تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 76 من 76

الموضوع: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)

    زهده وورعه
    - قال أبو سعيد الأشج: حدثنا المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة قال: قال أبو الدرداء: (بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا تاجر؛ فأردت أن يجتمع مع العبادة فلم يجتمعا؛ فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفس أبي الدرداء في يده ما أحبّ أنَّ لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كلَّ يوم أربعين ديناراً أتصدق في سبيل الله!
    قيل له: لم يا أبا الدرداء؟!! وما تكره من ذاك؟!!

    قال: (شدة الحساب). رواه ابن عساكر.
    وروى أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهما من طريق الأعمش، عن خيثمة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه نحو هذا مختصراً، وقد تقدم.
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا موسى بن مسلم [وهو موسى الصغير]، عن هلال بن يساف، عن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟
    فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمامكم عقبة كؤوداً، لا يجاوزها المثقلون؛ فأحبّ أن أتخفف لتلك العقبة). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال عون بن موسى الليثي، عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان إذا أعاره قال: هو يحمل كذا وكذا، فلا تحملوا عليه إلا كذا وكذا؛ فلما كان عند انقضاء هلاكه، قال: (دمّون! لا تخاصمني عند ربي، فإني كنت لا أحملك إلا طاقتك). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب في كتاب الورع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن أمّ الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي الناس شيئاً.
    قالت: فقلت: فإن احتجت؟
    قال: (فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه، ولا تسألي الناس شيئاً). رواه أحمد في الزهد.


    تخوّفه النفاق وتعوّذه منه
    - قال أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني: أنبأنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر [الخبائري]، عن جُبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فإذا هو قائم يصلي في مسجده؛ فلما جلس يتشهد جعل يتعوّذ بالله من النفاق؛ فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق؟!!
    فقال: (اللهم غُفْراً -ثلاثاً- لا يأمن البلاء من يأمن البلاء، والله إنَّ الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه). رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق مختصراً، وابن عساكر في تاريخ دمشق ولفظه: (من يأمن البلاء؟ من يأمن البلاء؟).
    - وقال بقية بن الوليد: حدثني صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر حدثني جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق؛ فأكثر التعوّذ منه.
    قال: فقال له جبير: ما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟!!
    قال: (دعنا عنك! دعنا عنك! فوالله إنَّ الرجلَ ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه). رواه ابن عساكر.


    تفكّره واعتباره
    - قال محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله قال: قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كان أكثر؟
    قالت: (التفكر والاعتبار). رواه ابن المبارك في الزهد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال سفيان الثوري، عن مالك بن مغول، عن عون بن عبد الله، قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟
    فقالت: (التفكر والاعتبار). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
    ورواه وكيع في الزهد، ومن طريقه الإمام أحمد في الزهد عن مالك بن مغول والمسعودي عن عون قال: سُئلت أم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
    قالت: (التفكر والاعتبار).
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء قال: قيل لها: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
    قالت: «التفكر». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو داوود في الزهد ولفظه: (طول التفكر).
    - وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة). رواه أحمد في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: (لما فُتحت قبرس مُرَّ بالسبي؛ فجاء أبو الدرداء يبكي!!
    فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!!
    قال: (يا جبير! بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله؛ فلقوا ما قد ترى!).
    ثم قال: (ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه). رواه ابن عساكر.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)

    أهله وأولاده
    تزوّج أبو الدرداء امرأتين كنيتا أمَّ الدرداء:
    الأولى: خيرة بنت أبي حدرد الأسلمية رضي الله عنها، وهي أم الدرداء الكبرى
    والثانية: هُجيمة بنت حييّ الوصابية رحمها الله، وهي أمّ الدرداء الصغرى
    - قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: (أم الدرداء هجيمة بنت حيي الوصابية، وأمّ الدرداء الكبرى خيرة بنت أبي حدرد). رواه ابن عساكر.
    فأما أمّ الدرداء الكبرى فصحابية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأنجب منها أبو الدرداء: ابنته الدرداء، وابنيه: بلالاً، ويزيد.
    - قال أبو القاسم ابن عساكر: (أم الدرداء الكبرى توفيت في حياة أبي الدرداء).
    وابنته الدرداء تزوجها صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، وكان قد خطبها يزيد بن معاوية فردّه أبو الدرداء، وأنكحها صفوان.
    - قال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا ثابت البناني قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته فردَّه فقال رجلٌ من جلساء يزيد: أصلحك الله تأذن لي أن أتزوجها؟ قال: اعزب ويلك.
    قال: تأذن لي أصلحك الله؟
    قال: نعم، فخطبها فأنكحها أبو الدرداء الرجلَ.
    قال: فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردَّه، وخطب إليه رجلٌ من ضعفاء المسلمين فأنكحه.
    قال: فقال أبو الدرداء: (إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت إلى بيوت يلتمع فيها بصرها؟! أين دينها منها يومئذ؟!). رواه أحمد في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية.
    وبلال بن أبي الدرداء كان قاضياً على دمشق في زمن يزيد بن معاوية وبقي على القضاء حتى زمن عبد الملك بن مروان.

    وأمّا أمّ الدرداء الصغرى فهي هجيمة بنت حيي الوصابية(ت: 81هـ)
    والأوصاب بطن من حمير، وكانت فقيهة عالمة زاهدة، ذات حسن وبهاء، وجلالةِ قَدْرٍ، وحُرْمةٍ وافرة.
    روت عن زوجها أبي الدرداء فأكثرت عنه، وروت عن عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
    وروى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، ولقمان بن عامر الوصابي، ورجاء بن حيوة، ومولاها خليد، وصالح بن زيتون، وميمون بن مهران، وغيرهم كثير.
    تزوّجها أبو الدرداء وهي صغيرة، وكانت شديدة المحبة له، ولما مات لم تتزوّج بعده، وقد خطبها معاوية بن أبي سفيان فأبت، وعمّرت حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان.
    - قال أبو الحسن الدارقطني: (أم الدرداء الصغرى هجيمة بنت حيي الأوصابية، هي التي خطبها معاوية بعد وفاة أبي الدرداء فأبت أن تزوجه).
    - وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا الوليد قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة وابن جابر قالا: كانت أم الدرداء يتيمة في حَجر أبي الدرداء، تختلف مع أبي الدرداء في ثوبين تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القرّاء تعلَّم القرآن حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: (الحقي بصفوف النساء). رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وابن عساكر.
    - وقال أحمد بن الفرج، عن بقية بن الوليد أنَّ إبراهيم بن أدهم قال: قال أبو الدرداء لأمّ الدرداء: (إذا غضبتِ أرضيتُك، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إنْ لم تفعلي ذلك؛ فما أسرع ما نفترق). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير عن أم الدرداء أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا؛ فأنكحوك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة.
    قال: (فلا تنكحي بعدي فخطبها معاوية بن أبي سفيان؛ فأخبرتُه بالذي كان فقال: (عليك بالصيام). رواه ابن عساكر.
    - وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر عن أمّ الدرداء أنها قالت: (اللهم إنَّ أبا الدرداء خطبني؛ فتزوجني في الدنيا، اللهمّ فأنا أخطبه إليك؛ فأسألك أن تزوّجنيه في الجنة).
    فقال لها أبو الدرداء: (فإن أردت ذلك؛ فكنتُ أنا الأول فلا تتزوجي بعدي).
    قال: (فمات أبو الدرداء، وكان لها جمالٌ وحُسْن؛ فخطبها معاوية؛ فقالت: (لا والله لا أتزوّج زوجاً في الدنيا حتى أتزوّج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة). رواه ابن عساكر.
    - وقال الوليد بن مسلم: أخبرني ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال: (كانت أم الدرداء فقيهة). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا ابن عياش عن عبد ربّه بن سليمان بن عمر بن زيتون قال: (رأيت أم الدرداء تلبس السواد). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثني ابن جابر قال: (كانوا يجتمعون في بيت أم الدرداء، يقرأ عليهم خليد بن سعد وكان رجلاً قارئاً). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال أبو مسهر الغساني: سمعت عبد الحليم بن محمد بن عبيد الله ابن أخي إسماعيل بن عبيد الله يحدّث عن عمه إسماعيل بن عبيد الله قال: قالت أم الدرداء: يا إسماعيل كيف نام رجلٌ تحت وسادته عشرة آلاف؟
    قال قلت لها: بل كيف ينام إن لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟
    فقالت: (سبحان الله! ما أراك إلا ستبلى بالدنيا).
    قال أبو مسهر: (فابتلي بالدنيا). رواه يعقوب بن سفيان.
    - وقال أبو الوليد رديح بن عطية القرشي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أم الدرداء أن رجلاً أتاها فقال لها: إنه قد نالَ منك رجلٌ عند عبد الملك.
    قالت: (إن نُؤبن بما فينا؛ فطال ما زُكِّينا بما ليس فينا). رواه ابن عساكر.
    - قال أبو عبد الله الذهبي: (كانت لأمّ الدرداء حُرْمة وجلالة عجيبة).
    - وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثني أبي عن جدي قال: (كان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلى أمّ الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق وهو خليفة؛ فجلس إليها مرّةً من المرار؛ فقالت له: يا أمير المؤمنين بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة والنسك! قال: إي والله يا أمَّ الدرداء، والدماء قد شربتها). رواه ابن عساكر.


    بعض أخباره
    - قال الأعمش: سمعت سالماً [هو ابن أبي الجعد] قال: سمعت أم الدرداء، تقول: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: «والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعا». رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في المسند والزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وسالم هو ابن أبي الجعد الأشجعي.
    - وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: حدثتني أم الدرداء أنَّ أبا الدرداء كان يجيء بعد ما يصبح فيقول: (أعندكم غداء؟) فإن لم يجد قال: (فأنا إذا صائم). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وعلقه البخاري في صحيحه.
    - وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا أبو غالب، عن أم الدرداء، قالت: قدم علينا سلمان؛ فقال: أين أخي؟
    قلت: في المسجد.
    فأتاه؛ فلما رآه اعتنقه). رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار.
    - وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثتني أمُّ الدرداء أنَّ أبا الدرداء أتى باب معاوية، فاستأذن فلم يؤذن له، فرجع إلى جلسائه، ثم عاد فلم يؤذن له، فقال: «من يغش سُدّة السلطان يقم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد إلى جانبه باباً فيحاً رحباً، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي». رواه ابن المبارك في الزهد.
    - وقال سليمان بن حرب: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: ذُكرتِ الأوجاعُ عند أبي الدرداء؛ فقال رجل: ما اشتكيتُ شيئاً قط.
    قال: فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني، إنَّ ذنوبك لحمة عليك كما هي، ما حطّ عنك منها شيء). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي الزيات القشيري قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده؛ فدخل علينا أعرابي؛ فقال: ما لأميركم؟! وأبو الدرداء يومئذ أمير.
    قلنا: هو شاكٍ.
    قال: والله ما اشتكيت قط!
    أو قال: ما صدعت قط.
    فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني ليمت بخطاياه، ما أحبّ أنَّ لي بكل وصبٍ وُصِبْتُه حمر النعم، وإنَّ وَصَبَ المؤمن يكفر خطاياه). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو الزيات لم أعرفه.
    - وقال جعفر بن برقان الكلابي، عن ميمون بن أبي جرير، عن ميمون بن مهران قال: حدثتني أم الدرداء، قالت: (لقد رأيت أبا الدرداء ينفخ النار تحت قدرنا هذه حتى تسيل دموع عينيه). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال.
    - وقال أبو هلال الراسبي، عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي؟
    قال: (أشتكي ذنوبي).
    قالوا: فما تشتهي؟
    قال: (أشتهي الجنة).
    قالوا: ألا ندعو لك طبيبا؟
    قال: (هو الذي أضجعني). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين".


    ثناء الصحابة والتابعين عليه
    - قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
    قال: أجلسوني.
    فقال: (إنَّ العلمَ والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة "). رواه أحمد، والترمذي، وأبو زرعة الدمشقي، والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثنا عبد الله بن لهيعة قال: حدثني الحارث بن يزيد قال: سمعت علي بن رباح يقول: حدثني ناشرة بن سميّ اليزني قال: كنت أتبع معاذ بن جبل أتعلم منه القرآن، وآخذ منه، فلما كنت بالمدينة وصليت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأت القرآن، فمر بي رجل فضرب كتفي قال لي: (ليس كما تقرأ).
    فلما فرغت أتيت معاذاً فأخبرته بقول الرجل؛ فقال معاذ بن جبل: أتعرفه؟
    قلت: نعم، وأريته إياه.
    فانطلق إليه معاذ فقال: أخبرني هذا أنك رددت عليه ما قرأ.
    قال: (نعم - وهو أبيّ بن كعب- نعم، يا معاذ! بعثك نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ فأُنزل بعدك قرآن، ونُسخ بعدك قرآن، فأتني بأصحابك يعرضون عليَّ القرآن).
    فقال معاذ: يا ناشرة إنَّ أعلمَ الناس بفاتحة آية وخاتمتها أبيّ بن كعب، وإنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء، وإنَّ أعلمَ الناس بفريضة وأقسَمهم لها عمر بن الخطاب). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
    - وقال عبد الرحمن بن سابط الجمحي: سمعت عمرو بن ميمون قال: قال لي معاذ بن جبل: (التمس العلم عند عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام - فإنه عاشر عشرة في الجنة - وسلمان الخير، وعويمر أبي الدرداء).
    قال: (فلحقت بعبد الله بن مسعود). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال عبد الله [بن مسعود]: (علماءُ الأرض ثلاثة: فرجلٌ بالشام، ورجلٌ بالمدينة، ورجل بالكوفة؛ فأما هذان فيسألان الذي المدينة، والذي بالمدينة لا يسألهم عن شيء). رواه ابن عساكر.
    - وقال إبراهيم بن الحكم: حدثنا أبي، عن السدي، عن مرّة بن شراحيل قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: (علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه، والذي بالشام والعراق يحتاجان إلى الذي بالمدينة يعني عليَّ بن أبي طالب، ولا يحتاج إلى واحد منهما). رواه ابن عساكر.
    - وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان [ الثوري]، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان قال: كان عبد الله بن عمرو يقول: حدثونا عن العاقِلَين.
    فيقال له: من العاقلان؟
    فيقول: (معاذ بن جبل، وأبو الدرداء). رواه ابن سعد، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن عساكر.
    - وقال سفيان بن عيينة، عن ابن أبي حسين قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: سمعت يزيد بن معاوية يقول: (كان أبو الدرداء من الفقهاء العلماء الذين يشفون من الداء). رواه ابن عساكر.
    - وقال عبيد الله بن موسى الكوفي: أخبرنا جعفر بن زياد عن منصور عن مسروق قال: (انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالمُ الشام وعالمُ العراق عالمَ المدينة ولم يسألهم). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم، عن مسروق قال: (شامَمْتُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
    ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله)
    . رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال عبد الله بن إدريس الأودي: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي قال: (انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
    - وقال مسعر بن كدام، عن القاسم بن عبد الرحمن [الشامي]، قال: «كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم». رواه سعيد بن منصور في سننه، وأحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
    - وقال أبو مسهر الغساني: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس).
    قال: (ثم كان بعد هذين سعيد بن المسيب). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)

    مرض موته
    مات أبو الدرداء رضي الله عنه بعد مرض أصابه في آخر حياته.
    - قال ميمون بن موسى المَرَائي التميمي: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: صحبت أبا الدرداء أتعلّم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه.
    قال: فقلت: قد آذنتُ الناس بموتك، وقد مُلئ الدار، وما سواه.
    قال: أخرجوني فأخرجناه.
    قال: أجلسوني.
    قال: فأجلسناه.
    قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمّهما أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً».
    قال أبو الدرداء: «يا أيها الناس! إياكم والالتفات؛ فإنّه لا صلاة لملتفت؛ فإن غُلبتم في التطوّع، فلا تُغلبنّ في الفريضة». رواه أحمد في المسند.
    - وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: قال أبو الدرداء في مرضه الذي مات فيه: (ألا احملوني).
    قال: فحملوه.
    قال: (ألا أخرجوني).
    قال: فأخرجوه.
    قال: (حافظوا على هاتين الصلاتين - يعني صلاة العشاء، والصبح -، ألا اسمعوا وبلغوا من خلفكم: لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أخبرني إسماعيل بن عبيد الله، قال: حدثتني أم الدرداء أنه أغمي على أبي الدرداء، فأفاق فإذا بلال ابنه عنده، فقال: «قم فاخرج عني».
    ثم قال: (من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أتيتم).
    ثم أغمي عليه، فلبث لبثاً ثم يفيق؛ فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني قال: مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، وكثر العوّاد في منزله؛ فأخرجوه إلى كنيسة النصارى؛ فجعل الناس يعودونه أرسالاً. فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه؛ فتخطّى الناس حتى جلس عند رأسه.
    فقال أبو إدريس: الله أكبر، الله أكبر؛ فجعل يكثر؛ فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: (إن الله عز وجل إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به).
    ثم قال: (ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه!)
    ثم قضى). رواه ابن زبر الربعي في وصايا العلماء عند الموت.


    تاريخ وفاته
    كان موته بعد موت ابن مسعود رضي الله عنهما، لكن اختلف في سنة وفاته على أقوال:
    - فقال يحيى بن بكير، وابن سعد، وأبو مسهر الغساني، وخليفة بن خياط، ويعقوب بن شيبة، وأبو عبيد، وأبو حفص الفلاس، وابن نمير، وابن زبر الرَّبَعي: مات سنة 32ه.
    - وقال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: مات قبل مقتل عثمان بسنتين، أي سنة 33هـ.
    - وقال المفضل بن غسان، وخالد بن معدان: مات سنة 31هـ.
    - وقال عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي دحيم: حدثنا سويد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: (مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مغيث بن سمي (أنَّ أبا الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري وهو من بلحارث بن الخزرج مات بعد موت ابن مسعود في آخر خلافة عثمان قبل أن يقتل بقليل). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال: أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: (مات أبو الدرداء وكعب الأحبار في خلافة عثمان). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال أبو زرعة الدمشقي: (رأيت أهل العلم ببلدنا يذكرون: أن بمقبرة دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلال بن رباح مولى أبي بكر، وسهل بن الحنظلية، وأبو الدرداء).


    ما رؤي فيه بعد موته
    - قال الليث بن سعد: حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير الحضرمي، حدثنا عوف بن مالك الأشجعي قال: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبة من أدم، حولها غنم ربّض تجتر وتبعر العجوة؛ فقلت: لمن هذه؟
    فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة.
    قال: يا عوف بن مالك! هذا ما أعطى الله سبحانه بالقرآن؛ فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لا ترى عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عزّ وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)


    مواعظه ووصاياه
    كان أبو الدرداء رضي الله عنه من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا الجليلة، وقد تقدّم ما روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (وإنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء).
    والمواعظ والوصايا المروية عن أبي الدرداء رضي الله عنه كثيرة جداً، وقد انتخبت منها هذه الآثار الحسان:
    1: قال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير بمصر: «أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حبَّبَه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بغَّضه إلى خلقه». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ووكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    2: وقال معمر بن راشد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: «سلام عليك، أما بعد، فإنَّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده، وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغضه إلى عباده». رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
    3: وقال الفُضيل بن عياض، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله وإذا أحبه الله حببه إلى عباده). رواه ابن عساكر.
    4: وقال موسى بن داود الضبّي: حدثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة قال: قال يزيد بن معاوية: قال أبو الدرداء - وكان من العلماء- : (تأملون وتجمعون؛ فلا ما تأملون تدركون، ولا ما تجمعون تأكلون). رواه ابن عساكر.
    5: وقال موسى بن داود الضبّي: حدثنا نافع بن عمر الجمحي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال يزيد بن معاوية: قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: (يا أهل دمشق! اسمعوا قولَ أخٍ لكم ناصح، ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمّلون ما لا تدركون، إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأمّلوا بعيداً؛ فأصبح ما جمعوا بورا، وما أمّلوا غرورا، وأصبحت مساكنهم قبوراً). رواه ابن عساكر.
    وروى محمد بن العجلان، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبي الدرداء نحوه، وزاد: (ألا إنَّ عاداً ملأت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا؛ فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟!). رواه أبو داوود في الزهد.
    وروى ابن أبي الدنيا نحوه في كتاب "قصر الأمل" من طريق عمار بن محمد الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء.
    ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش بنحوه.

    6: وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي: حدثنا فضيل بن عياض، عن سليمان [الأعمش]، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن [بن أبي ليلى]، قال: قال حبيب بن مسلمة لأبي الدرداء: أوصني.
    فقال: (عليك بكتاب الله). ثلاث مرات.
    فلما ولى دعاه قال: (اعبد الله كأنك تراه، واعدد لنفسك قبرا، واحذر دعوة المظلوم). رواه أبو داوود في الزهد.
    7: وقال زيد بن واقد، عن زيد بن عبيد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: (لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه أبداً، ولبرزتم إلى الصُّعُدات تلزمون صدوركم وتبكون على أنفسكم).
    ثم قال: (لوددت أني شجرة أعضد في كل عام، وأؤكل). رواه أبو داوود في الزهد.
    8: وقال عبثر بن القاسم الزبيدي، عن برد بن سنان، عن حزام بن حكيم، قال: قال أبو الدرداء: « لو تعلمون ما أنتم راؤون بعد الموت لما أكلتم طعاماً على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة، ولا دخلتم بيتاً تسكنون فيه، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد، ثم تؤكل». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين، وأبو نعيم في الحلية.
    9: وقال الربيع بن نافع الحلبي: حدثنا علي بن حوشب[الفزاري]، عن أبيه، أنه سمع أبا الدرداء على المنبر يخطب الناس وهو يقول: (إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر!
    فأقول: لبيك رب لبيك.
    فيقول: أما علمت؟
    فأقول: نعم.
    فيقال: كيف عملت فيما علمت؟
    فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة تسألني فريضتها، فتشهد عليَّ الآمرةُ بأني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته أو أترك؛ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عمل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع، وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب). رواه أبو داود في الزهد.
    10: وقال عبيد الله بن موسى الكوفي: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء قال: (اعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى، وإياك ودعوات المظلوم فإنهنَّ يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    11: وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء، قال: «إني لآمركم بالأمر، وما أفعله، ولكني أرجو فيه الأجر، وإنَّ أبغض الناس إليَّ أن أظلمه الذي لا يستعين عليَّ إلا بالله». رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور به ولفظه: (إنَّ أبغضَ الناسِ إليَّ أن أظلمه من لا يستغيث عليَّ إلا الله عز وجل).
    12: وقال أبو المُعلَّى صخر بن جندلة البيروتي: حدثني يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يحلف: « وايم الله - ما سمعته يحلف قبلها - ما عمل آدمي عملاً خيراً من مشي إلى صلاة، ومن خلق جائز، ومن صلاح ذات البين». رواه ابن المبارك في الزهد.
    13: وقال عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء بابنه، فقال: يا أبا الدرداء! إنَّ ابني هذا قد جمع القرآن.
    فقال: «اللهم غفراً، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع».رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
    14: وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني أبو عبيد الله، عن أبي الدرداء قال: «لا يزال نفس أحدكم شابة في حبّ الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    15: وقال أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (حبُّك الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ). رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد في مصنفه، وأبو داوود في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط، وغيرهم.
    16: وقال ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن حميد بن مسلم، قال: سمعت بلال بن أبي الدرداء، يقول: قال أبو الدرداء: (حبك للشيء يعمي ويصم). رواه أبو داوود في الزهد.
    17: وقال يزيد بن هارون: حدثنا حريز بن عثمان، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه قال: (حبك الشيء يعمي ويصم). رواه ابن العرابي في معجمه، والبيهقي في شعب الإيمان.
    18: وقال مسعر بن كدام: حدثني عون بن عبد الله قال: قال أبو الدرداء: «من يتفقَّد يَفْقِد، ومن لا يُعِدَّ الصبر لفواجع الأمور يعجز». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
    19: وقال زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش، عن أبي بحرية عبد الله بن قيس السَّكوني، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم)).
    قالوا: وذلك ما هو يا رسول الله؟
    قال: ((ذكر الله عز وجل)). رواه أحمد في المسند، ورواه مالك في الموطأ من طريق زياد عن أبي الدرداء موقوفاً، ورواه ابن أبي شيبة من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء موقوفاً.
    20: وقال موسى بن عقبة: حدثني بلال بن سعد التيمي، عن أبيه أنَّ أبا الدرداء رضي الله عنه ذكر الدنيا فقال: (إنها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله عز وجل، أو ما ابتغي به وجهه تعالى). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد.
    21: وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (من لم ير أنَّ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب؛ فقد قلَّ فقهه وحضر عذابه). رواه ابن عساكر.
    22: وقال إسماعيل بن عياش الحمصي: حدثنا شرحبيل بن مسلم، عن أبي مسلم الخولاني، عن أبي الدرداء، أنه قال: «بئس العون على الدين قلب نَخيب، وبطن رغيب، ونعظ شديد». رواه أبو بكر الخرائطي في اعتلال القلوب، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل ولم يذكر أبا مسلم الخولاني، والقلب النخيب هو الضعيف الجبان، والنعظ شهوة الجماع.
    23: وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه، إذ مرّ بهم قسٌّ فأعجبهم سِمَنُه؛ فقالوا: اللهمَّ العنه، ما أعظمه!! وما أسمنه!!
    فكشف الثوب عن وجهه؛ فقال: من ذا الذي لعنتم آنفا؟
    فقالوا: قِسّا مرَّ بنا.
    فقال: (لا تلعنوا أحداً؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً). رواه ابن المبارك في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "ذم اللعانين"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    24: وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (لولا ثلاث صلح الناس: شحٌّ مطاع، وهوى متبّع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه). رواه أحمد في الزهد.
    25: وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا معاوية، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير فيما سواهما). رواه أحمد في الزهد.
    26: وقال إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي الدرداء قال: (معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله، أعطِ أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحا فيكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قِبَله، كيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله؟). رواه ابن عساكر.
    ورواه أبو داوود في الزهد من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي الدرداء.
    - قال أبو داود: (بلغني عن الأصمعي: "من لك بأخيك كله": يراد لا بدَّ أن يكون فيه نقص ما تستنكر، وقال أبو قلابة: "أعياني أن أجد منكم رجلا كاملاً").
    27: وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي: سمعت إسماعيل بن عبيد الله، يقول: سمعت أم الدرداء، تقول: سمعت أبا الدرداء، يقول: (لو أنَّ رجلاً هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    28: وقال إسماعيل بن عياش الحمصي، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء أنه كان يقول: (من يتبع نفسه ما يرى في الناس يطول حزنه ولا يشفي غيظه). رواه أبو داوود في الزهد.
    29: وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، أنه كان يقول: (من لم يرَ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب، فقد قلَّ فهمه، وحضر عذابه). رواه أبو داوود في الزهد.
    30: وقال معن بن عيسى القزاز، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: (لولا ثلاث لصلح الناس، لولا هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب كل ذي رأى برأيه). رواه أبو داوود في الزهد.
    31: وقال ابن وهب: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله، أو آوى إلى ذكر الله). رواه أبو داوود في الزهد.
    32: وقال معاوية بن صالح الحضرمي: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: «إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون». رواه ابن أبي شيبة.
    33: وقال الهيثم بن خارجة: حدثنا سليمان بن عتبة، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيراً). رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.
    ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه عن الهيثم بن خارجة به موقوفاً على أبي الدرداء.
    ورواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق عن سليمان بن عتبة عن يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء موقوفاً.
    وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده نحوه موقوفاً من طريق محمد بن حرب، عن أبي سلمة سليمان بن سليم الكناني عن يحيى بن جابر القاضي عن أبي الدرداء، في قصة ذكرها، وهو منقطع.

    34: وقال يوسف بن بحر التميمي قاضي حمص: حدثنا محمد بن سعيد بن سابق، عن مروان بن جناح أنه حدثه، عن ميسرة بن حلبس، أن أبا الدرداء، قال: (تعلموا العلم قبل أن يفتقر إليكم، فإن أعبد الناس رجل عالم، إن احتيج إليه نفع بعلمه، وإن استغني عنه نفع نفسه بالعلم الذي جعله الله عنده، فما مال علمائكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ فلو أن العالم أراد أن يزداد علماً لازداد وما نقص العلم شيئاً، ولو أراد الجاهل أن يتعلم لوجد العلم). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    وروح بن جناح هو أبو سعد المدني متكلّم فيه، وميسرة بن حلبس لا أعلم له رواية، وإنما المعروف بالرواية ابناه: يونس، ويزيد، وهما لم يدركا أبا الدرداء.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)





    مراسيل المواعظ المروية عنه
    لأبي الدرداء رضي الله عنه مواعظ جليلة، ووصايا قيّمة، وحكم بديعة، وأقوال سائرة، لكن أكثر ما يُروى عنه مراسيل، كمراسيل سالم بن أبي الجعد الأشجعي، وعبد الله بن مرة الهمداني، وخالد بن معدان الكلاعي، وأبي قلابة الجرمي، والحسن البصري، ورجاء بن حيوة الكندي، وشريح بن عبيد الحضرمي، وراشد بن سعد الحبراني، ومعاوية بن قرّة المزني، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ولقمان بن عامر الوصابي، وبلال بن سعد السكوني، وميمون بن مهران الجزري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، وربيعة بن يزيد القصير، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وأبو حبيب الحارث بن مخمر الظهراني، وأبو الزاهرية حدير بن كريب الحضرمي، وضمرة بن حبيب الزُّبَيدي، وموسى بن عقبة المدني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم كثير.
    وهؤلاء عامتهم من الأئمة الكبار، ويروون عن أبي الدرداء بواسطة أمّ الدرداء، أو بلال بن أبي الدرداء، أو إسماعيل بن عبيد الله مولى أبي الدرداء، ومنهم من يروي عن غيرهم؛ فإذا كان الإسناد إليهم صحيحاً، والمتن ليس فيه نكارة؛ فالحكمة ضالّة المؤمن، وربّ كلمة لو قالها رجل من أفناد الناس لكانت حكمة بليغة، ومثلاً سائراً؛ فما يكون من رواية هؤلاء الأئمة عن أبي الدرداء أولى بالاعتبار والحفظ، وإن كان لا يحتجّ بها في الأحكام لانقطاع إسنادها، لكن يستفاد منها في الوعظ والتذكير، والتنبيه على ما قد يُغفل عنه؛ ولذلك رأيت من التفريط تركها؛ فانتخبت منها مراسيل جياد، ورتّبتها على ترتيب رواتها.

    مراسيل سالم بن أبي الجعد الأشجعي(ت:98هـ تقريباً )
    - قال مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء قال: «تعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن ذهاب العلم ذهاب العالم، وإن العالم والمتعلم في الأجر سواء». رواه وكيع في الزهد.
    - وقال الفضيل بن عياض، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهّالكم لا يتعلمون، تعلّموا فإنَّ العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس، ما لي أراكم تحرصون على ما كُفل لكم به، وتَباطَؤون عما أمرتم به). رواه ابن عساكر.
    - وقال النضر بن شميل: أنبأنا شعبة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، ما لي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم، وتدعون ما أمرتم به، تعلموا قبل أن يرفع العلم، ورفع العلم ذهاب العلماء؛ فأنا أعلم بشراركم من البيطار بالفرس، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يقرءون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محررهم). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال حصين بن عبد الرحمن الأسدي، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء أنه قال: «مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، تعلّموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء، مالي أراكم تحرصون على ما قد تُكُفّل لكم به، وتضيعون ما وكلتم به، لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبراً، ولا يسمعون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محررهم». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    - وقال محمد بن فضيل، عن [حصين] بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: (يا أهل حمص! مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفّل لكم به، وضيعتم ما وكلتم به؟
    اعلموا قبل أن يرفع العلم، فإنَّ رفع العلم ذهاب العلماء، لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
    من يكثر قرع الباب يفتح له، ومن يكثر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند الكرب، ومن رزق قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنةً، فنعم الخيرات له، لم يترك من الخيرات شيئاً). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال محمد بن فضيل الضبّي: حدثنا أبو نصر [الضبي]، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء قال: (من يكثر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أراكم تجتهدون فيما قد توكل لكم به وتبطؤون عما أمرتم به). رواه ابن عساكر.
    - وقال منصور بن المعتمر السلمي، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي قال: صعد رجل إلى أبي الدرداء وهو جالس فوق بيت يلتقط حباً، قال: فكأن الرجل استحيا منه فرجع، فقال أبو الدرداء: «تعال! فإنَّ من فقهك رفقك في معيشتك». رواه وكيع في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال"، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

    مراسيل عبد الله بن مرة الهمداني(ت:100هـ)
    - قال الأعمش، عن عبد الله بن مرّة قال: قال أبو الدرداء: (اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدّوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أنَّ قليلاً يكفيكم خير من كثير يلهيكم، واعلموا أنَّ البرَّ لا يَبْلى، وأنَّ الإثم لا يُنسى). رواه وكيع في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    ورواه أبو داوود في الزهد من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن عبد الله بن مرة الهمداني به.


    مراسيل عبد الله بن جُليد الحجري(ت:100هـ)
    - قال سعيد بن أبي أيوب: حدثني عبد الله بن الوليد [التجيبي]، عن عباس بن جُليد الحجري عن أبي الدرداء قال: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً، يكون حاجزاً بينه وبين الحرام، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه قال الله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فلا تحقرنّ شيئا من الشر أن تتقيه، ولا شيئا من الخير أن تفعله). رواه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الزهد الكبير دون قوله: (فإن الله قد بيّن للعباد ... إلخ).
    ورواه ابن بشران في أماليه، وأبو نعيم في الحلية و وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به
    ، وزاد في أوّله: «لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا».
    فقلت: وما هن؟
    فقال: «لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة».
    فإن صحّت هذه الزيادة فيكون حديث عبد الله بن جليد عن أبي الدرداء متصلاً غير مرسل على أنّ بين وفاتيهما نحو 68 سنة.

    مراسيل خالد بن معدان الكلاعي(ت:103هـ)
    - قال ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء رحمه الله قال: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أدى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم). رواه ابن المبارك في الزهد، وأحمد في الزهد، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الدنيا"، والبيهقي في شعب الإيمان.

    مراسيل أبي قلابة الجرمي (ت: 104هـ)
    - قال النضر بن معبد، عن أبي قلابة الجرمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري في تفسيره.
    - وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة الجرمي أنَّ رجلاً قال لأبي الدرداء: إن إخوانك من أهل الكوفة، من أهل الذكر، يقرئونك السلام. فقال: «وعليهم السلام، ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة، ويجنّبهم الجور والحزونة». رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، وابن أبي شيبة في مصنفه، والدارمي في سننه، ورواه عبد الرزاق من طريق معمر عن أيوب به.
    - وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: (البرّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديّان لا ينام، فكن كما شئت، كما تدين تدان). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم تقبل على نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس). رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
    وروى نحوه ابن أبي الدنيا في كتاب "محاسبة النفس" من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب السختياني به.
    - وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء رحمه الله قال: (ادع الله يوم سرائك لعله يستجيب لك يوم ضرائك). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال أبو الدرداء: (ادع الله في يوم سرائك لعله يستجيب لك في يوم ضرائك). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال أبو الدرداء: «إن من فقه المرء ممشاه ومدخله ومجلسه».
    ثم قال أبو قلابة: " قاتل الله الشاعر: لا تسأل عن المرء وانظر قرينه). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان.
    قلت: البيت لعديّ بن زيد، وروايته المشهورة:


    عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي.
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، أنه قال: مُرَّ على أبي الدرداء برجل يقاد في حدٍّ أصابه قال: فنال القوم منه.
    فقال: (لا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم).
    قال: (أرأيتم لو رأيتموه في قليب أكنتم مستخرجيه؟)
    قالوا: نعم.
    قال: (فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله على الذي عافاكم).
    فقيل: له أتبغضه؟
    فقال: (إني لا أبغضه، ولكن أبغض عمله، فإذا تركه كان أخي).
    رواه أبو داوود في الزهد، ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب بنحوه.
    - وقال معمر، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء، قال: «إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة، وحتى تمقت الناس في جنب الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس». رواه معمر في جامعه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    ورواه أحمد في الزهد من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب به.
    ورواه أبو داوود في الزهد من طريق وهيب بن خالد عن أيوب به.
    ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق روح بن عبادة عن حماد بن زيد عن أيوب به.


    مراسيل الحسن بن أبي الحسن البصري(ت:110هـ)
    - وقال أبو النضر هاشم بن القاسم الكناني: حدثنا المبارك [بن فضالة]، عن الحسن [البصري] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (لئن شئتم لأقسمنَّ لكم: إنَّ أحبَّ عباد الله إلى الله الذين يحبّون الله، ويحبّبون الله إلى خلقه، ولئن شئتم لأقسمن لكم إن أحبّ عباد الله إلى الله رعاة الشمس والقمر يمشون في الأرض نصحاء). رواه وكيع في الزهد، وأحمد في الزهد.
    ورعاة الشمس والقمر هم الذين يتعاهدون النظر إليهما لأداء الصلوات وقيام الليل، ودخول شهر رمضان.

    - وقال أبو عمر الحوضي: حدثنا يزيد [بن إبراهيم التستري]، قال: سمعت الحسن يقول: قال أبو الدرداء: «ابن آدم! اعمل كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واتق دعوة المظلوم». رواه أبو حاتم الرازي في الزهد.
    - قال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو الأشهب [جعفر بن حيان العطاردي] عن الحسن [البصري]، عن أبي الدرداء قال: (إنما أخشى عليكم زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حقٌّ، وعلى القرآن منار كمنار الطريق، ومن لم يكن غنياً من الدنيا فلا دنيا له). رواه أحمد في الزهد، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    - وقال سيار بن حاتم العنزي: حدثنا جعفر [بن سليمان الضبعي]، حدثنا يونس، عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: (لولا ثلاث لأحببت أن أكون في بطن الأرض لا على ظهرها، لولا إخوان لي يأتوني ينتقون طيّب الكلام كما ينتقى طيّب التمر، أو أعفّر وجهي ساجداً لله عز وجل، أو غدوة أو روحة في سبيل الله عز وجل).رواه أحمد في الزهد.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن أبي الأشهب العطاردي عن الحسن البصري قال: قال أبو الدرداء: (من يتبع نفسه كل ما يرى في الناس يطلْ حزنه ولا يشفَ غيظه). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
    ورواه أحمد في الزهد من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي الأشهب به، ورواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" من طريق عبد الله بن المبارك، عن أبي الأشهب به.
    - وقال روح بن حاتم البزاز: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: قال أبو الدرداء: «لا تتبع بصرك كلَّ ما ترى في الناس، فإنه من يتبع بصره كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولا يشف غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه أو في مشربه فقد قل عمله وحضر عذابه، ومن لم يكن غنيا في [لعلّها: عن] الدنيا فلا دنيا له». رواه ابن أبي الدنيا في مداراة الناس.
    - وقال إسماعيل بن إبراهيم[ابن علية]، عن موسى، عن الحسن [البصري]قال: قال أبو الدرداء: (يا بني! لا تتبع بصرك كلما ترى في الناس فإنه من يتبع بصره كلما يرى في الناس يطل تحزنه، ولا يشف غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله إلا في مطعمه أو مشربه فقد قلَّ علمه وحضر عذابه، ومن لا يكن غنياً من الدنيا فلا دنيا له). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال أبو معاوية الضرير، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي الدرداء قال: «من تبع نفسه كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولا يشف غيظه، ومن لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعم أو مشرب قلّ عمله وحضر عذابه». رواه هناد بن السري.
    - وقال سالم بن نوح البصري: حدثنا يونس، عن الحسن، قال: قال أبو الدرداء لابنه: (يا بني! لا تتبع بصرك كلَّ ما ترى في الناس، فإنَّ كلَّ من تبع بصره كلَّ ما يرى في الناس يطول حزنه، ولا يشفي غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قصر عمله، وحضر عذابه). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا يزيد بن إبراهيم [التستري] عن الحسن [البصري] قال: قال أبو الدرداء: (من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قلَّ علمه وحضر عذابه). رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو حاتم الرازي في كتاب الزهد من طريق أبي عمر الحوضي عن يزيد به.
    - وقال سفيان بن وكيع: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن قال: قيل لأبي الدرداء: إنَّ أصحابك بالأمصار قد قالوا شعراً؛ فهل قلت أنت شعراً؟
    قال: نعم.
    قالوا: ما هو؟
    قال: قلت:


    يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
    يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا).

    رواه ابن عساكر.


    مراسيل رجاء بن حيوة الكندي(ت:112هـ).
    - قال عبيد الله بن عمرو الرَّقّي، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء قال: (إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتوقّ الشر يُوقَه، وثلاثة لا ينالون الدرجات العلى: من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفر من طيرة). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وفي المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    ورواه أبو خيثمة في كتاب العلم من طريق جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك به موقوفاً.
    ورواه الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن الحسن بن يزيد الهمداني سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً، لكن ابن الحسن متروك الحديث.
    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)




    مراسيل شريح بن عبيد الحضرمي(ت:112هـ تقريباً )
    - قال أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني: حدثنا صفوان [بن عمرو السكسكي]، عن شريح بن عبيد [الحضرمي] أن أبا الدرداء، قال: (كم من نعمة لله في عرقٍ ساكن). رواه أبو داوود في الزهد.

    مراسيل راشد بن سعد الحبراني(ت:113هـ)
    محدّث حمص في زمانه.
    - قال يزيد بن هارون: أنبأنا حريز بن عثمان الرحبي، حدثنا راشد بن سعد [الحَبراني] قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء؛ فقال: أوصني.
    قال: (اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشْرَفَت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير إليه). رواه أبو داوود في الزهد، وابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

    مراسيل معاوية بن قرّة بن إياس المزني(ت:113هـ)
    - قال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا شجاع [صاحب السابري] قال: سمعت معاوية بن قرة، يقول: قال أبو الدرداء: (اطلبوا العلم فإن لم تطلبوه فأحبّوا أهله، فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن خالد بن دينار، قال: سمعت معاوية بن قرة، قال: قال أبو الدرداء: «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك، وأن تنادي الناس في عبادة الله؛ فإذا أحسنت حمدت الله، وإذا أسأت استغفرت الله». رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الحلم.

    مراسيل عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي(ت: 115هـ تقريباً)
    - قال محمد بن بشر العبدي، عن مسعر بن كدام، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: قال أبو الدرداء: (إنْ قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك).
    قال: فما تأمرني؟
    قال: (أقرض من عرضك ليوم فقرك). رواه أبو داوود في الزهد.

    مراسيل لقمان بن عامر الوصابي (ت:115هـ تقريباً )
    وهو من قرابة أمّ الدرداء الصغرى.
    - قال سعيد بن منصور: حدثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (يا رُبَّ مكرمٍ لنفسه وهو لها مهين، ويا رُبَّ شهوة ساعة قد أورثت صاحبها حزناً طويلاً). رواه ابن عساكر.
    - وقال إسماعيل بن عياش: أخبرني عقيل بن مدرك، عن لقمان بن عامر أنَّ أبا الدرداء قال: (أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضولٌ أموالٍ ينظرون إليها وننظر إليها معهم، عليهم حسابها ونحن منها برآء). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال الحكم بن موسى البغدادي: حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان قال: كان أبو الدرداء يقول: (إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق، فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

    مراسيل بلال بن سعد بن تميم السكوني(ت:115هـ تقريباً)
    - قال أبو مسهر الغساني: (بلال بن سعد بالشام مثل الحسن بالعراق، وكان أبوه سعد بن تميم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قارئ الشام، وكان جهير الصوت). رواه ابن أبي حاتم.
    - وقال عبد الله بن المبارك: (كان محلّ بلال بن سعد بالشام ومصر كمحلّ الحسن بن أبي الحسن بالبصرة). رواه ابن عساكر.
    - قال الوليد بن مسلم: قال الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: سمعت بلال بن سعد، يقول: قال أبو الدرداء: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى فرعون منها شربة ماء». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في الزهد.
    - قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز، عن بلال بن سعد أنّ أبا الدرداء قال: كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: «تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً»رواه ابن المبارك في الزهد، وابن بطة في الإبانة.

    مراسيل أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي الأعور(ت:116هـ)
    - قال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبي عون الأعور، عن أبي الدرداء قال: «ما أصبحت من ليلة لم يرمني الناس فيه بداهية إلا رأيت أنَّ عليَّ فيها من الله نعمة». رواه هناد بن السري في كتاب الزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في معرفة السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

    مراسيل ميمون بن مهران الجزري(ت:117هـ)
    - قال جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: قال أبو الدرداء: (ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ثم لا يعمل سبع مرات). رواه وكيع في الزهد، ومن طريقه أحمد في الزهد.

    مراسيل حميد بن هلال بن هبيرة العدوي البصري(ت:117هـ تقريباً)
    - قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: قال أبو الدرداء: (إن أخوف ما أخاف إذا لقيت ربي تبارك وتعالى أن يقول لي: قد علمت فماذا عملت فيما علمت).رواه أحمد في الزهد.

    مراسيل قتادة بن دعامة السدوسي(ت:117هـ)
    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة أنَّ أبا الدرداء، قال: (من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    وروى نحوه من مرسل ثابت البناني، والحسن البصري عن أبي الدرداء.


    مراسيل عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي(ت:118هـ)
    - قال ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أنا أباه حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير أنَّ رجلاً قال لأبي الدرداء: علمني كلمة ينفعني الله بها.
    قال: (واثنين، وثلاثاً، وأربعاً، وخمساً، من عمل بهن كان ثوابه على الله عز وجل الدرجات العلا: لا تأكل إلا طيباً، ولا تكسب إلا طيباً، ولا تدخل بيتك إلا طيباً، واسأل الله رزقك يوماً بيوم، وإذا أصبحت فاعدد نفسك مع الأموات؛ فكأنك قد لحقت بهم، وَهَبْ عرضك لله فمن سبَّك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله، فإذا أسأت فاستغفر الله). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال عبد الله بن المبارك: أنبأنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، قال: قال أبو الدرداء: « ألا إنَّ أعمالكم تعرض على عشائركم، فمُسَاؤون ومسرّون، فأعوذ بالله أن أعمل عملاً يُخزَى به عبد الله بن رواحة»
    قال: (وهو أخوه من أمّه). رواه أبو داوود في الزهد.

    مراسيل ربيعة بن يزيد القصير الدمشقي (ت:123هـ)
    - قال أبو مسهر الغساني: حدثني عبد الرحمن بن عامر قال: سمعت ربيعة بن يزيد يقول: (ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - قال الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدثنا ربيعة بن يزيد أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (اعمل عملاً صالحاً قبل الغزو؛ فإنما تقاتلون الناس بأعمالكم). رواه أحمد في الزهد.
    ورواه ابن المبارك في الجهاد عن سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني ربيعة بن يزيد أو ابن حلبس أن أبا الدرداء قال: «عمل صالح قبل الغزو، فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم».
    وقال البخاري في صحيحه: (بابٌ عمل صالح قبل القتال، وقال أبو الدرداء: «إنما تقاتلون بأعمالكم»).
    - وقال أبو النضر، عن أبي عقيل، عن عبد الله بن يزيد، عن ربيعة قال: قال: أبو الدرداء: " إن لكل شيء جلاء، وإنَّ جلاء القلوب ذكر الله عزَّ وجل). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

    مراسيل شرحبيل بن مسلم الخولاني(ت:125هـ تقريباً)
    - قال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي الدرداء، قال: (الغنى صحة الجسد). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر إلا أن لفظه: «الصحة غنى الجسد».
    - وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل بن مسلم الخولاني، وعبد الله بن عبيد الكلاعي أنَّ أبا الدرداء كان إذا رأى الجنازة قال: (اغدي فإنا رائحون، وروحي فإنا غادون، موعظة بليغة وغفلة سريعة، كفى بالموت واعظاً، يذهب الأوّل فالأوّل، ويبقى الآخر لا حلم له). رواه أبو داوود في الزهد.

    مراسيل أبي حبيب الحارث بن مخمر القاضي(ت:126هـ)
    - قال عثمان بن سعيد الحمصي: حدثنا حريز بن عثمان، عن أبي حبيب القاضي أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (تعلَّموا الصمت كما تتعلمون الكلام؛ فإنَّ الصمت حكم عظيم، وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك، ولا تكن مِضْحاكاً من غير عَجَب، ولا مَشّاءً إلى غير أَرَب، يعني إلى غير حاجة). رواه ابن عساكر.
    أبو حبيب اسمه الحارث بن مخمر الظهراني، ولي قضاء حمص وقضاء دمشق زمن الوليد بن اليزيد، وروايته عن أبي الدرداء منقطعة.

    مراسيل يحيى بن جابر الطائي(ت:126هـ)
    - وقال إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم الشامي، عن يحيى بن جابر الطائي، أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (ألا ربَّ منعّم لنفسه، وهو لها جدّ مُهِين). رواه أبو الدرداء.
    - وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا سليمان بن سليم [الكناني]، عن يحيى بن جابر، قال: خرج أبو الدرداء في جنازة، فرأى أهل الميّت يبكون عليه، فقال: (مساكين موتى غدٍ يبكون على ميت اليوم). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو حاتم الرازي في كتاب الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب القبور.

    مراسيل أبي حصين عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي(ت:127هـ)
    - قال محمد بن بشر العبدي: حدثنا مسعر، قال: حدثنا أبو حصين قال: قال أبو الدرداء: (إذا جاءك أمرٌ لا كفاءَ لك به فاصبر، وانتظر الفرج من الله عز وجل). رواه أحمد في الزهد.

    مراسيل أبي الزاهرية حدير بن كريب الحضرمي(ت:129هـ)
    - وقال عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الزاهرية حدثه، عن أبي الدرداء قال: ( إني لا أخشى أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر! ماذا عملت فيما جهلت؟ ولكن أخاف أن يقال لي: ماذا عملت فيما علمت). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

    مراسيل ضمرة بن حبيب الزُّبَيدي(ت 130هـ)
    - قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا صفوان بن عمرو، عن ضمرة بن حبيب [الزُّبَيدي] أنَّ أبا الدرداء قال: «إنَّ من فقه المرء إقبالَه على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ». رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وعلّقه البخاري في صحيحه.

    مراسيل سليم بن عامر الكلاعي(ت:130هـ)
    - وقال ثور بن يزيد، عن سليم بن عامر قال: قال أبو الدرداء: ((نعم صومعة المسلم بيته، يكف لسانه وفرجه وبصره، وإياكم والأسواق فإنها تُلغي وتُلهي)). رواه وكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي الدنيا في العزلة والانفراد.

    مراسيل محمد بن سعد الأنصاري (ت:135هـ تقريباً)
    - قال يحيى بن آدم: حدثنا محمد بن خالد الضبي، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي الدرداء قال: (استعيذوا بالله من خشوع النفاق).
    قيل له: وما خشوع النفاق؟
    قال: (أن يرى الجسدُ خاشعاً، والقلب ليس بخاشع). رواه أحمد في الزهد.

    مراسيل عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي(ت:136هـ)
    - قال مالك بن مغول، عن عبد الملك بن عمير قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من أكثر من ذكر الموت قل حسده وقل فرحه» رواه ابن المبارك وابن أبي شيبة.

    مراسيل موسى بن عقبة المدني(ت:141هـ)
    - قال سعيد بن منصور: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن قال: حدثني موسى بن عقبة، قال: كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: (أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

    مراسيل يحيى بن سعيد الأنصاري(ت:143هـ)
    - قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يحيى بن سعيد، قال: قال أبو الدرداء: (أدركت الناس ورقاً لا شوك فيه؛ فأصبحوا شوكاً لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك).
    قالوا: كيف نصنع؟
    قال: (تُقْرِضهم من عرضك ليوم فقرك). رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس"، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ورواه مالك بن أنس في الموطأ عن أبي الدرداء بلاغاً.

    مراسيل فرات بن سليمان الجزري
    - قال جعفر بن برقان الكلابي، عن فرات بن سليمان، عن أبي الدرداء، قال: (إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً، ولن تكون عالماً حتى تكون بما علمت عاملاً). رواه وكيع في الزهد.
    - وقال معمر بن سليمان الرقي: حدثنا فرات بن سليمان أن أبا الدرداء كان يقول: «ويل لكل جمّاعٍ فاغرٍ فاه كأنه مجنون، يرى ما عند الناس ولا يرى ما عنده، لو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظ وعذاب شديد». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين





    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)



    كتابة مواعظ أبي الدرداء رضي الله عنه
    رُوي ما يدلّ على عناية التابعين بمواعظ أبي الدرداء وحكمه وقصصه، وأنّ منهم من كان يكتبها، ولما حمل إلى ابن مسعود كتاب فيه كلام لأبي الدرداء نظر فيه ثم محاه؛ وذلك لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرى عدم الترخيص في كتابة غير القرآن من مسائل العلم، حتى كان ينهى عن كتابة كلامه هو ولا يأذن به.
    - قال أبو أمية عمرو بن هشام الحراني: حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفةٌ فيها كلامٌ من كلام أبي الدرداء، وقصص من قصصه؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء؟!
    فأخذ الصحيفة؛ فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله.
    فقال: يا جارية ائتيني بالإجّانة مملوءةً ماء؛ فجاءت بها فجعل يدلكها، ويقول: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص} أقصصاً أحسن من قصص الله تريدون؟!! أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون؟!!). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
    - وقال عفاق المحاربي، عن أبيه، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: «إن ناساً يسمعون كلامي، ثم ينطلقون فيكتبونه، وإني لا أحلّ لأحد أن يكتب إلا كتابَ الله عزَّ وجلَّ» رواه الدارمي.


    رواة القراءة والتفسير عن أبي الدرداء رضي الله عنه
    قرأ على أبي الدرداء: زوجته أمّ الدرداء الصغرى، واسمها جهيمة الوصابية، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه.
    وممن روى عنه في التفسير: فضالة بن عبيد، وأم الدرداء، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني، وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وعبادة بن نسي الكندي، وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان، وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
    وممن اختلف في روايته عنه: عبد الرحمن بن سابط الجمحي، وأبو قلابة الجرمي.
    وممن أرسل عنه في التفسير: قتادة السدوسي، وعمرو بن دينار، ومكحول الدمشقي، وميمون بن مهران الجزري، ولقمان بن عامر الوصابي، وغيرهم.
    وممن روى عنه من الضعفاء: عبد الله بن يزيد بن آدم، وشهر بن حوشب.

    مما روي عنه في التفسير
    - قال هشام بن عمار: حدثنا الوزير بن صبيح، قال: حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تبارك وتعالى: {كل يوم هو في شأن} قال: «من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين». رواه ابن أبي عاصم في السنة، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن حبان في صحيحه، وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وعلّقه البخاري في صحيحه.
    زاد ابن ابي عاصم: (ويجيب داعياً).
    ورواه الطبراني في المعجم الأوسط من طريق نعيم بن حماد عن الوزير بن صبيح به.
    - وقال الوليد بن مسلمٍ: حدثنا يزيد بن يوسف الصنعاني، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ، عن مكحولٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قول الله عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: «ذهبٌ وفضّةٌ». رواه الترمذي في جامعه، والبزار في مسنده، والطبراني في الأوسط والصغير، والحاكم في المستدرك، ويزيد بن يوسف ضعيف الحديث، وقد تركه بعضهم.
    - وقال موسى بن عقبة، عن علي بن عبد الله الأزدي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} -إلى قوله- {لغوب})). رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه انقطاع، وله طرق أخرى.
    - وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ثابت - أو عن أبي ثابت - أن رجلاً دخل مسجد دمشق فقال: (اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليساً حبيباً صالحاً).
    فسمعه أبو الدرداء فقال: (لئن كنت صادقاً، لأنا أسعد بما قلتَ منك! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( {فمنهم ظالم لنفسه} قال: الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك الهم والحزن، {ومنهم مقتصد} قال: يحاسب حساباً يسيراً، {ومنهم سابق بالخيرات} قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب)). رواه أحمد في المسند.
    ورواه ابن جرير الطبري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ثابت من غير شكّ، ولم أعرفه، وفي رواية عند الحاكم في المستدرك نصّ على أنه ثقفي.
    - وقال أبو علي الحنفي: حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضمّن الله عزَّ وجلَّ خلقَه أربعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، وهنَّ السرائر التي قال الله عز وجل: {يوم تبلى السرائر} ). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء، في قوله: {ختامه مسك} قال: «هو شرابٌ أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، لو أنَّ رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها». رواه البيهقي في البعث والنشور.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين





    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه


    العناصر
    اسمه ونسبه وكنيته
    مولده ونشأته
    إسلامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم
    مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    فضائله ومناقبه
    علمه وفقهه
    معرفته بالفتن والمخارج منها
    معرفته بالمنافقين
    أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
    سعيه لجمع القرآن في زمن عثمان
    زهده وورعه وخشيته
    موقفه من فتنة مقتل عثمان
    مرضه ووفاته
    مواعظه ووصاياه
    رواة التفسير عن حذيفة
    مما روي عنه في التفسير
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه



    اسمه ونسبه وكنيته
    هو أبو عبد الله حذيفة بن حُسَيل ويقال: حِسْل، واليمان لقب لأبيه على الأرجح أو لجدٍّ له اسمه جروة كان قد أصاب دماً في الجاهلية في قومه؛ فارتحل عنهم إلى يثرب، وحالف بني عبد الأشهل من الأوس وهم من الأزد اليمانية؛ فلقبه قومه باليمان لمحالفته إياهم.
    وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام إلى أن اليمان اسم لأحد أجداده؛ فقال في نسبه كما في معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي: (حذيفة بن حُسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن اليمان، وإنما قيل: حذيفة بن اليمان لأنه من ولد اليمان بن جروة بن الحارث بن قطيعة بن عبس).
    - وقال محمد بن الحسن البغدادي: سمعت عليّ ابن المديني يقول: (حذيفة بن اليمان هو حذيفة بن حسل، وحسل كان يقال له: اليمان، وهو رجل من عبس حليف للأنصار). رواه الخطيب البغدادي.
    - وقال أبو المليح: قال سفيان [الثوري]: (اسم أبي حذيفة - يعني: اليمان: حُسيل). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال ابن سعد: (حذيفة بن اليمان، وهو حسيل بن جابر من بني عبس حلفاء بني عبد الأشهل ويكنى أبا عبد الله).
    - وقال ابن الكلبي: (جروة هو اليمان، وحذيفة من ولده، وإنما قيل حذيفة بن اليمان من ولد جروة، وبينه وبين اليمان آباء، وكان جروة قد أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل؛ فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية، فقيل جروة اليماني). ذكره البلاذري في أنساب الأشراف.
    - وقال البلاذري: (حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة، وجروة عبسي، وهو اليمان؛ فنُسب حذيفة إليه، وهم حلفاء لبني عبد الأشهل، سماه قومه "اليمان"، لأنه حالف اليمانية).
    وما ذكره ابن الكلبي وتبعه عليه البلاذري فيه نظر؛ فلو كان جروة هو اليمان لكان آل اليمان قوماً بالمدينة.
    وجروة هو ابن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، بينه وبين حذيفة نحو ثمانية آباء.
    فالأقرب هو قول سفيان الثوري، وعلي بن المديني، وابن سعد، وهو أن اليمان لقب لأبي حذيفة.
    - وقال ابن زنجويه: (حذيفة حليف بني عبد الأشهل وكان ممن هاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وعدادهما في الأنصار ويكنى أبا عبد الله). ذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.



    مولده ونشأته
    تزوّج اليمانُ امرأة من الأوس يقال لها: الربابَ بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل، وهي صحابية أنصارية أوسية، من قرابة سعد بن معاذ رضي الله عنهما، وولد لليمان في المدينة: حذيفة، وصفوان، وليلى، وفاطمة، وخولة.
    فنشأ حذيفة مع والديه وإخوته وأخواله بني عبد الأشهل من الأوس؛ فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أسلم هو وأبوه اليمان، وكان حذيفة كيساً فطناً نجيباً، ولم يزل مقرّباً من النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان من خاصة أصحابه وممن يفضي إليهم بسرّه، وله مناقب وفضائل مشهورة.
    - قال ابن سعد: (وأمّه الرباب بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل).
    - قال ابن حجر العسقلاني: (كان أبوه قد أصاب دماً فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، لكونه حالف اليمانية، وتزوّج والدة حذيفة، فوُلد له بالمدينة، وأسلم حذيفة وأبوه، وأرادا شهود بدر فصدّهما المشركون وشهدا أُحُداً).
    فأما أخوه صفوان بن اليمان فذكر ابن سعد عن الواقدي أنه شهد أحداً.
    وأما أخواته ليلى وفاطمة وخولة، فكلهن صحابيات، ومنهنّ من بايعت النبي صلى الله عليه وسلم.
    ومن أولاد حذيفة: سعد، وأبو عبيدة، لهم روايات عنه.
    واختلف العلماء في عبد العزيز بن اليمان؛ فذهب البخاري في التاريخ الكبير إلى أنه أخو حذيفة، وعدّه ابن قانع من الصحابة، وقال أبو نعيم الأصبهاني: (هو وهم، وصوابه عبد العزيز ابن أخي حذيفة بن اليمان).
    وقول أبي نعيم أقرب إلى الصواب، فالرواة عن عبد العزيز متأخرون، وقد صرّح في بعض الروايات بكونه ابن أخي حذيفة؛ ففي سنن أبي داوود من طريق عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى».
    وأما ورود اسمه في بعض الروايات عبد العزيز بن اليمان؛ فهو محمول على نسبته إلى جدّه كما وقع لجماعة غيره من الرواة.
    - قال ابن حجر في الإصابة: (ليس عبد العزيز ولد اليمان، بل نسب إليه في هذه الرواية لكونه جدّه، وأما الحديث الّذي فيه عبد العزيز ابن أخي حذيفة ولم يُسمَّ فيه أبوه فهو المعتمد).

    إسلامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم
    لمّا قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أسلم حذيفة بن اليمان وأبوه؛ وخيره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون من المهاجرين أو الأنصار فاختار أن يكون أنصارياً.
    - قال حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد [بن جدعان]، عن سعيد بن المسيب، عن حذيفة بن اليمان قال: «خيرني رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة والنصرة؛ فاخترت النصرة». رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه


    مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    شهد حذيفة المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر، حبسه المشركون عنها ثم أطلقوه بعد أن أخذوا عليه العهد أن لا يقاتلهم، وله في بعض تلك الغزوات مناقب عظيمة، ولا سيما غزوة الأحزاب، وغزوة تبوك.
    واستشهد اليمان والد حذيفة يوم أحد قتله المسلمون خطأ؛ فاستغفر حذيفة لقاتليه، وتصدّق بديته عليهم، فزاده ذلك خيراً ورفعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    - قال الوليد بن عبد الله بن جُميع الزهري: حدثنا أبو الطفيل قال: حدثنا حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم». رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (لما كان يوم أحد هُزم المشركون هزيمة بيّنة، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم، فاجتلدت أخراهم؛ فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه، فنادى أي عباد الله أبي أبي).
    فقالت: (فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر الله لكم).
    قال عروة: (فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية خير حتى لقي الله عز وجل).رواه البخاري.
    - وقال يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن عروة أن حذيفة بن اليمان أحد بني عبس، وكان حليفاً في الأنصار، قتل أبوه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أخطأ به المسلمون؛ فجعل حذيفة يقول: أبي أبي؛ فلم يفهموا حتى قتلوه.
    فقال حذيفة: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) فزادت حذيفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً. رواه ابن عساكر.
    - وقال عقيل بن خالد الأيلي، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان أحد بني عبس من الأنصار قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه اليمان يوم أحد؛ فأخطأ المسلمون يومئذ بأبيه يحسبونه من العدو؛ فتواسقوه بأسيافهم فجعل حذيفة يقول: إنه أبي! إنه أبي! فلم يفقهوا قوله حتى قتلوه؛ فقال حذيفة عند ذلك: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فزادت حذيفة عنده خيراً). رواه ابن عساكر.
    - وقال محمد بن إسحاق: حدّثني عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: (لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أحد رُفع ثابت بن وقش وحسل بن جابر وهو والد حذيفة بن اليمان في الآطام مع النساء والصبيان، وكانا شيخين كبيرين، فقال أحدهما للآخر: لا أبا لك! ما ننتظر؟! إنما نحن هامة اليوم أو غدا، فلحقا بالمسلمين ليرزقا الشّهادة، فلما دخلا في الناس قتل المشركون ثابت بن وقش، والتفّت أسياف المسلمين على والد حذيفة، فقال حذيفة: أبي، أبي، فقتلوه وهم لا يعرفونه.
    فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم، وتصدق بديته على المسلمين). ذكره ابن حجر في الإصابة.


    فضائله ومناقبه
    كان حذيفة من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب سِرّه، وأعلم الصحابة بالمنافقين وأحوالهم، وبالفتن وأنواعها والمخارج منها، وهو الذي ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب؛ ليخبره خبر المشركين.
    وكان جليل القدر عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عمر يسأله عنه الفتن والمخارج منها، ويرقبه إذا قُدّمت جنازة؛ فإن رأى حذيفة يصلي عليها صلى، وإن رآه تأخّر لم يصلّ عليها، وأناب غيره، وذلك لعلم حذيفة بالمنافقين.
    - قال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن حذيفة في خبر طويل: قال حذيفة: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقر،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
    ثم قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
    ثم قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟»، فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
    فقال: «قم يا حذيفة، فأتنا بخبر القوم»، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم.. ) الحديث، رواه مسلم والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟
    قلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا ونحن ما بين الست مائة إلى السبع مائة؟
    قال: فقال: (إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا).
    قال: (فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً). رواه أحمد، ومسلم، والنسائي في الكبرى.
    - وقال المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم»، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى»، فكان سجوده قريباً من قيامه). رواه مسلم، وأحمد، والنسائي.
    - وقال إسرائيل بن يونس السَّبيعي، عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة بن اليمان قال: سألتني أمّي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
    قال: فقلت لها: منذ كذا وكذا.
    قال: فنالت مني وسبّتني.
    قال: فقلت لها: دعيني فإنّي آتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصلّي معه المغرب، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك.
    قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فصلّيت معه المغرب؛ فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى العشاء، ثم انفتل؛ فتبعتُه فعرض له عارض؛ فناجاه، ثم ذهب فاتبعتُه؛ فسمع صوتي فقال: من هذا؟
    فقلت: حذيفة.
    فقال: ما لك؟
    فحدثته بالأمر؛ فقال: ((غفر الله لكَ ولأمّك)).
    ثم قال: (أما رأيت العارضَ الذي عرض لي قُبيل؟)).
    قال: قلت: بلى.
    قال: ((فهو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة؛ فاستأذن ربه أن يسلّم عليَّ ويبشرني أنَّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة). رواه أحمد، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى من طرق عن إسرائيل به.
    - وقال زيد بن الحباب: حدثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بين المغرب والعشاء فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء فلما انصرف تبعته؛ فقال: من هذا؟
    قلت: حذيفة.
    قال: (اللهم اغفر لحذيفة ولأمّه). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - قال الخطيب البغدادي: (وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقربه منه، وثقته به وعلو منزلته عنده).


    علمه وفقهه
    كان حذيفة رضي الله عنه عالماً فقيهاً، كيّساً فطناً، وكان كثير السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان أكثر ما يسأله عما يحترز منه.

    - وقال سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي السّفر، قال: قال حذيفة: «إنّا قومٌ أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن، وإنّكم قومٌ أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان». رواه سعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، قال: قال حذيفة: (ما تقرؤون ربعها، يعني: براءة). رواه ابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك.

    - قال بسر بن عبيد الله الحضرمي: حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال لنا حذيفة: (إنّا حملنا هذا العلم، وإنّا نؤديه إليكم وإن كنا لا نعمل به). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - - قال أبو بكر البيهقي: (قوله: "وإن كنا لا نعمل به" يريد - والله أعلم - فيما يكون ندباً واستحباباً؛ فلا يُظنّ بهم أنهم كانوا يتركون الواجب عليهم؛ فلا يعلمون به إذ كانوا أعمل الناس بما وجب عليهم، ويحتمل أن يكون ذهب مذهب التواضع في ترك التزكية).
    - وقال القاسم بن مالك المزني: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال حذيفة: (إنا قوم عرب نردد الأحاديث فنقدم ونؤخّر). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه


    معرفته بالفتن والمخارج منها
    - قال شعبة بن الحجاج، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد الخطمي، عن حذيفة أنه قال: (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة؛ فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود الطيالسي.
    - وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني، كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ إليَّ في ذلك شيئاً لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدّ الفتن:« منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ».
    قال حذيفة: (فذهب أولئك الرهط كلهم غيري). رواه مسلم.
    - وقال الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه».رواه مسلم.
    - وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: سمعت حذيفة، قال: كنا جلوساً عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟
    قلت: أنا كما قاله.
    قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء.
    قلت: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة، والأمر والنهي».
    قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر.
    قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً.
    قال: أيكسر أم يفتح؟
    قال: يكسر.
    قال: إذاً لا يغلق أبداً.
    قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟
    قال: (نعم، كما أنَّ دون الغد الليلة، إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط).
    فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: (الباب عمر). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة بن اليمان أنه قال: (ما بينكم وبين الشرّ إلا رجلٌ في عنقه الموت، ولو قد مات لقد صُبَّ عليكم الشرّ فراسخ). رواه نعيم بن حماد في الفتن، والبلاذري في أنساب الأشراف، وأبو يعلى الموصلي في جزء حديث محمد بن بشار عن شيوخه.
    - وقال سفيان الثوري: نبأنا عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: قال حذيفة: (لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم!).
    قال: ففطن إليه شابٌّ؛ فقال: من يصدّقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا؟!!
    فقال: (إنَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر).
    قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟
    فقال: (إنَّ من اعترف بالشرّ وقع في الخير). رواه ابن عساكر.
    - قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن خالد بن خالد اليشكري قال: خرجت زمان فتحت تستر حتى قدمت الكوفة، فدخلت المسجد فإذا أنا بحلقة فيها رجلٌ صَدْعٌ من الرجال، حسن الثغر، يُعرف فيه أنه من رجال أهل الحجاز.
    قال: فقلت: من الرجل؟
    فقال القوم: أو ما تعرفه؟
    فقلت: لا.
    فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال: فقعدت وحدّث القومَ، فقال: إنَّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه.
    فقال لهم: إني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك، جاء الإسلام حين جاء، فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنت قد أعطيتُ في القرآن فهماً، فكان رجال يجيئون فيسألون عن الخير، فكنت أسأله عن الشر؛ فقلت: يا رسول الله! أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟
    فقال: (( نعم )).
    قال: قلت: فما العصمة يا رسول الله؟
    قال: ((السيف)).
    قال: قلت: وهل بعد هذا السيف بقية؟
    قال: ((نعم، تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن)).
    قال: قلت: ثم ماذا؟
    قال: ((ثم تنشأ دعاة الضلالة، فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك، وأخذ مالك فالزمه، وإلا فمتْ وأنت عاضّ على جذل شجرة)).
    قال: قلت: ثم ماذا؟
    قال: ((يخرج الدجال بعد ذلك معه نهر ونار، من وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره)).
    قال: قلت: ثم ماذا؟
    قال: ((ثم ينتج المهر، فلا يركب حتى تقوم الساعة)).
    الصدع من الرجال: الضَّرب، وقوله: (فما العصمة منه؟ قال: السيف) كان قتادة يضعه على الردة التي كانت في زمن أبي بكر، وقوله: (إمارة على أقذاء) يقول: على قذى، وهدنة، يقول: صلح، وقوله: (على دخن)، يقول: على ضغائن.
    قيل لعبد الرزاق: ممن التفسير؟ قال: (من قتادة زعم). رواه أحمد في المسند.

    - وقال سليمان بن المغيرة: حدّثنا حميد بن هلالٍ قال: حدّثنا نصر بن عاصمٍ قال: أتيت اليشكريّ في رهطٍ من بني ليثٍ فقال: «من القوم؟»

    قلنا: بنو ليثٍ فسألناه وسألنا، ثمّ قلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة.
    قال: أقبلنا مع أبي موسى قافلين، وغَلَتِ الدّوابّ بالكوفة؛ فاستأذنت أنا وصاحبٌ لي أبا موسى؛ فأذن لنا فقدمنا الكوفة؛ فقلت لصاحبي: إنّي داخل المسجد فإذا قامت السّوق خرجت إليك.
    قال: فدخلت المسجد فإذا فيه حلقةٌ يستمعون إلى حديث رجلٍ فقمت عليهم؛ فجاء رجلٌ فقام إلى جنبي.
    فقلت له: من هذا؟
    فقال: أبصريٌّ أنت؟

    فقلت: نعم.
    قال: قد عرفت لو كنت كوفيًّا لم تسل عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان؛ فدنوت منه فسمعته يقول: «كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وأسأله عن الشّرّ وعرفت أنّ الخير لن يسبقني».
    قلت: يا رسول الله! بعد هذا الخير شرٌّ؟

    قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ

    قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

    قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
    قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشّرّ خيرٌ؟

    قال: «هدنةٌ على دخنٍ، وجماعةٌ على أقذاء فيها».
    قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

    قال: يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
    قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

    قال: «فتنةٌ عمياء صمّاء، عليها دعاةٌ على أبواب النّار، وأن تموت يا حذيفة، وأنت عاضٌّ على جذلٍ خيرٌ لك من أن تتّبع أحدًا منهم». رواه النسائي في السنن الكبرى.

    معرفته بالمنافقين
    - قال المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس أنه قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟
    قالوا: أبو الدرداء.
    فقلت: إني دعوتُ الله أن ييسّر لي جليساً صالحاً، فيَسَّركَ لي.
    قال: ممن أنت؟
    قلت: من أهل الكوفة.
    قال: (أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أوليس فيكم صاحب سرّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره). رواه أحمد والبخاري وغيرهما، وفي رواية أحمد: (أليس فيكم الذي يعلم السر، ولا يعلمه غيره يعني حذيفة).
    - قال عليّ بن مسهر، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن صلة بن زفر قال: قلنا لحذيفة: من أين علمت المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فبينا نحن نسير ليلاً إذ نام على راحلته فسمعتُ ناساً يقولون: قد نام على راحلته، ولو طرحناه لانكسرت عنقه؛ فاسترحنا؛ فلما سمعتُ ذلك جعلتُ أسير بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأ وأرفع صوتي، وأخفتُ القومَ فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (( من هذا؟)).
    فقلت: يا رسول الله! هذا فلان وفلان.
    فقال: سمعت ما قالوا؟
    قلت: نعم.
    قال: (فإنَّ هؤلاء فلانا وفلاناً، لا تخبر بذلك أحداً)). عن تلك الليلة علم المنافقين). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال أبو أسامة الحافظ وعبيدة بن الأسود الهمداني: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قال: قلنا: كيف أصاب حذيفة ما لم يصب أبو بكر ولا عمر؟
    قال صلة بن زفر: قد والله سألنا حذيفة عن ذلك، فقال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ذات ليلة، فأدلجنا دلجة، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال أناس: لو دفعناه الساعة فوقع فاندقت عنقه استرحنا منه. فلما سمعتهم تقدمتهم، فسرت بينه وبينهم، فجعلت أقرأ سورة من القرآن، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذا؟»
    قلت: حذيفة يا رسول الله!
    قال: «ادن» فدنوت.
    فقال: «ما سمعت هؤلاء خلفك ما قالوا؟».
    قلت: بلى يا رسول الله! ولذلك سرت بينك وبينهم.
    قال: «أما إنهم منافقون، فلان وفلان وفلان». رواه الطبراني في الكبير.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، زيد بن وهب: مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة، فقال له عمر: أمن القوم هو؟
    قال: نعم.
    فقال له عمر: بالله منهم أنا؟
    قال: (لا، ولن أخبر به أحداً بعدك). رواه ابن أبي شيبة.
    - قال الأعمش: حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سئل عليّ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
    فقال: عن أيهم تسألوني؟
    قالوا: عن عبد الله.
    قال: (علم القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى وكفى به علماً). فقالوا: أخبرنا عن أبي موسى؟
    قال: (صُبغ في العلم صبغاً).
    قالوا: أخبرنا عن حذيفة؟
    قال: (أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين).
    قالوا: حدثنا عن عمار؟
    قال: (مؤمنٌ نَسِيٌّ، وإذا ذكّرته ذكر).
    قالوا: حدثنا عن أبي ذر؟
    قال: (وعى علماً عجز عنه).
    قالوا: حدثنا عن سلمان؟
    قال: (عن لقمان الحكيم تسألوني، عَلِمَ عِلْمَ الأولى وعلم الآخرة، بحرا لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت).
    قالوا: حدثنا عن نفسك؟
    قال: (كنتُ إذا سَألتُ أعطيت، وإذا سكتُّ ابتُديت). رواه يعقوب بن سفيان واللفظ له، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، ورواية أبي البختري الطائي عن عليّ مرسلة.
    - وقال إبراهيم بن يوسف الصيرفي: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قالا [ عمرو وقيس]: سُئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود فقال: «قرأ القرآن ووقف عند متشابهه، فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه».
    وسئل عن عمار فقال: «مؤمن نَسِيٌّ، وإذا ذُكّرَ ذَكَر، قد حُشي ما بين قرنه إلى كعبه إيماناً».
    وسئل عن حذيفة فقال: «كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، سأل عنهم فأُخبرَهم».
    فقالوا: حدثنا عن سلمان، فقال: «أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح منا أهل البيت»
    قالوا: أخبرنا عن أبي ذر، قال: «وعاء علم ضيعه الناس».
    قالوا: فأخبرنا عن نفسك.
    قال: «إياها أردتم، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، وإن بين الذقنين لعلماً جماً». رواه الطبراني في المعجم الكبير والسياق له، ورواه الحاكم في المستدرك مختصراً، عمرو بن مرة لم يدرك عليّ بن أبي طالب، وأدركه قيس بن أبي حازم، وعليّ بن عابس الملائي متكلّم فيه، ضعّفه يحيى بن معين، وقال الدارقطني: يُعتبر به.
    - وقال حجاج بن محمد المصيصي: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبي الأسود، وعن ابن جريج ورجل عن زاذان كذا قالا: (بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا طيبة؛ فقالوا: حدّثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين!
    قال: عن أيّ أصحابي؟
    قالوا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
    قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيّهم تريدون؟
    قالوا: النفر الذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم.
    قال: أيهم؟
    قالوا: عبد الله بن مسعود.
    قال: (علم السنة وقرأ القرآن وكفى به علماً، ثم ختم به عنده).
    فلم يدروا على ما يريد بقوله: (كفى به علماً) كفى بعبد الله بن مسعود أم كفى بالقرآن.
    قالوا: فحذيفة؟
    قال: (عَلِمَ أو عُلّم أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حين غُفل عنها؛ فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً). ثم ذكر باقي الحديث بنحو ما تقدم، وفيه زيادات، وقد رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، والضياء المقدسي في المختارة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال قيس بن الربيع الأسدي، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن هبيرة [بن يريم] قال: شهدت علياً وسئل عن حذيفة فقال: (سأل عن أسماء المنافقين فأُخبر بهم). رواه أبو داوود الطيالسي، وابن عساكر.
    - وقال أسود بن عامر الشامي: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيسٍ ، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة » وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم). رواه أحمد، ومسلم.

    - وقال الأعمش: حدّثني إبراهيم، عن الأسود، قال: كنّا في حلقة عبد اللّه فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم، ثمّ قال: «لقد أنزل النّفاق على قومٍ خيرٍ منكم»، قال الأسود: سبحان اللّه إنّ اللّه يقول: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار)، فتبسّم عبد اللّه، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد اللّه فتفرّق أصحابه، فرماني بالحصا، فأتيته، فقال حذيفة: «عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النّفاق على قومٍ كانوا خيرًا منكم ثمّ تابوا، فتاب اللّه عليهم». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه

    أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
    شهد حذيفة فتوحَ فارس في عهد أبي بكر وعمر، وهو الذي أخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرّن بنهاوند، وفَتَحَ أصبهان والريّ وغيرهما، وكان مع أهل الشام في فتوح أرمينية وأذربيجان، وله جهاد طويل في بلاد فارس وخراسان.
    وهو الذي ندب عثمان لجمع الناس على مصحف واحد، بعدما رأى من اختلاف الناس في القراءة.
    وقد أمّره عمر على المدائن فبقي أميراً عليها حتى توفّي بعد مقتل عثمان في أوّل سنة 36هـ.
    وروي في خبر لا يثبت أنه هو الذي بشّر عمر بانتصار المسلمين يوم اليرموك.
    - قال وكيع، عن سفيان الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيّكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟
    قال: فقال حذيفة: (أنا). رواه أحمد.

    سعيه لجمع القرآن في زمن عثمان
    - قال إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف: حدثنا ابن شهاب [الزهري] عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان - وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق - فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة؛ فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
    فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان؛ فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف).
    رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى.
    - وقال حفص بن عمر الدوري المقرئ: حدثنا إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم المديني، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام، بقراءة أبي بن كعب، ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق، قال: «فأمرني عثمان رضي الله عنه أن أكتب له مصحفاً» فكتبته، فلما فرغت منه عرضه).رواه عمر بن شبة.

    زهده وورعه وخشيته
    - قال مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف قال: «قدم حذيفة المدائن على حمارٍ بإكافه على إكاف، سادلاً رجليه، ومعه عِرْق ورغيف وهو يأكل». رواه ابن سعد في الطبقات.
    عرْق: أي قطعة لحم.

    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميراً كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا.
    فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا فأطيعوه، فقالوا: هذا رجل له شأن فركبوا ليتلقوه، فلقوه على بغلٍ تحته إكاف، وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم يعرفوه فأجازوه، فلقيهم الناس؛ فقالوا لهم: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم.
    قال: فركضوا في إثره فأدركوه وفي يده رغيف، وفي الأخرى عرق وهو يأكل، فسلموا عليه، فنظر إلى عظيم منهم فناوله العِرق والرغيف.
    قال: (فلما غفل ألقاه أو قال أعطاه خادمه). رواه الخطيب البغدادي.
    - وقال هدبة بن خالد الثوباني: حدثنا سلام بن مسكين، عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملا كتب في عهده: واسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم، فاستعمل حذيفة على المدائن، وكتب في عهده: اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم، فاستقبلوه فإذا هو على حمار مؤكف، وفي يده عرق يأكله، فقرأ عليهم عهده كتاب عمر رضي الله عنه، قالوا له: ما حاجتك فإن أمير المؤمنين لم يكتب إلينا بمثل ما كتب إلينا فيك قال: حاجتي أن تطعموني من الخبز ما دمت فيكم، وتعلفوا حماري، وتجمعوا خراجكم، فلما انقضى عمله دخل إلى المدينة، فلما بلغ عمر قدومه قعد له في الطريق لينظر كيف حاله مما فارقه عليه؟ فلما رآه في تلك الحال اعتنقه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك، أنت أخي وأنا أخوك). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
    - وقال الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أم سلمة، قالت: قال حذيفة: «لوددت أن لي إنسانا يكون في مالي، ثم أغلق علي بابا فلا يدخل عليَّ أحد حتى ألحق بالله». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال ابن عون، عن أبي بشر [البصري]، عن جندب بن عبد الله البجلي، ثم البصري قال: استأذنتُ على حذيفة ثلاث مرات فلم يأذن لي، فرجعت، فإذا رسوله قد لحقني فقال: «ما ردك؟»
    قلت: ظننت أنك نائم.
    قال: «ما كنتُ لأنام حتى أنظر من أين تطلع الشمس؟!».
    قال: فحدثتُ به محمداً [ابن سيرين]؛ فقال: (قد فعله غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي شيبة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه

    موقفه من فتنة مقتل عثمان
    - قال كثير بن أبي كثير البصري: حدثنا ربعي بن حراش، عن حذيفة أنه أتاه بالمدائن؛ فقال له حذيفة: ما فعل قومك؟
    قال: قلت: عن أي بالهم تسأل؟
    قال: من خرج منهم إلى هذا الرجل ـ يعني عثمان ؟
    قال: قلت: فلان وفلان وفلان.
    قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خرج من الجماعة، واستذلّ الإمارة لقي الله ولا وجه له عنده)). رواه أحمد.
    - قال عمرو بن مرة، عن خيثمة، عن ربعي بن حراش قال: لما كانت الليلة التي حضر فيها حذيفة جعل يقول: أي الليل هذا؟
    قال: قلت: هذا وجه السحر.
    قال: فاستوى جالساً ثم قال: (اللهم إني أبرؤ إليك من دم عثمان، والله ما شهدتُ، ولا قتلتُ، ولا مالأتُ على قتله). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال هوذة بن خليفة البكراوي: حدثنا عوف، عن محمد [بن سيرين] قال: بلغني أن حذيفة رضي الله عنه لما أتاه قتل عثمان رضي الله عنه قال: «اللهم أنت تعلم إن كان قتل عثمان خيراً فإنه ليس لي منه نصيب، وإن كان شراً فإني منه بريء». رواه ابن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال أبو الأشهب العطاردي: حدثني عوف، عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان قال: (اللهم إن كان قتل عثمان خيرا فليس لي منه نصيب، وإن كان شراً؛ فأنا منه بريء، ولئن كان خيراً ليحتلبنها لبناً، وإن كان قتله شراً ليمتصنّها دماً). رواه ابن سعد في الطبقات، والبلاذري في أنساب الأشراف.

    مرضه ووفاته
    - قال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: دخل أبو مسعود الأنصاري على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فاعتنقه فقال: الفراق
    فقال: «نعم، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، أليس بعد ما أعلم من اليقين» رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو الأشهب العطاردي: حدثنا الحسن [البصري] قال: لما حضر بحذيفة الموت قال: (حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، الحمد لله الذي سبق علوجَ الفتنة وقادتها). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، وابن عساكر.
    - وقال وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود، قال: لما أتي حذيفة بكفنه قال: «إن يصب أخوكم خيراً فعسى، وإلا ليترامين به رجواها إلى يوم القيامة». رواه ابن أبي شيبة.
    رجواها: مثنى رجا، والجمع أرجاء، أي أطراف وأنحاء.
    - وقال أبو وائل شقيق بن سلمة، عن خالد بن ربيع العبسي، قال: لما بلغنا ثقل حذيفة خرج إليه نفر من بني عبس، ونفر من الأنصار معنا أبو مسعود.
    قال: فانتهينا إليه في بعض الليل فقال: «أي ساعة هذه؟»
    قلنا: ساعة كذا وكذا
    قال: «أعوذ بالله من صباح إلى النار، هل جئتموني معكم بكفن؟»
    قلنا: نعم.
    قال: «فلا تغالوا بكفني؛ فإنْ يكن لصاحبكم خير عند الله يبدل خيراً منه، وإلا سلب سريعا»رواه ابن ابي شيبة.
    - وقال أبو كريب: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق السبيعي أن صلة بن زفر حدثه أن حذيفة بن اليمان كُفّن في ثوبين.
    قال: بعثني وأبا مسعود، فابتعنا له كفناً حلة عصب بثلاث مائة درهم، فقال: «أرياني ما ابتعتما لي».
    فأريناه؛ فقال: «ما هذا لي بكفن، إنما يكفيني ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص، وإني لا أُترَك إلا قليلاً حتى أنال خيراً منهما أو شراً منهما» فابتعنا له ريطتين بيضاوين). رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال عبد الملك بن ميسرة: سمعت النزال بن سبرة قال: سألنا أبا مسعود: ما قال حذيفة عند الموت؟
    قال: قال: «أعوذ بالله من صباح إلى النار، اشتروا لي ثوبين أبيضين فكفنوني فيهما، فإنهما لن يتركا عليَّ إلا يسيراً حتى أُكسى خيراً منهما، أو أسلبهما سلبا سريعا» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - قال يحيى بن عبد الله بن بكير: «توفي حذيفة بن اليمان سنة ست وثلاثين» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير.
    - قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا سعد بن أوس [العبسي]، عن بلال بن يحيى [العبسيٍ قال: لما حضر حذيفة الموت، وكان قد عاش بعد عثمان أربعين ليلة، قال لنا: «أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب». رواه الحاكم في المستدرك، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
    - وقال أبو حفص الفلاس: (مات حذيفة بن اليمان، ويكنى أبا عبد الله بالمدائن، سنة خمس وثلاثين، بعد عثمان بأربعين ليلة).
    - وقال أبو الحسن العجلي: (كان أميرًا على المدائن، استعمله عمر، ومات بعد قتل عثمان بأربعين يومًا، سكن الكوفة ... مات بالمدائن قبل الجمل).
    وكان عثمان قد قُتل في الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 35هـ، وكانت وقعة الجمل في جمادى من عام 36هـ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه

    مواعظه ووصاياه
    - قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: «إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرّون واليوم يجهرون» رواه البخاري.
    - وقال مسعر بن كدام، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء، عن حذيفة، قال: «إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان». رواه البخاري.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة، قال: كان يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول: «يا معشر القراء! اسلكوا الطريق؛ فلئن سلكتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً». رواه ابن أبي شيبة.
    - قال رُزين الجهني: حدثنا أبو الرقاد، قال: خرجت مع مولاي وأنا غلام، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: «إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير أو ليسحتنكم الله بعذاب جميعاً، أو ليؤمَّرَنَّ عليكم شرارُكم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم». رواه أحمد وابن أبي شيبة.

    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي عمّارٍ، عن حذيفة، قال: «ليقرأنّ القرآن أقوامٌ يقيمونه كما يقام القدح، لا يدعون منه ألفًا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم». رواه سعيد بن منصور في سننه.
    - وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابرٍ الأحمسي، قال: قال حذيفة: إنّ أقرأ النّاس المنافق الذي لا يدع واواً ولا ألفًا، يلفت كما تلفت البقر ألسنتها، لا يجاوز ترقوته). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والفريابي في صفة النفاق، ولفظه: «إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يترك واوا ولا ألفا يلفته كما تلفت البقرةُ الخلا بلسانها».
    - وقال مجالد بن سعيد، عن محمد بن المنتشر الهمداني، عن ابن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: «إنَّ في القبر حساباً، وفي يوم القيامة عذاباً، فمن حوسب يوم القيامة عذب». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال عبد الرزاق الصنعاني: حدثنا بكار بن عبد الله [اليماني] قال: حدثني خلاد بن عبد الرحمن أنه سمع أبا الطفيل يحدث، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: (يا أيها الناس! ألا تسألوني؟ فإنَّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، إنَّ الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم فدعا الناسَ من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى، فاستجاب له من استجاب، فحيي من الحق ما كان ميتاً، ومات من الباطل ما كان حياً، ثم ذهبت النبوة؛ فكانت الخلافة على منهاج النبوة). رواه أحمد.
    ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق بهذا الإسناد، وفيه: (أفلا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيى بالحق من كان ميتاً، ومات بالباطل من كان حياً، ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكاً عضوضاً، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحقَّ استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافاً يده، وشعبةً من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافاً يده ولسانه وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء).
    - وقال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل حذيفة: ما ميت الأحياء؟
    قال: (ميت الأحياء هو الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه). رواه ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت زياداً يحدث، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة أنه قال: «رب يوم لو أتاني الموت لم أشك، فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا منها»، وأوصى أبا مسعود فقال: «عليك بما تعرف، وإياك والتلوّن في دين الله». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن سليم العامري، قال: سمعت حذيفة، يقول: (بحسب المرء من العلم أن يخشى الله، وبحسبه من الكذب أن يستغفر الله ثم يعود). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.
    - وقال موسى بن أيوب البجلي: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: قال حذيفة بن اليمان: «ما استخفّ قوم بحق الله عز وجلّ إلا بعث الله عزّ وجل عليهم من يستخفّ بحقهم». رواه ابن أبي الدنيا في العقوبات.
    - وقال أحمد بن يونس: حدثنا زائدة، عن عمر بن قيس، عن زيد بن وهب، قال: سمعت حذيفة يقول: (ألا إنَّ الفتنة تقبل مشبهة، وتدبر [مبيّنة]، ولها وقفات وبواعث؛ فمن استطاع أن يموت في مواقفها فليمت، فإنها مولعة بمن قال فيها وقال). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن جنيد أبي عبد الله الفلسطيني، قال: حدثني عبد العزيز ابن أخي حذيفة عن حذيفة، قال: «أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون الصلاة». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
    - وقال الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: قال حذيفة: «والله لا يأتيهم أمر يضجون منه إلا أردفهم أمر يشغلهم عنه» رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال معاوية بن هشامٍ القصار: حدّثنا سفيان [الثوري]، عن جبلة بن سحيمٍ، عن عامر بن مطرٍ، قال: كنت مع حذيفة فقال: «يوشك أن تراهم ينفرجون عن دينهم كما تنفرج المرأة عن قبلها؛ فأمسكْ بما أنت عليه اليوم؛ فإنها الطريق الواضح، كيف أنت يا عامر بن مطر إذا أخذ الناسُ طريقاً والقرآنُ طريقاً: مع أيهما تكون؟».
    قلت: مع القرآن أحيا معه وأموت معه.
    قال: «فأنت أنت إذا». رواه ابن أبي شيبة.
    ورواه أحمد في الزهد من طريق وكيع قال: وكيع، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو عبد الله الفلسطيني، عن عبد العزيز أخي حذيفة، عن حذيفة قال: (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة).
    - وقال محمد بن جعفر المَطِيري: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: سمعت حذيفة، رضي الله عنه يقول: " (إنَّ الفتنة وكلت بثلاث: بالجاد النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده). رواه أبو نعيم في الحلية.
    - وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة، قال: " وكلت الفتنة بثلاث: بالجاد النحرير الذي لا يريد أن يرتفع له منها شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليه الأمور، وبالشريف المذكور، فأما الجاد النحرير فتصرعه، وأما هذان الخطيب والشريف فتحثهما حتى تبلو ما عندهما). رواه نعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو عمرو الداني في الفتن.
    - وقال منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير، فكنا جلوساً في المسجد فقال: القوم هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير، قال: فجاء حتى جلس إلينا؛ فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قتات». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال أبو الربيع الزهراني: حدثنا أبو شهاب الحناط، عن سعيد الجريري عن عمران العمي قال: (جاء رجل إلى حذيفة رضي الله عنه؛ فقال له: يا أبا عبد الله! إني أخشى أن أكون منافقاً.
    فقال: تصلي إذا خلوت، وتستغفر إذا أذنبت؟
    قال: نعم.
    قال: (اذهب؛ فما جعلك الله منافقاً). رواه قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهو منقطع، بل معضل؛ فعمران بن داور العمي من أصحاب الحسن البصري من طبقة تابعي التابعين، وقد تكلم فيه يحيى بن معين، والنسائي، والدارقطني، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث؛ فهذا الأثر لا يصحّ عن حذيفة.

    رواة التفسير عن حذيفة
    رويت عن حذيفة رضي الله عنه حروفٌ في القراءة، ومسائل في التفسير.
    والذين لهم رواية عنه في كتب التفسير المسندة على أصناف:
    فمن الصحابة: أنس بن مالك ، وأبو الطفيل، وجندب بن عبد الله.
    ومن التابعين: صلة بن زفر، وزر بن حبيش، وربعي بن حراش، وعبد الله بن عبد الرحمن الأشهل، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعامر بن شراحيل الشعبي، وغيرهم.
    وممن أرسل عنه: أبو البختري الطائي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو سلام الحبشي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، والضحاك بن مزاحم.

    مما روي عنه في التفسير
    كان حذيفة رضي الله عنه عالماً بالتفسير ونزول القرآن، وقد تقدّم قوله: (وكنت قد أعطيت في القرآن فهماً). رواه الإمام أحمد.
    وقد رويت عنه مسائل في التفسير:
    - قال شعبة، عن سليمان [ الأعمش]، قال: سمعت أبا وائلٍ، عن حذيفة، {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: «نزلت في النّفقة». رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن حذيفة، في قوله عزّ وجلّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: «ترك النّفقة».
    وفي رواية عند ابن جرير الطبري من طرق عن أبي وائل عن حذيفة قال: (هو ترك النفقة في سبيل الله).

    - وقال محاضر بن المورّع: حدثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة، أنّه سمع قارئًا يقرأ " {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله، وابتغوا إليه الوسيلة}
    قال: (القربة).
    ثمّ قال: (لقد علم المحفوظون من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم أنّ ابن أمّ عبدٍ من أقربهم إلى الله وسيلةً). رواه الحاكم في المستدرك.

    - وقال جرير بن حازم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همّامٍ بن الحارث، قال: كنّا عند حذيفة فذكروا {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}
    فقال رجلٌ من القوم: إنّ هذا في بني إسرائيل فقال حذيفة: «نعم الإخوة بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المرّ، كلّا والّذي نفسي بيده حتّى تحذوا السّنّة بالسّنّة حذو القذّة بالقذّة». رواه محمد بن نصر المروزي في السنة، والحاكم في المستدرك.
    ورواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة بنحوه.
    - وقال يونس بن أبي إسحاق: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا: هات!
    فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: (هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} فبينا هم كذلك، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: [اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم]). رواه ابن جرير الطبري.
    ورواه سعيد بن منصور وابن جرير الطبري من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن حذيفة مختصراً.

    - وقال حبيب بن أبي ثابتٍ: حدّثني أبو البختريّ الطّائيّ، قال: قيل لحذيفة: أرأيت قول الله عزّ وجلّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}؟فقال حذيفة: «أما إنّهم لم يصلّوا لهم، ولكنّهم كانوا ما أحلّوا لهم من حرامٍ استحلّوه، وما حرّموا عليهم من الحرام حرّموه فتلك ربوبيّتهم». رواه سعيد بن منصور في سننه، وقد وقع في المطبوع: (قال لي حذيفة) وهو خطأ، فأبو البختري لم يسمع من حذيفة، وقد نقل الشاطبي في الاعتصام هذا الموضع من سنن سعيد بن منصور على الصواب.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدّثنا زيد بن وهبٍ، قال: كنّا عند حذيفة، فقال: «ما بقي من أصحاب هذه الآية إلّا ثلاثةٌ، ولا من المنافقين إلّا أربعةٌ».
    فقال أعرابيٌّ: إنّكم أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم تخبرونا فلا ندري؛ فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟
    قال: «أولئك الفسّاق، أجل لم يبق منهم إلّا أربعةٌ، أحدهم شيخٌ كبيرٌ، لو شرب الماء البارد لما وجد برده». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - - قال أبو بكر البيهقي: (أظنه أراد قوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} ... وأظنه أراد من المنافقين الذين سماهم له رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم).
    وقد أورد البخاري هذا الأثر في باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}.
    - وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي الله عنه في قوله تعالى: {فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم} قال: لا عهد لهم.
    قال حذيفة: (ما قوتلوا بعد). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال أبو إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع الناس في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، فينادي مناد: يا محمد، على رءوس الأولين والآخرين، فيقول صلى الله عليه وسلم: «لبيك وسعديك والخير بيديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، تباركت ربنا وتعاليت».
    قال حذيفة: «فذلك المقام المحمود». رواه ابن أبي شيبة، والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسلم، عن حذيفة: « {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: النظر إلى وجه الله». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، قال: قام حذيفة بالمدائن فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: {اقتربت الساعة وانشق القمر}: «ألا إنَّ الساعةَ قد اقتربت، وإنَّ القمر قد انشق، ألا وإنَّ الدنيا قد آذنت بالفراق، ألا وإنَّ المضمار اليوم، وإنَّ السباق غداً، وإنَّ الغايةَ النار، وإنَّ السابق من سبق إلى الجنة». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال هشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: قام سائلٌ على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل فسكت القوم، ثمّ إنّ رجلًا أعطاه فأعطاه القوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من استنّ خيرًا فاستنّ به فله أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقصٍ من أجورهم شيئًا، ومن استنّ شرًّا فاستنّ به فعليه وزره، ومثل أوزار من اتّبعه غير منتقصٍ من أوزارهم شيئًا»قال: وتلا حذيفة بن اليمان {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت}). رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)

    أصله ونسبه:
    هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حُضار من بني الأشعر، وهم بطن من العرب القحطانية.
    وأصله من اليمن، من بلدة يقال لها "رِمَع" قُرب زبيد.
    - قال ياقوت الحموي: (رمع: بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وعين مهملة، مرتجل، موضع باليمن، وقيل: هو جبل باليمن).
    قال: (وقال نصر: رمع قرية أبي موسى ببلاد الأشعريّين من اليمن قرب غسّان وزبيد)ا.هـ..

    إسلامه وهجرته:
    قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأسلم، ثم رجع إلى أرض قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه؛ فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    - قال أبو أسامة الكوفي الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأَخَوانِ لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضعاً، وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي.
    قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده.
    فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا.
    قال: فوافقنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر؛ فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
    قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: نحن سبقناكم بالهجرة.
    قال: فدخلتْ أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه؛ فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها؛ فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟
    قالت: أسماء بنت عميس.
    قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟
    فقالت أسماء: نعم.
    فقال عمر: سبقناكم بالهجرة؛ فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم.
    فغضبت، وقالت كلمة: كذبتَ يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعَكم، ويعظ جاهلَكم، وكنَّا في دار -أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤذَى ونُخَاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيد على ذلك.
    قال: فلما جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله إنَّ عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهلَ السفينة هجرتان»
    قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال أبو بردة: فقالت أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى وإنَّه ليستعيدُ هذا الحديثَ مني). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أبو أسامة: حدثنا بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان» رواه البخاري.
    - وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي؛ فبلغ ذلك قريشاً؛ فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدموا على النجاشي). رواه ابن سعد.

    مناقبه وفضائله:
    لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه مناقب كثيرة؛ فقد كان من السابقين إلى الإسلام؛ وهاجر هجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن منيب، وأنه من قوم يحبهم الله ويحبونه، وأثنى على تلاوتهم للقرآن، وقيامهم به.
    وكان من كبار علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، وكان حسن الصوت بتلاوة القرآن، حسن القيام به.
    دعا له النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلّماً، وأميراً على مخلافٍ منها.
    وقاد الجيوش في بعض فتوح فارس، وهو الذي افتتح أصبهان وتستر والسوس والأهواز وهمذان وغيرها من بلاد فارس.

    - قال أبو أسامة الكوفي: حدثني بريد بن عبد الله عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال في دعائه: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً)). متفق عليه.
    - وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حُميد، عن أنس قال: إنه لما أقبل أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم أهل اليمن، هم أرق منكم قلوباً)).
    قال أنس: (وهم أول من جاء بالمصافحة). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه.
    - وقال يحيى بن أيوب المصري، عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرقّ قلوباً للإسلام منكم».
    قال: (فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون، يقولون:
    غدا نلقى الأحبة ... محمدا وحزبه
    فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أولَّ من أحدث المصافحة). رواه أحمد والضياء المقدسي في المختارة.
    - وقال شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً الأشعري، يقول: (لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قومك يا أبا موسى» وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وأبو نعيم في تاريخ أصبهان.
    - وقال مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب قال: خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تراه مرائيا؟» فأسكت بريدة.
    فإذا رجل يدعو؛ فقال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت. الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده - أو قال والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
    قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء؛ فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ بيده فأدخله المسجد؛ فإذا صوت الرجل يقرأ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتقوله مرائيا؟»
    فقال بريدة: أتقوله مرائيا يا رسول الله؟
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا. بل مؤمن منيب، لا. بل مؤمن منيب»؛ فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريَّ، -أو إن عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود».
    فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟
    قال: «بلى فأخبره» فأخبرته، فقال: (أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث). رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو في السنن الكبرى للنسائي مختصرا.ً
    - وقال بريد بن عبد الله، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا». فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار)). علّقه البخاري في صحيحه، ووصله مسلم من طريق أبي أسامة الحافظ عن بريد بن عبد الله عن جدّه أبي بردة.
    - وقال أبو أسامة الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد، بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم» رواه البخاري ومسلم.

    حسن صوته بالقرآن
    مما اشتهر عن أبي موسى رضي الله عنه حُسن صوته بالقرآن، بل ذكر بعض التابعين أنه أحسن الصحابة صوتاً بالقرآن.
    وقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلاوته وعجب من حسن صوته، وعجب منه الصحابة، وكان ربما إذا قام يتهجّد من الليل استمعوا إلى تلاوته، وفي ذلك أحاديث وآثار.
    - قال أبو يحيى الحِمَّاني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود » رواه البخاري.
    - وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثنا طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» رواه مسلم.
    - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقُمْن يستمِعْن، فلما أصبح، قيل له: إن النساء كنَّ يستمعن، فقال: (لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا). رواه ابن سعد.
    - وقال ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر كان إذا رأى أبا موسى قال: (ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه ابن سعد، وهو منقطع لكن يعضده ما رواه شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة العبدي قال: قال عمر لأبي موسى: (شوّقنا إلى ربنا) فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: (أولسنا في صلاة؟). وقد أخرجه ابن سعد أيضاً، وأحمد في الزهد.
    - وقال علي بن الجعد: حدثنا معاوية، حدثنا ثابت عن أنس قال: قدمنا البصرة مع أبي موسى وهو أمير على البصرة.
    قال: فقام من الليل يتهجَّد؛ فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير، لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك!
    فقال: (لو علمت أنَّ أحداً يستمع قراءتي لزيَّنت كتابَ الله بصوتي ولحبرته تحبيرا). رواه ابن عساكر.
    - وقال يحيى بن صالح: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي يوسف حاجب معاوية قال: (قدم أبو موسى الأشعري؛ فنزل بعض الدور بدمشق، فكان معاوية يخرج ليلاً يستمع قراءته). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.
    - وقال صفوان بن عيسى القسام: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاةَ الصبحِ فما سمعتُ صوتَ صنجٍ ولا بربطٍ قطّ كان أحسن صوتاً منه). رواه أبو القاسم البغوي وابن سعد وأبو عوانة وأبو نعيم.
    وفي رواية عند أبي سعد: (ولا نايٍ أحسن من صوته؛ فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته)..
    ورواه البخاري في خلق أفعال العباد بسياق مقارب.
    - وقال علي بن عاصم: حدثني سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: (كان الأشعريّ - يعني أبا موسى الأشعري - من أحسن الناس صوتاً، كأنه مزمار من مزامير داود، وكان يصلّي بنا الغداة؛ فأتمنى أن يقرأ بنا البقرة من حسن صوته). رواه ابن عساكر.
    - وقد قدم أبو موسى على معاوية في دمشق وهو خليفة، فرُوي أن معاوية كان يخرج من الليل إلى منزل أبي موسى يستمع إلى قراءته.

    جهاده وأعماله وأخباره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
    كان أبو موسى رضي الله عنه شجاعاً مقداماً لا يفرّ، بل كان يعيب على من يفرّ، وقد شهد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم مشاهده بعد خيبر؛ فشهد غزوة ذات الرقاع، وفتح مكة وحنين، ثم كان مع السرية التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس؛ وكانت الراية مع أبي عامر الأشعري عمّ أبي موسى؛ فقتل أبو عامر تسعةً من المشركين مبارزة يومئذ، ثمّ رماه أحدهم بسهم في ركبته؛ فجرح منها جرحاً شديداً ثم مات منها؛ فأخذ الرايةَ أبو موسى، وقتل قاتل عمّه، وقاتل حتى فتح الله له.
    ثمّ غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلّما وقاضياً وأميراً ثمّ أتبعه بمعاذ بن جبل، واليمن مخلافان؛ والمخلاف بمعنى الإقليم والناحية؛ فكان معاذ على المخلاف الشمالي وهو من صنعاء إلى الجَنَد، وأبو موسى على المخلاف الجنوبي وهو من جنوب صنعاء إلى عدن، ويشمل زبيد والساحل ورِمَع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
    ثم حجّ أبو موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وقال في إهلاله: لبيّك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد ساق الهدي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أنّ يطوف ويسعى ثم يحلّ؛ فيكون متمتّعاً.
    ثمّ عاد بعد الحجّ إلى اليمن، وتوفّي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو موسى باليمن، ثم إنّ أبا بكر الصدّيق استعمل على اليمن المهاجرَ بن أبي ميّة المخزومي، أخو أمّ سلمة رضي الله عنها، وكتب إليه معاذ يستأذنه في القفول إلى المدينة هو ومن معه من العمّال الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم؛ فرجعوا؛ بعد أن علّموا الناس القرآن وفقّهوهم في دين الله، وانتشر العلم في اليمن، وانتظم الأمر فيه.
    وفي جهاده وأعماله وأخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار.
    - قال بريد، عن جدّه أبي بردة، عن أبيه، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامرٍ على جيش إلى أوطاس، فلقي دريدَ بن الصمَّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرُمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه؛ فقلت: يا عم من رماك؟
    فأشار أبو عامر إلى أبي موسى؛ فقال: إنَّ ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكفَّ، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعتُ إلى أبي عامر؛ فقلت: إن الله قد قتل صاحبك.
    قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي.
    قال: واستعملني أبو عامر على الناس، ومكث يسيرا ثم إنه مات، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: يستغفرْ لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء؛ فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: «اللهم اغفر لعبيدٍ أبي عامر» حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك » أو من الناس
    فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفرْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» رواه البخاري ومسلم.
    - قال أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق، فسمّيت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا»
    وحدّث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحُملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك..). فذكر الحديث، وهو في الصحيحين، وفيه: (فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين، لستة أبعرة ابتاعهنَّ حينئذ من سعد، فانطلق بهنَّ إلى أصحابك)). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم».
    قال: وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال يا عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
    فقلت: بلى، يا رسول الله.
    قال: ((قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)). رواه البخاري ومسلم.
    وفي رواية في صحيح البخاري من طريق أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى قال: ثم أتى عليَّ وأنا أقول في نفسي: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فقال لي: ((يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)).
    - وقال عمر بن علي بن مقدم: حدثنا أبو عميس، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: أتاني ناس من الأشعريين فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لنا حاجة.
    قال: فقمت معهم؛ فقالوا: يا رسول الله استعن بنا في عملك فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قالوا.
    وقلت: لم أدر ما حاجتهم.
    فصدَّقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرني وقال: «إنا لا نستعين في عملنا من سألَناه» رواه أحمد.
    - وقال حميد بن هلال: حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى، قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك.
    فقال: «ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس؟»
    قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت.
    فقال: «لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن» ثم أتبعه معاذ بن جبل). رواه أحمد والبخاري.
    - وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحداً حَرَص عليه» رواه مسلم.
    - وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث كلَّ واحد منهما على مخلاف، واليمن مخلافان.
    ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
    قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
    قال: لا أنزل حتى يُقتل.
    قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
    قال: ما أنزل حتى يقتل.
    فأمر به فقتل، ثم نزل؛ فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟
    قال: أتفوَّقه تفوقاً.
    قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
    قال: (أنام أوَّل الليل؛ فأقوم وقد قضيتُ جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري.
    - قال قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: «بما أهللت؟»
    قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
    قال: «هل معك من هدي؟»
    قلت: لا، فأمرني، فطفت بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم أمرني، فأحللت). رواه البخاري ومسلم.

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)

    أعماله وأخباره في زمن الخلفاء الراشدين
    عاد أبو موسى إلى المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم غزا مع من غزا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الشام، وشهد فتوح الشام، ومنها فتح بيت المقدس وشهد خطبة عمر بالجابية، وحضر وفاة أبي عبيدة بن الجراح بالأردن.
    ثمّ في عام سبع عشرة للهجرة استقدمه عمر من الشام، وبعثه إلى الكوفة والبصرة أميراً عليهما، وقاضياً ومعلّماً لأهل البصرة يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدين، ويغزو بهم.
    فأقرأ وعلّم وفقّه وقضى بينهم، وقاد جيوش المسلمين فافتتح كثيراً من بلاد فارس منها أصبهان وتستر والأهواز والسوس ونصيبين وهمذان وغيرها.
    ثمّ إنّ عمر أمّر على الكوفة عمار بن ياسر، وأبقى أبا موسى أميراً على البصرة، فلم يزل أميراً عليها حتى عزله عثمان بعبد الله بن عامر بعد سنوات من خلافته.
    - قال أحمد بن حنبل في المسند: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كتب عمر في وصيته: «أن لا يقرَّ لي عاملٌ أكثر من سنة، وأقرّوا الأشعريَّ - يعني أبا موسى - أربع سنين».
    فأقرّه عثمان ثم عزله سنة 29هـ بعبد الله بن عامر بن كُريز.
    وولّى على الكوفة الوليد بن عقبة، ثمّ عزل الوليدَ بعد أن شكاه أهل الكوفة، وأمّر مكانه سعيد بن العاص؛ ثمّ إنّ أهل الكوفة خرجوا على سعيد وطردوه وأمّروا أبا موسى الأشعري؛ فأبى أبو موسى أن يقبل منهم إلا أن يجددوا البيعة لعثمان ثم يكتب له فيستأذنه؛ فجدّدوا البيعة لعثمان؛ وكتب أبو موسى لعثمان، فأعجبه ما صنع أبو موسى وأقرّه على إمرة الكوفة.
    وكان شاعر أهل الكوفة عتبة بن الوعل التغلبي قد أرسل قصيدة إلى عثمان وفيها:
    تصدّق علينا يا ابنَ عفّان واحتسب ... وأمّر علينا الأشعريّ لياليا
    فقال عثمان: (نعم وشهورا وسنين إن بقيت). ذكره ابن سعد في الطبقات في خبر طويل.
    ومات عثمان وأبو موسى أميرٌ على الكوفة.
    ثمّ عزله عليّ وولّى قرظة بن كعب الأنصاري، وكان قرظة من المعلّمين الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين.

    - قال ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن عبد الله بن شوذب عن الحسن البصري قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام؛ فقدم عليه فلما قدم عليه قال له: أني إنما بعثت إليك لخير، لتؤثر حاجتي على حاجتك.
    قال: (أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة؛ فتعلّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم وتجاهد بهم عدوَّهم، وتقسم بينهم فيئَهم).
    قال الحسن: (ففعل والله، لقد علَّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم؛ فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيرا لهم من أبي موسى).
    قال ابن شوذب: (ودخل على جمل أورق وخرج عليه حين عزل). رواه ابن عساكر.
    - وقال شعبة عن أبي عامر الخزاز عن الحسن عن أبي موسى قال: (إنَّ أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلّمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظّف لكم طرقكم). رواه ابن عساكر.
    - وقال صالح بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: (أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس سكن الكوفة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه عمر إلى البصرة أميراً عليها؛ فأقرأهم القرآن وفقَّههم، وهو فتح تستر، ولم يكن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسن صوتا منه). رواه ابن عساكر.
    - وقال أبو القاسم البغوي: (أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري حليف سعيد بن العاص، سكن الكوفة، وابتنى بها دارا إلى جانب المسجد).
    - وقال أبو نعيم الأصبهاني: (ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكبيرة، وبنى بها دارا إلى جنب المسجد، وقتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب).
    - وقال يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: بعثني عمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري إلى العراق، فجعل أبا موسى على الصلاة، وجعلني على الجباية، وقال: «إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم، فخذ منها خمسة دراهم، وما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم»رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
    - وقال سهل بن يوسف، عن حميد، عن أنس، قال: «كان النعمان بن مقرّن على جند أهل الكوفة، وأبو موسى الأشعري على جند أهل البصرة» رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو يوسف الفسوي: حدثني عمار عن سلمة عن ابن إسحاق قال: (سار أبو موسى في أهل البصرة من نهاوند؛ ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين). رواه ابن عساكر.
    - وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا زهير، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك (أن الهرمزان نزل على حكم عمر أمير المؤمنين؛ فبعث به أبو موسى مع أنس إلى أمير المومنين؛ فقدمت عليه؛ فقال له عمر: تكلّمْ لا بأس عليك؛ فاستحياه فأسلم وفرض له). رواه ابن عساكر.
    - وقال عرعرة بن البرند السامي: حدثنا زياد الجصاص، عن أبي إسحاق، عن كثير، قال: «غزونا مع أبي موسى الأشعري أصبهان وهمذان ففتحهما الله عز وجل» رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
    - قال مرزوق بن عمرو: حدثني أبو فرقد قال: (كنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز) فذكر الخبر، رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال عتاب بن زهير بن ثعلبة: حدثني مرداس بن نمير، عن أبيه، قال: (كنت من حرس عبد الله بن قيس حين قدم أصبهان، فقام على شرف الحصن علج، فرمى ابنه بسهم فغرز السهم في عجزه، فاستشهد وهو ساجد، وجزع عليه أبوه جزعا شديداً حتى أغمي عليه فأفاق، وظفرنا بالعلج فقتلناه، ثم نزع عن ابنه الخف، ودفنه بكلمه وثيابه، وسوى قبره، ووكل به جماعة يحفظون قبره حتى يأتيهم أمره). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
    - وقال سليمان بن مسلم اليشكري: حدثني خالي بشير بن أبي أمية، عن أبيه، (أن الأشعري نزل بأصبهان، فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه على ذلك، فباتوا على صلح حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غدر، فبارزهم القتال، فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم). رواه ابن سعد.
    - وقال عفان بن مسلم: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري.
    قال: فأصبنا دانيال بالسوس.
    قال: فكان أهل السوس إذا أسنتوا أخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ستين جرة مختمة.
    قال: ففتحنا جرَّة من أدناها، وجرَّة من أوسطها وجرَّة من أقصاها؛ فوجدنا في كل جرّة عشرة آلاف.
    قال همام: ما أراه إلا قال: «عشرة آلاف».
    قال: وأصبنا معه ريطتين من كتان، وأصبنا معه رَبْعَة فيها كتاب). ثم ساق الخبر بطوله، وهو في مصنّف ابن أبي شيبة.
    والرَّبْعَة الصندوق الذي يوضع فيه الكتاب.
    - وقال حسان بن عبد الله، عن السري بن يحيى، عن قتادة، قال: لما فتحت السوس، وعليهم أبو موسى الأشعري وجدوا دانيال في إيوان، وإذا إلى جنبه مال موضوع وكتاب فيه: من شاء أتى فاستقرض منه إلى أجل، فإن أتى به إلى ذلك الأجل وإلا برص، قال: فالتزمه أبو موسى، وقبله، وقال: دانيال ورب الكعبة، ثم كتب في شأنه إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن كفنه، وحنطه، وصل عليه وادفنه كما دفنت الأنبياء صلوات الله عليهم، وانظر ماله فاجعله في بيت مال المسلمين.
    قال: (فكفنه في قباطي بيض، وصلى عليه، ودفنه). رواه أبو عبيد في كتاب "الأموال"، وابن زنجويه، وتمّام في فوائده.
    وهو مرسل لأن قتادة إنما ولد بعد موت أبي موسى بنحو عشرين سنة، لكن يعضده ما قبله في أصل القصة.
    - وقال أبو خلدة خالد بن دينار: حدثنا أبو العالية، قال: لما افتتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميّت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب؛ فدعا له كعبا فنسخه بالعربية.
    أنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا.
    فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟
    فقال: سيرتكم، وأموركم، ودينكم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد.
    قلت: فما صنعتم بالرجل؟
    قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان في الليل دفناه وسوينا القبور كلها، لنعمّيه على الناس لا ينبشونه). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال أبو بردة بن أبي موسى: حدثتني أمي، قالت: (خرج أبو موسى حين نُزع عن البصرة وما معه إلا ستمائة درهم، عطاء عياله). رواه ابن سعد.
    - وقال محمد بن المنتشر، عن مسروق بن الأجدع، قال: (كنت مع أبي موسى أيام الحكمين وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى قال: إن الإمرة ما اؤتمر فيها، وإنَّ الملك ما غلب عليه بالسيف). رواه ابن سعد وابن عساكر.

    صفاته وشمائله
    كان أبو موسى رضي الله عنه خفيف الجسم قليل شعر الوجه، حيّياً كريماً، عظيم الأمانة، حسن الصوت بالقرآن، عالماً بالقرآن والقضاء والفتوى، حريصاً على اتّباع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلّماً كيّساً، ومجاهداً مقداماً، وأميراً محبوباً، وخطيباً مسدّداً حتى شُبّه بالجزار الذي لا يخطئ المفصل من سداد قوله.
    - قال أبو لبيد الجهضمي: (ما كنَّا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي لا يخطئ المفصل). رواه ابن سعد من طريق حماد بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد.
    - وقال حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي مجلز، أن أبا موسى قال: (إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياء من ربي). رواه ابن سعد.
    - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: (كان أبو موسى الأشعري إذا نام لبس ثيابا عند النوم مخافة أن تنكشف عورته). رواه ابن سعد.
    - وقال القاسم بن مخيمرة: حدثني أبو بردة بن أبي موسى رضي الله عنه، قال: وجع أبو موسى وجعا شديدا، فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق، قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برئ من الصالقة والحالقة والشاقة» رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أبو عميس: سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد، وأبي بردة بن أبي موسى قالا: أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنّة، قالا: ثم أفاق، قال: ألم تعلمي وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق» رواه مسلم.
    - وقال روح بن عبادة: حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة أنه وصف الأشعري، فقال: (رجل خفيف الجسم قصير أثط). رواه ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك.
    والأثط قليل شعر الوجه.
    - قال أبو غسان: حدثنا عباد، عن الشيباني قال: سمعت الشعبي، يقول: (القضاء في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بالكوفة فبالمدينة: عمر، وأبي، وزيد بن ثابت، وبالكوفة: علي، وعبد الله، وأبو موسى). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال أبو التياح: سمعت الحسن، يقول: «ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى الأشعري» رواه البخاري في التاريخ الكبير والحاكم في المستدرك.
    - وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير عن عبد الملك بن عمير قال: (رأيت أبا موسى داخلا من هذا الباب، وعليه مقطَّعة ومطرف حبري، يعني باب كندة). رواه أبو القاسم البغوي.

    علمه وفقهه

    - قال عباد بن العوام: أخبرنا [أبو إسحاق] الشيباني، عن الشعبي، قال: (كان يؤخذ العلم عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان عليّ وأبي والأشعريّ يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض).
    قال: فقلت له: وكان الأشعري إلى هؤلاء؟
    قال: (كان أحد الفقهاء). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، وابنه في تاريخه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن [ابن صالح] عن مطرف، عن عامر الشعبي، قال: (كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وزيد وأبو موسى وأبي بن كعب). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن مسروق قال: (كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى، وكان نصفهم لأهل الكوفة: علي وابن مسعود وأبو موسى). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.

    عبادته وهديه
    كان أبو موسى رضي الله عنه، عالماً فقيهاً، وعابداً زاهداً، حريصاً على التفقّه في الدين واتّباع السنّة، ثم لمّا تولّى الولايات لم تغيّره عمّا كان عليه من الزهد وطلب العلم، وقد تولّى إمارة البصرة والكوفة وهما من أغنى بلاد المسلمين في ذلك الزمان، ولم يخرج منها بعد عزله بشيء من مالها، إلا نحو ستمائة درهم عطاء أولاده كسائر رعيّته.
    وكان صاحب ليلٍ وقرآن معروف بذلك، متقلّلاً من الدنيا، صادق الوعد، عظيم الأمانة، لا يخلف، ولا يخون.
    - قال قتادة: حدَّث أبو بردة بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: قال أبي: «لو شهدتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم، إذا أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما لباسنا الصوف» رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه.
    - قال أبو عيسى الترمذي: (ومعنى هذا الحديث أنه كان ثيابهم الصوف، فإذا أصابهم المطر يجيء من ثيابهم ريح الضأن).
    - وقال عاصم الأحول، عن أبي مجلزٍ قال: صلى أبو موسى بأصحابه وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين وسلَّم، ثم قام فقرأ مئةَ آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه.
    فقال: (ما ألوتُ أن أضعَ قدمي حيثُ وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، وأن أصنع مثلَ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال أبو غلاب يونس بن جبير الباهلي، عن أنس بن مالك، قال: قال الأشعري وهو على البصرة: (جهّزني فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي: إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني. فخرج وقد بقي من حوائجه بعض شيء لم يفرغ منه). رواه ابن سعد.
    - وقال وكيع: حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: كنا مع أبي موسى قال: فجئنا الليل إلى بستان خرب.
    قال: فقام أبو موسى من الليل يصلي، فقرأ قراءة حسنة ثم قال: (اللهم أنت مؤمن تحب المؤمن، مهيمن تحب المهيمن، سلام تحب السلام، صادق تحب الصادق). رواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر.
    - وقال جعفر بن سليمان: حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: سمعت أبي، وهو بحضرة العدو، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف».
    فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى، آنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟
    قال: نعم
    قال: " فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل). رواه أحمد ومسلم.
    - وقال زيد بن الحباب: حدثنا صالح بن موسى الطلحي عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا؛ فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك بعض الرفق؛ فقال: (إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك).
    قال: (فلم يزل على ذلك حتى مات). رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر.
    - وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن انس( أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام مخافة أن ينكشف). رواه ابن عساكر.
    - وقال أبو عمرو الشيباني قال: قال أبو موسى: (لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إليَّ من أن يمتلئ من ريح امرأة). رواه ابن سعد.

    قراءته ورواياته

    أخذ أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
    وذكر أبو القاسم الهذلي في " الجامع " أنه جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

    تعليمه القرآن
    كان أبو موسى من كبار المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وزمن الخلفاء الراشدين، فعلَّم في اليمن حتى توفّي النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ علّم في البصرة في خلافة عمر، حتّى كثر القراء فيهم، وجمع مرةً الذين جمعوا القرآن في البصرة فكانوا نحو ثلاثمائة.
    - قال أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: (أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة، كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها:[لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب]
    وكنا نقرأ سورة، كنا نشبهها بإحدى المسبحات؛ فأنسيتها، غير أني حفظت منها: [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة]). رواه مسلم في صحيحه.
    - وقال النضر بن شميل: حدّثنا قرّة بن خالد، قال: أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ، قال: (كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الأشعري، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين).
    قال أبو رجاء: (عنه أخذت هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وكانت أوّل سورة نزلت على محمد). رواه ابن جرير في تفسيره.
    ورواه الحاكم في المستدرك من طريق أبي عامر العقدي عن قرة عن أبي رجاء قال: (تعلَّمنا القرآن في هذا المسجد - يعني مسجد البصرة - وكنا نجلس حلقاً حلقاً). ثم ذكر باقيه بمثل حديث النضر عن قرّة.
    - وقال هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: (بعثني الأشعري إلى عمر، فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟)
    فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن.
    فقال: (أما إنه كيّس، ولا تسمعها إياه). رواه ابن سعد.

    مذهبه في كتابة العلم:
    كان أبو موسى رضي الله عنه لا يرى كتابة العلم، يخشى دخول الغلط على الكاتب، وعلى من يقرأ الكتاب من بعده، وأن يُشتغل به عن القرآن، وهذا مذهب لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم.
    ومنهم من كان يكتب أو يرخّص في الكتابة ومنهم: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وغيرهم.
    ومنهم من يرخّص للخاصّة من أهل العلم دون العامّة لأنّهم أجدر أن يرعوا حدود الله، ويحفظوا أمانة ما كتبوه، وهو ظاهر صنيع عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر.
    ومن التابعين من كان يرخّص في الكتابة لمن يخشى النسيان إلى أن يحفظ ثم يمحو كتابه، وهو قول سعيد بن المسيّب.
    ومنهم من كان يكتب لنفسه ثمّ لا يخوّلها أحداً، وربما أتلفها عند موته، خشية أن تقع بيد من يقرأها وهو لا يفقه ما فيها فيدخل عليه الغلط ويخطئ في الرواية منها، وممن ذهب هذا المذهب عبيدة السلماني وابن سيرين وغيرهم.
    ثمّ استقرّ القول على جواز كتابة العلم، ولم يعد يسع أهل العلم مع كثرة الأسانيد وتفاوت أحوال الرواة سوى ضبط العلم بالكتاب، ودراسة الأسانيد.
    وإنما ذكرت الخلاف في هذه المسألة قبل ذكر ما روي عن أبي موسى من النهي عن كتابة العلم لئلا يُظنّ أنّ هذا قول قد أجمع عليه الصحابة.
    - قال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه «أنَّ بني إسرائيل كتبوا كتابا؛ فتبعوه، وتركوا التوراة» رواه الدارمي.
    - وقال غيلان بن جرير: حدثني أبو بردة بن أبي موسى قال: (كتبت عن أبي أحاديث ففطن بي فقال: تكتب؟ فقلت: نعم، قال: فدعا بكتبي فمحاها بالماء وقال: خذ كما أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال أبو خيثمة: حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة قال: (كتبت عن أبي كتاباً فظهرَ عليَّ فأمر بمركَن؛ فقال بكتبي فيها فغسلها). رواه أبو القاسم البغوي.

    - وقال حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد عن أبي بردة بن أبي موسى قال: كنت آتي أبي فكلما حدّث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قمت فكتبته؛ ففطن لي، فقال: (أتكتب كلَّ ما أحدّث به؟)
    فقلت: نعم.
    قال: (فاذهب فجئ بكتابك).
    فجئته؛ فدعا بماء فغسله فيه). رواه الروياني في مسنده، وابن عساكر في تاريخ دمشق.

    الرواة عنه
    ممن قرأ على أبي موسى من الأئمة القراء: حطان بن عبد الله الرقاشي وأبو رجاء العطاردي.
    وممن له رواية عنه في كتب التفسير المسندة:
    من الصحابة: عياض بن عمرو الأشعري رضي الله عنه.
    ومن التابعين: ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
    وأرسل عنه: سعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة السدوسي.

    وفاته
    توفي أبو موسى رضي الله عنه في ذي الحجة من سنة 44هـ على أرجح الأقوال.
    وفي سنة وفاته أقوال أخرى: فقيل سنة 42هـ، وقيل: سنة 51هـ، وقيل: سنة 52هـ، وقيل: سنة 55هـ.
    - قال أبو نعيم الفضل بن دُكين: مات أبو موسى سنة أربع وأربعين.
    - وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير.
    - وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثنتين وأربعين.
    - وقال خليفة بن خياط: (مات سنة خمسين، ويقال: سنة إحدى وخمسين بالكوفة).
    - وقال الواقدي: سنة 55هـ. وهو خطأ.
    - وقال أبو القاسم البغوي: (بلغني أن أبا موسى توفي سنة ثنتين أو سنة أربع وأربعين وهو ابن نيف وستين سنة).
    - وقال أبو بكر بن أبي شيبة: (وهو ابن ثلاث وستين).

    - قال غسان بن برزين: حدثنا سيار بن سلامة، قال: لما حضر أبا موسى الأشعري الموت دعا بنيه؛ فقال: (انظروا إذا أنا متّ، فلا تؤذننّ بي أحداً، ولا يتبعنّي صوت ولا نار، وليكن ممشى أحدكم بحذاء ركبتي من السرير). رواه ابن سعد.
    - وقال حماد بن سلمة: أخبرنا سعيد الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: (أعمقوا لي قبري). رواه ابن سعد.
    - وقال معتمر بن سليمان التيمي: قرأت على الفضيل بن ميسرة في حديث أبي حَريز أن أبا بردة حدّثه قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت؛ فقال: (إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري بناء، وأشهدكم أني بريء من كلّ حالقة وسالقة وخارقة).
    قالوا: وسمعت فيه شيء؟
    قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
    - وقال الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة، قال: اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا.
    فجاءوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا.
    فقال: (والله إنها لإحدى المنزلتين: إما ليوسّعن عليَّ قبري حتى تكونَ كلُّ زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحنَّ لي باب إلى الجنة؛ فلأنظرنَّ إلى أزاوجي ومنازلي وما أعدَّ الله لي من الكرامة، ثم لأكوننَّ أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبنّي من ريحها ورَوْحها حتى أبعث، وإن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها ليضيَّقنَّ عليَّ قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزجّ، ثم ليفتحنَّ لي باب من أبواب جهنم فلأنظرنَّ إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكوننَّ إلى مقعدي من جهنَّم أهدى مني اليوم إلي بيتي، ثمَّ ليصيبنّي من سمومها وحميمها حتى أبعث). رواه ابن عساكر.
    قال أبو عيسى الترمذي: (والضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال ابن عرزم، وابن عرزم أصحّ).
    وقال ابن حبان: (كنيته أبو زرعة، من صالحي أهل الشام، ومن قال: إنه عرزم بالميم؛ فقد وهم).
    وابن عرزب كان والي دمشق زمن عمر بن عبد العزيز، وكان من خيرة الولاة، لكن روايته عن أبي موسى مختلف فيها؛ فأعلّها أبو حاتم الرازي بالإرسال، وقال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة ابن عرزب: سمع أبا موسى.
    فيُحتمل أن يكون سمعه وهو صغير.

    مواعظه ووصاياه:
    - قال حميد الطويل، عن أبي رجاء، عن أبي المهلب قال: سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول: (من علَّمه الله علماً فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم؛ *فيكون *من *المتكلفين، ويمرق من الدين). رواه ابن سعد.
    - وقال أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أبي موسى قال: (إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم). رواه ابن أبي شيبة، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: كتب أبو موسى إلى عامر [هو ابن عبد قيسٍ] من عبد الله بن قيس: أما بعد: (فإني عهدتك على أمرٍ وبلغني أنك تغيرت، فإن كنت على ما عهدت فاتق الله وَدُمْ، وإن كنت تغيرت فاتق الله وعُدْ). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال علي بن مسهر، عن عاصم [الأحول]، عن أبي كبشة [السدوسي] عن أبي موسى قال: (الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، ألا إن مثل الجليس الصالح كمثل العطر، إلا يحذك يعبق بك من ريحه، ألا وإن مثل جليس السوء كمثل الكير إلا يحرقك يعبق بك من ريحه، ألا وإنما سمي القلب من تقلبه، ألا وإن مثل القلب مثل ريشة متعلقة بشجرة في فضاء من الأرض فالريح تقلبها ظهرا وبطنا). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس قال: كنا مع أبي موسى في منزله؛ فسمع الناس يتكلمون فسمع فصاحة وبلاغة.
    قال: فقال: (يا أنس! هلم فلنذكر الله ساعة، فإنَّ هؤلاء يكاد أحدهم أن يفريَ الأديم بلسانه).
    ثم قال: (يا أنس! ما ثبّط الناس عن الآخرة؟ ما ثبطهم عنها؟).
    قال: قلت: الدنيا والشهوات.
    قال: (لا، ولكن غُيّبت الآخرة، وعُجّلت الدنيا، ولو عاينوا ما عدلوا بينهما ولا ميّلوا). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي موسى قال: (الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم أو تُضْحيهم). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
    - وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبي موسى الأشعري رضي الله، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الدنيا أضر بالآخرة، ومن أحب الآخرة أضر بالدنيا ألا فأضروا بالفاني للباقي». رواه البزار.


    - وقال يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري قال لبنيه عند موته: (أي بني اذكروا صاحب الرغيف! إنَّ رجلاً كان يتعبَّد في صومعة له أربعين سنة ثم شيب أن زين الشيطان في عينه امرأة؛ فنزل، وكان معها سبع ليال ثم تركه فخرج تائبا فجعل يخطو ويبعد حتى أجنَّه الليل إلى دكّان عليه ثلاثة أو اثنا عشر مسكيناً، ورجل يعطي كل واحد منهم رغيفا كل ليلة).
    قال: (فأعطاهم رغيفا رغيفا، وأعطاه رغيفا، وترك رجلاً منهم؛ فقال: "حبست عني الرغيف أما كان بك عنه غنا؟"
    قال: "تراني حبسته عليك! لا والله لا أعطيك الليلة شيئا"
    فدسَّ الرجل الرغيف إلى الرجل الذي لم يعط شيئا وصبح ميتاً).

    قال: (فوُزنت الليالي بالسنين فربحت الليالي، ثم وزنت الليالي بالرغيف؛ فربح الرغيف). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.

    مما رُوي عنه في التفسير:
    - وقال حرملة بن قيس، عن محمد بن أبي أيوب، عن أبي موسى قال: «أمانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رفع أحدهما، وبقي الآخر: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}» رواه أحمد في المسند.
    - وقال الحسن بن الصباح البزار: حدثنا أبو بردة عن أبي موسى قال: (إنه كان فيكم أمانان قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}).
    قال: (أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة). رواه ابن جرير.
    ب: الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى: {فرت من قسورة} قال: الرماة. رواه ابن جرير.
    ج: وقال الحسن بن مكرم: حدثنا علي بن عاصم، عن عاصم بن كليب عن أبي بردة، قال: كان أبو موسى إذا قرأ: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } قال: (يعني الجهل) ويبكي.
    وإذا قرأ: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} بكى). رواه ابن عساكر.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •