الإسراف في الطعام والشراب في رمضان


كيندة حامد التركاوي


إن الحاجة إلى الغذاء حاجة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل أما طريقة إشباع هذه الحاجة فهي متبدلة ومتغيرة، وبحكم طبيعة التطور التقدمي الغالب على حياة الإنسان فإن التغيير والتبدل إنما يحصل باستمرار نحو الأفضل والأحسن بالمقاييس والمعايير الإنسانية. وما يُقال بهذا الخصوص عن الحاجة إلى الطعام يُقال عن الحاجة إلى الشراب أو التنقل أو إلى السكن أو إلى الأمن أو إلى غير ذلك [1].

ليس من خلق المؤمن التوسع الشديد في المآكل والمشارب إلى الحد الذي يجعله من أهل الترف والتنعم، ويلحقه بحطب جهنم من الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، ولهذا يقتصد المؤمن في تناول طيبات الدنيا، ويجعل بينه وبين الحرام سِتراً من الحلال [2].

ومن الإسراف في الطعام الاستكثار من المباحات والألوان فإن النبي عد ذلك من أشراط الساعة. وقال: (سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَتّي يَأكُلونَ أَلوَانَ الطَعَامِ وَيَشرَبُونَ أَلوانَ الشَرَابِ وَيَلبِسونَ أَلوانَ الثِيَابِ وَيَتَشّدقُونَ فِي الكَلامِ، فَأُولئَكَ شِرَارُ أُمّتِي الَّذيِنَ غُذّوا بِالنَعِيمِ وَنَبت عَلِيه أَجسَامُهم)[3]. أي يتوسعون فيه بغير احتياط وتحرز، فأكل أنواع الطعام ليس بحرام بل هو مباح لكن المداوم عليه يربي نفسه بالنعيم ويأنس بالدنيا ويأنس باللذات ويسعى في طلبها فيجره ذلك إلى المعاصي فهم من شرار الأمة لأن كثرة التنعم تقودهم إلى اقتحام المعاصي [4].

ومن الإسراف أن تضع على المائدة ألوان الطعام فوق ما يحتاج إليه الأكل، فقد بينا أن الزيادة على مقدار حاجته كان حق غيره إلا أن يكون من قصده أن يدعو بالأضياف قوماً بعد قوم إلى أن يأتوا على آخر الطعام فحينئذ لا بأس بذلك لأنه مفيد[5].

والمعروف ما يكون دون السرف وفوق التقتير حتى قالوا لا ينبغي أن يتكلف لتحصيل جميع شهوات عياله، ولا أن يمنعها جميع شهواتها ولكن إنفاقها بين ذلك فإن خير الأمور أوساطها[6].

ومن المؤسف أن نرى مسارب المتع الشخصية لا آخر لها في هذا العصر، فالإسراف في الطعام من المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا العربية، خصوصاً في شهر رمضان، وفي الأعراس والحفلات؛ حيث تتفنن الأسرة العربية في إعداد وابتكار كثير من أصناف الأطعمة والحلوى والمشروبات، وتكون النتيجة، وجود فوائض وبواق كثيرة من الأطعمة، تؤول في النهاية إلى صناديق القمامة مشكلة الإسراف والتبذير في الأطعمة وما ينتج عنها من فوائض وبواق كثيرة، وبخاصة عن البوفيهات المفتوحة في الفنادق في شهر رمضان، التي تشكل نسبة فاقد كبيرة، ترجع لكثير من الأسباب، التي من بينها سوء التخطيط الذي تعانيه كثير من الأسر العربية، وسوء تقديرها للكميات المناسبة لأفراد الأسرة أو للضيوف، عند إعداد الولائم؛ حيث يقوم الأفراد بملء أطباقهم بكميات كبيرة من مختلف أصناف الأطعمة ظانين أنهم قادرون على أكل جميعها، ولكن للأسف تكون النهاية بقاء كميات كبيرة منها في الأطباق يكون مصيرها صناديق القمامة[7].

علينا أن نتذكر عند تناولنا الطعام وممارساتنا لأساليب وأنماط حياتنا المرفهة، أن هناك الملايين من الجياع والعطشى من الأفراد والأطفال حول العالم، في حاجة ماسة إلى لقيمات صغيرة تسد رمقهم ورشفات من الماء تروي ظمأهم. لقد أصبحت هناك ضرورة عاجلة أن نُقدّم باستمرار لجميع أفراد المجتمع دروساً في التربية والتوعية الاستهلاكية. وآداب الطعام والشراب التي تقتضي عدم ملء المعدة بالطعام وترك ثلث للشراب وثلث للنفس. وكذلك دروس في حسن إدارة الطعام، مثل التخطيط في شراء المستلزمات الغذائية، وتقدير الكميات المناسبة عند إعداد الأطعمة سواء للأسرة أو للضيوف، وكذلك كيفية تجنب الإهدار في بواقي الطعام، ومن دون إلقائها كمخلفات في صناديق القمامة، وذلك من خلال كيفية المحافظة عليها بصورة جيدة وتخزينها في الثلاجة لاستغلالها، وتجميع الأطعمة الجيدة السليمة لا الفضلات، في أكياس وعلب بلاستيكية وإعادة تغليفها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والتدوير الجيد لفضلات ومخلفات الأطعمة. ولن يتأتى كل هذا إلا من خلال برامج تربوية وحملات إعلامية جادة وفعالة، تركز على المعاني السامية الكثيرة لشهر رمضان، وتقضي على التصرفات والسلوكيات غير العقلانية المبالغ فيها في الشراء والإنفاق من قبل كثير من الأفراد، واستثمار الأموال في مشاريع خيرية تنهض بالفقراء والمحتاجين وتسهم في القضاء على الجوع وتعضد وتقوي التكافل والتضامن والتماسك الاجتماعي وحل مشكلات المجتمع، حتى تصبح الأمة بحق مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.




[1] عكنان، أسامة، حوار هادئ في أسس المذهبية الاقتصادية، 70.


[3] الهيثمي، مجمع الزوائد، حديث ( 17836)، 11، 146.
[4] المناوي، فيض القدير، 4، 204.
[5] الشيباني، محمد بن الحسن الاكتساب في الرزق المستطاب، 52.
[6] الشيباني، الاكتساب في الرزق المستطاب، 55.