تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 25

الموضوع: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [فصل في قتال من ترك التوحيد]
    قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، قدس الله روحه:
    اعلم وفقنا الله وإياك للإيمان بالله ورسوله: أن الله سبحانه قال في كتابه: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [سورة التوبة آية: ٥].
    فتأمل هذا الكلام: أن الله أمر بقتلهم وحصرهم، والقعود لهم كل مرصد، إلى أن يتوبوا من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ وأيضا: فقد قال ﷺ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» ١.
    فهذا كلام رسوله ﷺ وقد أجمع العلماء عليه من كل مذهب، وخالف ذلك من هؤلاء الجهال، الذين يسمون العلماء، فقالوا: من قال لا إله إلا الله، فهو المسلم حرام الدم والمال، وقد بيّن النبي ﷺ الإسلام في حديث جبريل - لما سأله عن الإسلام - فقال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله
    ، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ١ فهذا تفسير رسول الله ﷺ.
    وهؤلاء يقولون: إن البدو إسلام، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله. فمن سمع كلامهم، وسمع كلام رسول الله ﷺ فلا بد له من أحد أمرين، إما أن يصدق الله ورسوله، ويتبرأ منهم ويكذبهم؛ وإما أن يصدقهم، ويكذب الله ورسوله، فنعوذ بالله من ذلك، والله أعلم.
    فتأمل أول أصول الدين:
    الأولى: أن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لبيان الحق من الباطل.
    الثانية: بيان ما اختلف فيه الناس.
    الثالثة: أن الواجب عليهم اتباع ما أنزل إليهم من ربهم.
    الرابعة: أن من لم يرفع به رأسا، فهو منافق جاهل.
    الخامسة: رد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنّة.
    السادسة: أن من اتبع الهدى الذي جاءت به الرسل، لا يضل ولا يشقى.
    السابعة: أن من أعرض عن ذلك، حشر أعمى، ضالا شقيا مبعدا.
    الثامنة: أن الذين في قلوبهم مرض، يتبعون ما تشابه منه.
    وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ﵀ تعالى، الذين أقروا أن التوحيد أكبر كل كبير، واختلفوا هل نقاتل من لم يتركه، وإذا قال لا إله إلا الله وانتسب إلى الملة، فحكم الكتاب بينهم بقوله تعالى: {وقاتِلُوهُمْ حَتّى
    لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال آية: ٣٩].
    وقال الله تعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ-سورة التوبة آية: ٥] الآية.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    سئل أبناء الشيخ، وحمد بن ناصر،
    عن المشرك إذا قال لا إله إلا الله حال الحرب؟
    فأجابوا:
    هذا يحتاج إلى تفصيل، فإن كان المشرك لا يتلفظ بها في حال شركه وكفره، كحال المشركين الذين في زمن النبي ﷺ، فهذا إذا قال: لا إله إلا الله، وجب الكف عنه، لأنها دليل على إسلامه وإقراره، لأن المشركين في زمن النبي ﷺ لا يقولونها، وإذا قالها أحدهم كانت دالة على إسلامه، وهذا معنى الأحاديث التي جاءت في الكف عمن قال: لا إله إلا الله، كحديث أبي هريرة المتفق عليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ﷿»١، وكذلك حديث أسامة، لما قتل الرجل في الحرب بعدما قال: لا إله إلا الله، فلما ذكر ذلك لرسول الله ﷺ أنكر ذلك عليه، وقال: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا»٢، وفي رواية «إنما قالها خوفا من السلاح، فقال: أفلا شققت عن قلبه؟» ٣.
    قال العلماء: وفي ذلك أنزل الله: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا
    ١ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣٤١)، وأحمد (٣/‏٢٩٥،٣/‏٣٠٠،٣/‏٣٣٢،٣/‏٣٩٤).
    ٢ البخاري: المغازي (٤٢٦٩)، ومسلم: الإيمان (٩٦)، وأحمد (٥/‏٢٠٠).
    ٣ مسلم: الإيمان (٩٦)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٣)، وأحمد (٥/‏٢٠٧).
    إذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [سورة النساء آية: ٩٤] الآية؛ فدلت الآية على أنه يجب الكف عن المشرك إذا أظهر الإسلام، ولو ظن أنه إنما قال ذلك خوفا من السيف؛ فإن تبين بعد ذلك أنه إنما أظهر الإسلام تعوذا، قتل، ولهذا قال تعالى:فتبينوا - والتبين هو: التثبت، والتأني، حتى يتبين حقيقة الأمر.
    وأما إذا كان المشرك يتلفظ بلا إله إلا الله، في حال كفره وردته، ويفعل من الأفعال ما يوجب كفره وأخذ ماله، فهذا يقتل ويباح دمه وماله، كما قال الصديق ﵁ لعمر ﵁ لما ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله ﷺ وكان فيهم طائفة يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون، ولكنهم منعوا الزكاة.
    فقال عمر لأبي بكر: «كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله».
    فقال أبو بكر ﵁: «فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق».
    فقاتلهم أبو بكر وسائر

    الصحابة، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون.
    وأجمع العلماء من أهل المذاهب على كفر من جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالصلاة والصيام والحج وغير ذلك، وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وذلك لأن الدين لا يجوز التفريق فيه، بأن يؤمن الإنسان ببعض ويكفر ببعض، كما قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ويُرِيدُونَ أنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ ورُسُلِهِ ويَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقًّا﴾ [سورة النساء آية: ١٥٠-١٥١].
    وقال تعالى: ﴿وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [سورة الأنفال آية: ٣٩] قال العلماء: كل طائفة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام، تقاتل حتى يكون الدين كله لله؛ وهذا مجمع عليه بين العلماء من أهل المذاهب، والله أعلم.
    ولهم أيضا، رحمهم الله تعالى:
    وأما قولك: إن المسلمين إذا أمسكوا أحدا يشهد أن لا إله إلا الله، أنهم يقتلونه ويأسرونه،
    فجواب هذه المسألة، نظير الجواب في التي قبلها،
    ونحن نقول: لا إله إلا الله قول وعمل؛ فمن قال: لا إله إلا الله، ولم يعلم معناها،


    ولم يعمل بمقتضاها، لم ينفعه ذلك؛
    فإن المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار، يقولون: لا إله إلا الله، ولم ينفعهم ذلك.
    وكذلك بنو حنيفة، الذين قاتلهم أصحاب رسول الله ﷺ، يقولون: لا إله إلا الله، ويؤذنون، ويصلون، وهم كفار بالإجماع. وقد أراد النبي ﷺ أن يغزو بني المصطلق لما قيل له إنهم منعوا الزكاة، وهم يقولون: لا إله إلا الله، ويؤذنون ويصلون. وكذلك الصديق ﵁ قاتل مانعي الزكاة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ويؤذنون، ويصلون.
    وكذلك عَلِيٌّ حرق الغالية، وهم يقولون: لا إله إلا الله، وكذلك الخوارج الذين قال فيهم النبي ﷺ: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم»، وأخبر أنهم شر قتيل تحت أديم السماء، وقاتلهم علي ﵁ وهم يقولون: لا إله إلا الله، ويعملون أعمالا شاقة.
    وجماع الأمر:
    أنا نقول: لا إله إلا الله، قول، وعلم، وعمل؛ وقد ذكر الله ذلك في كتابه بالمعنى، كما قال تعالى: {وإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ


    لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الزخرف آية: ٢٦-٢٨].
    أي: إليها، والكلمة: لا إله إلا الله.
    وقال تعالى: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ ألاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنّا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران آية: ٦٤] وقال تعالى لنبيه ﷺ ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ﴾ [سورة محمد آية: ١٩] فمن أتى بها علما وعملا، لم نكفره ولم نقتله، والمسألة لها بسط طويل، ليس هذا موضعه.
    وقال أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ: وأما قولكم: إنه يحكى لنا أنكم تقتلون، ذا الشيبة، والمرأة، والصغير، ورسول الله ﷺ أمر: أن لا يقتل من المشركين لا شيبة عاجز، ولا امرأة، ولا قاصر لم ينبت، فنقول: هذا كذب وزور، وبهتان علينا، فلا نأمر بقتل الشيخ الكبير من المشركين، ولا المرأة، ولا الصغير الذي لم ينبت؛ فإن كان أحد من جهال المسلمين، البعيد عنا، فعل شيئا من ذلك، فهو مخطئ مخالف لشرع الله ورسوله، ونحن نبرأ إلى الله من ذلك.
    وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر بمثل ما تقدم ١.
    ١ أي في صفحة ٢٤٠ - ٢٤٢.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    وقال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود؛ رحمهما الله تعالى:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد العزيز بن محمد، إلى الأخ في الله: محمد بن أحمد الحفظي، سلمه الله تعالى من الآفات، واستعمله بالباقيات الصالحات، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
    فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، وأسأله أن يصلي على حبيبه من خلقه، وخيرته من بريته، محمد عليه أفضل الصلاة، وأزكى السلام والتحيات، ووصل الخط، أوصلك الله إلى رضوانه؛ وما أشرت إليه من النصيحة، صار عندنا معلوما جزاك الله عنا خيرا، ونسأله المعونة، والتوفيق والتسديد، في جميع الأحوال الظاهرة، والخفية.
    وما أشرت إليه في كتابك، من أن بعض القادمين علينا، يأخذون منا أوراقا، يريدون بها الجاه، والترفع على من بينه وبينهم ضغائن جاهلية، فأنت تفهم أن المملوك ليس له اطلاع على السرائر، وإنما عليه الأخذ بالظواهر، والله يتولى السرائر، ومن خدعنا بالله انخدعنا له.
    فإذا جاءنا من يقول: أنا أريد أن أبايعكم على دين الله ورسوله، وافقناه وبايعناه، وبينا له الدين الذي بعث الله به
    رسوله ﷺ، ونأمره بذلك، ونحضه على القيام به في بلده، ودعوة الناس إليه، وجهاد من خالفه، فإذا خالف ذلك وغدر، فالله حسيبه.
    وأما الطائفة الثانية: وهم الجنود المنتشرة للجهاد، فكثير منهم لا نشعر بهم، ولا نعرفهم، بل إذا دخل أهل بلد في الإسلام، وعاهدوا، ساروا إلى من حولهم، من غير تحقيق ومعرفة بما يقاتل الكفار عليه.
    وأما الجيوش والأجناد، الذين نجهزهم من الوادي، وأتباعهم، فنأمرهم بقتال كل من بلغته الدعوة، وأبى عن الدخول في الإسلام، والانقياد لتوحيد الله، وأوامره وفرائضه، واستمسك بما هو عليه من الشرك بالله، وترك الفرائض، والأحكام الجاهلية المخالفة لحكم الله ورسوله؛ ومثل هؤلاء لا يحتاجون إلى الدعوة، إذا كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك بسنين، وأبوا وأعرضوا عن دين الإسلام، وإخلاص العبادة لله.
    وقد أغار رسول الله ﷺ على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم ترعى، فسبى رسول الله ﷺ النساء والذرية، والنعم والشاء، مع أن الدعوة قبل القتال مستحبة، ولو كانت الدعوة قد بلغتهم، لأن رسول الله ﷺ قال لعلي ابن أبي طالب، حين بعثه لقتال أهل خيبر: «فادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»١.
    ١ البخاري: الجهاد والسير (٢٩٤٢) والمغازي (٤٢١٠)، ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٦)، وأحمد (٥/‏٣٣٣).


    وأجاب بعضهم:
    شرع الله الجهاد، وأمر بالقتال، وبين لنا الحكمة في ذلك، وموجبه، وما يحصل به الكف،
    قال سبحانه: ﴿وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [سورة الأنفال آية: ٣٩]، قال المفسرون: الفتنة الشرك، والدين: اسم عام لكل ما بعث الله به محمدا ﷺ
    وقال ﷺ: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله لا يشرك به شيء» ١، وقال: «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها» ٢ وقد عمل بهذا أبو بكر، ووافقه الصحابة ﵃، في قتال مانعي الزكاة؛ فدل الحديث، وعمل الصحابة، على أن من ترك شيئا من شرائع الدين الظاهرة، وكانوا طائفة مجتمعة على ذلك، أنهم يقاتلون.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [موجب شرع الجهاد]
    قال شيخ الإسلام ﵀: كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام، الظاهرة المعلومة، فإنه يجب قتالها؛ فلو قالوا: نشهد ولا نصلي، قوتلوا حتى يصلوا؛ ولو قالوا: نصلي ولا نزكي، قوتلوا حتى يزكوا؛ ولو قالوا: نزكي ولا نصوم، ولا نحج البيت، قوتلوا حتى يصوموا، ويحجوا البيت.
    فلو قالوا: نفعل هذا كله، لكن لا ندع الربا،
    ١ أحمد (٢/‏٥٠).
    ٢ البخاري: الإيمان (٢٥)، ومسلم: الإيمان (٢٢).
    ولا شرب الخمر، ولا الفواحش، ولا نجاهد في سبيل الله، ولا نضرب الجزية على اليهود والنصارى، ونحو ذلك، قوتلوا حتى يفعلوا ذلك، كما قال تعالى ﴿وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [سورة الأنفال آية: ٣٩]. انتهى.
    فعلم: أن المقاتلين أنواع، منهم من يقاتل على الدخول في الإسلام، وهو الإقرار لله بالوحدانية، والاعتراف له بذلك، والعمل به، والشهادة لمحمد ﷺ بالرسالة، فهذا إذا التزم بذلك التزاما ظاهرا، كف عن قتاله على ذلك، ووكلت سريرته إلى الله، إلا إن قام به ناقض ينقض ما التزمه، وأظهر الناقض، وترك شريعة من شرائعه، كالصلاة، والزكاة، وغيرهما من الشرائع؛ فيجب على ولي الأمر، أن يقاتل هذا، وأن يبعث عماله على هذا المنوال، وما كان من نقص، فهو نقص في الراعي والرعية.
    نعم: النبي ﷺ أمر معاذا أن يدعو إلى ثلاثة أركان: الشهادتين، والصلاة، والزكاة؛ وأخذ بهذا خلفاؤه ﵃، لأن غالب عامة الناس، إنما خوطبوا بذلك؛ فالحاضرة المظهرة للإسلام في الظاهر، وكذا البادية، وإن صدر من آحادهم ما هو ناقض، كحال آحاد المنافقين زمن النبي ﷺ.

    فقد يصدر من الحاضرة نوع استهزاء وغير ذلك، وقد يصدر من آحاد البادية نوع استهزاء، ونوع تحاكم إلى غير ما أنزل الله، لا سيما بادية الجنوب، وهؤلاء الآحاد، إذا أقروا بصدور ما هو ناقض، أمروا بالتوبة منه، وخوطبوا بالشرائع الظاهرة، فإن امتنعوا التزام ذلك، قوتلوا عليه حتى يلتزموه، ويؤدوه، وحسابهم على الله.
    وأما البلد التي يحكم عليها بأنها بلد كفر، فقال ابن مفلح: وكل دار غلب عليها أحكام المسلمين، فدار إسلام؛ وإن غلب عليها أحكام الكفر، فدار كفر؛ ولا دار غيرهما.
    وقال الشيخ تقي الدين، وسئل عن «ماردين»، هل هي دار حرب أو دار إسلام؟
    قال: هي مركبة، فيها المعنيان، ليست بمنْزلة دار الإسلام التي تجري فيها أحكام الإسلام، لكون جنودها مسلمين، ولا بمنْزلة دار الحرب التي أهلها كفار؛ بل هي قسم ثالث، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه؛ والأولى هو الذي ذكره القاضي والأصحاب.

    سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، ﵀، عمن يقول: لا إله إلا الله، ويدعو غير الله، هل يحرم ماله ودمه، بمجرد قولها، أم لا؟
    فأجاب:
    لا إله إلا الله كلمة الإخلاص، وكلمة التقوى، والعروة الوثقى، وهي الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، جعلها كلمة باقية في عقبه؛ وقد تضمنت ثبوت الإلهية لله تعالى، ونفيها عما سواه، والإله هو الذي تألهه القلوب، محبة وإنابة وتوكلا، واستعانة ودعاء، وخوفا، ورجاء، ونحو ذلك.
    ومعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [سورة الحج آية: ٦٢] وقال جل ذكره: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وما هُوَ بِبالِغِهِ وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ﴾ [سورة الرعد آية: ١٤].
    فدلت هذه الكلمة العظيمة مطابقة، على إخلاص العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، ونفي كل معبود سواه، قال الله تعالى: ﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [سورة الزخرف آية: ٢٦-٢٨] أي: لا إله إلا الله، فأرجع ضمير هذه الكلمة، إلى ما سبق من مدلولها، وهو قوله: {إنَّنِي


    بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} [سورة الزخرف آية: ٢٦-٢٧].
    وهذا هو الذي خلق الله الخلق لأجله، وافترضه على عباده، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لبيانه وتقريره، قال تعالى: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والأِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات آية: ٥٦] وقال تعالى: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيّاهُ﴾ [سورة الإسراء آية: ٢٣] الآية وقال تعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أنا فاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء آية: ٢٥] وقال تعالى: ﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ﴾ [سورة هود آية: ١-٢].
    وقال تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ ويُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى لا انْفِصامَ لَها واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة آية: ٢٥٦] والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود أو متبوع أو مطاع، فمن تحقق بمدلول هذه الكلمة العظيمة، من إخلاص العبادة لله تعالى، والبراءة من عبادة ما سواه، بالجنان والأركان، وعمل بما اقتضته من فرائض الإسلام والإيمان، كان معصوم الدم والمال، ومن لا، فلا.
    قال الله تعالى: ﴿فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [سورة التوبة آية: ٥] فدلت هذه الآية الكريمة، على أن عصمة الدم والمال، لا تحصل بدون هذه الثلاث، لترتبها

    عليها ترتب الجزاء على الشرط؛ وفي الصحيح عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه: أن النبي ﷺ قال: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى» ١.
    فلا بد لتصحيحها من الإخلاص لله تعالى، ونفي الشرك، كما قال تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [سورة النساء آية: ٣٦] وقال تعالى: ﴿وما أُمِرُوا الاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [سورة البينة آية: ٥].
    وقال تعالى: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ الاَّ لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [سورة الزمر آية: ٢-٣].
    ثم شهد عليهم بالكذب والكفر، وأخبر أنه لا يهديهم، فقال: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [سورة الزمر آية: ٣] وفي المتفق عليه، من حديث معاذ «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» ٢ فمن تأله قلبه غير الله، ودعاه من دون الله، فقد أشرك بالله، والله لا يغفر أن يشرك به، قال الله تعالى: ﴿ومَن أضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ [سورة الأحقاف آية: ٥] الآية وقال تعالى: {والَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إنْ تَدْعُوهُمْ
    ١ مسلم: الإيمان (٢٣)، وأحمد (٣/‏٤٧٢،٦/‏٣٩٤).
    ٢ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٥٦)، ومسلم: الإيمان (٣٠)، والترمذي: الإيمان (٢٦٤٣)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٩٦)، وأحمد (٣/‏٢٦٠،٥/‏٢٢٨،٥/‏٢٢٩،٥/‏٢٣٠،٥/‏٢٣٤،٥/‏٢٣٦،٥/‏٢٣٨،٥/‏٢٤٢).


    لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ولَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ ويَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر آية: ١٣-١٤].
    وقال تعالى: ﴿فَإذا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى البَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ ولِيَتَمَتَّعُو ا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [سورة العنكبوت آية: ٦٥-٦٦] وفي المتفق عليه من حديث ابن مسعود، أنه «قيل: يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا، وهو خلقك»١، وفي رواية لمسلم «أن تدعو لله ندا»٢ الحديث. والله المستعان.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى:
    من لم تشمله دائرة إمامتكم، ويتسم بسمة دولتكم، هل داره دار كفر وحرب على العموم؟
    فأجابوا:
    الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام، وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما نهى عنه وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولم نكفر أحدا دان بدين الإسلام، لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفر الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده، فقد كذب وافترى.
    ١ البخاري: تفسير القرآن (٤٤٧٧،٤٧٦١) والأدب (٦٠٠١) والحدود (٦٨١١) والديات (٦٨٦١) والتوحيد (٧٥٢٠،٧٥٣٢)، ومسلم: الإيمان (٨٦)، والترمذي: تفسير القرآن (٣١٨٢،٣١٨٣)، والنسائي: تحريم الدم (٤٠١٣،٤٠١٤،٤٠١٥) ، وأبو داود: الطلاق (٢٣١٠)، وأحمد (١/‏٣٨٠،١/‏٤٣١،١/‏٤٣٤،١/‏٤٦٢،١/‏٤٦٤).
    ٢ البخاري: تفسير القرآن (٤٤٧٧،٤٧٦١) والأدب (٦٠٠١) والحدود (٦٨١١) والديات (٦٨٦١) والتوحيد (٧٥٢٠،٧٥٣٢)، ومسلم: الإيمان (٨٦)، والترمذي: تفسير القرآن (٣١٨٢،٣١٨٣)، والنسائي: تحريم الدم (٤٠١٣،٤٠١٤،٤٠١٥) ، وأبو داود: الطلاق (٢٣١٠)، وأحمد (١/‏٣٨٠،١/‏٤٣١،١/‏٤٣٤،١/‏٤٦٢،١/‏٤٦٤).
    وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله، والعمل بفرائض الله، وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفره ونقاتله، ونشن عليه الغارة، بل بداره؛ وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا، بل الذي نتحقق ونعتقده: أن أهل اليمن وتهامة، والحرمين والشام والعراق، قد بلغتهم دعوتنا، وتحققوا أنا نأمر بإخلاص العبادة لله، وننكر ما عليه أكثر الناس، من الإشراك بالله من دعاء غير الله، والاستغاثة بهم عند الشدائد، وسؤالهم قضاء الحاجات، وإغاثة اللهفات؛ وأنا نأمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر أمور الإسلام؛ وننهى عن الفحشاء والمنكرات، وسائر الأمور المبتدعات؛ ومثل هؤلاء لا تجب دعوتهم قبل القتال، فإن النبي ﷺ أغار على بني المصطلق وهم غارون، وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة.
    وأما قوله ﷺ لعلي يوم خيبر، لما أعطاه الراية، وقال: «انفذ على رسلك حتى تنْزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام»١، فهو عند أهل العلم على الاستحباب، وأما إذا قدرنا: أن أناسا لم تبلغهم دعوتنا، ولم يعلموا حقيقة أمرنا، فإن الواجب دعوتهم أولا قبل القتال، فيدعون إلى الإسلام، وتكشف شبهتهم إن كان لهم شبهة، فإن أجابوا فإنه يقبل منهم، ثم يكف عنهم، فإن أبوا حلت دماؤهم وأموالهم.
    ١ البخاري: الجهاد والسير (٢٩٤٢) والمغازي (٤٢١٠)، ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٦)، وأحمد (٥/‏٣٣٣).


    سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا كان في البلدة وثن يدعى من دون الله، ولم ينكر، هل يقال هذه بلدة كفر؟ أو بلدة إسلام؟
    فأجاب: لا ينبغي الجزم بأحد الأمرين، لاحتمال أن يكون في البلد جماعة على الإسلام مظهرين ذلك، فإن هذه الدعوة التي ظهرت بنجد، ومكنها الله بالجزيرة، قد قبلها أناس، كما بلغنا عن الأفغان، والصومال، أن في كل منهما طائفة تدين بالتوحيد، وتظهره، وقد يكون غيرهم كذلك، لأن هذه الدعوة قد شاعت في كل بلاد، وقرؤوا مصنفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ﵀ تعالى، فيما أجاب من عارضه، وقد بلغنا من ذلك عن بعض أهل الأقاليم، ما يوجب التوقف.
    وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، ﵀:
    البلدة التي فيها شيء من مشاهد الشرك، والشرك فيها ظاهر، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، مع عدم القيام بحقيقتها، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر، أو دار إسلام؟
    فهذه المسألة: يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء، في بلدة كل أهلها يهود، أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية،


    صارت بلادهم بلاد إسلام؛ وتسمى دار إسلام، فإذا كان أهل بلدة نصارى، يقولون في المسيح أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام، فبالأولى فيما أرى: أن البلاد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به.
    بل لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام، قوتلوا وإن لم يكونوا كفارا ولا مشركين، ودارهم دار إسلام؛ قال الشيخ تقي الدين: أجمع العلماء على أن كل طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، تقاتل حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين، وأولى؛ انتهى. وما ذكرناه عن العلماء من أنهم يسمون البلدة التي أهلها يهود، أو نصارى، دار إسلام، يذكرون ذلك في باب اللقيط وغيره.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [قتل المشرك الحربي]
    سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عن قتل المشرك الحربي.. إلخ. فأجاب:
    لا يمنع المسلم من قتل المشرك الحربي، ولو كان جارا للمسلم، أو معه في الطريق، إلا إذا أعطاه ذمة، أو أمنه أحد من المسلمين، ففي الحديث: «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم».
    وقال الشيخ: حمد بن عتيق، ﵀ تعالى، لبعض إخوانه: وما ذكرت من فقد الإخوان، فهو وصمة على الدين والإيمان، ويدل على أن ما أخبر به الصادق المصدوق قد آن، وقد قال ﷺ: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» ١.
    وقال ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويوضع الجهل» ٢ في أحاديث كثيرة في هذا المعنى؛ وقد وقع كما أخبر به الصادق المصدوق.
    وبعد ذلك: بلغني ما ساءني، وعسى أن يكون كذبا، وهو: أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء، التي تؤخذ منهم قهرا؛ فإن كان صدقا فلا أدري ما عرض لك؛ والذي عندنا أنه لا ينكر مثل هذا، إلا من يعتقد معتقد
    ١ البخاري: العلم (١٠٠)، ومسلم: العلم (٢٦٧٣)، والترمذي: العلم (٢٦٥٢)، وابن ماجه: المقدمة (٥٢)، وأحمد (٢/‏١٦٢،٢/‏١٩٠،٢/‏٢٠٣)، والدارمي: المقدمة (٢٣٩).
    ٢ البخاري: العلم (٨٠) والحدود (٦٨٠٨)، ومسلم: العلم (٢٦٧١)، والترمذي: الفتن (٢٢٠٥)، وابن ماجه: الفتن (٤٠٤٥)، وأحمد (٣/‏٩٨).
    أهل الضلال، القائلين أن من قال: لا إله إلا الله لا يكفر، وأن ما عليه أكثر الخلق من فعل الشرك وتوابعه، والرضى بذلك، وعدم إنكاره، لا يخرج من الإسلام.
    وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀، في أصل هذه الدعوة، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون، قد اطلع على أن البلد، إذا ظهر فيها الشرك، وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، أنها تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها، وتستباح دماؤهم، وقد زاد أهل هذه البلد، بإظهار المسبة لله ولدينه، ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه ﷺ وقد علمت أن هذه كافية وحدها، في إخراج من أتى بها من الإسلام.
    هذا ونحن نقول:
    قد يوجد فيها من لا يحكم بكفره في الباطن، من مستضعف ونحوه؛
    وأما في الظاهر فالأمر - ولله الحمد - واضح،
    ويكفيك ما فعله النبي ﷺ في أهل مكة، مع أن فيهم مستضعفين، وكذلك ما فعله أصحابه بكثير ممن ارتد عن الإسلام، من استباحة الدم والمال والعرض، وكل عاقل وعالم يعلم أن ما أتى به هؤلاء من الكفر والردة، أقبح وأفحش وأكثر مما فعله أولئك.
    فارجع النظر في نصوص الكتاب والسنّة، وفي سيرة الرسول ﷺ وأصحابه، تجدها بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا


    هالك، ثم فيما ذكر العلماء، وارغب إلى الله في هداية القلب، وإزالة الشبهة، وما كنت أظن أن هذا يصدر من مثلك، ولا يغتر بما عليه الجهال، وما يقوله أهل الشبهات.
    فإنه قد بلغني: أن بعض الناس، يقول: في الأحساء من هو مظهر دينه، لا يرد عن المساجد والصلاة، وأن هذا عندهم هو إظهار الدين؛ وهذه زلة فاحشة، غايتها: أن أهل بغداد، وأهل مَنبَجْ، وأهل مصر، قد أظهر من هو عندهم دينه، فإنهم لا يمنعون من صلى، ولا يردون عن المساجد.
    فيا عباد الله: أين عقولكم؟ فإن النِّزاع بيننا وبين هؤلاء، ليس هو في الصلاة؛ وإنما هو في تقرير التوحيد، والأمر به، وتقبيح الشرك، والنهي عنه، والتصريح بذلك،
    كما قال إمام الدعوة النجدية:
    أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
    الأول:
    الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك، والموالاة فيه، وتكفير من تركه.
    الأمر الثاني:
    الإنذار عن الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه، وتكفير من فعله؛ هذا هو إظهار الدين، يا عبد الله بن حسين.
    فتأمل أرشدك الله:
    مثل قوله تعالى، في السور المكية ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ [سورة الكافرون آية: ١-٢] إلى آخر السورة، فهل وصل إلى قلبك: أن الله أمره أن يخاطبهم، بأنهم كافرون، وأخبر بأنه لا يعبد ما يعبدون، أي أنه بريء


    من دينهم، ويخبرهم أنهم لا يعبدون ما يعبد، أي أنهم بريئون من التوحيد، ولهذا ختمها بقوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون آية: ٦] فهنا يتضمن براءته من دينهم، وبراءتهم من دينه.
    وتأمل قوله تعالى:
    ﴿قُلْ يا أيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِن دِينِي فَلا أعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ولَكِنْ أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وأنْ أقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [سورة يونس آية: ١٠٤-١٠٥] فهل سمعت الله يأمر نبيه أن يقول لهم: إني بريء من دينهم؟ وأنه أمره أن يكون من المؤمنين الذين هم أعداؤهم؟ ونهاه أن يكون من المشركين، الذين هم أولياؤهم وحزبهم؟
    وفي القرآن آيات كثيرة، مثل ما ذكر الله عن خليله، والذين معه ﴿إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة الممتحنة آية: ٤] الآية فأمرنا الله بالتأسي بهم قولا وفعلا، وقصدي أنبهك خوفا من المواخاة على غير طائل في الدين، أعاذنا الله وإياك من مضلات الفتن.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [بلاد الكفر وبلاد الإسلام]
    وقال أيضا: ﵀، لمن ناظره في أهل مكة ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا الاَّ ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ [سورة البقرة آية: ٣٢] جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر، أم بلد إسلام؛ فنقول وبالله التوفيق: قد بعث الله محمدا ﷺ بالتوحيد الذي هو دين جميع الرسل، وحقيقته هو مضمون
    شهادة أن لا إله إلا الله، وهو أن يكون الله معبود الخلائق فلا يتعبدون لغيره بنوع من أنواع العبادة؛ ومخ العبادة هو الدعاء، ومنها الخوف والرجاء، والتوكل والإنابة، والفزع، والصلاة، وأنواع العبادة كثير، وهذا الأصل العظيم، الذي هو شرط في صحة كل عمل.
    والأصل الثاني: هو طاعة الرسول ﷺ في أمره، وتحكيمه في دقيق الأمور وجليلها، وتعظيم شرعه ودينه، والإذعان لأحكامه في أصول الدين وفروعه.
    فالأول: ينافي الشرك، ولا يصح مع وجوده.
    والثاني: ينافي البدع، ولا يستقيم مع حدوثها؛ فإذا تحقق وجود هذين الأصلين، علما وعملا ودعوة، وكان هذا دين أهل البلد، أي بلد كان، بأن عملوا به، ودعوا إليه، وكانوا أولياء لمن دان به، ومُعادين لمن خالفه، فهم موحدون.
    وأما إذا كان الشرك فاشيا، مثل دعاء الكعبة والمقام والحطيم، ودعاء الأنبياء والصالحين، وإفشاء توابع الشرك، مثل الزنى والربا، وأنواع الظلم، ونبذت السنة وراء الظهر، وفشت البدع والضلالات، وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة، ونواب المشركين، وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلوما في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنى علم: أن هذه البلاد، محكوم عليها بأنها بلاد كفر، وشرك؛ لا سيما إذا كانوا معادين لأهل التوحيد، وساعين في

    إزالة دينهم، ومعينين في تخريب بلاد الإسلام؛ وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك، وجدت القرآن كله فيه، وقد أجمع عليه العلماء، فهو معلوم بالضرورة عند كل عالم.
    وأما قول القائل: ما ذكرتم من الشرك، إنما هو من أفقية لا من أهل البلد؛ فيقال: أوّلًا: هذه إما مكابرة، أو عدم علم بالواقع، فمن المقرر: أن أهل الآفاق تبع لأهل تلك البلاد، في دعاء الكعبة والمقام والحطيم، كما يسمعه كل سامع، ويعرفه كل موحد. ويقال ثانيا: إذا تقرر، وصار هذا معلوما، فذلك كاف في المسألة، ومن الذي فرق في ذلك؟!
    فيالله العجب، إذا كنتم تخفون توحيدكم في بلادهم، ولا تقدرون أن تصرحوا بدينكم، وتخافتون بصلاتكم، لأنكم علمتم عداوتهم لهذا الدين، وبغضهم لمن دان به، فكيف يقع لعاقل إشكال؟ أرأيتم لو قال رجل منكم لمن يدعو الكعبة، أو المقام، أو الحطيم، أو يدعو الرسول، أو الصحابة: يا هذا لا تدع غير الله! أو أنت مشرك، هل تراهم يسامحونه؟ أم يكيدونه؟ فليعلم المجادل أنهم ليسوا على توحيد الله؛ فوالله ما عرف التوحيد، ولا تحقق بدين الرسول ﷺ.
    أرأيت لو أن رجلا عندهم، وقال: يا هؤلاء راجعوا دينكم، واهدموا البنايات التي على القبور، ولا يحل دعاء

    غير الله، هل يكفيهم فيه فعل قريش بمحمد ﷺ؟ لا والله لا والله؛ وإذا كانت الدار دار إسلام، لأي شيء لم تدعوهم إلى الإسلام؟ وتأمروهم بهدم القباب، واجتناب الشرك وتوابعه؟ فإن يكن قد غركم أنهم يصلون، أو يحجون، فتأملوا الأمر من أوله؛ وهو: أن التوحيد قد تقرر في مكة، بدعوة إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمان، ثم إنه فشا فيهم الشرك، بسبب عمرو بن لحي، فصاروا مشركين، وصارت البلاد بلاد شرك، مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين، كما كانوا يحجون، ويتصدقون على الحاج.
    وقد بلغكم شعر عبد المطلب، الذي أخلص فيه في قصة الفيل، وغير ذلك من البقايا، ولم يمنع ذلك الزمان من تكفيرهم وعداوتهم، بل الظاهر عندنا وعند غيرنا: أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان، بل قبل هذا كله، أنه مكث أهل الأرض عشرة قرون على التوحيد، حتى حدث فيهم الغلو في الصالحين، فدعوهم مع الله فكفروا، فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام، يدعوهم إلى التوحيد؛ فتأمل ما قص الله عنهم؛ وكذلك ما ذكر الله عن هود: أنه دعاهم إلى إخلاص العبادة لله، لأنهم لم ينازعوه في أصل العبادة، وكذلك إبراهيم، دعا قومه إلى إخلاص التوحيد؛ وإلا فقد أقروا لله بالإلهية.


    وجماع الأمر:
    أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله وتوابع ذلك، واستمر أهلها عليه، وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد، وأبوا عن الانقياد للدين، فكيف لا يحكم عليها بأنها بلد كفر؟ ولو كانوا لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون؛ من أهل مكة أو غيرهم، مع مسبتهم لأهل التوحيد، وتخطيئتهم لمن دان به، والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة؟ فهذه مسألة عامة.
    وأما القضايا الجزئية،
    فنقول: قد دل القرآن والسنّة، على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك، والانقياد لهم، ارتد بذلك عن دينه، تأمل قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وأمْلى لَهُمْ﴾ [سورة محمد آية: ٢٥] مع قوله: ﴿ومَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ [سورة المائدة آية: ٥١] وأمعن النظر في قوله تعالى: ﴿فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ﴾ [سورة النساء آية: ١٤٠] وأدلته كثيرة.
    ولا تنس ما ذكر الله، في سورة التوبة ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُمْ﴾ [سورة التوبة آية: ٦٦] وقوله: ﴿ولَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ﴾ [سورة التوبة آية: ٧٤] واذكر قوله: {ولا يَأْمُرَكُمْ أنْ تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ والنَّبِيِّينَ أرْبابًا أيَأْمُرُكُمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنْتُمْ


    مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران آية: ٨٠].
    وتأمل قوله تعالى: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ [سورة الحج آية: ٧٢] وقد علمت حالهم، إذا دعوا إلى التوحيد، انقهروا، والله أعلم.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    والعبادة: هي أفعال العباد، وهي اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، فمن صرف من ذلك شيئا لغير الله فهو مشرك، سواء كان عابدا أو فاسقا، وسواء كان مقصوده صالحا أو فاسدا، ولا يعمي عن هذا إلا طاعة الشيطان، واتباع الهوى، والتكبر عن اتباع الحق، والمجادلة بالباطل، كما قال تعالى: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وما تَهْوى الأنْفُسُ ولَقَدْ جاءَهُمْ مِن رَبِّهِمُ الهُدى﴾ [سورة النجم آية: ٢٣] وقال تعالى: ﴿ومَن أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [سورة القصص آية: ٥٠].
    وقال تعالى لعبده داود عليه السلام: ﴿يا داوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الحِسابِ﴾ [سورة ص آية: ٢٦ب] وقال تعالى: ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة الأنعام آية: ١٥٣].
    وقال تعالى حكاية عن المشركين: ﴿وكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [سورة الزخرف آية: ٢٣] وفي الآية الأخرى: ﴿قالُوا بَلْ وجَدْنا آباءَنا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [سورة الشعراء آية: ٧٤] وقال تعالى: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
    فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلادِ} [سورة غافر آية: ٤]. إلى قوله: ﴿وجادَلُوا بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ وكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهُمْ أصْحابُ النّارِ﴾ [سورة غافر آية: ٥-٦].
    وقال تعالى: ﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ولَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ [سورة الشورى آية: ١٦] وقال تعالى: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا ولّى مُسْتَكْبِرًا كَأنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأنَّ فِي أُذُنَيْهِ وقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [سورة لقمان آية: ٧] وقال تعالى: ﴿وإذا عَلِمَ مِن آياتِنا شَيْئًا اتَّخَذَها هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِن ورائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئًا ولا ما اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ هَذا هُدىً والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾ [سورة الجاثية آية: ٩-١١].
    وقال تعالى في حق القرآن: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وشِفاءٌ والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وقْرٌ وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [سورة فصلت آية: ٤٤] وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفاسِقِينَ﴾ [سورة البقرة آية: ٢٦] وقال تعالى: ﴿وإذا ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وإذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [سورة الزمر آية: ٤٥] وقال تعالى {وأنَّهُ لَمّا قامَ

    عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إنَّما أدْعُو رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا قُلْ إنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَدًا}: [سورة الجن آية: ١٩-٢١].
    وقال تعالى: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى ومَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ [سورة طه آية ١٢٣-١٢٤].
    والهدى الذي وعد الله به خلقه: محمد ﷺ والقرآن. والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ما تحصى ولا تعد.
    فمن ذلك: أنه ﷺ أخذ عشر سنين، وبعض الحادية، قبل أن تفرض الفرائض: يدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وترك عبادة ما سواه، يوافي الناس بالمواسم ﷺ بعكاظ، وذي المجاز، ومجنة، يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، كلمة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم، وتكونون بها ملوكا في الجنة» فلما قال لعمه أبي طالب، حين حضرته الوفاة «يا عم قل لا إله إلا الله»، قال أبو جهل، وعبد الله ابن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟
    ولما قال لقومه: «قولوا لا إله إلا الله» ١ قالوا: ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ [سورة ص آية ٥] فعرف كفار قريش: أن قول لا إله إلا الله، ليس مجرد اللفظ، وإنما
    ١ الترمذي: تفسير القرآن (٣٢٣٢)، وأحمد (١/‏٢٢٧).


    معناها نفي الإلهية عما سوى الله، وإثباتها لله تعالى وحده لا شريك له؛ فلا خير فيمن كفار قريش، أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.
    وفي الحديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة» ١ وفي الحديث الثاني: «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ﷿» ٢ قال أبو بكر ﵁: «فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عقالا، وفي رواية عناقا، كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ، لقاتلتهم على منعها».
    وفي الحديث الثالث: «أُمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به»٣، وفي الحديث أنه قال ﷺ «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» ٤.
    وفي الحديث أيضا: "حين سأله جبرائيل عليه السلام، بحضرة الصحابة رضوان الله عليهم، قال: يا محمد: أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان،
    ١ البخاري: الزكاة (١٤٠٠) واستتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٢٤) والاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٥)، ومسلم: الإيمان (٢٠،٢١)، والترمذي: الإيمان (٢٦٠٧)، والنسائي: الجهاد (٣٠٩٤)، وأبو داود: الزكاة (١٥٥٦)، وابن ماجه: المقدمة (٧١) والفتن (٣٩٢٧)، وأحمد (١/‏١١،١/‏١٩،٢/‏٣٧٧،٢/‏٤٢٣،٢/‏٥٠٢،٢/‏٥٢٨).
    ٢ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣٤١)، وأحمد (٣/‏٢٩٥،٣/‏٣٠٠،٣/‏٣٣٢،٣/‏٣٩٤).
    ٣ مسلم: الإيمان (٢١).
    ٤ أحمد (٢/‏٩٢).


    وتحج البيت. قال: صدقت؛ قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» إلى آخر الحديث: «فلما ولّى، قال لعمر: أتدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم».
    ومن ذلك: مما يرد قولكم، ويبطل أعمالكم، قوله ﷺ: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد»١، وفي الحديث الآخر: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ٢ وفي الحديث أنه قال ﷺ: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا» وما هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي«.
    وقال ﷺ:»إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "٣ قال الله تعالى: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة آل عمران آية: ٣١] وقال تعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [سورة النساء آية: ٨٠] وقال تعالى: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [سورة الحشر آية: ٧].
    ١ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/‏٧٣،٦/‏١٤٦،٦/‏١٨٠،٦/‏٢٤٠،٦/‏٢٥٦،٦/‏٢٧٠).
    ٢ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/‏٢٤٠،٦/‏٢٧٠).
    ٣ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨)، ومسلم: الحج (١٣٣٧)، وابن ماجه: المقدمة (١،٢)، وأحمد (٢/‏٢٥٨،٢/‏٣١٣،٢/‏٤٢٨).


    وفي الحديث عنه ﷺ: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» ١.
    فالناصح لنفسه، الطالب نجاتها، المتبع للحق، يأخذ دينه من أصله، من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ كما قال تعالى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٩ب] ﴿ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [سورة آل عمران آية: ٨٥] وهذا كتاب الله بين أيديكم، وتفاسيره موجودة، وأحاديث رسول الله ﷺ كذلك، وشروح العلماء الربانيين، وما فسروا به القرآن، والأحاديث.
    والقول الذي لا حقيقة له، لا يجدي على قائله شيئا، فدعواك أنك على حق، فمعاذ الله، ووعودك باطلة، ومن أكذب الكذب، وكل من له عقل صحيح، يشهد ببطلان قولك، وافترائك، وكذبك؛ فإن قلت: إن الله أمر بعبادة غيره، أو أمر رسوله ﷺ بها، فهذا عين الباطل، وأكذب الكذب، الذي ترده الفطرة، وكتاب الله وسنة رسوله.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    وإن قلت: إنكم لم تعبدوا غير الله، ولم ترضوا بذلك، ولم تأمروا به الناس، فأفعالكم تبطل أقوالكم ظاهرا وباطنا، فإذا كان هذه الحضرات الباطلة، والمشاهد الملعونة، والبنايات على القبور، وصرف حق الله تعالى
    ١ أبو داود: السنة (٤٦٠٧).
    لها، من دعاء وذبح ونذر، وخوف ورجاء، وسؤال ما لا يسأل إلا من الله تعالى، والصلاة عندها، والتمسح بها، والهدايا إليها، وما أشبه ذلك من الأمور الشنيعة القبيحة، كل ذلك موجود عندكم ظاهرا، والذي لم يفعل ذلك فهو راض بفعله، وذاب عن أهله بالمال واللسان واليد.
    وكذلك الصلوات الخمس متروكة، وكثير من الناس عندكم لم يصلوا جمعة ولا جماعة، ولا منفردين، والذي يصلي منكم، الكثير منهم يصلي في بيته منفردا، والذي يصلي جماعة قليل الناس، فإذا صلى خرج على الناس وهم في الأسواق، تاركين الصلاة، مقيمين على الفسوق، واللهو، والفجور، والبغي، ولا ينكر عليهم.
    وكذلك الزكاة متروكة، لا تخرج من الأموال، ولا تخرص الثمار، ولا يعمل فيها عمل رسول الله ﷺ ولا تجبي زكاتها، ولا تصرف في مصارفها التي صرفها الله من فوق سبع سماوات، كما قال ﷺ «إن الله لم يرض في الزكاة بقسم نبي ولا غيره، بل جزأها بنفسه، وتولى قسمها، بقوله تعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ والعامِلِينَ عَلَيْها والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والغارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة آية: ٦٠]».
    وجميع أعمال البر غير الفرائض، لم تكن لكم شعارا،

    ولم تأمروا بها، وجميع القبائح عندكم ظاهرة، وهي سجية كثيركم، الشرك بالله، والزنا، واللواط فعل قوم لوط، أهل المؤتفكات، الذين قال الله فيهم: ﴿والمُؤْتَفِكَ َ أهْوى فَغَشّاها ما غَشّى﴾ [سورة النجم آية: ٥٣-٥٤] نعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، من سخطه وعقابه.
    وكذلك الربا والسحر، والادعاء يعني ادعاء علم المغيبات، وجميع الآثام، كالخمر وأنواعه من المسكر، كالتنباك وأشباهه، والبغي والظلم والعدوان، وأخذ أموال الضعفاء والفقراء، وأرباب الأموال، وأهل الحرث، تأخذون أموالهم قهرا وظلما وعدوانا، وأشباه ذلك مما يطول عده، ويكثر ذكره، كل ذلك وأمثاله عندكم لم تنكروه.
    والذي يدعي أنه لم يفعل من ذلك شيئا، فهو كما قدمنا لم ينكر، ولم يفارق أهله، بل هو قائم بنصرتهم بماله ولسانه، فهو وإن لم يفعل ذلك، فهو وهم سواء، كما قال تعالى: ﴿وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ أنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ﴾ [سورة النساء آية: ١٤٠].
    وقال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوانَهُمْ أوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمانَ وأيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنهُ﴾ [سورة المجادلة آية: ٢٢] الآية وقال تعالى: {ولا تَرْكَنُوا

    إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وما لَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [سورة هود آية: ١١٣]. وفي الحديث: «أنا بريء من مسلم بين ظهراني المشركين» ١ وفي الحديث الثاني: «لا تراءى ناراهما» ٢ وها أنتم تعوفون فعلكم، وتعرفون ما عندكم من الشرك والقبائح، وتعرفون أنفسكم، كما قال تعالى: ﴿بَلِ الأِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ولَوْ ألْقى مَعاذِيرَهُ﴾ [سورة القيامة آية: ١٤-١٥].
    وإن قلت أيها المبطل: إن الذي أنتم عليه، هو الذي أمر الله به ورسوله، فقد كذبت وافتريت على الله ورسوله، وكابرت بالكفر والضلال، ونسبت إلى الله ما لا يليق به، ونسبت إلى رسوله ﷺ ما لا يليق بحقه، ويكذبك في ذلك كتاب الله، وسنّة رسوله ﷺ وإجماع سلف الأمة وخلفها، كما قال تعالى: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلى اللَّهِ وكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جاءَهُ ألَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ﴾ [سورة الزمر آية: ٣٢].
    واعتمدت في ذلك على قول إخوانك الكفرة، الذين من قبلك، بما ذكر الله عنهم في كتابه، بقوله تعالى: {وإذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وجَدْنا عَلَيْها آباءَنا واللَّهُ أمَرَنا بِها قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أتَقُولُونَ عَلى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
    ١ الترمذي: السير (١٦٠٤)، والنسائي: القسامة (٤٧٨٠)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٥).
    ٢ الترمذي: السير (١٦٠٤)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٥).


    الدِّينَ كَما بَدَأكُمْ تَعُودُونَ} [سورة الأعراف آية: ٢٨-٢٩].
    وقوله: ﴿ويَحْسَبُونَ أنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [سورة الأعراف آية: ٣٠]. وذهبت إلى ما ذهب إليه أخوك فرعون، حيث قال لما دعاه موسى عليه السلام، قال لقومه: ﴿ما أُرِيكُمْ إلاَّ ما أرى وما أهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ [سورة غافر آية: ٢٩] فزعم عدو الله أنه وأعظ مذكر، قبحه الله من واعظ ومذكر.
    وذهبت إلى ما ذهب إليه أخوك أبو جهل، حين قنت على رسول الله ﷺ قال: «اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة» ١ قال الله تعالى: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [سورة الأنفال آية: ١٩] فأحانه الله الغداة، ولله الحمد والمنة، وطأ على رقبته عبد الله بن مسعود ﵁ في المعركة، وقال عدو الله: لمن الدائرة اليوم؟ فقال: «لله ورسوله، يا عدو الله، جعلك الله كذلك»؛ ونقول: جعلك الله كذلك، إن شاء الله تعالى.
    وأما إنكارك: علينا تحليق الرؤوس، وتقول: إنا نحرم إسبال الشعر، ولم تلق علينا غير ذلك؛ فنقول: إنك كاذب علينا، ولا نقول إنه حرام إسبال الشعر، ونعلم أن رسول الله ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم، يسبلون الشعر؛ وها أنتم تعلمون أن رسول الله ﷺ أمر بحلق الشوارب، وإرخاء اللحى، وخالفتموه، حلقتم اللحى، وعقدتم الشوارب، وشابهتم النصارى في ذلك.
    ١ أحمد (٥/‏٤٣١).


    فإن كنت تزعم أن كل من حلق رأسه خارجي، فانظر في رعاياك، وتراك ما تلقى في بغداد إلا محلوقا رأسه، وربما أنك محلوق رأسك.
    فالذي نفعل ولا ننكر: أنه لما رزقنا الله الإسلام، وقام القتال بيننا وبين أعدائنا، وقع مقاتلة عظيمة ومعركة، واختلط المسلمون والكفار، فحاذر المسلمون على بعضهم من بعض، وكثير منهم اختار التحليق، وبعض منهم ما يحبون الشعر، والشعر إما يحسَّن أو يحلق، ومن شاء التحليق حلق؛ ومن شاء الإسبال أسبل، ولم نمنع أحدا من ذلك؛ وأما الذي يسبل الشعر، ويجعله وسيلة إلى الكفر والردة، فنحلق رأسه غما له، وإخلافا لعقيدته الفاسدة، إذا ظننا به الشر.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    وأما ما ذكرت: إنا نقتل الكفار، فهذا أمر ما نتعذر عنه، ولم نستخف فيه، ونزيد في ذلك إن شاء الله، ونوصي به أبناءنا من بعدنا، وأبناؤنا يوصون به أبناءهم من بعدهم،
    كما قال الصحابي: على الجهاد ما بقينا أبدا.
    ونرغم أنوف الكفار، ونسفك دماءهم،
    ونغنم أموالهم بحول الله وقوته،
    ونفعل ذلك اتباعا لا ابتداعا، طاعة لله ولرسوله، وقربة نتقرب بها إلى الله تعالى، ونرجو بها جزيل الثواب، بقوله تعالى: {فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإنْ تابُوا وأقامُوا
    الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التوبة آية: ٥]. وقوله: ﴿وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإنِ انْتَهَوْا فَإنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وإنْ تَوَلَّوْا فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ المَوْلى ونِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [سورة الأنفال آية: ٤٠] وقوله تعالى: ﴿فَإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ [سورة محمد آية: ٤] الآية وقوله: ﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [سورة التوبة آية: ١٤] الآية.
    ونرغب فيما عند الله من جزيل الثواب، حيث قال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوالَهُمْ بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والأِنْجِيلِ والقُرْآنِ ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [سورة التوبة آية: ١١١] وقال تعالى: ﴿هَلْ أدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِن عَذابٍ ألِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ وأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الصف آية: ١٠-١١] والآيات والأحاديث ما تحصى في الجهاد، والترغيب فيه.
    ولا لنا دأب إلا الجهاد، ولا لنا مأكل إلا من أموال

    الكفار، فيكون عندكم معلوما: أن الدين مبناه وقواعده، على أصل العبادة لله وحده لا شريك له، ومتابعة رسوله ﷺ باطنا وظاهرا، كما قال تعالى: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا﴾ [سورة الكهف آية: ١١٠].
    وأما ما ذكرت من مسكننا في أوطان مسيلمة الكذاب،
    فالأماكن لا تقدس أحدا، ولا تكفره، وأحب البقاع إلى الله وأشرفها عنده مكة، خرج منها رسول الله ﷺ وبقي فيها إخوانك أبو جهل، وأبو لهب، ولم يكونوا مسلمين.
    والله جل ثناؤه جرت عادته بالمداولة، ولو في الأرض،
    بدّل دين مسيلمة بدين محمد ﷺ وبدّل تصديق مسيلمة بتكذيبه،
    وتصديق محمد ﷺ، ونحن نرجو أن الله يبدّل ذلك في أوطانكم سريعا،
    ونحن نزيل منها الباطل، ونثبت فيها الحق، إن شاء الله بحول الله وقوته.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    وأما ما ذكرتم أنكم مشيتم على الأحساء،
    فنقول:
    الحمد لله على ذلك الممشى، فإنه ولله الحمد والمنة، هتك أستاركم به، ونزع به مهابتكم من قلوب المسلمين، وأخزاكم الله به الخزي العظيم الظاهر والباطن، الذي ما عليه مزيد، وقبله الممشى الذي أخذت به مدافعكم، وقتلت فيه عساكركم، يهلكون في كل منهل، ولكن كما قال تعالى: ﴿وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة يونس آية:
    ١٠١].
    وقال تعالى: ﴿ولا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِن دارِهِمْ حَتّى يَأْتِيَ وعْدُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾ [سورة الرعد آية: ٣١].
    فلما أتيتم الأحساء، وارتد معكم أهلها، ولم يبق إلا قصران من المسلمين، في كل واحد منهما خمسون رجلا، فيهم أطراف الناس، ما يعرفون من المسلمين، وأعجزكم الله تبارك وتعالى عنهم، وكدتموهم بكل كيد تقدرون عليه، مع وجه الأرض وباطنها، ونحن في ذلك نجمع لكم الجموع، ولا لنا همة غير ذلك، فلما تهيأنا للهجوم عليكم، ولم يبق بيننا وبينكم إلا مسيرة خمس مراحل، قذف الله الرعب في قلوبكم، ووليتم هاربين منهزمين، لا يلوي أحد على أحد، وأشعلتم النار في علف حصنكم، وثقل حملكم وخيامكم، كما قال تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأبْصارِ﴾ [سورة الحشر آية: ٢].
    فلما علمنا بانهزامكم مدبرين، أخذنا لوجهكم طالبين، ورجع من المسلمين قريب ثلثي العسكر، لما عرفوا أن الله أوقع بكم بأسه، ولحقناكم، وأتيناكم من عند وجوهكم، ونوخنا مناخ سوء لكم، ورجونا أن الله قد أمكننا منكم، وأن يمنحنا أكتافكم، ويورثنا أرضكم ودياركم.
    فلما حل بكم العطب، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، واستسلمتم لزهوق نفوسكم، توسلتم بابن ثامر،

    وأمرته يبدي لنا الرقة والوجاهة، جاءنا، ثم جاءنا ركبك، وكتابك، وتوجهك، وجنحنا لقوله تعالى: ﴿وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [سورة الأنفال آية: ٦١] وأنت في تلك الساعة متحير برهانك، ضائع رأيك، تتأكى في وسط الناس على المراغة، وتقول: أحطكم في جحر عيني، ولح علينا حمود بن ثامر، ومحمد بيك، بالوجاهة؛ وفي حال الحرب وأنت متق عنا بالعربان، جاعلهم بيننا وبينك، ولا خير فيمن جعل الأعراب ذراه. وقولك: إنا أخذنا كربلاء، وذبحنا أهلها، وأخذنا أموالها، فالحمد لله رب العالمين، ولا نتعذر من ذلك،
    ونقول:وللكافرين أمثالها [سورة محمد آية: ١٠].
    وقولك: إنك طلبتنا أنت وباشتك، فالكذب عيب في أمر الدين والدنيا، قال تعالى: ﴿إنَّما يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وأُولَئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [سورة النحل آية: ١٠٥]. وجميع الناس يفهمون: أنا لما نزلنا الأخيضر فوق القصر، على ثغبان، أقمنا بها سوق الحراج، على أموال الكفرة عبدة الأوثان، وأقمنا إحدى عشرة ليلة على منْزل واحد، وركابنا كلها عزيب ليست عندنا، وربما عندك من العربان من هو معنا في ذلك المنْزل، اسألهم يخبرونك إن كنت لا تدري.
    ونحن ننتظركم في تلك المدة أنكم تظهرون علينا،

    ونكر عليكم، ونستأصل عساكركم، ونتغلب على بلدانكم، فلما أيسنا منكم، وفرغ المسلمون من بيع ما أفاء الله عليهم، رحلنا بالعز والسلامة، والمغنم والأجر إن شاء الله تعالى. ثم بعد ذلك مشينا ونزلنا على بلدك البصرة، وأقمنا بها عشرة أيام، وذبحنا ودمرنا ما بلغك علمه.
    والممشى الثالث: نحرناك في رأس الهندية، فلم نجدك، وقدمنا إلى المشهد، قواسة يقوسون حفره، فلما قصر الخشب، رجعنا ونزلنا الهندية، وقعدت جموع المسلمين حتى وصلت قريبا من خان ذبلة، وكل من لقوه وضعوا عليه السيف، ومن خان ذبلة إلى البصرة، أقمنا بها قريبا من عشرين ليلة، نأخذ ونقتل من رعاياك الحاضر والبادي، والأثر يدل على المؤثر؛ انظر ديارك الفلاحين والبوادي، من بغداد إلى البصرة، كم دمرت من الديار، ولم يبق فيها أثر - ولله الحمد والمنة - كل جميع هذه الجهة.
    وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين، الحمد لله على فضله وكرمه، حمدا كثيرا كما ينبغي أن يحمد، وعز جلاله، لما كان أهل الحرمين آبين عن الإسلام، وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله، ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد، وجب علينا الجهاد بحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله وحرم رسوله ﷺ من غير استحلال لحرمتهما.

    ونحن - ولله الحمد - أهل احترام لحرمه وتعظيمه، لا أنتم، كما قال الله تعالى: ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلاَّ المُتَّقُونَ ولَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأنفال آية: ٣٤]. فلما ضاق بهم الحال، وقطعنا عليهم السبل، ثم بعد ذلك فاؤوا ورجعوا، وانقادوا إلى أمر الله ورسوله، وأذعنوا للإسلام وأقروا به، وهدمنا الأوثان، وأثبتنا فيها عبادة الرحمن، وأقمنا فيها الفرائض، ونفينا عنها كل قبيح مما حرم الله ورسوله، ولم نكن - ولله الحمد - نسفك فيها دما، ولا نأخذ مالا، ولا ننفر منها صيدا، ولا نعضد شجرا.
    فإذا كنت تزعم أنها من ولايتك، فما منعك أن تفك ولايتك، أو تنفع أهلها بِميْرة حين ضاق بهم الحال، بل كنت إلى الآن لم تؤد فريضة حجك، وأرجو أن تموت على ملتك النصرانية، وتكون من خنازير النار، إن شاء الله.
    وما ذكرت من افتخارك أنك وزير بغداد، فنعوذ بالله من هذه الوزارة، بل تحملت وزرك، وأوزار من اتبعك، كما قال تعالى ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلاَّ المُتَّقُونَ ولَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل آية: ٢٥]. وإنما افتخر بمثل ذلك أخوك فرعون، بقوله: ﴿ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهَذِهِ الأنْهارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الزخرف آية: ٥١] إلى قوله: {فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطاعُوهُ إنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنهُمْ فَأغْرَقْناهُمْ أجْمَعِينَ

    فَجَعَلْناهُمْ سَلَفًا ومَثَلًا لِلآخِرِينَ} [سورة هود آية: ٩٩].
    فلما ولاك الله رعيتك، فما بالك لم تتولها بخير؟ بل توليتها بشر؛ فعلت بهم من الظلم، وسفك الدماء والعدوان، ما لا يوصف، ولا يفعله من يؤمن بالله واليوم الآخر، وخنت في أمانتك التي استأمنك عليها سيدك سليمان باشا، الذي اشتراك من حر ماله، وجمعك أنت رابع أربعة، حين حضرته الوفاة، يوصيكم على عياله، وأخذ عليكم العهد والميثاق، وخنت بالعهد، وذبحت الثلاثة، ونفيت عيال سيدك من مملكتهم، وتوليت أموالهم.
    والعجب كل العجب من رعيتك، الذين يزعمون أنهم أهل ذكاء وفطنة، يرضون أنهم يولون عليهم رجلا، أصله نصراني على غير ملتهم، وفرعه مملوك، وهذا أعظم ما دلنا على ذهابهم إن شاء الله، وتدمير أمرهم بحول الله وقوته.
    فإن أردت النجاة وسلام الملك، فأنا أدعوك إلى الإسلام، كما قال ﷺ لهرقل ملك الروم «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» و{قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ ألاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أرْبابًا

    مِن دُونِ اللَّهِ فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران آية: ٦٤] وقوله: ﴿فادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ [سورة غافر آية: ١٤] وقوله: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأفْواهِهِمْ ويَأْبى اللَّهُ إلاَّ أنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ [سورة التوبة آية: ٣٣].

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [المهادنة والمسابلة على غير الإسلام أمر محال]
    وأما المهادنة: والمسابلة على غير الإسلام، فهذا أمر محال بحول الله وقوته، وأنت تفهم أن هذا أمر طلبتموه منا مرة بعد مرة، وأرسلتم لنا عبد العزيز القديمي، ثم أرسلتم لنا عبد العزيز بيك وطلبتم المهادنة والمسابلة، وبذلتم الجزية، وفرضتم على أنفسكم كل سنة، ثلاثين ألف مثقال ذهبا، فلم نقبل ذلك منكم، ولم نجبكم للمهادنة. فإن قبلتم الإسلام فخيرتها لكم وهو مطلوبنا، وإن أبيتم فنقول لكم، كما قال الله تعالى: ﴿وإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللَّهُ وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [سورة البقرة آية: ١٣٧] ونقول: ﴿حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٧٣] ونقول: يا ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [سورة الفاتحة آية: ٣] ونقول: ﴿جاءَ الحَقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقًا﴾ [سورة الإسراء آية: ٨١] ونقول: ﴿قُلْ جاءَ الحَقُّ وما يُبْدِئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ﴾ [سورة سبأ آية: ٤٩] ونقول كما قال الله
    لنبيه ﷺ ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ [سورة التوبة آية: ١٢٩].
    وما ذكرته من المواعدة، فالزمط ليس للرجال، ونشيم أنفسنا عن الزمط والكذب، ومتى وصلنا الله وصلناكم عن قريب إن شاء الله تعالى، فإذا سمعت ضرب المدافع والبارود، ورأيت الحريق في بلدانك إن شاء الله، فلا تذخر، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [ما يوجب الجهاد]
    وقال بعضهم، رحمهم الله تعالى:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، الذين هم بهديه متمسكون.
    أما بعد:
    فإنه قد بلغني أن بعض الناس قد أشكل عليه جهاد المسلمين لأهل حايل، هل هو شرعي أم لا؟ فأقول وبالله التوفيق: الجهاد مشروع لأحد أمور: منها: الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين، فمن خرج عن
    طاعته، وجب جهاده على جميع الأمة، ولو كان الخارج مسلما، كما «جاهد علي بن أبي طالب ﵁ الخوارج، وهو يعتقد إسلامهم؛ فإنه سئل عن كفرهم، فقال: من الكفر فروا؛» وقال مرة أخرى لما سئل عنهم: «إخواننا بغوا علينا».
    والدليل على هذا قوله ﷺ «من أتاكم وأمركم جميع على رجل، يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم، فاضربوا عنقه كائنا من كان» ١. وما زال الأئمة في كل زمان ومكان، يجاهدون من خرج عن طاعة إمام المسلمين، والعلماء يجاهدون معهم ويحضونهم على ذلك، ويصنفون التصانيف في فضل ذلك، وفي فضل من قام فيه، لا يشك أحد منهم في ذلك، إلا أن يأمر الإمام بمعصية الله، فلا تحل طاعته لأحد، بل تحرم طاعة مخلوق في معصية الخالق.
    وأهل حائل أمرهم الإمام بالدخول في الطاعة، ولزوم السنّة والجماعة، ومنابذة أهل الشرك، وعداوتهم وتكفيرهم، فأبوا ذلك وتبرؤوا منه؛ والإمام يقول - من أول الأمر إلى يومنا هذا - لهم الشريعة، مقدمة بيني وبينكم، نمشي على ما حكمت به، على العين والرأس، فلم يقبلوا ولم ينقادوا، فوجب قتالهم على جميع المسلمين، لخروجهم عن الطاعة، حتى يلتزموا ما أمرهم به الإمام من طاعة الله تعالى.
    ١ مسلم: الإمارة (١٨٥٢).

    الأمر الثاني: مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: عدم تكفير المشركين، أو الشك في كفرهم، فإن ذلك من نواقض الإسلام ومبطلاته، فمن اتصف به فقد كفر، وحل دمه وماله، ووجب قتاله حتى يكفر المشركين، والدليل على ذلك قوله ﷺ:» من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه "١،علق عصمة المال والدم بأمرين:
    الأمر الأول: قول: لا إله إلا الله؛.
    الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله.
    فلا يعصم دم العبد وماله، حتى يأتي بهذين الأمرين:
    الأول: قوله: لا إله إلا الله، والمراد معناها لا مجرد لفظها، ومعناها هو توحيد الله بجميع أنواع العبادة.
    الأمر الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، والمراد بذلك تكفير المشركين، والبراءة منهم، ومما يعبدون مع الله. فمن لم يكفر المشركين من الدولة التركية، وعباد القبور، كأهل مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدّل سنّة رسوله ﷺ بالبدع، فهو كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين؛ فإن الذي لا يكفر المشركين، غير مصدق بالقرآن، فإن القرآن قد كفر المشركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم.
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ﵀ في
    ١ مسلم: الإيمان (٢٣)، وأحمد (٣/‏٤٧٢،٦/‏٣٩٤).

    نواقض الإسلام: الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر؛ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: من دعا علي بن أبي طالب، فقد كفر، ومن شك في كفره، فقد كفر.
    الأمر الثالث: مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: ظاهرة المشركين، وإعانتهم على المسلمين، بيد أو بلسان أو بقلب أو بمال، فهذا كفر مخرج من الإسلام، فمن أعان المشركين على المسلمين، وأمد المشركين من ماله، بما يستعينون به على حرب المسلمين اختيارا منه، فقد كفر.
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في نواقض الإسلام: لثامن: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى أوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ [سورة المائدة آية: ٥١] فمن اتصف بشيء من هذه الصفات، مما ينقض الإسلام، أو منع شيئا من شعائر الإسلام الظاهرة، أو امتنع عن أداء شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، فإنه يجاهد حتى يقر بذلك ويلتزمه.
    وبهذا يتبين لك: أن جهاد أهل حائل، من أفضل الجهاد، ولكن لا يرى ذلك إلا أهل البصائر، وأما من لا بصيرة عنده، فهو لا يرى الجهاد إلا لأهل الأوثان خاصة، وأما من أقر بالشهادتين، فلا يرى جهاده، بل ذلك قد أشكل
    على من هو أجل من أهل زماننا، كما قال عمر ﵁ لأبي بكر الصديق ﵁: «كيف تقاتل الناس؟ وقد قال ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها فقال أبو بكر ﵁ إن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ، لقاتلتهم على منعها» ١.
    فدل هذا على أن من منع حقا من حقوق الإسلام، أنه يجب جهاده، وأنه من أفضل الأعمال، وأن الذي يرى ذلك حقا هو من أبصر الناس، فيحمد الله على ذلك، والدليل على أنه من أبصر الناس، قصة أبي بكر مع عمر ﵄، فإنه فهم أن قتالهم حق، وقد أقروا بالشهادتين، وتركوا الشرك؛ وعمر ﵁ لم يفهم ذلك، حتى بين له أبو بكر ﵁.
    وكان العلماء رحمهم الله يعدون فهم أبي بكر لهذا من فضائله، وهذا كاف لمن قصده الحق، وأما من أعمى قلبه الهوى عن الهدى، فلا حيلة فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [الاستعانة بالمشرك]
    وتقدم قول الشيخ عبد اللطيف ﵀ في شبهة من
    ١ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣٤١)، وأحمد (٣/‏٢٩٥،٣/‏٣٠٠،٣/‏٣٣٢،٣/‏٣٩٤).
    قال بالاستعانة بالمشرك عند الضرورة، والتتمة في ذلك ١.
    وقال في موضع آخر: وما ذكرت من استعانته بابن أريقط، فهذا اللفظ ظاهر في مشاقة قوله في حديث عائشة: «إنا لا نستعين بمشرك» ٢ وابن أريقط أجير مستخدم، لا معين مكرم؛ وكذلك قولك: إن شيخ الإسلام استعان بأهل مصر والشام، وهم حينئذ كفار، وهلة عظيمة وزلة ذميمة، كيف والإسلام إذ ذاك يعلو أمره، ويقدم أهله؟ ويهدّ ما حدث من أماكن الضلال، وأوثان الجاهلية، ويظهر التوحيد، ويقرر في المساجد والمدارس؟
    وشيخ الإسلام نفسه يسميها بلاد إسلام، وسلاطينهم سلاطين إسلام، ويستنصر بهم على التتر والنصيرية ونحوهم، كل هذا مستفيض في كلامه، وكلام أمثاله؛ وما يحصل من بعض العامة والجهال، إذا صار الغلبة لغيرهم، لا يحكم به على البلاد وأهلها.
    وأما مسألة: الاستنصار، فمسألة خلافية، والصحيح الذي عليه المحققون، منع ذلك مطلقا، وحجتهم حديث عائشة، وهو متفق عليه، وحديث عبد الرحمن بن عوف، وهو حديث صحيح مرفوع، اطلبهما تجدهما فيما عندك من النصوص، والقائل بالجواز احتج بمرسل الزهري، وقد
    ١ أي: في صفحة: ٣٧٣ و٣٧٤/ج/٨.
    ٢ مسلم: الجهاد والسير (١٨١٧)، والترمذي: السير (١٥٥٨)، وأبو داود: الجهاد (٢٧٣٢)، وابن ماجه: الجهاد (٢٨٣٢)، وأحمد (٦/‏٦٧،٦/‏١٤٨)، والدارمي: السير (٢٤٩٦).

    عرفت ما في المراسيل، إذا عارضت كتابا أو سنّة.
    ثم القائل به قد شرط أن يكون فيه نصح للمسلمين، ونفع لهم، وأن لا يكون للمشركين صولة ودولة يخشى منها، وأن لا يكون له دخل في رأي ولا مشورة، كل هذا ذكره الفقهاء، وشراح الحديث، ونقله في شرح المنتقى، وضعف مرسل الزهري جدا، وكل هذا في قتال المشرك للمشرك مع أهل الإسلام.
    وأما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي، فلم يقل بهذا إلا من شذ، واعتمد القياس، ولم ينظر إلى مناط الحكم، والجامع بين الأصل وفرعه، ومن هجم على مثل هذه الأقوال الشاذة، واعتمدها في نقله وفتواه، فقد تتبع الرخص، ونبذ الأصل المقرر عند سلف الأمة وأئمتها، المستفاد من حديث الحسن، وحديث النعمان، وما أحسن ما قيل:
    والعلم ليس بنافع أربابه ما … لم يفد نظرا وحسن تبصر
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمهما الله في أثناء كلام له:
    فلو وفق الإمام للاهتمام بالدين، واختار من كل جنس أتقاهم، وأحبهم، وأقربهم إلى الخير، لقام بهم الدين والعدل؛ فإذا أشكل عليه كلام الناس، رجع إلى قوله ﷺ:
    «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»١. فإذا ارتاب من رجل، هل كان يحب ما يحبه الله، نظر في أولئك القوم، وسأل أهل الدين: من تعلمونه أمثل القبيلة، أو الجماعة في الدين، وأولاهم بولاية الدين والدنيا؟ فإذا أرشدوه إلى من كان يصلح في ذلك، قدمه فيهم، ويستعين عليه بأن يسأل عنهم من لا يخفاه أحوالهم، من أهل المحلة وغيرها، فلو حصل ذلك لثبت الدين، وبثباته يثبت الملك.
    وباستعمال أهل النفاق والخيانة والظلم، يزول الملك، ويضعف الدين، ويسود القبيلة شرارها، ويصير على ولاة الأمر كفعل من فعل ذلك؛ فالسعيد من وعظ بغيره، وبما جرى له وعليه، وأهل الدين هم أوتاد البلاد ورواسيها، فإذا قلعت وكسرت، مادت وتقلبت، كما قال العلامة ابن القيم: ولكن رواسيها وأوتادها هم.
    قال الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله، ومما نحن عليه: أنا لا نرى سبي العرب، ولم نفعله، ولم نقاتل غيرهم، ولا نرى قتل النساء والصبيان.
    وسئل أيضا: هو، والشيخ حسين، وإبراهيم وعلي، عن السبي؟
    فأجابوا: أما سبي مشركي العرب، فاختلف العلماء في ذلك: فبعضهم لا يرى سبي مشركي العرب جائزا، وبعضهم
    ١ الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٨)، والنسائي: الأشربة (٥٧١١)، وأحمد (١/‏٢٠٠)، والدارمي: البيوع (٢٥٣٢).


    يرى جواز ذلك، وهو الصواب الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله ﷺ وكما ثبت ذلك، من فعله ﷺ في سبي هوازن، وغيرهم.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [المكوس الموضوعة على الناس]
    وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وفقه الله: وقد ذكرنا لك فيما مضى، من جهة هذه المكوس التي وضعت على الناس، وأنها من أعظم المحرمات، لأن الله حرم الظلم على نفسه، فقال ﷺ فيما يروي عن ربه ﷿: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا»١، وقال ﷺ في خطبته يوم الحج الأكبر، وهو واقف بعرفة «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد الغائب» واذكر قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ﴾ [سورة الحج آية: ٤١] ومن المعروف الذي أوجبه الله على عباده: اجتناب أسباب الظلم وتحرى العدل في الأقوال والأعمال.
    ١ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٧٧)، وأحمد (٥/‏١٦٠).

    ومن المنكر الذي حذر الله عنه: تعاطي ما حرمه الله، من الظلم وغيره واذكر قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والأِحْسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبى ويَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [سورة النحل آية: ٩٠] قال شيخ الإسلام: هذه الآية جمعت فعل ما أوجبه الله، واجتناب جميع ما حرمه الله، فإنه لا يستقيم للولاة أمر إلا بالعمل بما دلت عليه هذه الآية، ونظيرها قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها وإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾ [سورة النساء آية: ٥٨] فالعدل مطلوب شرعا، في الأقوال والأعمال والأخلاق.
    والإحسان شامل للإحسان للناس في معاملتهم، وفي الولاية عليهم، وترك الظلم والتعدي عليهم، وقد قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل، لما أمره بأخذ الصدقة، قال له: «واتق دعوة المظلوم» ١.
    وقال في «الاقتضاء»: وعامة الأمراء، إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة، من أخذ أموال لا يجوز أخذها، وعقوبات على الجرائم لا تجوز، لأنهم فرطوا في المشروع، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعوه حيث يسوغ وضعه، طالبين بذلك إقامة دين الله، لا رياسة لأنفسهم، وأقاموا الحدود المشروعة، على الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم، للعدل الذي شرعه الله، لما
    ١ البخاري: الزكاة (١٤٩٦)، ومسلم: الإيمان (١٩)، والترمذي: الزكاة (٦٢٥) والبر والصلة (٢٠١٤)، والنسائي: الزكاة (٢٤٣٥)، وأبو داود: الزكاة (١٥٨٤)، وابن ماجه: الزكاة (١٧٨٣)، وأحمد (١/‏٢٣٣)، والدارمي: الزكاة (١٦١٤).


    احتاجوا إلى المكوس الموضوعة، ولا إلى العقوبات الجائرة، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين، كما كان الخلفاء الراشدون، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم، انتهى.
    واذكر أيضا: الديوان الثالث، الذي لا يترك الله منه شيئا، فالحذر الحذر، من أسباب الشر وموجباته! ومن أعظم الأسباب الجالبة للنصر، وخذلان العدو قريبا أو بعيدا: تقوى الله، ورفض هذه المكوس المحرمة، التي لم تعهد في أسلافكم، لأن المعهود عنهم رحمهم الله، رفع المظالم، والمكوس، في كل بلد يتولون عليها، فشكرهم على ذلك أهل الإسلام، وجعلوا ذلك من مآثرهم الحميدة.
    وفي الحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عملها» ١. وهذه المكوس هي والله من السيئات المذمومة، فإن من أعظم ما أساء المسلمين: وضع هذه المحرمات. وقد رأيت لبعض العلماء «فائدة» يحسن ذكرها، لعظم نفعها، ومطابقتها للواقع.
    قال ﵀: العدل إذا كان شاملا، فهو أحد قواعد الدنيا والدين، الذي لا انتظام لهما إلا به، ولا صلاح فيهما إلا معه، وهو الداعي إلى الألفة، والباعث على الطاعة، وبه
    ١ مسلم: الزكاة (١٠١٧)، والنسائي: الزكاة (٢٥٥٤)، وابن ماجه: المقدمة (٢٠٣)، وأحمد (٤/‏٣٥٧،٤/‏٣٥٨).


    تعمر البلاد، وبه تنمو الأموال، ومعه يكثر النسل، وبه يأمن السلطان، وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق، من الظلم والجور، لأنه ليس يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد، حتى يستكمل.
    والعرب لما استناروا بنور الدين المبين، وجمعت متبدد شملهم كلمة الحق، ودان لهم من دان من الأمم، شملوا الناس بالعدل في أحكامهم، وأعمالهم وأقوالهم، إذ كان من أهم مقاصد الشريعة الغراء، وأعظم مطالبها وأجل قضاياها، وبذلك تعلقت آيات التنْزيل، فمنها قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها وإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [سورة النساء آية: ٥٨] وفي الحديث «بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد» إلى غير ذلك من النصوص، التي يضيق عنها الحصر.
    ومن وقف على سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم، من أمراء العدل من العرب تبين له: أن ما كان من استقامة ملكهم، واتساع مملكتهم، إنما هو بالعدل التام، ووضع الأمور في مواضعها والعدل باب واسع، يجري في أمور كثيرة، ومرجعه إلى عدل الإنسان في نفسه، ثم عدله في غيره.
    فأما عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح،

    وكفها عن القبائح، ثم بالوقوف على أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير، فإن التجاوز فيها جور، والتقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها، فهو على غيره أجور.
    وأما عدله في غيره، فهو على أقسام منها: عدل الإنسان فيمن دونه، كالسلطان في رعيته، والرئيس مع صحابته، ويدخل فيه الرجل مع أهل بيته، والأستاذ مع تلامذته، والسيد مع خدمه وأرقائه، ففي الحديث «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» والعدل هاهنا يكون باتباع الميسور، وخوف المعسور، وترك التسلط بالقوة، وابتغاء الحق في الميسور، فإن اتباع الميسور أدوم، وترك المعسور أسلم، وعدم التسلط عطف على المحبة، وابتغاء الحق أبعث على النصرة، وهذه أمور إن لم تسلم للزعيم المدبر، كان الفساد بنظره أكثر، والاختلاف بتدبيره أظهر.
    وفي الحديث: «أشد الناس عذابا يوم القيامة، من أشركه الله في سلطانه، فجار في حكمه» وعن بعضهم: ليس للجائر جار، ولا تعمر له دار وقال: أقرب الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم.
    ومنها: عدل الإنسان مع من فوقه، كالرعية مع سلطانها، والصحابة مع رئيسها، وعائلة الرجل معه وغير ذلك، فقد يكون بإخلاص الطاعة، وبذل النصرة، وصدق

    الولاء فإن إخلاص الطاعة أجمع للشمل، وبذل النصرة أدفع للوهن، وصدق الولاء أنفى لسوء الظن، وهذه أمور إن لم تجتمع في المرء، تسلط عليه من كان يدفع عنه، واضطر إلى اتقاء من يتقي به، قال البحتري:
    متى أحوجت ذا كرم تخطى … إليك ببعض أخلاق اللئام
    وفي استمرار هذا حل نظام جامع، وفساد صلاح شامل؛ قال بعض الأكابر: أطع من فوقك، يطعك من دونك.
    ومنها: عدل الإنسان مع أكفائه، وذلك بترك الاستطالة، ومجانبة الإدلال، وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف، ومجانبة الإدلال أعطف، وكف الأذى أنصف، وهذه أمور إن لم تخلص الأكفاء، أسرع فيهم تقاطع الأعداء، ففسدوا وأفسدوا، انتهى مخلصا.
    وقال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ صالح بن عبد العزيز، والشيخ عبد الله بن حسن، وعبد العزيز، وعمر ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن زاحم، والشيخ محمد بن عثمان، والشيخ عبد العزيز الشثري.

    وأما المكوس: فأفتينا الإمام بأنها من المحرمات الظاهرة، فإن تركها فهو الواجب عليه، فإن امتنع فلا يجوز شق عصا المسلمين، والخروج عن طاعته من أجلها وأما الجهاد: فهو موكول إلى نظر الإمام، وعليه أن ينظر ما هو الأصلح للإسلام والمسلمين، على حسب ما تقتضيه الشريعة.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [نصيحة إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل]
    وقال بعضهم أيضا:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد اللطيف، وصالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، ومحمد بن عبد الله بن عبد اللطيف، إلى الإمام المكرم: عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، سلمه الله تعالى وهداه، وأعاذه من شر نفسه وهواه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وموجب الكتاب: السلام، والنصيحة، والمعذرة إلى الله تبارك وتعالى، والإعذار إليك وإلى عباد الله المؤمنين، وأداء ما استؤمنا عليه، والخشية أن نكب على وجوهنا في نار جهنم، ونكون من الغاشين للإسلام والمسلمين. إذا عرفت هذا، فاعلم: أن حقك علينا كبير
    وحق رب العالمين علينا أعظم وأكبر، وإذا تعارضا، فالمتعين هو تقديم حق الرب على ما سواه، فنرجوه تعالى أن يعيننا على ذلك، ويحسن لنا الختام وقد ولاك الله على المسلمين، واسترعاك عليهم، فإن قمت بحق تلك الرعاية فهي من أعظم نعم الله عليك، وإن ضيعت وأهملت - أعاذك الله من ذلك - صارت عليك نقمة ووبالا.
    واعلم: أن مقصود الولاية، هو إصلاح دين الناس ودنياهم، التي يتوصلون بها إلى إقامة دينهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق، الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم، انتهى.
    وأنت عارف بما كان عليه أهل نجد، قبل هذه الدعوة المباركة، من الشر، في دينهم ودنياهم، ثم إن الله تعالى أنقذهم من ذلك بهذه الدعوة الدينية، قدس الله أرواح من قام بنصرها، وجزاهم عن أهل نجد خصوصا، وعن المسلمين عموما، خير ما جزى به من قام بنصرة دينه، وجاهد في الله حق جهاده. ولم تقم دعوتهم، ولا استقامت ولايتهم، إلا على أمرين: القيام بحق الله تعالى، والقيام بحقوق عباده، ورعاية مصالحهم؛ يعرف ذلك من سيرتهم، كل من له أدنى إلمام بشيء، من العلم بأحوالهم.


    ثم لما وقع التقصير منهم، في أشياء دون ما نحن فيه اليوم، حل بهم ما حل، مما نرجو أنه كفارة لهم، وتمحيص، ومحق لأعدائهم، فعاد نجد إلى قريب من حالته الأولى، بسبب ارتكاب بعض المحرمات.
    ثم إن الله تعالى من بتجديد الدعوة، وقام بنصرها جدك تركي، وجدك فيصل، جزاهما الله عن الإسلام والمسلمين خيرا؛ ولهما من السيرة المحمودة، وتقديم الشرع، وترك الظلم والتعدي، وإقامة العدل ما لا يحتاج إلى شرح.
    ثم لما توفي جدك فيصل ﵀ تعالى، وحصل ما حصل، انحلت عرى هذه الولاية، ووقع بأهل نجد ما لا يخفى عليك.
    ثم إن الله تعالى من بولايتك، وحصل بها من الإقبال والنصر للمسلمين، وقمع عدوهم، ما هو من أعظم نعم الله عليهم وعليك ولم يزل الله بفضله يرقيك من حالة إلى حالة، وإمامك في هذا كله: الكتاب والسنة، والعدل في الرعية؛ فاستتب لك الأمر، وأعلاك الله، ونصرك على من ناوأك.
    ثم آلت بك الحال - هداك الله، وأخذ بناصيتك - إلى الوقوع في أمور كثيرة، هي من أسباب زوال تلك النعمة، ومن موجبات التغيير وحلول النقمة {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ


    حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد آية: ١١].
    منها: إلزام الناس أن يظلم بعضهم بعضا، وأن ترفض الطريقة النبوية، الجارية في أسواق المسلمين، وبياعاتهم، وأن يقام فيها القانون المضارع لقوانين الكفار، الجارية في أسواقهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
    وذلك هو إلزامكم بحجر الناس، على مقدار من السعر في الصرف، لا يزيد ولا ينقص، وهذا من أعظم الفساد في الأرض، والتعاون على الإثم والعدوان، وأكل الناس بعضهم أموال بعض بالباطل، والحجة في ذلك: ما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أنس، وحديث أبي هريرة، وغيرهما من الأحاديث.
    قال مجد الدين ابن تيمية في كتابه «منتقى الأخبار»، باب النهي عن التسعير: عن أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ: فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت لنا، فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ﷿ ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، انتهى. قال شارحه: وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد، وأبي داود، قال: "جاء رجل، فقال: يا رسول الله سعر، فقال: بل أدعو الله ثم جاء آخر، فقال: يا رسول الله

    سعر، فقال: «بل الله يخفض ويرفع»١، قال الحافظ: وإسناده حسن، وعن أبي سعيد، عند ابن ماجه، والبزار، والطبراني نحو حديث أنس، ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ، وعن علي ﵁ عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير، وعن أبي جحيفة عنده في الكبير، انتهى.
    وهذا هو قول أهل العلم، كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم رحمهم الله تعالى؛ قال الوزير أبو المظفر ابن هبيرة، في كتابه «الإفصاح»: باب التسعير والاحتكار اتفقوا على كراهة التسعير، وأنه لا يجوز، انتهى.
    فيا عبد العزيز اتق الله، تتم لك النعمة، وحكم كتاب الله، وسنة نبيه، واتق الظلم فإنه سبب لحلول النقم وزوال النعم، وحقوق الخلق أمرها عظيم وفي الحديث «الدواوين ثلاثة، ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك بالله، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وهو حقوق الخلق، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه» ٢.
    وقد حرم الله الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، قال تعالى: ﴿وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [سورة فصلت آية: ٤٦] وقال تعالى: ﴿ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدًا﴾ [سورة الكهف آية: ٤٩].
    ١ أبو داود: البيوع (٣٤٥٠)، وأحمد (٢/‏٣٣٧).
    ٢ أحمد (٦/‏٢٤٠).


    وقال تعالى: ﴿ذِكْرى وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ [سورة الشعراء آية: ٢٠٩] وقال تعالى: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ويَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [سورة الشورى آية: ٤٢] وعن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» ١ وقال النبي ﷺ في خطبته، في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» ٢، وروي عنه: أنه خطب بذلك في يوم النحر، وفي يوم عرفة، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق، وفي رواية: ثم قال: «اسمعوا مني تعيشوا: ألا لا تظالموا! إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» ٣ وفي الصحيحين عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الظلم ظلمات يوم القيامة» والأحاديث في ذلك كثيرة.
    ومنها: أمر الطويل في الأحساء وتوابعها، هو وأعوانه الذين استجلبهم من الخارج، وسومهم الناس سوء العذاب، مع ما اشتهر من أنواع الفواحش. وقد مضى أزمان والناس يرفعون أكفهم بالدعاء لكم، في السر والعلانية، ولا نأمن الآن أنهم يرفعونها بالدعاء عليكم وفي الحديث «واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» ٤.
    ١ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٧٧)، وأحمد (٥/‏١٦٠).
    ٢ البخاري: العلم (٦٧) والحج (١٧٤١) والمغازي (٤٤٠٦) والأضاحي (٥٥٥٠) والفتن (٧٠٧٨) والتوحيد (٧٤٤٧)، ومسلم: القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٩)، وأحمد (٥/‏٣٧،٥/‏٣٩،٥/‏٤٠،٥/‏٤٩)، والدارمي: المناسك (١٩١٦).
    ٣ أحمد (٥/‏٧٢).
    ٤ البخاري: الزكاة (١٤٩٦)، ومسلم: الإيمان (١٩)، والترمذي: الزكاة (٦٢٥) والبر والصلة (٢٠١٤)، والنسائي: الزكاة (٢٤٣٥)، وأبو داود: الزكاة (١٥٨٤)، وابن ماجه: الزكاة (١٧٨٣)، وأحمد (١/‏٢٣٣)، والدارمي: الزكاة (١٦١٤).


    ولا يملك الناس إلا أمران: العمل فيهم بالشرع، والتحبب إليهم بالإحسان، أو بترك الظلم ولا تظهر ضغائن الناس، إلا عند سؤالهم أموالهم، قال تعالى: ﴿ولا يَسْألْكُمْ أمْوالَكُمْ إنْ يَسْألْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ﴾ [سورة محمد آية: ٣٧] ونسأل الله أن يأخذ بناصيتك، ويهديك صراطه المستقيم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
    [الرافضة]
    وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ صالح بن عبد العزيز، والشيخ عبد الله بن حسن، والشيخ عبد العزيز، والشيخ عمر، ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله، وعبد الله بن حسن بن إبراهيم، ومحمد بن عثمان، وعبد العزيز الشثري، وفقهم الله تعالى:
    أما الرافضة: فأفتينا الإمام، أن يلزموا بالبيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل. وعلى الإمام أيده الله أن يأمر نائبه على الأحساء، يحضرهم عند الشيخ ابن بشر، ويبايعونه على دين الله ورسوله، وترك الشرك، من دعاء الصالحين من أهل البيت، وغيرهم، وعلى ترك سائر البدع، من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها،
    مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد.
    وكذلك يلزمون بالاجتماع للصلوات الخمس، هم وغيرهم في المساجد ويرتب فيهم أئمة ومؤذنين، ونوابا من أهل السنة، ويلزمون تعلم ثلاثة الأصول؛ وكذلك إن كان لهم محال بنيت لإقامة البدع فيها، فتهدم، ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها؛ ومن أبى قبول ما ذكر فينفى عن بلاد المسلمين.
    وأما الرافضة من أهل القطيف، فيأمر الإمام أيده الله الشيخ يسافر إليهم، ويلزمهم ما ذكرنا.
    وأما البوادي والقرى التي دخلت في ولاية المسلمين، فأفتينا الإمام يبعث لهم دعاة ومعلمين، ويلزم نوابه من الأمراء في كل ناحية، بمساعدة الدعاة المذكورين، على إلزامهم شرائع الإسلام، ومنعهم من المحرمات.
    وأما رافضة العراق، الذين انتشروا، وخالطوا بادية المسلمين، فأفتينا الإمام بكفهم عن مراتع المسلمين، وأرضهم.
    [المنذور لخدام النبي ﷺ]
    سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله، عن المنذور لخدام النبي ﷺ وغيره، إلى آخره.
    فأجاب: المنذور لخدام النبي ﷺ وغيره، يصرف

    لمصالح المسلمين: يصرفها الإمام، إما في الجهاد، أو في تأليف بعض الناس على الإسلام، أو الفقراء، أو المساكين.
    وأجاب في موضع آخر: إن كان ذلك في البلد التي تحت ولاية إمام المسلمين، فلا يجوز أخذه إلا بإذن الإمام، لأنه يصير مصرفه في مصالح المسلمين بإذن الإمام، كما صرف النبي ﷺ المال الذي على بيت اللات حيث هدمها في مصالح المسلمين. وأما إن كان المنذور في موضع ليس حكمه تحت حكم إمام المسلمين، فإنه يجوز أخذه لمن وجده، لأنه مال ضائع لا يجوز إبقاؤه.


    [ما يؤخذ منه أجرة الأجراء في الجيش]
    سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، عن سبور الغزو، والأجراء، هل أجرتهم من رأس الغنيمة؟ أو في أربعة الأخماس؟
    فأجاب الظاهر أنها من رأس الغنيمة، من الخمس وغيره. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد، رحمهم الله: ومن الواجب تمييز الأموال الداخلة على ولي الأمر؛ فإن الله ميزها وقسمها، فلا يحل تعدي ذلك وخلطها، بحيث لا يمكن تمييز الزكاة من الفيء والغنائم، فإن لهذا مصرفا، ولهذا مصرفا، ويجب على ولي الأمر صرف كل شيء في محله، وإعطاء كل ذي حق حقه: أهل الزكاة من الزكاة، وأهل الفيء من الفيء؛ ويعين ذلك في الأوامر التي تصدر من الإمام لوكيل بيت المال. ويجب تفقد من في بلاد المسلمين من ذوي القربى، ويعطون ما فرض الله ورسوله من الحق من الفيء والغنيمة، فإن هذا من آكد الحقوق وألزمها، لمكانهم من رسول الله ﷺ؛
    والمراد بهم: من عرف التوحيد، والتزمه. وأهل الإسلام ما صالوا على من عاداهم،
    إلا بسيف النبوة وسلطانها، خصوصا دولتكم، فإنها ما قامت إلا بهذا
    **
    [الدرر السنية فى الاجوبة النجدية-المجلد التاسع - القسم الثانى- من كتاب الجهاد ص237 الى446- والمجلد العاشر: من كتاب حكم المرتد)- ]

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    يتفطن العاقل لقصة واحدة، وهي أن بني حنيفة أشهر أهل الردة؛ وهم الذين يعرفهم العامة من أهل الردة، وهم عند الناس من أقبح أهل الردة، وأعظمهم كفرا، وهم مع هذا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويؤذنون ويصلون.
    ومع هذا، فإن أكثرهم، يظنون أن النبي ﷺ أمرهم بذلك، لأجل الشهود الذين معهم «الرجّال». والذي يعرف هذا ولا يشك فيه، يقول: من قال: لا إله إلا الله فهو المسلم، ولو لم يكن معه من الإسلام شعرة، بل تركه واستهزأ به متعمدا.
    فسبحان مقلب القلوب والأبصار كيف يشاء! كيف يجتمع في قلب من له عقل - ولو كان أجهل الناس - أنه يعرف أن بني حنيفة كفروا، مع أن حالهم ما ذكرنا، وأن البدو إسلام ولو تركوا الإسلام كله، وأنكروه واستهزؤوا به على عمد، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، لكن أشهد أن الله على كل شيء قدير. نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
    الدليل الثاني: قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين، وهي: أن بقايا من بنى حنيفة، لما رجعوا إلى الإسلام، وتبرؤوا من مسيلمة، وأقروا بكذبه، كبر ذنبهم في أنفسهم، وتحملوا بأهليهم إلى الثغر، لأجل الجهاد في سبيل الله، لعل ذلك يمحو عنهم تلك الردة، لأن الله تعالى يقول: ﴿إلاَّ مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ [سورة الفرقان آية: ٧٠] وقوله: ﴿وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدى﴾ [سورة طه آية ٨٢].
    فنَزلوا الكوفة، وصار لهم بها محلة معروفة، فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة، فمر بعض المسلمين على مسجدهم، ما بين المغرب والعشاء، فسمع منهم كلاما، معناه: أن مسيلمة على حق، وهم جماعة كثيرون؛ لكن الذي لم يقل لم ينكر على من قال، فرفعوا أمرهم إلى

    ابن مسعود، فجمع من عنده من الصحابة ﵃، واستشارهم: هل يقتلهم وإن تابوا؟ أو يستتيب؟ فأشار بعض بقتلهم من غير استتابة، وأشار بعضهم باستتابتهم. فاستتاب بعضهم، وقتل بعضهم ولم يستتبه، وقتل عالمهم ابن النواحة. فتأمل رحمك الله: إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا، لما تبرؤوا من الكفر، وعادوا إلى الإسلام، ولم يظهر منهم إلا كلمة أخفوها في مدح مسيلمة، لكن سمعها بعض المسلمين، ومع هذا لم يتوقف أحد في كفرهم كلهم، المتكلم والحاضر الذي لم ينكر، لكن اختلفوا: هل تقبل توبتهم أم لا؟ والقصة في صحيح البخاري. فأين هذا من كلام من يزعم أنه من العلماء، ويقول: البدو ما معهم من الإسلام شعرة، إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وحكم بإسلامهم بذلك؟ أين هذا مما أجمع عليه الصحابة فيمن قال تلك الكلمة، أو حضرها ولم ينكر؟ هيهات ما بين الفريقين، وبعد مسافة ما بين الطريقين:
    سارت مشرقة وسرت مغربا … شتان بين مشرق ومغرب
    صم وبكم عن حقيقة دينهم … ع عن القول المصيب الطيب
    قد أغرقوا في بحر شرك لجة … في ظلمة فيها صواعق صيب

    ربنا إننا نعوذ بك أن نكون ممن قلت فيهم: ﴿فَلَمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [سورة البقرة آية: ١٧] ولا ممن قلت فيهم: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٢].
    الدليل الثالث: ما وقع في زمان الخلفاء الراشدين، من قصة أصحاب علي ﵁ لما اعتقدوا فيه الإلهية - التي تعتقد اليوم في أناس من أكفر بني آدم، وأفسقهم - فدعاهم إلى التوبة فأبوا، فخد لهم الأخاديد، وملأها حطبا، وأضرم فيها النار، وقذفهم فيها وهم أحياء. ومعلوم: أن الكافر، مثل اليهودي والنصراني، إذا أمر الله بقتله، لا يجوز إحراقه بالنار. فاعلم: أنهم أغلظ كفرا من اليهود والنصارى، هذا وهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويقرؤون القرآن، آخذين له من أصحاب رسول الله ﷺ؛ فلما غلوا في علي أنكر الغلو، وحرقهم بالنار وهم أحياء، وأجمع الصحابة والعلماء كلهم على كفرهم. فأين هذا ممن يقول في البدو تلك المقالة مع اعترافه بهذه القصة وأمثالها، واعترافه أن البدو كفروا بالإسلام كله، إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله؟ واعلم أن جناية هؤلاء على الإلهية، ولا علمنا فيهم جناية على النبوة،

    والذين قبلهم جنايتهم على النبوة، ولا علمنا لهم جناية على الإلهية؛ وهذا مما يبين لك شيئا من معنى الشهادتين اللتين هما أصل الإسلام.
    الدليل الرابع: ما وقع في زمن الصحابة، وهي قصة المختار بن أبي عبيد، وهو رجل من التابعين، مصاهر لعبد الله بن عمر، ومظهر للصلاح؛ فظهر في العراق، يطلب بدم الحسين وأهل بيته، فقتل ابن زياد ومال إليه من مال لطلبه دم أهل البيت ممن ظلمهم. فاستولى على العراق، وأظهر شرائع الإسلام، ونصب القضاة، والأئمة من أصحاب ابن مسعود، وكان هو الذي يصلي بالناس الجماعة والجمعة؛ لكن في آخر أمره، زعم أنه يوحى إليه. فسير عليه عبد الله بن الزبير جيشا، فهزم جيشه وقتلوه، وأمير الجيش مصعب بن الزبير، وتحته امرأة أبوها أحد الصحابة، فدعاها مصعب إلى تكفيره فأبت، فكتب إلى أخيه عبد الله يستفتيه فيها، فكتب إليه إن لم تبرأ منه فاقتلها، فامتنعت فقتلها مصعب.
    وأجمع العلماء كلهم على كفر المختار، مع إقامته شعائر الإسلام، لما جنى على النبوة؛ فإذا كان الصحابة قتلوا المرأة، التي هي من بنات الصحابة، لما امتنعت من تكفيره، فكيف بمن لم يكفر البدو، مع إقراره بحالهم؟ فكيف بمن زعم أنهم هم أهل الإسلام؟ من دعاهم إلى

    الإسلام أنه هو الكافر؟! يا ربنا نسألك العفو والعافية.
    الدليل الخامس: ما وقع في زمن التابعين، وذلك قصة الجعد بن درهم، وكان من أشهر الناس بالعلم والعبادة، فلما جحد شيئا من صفات الله ﷿ مع كونها مقالة خفية عند الأكثر، ضحى به خالد القسري يوم عيد الأضحى، فقال: أيها الناس ضحوا، تقبل الله منكم ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما. ثم نزل فذبحه، ولم نعلم أحدا من العلماء أنكر ذلك عليه، بل ذكر ابن القيم إجماعهم على استحسانه، فقال:
    شكر الضحية كل صاحب سنة … لله درك من أخي قربان
    فإذا كان رجل من أشهر الناس بالعلم والعبادة، وأخذ العلم عن الصحابة، أجمعوا على استحسان قتله، فأين هذا من اعتقاد أعداء الله في البدو؟
    الدليل السادس: قصة بني عبيد القداح، فإنهم ظهروا على رأس المائة الثالثة، فادعى عبيد الله أنه من آل علي، من ذرية فاطمة، وتزيا بزي الطاعة والجهاد في سبيل الله، فتبعه أقوام من أهل المغرب؛ وصار له دولة كبيرة في المغرب، ولأولاده من بعده، ثم ملكوا مصر والشام، وأظهروا شرائع الإسلام، وإقامة الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين.

    لكن أظهروا أشياء من الشرك، ومخالفة الشرع، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم؛ فأجمع أهل العلم على أنهم كفار، وأن دارهم دار حرب، مع إظهارهم شعائر الإسلام وشرائعه. وفي مصر من العلماء والعباد ناس كثير، وأكثر أهل مصر لم يدخل معهم فيما أحدثوه، ومع ذلك أجمع العلماء على ما ذكرنا، حتى إن بعض أكابر العلماء المعروفين بالصلاح، قال: لو أن معي عشرة أسهم، لرميت بواحد النصارى المحاربين، ورميت بالتسعة في بني عبيد.
    ولما كان في زمن السلطان محمود بن زنكي، أرسل إليهم جيشا عظيما، فأخذوا مصر من أيديهم، ولم يتركوا جهادهم لأجل من فيها من الصالحين. فلما فتحها السلطان، فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا، وصنف ابن الجوزي كتابا في ذلك سماه «النصر على مصر»، وأكثر العلماء التصنيف والكلام في كفرهم، مع ما ذكرنا من إظهار شرائع الإسلام الظاهرة.
    فانظر ما بين هذا، وبين ديننا الأول: البدو إسلام، مع معرفتنا بما هم عليه من البراءة من الإسلام كله، إلا قول لا إله إلا الله، ولا نظن أن أحدا منهم يكفر، إلا إذا انتقل يهوديا أو نصرانيا.
    فإذا آمنت بما ذكر الله ورسوله، وأجمع عليه العلماء، وبرئت من دين آبائك في هذه المسألة، وقلت: آمنت بالله،

    وبما أنزل الله، وتبرأت مما خالفه باطنا وظاهرا، مخلصا لله الدين في ذلك، وعرف الله ذلك من قلبك، فأبشر، ولكن سل الله سبحانه التثبيت، واعرف أنه مقلب القلوب:
    إن القلوب يد الباري تقلبها … فسل من الله توفيقا وتثبيتا
    سل الهداية منه أن يمن بها … فإن هداك فللخيرات أوتيتا
    فهذه غربة الإسلام أنت بها … فكن صبورا ولو في الله أوذيتا
    الدليل السابع: قصة التتار، وذلك أنهم لما فعلوا بالمسلمين ما فعلوا، وسكنوا بلدان المسلمين، وعرفوا دين الإسلام، واستحسنوه، وأسلموا، لكن لم يعملوا بما يجب عليهم، وأظهروا أشياء من الخروج عن الشريعة، لكن يتكلمون بالشهادتين، ويصلون ليسوا كالبدو، ومع هذا كفرهم العلماء، وقاتلوهم وغزوهم، حتى أزالهم الله عن بلدان المسلمين.
    وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله سبحانه، وأما من أراد الله فتنته، فلو تناطحت الجبال بين يديه لم ينفعه ذلك، ولو ذكرنا ما جرى من السلاطين والقضاة، من قتل من يظهر شعائر الإسلام، إذا تكلم بكلام الكفر، وقامت عليه البينة، أنه يقتل، مع أن في هؤلاء المقتولين، من هو من أعلم الناس وأزهدهم وأعبدهم، مثل الحلاج وأمثاله، ومن هو من الفقهاء المصنفين، كالفقيه عمارة، فلو ذكرنا قصص هؤلاء، لاحتمل مجلدات، ولا نعرف

    فيهم رجلا واحدا بلغ كفره كفر البدو، أو الذي يقول من يزعم إسلامهم: إنه ليس معهم من الإسلام شعرة، إلا قول لا إله إلا الله، ولكن (من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) وقوله: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِ ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ [سورة الكهف آية: ١٧].
    والعجب: أن الكتب التي بأيديهم، ويزعمون أنهم يعرفونها، ويعملون بها، فيها مسائل الردة؛ وتمام العجب أنهم يعرفون بعض ذلك، ويقرون به، ويقولون: من أنكر البعث كفر، ومن شك فيه كفر، ومن سب الشرع كفر، ومن أنكر فرعا مجمعا عليه كفر، كل هذا يقولونه بألسنتهم.
    فإذا كان من أنكر الأكل باليمين، أو أنكر النهي عن إسبال الثياب، أو أنكر سنة الفجر، أو أنكر الوتر، فهو كافر، ويصرحون: أن من أنكر الإسلام كله وكذب به، واستهزأ به، أو استهزأ بمن صدق به، فهو أخوك المسلم، حرام المال والدم، مع أنه ما معه من الإسلام إلا أنه يقول: لا إله إلا الله، ثم يكفروننا ويستحلون دماءنا وأموالنا، مع أنا نقول: لا إله إلا الله. إذا سئلوا عن ذلك، قالوا: من كفر مسلما فقد كفر، ثم لم يكفهم ذلك، حتى أفتوا لمن عاهدنا بعهد الله ورسوله، أن ينقض العهد، وله في ذلك ثواب عظيم؛ ويفتون أن الذي عنده لنا أمانة أو مال يتيم، أنه يجوز له أكل أمانته، ولو كان

    مال يتيم بضاعة عنده، أو وديعة.
    بل يرسلون الرسائل لمن حارب التوحيد، ونصر عبادة الاوثان، مثل دهام بن دواس وغيره، يقولون: أنت يا فلان، قمت مقام الأنبياء، مع إقرارهم أن التوحيد الذي قلنا، وكفروا به، وصدوا الناس عنه، هو دين الأنبياء، وأن الشرك الذي نهينا عنه الناس، ورغبوهم فيه، وأمروهم بالصبر على آلهتهم، أنه الشرك الذي نهى عنه الأنبياء، ولكن هذه من أكبر آيات الله.
    فمن لم يفهمها فليبك على نفسه، فإنها قد ماتت، ولينتبه قبل حلول رمسه؛ فإن دنياه وأخراه قد فاتت، وليتدارك ما بقي من يومه بعد أمسه، فإن ركائب الموت بفنائه قد باتت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    اللهم يا مقلب القلوب والأبصار، ويا مزيل العقول والأفكار، ثبت قلوبنا على دينك، واجعلنا من القانتين لك في الأسحار، وأن تتوفانا مسلمين لك، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى على سيدنا محمد وآل محمد وأصحابه، بالعشي والإبكار، آمين والحمد لله رب العالمين وسلم تسليما.[الدرر السنية فى الاجوبة النجدية-المجلد التاسع - القسم الثانى- من كتاب الجهاد ]

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [الهجرة ووقوع بدر الكبرى]
    وفوائد الهجرة، والمسائل التي فيها كثيرة، لكن نذكر منها مسألة واحدة، وهي: أن أناسا من المسلمين لم يهاجروا، كراهة مفارقة الوطن، والأهل والأقارب؛ فهو قوله تعالى: {قُلْ إنْ كانَ آباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ وإخْوانُكُمْ وأزْواجُكُمْ وعَشِيرَتُكُمْ وأمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوه ا وتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ومَساكِنُ تَرْضَوْنَها أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ} [سورة التوبة آية: ٢٤].
    فلما خرجت قريش إلى بدر، خرجوا معهم كرها، فقتل بعضهم بالرمي، فلما علموا أن فلانا قتل، وفلانا قتل، وفلانا قتل، تأسفوا على ذلك، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله ﷿ فيهم: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولَئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيرًا إلاَّ المُسْتَضْعَفِي نَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [سورة النساء آية: ٩٧].
    فليتأمل الناصح لنفسه هذه القصة، وما أنزل الله فيها من الآيات، فإن أولئك لو تكلموا بكلام الكفر، أو فعلوا كفرا يرضون به قومهم، لم يتأسف الصحابة ﵃ على قتلهم، لأن الله بين لهم وهم بمكة، لما عذبوا بقوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمانِ﴾ [سورة النحل آية: ١٠٦].
    فلو سمعوا عنهم كلاما، أو فعلا يرضون به المشركين من غير إكراه، لم يقولوا: قتلنا إخواننا، ويوضحه قوله

    تعالى: ﴿فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا﴾ [سورة النساء آية: ٩٧] ولم يقولوا: كيف عقيدتكم؟ أو كيف فعلكم؟ بل قالوا: في أي الفريقين أنتم؟ فاعتذروا لهم: كنا مستضعفين في الأرض، فلم تكذبهم الملائكة في قولهم هذا، بل ﴿قالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ [سورة النساء آية: ٩٧] يوضحه إيضاحا تاما قوله: ﴿إلاَّ المُسْتَضْعَفِي نَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [سورة النساء آية: ٩٨-٩٩].
    فهذا في غاية الوضوح؛ فإذا كان هذا في السابقين الأولين من الصحابة، فكيف بغيرهم؟ ولا يفهم هذا إلا من فهم أن أهل الدين اليوم لا يعدونه ذنبا.
    فإن فهمت ما أنزل الله فهما جيدا، وفهمت ما عند من يدعي الدين، تبين لك أمور: منها: أن الإنسان لا يستغني عن طلب العلم، فإن هذه وأمثالها لا تعرف إلا بالتنبيه، فإذا أشكلت على الصحابة قبل نزول الآية، فكيف بغيرهم؟
    ومنها: أن تعرف أن الإيمان ليس كما ظنه غالب الناس اليوم، بل كما قال الحسن البصري: «ليس الإيمان بالتحلي، ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال». نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا، وأن يعيذنا من علم لا ينفع.
    قال عمر بن عبد العزيز، ﵁: "يا بني، ليس

    الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير: أن تعقل عن الله، ثم تطيعه».
    ولما هاجر المسلمون إلى المدينة، واجتمع المهاجرون والأنصار، شرع الله لهم الجهاد، وقبل ذلك نهوا عنه و﴿قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أيْدِيَكُمْ﴾ [سورة النساء آية: ٧٧] فأنزل الله ﷿ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة آية: ٢١٦] فبذلوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى، ﵃، فشكر الله لهم ذلك، ونصرهم على من عاداهم، مع قلتهم وضعفهم، وكثرة عدوهم وقوتهم.
    فمن الوقائع المشهورة، التي أنزل الله فيها القرآن: وقعة بدر، أنزل الله فيها سورة الأنفال، وبعدها وقعة بني قينقاع، ثم وقعة أحد بعد سنة، وفيها الآيات التي في آل عمران، وبعدها وقعة بني النضير، وفيها الآيات التي في سورة الحشر، ثم وقعة الخندق وبني قريظة، وفيها الآيات التي في سورة الأحزاب، ثم وقعة الحديبية، وفتح خيبر وأنزل الله فيها سورة الفتح، ثم فتح مكة ووقعة حنين، وأنزل الله فيها سورة النصر، وذكر حنين في براءة، ثم غزوة تبوك، وذكرها الله في سورة براءة.
    ولما دانت له العرب، ودخلوا في دين الله أفواجا،

    وابتدأ في قتال العجم، اختار الله له ما عنده، فتوفي رسول الله ﷺ بعدما أقام بالمدينة عشر سنين. فوقعت الردة المشهورة، وذلك أنه لما مات ﷺ ارتد غالب من أسلم، وحصلت فتنة عظيمة، ثبت الله فيها من ثبت، وأنعم الله عليه بالثبات بسبب أبي بكر الصديق ﵁.
    فإنه قام فيها قياما لم يدانه أحد من الصحابة، ذكرهم ما نسوا، وعلمهم ما جهلوا، وشجعهم لما جبنوا، فثبت الله به دين الإسلام، جعلنا الله من أتباعه، وأتباع أصحابه، قال الله تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة المائدة آية: ٥٤] قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [بداية كتاب «مفيد المستفيد» في أحكام الردة]
    وسئل أيضا: شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ﵀ تعالى، لما ارتد طائفة من أهل العيينة، ولما ارتد أهل حريملاء أن يكتب كلاما ينفع الله به.
    فأجاب، ﵀
    تعالى: روى مسلم في صحيحة، عن عمرو بن عبسة السلمي ﵁
    قال:»كنت في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت رجلا بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي حتى قدمت عليه، فإذا رسول الله ﷺ مستخفيا جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة. فقلت له: وما أنت؟ قال: نبي قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله فقلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء فقلت له: ومن معك على هذا؟ قال: حر وعبد قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال، فقلت: إني متبعك، قال: «إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني».
    قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله ﷺ المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار، وأسال الناس حين قدم المدينة، حتى قدم نفر من أهل يثرب، فقلت: ما فعل هذا الرجل، الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد

    أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: أنت الذي لقيتني بمكة قال: فقلت: يا نبي الله، علمني مما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: «صل صلاة الصبح، ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، وحتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد الكفار. ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة، فإنها حينئذ تسجر جهنم. فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة محضورة مشهودة، حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» وذكر الحديث.
    قال أبو العباس، ﵀ تعالى: فقد نهى النبي ﷺ عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، معللا بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار، ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها، وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار تسجد لها، ثم إنه ﷺ نهى عن الصلاة في هذا الوقت، حسما لمادة المشابهة.
    ومن هذا الباب: أنه إذا صلى إلى عود، أو عمود،

    جعله على حاجبه الأيمن، ولم يصمد له صمدا، ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، ولهذا نهى عن السجود بين يدي الرجل، لما فيه من مشابهة السجود لغير الله، انتهى كلامه.
    فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه، ما في هذا الحديث من العبر، فإن الله سبحانه يقص علينا أخبار الأنبياء وأتباعهم، ليكون للمؤمن من المتأخرين عبرة، فيقيس حاله بحالهم؛ وقص قصص الكفار والمنافقين، لتجتنب، ويجتنب من تلبس بها أيضا.
    فمما فيه من الاعتبار:
    أن هذا الأعرابي الجاهلي، لما ذكر له أن رجلا بمكة يتكلم في الدين بما يخالف الناس، لم يصبر حتى ركب راحلته فقدم عليه، وعلم ما عنده لما في قلبه من محبة الدين والخير،
    وهذا فسر به قوله تعالى: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٣] أي حرصا على تعلم الدين ﴿لأسمعهم﴾ أي: لأفهمهم؛
    فهذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم، عدل منه سبحانه، لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين.
    فتبين:
    أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شر الدواب، هو عدم الحرص على التعلم،
    فإذا كان هذا الجاهل يطلب هذا الطلب،
    فما عذر من ادعى اتباع الأنبياء، وبلغه عنهم ما بلغه، وعنده من يعرض عليه التعليم،

    ولا يرفع بذلك رأسا، فإن حضر أو سمع
    فكما قال تعالى: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [سورة الأنبياء آية: ٢].
    وفيه من العبر أيضا:
    أنه لما قال: بأي شيء أرسلك؟ قال: بكذا وكذا، فتبين: أن زبدة الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبدة الرسالة.
    وفيه أيضا:
    أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: من معك؟
    قال: (حر وعبد)
    فأجابه:
    أنه جميع العلماء والعباد والملوك والعامة، مخالفون له، ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر،
    فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل، وأن الباطل قد يملأ الأرض،
    ولله در الفضيل بن عياض،
    حيث يقول: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
    وأحسن منه قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوهُ إلاَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [سورة سبأ آية: ٢٠] وفي الصحيحين «أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون» ١ ولما بكوا من هذا لما سمعوه، قال ﷺ " إنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، فيؤخذ العدد من
    ١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٣٤٨)، ومسلم: الإيمان (٢٢٢)، وأحمد (٣/‏٣٢).


    الجاهلية، فإن تمت وإلا تم من المنافقين» ١. قال الترمذي: حسن صحيح.
    فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث، من صفة بدو الإسلام، ومن اتبع الرسول ﷺ إذ ذاك، ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم، أنه ﷺ قال: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ» ٢، تبين له الأمر إن هداه الله، وانزاحت عنه الحجة الفرعونية: ﴿قالَ فَما بالُ القُرُونِ الأُولى﴾ [سورة طه آية ٥١] والحجة القرشية ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ﴾ [سورة ص آية ٧] الآية.
    وقال أبو العباس، في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم»، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾: ظاهره: أن ما ذبح لغير الله، سواء لفظ به أو لم يلفظ حرام، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم، وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله، أزكى مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه بسم الله، فإن عبادة الله بالصلاة له والنسك له، أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور.
    والعبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله، فلو ذبح لغير الله متقربا إليه لحرم، وإن قال فيه: بسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، ومن
    ١ الترمذي: تفسير القرآن (٣١٦٨).
    ٢ مسلم: الإيمان (١٤٥)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦)، وأحمد (٢/‏٣٨٩).


    هذا ما يفعل بمكة وغيرها، من الذبح للجن، انتهى كلام الشيخ، وهو الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين، أنه لا يكفر المعين. فانظر أرشدك الله إلى تكفيره، من ذبح لغير الله من هذه الأمة، وتصريحه أن المنافق يصير مرتدا لذلك، وهذا في المعين، إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين.
    وقال أيضا في الكتاب المذكور: وكانت الطواغيت الكبار، التي تشد إليها الرحال ثلاثة، اللات والعزى ومناة، وكل واحد منها لمصر من أمصار العرب. فكانت اللات لأهل الطائف، ذكروا أنه كان في الأصل رجلا صالحا يلت السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره. وأما العزى فكانت لأهل مكة، قريبا من عرفات؛ وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون. وأما مناة فكانت لأهل المدينة، وكانت حذو قديد من ناحية الساحل.
    ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن، فلينظر إلى سيرة النبي ﷺ وأحوال العرب في زمانه، وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة وغيره من العلماء.
    ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم، ويسمونها ذات أنواط، فقال بعض الناس يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال: "الله أكبر إنها

    السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم» ١.
    فأنكر ﷺ مجرد مشابهتهم للكفار، في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلقين عليها أسلحتهم. فكيف بما هو أطم من ذلك من الشرك بعينه؟ إلى أن قال: فمن ذلك عدة أمكنة بدمشق، مثل مسجد يقال له: «مسجد الكف»، فيه تمثال كف علي بن أبي طالب، حتى هدم الله ذلك الوثن؛ وهذه الأمكنة كثيرة، موجودة في أكثر البلاد، وفي الحجاز منها مواضع.

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الدرر السنية فى الاجوبة النجدية

    [المنتسب إلى الإسلام قد يمرق]
    وقال الشيخ ﵀، في «الرسالة السنية»، لما ذكر حديث الخوارج، ومروقهم من الدين، وأمره ﷺ بقتالهم، قال: فإذا كان على عهد رسول الله ﷺ وخلفائه ممن انتسب إلى الإسلام، من مرق منه مع عبادته العظيمة، حتى أمر ﷺ بقتالهم.
    فليعلم: أن المنتسب إلى الإسلام والسنة، قد يمرق أيضا من الإسلام في هذه الأزمان، وذلك بأسباب؛ منها: الغلو الذي ذمه الله في كتابه، حيث يقول: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ﴾ [سورة المائدة آية: ٧٧] وعلي بن أبي طالب ﵁ حرق الغالية من الرافضة، فأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كندة، فقذفهم فيها، واتفق الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس، كان مذهبه: أن يقتلوا بالسيف بلا تحريف، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة عند العلماء.
    وكذلك الغلو في بعض المشائخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أجرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل.
    فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، لا يجعل معه إله آخر؛ والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، مثل المسيح، والملائكة، والأصنام، لم يكونوا معتقدين أنها تخلق الخلائق، أو تنْزل المطر، أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو صورهم، ويقولون: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [سورة الزمر آية: ٣]، ويقولون: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ فبعث الله رسوله ﷺ ينهى أن يدعى أحد من دونة، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة، قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ولا تَحْوِيلًا﴾ [سورة الإسراء آية: ٥٦] الآية. قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح، وعزيرا، والملائكة.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •