نعدّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ، وأصحابه متوافرون: أبو بكر، وعمر، وعثمان ثم نسكت). رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن حبان، وقد رواه عن سهيل جماعة، وله طرق أخر.
    - وقال يوسف بن يعقوب ابن الماجشون، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعدل به أحدا، ثم نقول: «خير الناس أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم لا نفاضل». رواه أبو يعلى.

    ثناء علماء الصحابة عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين
    - قال سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: قال عمر: «لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ من أن أتقدّم قوما فيهم أبو بكر». رواه ابن أبي شيبة.
    وقد روي في معناه حديث عن عائشة لكنه لا يصح.
    - قال نصر بن عبد الرحمن الكوفي: حدثنا أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره). رواه الترمذي.
    قال الذهبي: (تفرّد به عيسى بن ميمون عن القاسم وهو متروك الحديث).
    - وقال محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو وزن إيمان أبي بكر رضي الله عنه بايمان أهل الأرض لرجح بهم). رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو بكر القطيعي في فضائل الصحابة للإمام أحمد، وأبو بكر الخلال في السنة، وابن بطة العكبري في الإبانة.
    وقد روي مرفوعاً من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر.
    - وقال عبد العزيز بن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، أخبرنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان عمر يقول: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالا». رواه البخاري، وابن أبي شيبة.
    - وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر بن الخطاب، قال: «أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي.

    - وتقدّم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سُئل أيّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر.
    - وقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان أبو بكر أعلمنا).
    - وقول ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعدل به أحداً، ثم نقول: خير الناس أبو بكر) ، وهذا فيه نسبة هذا القول لعامّة الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اختلاف بين أصحابه.



    ثناء الأمة المستفيض عليه.
    ثناء علماء الأمة على أبي بكر الصديق كثير مستفيض لا يستقصى، وقد ألّفت في فضائله وسيرته مؤلفات، وفي كتب أهل الحديث أبواب كثيرة في فضائله ومناقبة.
    وسأورد بعض الآثار من باب الإشارة والتنبيه.
    - قال سفيان بن عيينة، عن خالد بن سلمة، عن الشعبي، قال: «حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة». رواه ابن أبي شيبة.
    وروي عن مسروق نحوه.
    - وقال يعقوب بن محمد الزهري، عن ابن أبي حازم، عن أبيه قال: قيل لعلي بن الحسين: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: (كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه). رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
    - وقال عبد الله بن شبيب بن خالد: حدثنا يحيى العتكي، قال: قال هارون الرشيد لمالك: كيف كان منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: (كقرب قبرهما من قبره بعد وفاته).
    قال: (شفيتني يا مالك). رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
    - وقال حرملة بن يحيى التجيبي: سمعت عبد الله بن وهب يقول: سألت مالك بن أنس: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: (أبو بكر وعمر). رواه أبو بكر الخلال في السنة.
    - وقال ابن وهب: قال مالك «ما أدركت أحداً ممن اقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ.
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، قال: «دخلت المدينة والناس متوافرون، القاسم بن محمد وسليمان وغيرهما، فما رأيت أحدا يختلف في تقديم أبي بكر وعمر وعثمان». رواه أبو بكر الخلال في السنة.
    - وقال أبو بكر البيهقي: روينا عن أبي ثور، عن الشافعي أنه قال: (ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة).
    - وروى ابن عبد الحكم والربيع، عن الشافعي قال: (أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي).






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل

    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.





    علمه وفقهه
    علمه بالكتاب والسنة
    كان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
    فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
    قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
    قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر»
    - وقال فليح بن سليمان: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبدُ ما عند الله».
    قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أنْ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خُيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنتُ متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودّته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر».رواه البخاري ومسلم.
    - قال ابن القيم رحمه الله: (كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به").
    وكان ربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم.
    - قال عبد الله بن إدريس الأودي: أخبرنا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال المحاربي، قال: قال أبو بكرٍ: " ما تقولون في هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}؟
    قال: فقالوا ربنا الله، ثم استقاموا من ذنبٍ.
    قال: فقال أبو بكرٍ: (لقد حملتم على غير المحمل، قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إلهٍ غيره). رواه ابن جرير، والحاكم.
    - وقال سعيد بن نمران: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قلت: يا خليفة رسول الله! ما استقاموا؟
    قال: (استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت قيس بن أبي حازم، يحدث عن أبي بكر الصديق أنه خطب فقال: يا أيها الناس! إنكم تقرأون هذه الآية، وتضعونها على غير ما وضعها الله: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوا المنكر بينهم، فلم ينكروه يوشك أن يعمّهم الله بعقاب)). رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان.

    - قال كثير بن هشام الكلابي، عن جعفر بن بُرْقَان، عن ميمون بن مَهْران قال: كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا ورَدَ عليه حكمٌ؛ نَظَرَ في كتاب اللَّه تعالى، فإن وَجَد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب اللَّه نَظَر في سنة رسول اللَّه -رضي اللَّه عنه- فإن وَجَد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناسَ: هل علمتم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القومُ فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، فإن لم يجد سُنَّةً سَنَّها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع رؤساء الناس فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيُهم على شيء قضى به.
    وكان عمر يفعل ذلك، فإذا أعياه أن يجدَ ذلك في الكتاب والسنة سأل: هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر فيه قَضاءٌ قضى به، وإلا جَمَعَ علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيُهم على شيء قضى به). رواه أبو عبيد في كتاب القضاء كما في إعلام الموقعين لابن القيم.

    علمه بالأنساب
    - قال محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اهجوا قريشاً فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: (قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه).
    فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينَّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً، حتى يلخص لك نسبي» فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
    قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لحسان: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله»، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هجاهم حسان فشفى واشتفى». رواه مسلم في صحيحه.

    علمه بعبارة الرؤيا

    كان أبو بكر الصديق من أعبر الناس للرؤى، وكان يعبر أحياناً والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر.
    - وقال محمد بن سيرين: (كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم).
    - قال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان قال: سمعت محمداً [ابن سيرين ] يقول: (كان أبو بكر رضي الله عنه أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم). رواه مسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة.
    - قال مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي» فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن في بيتها، قال لها أبو بكر: (هذا أحد أقمارك وهو خيرها).
    رواه مالك في الموطأ، وروي من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، ومن حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة.


    فراسته
    - قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة؛ فلما حضرته الوفاة، قال: والله يا بنية ما من الناس أحدٌ أحبّ إلي غنى بعدي منك، ولا أعزّ عليَّ فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً؛ فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.

    قالت عائشة: فقلت: يا أبت! والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟
    فقال: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية). رواه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق في مصنفه.
    - وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (*أفرس *الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه، والتي قالت: {استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}، والعزيز حين قال: لامرأته: {أكرمي مثواه} ). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو بكر الخلال في السنة، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في مستدركه.
    ورواه ابن سعد في الطبقات من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: (أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر في عمر، وصاحبة موسى حين قالت: استأجره، وصاحب يوسف).

    - قال ابن القيم رحمه الله: (كان الصديق رضي الله عنه أعظم الأمّة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه).







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    خلافته للنبي صلى الله عليه وسلم
    - قال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: (( ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً؛ فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)). رواه مسلم، والنسائي في الكبرى.
    - وقال إبراهيم بن سعد الزهري: أخبرني أبي، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟
    قال أبي: كأنها تعني الموت - قال: «فإن لم تجديني فأتي أبا بكر». رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني ابن المسيب، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً؛ فأخذها ابن الخطاب فلم أرَ عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن». رواه البخاري ومسلم.
    - وقال وهب بن جرير، حدثنا صخر، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا على بئر أنزع منها، جاءني أبو بكر، وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه، فنزع حتى ضرب الناس بعطن».
    قال وهب: " العطن: مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت ". رواه البخاري.
    - وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا الأشعث [بن عبد الملك الحمراني] عن الحسن، عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «من رأى منكم رؤيا؟»
    فقال رجل: (أنا، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى والحاكم.
    ورواه أبو داوود الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وزاد فيه: (فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء).
    - قال هشام بن عروة: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها فذكر حديث السقيفة وفيه أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال: بايعوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: (بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا، وخيرُنا، وأحبّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس. رواه البخاري مطولاً، والترمذي وابن حبان مختصراً.
    - وقال عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: (ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟! فأيّكم تطيب نفسُه أن يتقدَّم أبا بكر؟!).
    قالوا: (نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر). رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي.
    - وقال محمد بن يزيد الواسطي: حدثنا إسماعيل بن خالد عن زر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر، قال: (نشدتكم بالله! هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم.
    قال: (فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    فقالوا: (كلنا لا تطيب نفسه، نستغفر الله). رواه ابن الأعرابي في معجمه.
    - وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: {أولئك هم الصادقون}، فمن سماه الله صادقاً لم يكذب، هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله.


    خطبته حين تولَّى الخلافة
    - قال محمد بن إسحاق: حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أيها الناس! إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني كنت أرى أنَّ رسول الله سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ; صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه. فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه، إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله). رواه ابن إسحاق في السيرة كما في البداية والنهاية لابن كثير.

    - قال ابن كثير: ( وهذا إسناد صحيح؛ فقوله رضي الله عنه: "وليتكم ولست بخيركم" من باب الهضم والتواضع، فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم).
    - وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الخطب والمواعظ: حدثنا علي بن هاشم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: خطب أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإني وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن، وسنّ النبي صلى الله عليه، وعلمنا فعلمنا، واعلمُنَّ أيها الناس أنَّ أكيس الكيس التقى - أو قال الهدى -، وأعجز العجز الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس! إنما أنا متبع ولست بمبتدع؛ فإن أنا أحسنتُ فأعينوني، وإن أنا زغت فقوّموني، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم).
    - قال أبو عبيد: حدثنا علي بن هاشم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أو غيره، عن أبي بكر نحو ذلك.
    وروى نحوه ابن سعد في الطبقات قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة، قال عبيد الله: أظنه عن أبيه.
    - وقال معمر بن راشد في جامعه، عن رجل، عن الحسن، أن أبا بكر الصديق خطب فقال: « أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت لو من يكفيني فتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً لا أقوم لها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإنَّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم، ألا فراعوني؛ فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني ».
    قال الحسن: «خطبة والله ما خطب بها بعده». وهذا الأثر على انقطاعه فيه رجل مجهول.
    - قال معمر: وحدثني بعض أهل المدينة، قال: خطبنا أبو بكر فقال: «يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني، وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت - أو قال: شاعت - الفاحشة في قوم إلا عممهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله».







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    بعض أخباره في خلافته
    - قال خليفة بن خياط: (في سنة إحدى عشرة بويع أبو بكر بيعة العامة يوم الثلاثاء، من غد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    - وقال هشام الدستوائي: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لما استُخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتّجر بها؛ فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح؛ فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟
    قال: السوق.
    قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟
    قال: فمن أين أطعم عيالي؟
    قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئاً؛ فانطلق معهما ففرضوا له كل يومٍ شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن.
    فقال عمر: (إليَّ القضاء).
    وقال أبو عبيدة: (وإليَّ الفيء).
    قال عمر: (فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان). رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال محارب بن دثار: (لما ولي أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال وولى عمر القضاء فمكث سنة لا يختصم إليه أحد). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه.
    - وقال عفان بن مسلم: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه.
    قالوا: نعم، بُرداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف.
    قال أبو بكر: (رضيت). رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما ولي أبو بكر قال: (قد علم قومي أنَّ حرفتي لم تكن لتعجز عن مؤونة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، وسأحترف للمسلمين في مالهم، وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن زنجويه في الأموال.
    - وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين وقال: (قد كنت أتجر فيه، والتمس به؛ فلما وليتهم شغلوني). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما أستخلف أبو بكر جعلوا له ألفين؛ فقال: زيدوني فإنَّ لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة.
    قال: فزادوه خمسمائة.
    قال: (إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة؛ فزادوه خمسمائة). رواه ابن سعد.
    - وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر حين حضره الموت قال: (إني لا أعلم عند أبي بكر من هذا المال شيئاً غير هذه اللقحة، وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا؛ فإذا متّ فادفعيه إلى عمر).
    فلما دفعته إلى عمر قال: (رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده). رواه ابن سعد.




    أعماله الجليلة في خلافته
    كان لأبي بكر الصديق أعمال جليلة في خلافته؛ ومنها:
    1. تسيير جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما
    - قال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: (ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول في مرضه: «أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة».
    قال: فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس، فقالت: لا تعجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى أبي بكر، فقال: (إنّ رسول الله بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوّف أن تكفر العرب، فإن كفرت كانوا أوّل من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم).
    قال: فخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (والله لأن تخطفني الطير أحبُّ إليَّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    قال: (فبعثه أبو بكر إلى أبنى، واستأذن لعمر أن يتركه عنده).
    قال: (فأذن أسامة لعمر).
    قال: (فساروا؛ فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة، فسترهم الله بها حتى أغاروا، وأصابوا حاجتهم).
    قال: (فقُدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً؛ فقالت الروم: ما بالى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا).
    قال عروة: (فما رئي جيش كان أسلم من ذلك الجيش). رواه ابن سعد بأطول من هذا السياق.
    - وروى عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي الأعرج عن أبي هريرة في خبر طويل أنّ ذلك الجيش كان سبباً في تثبيت قبائل العرب التي مروا بها في طريقهم على الإسلام.

    2. قتال المرتدين حتى دانت قبائل جزيرة العرب بالإسلام.
    - قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)).
    فقال: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه).
    فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق». رواه البخاري ومسلم.
    - وقال عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد , عن عائشة , أنها كانت تقول: « توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأبّ النفاق بالمدينة، وارتدت العرب؛ فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وعنائها في الإسلام ».
    وكانت تقول مع هذا: «ومن رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها» رواه ابن أبي شيبة، وأحمد في فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الأوسط.

    3. تجييش الجيوش لفتح العراق والشام.

    - قال محمد بن إسحاق: حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن رجل من بني سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال: (حجّ علينا أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة؛ فلما قفل أبو بكر من الحج جهز الجيوش الى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة). رواه يعقوب بن سفيان كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.
    - وقال بكر بن يونس عن ابن إسحاق قال: (لما قفل أبو بكر عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء). رواه خليفة بن خياط.

    4. جمع القرآن بين اللوحين

    وهو أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة.
    - قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة؛ فإذا عمر بن الخطاب عنده».
    قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
    قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
    قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
    قال زيد: قال أبو بكر: (إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتتبع القرآن فاجمعه).
    فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
    قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
    قال: (هو والله خير).
    (فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب، واللِّخافِ، وصدور الرجال). رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان الثوري، عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: «أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أوّل من جمع بين اللوحين» رواه ابن أبي داوود في كتاب "المصاحف"، والقطيعي في زياداته على فضائل الصحابة للإمام أحمد، وخيثمة بن سليمان.
    ورواه الآجري في الشريعة، وأبو الفضل الزهري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري به.
    - قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا من أحسنِ وأجلِّ وأعظمِ ما فعله الصديق رضي الله عنه).








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    صفاته وشمائله
    - قال عمر بن شبة: حدثني محمد بن يحيى، وهو أبو غسان المدني، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن عمر بن سعد، عن ابن شهاب قال: (كان أبو بكر الصديق أبيض لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مشرف الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن أبي جعفر الأنصاري، قال: «رأيت أبا بكر لكأنَّ رأسه ولحيته كأنهما جمر الغضى». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال وكيع، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن أبي جعفر الأنصاري قال: (رأيت أبا بكر في غزوة السلاسل كأن رأسه ولحيته جمر الغضا). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال علي بن الجعد: أخبرنا شعبة عن حميد عن أنس: (أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال أبو خيثمة: حدثنا جرير، عن حصين، عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم قال: (رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفج). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.

    وفاته
    - قال وهيب بن خالد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟
    قالت: «في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة».
    وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قالت: «يوم الإثنين».
    قال: فأي يوم هذا؟
    قالت: «يوم الاثنين».
    قال: (أرجو فيما بيني وبين الليل).
    فنظر إلى ثوبٍ عليه، كان يمرض فيه به ردع من زعفران، فقال: (اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها).
    قلت: إنَّ هذا خَلَق.
    قال: (إنَّ الحي أحقّ بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة؛ فلم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح). رواه البخاري.
    - وقال مجاهد بن وردان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كنت عند أبي بكر حين حضرته الوفاة فتمثلت بهذا البيت

    من لا يزال دمعه مقنعا ... يوشك أن يكون مرة مدّفعا
    فقال: يا بنية لا تقولي هكذا، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
    ثم قال: في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم؟
    فقلت: في ثلاثة أثواب.
    فقال: (كفنوني في ثوبي هذين واشتروا إليهما ثوباً جديداً؛ فإنَّ الحيَّ أحوج إلى الجديد من الميت، وإنما هي للمهلة). رواه ابن حبان في صحيحه، وجماعة من أهل الحديث واختلفوا في ضبط البيت، وهذا أشبه بالصواب.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عبد الله البهي مولى الزبير، عن عائشة، قالت: " لما حضر أبو بكر قلت كلمة من قول حاتم:


    لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
    فقال: (لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي {وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد}، انظروا ملاءتي هاتين، فإذا مت فاغسلوهما وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت). رواه ابن سعد، وأحمد في الزهد.
    - وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثني الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر؛ فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إنَّ فيها لسمّ سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحدٍ، قال: (فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحدٍ عند انقضاء السنة). رواه ابن سعد.
    وهذا مرسل.
    - قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: (عاش أبو بكر بعد أن استخلف سنتين وأشهراً). رواه البخاري في التاريخ الصغير.
    - وقال الليث بن سعد: (توفي أبو بكر لليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال زياد البكائي عن محمد بن إسحاق قال: (كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوما توفي في جمادى الأولى).
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «ما ترك أبو بكر ديناراً ولا درهماً ضرب الله سكته». رواه ابن سعد.

    سنّه عند وفاته
    - قال حكّام بن سلم الرازي: حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
    - وقال عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي: حدثنا سلام أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، قال: كنت جالساً مع عبد الله بن عتبة، فذكروا سني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بعض القوم كان أبو بكر أكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين».
    قال: فقال رجلٌ من القوم يقال له عامر بن سعد: حدثنا جرير، قال: كنا قعوداً عند معاوية فذكروا سني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال معاوية: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
    - وقال شعبة: سمعت عامر بن سعد [البجلي]، يقول: سمعت جرير بن عبد الله، يقول: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول وهو يخطب: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين).
    قال معاوية:(وأنا اليوم في ثلاث وستين). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي.
    - وروى عبد الرزاق نحوه من طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
    - وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال: قبض رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، واستكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم».رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن سعد، وأبو حفص الفلاس.
    ولفظ بعضهم: (استكمل أبو بكر في خلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة).
    - وقال ابن سعد: (توفي رحمه الله وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين).
    - قال أبو حفص الفلاس: (وليس في سنّ أبي بكر اختلاف أنه مات ابن ثلاث وستين، وأنه مات ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة، ودفن ليلا، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام).








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل
    1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
    رضي الله عنه.



    وصيته
    - قال إسماعيل بن أبي خالد عن زُبيد بن الحارث اليامي أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه؛ فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ؛ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر.
    قال أبو بكر: أبربي تخوفونني؟!
    أقول: « اللهم استخلفت عليهم خير خلقك ».
    ثم أرسل إلى عمر فقال:« إني موصيك بوصية إن أنت حفظتها: إنَّ لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم، وحُقَّ لميزانٍ لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحُقَّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً، وإن الله ذكر أهل الجنة بصالح ما عملوا، وأنه تجاوز عن سيئاتهم؛ فيقول القائل: ألا أبلغ هؤلاء، وذكر أهل النار بأسوإ ما عملوا، وأنه ردَّ عليهم صالح ما عملوا؛ فيقول قائل: أنا خير من هؤلاء، وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغباً وراهباً، لا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة؛ فإن أنت حفظت وصيتي لم يكن غائب أحبّ إليك من الموت، وإن أنت ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه ». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن شبة في تاريخ المدينة، وأبو داوود في الزهد، ورجال إسناده أئمة ثقات إلا أنّ فيه انقطاعاً لأنّ زبيداً لم يُدرك عمرَ بن الخطاب، وله شواهد ينجبر بها.
    - وقال صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غداً وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟
    فقال: « أجلسوني، أبالله ترهبوني؟! ».
    أقول: « استخلفت عليهم خيرهم ». رواه ابن سعد.


    رواة التفسير عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
    روى عن أبي بكر مسائل التفسير جماعة من الصحابة والتابعين:
    فمن الصحابة: حذيفة بن اليمان، ومعقل بن يسار المزني، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة الزهري، وطارق بن شهاب البجلي.
    ومن كبار التابعين الذين أدركوه وسمعوا منه: قيس بن أبي حازم البجلي، وسعيد بن نمران الناعطي.
    ومن الذين اختلف في سماعهم منه: مسروق بن الأجدع الهمداني، والأسود بن هلال المحاربي، وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي.
    ومن الذين أرسلوا عنه ولم يدركوه: سعيد بن المسيب، وعامر بن سعد البجلي، وأبو بكر بن أبي زهير الثقفي، وعامر بن شراحيل الشعبي، ومرة بن شراحيل الهمداني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والحارث بن يعقوب الأنصاري، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، ومجاهد بن جبر المكي، وعكرمة مولى ابن عباس؛ فهؤلاء روايتهم عنه مرسلة.

    مما روي عنه في التفسير:
    أ: قال سعيد بن نمران: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قلت: يا خليفة رسول الله، ما استقاموا، قال: استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
    ب: قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد البجلي، عن أبي بكر الصديق: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: (النظر إلى وجه ربهم). رواه ابن جرير.
    ج: قال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا بكر الصديق، رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» رواه ابن جرير بهذا اللفظ.


    المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله
    المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله كثيرة، ومن أجودها:
    1: دواوين السنة، وقد اشتملت على أحاديث وآثار كثيرة في فضائل أبي بكر ومناقبه وأخباره، وقد جمعت ما تيسّر منها.
    2: كتب التاريخ المسندة، وقد أُفرد في عدد منها فصول مطوّلة في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
    3: فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم، لأبي نعيم الأصبهاني(ت:430هـ) .
    4: فضائل أبي بكر الصديق، لأبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العُشاري(ت:451هـ).
    5: فضائل أبي بكر الصديق، لأبي بكر البيهقي(ت:458هـ)، ذكره في كتابه "شعب الإيمان".
    6: منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي(ت:620هـ).
    7: الرياض النضرة في مناقب العشرة، لمحبّ الدين الطبري(ت:694هـ)
    8: فضل أبي بكر الصديق، لشيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728هـ).
    9: فضل الخلفاء الراشدين، لشيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728هـ).
    10: تحفة الصديق في فضائل أبي بكر الصديق، لأبي القاسم علي بن بلبان المقدسي(ت:739هـ).
    11: الروض الأنيق في فضل الصديق، للحافظ جلال الدين السيوطي(ت:911هـ).
    12: تحفة أهل التصديق ببعض فضائل أبي بكر الصديق، لعبد القادر بن جلال الدين المحلي(ت:1033هـ).
    13: سيرة العتيق أبي بكر الصديق، للشيخ موسى بن راشد العازمي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل


    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)

    العناصر:
    اسمه ونسبه
    مولده ونشأته
    إسلامه
    هجرته
    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    إنفاقه في سبيل الله
    طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
    خلافته
    ... رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في خلافته
    ... عهد أبي بكر إليه
    ... خطبته حين تولّى الخلافة
    ...تسميته أمير المؤمنين
    ... تسميته بالفاروق
    أشهر أعماله في خلافته:
    ...فتح الفتوح
    ...
    تمصير الأمصار، وتولية الولاة وتعيين القضاة،
    ...تدوين الدواوين، وفرض الأعطيات.
    ...بعث المعلّمين إلى الأمصار
    ...التأريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم
    ...جمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد
    ...إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
    ...إقامة العدل، ومواساته رعيته بنفسه
    مناقبه وفضائله
    ... بشارته بالجنّة
    ... أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به
    ...علمه وفقهه وتديّنه
    ... عبادته وهديه
    ... زهده وورعه
    ... محاسبته لنفسه
    ...إلهامه وتحديثه
    ... موافقته لبعض ما في القرآن قبل نزوله
    ...شدّته في أمر الله وهيبة الناس له
    ... فرار الشيطان منه
    ... خشيته ووقوفه عند آيات الله
    ... علمه بالقضاء
    ... فراسته
    ... كراماته
    صفاته وشمائله
    استفاضة ثناء الصحابة والأمة عليه
    وفاته
    ... شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة
    ... سؤاله الشهادة
    ... رؤياه قبل استشهاده
    ... ما رؤي فيه قبل استشهاده
    ... خبر استشهاده
    ... وصاياه عند موته
    ... احتضاره
    ... تاريخ استشهاده
    ... سنّه عند وفاته
    ... غسله وتكفينه
    مواعظه ووصاياه
    رواة التفسير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
    مما روي عنه في التفسير
    المؤلفات في سيرته وفضائله



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل



    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)





    اسمه ونسبه
    هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي.
    وأمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية.
    وقيل: حنتمة بنت هشام، وهو خطأ.
    - قال أبو بشر الدولابي: حدثني أبو أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي قال: ثنا حجاج بن يوسف الرصافي قال: حدثني عبيد الله بن أبي زياد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: «عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر».
    - وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: (عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر).


    مولده ونشأته
    ولد عمر قبل الهجرة بأربعين سنة، وذلك أنه صحّ عن معاوية وأنس بن مالك وغيرهما أنه مات وله ثلاث وستون سنة؛ فيكون مولده بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
    - قال محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: أقبلنا مع عمر بن الخطاب قافلين من مكة حتى إذا كنّا بشعاب ضَجْنَان وقف الناس.
    قال محمد: مكاناً كثير الشجر والأشب.
    قال: فقال عمر: (لقد رأيتني في هذا المكان وأنا في إبل للخطاب، وكان فظاً غليظاً، أحتطب عليها مرة، وأختبط عليها أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي، ليس فوقي أحد، قال: ثم مثل بهذا البيت:

    لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد).
    رواه ابن سعد.

    - وقال محمد بن سعد: سألت أبا بكر بن محمد بن أبي مرة المكي، وكان عالماً بأمور مكة عن منزل عمر بن الخطاب الذي كان في الجاهلية بمكة، فقال: (كان ينزل في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر، فنسب إلى عمر بعد ذلك، وبه كانت منازل بني عدي بن كعب).

    إسلامه
    - قال خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت: سمعت نافعاً يذكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعزّ الدين بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل بن هشام، أو عمر بن الخطاب)).
    فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب). رواه الترمذي وابن حبان.
    - وقال يونس بن بكير، عن النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب» قال: فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم).
    رواه الترمذي وقال: (هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في النضر أبي عمر، وهو يروي مناكير).
    - وقال ابن وهب: حدثني عمر بن محمد قال: أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينما هو في الدار خائفاً إذْ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلة حَبِرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: ما بالك؟
    قال: (زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت).
    قال: لا سبيل إليك.
    بعد أن قالها أمنت، فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبا، قال: لا سبيل إليه؛ فكرَّ الناس. رواه البخاري.
    - وقال سفيان بن عيينة: سمعته [أي: عمرو بن دينار] يقول: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبا عمر وأنا غلام، فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبا عمر فما ذاك، فأنا له جار.
    قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه.
    فقلت: من هذا؟
    قالوا: (العاص بن وائل). رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال وهب بن جرير: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يقول: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟
    فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل! إني قد أسلمت.
    قال: فوالله ما ردّ عليه كلمة حتى قام عامداً إلى المسجد؛ فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش! إنَّ ابن الخطاب قد صبأ.
    فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدقت رسوله؛ فثاوروه؛ فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه.
    فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم؛ فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم؛ فبينما هم كذلك قيام عليه، إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي، فقال: ما بالكم؟
    فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ!!
    قال: فمه! امرؤ اختار ديناً لنفسه؛ أفتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم؟!
    قال: فكأنما كانوا ثوباً انكشف عنه.
    فقلت له بعد بالمدينة: يا أبت! من الرجل الذي ردَّ عنك القوم يومئذ؟
    فقال: (يا بُني! ذاك العاص بن وائل). رواه ابن حبان.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي: حدثنا قيس [هو ابن أبي حازم]، قال: قال عبد الله [بن مسعود]: «مازلنا أعزة منذ أسلم عمر». رواه البخاري.
    ورواه ابن سعد في الطبقات من طريق محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد به وزاد: «لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر؛ فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي».
    - وقال مسعر بن كدام، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر؛ فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: «والله لقد رأيتني، وإنَّ عمر لموثقي على الإسلام، قبل أن يسلم عمر، ولو أنَّ أحداً ارفضَّ للذي صنعتم بعثمان لكان». رواه البخاري في صحيحه.
    وفي رواية في الصحيح: «لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام، أنا وأخته، وما أَسْلَمَ، ولو أنَّ أحداً انقضَّ لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقضّ».

    - وقال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: (فلما قدم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلا ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة بن عبد المطلب، حتى غزا قريشا، فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
    - وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، قال: «أسلم عمر بن الخطاب بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال الواقدي: أخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: «أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشرة نسوة، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة». رواه ابن سعد.
    - وقال أبو عبد الله الذهبي: (أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل



    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)



    هجرته
    هاجر عمر قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهجرته شأن عند المسلمين، فقد تقدّم قول ابن مسعود رضي الله عنه: (كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً).
    - قال شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء، فرحهم به). رواه البخاري.
    - وقال ابن إسحاق: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (لما اجتمعنا للهجرة اتّعدت أنا، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها؛ فقد حُبس فليمض صاحباه، فأصبحتُ عنده أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن، وقدمنا المدينة؛ فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله وآمنوا به، وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل الله عز وجل فيهم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} إلى قوله: {مثوى للمتكبرين}.
    قال عمر رضي الله عنه: فكتبتها بيدي كتاباً، ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعّد بها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم فهّمنيها، وفرقت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري بفلحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال: (فقتل هشام شهيدا بأجنادين في ولاية أبي بكر رضي الله عنه). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    وقد روي في شأن هجرته أخبار أخر في إسنادها ضعف.


    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    شهد عمر جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له في كثير منها مواقف جليلة، فيها تثبيت للمؤمنين، وإغاظة للمشركين.
    والحديث عن مواقفه في تلك المشاهد يطول به المقام، وهي مدوّنة في دواوين السنّة وكتب السيرة.


    إنفاقه في سبيل الله عزّ وجلّ
    كان عمر كثير الإنفاق في سبيل الله، سريع الاستجابة حين يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق في أمر تتعلق به مصلحة المسلمين، حتى إنه تصدّق مرة بنصف ماله ليسبق أبا بكر، لكنّه وجده قد سبقه.
    - قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق؛ فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.
    قال: فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»
    قلت: مثله.
    قال: فأتى أبو بكر بكلّ ما عنده.
    فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟»
    فقال: (أبقيت لهم الله ورسوله).
    فقلت:(لا أسابقك إلى شيء أبداً). رواه الدارمي، وأبو داوود، والترمذي.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل



    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)




    طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
    كان عمر من أخصّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطولهم له صحبة، وأعلمهم بسنّته، وأحواله، وما كان يعترضه في الدعوة إلى الإسلام، وأحوال أعدائه، ومكائدهم، وما كان يلقى منهم.
    - قال عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، قال فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو، أو لأظن، أن يجعلك الله معهما». رواه البخاري ومسلم.


    خلافته
    رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في خلافته
    - وقال الزهري: أخبرني ابن المسيب، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً، فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن» رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس، فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني، فنزع دلوين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، فجاء ابن الخطاب فأخذ منه، فلم أر نزع رجل قط أقوى منه، حتى تولى الناس، والحوض ملآن يتفجر». رواه مسلم.
    - وقال موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «رأيت الناس مجتمعين في صعيد، فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غرباً، فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن». رواه البخاري.

    عهد أبي بكر إليه بالخلافة
    تولّى عمر الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه باستخلاف منه، ولم يختلف في خلافته اثنان، وكان هو خير المسلمين بعد أبي بكر رضي الله عنهما.
    - قال صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟!
    فقال: أجلسوني! أبالله ترهبوني؟!! أقول: (استخلفت عليهم خيرهم). رواه ابن سعد.

    خطبته حين تولّى الخلافة
    - قال عبد الله بن المبارك، عن جرير بن حازم، عن حميد بن هلال قال: حدثني من شهد وفاة أبي بكر رضي الله عنه قال: لما فرغ عمر رضي الله عنه من دفنه قام خطيباً مكانه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الله ابتلاني بكم وابتلاكم بي، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، والله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يغيب عني فآلو فيه من أهل الخير والأمانة، فلئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم. فقال الرجل: فوالله ما زاد على الذي قال في ذلك المكان حتى فارق الدنيا). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أو غيره عن حميد به.

    تسميته أمير المؤمنين
    - قال محمد بن حرب الأبرش: حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري قال: «أوَّل من سمى عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: (أوّل من حيّا عمر رضي الله عنه بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، دخل عليه ذات يوم فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!
    فكأنّ عمر رضي الله عنه أنكر ذلك؛ فقال المغيرة: هم المؤمنون، وأنت أميرهم، فسكت عمر رضي الله عنه). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن الزهري قال: قال عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة: لأيّ شيء كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب: مِن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يكتب: من خليفة أبي بكر، ومَن أول من كتب: عبد الله أمير المؤمنين؟
    فقال: حدثتني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق أن يبعث إليه برجلين جلدين نبيلين يسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم؛ فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا؛ فوجدا عمرو بن العاص فيه؛ فقالا: استأذن لنا يا ابن العاص على أمير المؤمنين!
    فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، هو الأمير ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل على عمر رضي الله عنه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!
    فقال عمر: يا ابن العاص! ما بدا لك في هذا الاسم؟! لتخرجن مما دخلت فيه!
    قال: قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد؛ فقالا: استأذن لنا أمير المؤمنين، فهما أصابا اسمك، فأنت الأمير ونحن المؤمنون قال: (فجرى الكتاب من ذلك اليوم). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.

    تسميته بالفاروق
    اشتهر تلقيب عمر بالفاروق، واختلف في أوّل من لقّبه بذلك، وروي في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنّها لا تصحّ.
    - إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر: لأي شيء سميت الفاروق؟
    قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فذكر الخبر بطوله، وفيه: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق، وفرق الله بين الحق والباطل). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك الحديث.
    - وقال أحمد بن محمد الأزرقي المكي: أخبرنا عبد الرحمن بن حسن، عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، وهو مرسل ضعيف الإسناد؛ فعبد الرحمن بن حسن الأزرقي مجهول الحال، وأيوب بن موسى المكي من طبقة صغار التابعين.
    - وقال الواقدي: أخبرنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟
    قالت: (النبي عليه السلام). رواه ابن سعد، وعمر بن شبة، لكن الواقدي متروك الحديث.
    - وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوَّل من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر، كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه قال: وقد بلغنا أن عبد الله بن عمر كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أيد دينك بعمر بن الخطاب». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: وجدت في بعض الكتب يوم غزونا اليرموك: (أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان ذو النورين أوتي كفلين من الرحمة لأنه يُقتل، أصبتم اسمه).
    قال: (ثم يكون والي الأرض المقدسة وابنه).
    قال عقبة: قلت لابن العاص: (سمهما كما سميت هؤلاء، قال: معاوية وابنه). رواه أحمد في فضائل الصحابة، ونعيم بن حماد في الفتن، وروي عن ابن سيرين من غير ما وجه.
    مدّة خلافته


    - قال ابن أبي أويس، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: (ولي عشر سنين حجها كلها). رواه البخاري في التاريخ الكبير.







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل



    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)

    أشهر أعماله في خلافته
    فتح الله لعمر البلدان، فولّى الولاة على الأمصار، وعيّن القضاء، وأقام الحسبة، وبعث المعلّمين، ودوّون الدواوين، وعرّف العرفاء، وفرض الأعطيات، وجمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد، وأرّخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأقام العدل حتى استيسر الناس، وعمّ الرخاء، واعتزّ المسلمون، وقويت دولة الإسلام.

    1: فتح الفتوح
    تولى عمر الخلافة وجيوش المسلمين في العراق والشام تقاتل أعظم دولتين في ذلك الزمان في وقت واحد؛ ففتح الله له البلدان واتّسعت دولة الإسلام:
    ففي الشام: فتحت جيوشه دمشق، وحمص، وقنسرين، وبعض قرى فلسطين حتى حاصروا بيت المقدس، ثم فتحوها صلحاً على أن يقدم عمر فينفذ لهم الصلح ويكتب لهم، فقدم عمر، وأمضى الصلح، ودخل بيت المقدس، وصلى فيه في الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء.
    وأعمل الجيوش في بلدان الشام تفتحها مدينة بعد مدينة، وقرية بعد قرية، وجعل للشام أميرين: معاوية بن أبي سفيان ولاه بعد موت أخيه يزيد، وعياض بن غنم الفهري ولاه بعد موت أبي عبيدة بن الجراح؛ فأخذ معاوية ما يلي الساحل من قرى فلسطين فافتتح قيسارية وتسمّى قيصرية في أواخر سنة 18هـ، ثم أصعد شمالاً حتى بلغ أنطاكية.
    وغزا عياض بن غنم الجزيرة، وهي ما بين نهري دجلة والفرات مما يلي الشام، ووافق أبا موسى الأشعري قد افتتح الرها وسميساط بجيش من أهل العراق؛ فاجتمعا على فتح ما بقي من أرض الجزيرة، وفتحوا نصيبين، والرقة، وسنجار، وحرّان، وآمد، وبقية ديار بكر حتى بلغوا ملطية.
    والتقى حيش معاوية وجيش عياض في ملطية، واستكملوا بذلك فتح الشام في سنة 20هـ، وهي السنة التي مات فيها هرقل عظيم الروم.
    وفي العراق: فتحوا الحيرة، والمدائن وفيها كان إيوان كسرى، ثم اختطوا الكوفة ثم البصرة، ثم فتحوا أصبهان، وتستر، والأهواز، وجلولاء، ونهاوند، والسوس، ونصيبين، وهمذان، وغيرها كثير حتى بلغت جيوش المسلمين في عهد عمر أقصى بلاد خراسان.
    وفي سنة عشرين فتح عمرو بن العاص مصر، وبقي يفتح مدنها وقراها حتى فتح الإسكندرية الفتح الأول سنة اثنتين وعشرين للهجرة، وبعث الجيوش إلى طرابلس الغرب.

    فتح بيت المقدس
    - قال دحيم: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت أشياخنا يقولون: (إنَّ دمشق فتحت في سنة أربع عشرة، وإن عمر بن الخطاب قدم الشام سنة ست عشرة؛ فولاه الله فتحَ بيت المقدس على صلح، ثم قفل). رواه أبو زرعة الدمشقي كما في تاريخ ابن عساكر.
    - وقال يزيد بن عبيدة السكوني: (فتحت بيت المقدس سنة ست عشرة، وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية).رواه أبو زرعة الدمشقي.

    فتوح الشام ومصر:
    - قال هشام بن عمار، عن الوليد عن الأوزاعي (أنّ أبا عبيدة فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة ثم أتى فلسطين فنزل إيليا فسألوه أن يصالحهم فصالحهم في سنة سبع عشرة على أن يقدم عمر رحمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به). رواه البلاذري.
    - وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد قال: (استخلف أمير المؤمنين عمر في رجب لسنة ثلاث عشرة، ثم كان فتح دمشق، ثم
    كانت اليرموك لسنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية والجسر لسنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس وغزوة عتبة بن سهيل من بني عامر بن لؤي سنة ثمان عشرة، ثم كانت جلولاء لسنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون أميرهم عمرو بن العاص، وقيسارية بالشام أميرهم عبد الله بن عمرو، وموت هرقل لسنة عشرين، ثم كانت نهاوند أميرهم النعمان بن مقرن المزني لسنة إحدى وعشرين، ثم كان فتح الإسكندرية الأولى أميرهم عمرو بن العاص وأذربيجان لسنة ثنتين وعشرين، وفرض العطاء، ثم كانت اصطخر الأولى وهمذان في ذي القعدة، ولم تفتح اصطخر، وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، وغزوة عمورية، أمير أهل مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين، ثم قتل عمر أمير المؤمنين بصدر الحاج). رواه ابن عساكر.
    - وقال ابن سعد: (وهو أول من فتح الفتوح، وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله، السواد والجبال وأذربيجان وكور البصرة وأرضها وكور الأهواز، وفارس، وكور الشام ما خلا أجنادين، فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق، رحمه الله، وفتح عمر كور الجزيرة والموصل ومصر والإسكندرية، وقتل، رحمه الله، وخيله على الري وقد فتحوا عامتها، وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل، ووضع الخراج على الأرضين، والجزية على جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهماً، وعلى الفقير اثني عشر درهماً، وقال: «لا يعوز رجلاً منهم درهم في شهر» ، فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف واف، والواف درهم ودانقان ونصف).

    2: تمصير الأمصار، وتولية الولاة وتعيين القضاة
    بعدما فتح المسلمون المدائن سنة 16هـ، وكثرت جيوش المسلمين نزلوا المدائن فاجتووها ولم توافق أمزجتهم؛ فذُكر أنهم اشتكوا ذلك إلى عمر فقال: (إن العرب لا يصلحهم إلا ما يصلح إبلهم).
    فارتادوا مكاناً يصلح لإبلهم فوقع اختيارهم على الكوفة، وكانت أرضاً سهلة حسنة التربة يخالط رملها حصباء، ولذلك كانت تسمى "خدّ العذراء" يجري عليها نهر الفرات، وفي وسطها جبل صغير يُسمّى "كوفان".
    فخطّطت الكوفة أحياءً لكل قبيلة حيّ، ولها مسجد يسع مقاتلتهم، وكان أوّل أمير لها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ثمّ بعد ذلك بأشهر خطّطت البصرة على نحو تخطيط الكوفة، وكان أوّل أمير لها عتبة بن غزوان المازني رضي الله عنه.
    ولم يزل عمر يمصّر الأمصار، ويولّي الولاة، ويعيّن القضاء، ويعرّف العرفاء، ويقسم الفيء، ويبعث المعلمّين لتفقيه الناس في الدين، وتعليمهم القرآن؛ حتى صلحت شؤون الرعية، وانتظم أمرها.
    - قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني الأشعث، عن الحسن (أن عمر بن الخطاب مصر الأمصار: المدينة، والبصرة، والكوفة، والبحرين، ومصر، والشام، والجزيرة). رواه ابن سعد.
    - وقال ابن سعد: (وهو أوَّل من مصَّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل، وأنزلها العرب، وخط الكوفة والبصرة خططا للقبائل).

    3: تدوين الدواوين، وفرض الأعطيات
    - قال غسان بن مضر الأزدي، عن سعيد بن يزيد الأزدي، عن أبي نضرة العبدي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «لما ولي عمر الخلافة فرض الفرائض، ودوَّن الدواوين، وعرَّف العرفاء» قال جابر: (فعرَّفني على أصحابي). رواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه قدم على عمر من البحرين، قال: فقدمت عليه فصليت معه العشاء، فلما رآني سلمت عليه فقال: «ما قدمت به؟»
    قلت: قدمت بخمسمائة ألف.
    قال: «أتدري ما تقول؟».
    قال: قلت: قدمت بخمسمائة ألف.
    قال: «ماذا تقول؟»
    قال: قلت: مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، حتى عددتُ خمساً.
    قال: «إنك ناعس! ارجع إلى بيتك فنم ثم اغد علي».
    قال: فغدوت عليه؛ فقال: «ما جئت به؟».
    قلت: بخمسمائة ألف.
    قال: «طيب؟».
    قلت: طيب، لا أعلم إلا ذاك.
    قال: فقال للناس: «إنه قدم عليَّ مالٌ كثير؛ فإن شئتم أن نعدَّه لكم عدّا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا».
    فقال رجل: يا أمير المؤمنين! إني رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديواناً، ويعطون الناس عليه.
    قال: «فدوَّن الدواوين، وفرض للمهاجرين في خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن زنجويه في كتاب الأموال، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال معمر، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى، قال له عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟
    قال: «لا يظلها سقف حتى أمضيها»؛ فأمر بها؛ فوضعت في صرح المسجد، فباتوا يحرسونها، فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى فيها من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ منه البصر.
    قال: فبكى عمر؛ فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن كان هذا ليوم شكر، ويوم سرور، ويوم فرح؛ فقال عمر: «كلا، إنَّ هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء».
    ثم قال: « أنكيل لهم بالصاع أم نحثو؟ »
    فقال علي: بل احثوا لهم، ثم دعا حسن بن علي أوَّل الناس فحثا له، ثم دعا حسيناً، ثم أعطى الناس، ودوَّن الدواوين، وفرض للمهاجرين لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة، وللأنصار لكل رجل منهم أربعة آلاف درهم، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكل امرأة منهن اثني عشر ألف درهم، إلا صفية وجويرية، فرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم). رواه معمر بن راشد في جامعه.
    وسماع إبراهيم بن عبد الرحمن من عمر مختلف فيه، وقد أثبته يعقوب بن شيبة وغيره، وروي عنه أنه رأى تحريق بيت رويشد الثقفي زمان عمر.
    - وقال وكيع بن الجراح: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: «فرض عمر لأهل بدر غريبهم ومولاهم في خمسة آلاف خمسة آلاف»، وقال: «لأفضلنَّهم على من سواهم». رواه ابن أبي شيبة.

    4: بعث المعلّمين إلى الأمصار
    كان عمر من أعلم الصحابة وأفقههم في دين الله، وكان جلساؤه القراء العلماء، وكان يبعث البعوث إلى الأمصار لتعليم القرآن؛ فبعث إلى العراق عشرة معلمين من علماء الصحابة، فيهم ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري، وقرظة بن كعب الخزرجي، ومجمّع بن جارية الأوسي، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفّل المزني، وغيرهم.
    وبعث عبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء إلى الشام وأمرهم أن يبدؤا بحمص فيعلّموا فيها حتى يرضوا؛ ثم ينتقل معاذ إلى فلسطين، وأبو الدرداء إلى دمشق، ويبقى عبادة في حمص؛ ففعلوا ما أمرهم به، ونفع الله بهم خلقاً كثيراً.
    وبعث معلمين إلى مكة والبحرين وعمان واليمن ومصر، والمدائن، وبقي في المدينة جماعة من علماء الصحابة يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين؛ فانتشر العلماء في بلدان الإسلام انتشاراً عظيماً مباركاً.
    وهمّ عمر أن يكتب السنة، ورُوي أنه استخار في كتابتها شهراً لكنّه خشي أن يشتغل الناس بها عن القرآن.
    وكان عمر رجلاً ملهماً محدَّثاً، وعدلاً حازماً، مهيب الجناب، وكان شديداً على من يتكلم في القرآن بغير علم، وقد اشتهر ضربه لصبيغ التميمي لما كان يتكلف المسائل في القرآن؛ حتى جعله عبرة لغيره، وانتفع صبيغ بهذا التأديب فقد عصمه الله به من فتنة الخوارج لما حدثت بعد؛ فإنه قيل له: ألا تخرج معهم.
    قال: هيهات، نفعني الله بموعظة الرجل الصالح.
    - وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان، عن معمر، عن الزهري قال: أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن، فاستخار الله شهراً، ثم أصبح وقد عزم له، فقال: «ذكرت قوماً كتبوا كتاباً فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله». رواه ابن سعد.
    - وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب العبدي قال: قرئ علينا كتاب عمر ههنا [يريد بالكوفة]: «إني بعثتُ إليكم عمارا أميراً، وبعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا، وآثرتكم بابن أم عبد على نفسي، وجعلته على بيت مالكم». رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف.
    - وقال الحسن البصري: (كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس، وكان من نقباء أصحابه، وكان له سبعة أولاد). ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب.

    همّه بكتابة السنن:
    تقدّم في سيرة أبي بكر الصديق أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد، ثمّ لما ولي عمر الخلافة همّ بكتابة السنن وجمعها في كتاب واحد؛ فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخار في ذلك شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم على ترك كتابتها.
    - قال معمر عن الزهري، عن عروة، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
    - وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستشار فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه؛ فأشار عليه عامّتهم بذلك؛ فلبث عمرُ شهراً يستخير الله في ذلك، شاكّاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له؛ فقال: «إني قد كنتُ ذكرتُ لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكّرت فإذا أناسٌ من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» فترك كتاب السنن». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وروى نحوه من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب به.
    وعروة وإن لم يدرك السماع من عمر بن الخطاب إلا أن له عناية بالسير والأخبار وهو مقدّم فيها، مع قيام الاحتمال القوي بكونه سمع ذلك من بعض الصحابة الذين استشارهم عمر أو شهدوا ذلك الأمر، ويشهد له مرسل يحيى بن جعدة.
    - وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: (من كان عنده شيء من ذلك فليمْحُه). رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    - وقال عبد الله بن العلاء بن زبر: سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث؛ فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب؛ فقام عمر على المنبر؛ فأنشد الناس أن يأتوه بها؛ فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: (مثناة كمثناة أهل الكتاب!!)
    قال: (فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثاً). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.

    حزمه في التعليم وتعظيمه القرآن والسنة:
    كان عمر رضي الله عنه من أقرب الصحابة إلى إدراك مقاصد القرآن وفهم مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، بما علّمه الله تعالى وفهّمه، وبما سدّده وألهمه، ورزقه من الخشية والاستقامة والقوّة في دين الله، فكان حازماً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة:
    - منها: ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أنه قال: أُتى إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن.
    فقال: اللهم أمكني منه.
    قال: فبينا عمر ذات يوم جالس يغدّي الناس إذ جاءه وعليه ثياب وعمامة، فغداه، ثم إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا}؟
    قال عمر: أنت هو؟ فمال إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، ثم قال: احملوه حتى تقدموه بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إنَّ صبيغاً ابتغى العلم فأخطأ، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه.
    - ومنها: ما أخرجه الدارمي من طريق يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة؛ فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعدَّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟
    قال: أنا عبد الله صبيغ.
    فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين، فضربه وقال: (أنا عبد الله عمر) فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه.
    فقال: (يا أمير المؤمنين! حسبك، قد ذهب الذي كنتُ أجد في رأسي).
    وقد انتفع صُبيغ بهذا التأديب؛ وعصمه الله به من فتنة الخوارج التي حدثت في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
    - قال معمر بن راشد: خرجت الحرورية، فقيل لصبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، قال: (هيهات قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح).
    - وقال إبراهيم النخعي عن علقمة قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.
    فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها). رواه أحمد.
    وذلك أنّه خشي أن يتصدّى لذلك من ليس له بأهل؛ فلمّا علم أنّه ابن مسعود سكن جأشه؛ لأن ابن مسعود كان من المعلّمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
    - وقال مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثني عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار فمشى معنا حتى بلغ مكانا قد سماه ثم قال: (هل تدرون لم مشيت معكم؟)
    قالوا: لحقّ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق الأنصار.
    قال: (لا، ولكن مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكموه؛ فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم دويّ كدويّ النحل؛ فإذا رأوكم مدُّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد؛ فأقلّوا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة من طريق عبيد الله بن عمر القواريري: أخبرنا حماد بن زيد عن مجالد به، ورواه ابن قانع من طريق شعبة عن بيان عن الشعبي، عن قرظة بن كعب قال: شيَّع عمرُ الأنصارَ وقال: «إنكم تأتون أرضا أو قوما ألسنتهم بالقرآن، فلا تصدوهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم؛ فلم أحدّث بشيء بعد، ولقد سمعت كما سمع أصحابي»
    - وقال عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كنت بالبحرين، فسألونى عما قذف البحر.
    قال: فأفتيتهم أن يأكلوا؛ فلما قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكرت ذلك له، فقال لي: بم أفتيتهم؟
    قال: قلت: أفتيتهم أن يأكلوا؟
    قال: لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدرة!
    قال: ثم قال [عمر]: إن الله تعالى قال في كتابه:"أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، فصيده، ما صيد منه وطعامه، ما قذف). رواه ابن جرير.
    وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يعرفون لعمر علمه وحزمه وعدله، فكانوا يتعلمون منه، ويحبّونه ، ويهابونه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين

    عبد العزيز الداخل





    2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)


    5: التأريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم
    رُوي في نشأة التاريخ الهجري آثار يعضد بعضها بعضاً، وتجتمع على أنّ أوّل من أرّخ التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن عمر استشار الصحابة في ذلك، وأما ما روي من أنّ أوّل من أرّخ الكتب يعلى بن أمية رضي الله عنه؛ فذلك في تأريخ ما كان يبعث به من الرسائل، ولم يوقف على أنّه كان يؤرّخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يعلى بن أميّة من ولاة عمر في اليمن.
    - قال مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: كتب أبو موسى إلى عمر: إنه يأتينا كتب ما نعرف تأريخها فأرخ؛ فاستشار أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: أرخ لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال عمر: «أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الحق والباطل؛ فأرخ». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرني عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: (جمع عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار).
    فقال: متى نكتب التاريخ؟
    فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني يوم هاجر؛ فكتب ذلك عمر رضي الله عنه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة واللفظ له، والحاكم في المستدرك.
    - وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن عثمان بن عبد الله بن رافع، عن ابن المسيب قال: (أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة من علي بن أبي طالب). رواه حنبل بن إسحاق كما في مسند الفاروق لابن كثير، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق، لكن الواقدي متروك الحديث.
    - وقال وهب بن جرير: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه عامل جاء من اليمن؛ فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون؟ تكتبون: في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا؟
    فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة.
    ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم فقالوا: من المحرم). رواه عمر بن شبة.
    - وقال خالد بن حيان الرقي: حدثنا فرات بن سليمان، عن ميمون بن مهران قال: وقع إلى عمر رضي الله تعالى عنه صكٌّ محلّه في شعبان؛ فقال عمر: أي شعبان؟ هذا الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟
    ثم جمع أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه؛ فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم؛ فقيل: إنه يطول، وإنهم يكتبون من عدد ذي القرنين.
    وقال قائل: اكتبوا على تاريخ فارس؛ فقيل: إنَّ الفرسَ كلَّما قام ملك طرح ما كان قبله.
    قال: (فاجتمع رأيهم أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام بها عشر سنين؛ فكتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
    وميمون بن مهران لم يدرك عمر.
    - وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد قال: (ما عدّوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه، ولا من وفاته، ولا عدّوا إلا من مقدمه المدينة). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - قال روح بن عبادة: حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينارٍ قال: (إنَّ أوَّل من أرخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول، وإن الناس أرخوا لأوَّل السنة).رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    وهذا محمول على ما تقدّم من أنّه كان يؤرّخ كتبه على تأريخ لم ينقل لنا، ثم إن التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر به عمر بعد استشارة الصحابة رضي الله عنهم، وجرى العمل عليه إلى اليوم؛ فيرجى لعمر بن الخطاب بذلك أجرٌ في كلّ ما كان في تاريخه نفع عام أو خاص لكل مسلم؛ لأنه هو الذي سنّ التأريخ للمسلمين.

    6: جمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد
    صلى النبي صلى الله عليه وسلم قيام رمضان ليلتين أو ثلاث ليال ثم انقطع عنهم خشية أن يفرض عليهم، فكان الناس في بقية زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر يقومون الليل فرادى وجماعات متفرّقة ، يصلي الرجل والرجلان والثلاثة والجماعة اليسيرة.
    فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جمعهم في جماعة واحدة؛ وأمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري بإمامتهم، وجعل للنساء جماعة وجعل على إمامتهن سليمان بن أبي حثمة، وكان رجلاً أعمى.
    وبعث عبد الله بن السائب المخزومي إلى مكة ليؤمّ الناس في قيام رمضان في المسجد الحرام، ويعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين؛ وهو من طبقة صغار الصحابة رضي الله عنهم، وكان قارئاً حسن القراءة، قرأ على أبيّ بن كعب؛ فكان يصلي بهم خلف المقام، وبقي على إمامتهم حتى توفي زمن ابن الزبير.
    - قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط.
    فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل؛ فجمعهم على أبيّ بن كعب.
    قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم؛ فقال: (نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون). يعني آخر الليل.
    قال: (وكان الناس يقومون أوله). رواه مالك في الموطأ.
    - وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة، أن عمر رضي الله عنه دخل المسجد ليلة في رمضان والناس قد اجتمعوا، فقيل: اجتمعوا للصلاة؛ فقال: بدعة، ونعمت البدعة، ثم قال لأبيٍّ رضي الله عنه: (صلّ بالرجال في هذه الناحية) وقال لسليمان بن أبي حثمة: (صلّ بالنساء في هذه الناحية). رواه ابن شبّة في تاريخ المدينة.
    - وقال محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد؛ أنه قال: أمر عمرُ بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.
    قال: (وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).رواه مالك في الموطأ وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، والبيهقي في السنن الكبرى.
    ورواه عبد الرزاق في المصنف من طريق داوود بن قيس وغيره [هكذا] عن محمد بن يوسف به لكنه قال ( على إحدى وعشرين ركعة ).
    - وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه أن سليمان بن أبي حثمة كان يؤم النساء في عهد عمر في شهر رمضان). رواه ابن سعد.
    - وقال ابن سعد: (كان رجلاً على عهد عمر بن الخطاب، وأمره عمر أن يؤم النساء).
    - وقال معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال:( كان أبيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمّت عشرون ليلة انصرف إلى أهله، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين، دعوني حتى أدعو). رواه عبد الرزاق.
    - قال ابن سعد: (وهو أوّل من سنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين: قارئاً يصلي بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء).

    7: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
    كان من أجلّ أعمال عمر بن الخطاب رضي الله عنها التي كان سبباً في حفظ الدين، وعزّته، وكبت المنافقين، إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب؛ فقطع بذلك دابرهم، وأمن الناس مكرهم ودسائسهم، وتسلل المنافقين إليهم ليكيدوا الإسلام وأهله؛ فكان في خروجهم عافية عظيمة للمسلمين.
    وكان عمر قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلما كانت خلافته قام عمر بما عزم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
    - قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: أخبرني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وغيرهم.
    - وقال ابن جريج أيضاً: حدثني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها، على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نقركم بها على ذلك ما شئنا».
    قال: (فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء). رواه مسلم.
    - وقال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمناها تفرقنا في أموالنا، قال: فعُدي عليَّ تحت الليل، وأنا نائم على فراشي، ففُدعت يداي من مرفقيّ، فلما أصبحت استصرخ عليَّ صاحباي، فأتياني، فسألاني عمن صنع هذا بك؟
    قلت: لا أدري.
    قال: فأصلحا من يديّ، ثم قدموا بي على عمر؛ فقال: (هذا عمل يهود).
    ثم قام في الناس خطيباً، فقال: (أيها الناس! إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم، مع عَدْوَتهم على الأنصاريّ قبله، لا نشكّ أنهم أصحابهم، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود).
    قال: (فأخرجهم). رواه أحمد في المسند.
    - وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيباً، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: «نقركم ما أقركم الله» وإنّ عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا.
    فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟!»
    فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم!
    قال: (كذبت يا عدو الله).
    قال: (فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك). رواه البخاري.
    - وقال حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلَ أهل خيبر حتى أجلاهم إلى قصرهم؛ فغلب على الأرض والزرع والنخل؛ فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح، ويخرجون منها، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون للقيام عليها؛ فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أنَّ لهم الشطر من كل زرع ونخل ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غالوا في المسلمين وغشوهم، ورموا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه؛ فقال عمر رضي الله عنه: (من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم).
    فقال رئيسهم: لا تخرجنا، ودعنا نكون فيها كما أقرّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك: ((كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً، ثم يوماً، ثم يوماً). رواه أبو جعفر الطحاوي.
    - وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفاً.
    قال: وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين؛ فتحاسدوا بينهم.
    قال: فأتوا عمر؛ فقالوا: (إنا قد تحاسدنا بيننا فأجلنا).
    قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب لهم كتاباً أن لا يجلوا.
    قال: (فاغتنمها عمر فأجلاهم؛ فندموا فأتوه فقالوا أقلنا؛ فأبى أن يقيلهم؛ فلما قدم عليّ أتوه؛ فقالوا: إنا نسألك بخطّ يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا أقلتنا؛ فأبى وقال: (ويحكم! إنَّ عمر كان رشيد الأمر).
    قال سالم: (فكانوا يرون أن علياً لو كان طاعنا على عمر في شيء من أمره طعن عليه في أهل نجران). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والفاكهي في أخبار مكة.
    - وقال ابن سعد: (وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وأخرج أهل نجران، وأنزلهم ناحية الكوفة).

    8: إقامة العدل، ومواساة رعيّته بنفسه
    من أشهر صفات عمر رضي الله عنه عدله الذي عرف به، حتى ضرب به المثل في العدل؛ فكان حريصاً على إعطاء كلّ ذي حقّ حقَّه، وكان يواسي رعيّته بنفسه، ويتفقد أحوالهم، ويعس في الليل بنفسه، ويقوم على مصالحهم، وينشر العلم، ويبعث البعوث للجهاد والتعليم والصدقات؛ حتى فتح الله عليه البلدان، وانتشر العلم، واستيسر الناس، وكان لا يحابي أحداً من أهل بيته ولا من قرابته ولا يستأثر لنفسه ولا لهم شيئاً دون المسلمين.
    - قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما أنا أمشي مع عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد قضّت أضلاعه، فقلت: سبحان الله! وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم!
    قال: (ويحك يا ابن عباس! والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟).
    قلت: والله إنك بحمد الله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية.
    قال: (إنه والله يا ابن عباس ما يصلح لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل).
    يقول ابن عباس: «والله ما أعرفه غير عمر». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين! إنَّ أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت.
    فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه، وقال: (أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت بها إلا مقاربتي، إن كنت لأحسب أن فيك، ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟
    قال: وما مثلك ومثلهم؟
    قال: (مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟)
    قال: لا يا أمير المؤمنين.
    قال: فكذلك مثلي ومثلهم.
    ثم قال عمر: « إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي، ليرفعها إلي حتى أقصّه منه».
    فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! أرأيتَ إن أدّب أميرٌ رجلاً من رعيته، أتقصّه منه؟
    فقال عمر: « وما لي لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه؟!». رواه ابن سعد في الطبقات، وروى عمر بن شبة بعضه في تاريخ المدينة.
    - وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حميد، عن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب مضطجعاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا والله الملك الهنيء». رواه ابن سعد.
    - وقال عبيد الله بن عمر العمري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: تقرقرَ بطن عمر بن الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه قال: « تَقَرْقَرْ تَقَرْقُرَكَ، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس». رواه ابن سعد.
    - وقال محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما قل قال: «لا آكله حتى يأكله الناس».
    فكان يأكل الزيت، فقال: «يا أسلم، اكسر عني حره بالنار» ، فكنت أطبخه له فيأكله؛ فيتقرقر بطنه عنه؛ فيقول: «تقرقر، لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس». رواه ابن سعد.
    - وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة؟
    قال: قلت: أنا أحفظه كما قال.
    قال: إنك عليه لجريء! فكيف؟
    قال: قلت: (فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
    قال: ليس هذه أريد، ولكني أريد التي تموج كموج البحر.
    قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس، بينك وبينها باب مغلق.
    قال: فيكسر الباب أو يفتح؟
    قال: قلت: لا بل يكسر.
    قال: فإنه إذا كسر لم يغلق أبداً.
    قال: قلت: أجل.
    فهبنا أن نسأله من الباب؛ فقلنا لمسروق: سله، قال: فسأله، فقال: عمر رضي الله عنه.
    قال: قلنا: فعلم عمر من تعني؟
    قال: (نعم، كما أنَّ دون غدٍ ليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط). رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (عدل عمر كان أتمَّ من عدل مَن وَلي بعده، وعلمه كان أتمَّ من علم من ولي بعده، وأما التفاوت بين سيرة عمر وسيرة من ولي بعده؛ فأمر قد عرفته العامة والخاصة؛ فإنها أعمال ظاهرة، وسيرة بيّنة، يظهر لعمر فيها من حسن النية، وقصد العدل، وعدم الغرض، وقمع الهوى ما لا يظهر من غيره).



    تتمة:
    - قال ابن سعد: (ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء، وهدم عمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد، ووسعه وبناه لما كثر الناس بالمدينة).
    - وقال: (واستعمل عمر على الحج بالناس أوَّل سنة استخلف وهي سنة ثلاث عشرة عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس تلك السنة، ثم لم يزل عمر بن الخطاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها، فحج بهم عشر سنين ولاء، وحج بأزواج النبي عليه السلام في آخر حجة حجها بالناس سنة ثلاث وعشرين، واعتمر عمر في خلافته ثلاث مرات، عمرة في رجب سنة سبع عشرة، وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين، وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين، وهو أخَّر المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •