تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية
    (1) البشرى الأولى: دوام النعم






    بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - القائمين على الأعمال الخيرية والمساهمين فيها سواء كان عملاً فردياً أم جماعياً مؤسسياً بنيل الأجر والفضل العظيم من رب العاملين في الدنيا، وحسن الخاتمة واستمرار الحسنات والمثوبة بعد الموت، وهذا الأجر يناله كل من عمل في هذا المجال وكان مخلصًا في عمله، ومتقنًا في أدائه، ومتبعًا للكتاب والسنة وموافقًا للشرع في كل مراحله، وسألخصها في عشر بشائر نبوية لمن عمل في هذا المجال وأدى عمله على أكمل وجه مدللاً عليها بما صح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واليوم مع البشرى الأولى: دوام النعم.
    عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ». صحيح الترغيب والترهيب للألباني (2/358)، قال المناوي في فيض القدير: إن لله -تعالى- أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد أي لأجل منافعهم: ويقرها فيهم ما بذلوها أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق: فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم؛ لمنعهم الإعطاء للمستحق: قال -تعالى-: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
    فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباد الله، واكتساب ما يفوز به في الآخرة: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك}. اهـ. والعاقل لا يتذمر، قال الفضيل: أما علمتم أن حاجة الناس إليكم نعمة من الله عليكم؟ فاحذروا أن تملوا وتضجروا من حوائج الناس فتصير النعم نقما!
    وفي فضل عمل الخير للآخر، قال -تعالى-:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
    وفي حديث ابن عباس مرفوعا: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال، فإذا أحب الله عبداً، جعل حوائج الناس إليه» فاعلم إن كنت مقصوداً، إذا أقبل الناس عليك، وتوسموا فيك الخير، وعقدوا عليك آمالهم، ورجوا نوالك، فأنت ممن يحبك الله، أما إذا انصرف الناس عنك، وانفضوا ويئسوا منك، وأسقطوك من حساباتهم، فأنت ممن لا يحبهم الله -عز وجل.
    فهناك إنسان يعيش للآخرين، وهناك إنسان يسخر الآخرين له، وشتان بين الاثنين، إنسان يعيش للآخرين، وإنسان يسخر كل من حوله له.
    فالجوانب الخيرية- إن فعلت لوجه الله -تعالى-، فهي عبادة، وإن أخلصت النية، فتكون كل حركة وكل كلمة وكل جهد وكل تفكير وكل سلوك في دائرة ذلك المقصد تجارة مع الله -تعالى-. فكلما تصدق متصدق وأوقف وقفاً، وكلما ساهم مسلماً في عمل خيري، كان للداعي لها والدال عليها الأجر المثوبة من الله -تعالى.
    من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه
    لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
    ومن النماذج التي سطرها التاريخ في القيام على حاجات الناس، قال ابن القيم - رحمه الله في وصف شيخ الإسلام ابن تيميه-: «كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس».



    عيسى القدومي


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية
    (2) المشارك في الطاعة مشارك في الأجر






    من فضل الله -تعالى- على عباده أن جعل المشارك في الطاعة مشاركا في الأجر، فالصدقة طاعة وقربى إلى الله، والمتصدق له الأجر العظيم من رب العالمين، وهذا الأجر لا يناله فقط صاحب الصدقة، بل من كان مسلمًا وخازناً أمينا لها، يرعاها ويؤديها بحقها، ملتزمًا شروطها، مع الرضا والسرور، وطيبة بها نفسه ؛ فله بذلك أجر كما لصاحب الصدقة أجر، وليس معناه أن يزاحمه في أجره، بل لهذا نصيب بماله، ولهذا نصيب بعمله، لا يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله، ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله.
    لك أجر كأجر من تصدق إذا تحققت الأوصاف التالية:
    عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الخازنَ المسلمَ الأمينَ، الذي يُنْفِذُ ما أُمرَ به، فيعطيه كاملاً مُوَفَّراً، طيبةً به نفسُهُ، فيدفعُه إلى الذي أُمر له به؛ أحدُ المتصَدّقين»، الحديث يخبرنا ويبشرنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن الخازن المسلم المؤتمن، الذي عمل على حفظ الأمانة ورعاها، وأداها كما أَمر بذلك صاحبها، مع طيب نفس منه، فهو بهذا يكون أحد المتصدقين.
    الصَّدقةُ مِن أفضَلِ أنواع الخيرِ والطاعاتِ
    والصَّدقةُ مِن أفضَلِ أنواع الخيرِ والطاعاتِ، ولكلِّ مَن شارَكَ في إخراجِ الصَّدَقاتِ أجرٌ كالمُتصدِّقِ نفْسِه إذا حقَّقَ الشُّروطَ المرعية في ذلك، كما يُبيِّنُ هذا الحديثُ، قال النووي: «فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب، وإن كان أحدهما أكثر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء، واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن، من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن إذن أصلاً فلا أجر للخازن بل عليه وزر بتصرفه في مال غيره بغير إذنه».
    أوصاف خمسة
    وفي شرح الحديث قال الشيخ محمد بن صالح عثيمين -رحمه الله -: «الخازن مبتدأ، وأحد المتصدقين خبر، يعني أن الخازن الذي جمع هذه الأوصاف الأربعة: المسلم، الأمين، الذي ينفذ ما أمر به، طيبة بها نفسه فنص الحديث على خمسة أوصاف لا بد أن تتحقق:
    - الوصف الأول: (المسلم)، أي يخرج من هذا الوصف غير المسلم.
    - الوصف الثاني: الخازن وهو من وكل أو أوكل إليه حفظ مال سواء كانت الوكالة بأجر أم كانت الوكالة بتبرع، فحفظ المال، ولم يفسده، ولم يفرط فيه، ولم يعتد فيه.
    - الوصف الثالث: الأمين، وهو من حفظ ما أؤتمن عليه، بما أسند إليه من مهمة، فأداه على النحو الذي أمر به وفعل ما أمر به في مبلغه ووقته؛ لأن من الناس من يكون خازناً لكنه متكاسل، فهذا أمين ومنفذ يفعل ما أمر به، فيجمع بين القوة والأمانة.
    - الوصف الرابع: فيعطيه كاملًا موفورًا من غير نقص.
    - الوصف الخامس: طيبة به نفسه أي يخرج ما طلب منه أن يعطيه لغيره أو وكل في إيصاله لغيره مع طيبة نفس منه؛ لا يمن على المعطى، أو يظهر أن له فضلاً عليه بل يعطيه طيبة به نفسه.
    المؤتمن هو أحد المتصدقين
    إذا تحققت الأوصاف الخمس، فهذا يكون أحد المتصدقين مع أنه لم يدفع من ماله فلسًا واحدا»، فالمؤتمن هو أحد المتصدقين، فالمتصدق طرف والمؤتمن على تلك الصدقة طرف آخر، وكلاهما ينالان من الله -تعالى- الأجر بهذا العمل؛ فالذي يرعى الصدقة ويحفظها ويوصلها إلى مستحقيها، ويصرفها بالوجه الصحيح الذي اشترطه صاحب الصدقة، وكان أمينًا على ذلك المال فلا يحابي ولا يداهن، ولا يمن على أحد، فيعطيه كاملاً من دون أن يقتطع لنفسه منه، وهو في الوقت نفسه فرح مسرور بهذا العمل؛ لأنه نقل الأمانة من صاحبها إلى مستحقها.
    الحافز الشرعي
    هذه أوصاف ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - تعطي الحافز الشرعي في أداء الأعمال بأمانة وإتقان وهو حافز مستمد من كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، حافز دائم العطاء إذا احتسب العامل ذلك البذل والجهد والعطاء لله -تعالى.
    والنتيجة: فهو «أحَدُ المُتَصَدِّقين» في الأجر والثواب، وإن كان لم يخرج من ماله شيئًا، لكنه أخرج من جهده على نحو توافرت فيه هذه الأوصاف التي ذكرها - صلى الله عليه وسلم - فكان أجره وثوابه على نحو أجر المتصدق وثوابه، فكلاهما مأجور، هذا مأجور بالبذل، وذاك مأجور بالإيصال وأداء الأمانة على الوجه الذي أؤتمن عليه دون نقص أو إخلال في ذلك، فكان مأجورًا.
    وقد رتَّب الأجرَ على إعطائِه ما يُؤمَرُ به غيرَ ناقِصٍ، وبكَونِ نفْسِه بذلك طَيِّبةً غيرَ حاسدةٍ لِمَن أعطاهُ إيَّاه؛ لئلَّا يَعدِمَ النِّيةَ فيَفقِدَ الأجرَ، وهي قُيودٌ لا بدَّ منها.
    ويُنافي هذا أنْ يكونَ الخازِنُ متسَلِّطًا على ما سمَح به صاحبُ المالِ في الصَّدَقاتِ، فيَمنَعَ الخَيرَ عن بعضِ المسلِمينَ بأهوائِه، وإنْ أعْطَاهم فيكونُ بغيرِ طِيبِ نفْسٍ، ورُبَّما صاحَبَ ذلك نَوعٌ مِن المَنِّ والتَّوبيخِ، وهذا ممَّا لا يَنبغي فِعلُه؛ لأنَّه لا يوافِقُ المَقصدَ الشَّرعيَّ مِن الصدَقاتِ وعمَلِ الخَيرِ الَّذي وُكِّل إليهم، مع ضَياعِ أجْرِهم وثوابِهم عِندَ اللهِ -تعالى.
    من فوائد الحديث
    - أنه دليلٌ على فَضلِ الأمانةِ، والتَّنفيذِ فيما وُكِّل فيه، وعدَمِ التَّفريطِ في ذلك.
    - ودَليلٌ على أنَّ التَّعاوُنَ على البِرِّ والتَّقوى يُكتَبُ فيه لِمَن أعان مِثلُ ما يُكتَبُ لِمَن فعَل، وهذا فضلُ اللهِ يؤْتِيه مَن يَشاءُ.
    - ليس للإنسان أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه.
    - فضل الأمانة، وفضل التنفيذ فيما وُكل فيه وعدم التفريط فيه.
    - حث على القيم الأساسية التي ينبغي أن تتجذر في نفوس العاملين، وتتجلى في أعمالهم، من إخلاص وأمانة وصدق وتجرد؛ فإن ذلك أنفع للمؤتمن في دنياه وأخراه، وأدعى للبركة والتوفيق في عمله.
    - حسن التعامل مع الآخرين؛ فالعاملون على الصدقات والأوقاف تسلط عليهم الأنظار؛ لأن أهل الخير قد أمّنوهم على صدقاتهم ومشاريعهم؛ فكل فعل محسوب عليهم، فلا بد أن يكون لدي الشخص الذي يتصدى لهذه المهمة السامية إخلاص في القصد والنية من خلال ابتغاء وجه الله -عز وجل- وحده بهذا العمل؛ كما يجب أن يكون متبعا فيه للكتاب والسنة، وعليه أن يكون نموذجاً للشخص المتفاني في خدمة المسلمين، وأن يتعامل مع أهل العوز والحاجة بالحسنى والكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم .


    عيسى القدومي





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية
    (3) بصبرك تنال العز من الله -تعالى




    عن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر».
    ثلاث خصال أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، والخصال الثلاث هي:
    - الأولى: ما نقص مال عبد من صدقة. أي: بركته من أجل إعطاء الصدقة.
    - الثانية: ولا ظُلِمَ عبد مظْلمَة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً. أي مظلمة ولو كان متضمناً لنوع من المذلة إلا أعزه الله بها ويذل الظالم.
    - الثالثة: ولا فتح عبد على نفسه باب سؤال الناس لا لحاجة وضرورة بل لقصد غنى وزيادة، إلا أفقره الله بأن فتح له باب احتياج آخر أو سلب عنه ما عنده من النعمة.
    من أساليب العرب
    فمن أساليب العرب وضع مقدمات في الكلام لتشويق السامعين، قالوا: وفي القرآن الكريم الاستفهام في أول السور {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} فهذا كأنه يقول ماذا فعل؟ ما فعله؟ من هو؟ ما صنيعته؟ ما جزاؤه؟ ما وزره؟ ففي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فيه أن على دعاة الخير في المواضع أو في الكلام المهم في المسائل المهمة أن يعنوا بإيضاح الأسلوب حتى لا يكون غامضا على الناس، وكلما قُسِّم الكلام كان أهون وأوضح؛ ولذا قال ابن القيم: وهل العلم إلا السبر والتقسيم؟.
    - قوله: ما نقص مال عبد من صدقة فيه بركة الزكاة والصدقة، الصدقة لا تنقص المال بل تزيده حسا ومعنى، في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الآخر ما نقصت صدقة من مال، والزكاة تزكي المال تطهره وتنميه.
    - وقوله: ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، فيه فضل الصبر، وطالب العلم، أولى الناس، وداعي الخير أولى الناس بهذه المعالم العظيمة، قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
    لا يضيع شيء عند الله -تعالى
    فلا يضيع شيء عند الله -تعالى-، «ولا ظُلم عبد مظلمة»، «مظلمة» نكرة في سياق النفي، وأيّ مظلمة صغيرة في مال أو نفس أو عرض فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، لا يليق بالإنسان أن يجعل من نفسه مشاكسًا لعباد الله، ويريد ألا يفوت مظلمة ويذهب إلى هذا ويضرب هذا وينتقم من هذا ويزجر، هذا لا يليق.
    - وقوله: ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب، فقر فيه أن سؤال الناس والتذلل من أسباب الضعف الحسي والمعنوي، ومن سقوط قدر السائل عند الناس، ولا سيما إذا كان داعية للخير أو طالب علم، وعنده قدرة على التعفف، والنتيجة أن يفتح عليك باب فقر، لكن من تعفف {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
    «ولا فتح عبد باب مسألة»، يعني: يسأل الناس «إلا فتح الله عليه باب فقر»؛ ولهذا هؤلاء الذين يسألون الناس هل يحصل لهم الغنى؟ لا، بل يبقى -نسأل الله العافية- من مسغبة إلى مسغبة، فالمسلم مطالب بفعل الخير، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

    عيسى القدومي



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية
    (4) البشرى الرابعة: التعسيل قبل الموت





    حديث من جوامع كلم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، جمع معاني عظيمة، تحيي القلوب المتعلقة بمحبة الله -تعالى- والعمل من أجل هذا الدين، ولرفعة الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ومن إكرام الله -تعالى- وتوفيقه إلهامه العبد التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته، وما يدل على هذا المعنى الحديث الذي بين أيدينا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعَبْدٍ خَيْرًا »، عَسَلَهُ، قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ». مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 17438، إسناده حسن ورجاله ثقات.
    وفي حديث مرفوع، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ »، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ ، قَالَ: « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ».
    فقد شبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما رزق الله العبد من العمل الصالح قبل الموت، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، والعرب اعتادت أن تسمي ما تستحليه بالعسل.
    قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ
    وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ
    جاء في النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ( 3/237)، تحت كلمة عسل: فيه: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، قيل: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله.
    العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل فيه العسل شبه ما رزقه الله -تعالى- من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلو به ويطيب، ومنه الحديث: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس، أي: طيب ثناءه فيهم.
    «إذا أراد اللـه بعبد خيراً عسلـه»
    قال المناوي في فيض القدير: «إذا أراد اللـه بعبدٍ خيرًا عسّلـه» بفتح العين والسين المهملتين تشدّد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس، من عسل الطعام يعسلـه إذا جعل فيه العسل، ذكره الزمخشري. قيل: أي قالوا: يا رسول اللـه وما عسلـه؟ أي ما معناه. قال: «يفتح لـه عملاً صالحًا قبل موته ثم يقبضه عليه»، فهذا من كلام الراوي لا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شبّه ما رزقه اللـه من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، ويصلح كل ما خالطه ذكره الزمخشري.
    عبد أدركته دولة السعادة
    قال الحكيم الترمذي: فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده، بعد ما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلـها وعطل الحدود وأهمل الفرائض، فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق لـه؛ فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحاً قليلاً فأعطى جزيلا.
    عسله مأخوذ من العسل؛ حيث شبه العمل الذي يفتح للعبد حتى يرضى عنه ويطيب ذكره بالعسل، ويقال عسلت الطعام أي جعلت فيه عسلا.
    وجاء في تهذيب اللغة: ومعنى قوله: إذا أراد الله بعبد خيرًا عسّله أي طيَّب ثناءه، وقال غيره: معنى قوله: عسله أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا كالعسل، كما يُعسل الطعام إذا جُعل فيه العسل، يقال: عسلت الطعام والسويق أعْسِله وأعسُله إذا جعلت فيه عسلا وطيَّبته وحليَّته. ويقال أيضاً: عسلت الرجل إذا جعلت أُدمه العسل، وعسَّلت القوم -بالتشديد- إذا زوّدتهم العسل. وجارية معسولة الكلام إذا كانت حُلْوة المنطق مليحة اللفظ طيّبة النغمة.
    والعُسُل: الرجال الصالحون، قال: وهو جمع عاسل وعَسُول، قال: وهو ممَّا جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به. قلت: كأنه أراد: رجل عاسل: ذو عسل أي ذو عمل صالح الثناء عليه به، مستحلى كالعسل.
    وجاء في لسان العرب: (11/444): أَي جَعَل له من العمل الصالح ثناء طَيِّباً شَبَّه ما رَزَقَه اللهُ من العمل الصالح الذي طاب به ذِكْرُه بين قومه بالعَسَل الذي يُجْعَل في الطعام فَيَحْلَوْ لي به ويَطِيب، وهذا مَثَلٌ من وفَّقَه الله لعمل صالح يُتْحِفه كما يُتْحِف الرجل أَخاه إِذا أَطعمه العَسَل.
    وفي مقاييس اللغة: (4/256): في الحديث: «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه، ومعناه طيَّبَ ذِكرَه وحلاَّهُ في قلوب النّاس بالصَّالح من العمل. من قولك عَسَلْتُ الطَّعامَ، أي جعلتُ فيه عَسلاً، وفلانٌ معسول الخُلُق، أي طيِّبه، وعَسَلْتُ فلاناً: جَعلتُ زادَه العسل، ومن التصحيفات أن تكتب غسله.
    من فوائد الحديث
    1. المسلم ذو همة عالية من التكليف حتى الممات، مهما اعترته عقبات الحياة، وتشويش الأعداء، وظلم الآخرين.
    2. على المسلم أن يعمل لهذا الدين وأن يجدد العطاء؛ لأن أمتنا أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، وأمة ابتكار لا أمة تكرار.
    3. ومن هذا الحديث أخذ بعضهم عبارة الثناء: «عسلك الله»، واعتادت العرب أن تسمي ما تستحليه «بالعسل».
    4. إلزام النفس بالعمل الصالح والتجديد بالإعمال التي تقرب إلى الله -تعالى.
    5. والعمل الصالح إن كان تعدى لما ينفع النفس لينفع الآخرين كان أجره أعظم لأنه دال على الخير.
    6. إذا أراد الله بعبد خيرا طهره قبل موته، قيل‏:‏ وما طهور العبد‏؟‏ قال‏:‏ عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه‏.‏
    7. إن من نعمة الله عليك حاجة الناس إليك.
    8. من حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب -سبحانه-، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.
    9. أن يكون المسلم دائم السعي للخاتمة الطيبة؛ لأنه لا يعرف من تقبض روحه.
    10. على المسلم التوبة والإنابة قبل غلق الإجابة، فما زال الباب مفتوحا، وأبواب الخير عظيمة فاجتهد بما ينفع نفسك والمسلمين.
    11. لا تؤجل ولا تسوف إن أردت الفلاح، وأردت تعسيل الله لك، فلا تركن إلى التسويف والأمل حتى يسبقه الأجل.
    12. واسأل نفسك كيف «أُعسل»؟ وأنت أدرى بنفسك من غيرك.

    عيسى القدومي



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (5)
    البشرى الخامسة: إحياء سنة الصدقة

    عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المُزني: حدثني أبي عن جدي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة فعمل بها، كان عليه أوزار من عمل بها، لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا».
    الحديث بوب له الإمام ابن ماجه -رحمه الله- باباً سماه: باب: (من أحيا سنة قد أميتت)، قال السندي في «شرح سنن ابن ماجه»: «قيل: المراد بالسنة ما وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام، وهي قد تكون فرضاً؛ كزكاة الفطر، وغير فرض؛ كصلاة العيد، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن من غير الصلاة، وتحصيل العلم، ونحو ذلك، وإحياؤها: أن يعمل بها، ويحرض الناس ويحثهم على إقامتها».
    في الحديث: بيان أن ما كان أصلاً في عمل من أعمال البر والخير والهدى، وتبعه عليه غيره، كان له أجر هذا العمل وثوابه، وإحياء سنة الوقف الذي أرشد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - صحابته إليه.
    الصدقة سنة ثابتة
    والصدقة سنة ثابتة، أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته -رضي الله عنهم-، وسار على إيجادها وإحيائها السلف الصالح -رضي الله عنهم- الذين امتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم .
    نشر ثقافة الصدقة
    ونشر ثقافة الصدقة دعوة إلى الهدى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من دعَا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه؛ لا يَنقص ذلك مِن أجورهم شيئا»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله»، قال النووي -رحمه الله في شرحه للحديث-: «فيه: فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله.
    والمراد بمثل أجر فاعله: أن له ثواباً بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء».
    من سن في الإسلام سنة حسنة
    وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث يومًا على الصدقة؛ فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
    يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «هذه السنة سنة العمل والتنفيذ، وليست سنة التشريع، فإن سنة التشريع إلى الله ورسوله فقط، ولا يحل لأحدٍ أن يشرع في دين الله ما ليس منه، أو يسن في دين الله ما ليس منه؛ لأن ذلك بدعة، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدع، وقال: «كل بدعةٍ ضلالة».
    لكن من سبق إلى عمل لم يسبقه إليه أحد أو أحيا سنةً أميتت، كان قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وكذلك -أيضاً- من سن سنةً تكون وسيلة إلى أمرٍ مشروع ولم يكن سبقه إليها أحد، فإنه يكون داخلا في الحديث؛ أنه سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما لو ابتكر طريقةً يسهل بها الحصول على الآيات أو يسهل بها الحصول على الأحاديث أو ما أشبه ذلك؛ فإنه في هذه الحال يكون قد سن سنةً حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».
    إخلاص النية لله
    فالجوانب الخيرية والتطوعية -إن فعلت لوجه الله سبحانه وتعالى- فهي عبادة، وإن أخلصت النية فتكون كل حركة وكل كلمة وكل جهد وكل تفكير وكل سلوك -في دائرة ذلك المقصد-: تجارة مع الله -سبحانه وتعالى.
    والخطوة الأولى لإحياء سنة الصدقة هي: نشر ثقافتها، ودفع عامة الناس للمساهمة في مشاريعها، وتوجيه المختصين لتقديم مساهماتهم الفكرية والعلمية والعملية في إيجاد أوقاف عصرية تواكب التغيرات والمتطلبات في المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية.
    إحياء سنة الصدقة والوقف
    ونحن بحاجة إلى إحياء سنة الصدقة والوقف من خلال التعريف بدوره التنموي وبتاريخه وفقهه ومنجزاته؛ التي شهدتها الحضارة الإسلامية حتى تاريخها القريب، ولا يتأتى ذلك إلا بتجديد الخطاب المستند على أصول في نهجنا لإحياء سنة الوقف ونشر ثقافته ألخصها في الآتي:
    1- الآيات الكريمة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- التي تحث على الصدقة عموما؛ ويدخل ضمنها الوقف.
    2- الأحاديث النبوية في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقف الأوقاف، وحث المسلمين على الوقف والصدقة الجارية.
    3- فعل الصحابة وأوقافهم الكثيرة، وتوثيقهم للوقف، وإشهادهم عليه، وحرصهم على رعايته ونظارته في حياتهم، وتحديد من يتولاه من بعدهم، والمجالات التي أوقفوا فيها.
    4- كتب الفقه التي خصصت لأحكام الوقف ومشروعيته باباً مستقلا، وأخرجت له العديد من المسائل.
    5- أقوال المتقدمين في الوقف من فقه وأحكام وخصائص وسمات ومجالات، وأكثره نفعاً.
    6- دور الوقف في بناء الحضارة الإسلامية في العهود، وحماية المسلمين مع انتقاء بعض العبارات المناسبة.
    7- روائع أوقاف المسلمين ونوادرها، وكيف خلدها ومجدها التاريخ.
    8- مقومات نجاح المؤسسات الوقفية التي تملكها الأمة حصراً عن غيرها من الأمم.
    9- إيضاح دور الغرب في رعاية الوقف وأصوله، وسن التشريعات لحمايته، وكيف أنه استفاد كثيراً من نظام الوقف في الإسلام.
    10- حاجة المجتمعات المعاصرة لأوقاف جديدة (عصرية) تفي بحاجات المجتمع، وتنشئ مجالات جديدة للوقف والرعاية.

    عيسى القدومي


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,461

    افتراضي رد: البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية

    البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (6)

    الأجر المستمر إلى يوم القيامة






    عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من غسل مسلماً فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة، ومن حفر له فأجنَّه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة»، في الحديث: أن للذي يغسل مسلماً أجراً عظيماً، وهذا الأجر مشروط بشرط: الكتمان والستر على الميت، فلا يُـحَدِّث بما قد يراه مكروهاً منه.

    والأجر كذلك للمسلم الذي أجنه، أي: ستره في القبر، وضعه فيه، فتجرى له الحسنات كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، وهذا أجر مستمر، فالغاسل يستحب له أن يستر على الناس، ويظهر المحاسن، ويستر المساوئ، هذا هو الذي نص عليه أهل العلم، فالسنة أن الغاسل يستر إذا رأى شيئًا يزعجه، ولا يبين؛ لأن هذا نوع من الغيبة، ولكن إذا رأى نورًا، أو رأى محاسن بين ذلك.

    وفي مسؤولية الأمة في تغسيل الميت وتكفينه ودفنه قال الإمام النووي -رحمه الله- في (المجموع): «وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثِمُوا كلُّهم»، وقال الشافعي -رحمه الله- في كتابه (الأم): «حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه، لا يسع عامتهم تركه، وإن قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ -إن شاء الله».

    وإن كان جزاء من جهز الميت وآواه في التراب عظيماً مستمرا إلى يوم القيامة، وكأنه قد وهبه بيتاً يسكن فيه؛ فكيف بمن أوقف أرضاً ثم أحاطها، وجعل فيها مغسلة لتغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم، وأوقف لهم الأوقاف للصرف على من يعمل بهذه المقبرة من حفر القبور وتجهيزها، وجعل فيها من الحسبة الذين يحيون السنن ويميتون البدع التي تكثر في المقابر من بدع يندى لها الجبين، ووفر فيها المياه للشرب والوضوء ومظلات، وطرق ممهدة؛ حتى يسهل على الناس المشي في حمل الجنازة والسير لدفنها، وكراسي لجلوس كبار السن، ومواقف للسيارات، وسيارات لنقل الموتى، وأوقف أدوات الحفر، وألواح لحمل الموتى، ومكان لصلاة الجنازة قريب من المقبرة، ورصف الطرق؛ حتى لا يتعثر المشيعون؟! فذلك باب أجر عظيم للواقف، وتيسير على أهل المتوفى، وحفظ كرامة المتوفى، وكذلك تخفيف المشقة على المشيعين؛ فمنهم الكبير والعاجز، وهذا ترغيب للأمة بهذه الأعمال الفاضلة.

    عيسى القدومي


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •