كيف تكتب مقدمة البحث؟
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛ فقد تقدمت الإشارة إلى وقت كتابة مقدمة البحث في إضاءة سابقة، والآن جاء دور بيان كيفية كتابة المقدمة، مع بيان أهم الخطوات اللازمة لذلك.

فبعد الانتهاء من كل أجزاء وفقرات البحث وقبل الشروع في كتابة المقدمة لابد من التأكيد على تحديد بيان تصنيف المادة المكتوبة؛ من حيث التفريق بين تأليف كتاب وبين إعداد بحث وبين كتابة رواية أو قصة ونحوها، إذ يفرق منهج كتابة مقدمة كل منها عن الآخر؛ مما يقتضي صياغة مقدمة خاصة تتوافق وطبيعة المادة المقدمة، فتأليف كتاب مثلاً يعتمد على جمع معلومات عن موضوع ما من مصادر متنوعة، هذه المعلومات قد تكون متناثرة هنا وهناك، فيكون دور مؤلف الكتاب ضم هذه المعلومات إلى بعضها في طريقة متسلسلة مرتبة، مع تعليقات وتعقيبات لا تخلو من التحليل واستنباط الدروس والعبر، حسب طبيعة المادة العلمية وتخصصها. ولا شك أن هذا الأمر يختلف عن موضوع إعداد بحث -رسالة ماجستير، أطروحة دكتوراه، بحث ترقية- الذي يدور عادة في إثبات أو نفي أمر ما، والذي يقوم -غالبًا- على علاج قضية شائكة؛ يعبر عنها في إعداد البحث العلمي بمسمى (مشكلة البحث) التي يهدف الباحث إلى تشخيصها وإبرازها بشكل واضح بيّن، ومن ثَمَّ العمل على معالجتها. كما تختلف طبيعة كتابة مقدمة الرواية والقصة كذلك ولها أصولها وقواعدها التي يعلمها الأدباء والنقاد.

وفيما يتعلق بموضوع كتابة مقدمة البحث فإن الباحث ملزم في مقدمته، بعد ذكر مشكلة الدراسة؛ التي يهدف إلى حلها ومعالجتها، ذكر هدف أو أهداف البحث وأهم ما يبغي الوصول إليه، وكلما كان ذلك على شكل تعداد نقاط أو فقرات مختصرة؛ كان أوضح وأبين.

وبعد ذكر كلٍ من مشكلة البحث وأهدافه، يأتي دور بيان أهمية البحث وما مدى الفائدة التي سيقدمها في مجال تخصصه، ومن هم الأفراد والفئات التي يمكنهم الانتفاع من هذا البحث.

ثم يذكر الباحث بعد ذلك أهم الدراسات السابقة المشتركة والمقاربة لبحثه من حيث العنوان أولا"، وإن جاء على ذكر المواد والفقرات المشتركة السابقة كذلك مع بحثه فأمر حسن، ثم يوضح بشكلٍ بارز الجديد الذي جاء به بحثه، وأهم الإضافات التي لم يسبق إليها من قبل بشكل موجز مختصر.

وبعد ذلك يقوم الباحث قبل أن ينهي مقدمته بوضع أسئلة افتراضية؛ تتضمن أهم المفاهيم والأفكار والرؤى التي وردت في البحث.

ويختم بذكر المنهج العلمي الذي استخدمه في بحثه وفق المدارس البحثية المعروفة.

ثم يعرج على ذكر فقرات وأجزاء البحث من أبواب وفصول ومباحث ومطالب وفروع، أو فصول ومباحث ومطالب وفروع، أو مباحث ومطالب وفروع، وهكذا حسب هيكلية وحجم كل بحث.

ومن الجدير بالذكر أن مسألة إعداد البحوث تختلف حسب التخصص الدقيق لكل مادة عن الأخرى؛ وفق موقعها ومكانتها! فلربما تشترك مادة بحث ما في موضوع ما في مسمى وعنوان مشترك واحد أو متقارب إلى حد كبير، ولكنهما يختلفان اختلافاً كبيراً من حيث موقع تخصص البحث الرئيس، وهذا يرجع إلى طبيعة القضية الجوهرية الدقيقة السابق ذكرها آنفاً؛ والتي تتجلى بشكل خاص في عرض (مشكلة البحث) بالدرجة الأساس؛ التي تعد الفيصل في تحديد هوية البحث ولُبه، فالقضايا التي تتعلق بالمعاملات المالية المعاصرة التي تجريها المصارف الإسلامية والبنوك مثلاً، قد يبحثها طالب الشريعة وطالب الاقتصاد وطالب المحاسبة في وقت واحد.. ولكننا جميعاً نتفق بأن ميدان بحث كل ما تقدم يختلف عن الآخر، وهذا ما يحتم على الطالب الإشارة في كل تخصص دقيق بمقدمته لبيان هوية الدراسة، وربطها بما تتطلبه طبيعة البحث من بيان فيما سبقت الإشارة إليه أعلاه في أجزاء وفقرات مكونات المقدمة، والتي تحتاج بعضها إلى خصوصية في غير ما ذكر؛ فتحتاج إلى زيادة بعض الأمور على ما تقدم؛ ولذلك تؤكد بعض مناهج البحث على أهمية احتواء المقدمة على المسائل المتعلقة بالتحليل الإحصائي وما يتطلبه من استبانات وإحصاءات، بينما لا تتطلبها الاختصاصات الأخرى، ولكن في ظل الكم الهائل من الدراسات العُليا -التي انتشرت مؤخراً- أصبح تداخل الموضوعات أمراً وارداً مألوفاً، ومما زاد في ذلك تنسيب مشرف علمي من تخصص ما، على طالب في تخصص آخر، لكل منهما منهجه ووجهته، ولكنهما يجمعهما التخصص الدقيق، ويفرق بينهما التخصص العام!

وبالرغم من محاولات علاج هذا الإشكال من خلال وضع أكثر من مشرف -أحياناً- بتخصص مغاير على الطالب الواحد، إلا أن هذا الإشكال لم يحل جذرياً، والموضوع في تفاقم. وعلى الجهات المسؤولة عن قضايا التعليم العالي سواء في الكليات والجامعة أو بالوزارات المعنية متابعة هذه الأمور، والعمل على الحد من تفاقمها.