منهج الإسلام في التعامل مع الشباب


الفرقان
اعتنى الإسلام بالشّباب عناية فائقة ووجَّه هم توجيهًا سديدًا نحو البناء والنّماء والخير

الشباب هم رجال الغد، وآباء المستقبل، وعليهم مهمة تربية الأجيال القادمة، وإليهم تؤول قيادة الأمة في مختلف مجالاتها، فصلاح الشباب صلاح للأمة، وقد اهتم الإسلام بالشباب فجاء ذكرهم في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لبيان فضل هذه المرحلة وأهميتها ولفت الأنظار إليها؛ فيذكر ربنا -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم من قصص المرسلين والصالحين الأولين ما فيه هداية للبشر، قال -تعالى-: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، والقدوة بهم في إيمانهم ودعوتهم وصبرهم، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما بعث الله نبينًا إلا شابا، ولا أوتى العلم عالم إلا وهو شاب».
من هنا فقد اعتنى الإسلام بالشّباب عناية فائقة، ووجَّههم توجيهًا سديدًا نحو البناء والنّماء والخير، واهتمّ الرّسول - صلى الله عليه وسلم - بالشّباب اهتمامًا كبيرًا؛ فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدّعوة فأيّدوه ونصروه ونشروا الإسلام، وتحمّلوا في سبيل ذلك المشاق والعنت، قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: «ما آتى الله -عزّ وجلّ- عبدًا علمًا إلاّ شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشّباب»، ثمّ تلا قوله -عزّ وجلّ-: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 60)، وقوله -تعالى-: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف: 13)، وقوله -تعالى-: {وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: 12).
منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع الشباب
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدرك طبيعة الشباب؛ فيوجههم ويرشدهم بما يتناسب مع قدراتهم، ويشجعهم ويسند إليهم من المهام ما يسمو بهممهم، ويقوي نفوسهم، وعمل - صلى الله عليه وسلم - على تهذيب أخلاق الشّباب، وشحذ هممهم، وتوجيه طاقاتهم، وإعدادهم لتحمّل المسؤولية في قيادة الأمّة، كما حفّزهم على العمل والعبادة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يُظلّهُم الله في ظِلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه..»؛ وعدَّ منهم: «شاب نشأ في عبادة الله». وحثّ الرّسول - صلى الله عليه وسلم - الشّباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، فقال: «المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف»، غير أنّه نوَّه إلى أنّ القوّة ليست بقوّة البنيان فقط، ولكنّها قوّة امتلاك النّفس والتحكّم في طبائعها، فقال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب».
إدراك طبيعة الشباب
وطريقة تفكيرهم

والمتأمل في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الشبيبة ينتبه لأمر مهم، وهو أن رسول الله كان يرفق بالشباب، ويدرك طبيعة تفكيرهم، وفي الوقت نفسه يستخرج مواهبهم ويستفيد من طاقاتهم، ويرشدها فيما ينفعهم، وينفع أمتهم كما أنه يوجههم مباشرة، كل ذلك في تكامل رائع، يكشف عن عظمة شخص النبي، وعظيم قدراته التربوية.
فليست تربية الشباب كما يظنها بعضنا اليوم بأن على المربي أن يكتفي بالتوجيه غير المباشر دون تدخل أو توجيه ونصح مباشر، بل التوجيه المباشر للمستجيب من الشباب يوفر على الدعاة وقتًا طويلاً، وربما أعمارًا من انتظار التوجيه بالتلميح: فها هو ذا يردف خلفه الفتى ابن عباس -رضي الله عنهما-، وفي هذا تربية عملية له على التواضع تجد تطبيقها في حياة ابن عباس -رضي الله عنهما-، وتواضعه، وإكباره للعلماء كزيد بن ثابت؛ حيث كان ينتظره على بابه في شدة الحر؛ ليطلب العلم.
فائدة نفسيَّة
وللقرب فائدة نفسيَّة يستغلها النبي - صلى الله عليه وسلم - في توصيل المعاني العظيمة المباشرة للفتى الذكي؛ فيستوعبها وينقلها لنا، ووالله فإنه أفاد الأمة بدرر تحتاج لمجلدات لشرحها؛ عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس أنه حدثه أنه ركب خلف رسول الله يومًا، فقال له رسول الله: «يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، فيوجهه هنا بشكل مباشر ويلفت نظره لما سيذكره بقوله: «أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ»، ثم يشرع في التوجيه بعد التحفيز.

موقفه - صلى الله عليه وسلم - مع معاذ بن جبل - رضي الله عنه
وبمثل هذا كان موقفه - صلى الله عليه وسلم - مع معاذ بن جبل - رضي الله عنه -؛ فعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ» فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»، فسبحان الله العظيم يبدأ بتليين قلبه، ولفت نظره بقوله: «إِنِّي لأُحِبُّكَ»! وفي هذا تحفيز للعاطفة؛ فما بالك بفتى يخبره رسول الله أنه يحبه -فداه أبي وأمي-، ثم يشرع بعدها في التوجيه الذي تستقبله نفس شغوفة بتعرف ما يهديه إليها حبيبها.

دورة توجيهية وتربوية
وعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -[- رَحِيمًا رَقِيقًا؛ فَظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا؟ فَأَخْبَرْنَاهُ . فَقَالَ: «ارْجِعُوا إلى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». فانظر كيف أقام لهم تلك الدورة التوجيهية والتربوية لمدة عشرين يومًا ومن بعد ذلك يسألهم عن أحوالهم وعن أهليهم، وفي هذا مزيد تعرف عليهم، وفيه تقرب وإزالة حواجز، وإدراك من الداعية الحصيف لأهمية إظهار الاهتمام بالشؤون الشخصية العامة لكل من يدعوهم؛ ليحل المشكلات، أو ليتعرف على المواهب؛ وليستخرج ما لدى كل واحد منهم من معارف وعلاقات.

ما يجب عليهم من الدعوة والتعليم
ثم بعد ذلك يوصيهم بما يجب عليهم من الدعوة والتعليم، وتطبيق ما تعلموه منه، وهذا توجيه مباشر ومجمل، ثم يوصيهم بأهم وصية يجب الاعتناء بها، وهي: الصلاة، يصلونها كما رأوه - صلى الله عليه وسلم - يصليها، وبعدها يرشدهم إلى عدم إغفال من هم أكبر منهم حتى لا تأخذ الشباب فورة القوَّة، والفرح بما عندهم فيتنكرون للكبار.

معرفة قدرات الشباب ومواهبهم
وانظر كيف يتفرس رسول الله في الشاب -بعد مثل تلك الجلسات-، ويطلع على قدراته ومواهبه؛ فيسند له مهاما كبيرة؛ فيرسل مصعبًا إلى المدينة مبلغًا عنه دين الله -تعالى-، فما أخطأت فراسته فيه - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ فتح الله قلوب أهل المدينة وسادتها على يديه، وبحسن منطقه وكريم خلقه استطاع أن يكسب القلوب، ويمهد الطريق للدولة المسلمة، وبرأيي أن لمصعب - رضي الله عنه - منة على المسلمين جميعًا -حاشا رسول الله- بهذا العمل! فالشباب بحاجة إلى تقدير وإلى إعادة اكتشاف، وإلى إعطاء فرصة تتناسب مع قدراتهم -وليس مع وسائطهم ولا مجاملة لهم- في زمن صار تجاهل المواهب، وترك تقديرها، واحتكار الفرص ديدن الكبار في أغلب المجالات، إلا من رحم الله!.

مراعاة حاجات الشباب
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأذن للشباب؛ ليذهبوا إلى بيوتهم في أثناء غزوة الخندق ولا سيما من كان حديث عهد بعرس، فيقول أبو سعيد - رضي الله عنه - محدثًا عن شاب كان معهم في الغزوة، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا فقال: «خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ؛ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ».

معرفة مشكلات الشباب
ولقد كان رسول الله شفوقًا كريمًا يسمع للشباب ويشعر بمشكلاتهم، ويعاملهم معاملة كريمة حتى إن أحد الشباب غلبته شهوته، وتنازع في نفسه الطهارة والإيمان مع رجز الشهوة المحرمة والشيطان؛ فلم يجد له من مهرب إلا أن يأتي رسول الله يستأذنه فيما ظنه مخرجًا شرعيًّا له، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ». فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟» قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟» قَالَ: لا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟» قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إلى شَيْءٍ.؛ فهلا تأسينا به - صلى الله عليه وسلم - في إدراكنا لاشتياق الشباب، ولغلبة الشهوة عليهم فيسرنا لهم أمور الزواج، واجتهدنا في تهيئة سبل العفة، وأكثرنا من الدعاء لهم كمثل فعله، لعلَّنا نفعل -إن شاء الله.

اختيار الأكفاء من الشباب
وكان رسول الله يختار الأكفاء من الشباب ويدافع عنهم ضد من يطعن فيهم، فاختياره لهم بُني على أساس كفاءتهم، وقدرتهم على إنجاز ما يطلب منهم حتى لو كانت أعمارهم أقل من غيرهم؛ ففي البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -[- أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ، فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أبوه لمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَه».

الشباب وتحمل المسؤولية
من هنا فإن على قيادات الأمّة في مختلف المجالات وعلى كلّ المستويات الاهتمام بالشباب وإدراك أهميتهم، وعليهم أن يسندوا إليهم المناصب والمسؤوليات، إعدادًا لهم، وتنميةً لملكاتهم، وتفجيرًا للكامن من طاقاتهم، مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بالشّيوخ والكبار، والاستفادة من خبرتهم، والاقتباس من تجاربهم؛ حتّى تلتحمَ قوّة الشّباب مع حكمة الشّيوخ، فيُثمرَا رشادًا في الرّأي وصلاحًا في العمل، ولله درُّ عمر بن الخطاب الّذي كان يتّخذ من شباب الأمّة الواعي المستنير مستشارِين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمّة.

استثمار طاقات الشباب وقواهم
ولتفادي كلّ السّلبيات الّتي قد تصدر من الشّباب في المجتمع، يجب السّعي إلى استثمار طاقاتهم وقواهم فيما يرجى نفعه وفائدته من فرص للعمل والشّغل لامتصاص أكبر قدر من البطالة الّتي باتت تنخر في العمود الفقري للمجتمع، وتهدّد أكثر أفراده حيوية بالضّياع والفقر والتشرّد، ولابدّ من إشغالهم بالأنشطة التّعليمية والثّقافية والاجتماعية والرّياضية للنّهوض بهذه الفئة الشّابة والرّفع من مستواها ومعنوياتها، بدل إهمالها والتّخلي عنها في عتمة زوايا الضّياع.