باختصار - الإخلاص في زمن (السوشيال ميديا)






الإخلاص كما عرفه العلماء هو: «تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين»، قال -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والرياء عندهم هو: «طلب الجاه والمنزلة في نفوس الناس بإظهار الالتزام بأعمال الخير من عبادات أو غيرها، أو بما يدل عليها من الآثار للوصول إلى هدف دنيوي».

وقد اختلف العلماء في أفضلية إظهار العبادة والعمل الصالح أم إخفائهما، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ عمل العبد كلما كان في السرّ كان أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن آفات القلوب من الرياء والسمعة ونحو ذلك، وهذا أفضل من إظهاره إلا لمصلحة راجحة، قال ابن كثير -رحمه الله-: الأصل في الأعمال الإخفاء لقول الله -تعالى-: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ}.

وفي غمرة الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي انتشرت ظاهرة خطيرة ابتلي بها كثير من الناس، ألا وهي نقل تفاصيل حياتهم كاملةً، بالصوت، والصورة، والبث المباشر، حتى وصل الأمر إلى العبادات، فتجد أحدهم ينقل صلاته، وعمرته وحجه، وإنفاقه وصدقته، وتفاصيل عبادته وكل أعماله، وهذا لا شك قد يناقض الإخلاص أو يقدح فيه.

ولقد حَذَّرَنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن كُلِّ ما يقدح في الإخلاص ويُبطِلُ أجْرَ الأعمالِ، ومِن ذلك مرض الرياء الذي يدب في القلب كدبيب النمل، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ...»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فقيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله -تعالى- يوم يجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤونهم بأعمالكم فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟».

وكان سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- يخافون من هذ المرض (الرياء) أشد الخوف؛ فمن مظاهره حب الظهور والشهرة بين الناس، يقول أيوب السخيتاني لأبي مسعود الجريري -رحمهما الله-: «إني أخاف ألا تكون الشهرة قد أبقت لي عند الله حسنة»، وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: «إياك والشهرة! فما أتيتُ أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة»، وقال بشر بن الحارث -رحمه الله-: «ما اتقى اللهَ من أحب الشهرة».

وكان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: «ينبغي للعالم أن يكون له خبيئة من عملٍ صالح فيما بينه وبين الله -تعالى-؛ فإنَّ كل ما ظهر للناس من علمٍ أو عملٍ قليلُ النفع في الآخرة».

ولا شكَّ أنَّ لظاهرة الرياء آثارا سيئة على الفرد والمجتمع، أهمها سقوط النماذج والقدوات الحقيقية، وإفساد حركة الإصلاح لتتحول إلى شكليات ومظاهر يخادع بها الناس بعضهم بعضًا، فحين تصير الشهرة هدفًا في حد ذاتها، يتفشى الكذب والنفاق والخديعة والتصنع وغياب القيم الحقيقية المثلى.

كما أنَّ الرياء، وحُبّ الظهور، وطلب الشهرة، يُفرغُ العملَ الصالحَ مِن آثاره الطيِّبة، وغايتِه العظيمة، ويذهب بركته عن الفرد والمجتمع.

إنَّ تحقيق الإخلاص من أوجب الواجبات، فهو حقيقة الدين، وغاية دعوة الأنبياء والمرسلين، فعلينا أن ننتبه إلى كلّ ما يهدد نياتنا وعباداتنا، ولنحذر من نشر تفاصيل عباداتنا وأعمالنا، حتى يصفو لنا إخلاصنا؛ فننجو يوم القيامة من براثن الرياء.


وائل رمضان