حقيقة الفرق بين خطة البحث ومقدمته
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ وبعد:
فيخلط بعض الباحثين أحيانًا بين أولويات إعداد البحث؛ من حيث ترتيبه والتقديم والتأخير في بعض فقراته الرئيسة، فيشرع الباحث في المباشرة بالمقدمة في بداية بحثه!

ثم يتبع الفصل أو المبحث الأول وما يتضمنه من مطالب وفروع ثم الثاني والثالث وهكذا مرورًا حتى يصل إلى الخاتمة والمصادر.

بينما هناك قلة من الباحثين من يؤخر كتابة المقدمة إلى آخر مراحل إعداد البحث النهائية، ويرجع سبب ذلك إلى تداخل بعض المفاهيم في أذهان قسم من الطلبة أثناء دراستهم لمادة منهج البحث العلمي، ومن هذا التداخل -على سبيل المثال- مسألة الخلط بين مفهوم خطة البحث ومقدمته، التي يبدو في ظاهر الأمر أنهما مفهوم واحد، ولكنهما في حقيقة الأمر شيئان مختلفان.

ولبيان هذا التداخل يمكن طرح السؤال الآتي:
متى يكتب الباحث مقدمة بحثه؟
ولا شك أن الجواب التقليدي المعروف في ذلك، حسب منهج البحث العلمي، أن وقت كتابة مقدمة البحث تكون عند الانتهاء من آخر فقرات البحث النهائية.

ولكن الواقع العملي لغالبية الباحثين اليوم يكاد يجعل هذا الأمر مجرد أمرٍ نظري لا وجود له في الحقيقة، إذ يميل الباحث (الطالب) في الغالب عند الشروع والمباشرة في إعداد وكتابة بحثه على طريقة متسلسلة، ولا يحبذ -قسم منهم- مسألة القفز بين الفقرات؛ معللين ذلك؛ بقطع سلسلة الأفكار، والرغبة في إتمام العمل وفق مراحله المتسلسلة.

ولا يخفى أن لمناهج البحث العلمي مدارس رصينة، ولكل منها وجهتها حسب رؤيتها وتقديراتها، ولكنها في النهاية كلها تمثل اجتهادات قابلة للأخذ والرد.

ويمكن أن نشبه البحث بمشروع بناء عقار ما، وهو ما يتطلب البداية في حفر أساسه مرورًا ببناء هيكله العام ثم تغليفه وترميمه بشكلٍ تدريجي حتى ينتهي بمرحلة المتممات النهائية المتمثلة في تركيب الأبواب والشبابيك والديكورات والأصباغ والدهان وغيرها.

وهذا التمثيل وعلاقته بالبحث يحتاج إلى توضيح؛ إذ لا يمكن لبناء معتبر أن يتم من دون خريطة بناء؛ وهذه الخريطة تمثل في أصلها الشكل النظري، الذي يرغب صاحب العقار إلى تحويله من النظرية إلى الواقع. وما يحصل من تصويبات وتعديل هنا وحذف هناك وزيادة لبعض فقرات المشروع قبل التنفيذ، يعدُ أمرًا مقبولًا مستساغًا؛ طالما كان المشروع ما يزال على الورق (الخريطة) وهي المرحلة التي تسبق المباشرة في العمل على أرض الواقع.

ويمكن تشبيه ما تقدم، بخطة البحث الخاضعة للتعديل والتقديم والتأخير، إذ يمثل ذلك مرحلة الإعداد، والتي غالبًا ما تذيَّل في أسفلها عند تقديمها إلى الجهات المعنية لاعتمادها بعبارة: الخطة المقدمة قابلة للتعديل.

وهذا الأمر هو ما يجعل مسألة انتقاء كتابة الفصول والمباحث والمطالب تتقلب حسب أهميتها في موقع البحث، ومن دون التركيز على موقعها التسلسلي الفعلي في البحث، على أن يعاد ترتيبها حسب تسلسلها في نهاية المطاف.

أما مقدمة البحث فهي تمثل مرحلة جديدة، تختلف عن كل مراحل الإعداد والكتابة المتقدمة، وأشبه ما تكون ملخصًا مختصرًا للبحث من ألفه إلى يائه، وهذا ما يحتم كتابتها في آخر التطواف.

ومما تقدم ندرك حقيقة ما يقع أحيانًا من اللبس عند بعض الباحثين بين مفهوم خطة البحث ومقدمته.
والله تعالى أعلم.