وقفات مع الكتابة

أمل بنت عبدالله




في بدايات الكتابة تكون العملية الإبداعية ذاتية.

لايتجاوز الإنسان تجاربه الخاصة، وخياله لايتعدى المحيط القريب منه.

تدريجيًّا يبدأ في الانفصال عن الصورة الضيقة داخل وَعيه ووجدانه نحو العالم.




تتكون لديه صور أكثر اتساعًا وأعمق رؤية، وتصبح الخبرات والتجارب أشمل من مجرد البَوح والفضفضة، وتمكِّنه من فهم الحياة.




وينمو لديه من الوعي والإدراك مايجعله قادرًا على استنطاق الأحداث، وقراءة الأفكار، فيتكثف الوعي والشعور نحو اتساع الوجود من حوله، وتفكيك إشارات ورموز المواقف، وتخرج مكنوناته بطابع إنساني يغمر مسار الرؤية.







كيف تستطيع السيطرة على أفكارك أثناء الكتابة؟

اجعل الفكرة الرئيسة نُصب اهتمامك، وابدأ العمل عليها، مع الخبرة تستطيع قطع علائق كل ما يحاول تشتيت انتباهك من أفكارثانوية، تطل برأسها أثناء الكتابة.



تجنب كثرة الاستطرادات؛ لأنها تضيع الفكرة، وتشتتها، وتجعل القارئ يجري خلف عدة أفكارمتشعبة، ولايصل إلى غايته من قراءة النص.



ركز على الكتابة، لا تشغل بالك بالقواعد النحوية والإملائية، وإن كانت مهمة للكاتب، لكن اجعلها فيما بعد.



بعد أن تنتهي من الكتابة تستطيع مراجعة ما كتبت، وتصحيح ما تعتقد خطأه إلى الصواب.



لا تتعسف في عصر مخك أثناء الكتابة، للحصول على أفكار لم يسبق إليها أحد غيرك، بل اترك الأمر على سجيته، وستأتيك الأفكار طواعية.



كلنا نحب التميز في الكتابة، فمع المران والممارسة تبتكر أساليبك الخاصة وأفكارك.



كل خاطرة تتوارد على ذهنك قم بكتابتها في الحال، والمراجعة فيما بعد، لا تشغل جهدك أثناء الكتابة بشيء سواها.



التركيز يكون في اتجاه واحد، لا تشتت انتباهك في أكثر من فكرة أثناء الكتابة.







عادات:


لكل إنسان عاداته الخاصة في الأكل والشرب، وغيرها من أمور الحياة.



كذلك الكتابة لها بعض العادات – لا تصدق حكاية الطقوس - بل أعني عاداتك الخاصة وأجواءك المفضلة للكتابة.



تأتي الأمور بتلقائية، لا تعقد نفسك بوضع قوانين صارمة تتخذها وضعية للكتابة.



ستجد نفسك في مأمن من المأزق الذي يحاول بعض الكتَّاب فرضه على أنفسهم ومن حولهم.



تستطيع معرفة ما عليك فعله وما تتجنبه، وترتيب أوضاعك، بما يناسب احتياجاتك كما تفعل بأمورك الشخصية.



الكتابة شأن شخصي، لا تتقيد بتعليمات وقوانين لا تتناسب مع أوضاعك.



افرض رأيك على حياتك وشخصيتك، واستفد من تجارب الآخرين، ولا تجعلها قوانين تعوق تقدمك، وتقف في طريق إبداعك.



بالطبع هناك خطوط ثقافية ودينية لا ينبغي تجاوزها، علينا التمسك بها.



فقد يحاصر الكاتبَ اتجاهٌ ضد قيمه ومبادئه، فيحرص على ألَّا يضع نفسه داخل تلك المتاهة، بل يترك الكتابة في تلك اللحظة، ويعود إليها فيما بعد.







الثقافة الذاتية مهمة للكاتب والأديب الذي يتخذ الكتابة مهنة.

فالثقافة لا يحدها إطار أو قانون، بل تشمل جميع أنواع العلوم والمعارف الإنسانية.

ومنها أن يكون الأديب أو الكاتب ضامنًا لحقوقه، عارفًا واجباته، ملمًّا بأدبيات مهنته.



ليست كل المشاعر الإنسانية عرضة للكشف والتحليل أمام القراء، فللكاتب صيانة روحه وعقله عن الانغماس في شعور يؤذي المتلقي، ويخدش روحه، ويعبث بأفكاره.



فليس كل شعور قابلًا للتصدر أو عرضة للكشف أمام الناس والقراء خاصة.



فمن الأَولَى تعليم الناس حسن التصرف، والتأقلم مع الظروف، وحسن مواجهتها، بدل تشتيت فكر القارئ، وتركيز انتباهه بما لا يضيف لرصيده المعرفي والمعنوي أدنى إضافة.



فالأزمات تضع الإنسان في حيز ضيق، من انعدام الرؤيا، وتضليل الشعور.







أفكار الكاتب قد لا ترتبط ذهنيًّا مع ذاته أثناء الكتابة، فنشعر بذلك الخلل وقت القراءة، وبوقفات الذهن التي تسلل منها شعور الكاتب، مما يَصِم النص بالرتابة والملل.



فالتحديات التي تواجه الكاتب أثناء عمله، لا بد أن يدركها، وينتبه لوجودها، قبل أن تتسرب داخل وعي القارئ، وفطنة القارئ تجعله يقظًا لِما آلت إليه الأوضاع أثناء إنتاج العمل الأدبي.



في لحظة التدفق الكتابي يظل الخيط ممدودًا ما بين الكاتب والمتلقي، وغفلة الكاتب أو تناثر الأحداث والأفكار بين يديه تُضْعِف من إقبال المتلقي على النص، وتُفْقِد النص وحدته الشعورية داخل ذهن المتلقي، فيقل التفاعل وينعدم التواصل الشعوري بين القارئ والنص.



فالمسؤولية تقع على عاتق الكاتب ومراعاته ترك حرية انسياب الأفكار، وعدم منع تدفقها لتصل مكتملة النمو في وعي المتلقي.







حضور اللحظة الشعورية:


تُعرض أمامنا يوميًّا كثير من المواقف، والمشاهد الحية، بينما تظل حبيسة جدران العقل، وعاجزة عن التعبير عن نفسها؛ نتيجة عدم حضور اللحظة الشعورية، فللحظة الشعورية أوقات تظهر فيها، وأحيانًا تظهر بصورة غير متوقعة وبشكل فجائي، والأفكار وإن كان يخطط لها، فإن لم تكن بحضور اللحظة الشعورية، فلا قيمة لها، فاستحضارها يحتاج مرانًا وممارسة، وخبرة الكاتب قد تعينه في ذلك.




وعندما تخنق اللحظة الشعورية، وترغمها لمتطلبات الكتابة، يصبح النص ثقيلًا، بطيء الحركة، ويفقد تدفقه، وحيويته داخل الوعي.








اعتقادات سائدة:


ليست على الأرجح صحيحة، قد يجانبها الصواب، فكثير من الأفكار التي نعتنقها لا نتأكد من صحتها إلا بعد مدة، فالاعتقاد الراسخ قد يزول سريعًا عند احتكاكه بالواقع.



وقراءة شيء جديد يثير الفضول، وابتكار صور مدهشة تخلق لدى الإنسان حسًّا ووعيًا بالعالم أكثر من قبل.




كسر الحاجز ما بين الاعتقادات يرسخ عند الإنسان قناعة بأهمية التغيير.




فالبحث داخل الصور الشعرية تحتاج للابتكار، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال القراءة والاطلاع على تجارب النصوص الجيدة.



فالصورة الشعرية المدهشة لا تثير الإعجاب، بل تمد القارئ بحاسة جديدة لالتقاط صور جديدة للحياة، وإعادة اكتشاف الأشياء وقراءتها.