تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير

    التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير (1) معايير التفريق
    د. عصام فاروق



    اعتمد ثعلب في التفرقة بين المعاني المتقاربة خلال شرحه ديوان زهير بن أبي سُلمى على بعض المعايير التي منها:
    أولًا: المعايير الذاتية: ومن ضمن هذه المعايير أنه اعتمد على معيار القيمة الدلاليَّة، وأتى ذلك من خلال بيانه اختلافَ الصفات بين المعنيين المراد التفرقة بينهما، وهو من أكثر المعايير التي اعتمد عليها في المواضع التي عالجها هذا البحث؛ حيث اعتمد على ما بين المدلولات من اختلاف في الصفات؛ كالحالة أو الحجم، أو الموضع أو الدرجة.

    فمما اعتمد فيه على اختلاف الحالة التفرقةُ بين (الخَرِق والشَّادن) من أولاد الظبي؛ حيث يقول: "الشَّادن: الذي قد اشتد لحمه ... الخَرِق: الذي لا يقدر أن يتحرك، ولا يدري كيف يأخُذ مِن ضَعفه وصِغَره، يقال: خَرِق، وإذا تحرَّك وقوي قيل: شدَن"[2].

    وقال[3]: "الشادن: الغزال حين يقوى ويمشي، فقد شدَن"[4].

    ومما اعتمد فيه على اختلاف الحجم التفرقةُ بين (التَّلعة والشُّعبة والميثاء) في مسيل الماء، يقول: "وميث: جمع ميثاء: إذا كان مسيل الماء مثل نصف الوادي أو ثلثيه، فهي ميثاء، ويقال: لمجرى الماء إلى الوادي إذا كان صغيرًا، ثم تَلْعة، ثم ميثاء"[5].

    ومما اعتمد فيه على اختلاف الموضع التفرقةُ بين (الصافن والفائل والنسا) في العروق؛ حيث يقول: "ونساه: عِرق في رِجله، والفائل: عِرق في الفخِذ"[6].

    وقال في موضع آخر: "والأنساء: جمع نسا، وهو عرق من مُنْشَقِّ ما بين الفخِذين، فيستمر في الرِّجْل، وهما نسيان اثنان، وإذا كان في نسا الفرس بعض التشنج والتقبض، كان أنعت، وهو في القوائم الصافن"[7].

    ومما اعتمد فيه على اختلاف الدرجة التفرقةُ بين (التهجير والوسيج والتبغيل والرتك والتزيد)، وهي حالات مختلفة للمشي يقول: "التهجير: السير في الهاجرة، وهو نصف النهار، ويقال له: الهَجْر والهجير والهاجرة، وسيج: ضرب من السير فوق العَنَق"[8].

    وقال: "والوسيج: ضرب من السير"[9]، وقوله: "التبغيل: ضرب من الهمجلة، والرَّتَك: مقاربة الخَطو، يقال: رتك رتكًا ورتكانًا، وقال: الرَّتَك ألأمُ مشي الدواب، وإنما أراد أن فيها كل ضَرْب من الدواب"[10]، وقوله:" التَّزيُّد: ضرب من السير فوق العَنَق؛ أي: تزيدت في سيرها"[11].

    ومما اعتمد فيه على اختلاف الوقت التفرقةُ بين (الآل والسراب) بقوله: "والآل يكون ضحوة، والسراب يكون نصف النهار"[12].

    وكذلك مما يندرج تحت معيار القيمة الذاتية، اعتماده في التفريق على اعتبار الإطلاق والتقييد، ومنه التفرقة بين (الطروق والإتيان)، في قوله: "وطرقت: أتت ليلًا، ولا يكون الطروق إلا بالليل"[13]، وقد يكون التقيد مختصًّا بسنٍّ معينةٍ؛ كتفرقته بين (نعب ونعق) من جانب، و(شحج) من جانب آخرَ في صوت الغراب بقوله: "ويقال: نعب الغراب ونعق وشحج، ولا يكون الشحيج إلا من المسن منها"[14].

    أيضًا مما يندرج تحت معيار القيمة الذاتية اعتماده في التفريق على اعتبار العام والخاص، ومن ذلك التفرقة بين (الضَّرَاء والخَمَر) في قوله: "ويقال: (لا أَدِبُّ لك الضراء، ولا أمشي لك الخَمَر)، والضراء: ما تواريت به من شجر خاصة، والخمر: ما تواريت به من شيء"[15].

    ثانيًا: المعايير السياقيَّة: ومن أبرز المعايير السياقية التي اعتمد عليها الاقتران اللفظي، ومن أمثلته قوله: ".. فشن عليه: صب عليه، يقال: شن عليه الدرع، ولا يقال سَنَّ، وسنَّ عليه الماء"[16]، ويدخل تحت هذا النوع التفرقة بين ما كان للحيوان مقابل ما كان للإنسان من مثل منسم البعير مقابل ظفر الإنسان[17]، أو ما كان لحيوان مقابل ما كان لحيوان آخرَ من مثل خلاء الناقة مقابل حران الخيل[18].


    [1] د. عصام فاروق/ أستاذ مساعد (مشارك) ورئيس قسم أصول اللغة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان- جامعة الأزهر.


    [2] شرح ديوان زهير (35).


    [3] في قول زهير: مثل دم الشادن الذبيح إذا: أتأق منها الراووق شاربها.


    [4] شرح ديوان زهير (267).


    [5] السابق (57).


    [6] السابق (31).


    [7] السابق (343).


    [8] شرح ديوان زهير (231).


    [9] السابق (275).


    [10] السابق (168).


    [11] السابق (222).


    [12] السابق (119).


    [13] السابق (28).


    [14] السابق (41).


    [15] السابق (84).


    [16] السابق (199).


    [17] ينظر: السابق (30).


    [18] ينظر: السابق (63).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير

    التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير (2) من مصادره
    د. عصام فاروق









    اعتمد ثعلب في التفريق الدلالي بين الألفاظ - في أغلب الأحيان - على أقوال العلماء السابقين عليه، سواء صَرَّح بهذا، أو لا؛ فمن النوع الأول تصريحه بالنقل عن:



    شيخه ابن الأعرابي؛ يقول: "قال ابن الأعرابي: الوسمي: أول المطر؛ لأنه وَسَمَ الأرضَ فيُرى أثرُ قَطره بها وَسْمًا، وأول الوسمي من مطرةٍ العَهْدةُ، وجمعها: عِهاد"[2].







    أبي زيد، كقوله: "قال أبو زيد: وهي تسكن الرمل، والأدْمُ: ظباء طوال الأعناق والقوائم... أبو زيد: هي التي تسكن الجبال. والعُفْر: ظباء يعلو بياضها حُمرة... قال أبو زيد: هي التي تسكن القِفاف، وصلابة الأرض"[3].







    الأصمعي، كقوله: "وقال الأصمعي: صَكَّ يَصَكُّ صككًا، إذا اصطكت ركبتاه... فإذا اصطكت فخذاه قيل: مَذِح يمذَح مَذَحًا"[4].







    ومن النوع الثاني وهو نقله عن العلماء دون تصريحه بذلك، وقوله: "والنجم من النبت: ما لا ساق له، وما كان له ساق فهو شجر"[5].







    وهذا القول لشيخه ابن الأعرابي، فقد أورد الأزهري ما رواه "ثعلب عن ابن الأعرابي: النجمة شجرة، والنجمة كلمة، والنجمة نبتة صغيرة، وجمعها: نَجْم؛ قال: فما كان له ساق فهو شجر، وما لم يكن له ساق فهو نجم"[6]. وكذلك قوله في الضَّراء: "والضراء: ما تواريت به من شجر خاصة"[7]. وقد سبق به الأصمعي فيما أورده صاحب التهذيب في قوله: "وقال الأصمعي: والضراء ما وراك من شجر"[8]، كذلك ما رواه من الفرق بين (الهدي والجار) - مما سبق ذكره - وهو بنصِّه مروي عن ابن السكيت.








    ويلاحظ أن هناك فروقًا لم ينصَّ عليها غيره - فيما وقع بين أيدينا من مراجع - ومن ذلك حديثه عن أصوات الإبل نسبته الصريف للذكور، والرغاء للإناث.







    قال ثعلب في شرح كلمة (الصريف) في قول زهير: [الطويل]



    تَرَى بحِفَافَيه الرَّذَايا ومَتْنِه *** قِيامًا يُقَطِّعْنَ الصَّرِيفَ المُفَتَّرَا[9]







    "والصريف للذكور دون الإناث، وهو إذا ضَجِرَ صرف بنابيه، وإذا ضجرت الإناث رَغَتْ"[10].







    فقد اعتمد ثعلب في بيان معنى (الصريف) على استدعاء كلمة قريبة منها هي (الرغاء)، فبين الكلمتين معنى دلالي عام يجمعهما؛ يتمثَّل في دلالتهما على صوت البعير في حالة الضَّجر، ولكن هذا الاستدعاء قام على توضيح ما لكلا الكلمتين من صفة دلالية فارقة، تتمثَّل في اختلاف انتماء الصوتين إلى جنسين مختلفين، فالصريف للذكور، والرغاء للإناث، وملاحظة تخصيص هذين الصوتين بهذين الجنسين نصَّ عليها بعض العلماء؛ يقول صاحب الغريب: "وقد بغمت الناقة تَبْغُم، فإذا ضجَّت، قيل: رَغَتْ ترغو"[11]؛ ولكن يُلاحظ أنه لم يخصه بالإناث صراحةً، مثلما فعل ثعلب.







    وهناك عدة نصوص تدل على عدم تخصيص هذين اللفظين لنوع بعينه، واستعملت هذه النصوص كلا اللفظين مع لفظ (البعير) وهو مما يطلق على الذكور أو الإناث[12]، قال قطرب: "قالوا في صوت البعير: رغا يرغو..."[13]، وفي التهذيب: "قال الليث: رغا البعير يرغو رغاءً "[14]. وفيه: "والصريف: صوت الأنياب والأبواب"[15]، وفي الغريب: " والأجش: الجهير الصوت، والصليل والصريف مثله"[16]، وقال الجوهري: "... وكذلك صريف الباب، وصريف ناب البعير، يقال: ناقة صروف: بينة الصريف"[17]، وقد جعل الأصمعي (الصريف) لكل من الجنسين، لكن في حالتين مختلفتين، فقال: "إذا كان الصريف من الفحولة، فهو من النشاط، وإذا كان من الإناث فهو من الإعياء"[18]، وبذلك يختلف تفريق ثعلب عنه من وجهين:



    الأول: أن ثعلبًا خصَّص الصريفَ بالذكور فقط بينما جعله الأصمعي للجنسين.



    والثاني: أن ثعلبًا جعل الصريف في حالة الضجر، بينما جعله الأصمعي في حالة النشاط للفحل.







    وفي ضوء ما اطلعت عليه من نصوص يبقي تحديد الصريف بالذكور، والرغاء بالإناث منسوبًا لثعلب[19].











    [1] د. عصام فاروق: أستاذ مساعد (مشارك)، ورئيس قسم أصول اللغة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان - جامعة الأزهر.



    [2] شرح ديوان زهير (127).



    [3] ينظر: شرح ديوان زهير (6).



    [4] شرح ديوان زهير (64).



    [5] شرح ديوان زهير (383).



    [6] التهذيب (مادة: ن.ج. م 11/ 127، 129).



    [7] شرح ديوان زهير (84).



    [8] التهذيب (مادة: ر. أ. ض 12/ 56).



    [9] حفافاه: جانباه، الرذايا، جمع رذية: وهي المعيبة من الإبل، سقطت من الجهد وتخلَّفت، والمتن: الوسط، والمفتر: الضعيف، والمعنى: يصف الطريق بأنه من بُعده ترذى الإبل فتبرك في جانبيه ووسطه.



    [10] شرح ديوان زهير (262).



    [11] الغريب (3/ 863).



    [12] يقول الأصمعي: "البعير من الإبل بمنزلة الإنسان، يقع على الجمل والناقة إذا أجذعا"؛ التهذيب (2/ 377)، وينظر: الصحاح مادة (ب. ع. ر).



    [13] الفرق في اللغة (157).



    [14] مادة (ر. غ. و) وفي الصحاح، والقاموس في المادة نفسها.



    [15] التهذيب (مادة: ص.ر.ف 12/ 162).



    [16] الغريب (1/ 66).



    [17] الصحاح (ص. ر. ف) ومن هذه النصوص أيضًا: قال " أبو زيد: صرف البعير بنابه يصرف صريفًا: صوَّتَ". المخصص (7/ 79)، وقال ابن فارس: "...ومن الباب الصريف، وهو صوت ناب البعير، وسمي بذلك؛ لأنه يردِّده ويرجعه"؛ المقاييس مادة (ص.ر.ف)، وقال في كتاب الفرق: "صاح الإنسان وصوَّت... ورغا البعير، وهدر، وذلك عند هيجه" ص (70)، وقال الفيروزآبادي: "رغا البعير والضبع والنعام رُغاءً بالضمِّ صوَّتت فضجَّت، والصبي بكى أشدَّ البكاء، وناقة رَغُوٌ كعدو كثيرته"؛ القاموس، مادة (ر.غ. و).



    [18] اللسان (ص. ر. ف).



    [19] وذكر محقِّق شرح ديوان زهير ما نصه: "ولم أجد في كتب اللغة أن الصريف خاص بالجمل والرغاء بالناقة، كما قال الشارح"، هامش رقم (أ)، ص(262).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير

    التفريق الدلالي عند ثعلب من خلال شرحه ديوان زهير (3) التوظيف
    د. عصام فاروق


    من خلال فحص توظيف التفريق الدلالي عند ثعلب في شرح أبيات ديوان زهير، نجد أنه استطاع أن يُوظِّف ذلك التفريق، ويثبت إمكانية استخدامه آليةً من آليات شرح المعنى، خصوصًا بين الألفاظ متقاربة المعاني.

    فمن أكثر ما يحدد المعنى ويشرحه، أن تذكر له صفة دلالية فارقة بينه وبين غيره من الألفاظ القريبة في المعنى؛ ولكن إذا نظرنا إلى الكيفية التي وظَّف بها ثعلب هذه الفروق في شرحه أبيات ديوان زهير، فيمكن قول ما يلي:
    أرى أنه لم يوظف تلك الفروق في شرح الأبيات، وبيان سرِّ روعتها وتميُّزها توظيفًا يليق باستشهاده بها، يعتمد فيه على منهجية ثابتة في التفريق.

    قد يُفرض على ثعلب توظيفُ التفريق عندما يرد اللفظان أو الألفاظ التي بينها فروق دلالية في بيتٍ واحدٍ؛ وذلك لبيان سبب ذلك التعدُّد، خصوصًا إذا عُطف بين هذه الألفاظ، ومنه العطف بين (سحيل ومبرم) في المثال التالي؛ حيث إن كلًّا منهما يتميَّز بصفة ليست في الآخر، ويوضح هذا أكثر ما يوضح قولُ زهير قبل الكلمتين: "على كل حال" من حيث شموله لكلا الحالتين المذكورتين، وهذا هو المثال:
    قال ثعلب في شرح كلمتي: (سحيل ومبرم) في قول زهير:[الطويل]
    يمينًا لنعم السيدان وجدتما ♦♦♦ على كل حال من سَحيلٍ ومُبرم [2]


    "وأصل السحيل والمبرم، أن المبرم يفتل خيطيه، ثم يصيران خيطًا واحدًا، والسحيل: خيط واحد لا يضم إليه آخر، ويقال: السحيل الذي قد مدَّ ولم يفتل بَعْدُ، وأنشد للعجاج:
    بات يصادي أمره أمبرمه ♦♦♦ أعصمه أم السحيل أعصمه"[3]


    يجمع بين هذين اللفظين معنى دلالي عام، وهو الدلالة على الخيط غير أن هناك صفات دلالية فارقة بينهما؛ هي أن: السحيل: خيط واحد، أو أنه خيط ممدود لم يفتل بعد، والمبرم: خيطان مفتولان.

    وإلى مثل هذا ذهب الجوهري، فقال: "السحيل: الخيط غير مفتول، والسحيل من الثياب: ما كان غزله طاقًا واحدًا، والمبرم: المفتول الغزل طاقين... والسحيل من الحبل الذي يفتل فتلًا واحدًا، كما يفتل الخياط سلكه، والمبرم: أن يجمع بين نسيجين، فيفتلا حبلًا واحدًا"[4].


    وقال الزمخشري: "والأصل الخيط السحيل، وهو ما كان طاقًا واحدًا، والمبرم: طاقان يفتلان حتى يصيرا واحدًا"[5].

    يمكن الاعتماد في التفريق بينهما أيضًا على الاشتقاق، فمن ضمن الأصول التي تدل مادة (س.ح.ل) تسهيل شيء وتعجيله، ومنه السحيل فهو الخيط الذي فتل فتلًا رخوًا؛ لعدم ضمِّه إلى غيره أو تقويته به، بينما يأتي معنى إحكام الشيء ضمن معاني مادة (ب. ر. م) وهو عكس المعنى السابق، من حيث إحكام فتل الحبل بضمِّ أحدهما إلى الآخر [6].

    ومثل المثال السابق ورود كلمتي (الهدي والجار) في بيتٍ واحدٍ، وكذلك (الكشف والعزل والميل) و(الزاهق والزهم والشنون).


    لكنَّ هذا النمط ليس حاكمًا في التوظيف؛ حيث قد يرد لفظٌ واحدٌ من الألفاظ المفرق بينها، ويثبت ثعلب معناه باستدعاء لفظ آخر يجمع بينهما معنى دلالي عام، ثم يعمد إلى ذكر ما بينهما من فروق.

    - قد لا ينسجم ما أورده ثعلب من تفريق بين اللفظين مع السياق الذي أوردهما زهير من أجله، ففي قوله: (شادنًا خرقًا) ذكر زهير صفتين لولد الظبية هما: شادن وخرق، وهو ما يوحي بأن كلا الصفتين لا اختلاف بينهما، بينما بيَّن ثعلب أن هناك فرقًا دلاليًّا بين (شادن وخرق) يتمثل في أنهما متضادان في المعنى، وهو بذلك يوظف الفروق توظيفًا سلبيًّا، يتناقض مع وصف زهير وإيراده كلا اللفظين، وهذا تحليل للمثال:
    قال ثعلب في شرح كلمتي (شَادنًا خَرِقًا) في قول زهير: [البسيط]
    بِجيدٍ مغزلةٍ أدماءَ خاذلةٍ ♦♦♦ من الظِّباءِ تُرَاعى شادنًا خَرِقا [7]


    " الشادن: الذي قد اشتد لحمه... الخَرِق: الذي لا يقدر أن يتحرك، ولا يدري كيف يأخُذ من ضعفه وصغره، يقال: خَرِق، وإذا تحرك وقوي قيل: شدَن"[8].

    وقال شارحًا (الشادن) في قوله: [المنسرح]
    مثل دم الشادنِ الذَّبيحِ إذا ♦♦♦ أتأقَ منها الرَّاوُوقَ شاربُها [9]


    " الشادن: الغزال حين يقوى ويمشي فقد شَدَن" [10].
    يجمع بين هذين اللفظين اللذين فرَّق بينهما ثعلب معنى دلاليٌّ عامٌّ، يتمثَّل في كونهما من الألفاظ الدالة على ولد الظبية الصَّغير؛ لكن من الواضح أنهما يدلان على مرحلتين من مراحل نمو هذا الصغير، وهو ما اعتمد عليه ثعلب بجعل كل مرحلة تحمل صفة دلالية فارقة من حيث الضعف والقوة على النحو التالي:
    1- الشادن: الذي تحرَّك وقوي وصحب أمَّه، نتيجة اشتداد لحمه.


    2- الخرق: الذي لا يقدر على الحركة لضعفه، وصغره، وهي مرحلة سابقة على مرحلة الشدون.

    وهاتان الصفتان أوردهما العلماء عند ذكر الكلمتين، ففي التهذيب: "قال الليث: شدَن الصبي، والخِشف فهو يشدن شدونًا، إذا صلح جسمه وترعرع، ويقال للمهر أيضًا: قد شدن، فإذا أفردت الشادن فهو ولد الطبية... وقال أبو عبيد: الشادن من أولاد الظباء الذي قوي وطلع قرناه" [11].

    وقال الفيروزآبادي في (خرق): "...وولد الظبية الضعيف القوائم... وأن يَفْرِقَ الغزال فيعجِز عن النهوض، والطائر فلا يقدر على الطيران خَرِق كفَرِح فهو خَرِقٌ، وهي خَرِقةٌ" [12].

    ويمكننا أن نفرق بين اللفظين: (الشادن) و(الخرق) من خلال اختلاف المعنى العام لكلا المادتين اللتين تنتميان إليهما - بعيدًا عن كونهما يمثِّلان مرحلتين من مراحل نمو الصغير من ولد الظبية - فالمادة التي تنتمى إليها الكلمة الأولى وهي (ش. د. ن) تدل "على صلاح في الجسم، يقال: شدن الظبي يشدن شدونًا، إذا صلح جسمه"[13]، وهو وصف يطلق على ما قوي وتحرَّك واستغنى عن أُمِّه غزالًا كان أو غيره من أولاد ذوات الظلف والخف والحافر؛ لكنه غلب على الغزال، ففي المخصص: "قال أبو عليٍّ: قال أبو العباس: كل ما قارب القوة من الحيوان فقد شدَن، وحقيقة الشدون: الحركة؛ يقولون: ناقة مشدون للتي قد شدن ولدها وتحرَّك، وغلب الشادن على ولد الظبية حتى صار اسمًا غالبًا"[14].


    بينما تنتمي الكلمة الثانية إلى مادة (خ. ر. ق) التي تدل على الضعف وعدم القدرة على الحركة - كما في نص الفيروزآبادي السابق ذكره - وإطلاقه أيضًا قد يشمل مع الظبي غيرَه؛ كالطائر.



    [1] أستاذ مساعد (مشارك)، ورئيس قسم أصول اللغة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان - جامعة الأزهر.

    [2] يقسم بأن ممدوحيْه - الحارث بن عوف، وهرم بن سنان- نِعْمَ السيدان وجدا في كل حال من شدة الأمر وسهولته.

    [3] شرح ديوان زهير (15).

    [4] الصحاح (س. ح. ل).

    [5] أساس البلاغة (1 /58)، وينظر: التهذيب (مادة: س. ح. ل 4/305، ب. ر. م 15/ 221)، والصحاح (ب. ر. م)، والقاموس (ب. ر. م) و(س. ح. ل).

    [6] ينظر: المقاييس (ب. ر. م)، (س. ح. ل).

    [7] مغزلة: معها غزال، أدماء: خالصة البياض، الخاذلة: المتأخرة عن الظباء، يشبه المحبوبة وجيدها كأنه جيدظبية خالصة البياض معها ولدها، حَذِرة لمراعاتها ولدها.

    [8] شرح ديوان زهير (35).

    [9] أتأق: ملأ، الراووق: المصفاة؛ يقول: يصف الخمر بأنها مثل دم الغزال المذبوح، ملأ الدمُ المصفاةَ للشاربين.

    [10] شرح ديوان زهير (267).

    [11] التهذيب (مادة: ش.د.ن 11 /322)، وينظر: الصحاح والقاموس واللسان مادة (ش. د. ن)، المنتخب (1 /147).

    [12] القاموس المحيط مادة (خ. ر. ق).

    [13] مقاييس اللغة مادة (ش. د. ن).

    [14] المخصص (8 /21).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •