رافقتكم السلامة!
د. علي زين العابدين الأزهري

إن كثرة الجلوس مع الأشخاص السلبيين وأهل الحوارات غير المجدية، تستهلك وقتك وطاقتك العقلية، وتؤثر بلا شك على قدراتك الجسدية، وتشوِّش تفكيرك، وقد تجد هذه النوعيات في محل دراستك أو عملك، وربما بين أصحابك وأقاربك، فحينها تعلَّم فنَّ الانسحاب منهم بهدوءٍ؛ لأن حياتك يجب أن تكون مليئة بالنجاحات، وكل ما هو جديد ونافع، كما أنها يجب أن تشتمل على الفرص التي يمكن أن تقضي بها أجمل الأوقات وأثمرها وأعلاها عائدًا وأكثرها نفعًا، وأشملها أثرًا، وإن كان ولا بد من الجلوس مع هؤلاء الأشخاص الموصوفين بما سبق لطبيعة عملك، أو لحفاظك على ما تبقَّى من علاقات اجتماعية، فيمكن أن تجعل ذهنك شاردًا عنهم، وترحل بفكرك وخيالك لطموحاتك ومشاريعك، وكما قلت مرارًا لمن حولي من طلابي وأصحابي: عيشوا معهم بأجسادكم، وحلِّقوا بعقولكم في العلو والتميز، وردِّدوا دومًا لهم: رافقتكم السلامة!

وكلمة (رافقتكم السلامة) تريح النفس من الأوجاع والأحزان، فقولوا لمن يجرحون مشاعركم ويتتبَّعون زلاتكم، ويحرصون على إذاعة عيوبكم: رافقتكم السلامة!

ومن المعلوم أنه ليس هناك ضررٌ أكثر من ضرر شخص يحاول الاندماج في بيئة مرضيَّة لا تلائمه، وتنتشر هذه الظاهرة المَرَضِيَّة في أماكن العمل الضعيفة، وخير شاهد على ذلك كثرة الاستغناء فيها عن العاملين، وربما عن النابهين لأسباب شخصية دون تحقيق العدالة الإدارية في الاستغناء عنهم، وفي الاستغناء عن هؤلاء النابهين والمتميزين من حولك رسالةٌ هادفة وهادئة لك مفادها أنه لا مكان بيننا للناجحين والمتميزين، فكُنْ على أتم استعدادك، وقل لهم: رافقتكم السلامة!

وينبغي أن تتنبه أنه في مثل هذه البيئات، تكون على أتم الاستعداد لاحتمال استبدالك في أي وقت، ولكن كن واثقًا بنفسك وإمكانياتك؛ حيث لا يمكن تعويضك.

ونصيحتي لمن كان هذا حاله:
لا تَرْكَنْ إلى بيئة مريضة أو مكان غير منضبط للتعريف بنفسك أمام الناس ولو كنت عاملًا فيها؛ لأن اهتزازها اهتزازٌ لشخصيتك، وضَعفها ضعف لك، وطريقة تفكيرها قد تُنسَب إليك، فربما تؤثر عليك مستقبلًا، ولكن كُنْ بنفسك، وارْكَنْ إلى مهارة تُتقنها أو صنعة تُحسنها لتُعرَف بها، وأفضل مهارة وصنعة للتعريف بنفسك هي صناعة العلم والمعرفة، فالعلم أشرف وأنفس مُعَرف لشخصيتك، وكم يتمنى اللحاق بركب المعرفة الكثيرون، لكن هيهات هيهات!

وفي حقيقة الأمر ليس هناك شرف أو وجاهة أو سيادة أفضل من سيادة العلم والمعرفة، وهي سيادة عزيزة لن يصل إليها إلا مَن كان مِن جُملة حَمَلَةِ العلم وأهله، والعلم يستحق أن تَستثمر عمرَك فيه.

وأخيرًا، ما دمتَ في بيئة متوترة، فسينكسر قلبك، وتصيبك أوجاعٌ، ويُلتَفت لزلاتك، وإني أدعو المولى أن يأتي عليك اليوم الذي تَستنشق فيه هواء نقيًّا بعيدًا عن توتُّر العلاقات؛ فإن أتاك وأنا حي فاذْكُر مقالي هذا، واعْلَمْ أني كتبتُه لك ولكل ناجح متميز خرج منكسرًا من مجال عمله.