قال شيخ الاسلام ابن تيمية
(لا يشتبه على الناس الباطل المحض، بل لا بد أن يشاب بشيء من الحق)

وقال رحمه الله
((وَقَوْلُهُ : وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ
هُمَا مُتَلَازِمَانِ

فَإِنَّ مَنْ لَبَّسَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ فَجَعَلَهُ مَلْبُوسًا بِهِ خَفَى مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْبَاطِلِ فَصَارَ مَلْبُوسًا
وَمَنْ كَتَمَ الْحَقَّ احْتَاجَ أَنْ يُقِيمَ مَوْضِعَهُ بَاطِلًا فَيُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ كَتَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَلَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَ بَاطِلًا .
وَهَكَذَا " أَهْلُ الْبِدَعِ "
لَا تَجِدُ أَحَدًا تَرَكَ بَعْضَ السُّنَّةِ الَّتِي يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْعَمَلُ إلَّا وَقَعَ فِي بِدْعَةٍ وَلَا تَجِدُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ إلَّا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ السُّنَّةِ))[7/172]

وقال : ((فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن ازداد جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده؛ فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر وناظر عنه المناظر ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ورام أن يقيم عوده المائل أقام الله من يقدف بالحق على الباطل))
وقال :
فَالثَّبَاتُ وَالِاسْتِقْرَا رُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ))
وقال : ((وَلَا يُنْفَقُ الْبَاطِلِ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِشَوْبِ مِنْ الْحَقِّ ؛ كَمَا أَنَّ أَهْل الْكِتَابِ لَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ بِسَبَبِ الْحَقِّ الْيَسِيرِ الَّذِي مَعَهُمْ يُضِلُّونَ خَلْقًا كَثِيرًا عَنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَدَّعُونَهُ إلَى الْبَاطِلِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . وَكَثِيرًا مَا يُعَارِضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا يُقِيمُ الْحُجَّةَ الَّتِي تُدَحِّضُ بَاطِلَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا بِرُسُلِهِ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ))
وقال : ((وَهَكَذَا عَامَّةُ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ يَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ بَعْضُ الْحَقِّ ؛ وَقَدْ تَرَكُوا بَعْضَهُ كَذَلِكَ مَعَ الْآخَرِينَ . وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ الْبَاطِلُ الْمَحْضُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشَابَ بِشَيْءِ مِنْ الْحَقِّ ؛ فَلِهَذَا لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك ؛ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ كُلِّهِ ؛ وَصَدَّقُوا كُلَّ طَائِفَةٍ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ الْحَقِّ ؛ فَهُمْ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ))[8/37]
وقال : (( كل ذي مقالة فلا بد أن تكون في مقالته شبهة من الحق ، ولولا ذلك لما راجَتْ واشتبهت ))[قاعدة في المحبة ( 289 )]
وقال: ((ونحن - ولله الحمد - قد تبين لنا بيانا لا يحتمل النقيض فساد الحجج المعروفة للفلاسفة والجهمية والقدرية ونحوهم التي يعارضون بها كتاب الله ،وعلمنا بالعقل الصريح فساد أعظم ما يعتمدون عليه من ذلك وهذا - ولله الحمد - مما زادنا الله به هدى وإيمانا ؛ فإن فساد المعارض مما يؤيد معرفة الحق ويقويه ، وكل من كان أعرف بفساد الباطل كان أعرف بصحة الحق ،ويروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : ((إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)).
وهذا حال كثير ممن نشأ في عافية الإسلام وما عرف ما يعارضه ليتبين له فساده فإن لا يكون في قلبه من تعظيم الإسلام مثل ما في قلب من عرف الضدين)
قال ابن القيم :
(( فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية
وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية
فاستبانت لهم السبيلان
كما يستيبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم الأدلاء الهداة وبهذا برز الصحابة علي جميع من أتي بعدهم إلى يوم القيامة؛ فإنهم نشأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام
ومن الشرك إلى التوحيد
ومن الجهل إلى العلم
ومن الغي إلى الرشاد
ومن الظلم إلى العدل
ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر
فعرفوا مقدار مانالوه وظفروا به
ومقدار ما كانوا فيه
فان الضد يظهر حسنه الضد
وإنما تتبين الأشياءبأضدادها
فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ونفرة وبغضاً لما انتقلوا عنه
وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام
وأبغض الناس في ضده
عالمين بالسبيل على التفصيل

وأما من جاء بعد الصحابة
فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده
فالتبس عليه بعض تفاصيل
سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين
فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما
كما قال عمر بن الخطاب
إنما تنقض عري الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية
وهذا من كمال علم عمر
فانه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها
وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول
فانه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل
فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين
كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة
في باب الاعتقاد والعلم والعمل
هي من سبيل المجرمين
والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله
كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها))